عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 06-11-2014, 08:58 PM
 
الغابة السوداء ( 3 )



كان حفلا رائعا شبيها بحفلات رجال الأعمال التي نشاهدها في السينما .. أكواب العصير تتوزع على الحضور من خادمتين ترتديان زيا موحدا .. والحديث غالبا ما يكون جانبيا بين مجموعات من الضيوف أو علنيا في أحيانا قليلة ..
وكان جو الحفلة العام صاخبا نوعا ما .. الأمر الذي أشعرني بشيء من الارتياح .. خاصة وأنني أعيش حياة هادئة راكدة بعيده عن الصخب تماما .. دعك من الأستاذ ( إبراهيم ) مدير المدرسة قد انشغل عني مصافحة هذا والحديث مع ذاك .. كان واضحا أن له صداقات وصلات عديدة مع معظم الحضور ..
هكذا الحياة في ( الكويت ) .. مبنية تماما على العلاقات الشخصية فأنت تحاسب في اغلب الأوقات على من تعرف .. وليس على ما تعرف !! .. وبما انه ليست لي أي علاقات شخصية على الإطلاق سواء مع أشخاص مهمين أو غير مهمين داخل نطاق الحفل أو خارجه .. فقد اخترت الذهاب إلى المكان الوحيد الهادئ البعيد عن كل هذا الصخب .. الشرفة .. حيث المفر الوحيد وان بدا هذا أمرا غير لائق ..
تسللت الى هناك وأعطيت ظهري لكل هؤلاء الناس ورحت ارمق الظلام النقي المخيف على المزرعة الكبيرة .. المزرعة هادئة صامته تماما تنعكس عليها الأضواء الشاحبة التي تنبعث من المنزل كنت اسمع صوت المدعوين الذين ادير لهم ظهري واسمع ضحكاتهم المتبادلة ..
وفي جو الحفلات والولائم تصبح كل دعابة بسيطة وكأنها نكتة عظيمة تدفع الجميع الى الضحك والقهقهة ولا اعرف سببا لذلك في الواقع .. لكنني انتبهت الى انهم قد صمتوا جميعا فجأة .. فاستدرت لارى ما هنالك .. وإذا بالدكتور ( علي ) يقف في منتصف الدرج المؤدي الى الدور الثاني وكأنه يريد ان يلقي خطابا ثوريا .. فدخلت الى صالة المنزل الفخمة لأرى ما يدور هناك .. وإذا به يقول باعتداد وثقة هائلة بالنفس :
- أتشرف فعلا بوجودكم هنا وأنها لفرصة نادرة ان أقوم بدعوة اقرب أصدقائي لمزرعتي الجديدة ..
وهنا تعالى التصفيق .. وكأنني في البلاط النمساوي ان هذا الجو يختلف كثيرا عن أجواء الدعوات المعتادة في ( الكويت ) .. حيث ينتهي الأمر بصواني اللحم والدجاج على الأرض ليجتمع حول الواحدة منها خمس او ست اشخاص للاجهاز على ما فيها ..
أما هنا فالأمر يختلف والجو رسمي لأقصى حد .. و .. وكأن الأستاذ ( إبراهيم ) المدير قد قرأ افكاري .. فمال الى اذني هامسا مبتسما :
- ان الدكتور ( علي ) قد أقام في أوروبا اكثر من ثلاث وعشرون عاما .. وهو منبهر كثيرا بكل ما هو غربي …
فقمت بهز رأسي متفهما ..
واستمر الحفل بصورته المعتادة .. أتأمل وأجوب المكان بعيني .. التماثيل الاثريه الرائعة التي تبدو لي إغريقية واللوحات الفنية بالغة القدم والفخامة .. كل هذا مريح للعين الى حد لا يوصف .. لقد كنت استمتع بروعة المكان وانا منطويا ملتصقا بالدير .. الأمر الذي أعطاني شعورا طفو ليا محببا بأنني في حماية ( بابا ) .. وهو امر لم اشعر به في حياتي .. بل انني لم استخدم كلمة ( بابا ) على الإطلاق .. أما كلمة ( ماما ) فقد قلتها لجدتي ولازلت أقولها ..
كانوا يصخبون .. يمرحون .. يضحكون .. لكنني كنت انظر الى كل شيء بشرود وبنظرة خاوية .. عيناي ترحلان الى عوالم أخرى غير مرئية .. سمعي وذهني كانا في ارض أخرى .. ارض نائية بلا بشر .. ورحت أدعو الله ان ينتهي هذا الحفل بأسرع وقت كي انفرد بنفسي وأحلامي .. ان جو الحفلات هذا لا يناسبني إطلاقا ..
تقولون إنني إنسان كئيب لا يستمتع أحد بمرافقتي ؟! ..
أقول : معكم حق !!
وانا غارقا في تلك الخواطر التفت لارى لوحة قديمة جدا يطل من كل جزء منها العمق الحظا ري لأوروبا وتاريخها العريق .. ولكنها وعلى الرغم من هذا كانت لوحة مخيفة لا تخلو من البشاعة .. والغريب انها كانت تحتل ركنا هاما من المنزل كيف لم الحظها من البداية ؟ .. لا اعلم ..
كان الدكتور ( علي ) يقف مزهوا وهو يشرح لنا ولع زوجته بالتحف الأثرية واللوحات الفنية القديمة .. لأنه كما يقول يحترم هواية زوجته ويحب ولعها بالآثار التي نطلق عليها اسم ( أل أنتيك ) .. حتى انه قد دفع ثروة طائلة للحصول على هذه التحف واللوحات الفنية .. ولكن أحد الحاضرين قاطعه ليسأل السؤال الذي يجول بخاطري في هذه اللحظات بالذات :
- معذرة لمقاطعتك يا دكتور ( علي ) ولكن هذه اللوحة غريبة للغاية .. وارجو ألا تنزعج لو قلت لك بأنها تبدو مخيفة بعض الشيء .. نعم إنها تبدو بالغة القدم ولكن .. ليست كل اللوحات الفنية الأثرية جميلة أليس كذلك ؟!
سمعت همهمه من البعض تؤيد كلام الضيف الذي سأل ذلك السؤال ..
تأملت اللوحة مرة أخرى .. لا يمكن ألا ينتبه أحد لهذا الجو الكابوسي المريع الذي يجعل روحك تقشعر بين الضلوع .. كانت اللوحة تحوي أشجار سوداء وسماءها قرمزية حالكة .. لا استبعد ان يكون الرسام مريض شيزوفرانيا موهوب .. حيث يرينا قطعة من ذاته المنذرة بالويل والأهوال .. وكان اكثر ما يثير الاشمئزاز في اللوحة هو تلك المرأة .. امرأة سوداء الشعر ترتدي ثوبا اسودا طويلا تدير ظهرها لنا فلا نستطيع تبين وجهها .. وتمسك بخنجر حاد !!
لوحة مرعبة بحق .. بل هي الهول ذاته .. كما ان الطابع العتيق الأثري لها الذي تخطئه العين الخبيرة ولا حتى العين غير الخبيرة قد أعطاها جوا كابوسيا رهيبا ..

- يا للبشاعة ..
كذا صحت دون أن اشعر ..

فالتفت الي الدكتور ( علي ) مبتسما بفخر لا اعرف سببه .. ليحمر وجهي خجلا ويبدو ارتباكي واضحا ..
ثم التفت الدكتور الى من سأله هذا السؤال ليقول :
- قد تكون بشعة كما ذكرت .. لكنها ثمينة للغية وبالغة القدم .. إذ يعود عمرها لاكثر من خمسمائة عام .. لقد اشتريتها من أوروبا ودفعت ما يقارب النصف مليون جنيه إسترليني ثمنا لها .. إنها لوحة ( الغابة السوداء )..
ألم تسمع بها من قبل ؟
هز الضيف رأسه علامة النفي ..
استطرد الدكتور ( علي ) قائلا بصوت مرتفع كي يسمعه الحضور :
- إن وراء هذه اللوحة والتي تحمل اسم (الغابة السوداء)كما ذكرت قصة مشوقة للغاية ..
ونظر الى زوجته بخبث .. ليكمل قائلا :
- هي التي سترويها لكم .. فهي التي طلبت مني شراء اللوحة .. وتعرف قصتها بكل تفاصيلها المهمة .. لذا فالأفضل أن تكون على لسانها



  #27  
قديم 06-11-2014, 08:59 PM
 
الغابة السوداء ( 4 )


التفت أيليها الجميع باهتمام .. فابتسمت بثقة وبشيء من الفخر – وبإنجليزية جيده - :
يعود عمر هذه اللوحة الى عام 1503 م .. حيث كانت هناك مقاطعة هادئة في ( فرنسا ) يعيش فيها فلاحين بوسطاء ويحكمهم حاكم طيب متسامح يحبه الجميع …
وكانت توجد على الحدود الغريبة للمقاطعة غابة كثيفة قيل انه تعيش فيها ساحرة اسمها ( ناتاشا )
لم ير أحد هذه الساحرة من قبل ولم يعرف الأهالي البسطاء مكان إقامتها في الغابة ولكن أسطورتها كانت متداولة بشكل واسع .. حتى أصبحت الغابة بمثابة المنطقة المحرمة التي يخشى الأهالي وحتى الحاكم نفسه الولوج بين أشجارها الكثيفة المتشابكة .
صمتت السيدة ( موريسا ) قليلا لترى تأثير كلامها على وجوهنا .. كنا جميعا مشدودين تماما الى القصة .. فابتسمت بفخر وأكملت قائلة :
وبعد سنوات طويلة توفي حاكم المقاطعة ليحكمها ابنه الذي كان رجلا شجاعا باسلا وكاثوليكيا متدينا .. لذا فقد كان أول ما يريد فعله هو تحطيم أسطورة تلك الساحرة فالإنجيل واضح وصريح بشأن الساحرات اذ ان هناك جملة في الإصحاح ( 22 ) الآية ( 18 ) تقول ( لا تدع ساحرة تعيش ) .. والساحر او الساحرة كما تعلمون ملعونين في كل الأديان السماوية ..
ولم يكن إقناع الأهالي البسطاء باقتحام الغابة والبحث عن الساحرة بالأمر السهل ..فقد كانت أسطورتها مسيطرة تماما على عقولهم على الرغم من أن أحدا منهم لم ير الساحرة ( ناتاشا ) في حياته كما ذكرت .. وأمام خوف الأهالي لم يجد الحاكم الجديد بدا من أن يقوم بتجميع عدد كبير من الرجال الأشداء من المقاطعات الأخرى ليقودهم هو بنفسه وبوازع ديني للولوج الى الغابة والبحث عن تلك الساحرة وقتلها بأي ثمن وهذا ما حدث بالفعل !!
ففي غضون اشهر قليلة كان الحاكم قد كون جيشا صغيرا قوامه اكثر من ستون رجلا للبحث عن الساحرة في الغابة والقبض عليها وإعدامها .. ولكن البحث عن مكان إقامتها لم يكن بالأمر الهين خاصة في غابة هائلة الحجم كثيفة الأشجار ..
فظلوا يبحثون فيها لفترة طويلة وصلت الى أسبوعين تقريبا الى أن جاء الفرج ووجدوا كوخ صغير متواضع مخفي وسط الأشجار العملاقة .. فاقتحموه وفتشوا كل ركنا فيه وكان واضحا لهم من خلال الأوراق التي وجدوها في الكوخ والتي حوت رموز غريبة لم يفهموا منها شيئا ان هذا هو المكان المقصود لكنهم لم يجدوا أي اثر للساحرة .. كل ما وجوده في الكوخ هو تلك الأوراق ذات الرموز الغريبة .. واللوحة التي ترونها أمامكم الآن ..
لقد قيل ان الساحرة استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة !! .. قد يبدو هذا سخيفا .. ولكن هذا ماكان يقال بالفعل حول تلك اللوحة بوجود المرأة التي تدير لنا ظهرها .. خاصة بعد اختفاء الساحرة تماما وعدم ظهور أي اثر لها ..
ولسبب أجهله .. لم يتخلص أحد من اللوحة .. لتنتقل بعدها الى الكثير من التجار حتى استقرت في منزلنا بعد خمسمائة عام تقريبا من تاريخ العثور عليها .. إنها تحفة أثرية رائعة .. وان كانت بشعة المنظر .. وقد أطلق على اللوحة اسم ( الغابة السوداء ) كما أخبركم زوجي العزيز .
انتهت من حديثها ولم ينته صمتنا وانبهارنا .. لوحة عمرها خمسمائة عام ؟ .. هذا أمر يفوق الوصف فعلا .. ولكن أن تأتي هذه السيدة الفرنسية وتدفع نصف مليون جنيه إسترليني للحصول عليها ؟ .. ان المجانين في هذا العالم لا حصر لهم .. لماذا لا تشتري اذا هيكلا عظميا لفيل الماموث ؟!
قلتها لنفسي ساخرا .. راقت لي الدعابة .. فشرعت اضحك بخفوت .. في حين راح الحضور يسألون مزيدا من الأسئلة عن تاريخ هذه اللوحة التي أثارت اهتمام الجميع بما فيهم انا الى أقصى حد ..
ان قصة اللوحة مثيرة بالفعل ومخيفة نوعا ما وانا لا اسخر من شيء سوى المبلغ الهائل الذي تم دفعه لاقناعها ..
نسينا مع مرور الوقت كل ما يتعلق بهذه اللوحة الأثرية وشرع الجميع يتحدثون بامور كثيرة أخرى لم يكن لي أي دور فيها سوى الاستماع .. ولم يفت الأستاذ ( إبراهيم ) ان يخبر الدكتور ( علي ) عني وأنني سأكون طالبا جديدا في كلية الطب .. وان عليه ان يرعاني وينتبه الى ذكائي خاصة وانني نابغة احتاج الى الاهتمام كي اصبح من افضل الأطباء ..
ليس هذا كلامي بل كلامه هو .. وانا اشكره كثيرا في الواقع .. فشرع الدكتور ( علي ) بدوره يسألني أسئلة عديدة متعلقة بميولي وهواياتي ولماذا أريد ان اصبح طبيبا وما هو الفرع الذي سأجد نفسي فيه .. الخ …
مر الوقت سريعا .. حتى انني نظرت الى ساعتي ووجدتها الحادية عشر والنصف مساء .. وبدا الزوار شيئا فشيئا بالانصراف واحد تلو الآخر حتى تبقى ستة أشخاص فقط .. أصحاب المزرعة بالطبع وهم مضيفينا الدكتور ( علي ) وزوجته الفرنسية ( موريسا ) .. الأستاذ ( إبراهيم ) مدير مدرستنا وزوجته السيدة ( أوراد ) .. وشخصي المتواضع .. بالإضافة الى رجل أعمال عرفت اسمه هو السيد ( حامد ) .. وهو بالمناسبة قصير القامة نسبيا يتمتع بصحة هائلة وذو بنية رياضية على الرغم من سنوات عمره التي تجاوزت الخمسين كما يبدو لي .. ذو شخصية كاسحة كما لاحظت في الحفل ويتحدث بصوت عال دائما .. يبدو لي انه رجل عصامي بدأ حياته من الصفر وكون نفسه بنفسه .. وهو رجل أعزب يرفض تماما فكرة الزواج لان الزواج كما يقول ( هو مقبرة الإنسان ) علاقة متشابكة معقدة هي مزيجا من النكد وتحمل المسؤولية فعادة ما ترى المرأة ان الرجل كاذب كبير يتصنع الرقة .. في حين يراها هو سخيفة تافهة لا هدف لها في الحياة ..
هذا هو راي السيد ( حامد ) في الزواج .. لا أستطيع ان اقبل راية .. ولا حتى ارفضه ..
هذه هي الخلطة البشرية الموجودة في تلك المزرعة الهائلة ..
وما دمت انا معهم .. فلك ان تتوقع مصيبة ما !!
والواقع ان ما سيحدث ليس بمصيبة بل شيء آخر سيغير مجرى حياتي .. ذلك المجرى الذي اصبح يتغير اكثر من اللازم مؤخرا .. ولكن .. دعونا لا نسبق الأحداث .
  #28  
قديم 06-11-2014, 08:59 PM
 
الغابة السوداء ( 5 )


جلسنا جميعا في صالة الاستقبال وباسترخاء اكثر .. خاصة وبعد ان اصبح المكان هادئا برحيل الزوار .. مرت ساعة ونحن نتحدث بامور عديدة عن حال البلد القوانين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية العديدة الاخرى التي تحتاج الى اصلاح ما بعده اصلاح وغيرها من أمور كثيره ..
مع مرور الوقت بدأت اشعر بالملل والنعاس .. المشكلة ان الأستاذ ( ابراهيم ) يرى انه من اعز وافضل أصدقاء الدكتور ( علي ) .. لذا فانه يرى ان من حقه المكوث ليكون آخر الخارجين ولقضاء اطول وقت ممكن مع صديق العمر .. خاصة وان مشاغل الدنيا تجعل من لقاءات كهذه فرص قليلة جدا بل نادرة ..
واعتقد ان الأمر نفسة ينطبق على رجل الأعمال السيد ( حامد ) الذي بقى أيضا
كان كل شيء يوحي بان السهرة اقتربت من نهايتها .. إلا ان السيدة ( موريسا ) قد استأذنتنا للذهاب الى المطبخ لجلب بعض أكواب العصير لأنها كما أخبرتنا قد صرفت جميع الخدم الذين أنهكهم التعب على ان يعودوا جميعا في الغد للتنظيف .. وبعد ذهابها الى المطبخ بدقيقتين على الأكثر ..
حدث شيء لم يتوقعه احد على الاطلاق .. فقد انقطع التيار الكهربائي ليحل علينا الظلام فجأة ثقيلا على صدورنا كالجاثوم .. فشهقت السيدة ( اوراد ) فزعا .. لينهض مضيفنا الدكتور ( علي ) من مكانه وهو يضحك بطريقة توحي بان كل شيء تحت سيطرته .. فنادى زوجته بصوت مرتفع كي تسمعه وهي بالمطبخ :
- ( موريسا ) .. ارجو ان تجلبي لنا بعض الشموع ..
سمعناها ترد بصوت متوتر وقد بدا واضحا انها تخشى الظلام :
- هذا ما افعله ..
ثم قال لنا الدكتور ( علي ) بمرح مصطنع محاولا تلطيف الجو :
- لحسن الحظ ان هذا قد حدث بعد ان رحلو جميعا .. اما انتم فلستم اغربا ولن اشعر بالخجل أمامكم ..
همهموا بكلمات شكر ..
لم تكن هناك أي أضواء قادمة من أي مكان خارج الفيلا .. فهي تقع وسط مزرعة كبيرة .. وتبعد عنا اقرب مزرعة مسافة بعيدة نسبيا .. لذا فقد كان الظلام دامسا ..
والحقيقة انني كنت اشعر بتوتر بعض الشيء فأنا وعلى الرقم من وجود الصحبة الآدمية .. اخشى الظلام .. أخشاه بشدة منذ قصتي الكابوسية إياها مع تحضير الأرواح ..
- هل نذهب للتأكد من صندوق الكهرباء ؟
قالها الاستاذ ( ابراهيم ) مستفسرا ..
رد علية الدكتور ( علي ) بحرج :
- لا عليك .. إن أشياء كهذه تحدث .. سأذهب أنا على كل حال .. سأستخدم قداحتي .. لقد نسيت أن أشعلها حتى أبدد بعضا من هذا الظلام ..
وبالفعل أشعل قداحته ونهض بعدها ليطمئن على صندوق الكهرباء في الطابق العلوي .. لم يغب اكثر من خمس دقائق على الأكثر .. قبل ان نسمع صراخا رهيبا …

- انقذووووووووني . . . اااااااه !!

كان هذا صراخ الدكتور ( علي ) قادما من الطابق العلوي !! .. تجمدت الدماء بعروقنا .. وسمعنا بعدها بفترة قصيرة صوت زوجته تنادي من المطبخ بهلع :
- ما الذي يجري هنا ؟! .. أرجوكم تعالوا إلى لا تتركوني وحدي ..
كان واضحا ان صراخ الدكتور ( علي ) والظلام الشديد قد سببا لها رعب هائل حتى أصبحت لا تجرؤ على ان تأتى بنفسها وتريد من ياتي اليها ليصطحبها الى صالة الاستقبال ..

صعقنا لثوان مما يحدث حتى اننا تجمدنا بدورنا في مكاننا ونحن نشعر بارتباك شديد عاجزين عن اتخاذ أي رد فعل سريع .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) كان اول من تدارك الوضع وتحرك .. فقد هب من مكانه مسرعا معتمدا على صوت السيدة ( موريسا ) حتى يعرف مكان المطبخ ليذهب ويأتي بها الى الصالة وبالطبع سمعت صوت اصطدامه بقطع الأثاث بسبب توتره وعدم معرفته الكاملة بتفاصيل الفيلا ..
في حين كان السيد ( حامد ) ينادي الدكتور ( علي ) كي يعرف مكانه وسبب صراخه .. ولكن هذا الاخير لم يرد على الاطلاق .. وبالطبع فان هذا قد سبب لنا ارتباكا وخوفا شديدين لا حدود لهما .. وبعد لحظات بدت لنا دهرا .. سمعنا صوت السيدة ( موريسا ) وهي قادمة بصحبة الاستاذ ( ابراهيم ) تسألنا بفزع :
- ما الذي حدث لزوجي ؟ .. لماذا كان يصرخ ؟ .. فلنذهب اليه .. ماذا ننتظر ؟
رد عليها السيد ( حامد ) بتوتر :
- لا نعرف اين نبحث عنه بالطابق العلوي .. فالمنزل كما هو واضح كبير ومليء بالغرف والظلام دامس ..
صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بشيء من الحدة :
- لن يكون الظلام مشكلة .. ستعتاد اعيننا سريعا لنذهب انا وانت للبحث عن الدكتور ( علي ) يا ( حامد ) ..
وبالفعل ترك الاستاذ ( ابراهيم ) السيدة ( موريسا ) مع زوجته ونهض مع السيد ( حامد ) للبحث عن الدكتور مستعينين بجهاز إشعال البوتاجاز الذي لم تنتبه اليه السيدة ( موريسا ) الا بعد ان سألناها عنه .. وهذا ليس غباء منها بالطبع .. فكل انسان معرض لان ينسى في ضر وف كهذه .. خاصة حين يسمع اقرب اقربائه وهو يصرخ بهذه الصورة التي افزعت الجميع ..
غاب الاستاذ ( ابراهيم ) والسيد ( حامد ) بعض الوقت ونحن غارقون في الظلام الذي اعتادته اعيننا نوعا ما .. ليعودا بعد دقائق بدت لنا دهرا والتوتر والوجوم باديين على وجهيهما بوضوح رغم نور مشعل البوتاجاز الخافت .. كنت اظن انهما سيقولان بان الدكتور ( علي ) قد مات بسبب مس كهربائي او ما شابه ..
ولكن السيد ( حامد ) فجر قنبلة لم نتوقعها اطلاقا عندما قال بحنق :
- لم نجده على الاطلاق لقد اختفى ..
صاحت السيدة ( موريسا ) بهلع حقيقي :
- كيف ؟ كيف اختفى .. والى اين ذهب ؟ .. لا يمكن ان يذهب لاي مكان بعد صراخه هذا ان شيئا غريبا يحدث هنا ..
ثم قالت بقلق وكأنها تذكرت شيئا :
- ولماذا كان يصرخ أصلا ؟ .. من يصاب بمس كهربائي يصرخ بطريقة تختلف تماما عن صراخ زوجي الذي طلب منا ان ننقذه .. ولو سلمنا بان مسا كهربائيا قد أصابه لرأيتماه مستلقيا على الأرض بلا نفس .. اما ان يختفي هكذا فهذا امر بمريب غير مفهوم ..

والواقع ان كلامها صحيحا .. كذا قلت في سري .. كيف يختفي الدكتور ( علي ) بعد سماعنا لصراخه ؟ .. ولماذا ؟ ..
واين هو ؟ .. هل هو حي ؟ .. هل هو مصاب ؟ .. انه امر محير فعلا ..
ظللنا في هذا الوضع بعض الوقت مصدومين مشدوهين في حالة رعب وكان التوتر يسيطر علينا تماما .. حتى ان السيدة ( موريسا ) قد دفنت وجهها في راحة كفيها وهي تهتز بقوة من شدة الانفعال والقلق على زوجها .. في حين رأيت السيدة ( اوراد ) ملتصقة تماما بزوجها وكأنها تستمد منه الامان وعلامات القلق بادية على كل خلجة من وجهها .. اما السيد ( حامد ) فقد كانت ساقه اليسرى تهتز بقوة وقد تلاشى كبرياؤه وشخصيته التي أظنها كاسحة .. وكان الاستاذ ( ابراهيم ) أكثرنا تماسكا .. اذ رايته جالسا يفكر بعمق محاولا فهم ما يجري وهو ما كنت افعله بالضبط .. لقد كنت اشعر باننا ضائعون تماما فكل شيء مبهم غير مفهوم ..
ظللنا على هذا الحال دقائق قليلة حين سمعنا أصوات هائلة مفاجئة جعلتنا نشب كالقرود من على مقاعدنا .. حرك الاستاذ ( ابراهيم ) المشعل الغير بيده لنرى ما يحدث حولنا .. وهنا راينا شيئا لم اكن لاصدقه لولا ان شاهدته بنفسي !! ..
صحت بالجميع بهلع : انظروا !! .. قضبانا حديدية قد أقفلت على الأبواب والنوافذ !! .
لم يكن هناك داع لإخبارهم بهذه الملاحظة الغبية .. فقد شاهدوا جميعا ما حدث .. ولكنه التوتر والانفعال الزائد الذي يجعل من يرى حادث سيارة ان يصرخ ويقول ببلاهة :
انظروا .. حادث سيارة !! ..
كان ما حدث يفوق الاحتمال حتى اننا وقفنا مشدوهين وقد التصقنا – لا شعوريا – ببعضنا البعض من شدة الرعب ونحن نرمق ما يحدث بذهول ما بعده ذهول ..
هنا صاح السيد ( حامد ) بعصبية شديدة وهو يهرع مسرعا ناحية الهاتف :
- سأطلب الشرطة .. ان الأمر يفوق الاحتمال
ولكن – بالطبع – تبين ان خط الهاتف مقطوع .. اما بالنسبة للهواتف المحمولة فقد كانت جميعا خارج نطاق التغطية .. حتى ان السيدة ( اوراد ) قالت بحيرة شديدة :
- ان هذا مستحيل .. من المفترض ان تعمل الهواتف النقالة .. ان منطقة ( الوفرة ) ليست خارج نطاق التغطية ..
فعاد السيد ( حامد ) وجلس على مقعده كاتما غيظه او _ ربما _ خوفه .. ولا اعلم ان كان غاضبا ام خائفا ..
اشعر باننا نبحر في ليلة مظلمة دون أي وسيلة للإنارة فلا نرى أمامنا وقد نصطدم بأي شيء في أي لحظة ونغرق ..
تخيل ان يكون شعورك هكذا !! .. دعك من اننا منقطعين تماما عن العالم الخارجي .. فحتى لو صرخنا لما سمعنا أحد في هذه البقعة المنعزلة





يتبع ...



  #29  
قديم 06-11-2014, 09:00 PM
 
تهئ تهئ تهئ انا زعلااااااااااااااااااااان حيييييييل
بس بكملها عشانك


الغابة السوداء ( 6 )



وجدت نفسي بعد هذه الخواطر السوداء اسأل نفسي بعصبية وبصوت مسموع من دون قصد :
- ما الذي يجري هنا بالضبط !! .. اننا تائهون تماما ..
قال السيد ( حامد ) وكأنه قد تذكر شيئا :
- مهلا .. سيفتقدنا ذوينا وسيتصل احدهم بالشرطة لا ريب ..
قلت له وانا احاول ان استجمع افكاري واسيطر على اعصابي :
- لا اعتقد ان من قام بحجزنا هنا سينتظر ذلك ..
صاح السيد ( حامد ) بعصبية وقد زال تماما قناع الحضارة الذي كان يرتديه اثناء الحفل :
- وما ادراك ان احدهم يحتجزنا هنا ؟!
قلت له ببساطه اغاظته :
- هذا هو التفسير الوحيد لوجود هذه القضبان الحديدية التي هبطت فجأة قبل قليل .. واراهن ان التيار الكهربائي قد قطع بفعل فاعل .
صمتوا جميعا ..
ان كلامي منطقي تماما ولا يحتاج لذكاء .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) صاح فجأة :
- لقد نسينا امر الدكتور ( علي ) تماما .. يجب ان نبحث عنه مرة اخرى قد يكون في خطر .. لقد كان صراخة مخيفا .. وكأن احدهم كان يحاول قـ . . أ . . اعني . . يجب ان نبحث عنه بسرعه ..
لم يشأ ان يقول ان الدكتور ( علي ) كان يصرخ وكأن احدهم يحاول قتلة .. فقد تذكر ان زوجة الدكتور تجلس معنا ..
ثم اكمل حديثة بحذر :
- لن ادع اقرب اصدقائي في ضروف كهذا .. اني اعرف الدكتور منذ أربعون عاما .. ولم اسمعه قط يصرخ بهذه الصورة ..
صرخت السيدة ( موريسا ) فينا جميعا مفرغة كل انفعالاتها :
- فلنبحث عنه مرة اخرى اذن .. ماذا تنتظرون ؟!
نظرنا اليها جميعا باشفاق شديد .. وسألتها السيدة ( اوراد ) بحيرة :
- وما أدرانا انه لازال في المنزل ؟ ..
صمتنا جميعا .. بالفعل .. ما أدرانا انه لازال في المنزل ..
زفرت بقوة .. ان كل شيء محير مربك بالفعل اشعر ان يد خفية تعبث بنا .. ولكن .. لحظة .. التفت لأسأل السيدة ( موريسا ) :
- كم عدد مخارج الفيلا ؟ .. وكم عدد الغرف ؟ ..
قالت وهي تحاول ان تحصي عدد الغرف :
- هناك مخرجين للفيلا .. احدهما موجود في المطبخ .. والاخر هو البوابة الرئيسية التي دخلتم جميعا منها .. اما بالنسبة للغرف فاعتقد ان الفيلا تحوي اربع عشرة غرفة .. مع ست حمامات بالاضافة الى مطبخين .. وهناك بالطبع غرفة الخدم .. وغرفة السائق . . و . .
سألتها مقاطعا :
- واين هم الخدم والسائق ؟
قالت بنفاذ صبر :
- اخبرتكم من قبل بأنني قد ارسلتهم جميعا الى البيت .. على ان يعودوا غدا بعد الظهر للتنظيف فلا احد يقيم هنا سوى حارس المزرعة .. وقد اعطيته اليوم اجازة .. فلم يكن هناك داع لوجوده ذهب ليقضي الليلة مع اصدقائه وسيعود غدا بعد الظهر ..
صاح ( حامد ) بغضب :
- ما هذا النحس ؟ .. اما انه نحس .. او ان الجميع قد تحالفوا على وضعنا في هذا المأزق !!
قلت محاولا فك خيوط هذا اللغز المتشابكة :
- لو كان هناك مخرجين للفيلا فقط فهذا يعني ان الدكتور ( علي ) مازال موجودا هنا .. فحتى يخرج من الفيلا باستخدام المخرجين .. يجب عليه ان يمر من الصالة منذ اختفاؤه .. فهذا حتما يعني انه لم يغادر الفيلا ..
صاح الاستاذ ( ابراهيم ) بحماس منفعل وهو يقول :
- فلنبحث عنه مرة اخرى اذا .. سنبحث في كل ركن من الفيلا هذه المرة سأذهب انا مع السيد ( حامد ) وسيبحث كل منا منفرد اختصار للوقت .. فالمكان كبير جدا ..
هنا قالت السيدة ( موريسا ) بحدة :
- لن اجلس وحدي هنا
قال لها الاستاذ ( ابراهيم ) مطمئنا :
- سيكون معك ( خالد ) وزوجتي .. فلا خوف عليكم ..
ردت عليه بعصبية سببها توتر الموقف :
- لا اقصد انني اخشى المكوث هنا .. بل اريد البحث عن زوجي .. لن اجلس هنا في حين لا يعلم سوى الله ما الذي جرى له ..
نظر اليها السيد ( حامد ) قليلا ثم قال باستسلام :
- حسنا .. تعالي معنا لو اردت ..
نهضت لتصحب السيد ( حامد ) للبحث عن زوجها .. في حين ذهب الاستاذ ( ابراهيم ) وحده الى ناحية اخرى من الدور العلوي ..
اما انا فقد مكثت مع السيدة ( اوراد ) التي كانت متكورة حول نفسها من شدة الخوف .. اعيننا اعتادت الظلام تماما وقد مضى علينا اكثر من ساعة في هذا الجو المشحون منذ انقطاع التيار الكهربائي واختفاء الدكتور ( علي ) ..
شعرت بانني يجب ان افعل شيئا بدلا من جلوسي هكذا دون هدف .. فنهضت لاجلس بقرب السيدة ( اوراد ) وقلت لها محاولا بث الاطمئنان على روحها :
- لاتخشي شيئا سيدتي .. سنجد الدكتور باذن الله .. وبعدها سنجد وسيلة للخروج من هنا ..
سألتني بشرود :
- كيف
- من الموكد ان ذوينا سيفتقدوننا وسيتصلون بالشرطة ..
- وماذا عن من ينوي ابقائنا هنا لغرض في نفسه ؟ .. الم تقل ذلك قبل قليل ؟ .. الا يثير هذا قلقك ..
- بلى ولكن ..
هنا خرست … فهذا ما اظنة بالفعل .. لن اكذب عليها لاشعرها بالاطمئنان ..

- النجداااااااااااااه
كان هذا صوت السيدة ( موريسا ) قادم من الطابق العلوي .. تلاه صوت السيد ( حامد ) وهو يصرخ وكأن شياطين الدنيا تطارده :

- النجدااااااااه . . انقذووووووووني . . ااااااااااه . .
وصوت اشياء تتحطم ..
اقشعرت ابداننا من الرعب وكادت قلوبنا ان تثب من حلوقنا وسمعنا الاستاذ ( ابراهيم ) وهو يصرخ من الطابق العلوي وصوته يتعالى ثم ينخفض بما يوحي انه كان يدخل الغرف واحدة تلو الاخرى كي يبحث عنهما :
- ما الذي يجري هنا .. اين انتم ؟
صحت بالسيدة ( اوراد ) :
- يجب ان نصعد اليهم لنرى ما يحدث .. ان امرا غريبا يجري هنا !!
لم تقل شيئا .. ولكن رد فعلها كان عمليا جدا .. فقد نهضت مسرعة مستنده الى ذراعي .. ويظهر ان خوفها على زوجها الموجود في الطابق العلوي تغلب على خوفها من هذا الجو المخيف السائد في المكان .. كانت اعيننا قد اعتادت الظلام كما اخبرتكم .. لذا فقد هرعنا الى الطابق العلوي دون ان نصطدم بشيء .. ووجدنا بعد قليل الاستاذ ( ابراهيم ) واقفا بوجوم بجانب احدى الغرف ..
ارتمت زوجته الى حضنه وهي تنتحب بعد ان اطمأنت انه بخير لتسأله :
- ما الذي يجري في هذا المكان اللعين ؟!
لم يرد عليها واكتفى باحتضانها لاشعارها بالامان بينما وقفت انا عاجزا عن التفكير للحظة .. ثم ذهبت لارى ما بداخل الغرفة لاستوضح ما رآه الاستاذ ( ابراهيم ) .. فما رآه على الارجح هو الذي جعله يقف واجما هكذا .. ولكن :
- لا تنظر ..
قالها بصرامة ..
وكان هذا وكأنه امر مباشر كي انظر !! .. فدخلت الغرفة واذا بالسيدة ( موريسا ) ملقية على الارض .. فشهقت بقوة .. ولكن الاستاذ ( ابراهيم ) اخرسني باشارة من يده :
- انها فاقدة الوعي فحسب ..
نظرت في ارجاء الغرفة بحثا عن السيد ( حامد ) .. لكني لم أجده لقد اختفى تماما !! ..



  #30  
قديم 06-11-2014, 09:01 PM
 
الغابة السوداء ( 7 )
دخلنا بعدها الغرفة ونحن نحاول التأكد مما اذا كانت السيدة ( موريسا ) بخير .. حاولنا إنعاشها لتستيقظ بعدها بثوان وقد احتاجت للحظات كي تعرف اين هي وتستوعب ما حدث لها .. ثم استدركت كل شيء وشرعت تتحدث بفزع وتتلفت يمينا ويسارا وهي تقول لاهثة :
- لقد رأيت شيئا مهولا .. امرأة طويلة الشعر ترتدي رداء اسود كبير الحجم .. لقد صرخت عندما رايتها لم اتبين ملامحها فقد كان شعرها الطويل يغطي الكثير من ملامح وجهها ..
صمتت قليلا وكانها تحاول ان تعب اكبر قدر ممكن من الهواء في جوفها لتكمل قائلة :
- لقد اتجهت تلك المرأة مباشرة الى السيد ( حامد ) الذي تجمد في مكانه من هول الرعب ولم تعطه لحظة واحدة ليفكر بما يحدث .. بل قامت بسرعة متناهية بطعنة بوحشية عدت طعنات وهو يصرخ بهلع لا حدود له …
اضافت وهي تبكي بحرقة :
- لقد اغمى علي من هول ما رايت .. فقد شاهدت السيد ( حامد ) وهو يذبح امامي .. كان مشهدا رهيب لا يمكن لان اصفه لكم ..
ثم دفنت وجهها بين كفيها وبدأت ببكاء حار مفرغة كل انفعالاتها فاقتربت منها السيدة ( اوراد ) واحاطتها بذراعها محاولة تهدئتها .. وان كانت هي نفسها بحاجة لذلك ..
وقامت بعدها السيدة ( موريسا ) في هستيريا تسب الظروف التي جعلتها تعيش هذا الجو المرعب ثم تسبنا نحن لأننا ..!! لا ادري بالضبط ما ذنبنا في الموضوع لكنها رأت ان لنا دورا ما لا تعرف كهنه ويستحق التوبيخ .. ربما لأنها كانت تفضل ان نكون نحن في مكان زوجها ..
وبعد دقائق من النحيب سألتهم بتعجب سؤالا بالغ الأهمية :
اين ذهبت جثة السيد ( حامد ) اذا ان كان قد قتل بهذه الطريقة البشعة ؟! .. واين ذهب القاتل او القاتلة على سبيل الدقة ؟! .. لم يجب احد على سؤالي ..
فظللت افكر بصمت فيما يحدث لنا حتى شعرت بانه لا بد من لملمة شتاتنا ..
لذا فقد قلت لهم بحزم :
- اعتقد ان علينا الجلوس قليلا والسيطرة على اعصابنا .. هناك بعض الامور التي تحتاج الى تفكير ..
لم يعترضوا … بل استجابوا تماما .. فقد شعروا ان علينا فعل ذلك حقا حتى نعرف ما يجري هنا ولنجد مخرجا من هذه المزرعة ..
قمنا بالنزول الى صالة الاستقبال ..
وبعد جلوسنا بدقائق من الصمت بدت وكأنها دهرا ..
سألتهم محاولا كشف شيئا من الغموض المحيط بنا :
- هل لاحظ أي منكم شيئا غير عادي وقت الحفلة ؟
بدا لي السؤال سخيفا مبتذلا يردده رجال الشرطة في كل فيلم وكل مسلسل ..
ولكن لحسن الحظ لم يهتم احد لهذا بل وعلى عكس ما توقعت وجدت الاستاذ (ابراهيم ) يضرب رأسه بكفه وهو يقول :
اللعنة .. كيف نسيت هذا .. انه توتر الأعصاب دون شك .. لقد حدث شيئا ظننته عاديا في البداية .. لكني أراه الان يثير الريبة .. ليس في وقت الحفل .. ولكن قبل ذلك فعندما اتصل بي الدكتور ( علي ) ليدعوني الى الحفل كان قد طلب مني ان ابقى الى نهاية الحفل ولا اخرج قبل ان يتحدث الي .. وقال ان الامر هام جدا ..
سكت قليلا .. ثم اردف وكأنه يحاول التذكير :
- والغريب ان السيد ( حامد ) وهو صديق قديم ايضا كما تعلمون قد اخبرني أثناء الحفل ان الدكتور ( علي ) قد طلب منه نفس الطلب .. وقد فاجأني هذا .. ولا زلت اجهل ان كان الدكتور ( علي ) يريد التحدث الى كل منا على انفراد .. ام ان هناك موضوعا مشتركا بيننا ..!
سألته السيدة ( اوراد ) :
- وما علاقة ذلك بما يحدث ؟
زفر بقوة وهو يقول :
- لا ادري ..
ثم التفت الى السيدة ( موريسا ) التي كانت في أسوأ حال ليسألها :
- وماذا عندك ؟ الم تلحظي شيئا غير عادي اثناء الحفل .. او قبل ذلك ؟
ردت بصوت باك :
- كان كل شيء يسير بأفضل صورة .. وانت تعرف زوجي .. انه انسان طيب القلب يحبه كل من يتعامل معه .. لا اعتقد ان له اعداء .. او فلنقل ان لا احدا يكرهه الى درجة القتل ..
قلت لها :
لسنا واثقين انه قتل .. يجب الا نتسرع في استنتاجاتنا ..
قالت بعد تردد شديد :
- أ .. أ .. ارجوا الا تسخروا مني .. سأخبركم بما لم أخبركم به منذ البداية .. قد تظنوني اخرف بفعل الظلام والخوف الذي نعيشه جميعا الان . . أ . . اعتقد ان الامر يتعلق باللوحة ..
سألها الاستاذ ( ابراهيم ) :
- أي لوحة ؟
ردت عليه بعصبية :
- لوحة ( الغابة السوداء ) الاثرية التي اخبرتكم عن تاريخها وما يحاك حولها من اساطير .. لقد اخفيت عنكم بعض الامور المتعلقة بها لانني انا نفسي لم اكن اصدق شيئا مما سأخبركم به ..
ثم صمتت وهي تلتقط انفاسها .. وقالت وكأنها ستلقي علينا قصة :
- قبل اربعمائة عام اشترى تلك اللوحة احد الاثرياء الإنجليز من هواة جمع اللوحات الفنية القديمة .. فقد كان عمر اللوحة في ذلك الوقت يقارب المائة عام .. ولكن بعد ايام قليلة وجد الثري مع افراد اسرته جميعا مقتولين .. وكانت هذه الجريمة هي حديث الساعة في ذلك الوقت بسبب بشاعتها .. وحشد المسؤولين جهودهم لكشف الجاني .. ولكنهم لم يعثروا عليه على الاطلاق .. وظلت اللوحة تباع وتشترى في مزادات علنية الى ان انتقلت بعد الحادثة الاولى بمائة عام الى تاجر فرنسي .. ليعيد التاريخ نفسه !! .. ويقتل التاجر وجميع افراد اسرته في ضر وف غامضة جدا .. ويتكرر الامر بعدها بمائة عام اخرى مع عائلة ثرية اشترت تلك اللوحة .. عندها فقط قام احد الباحثين بدراسة كل ما يتعلق بلوحة ( الغابة السوداء ) .. فأنتبه الى نقطة بالغة الاهمية .. لقد لاحظ انه وفي كل مائة عام من تاريخ اكتشاف اللوحة .. يقتل كل من يقتنيها في ضروف غامضة .. الامر الذي جعل ذلك الباحث يقوم بدراسة شاملة حول تاريخ هذه اللوحة ويكتشف القصة التي اخبرتكم بها اثناء الحفل .. لقد قيل ان الساحرة ( ناتاشا ) وكما اخبرتكم سابقا قد استطاعت بوسيلة ما ان تحول جسدها بواسطة السحر الى صورة مرسومة وهي تلك الموجودة في اللوحة .. وانها تخرج كل مائة عام لتقتل من يقتني اللوحة لاسباب مجهولة .. والمصيبة ان اليوم يصادف المائة عام الخامس منذ تاريخ اكتشاف اللوحة !! .
سكتت للحظة ثم أردفت قائلة بعصبية وتوتر بالغين ونحن نستمع اليها بذهول وخوف :
- بالطبع ستقولون ان كل هذا محض هراء .. ولكنني اقول لكم ان كل الاديان السماوية اكدت وجود السحر الاسود .. وعالم السحر ليس له أي مقاييس وانتم تعلمون ذلك جيدا .. فلا يوجد ما يمنع ان يستغل ساحر او ساحرة سحرهم لبلوغ هدف كهذا .. المشكلة الان ان اليوم يصادف الذكرى المئوية الخامسة من تاريخ اكتشاف اللوحة .. كنت اعرف ذلك .. لكنني لم اصدقة .. ولم اشأ ان اخيف الضيوف .. ولكن بعد ما رايت وبعد كل ماحدث .. اجد نفسي مضطرة لتصديق هذه القصة العجيبة المخيفة .
انتهت السيدة ( موريسا ) من كلامها . . وبالطبع كان حالنا مزريا . . فقد شحب وجه السيدة ( اوراد ) تماما .. في حين ارتعدت فرائص المدير وكان واضحا انه يرتجف بقوة وان حاول ان يخفي ذلك .. اما انا فقد شحب وجهي حتى ليخيل الي انني سأموت في أي لحظة من تلقاء نفسي دون ان يمسني احد ..
لحظات طويلة من الصمت المهيب لم ينبس فيها احد ببنت شفة .. الى ان قطعت حبل الصمت فجأة وقلت :

- لا اعرف مدى حقيقة تلك القصة .. ولكن الامر المؤكد هو وجود شخص ما في المنزل شاهدته السيدة ( موريسا ) . . و . .
لم اكمل كلامي فقد جال بذهني خاطر مروع سيجعلني أصاب بشلل لحظي لو كان صحيحا !!
سألت السيدة ( موريسا ) بحذر :
- هل انت واثقة ان الذي طعن السيد ( حامد ) هو امرأة غريبة الهيئة متشحة بالسواد كما أخبرتنا ؟! ..
هزت رأسها بالإيجاب ..
- لوكان ما قلتيه صحيحا عن اللوحة وعن المرأة التي قتلت السيد ( حامد ) طعنا فأن ..

لم اكمل كلامي .. فقد نهضت مسرعا الى ركن الصالة حيث لوحة ( الغابة السوداء ) معلقة على الحائط .. اذ لم تكن اللوحة مرئية من مكان جلوسنا في صالة الاستقبال .. كنت أتمنى ألا أرى ما أتوقعه . . و . .

يا للهوووووول ..


صرخت بقوة واصبت بعدها بالشلل اللحظي الذي أخبرتكم عنه للتو .. وتدلى فكي السفلي ببلاهة دون ان اشعر .....



 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
^يوميات مراهق ^ علي أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 45 04-20-2015 01:41 PM
مكتملة : سنظل صديقات حتى لو فرقنا الزمان ¦₪¦╣• قلم الأحساس مودة •╠¦₪¦ روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 40 02-28-2015 10:28 AM
{ الحب الابدي } >> كاااااملة و مكتملة Usui Takumi أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 29 12-01-2014 10:03 AM
نيران فى القلب((مميزة)) ... مكتملة Ặñâ EšRąâ CO0L ^_^ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 06-04-2013 01:17 PM
روايا غير مكتملة spirit Creativity أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 8 03-01-2013 05:55 PM


الساعة الآن 07:01 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011