عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-13-2013, 02:31 PM
 
الخيميائي :: باولو كويلو

الخيميائي.. باولو كويلو



وفيما هم سائرون، دخل قرية فقلبته امرأة اسمها مرثا في بيتها، وكانت لهذه أخت تدعى مريم والتي جلست عند قدمي يسوع، وكانت تسمع كلامه،وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة فوقفت وقالت:
- يارب، أما تبالي بأن أختيقد تركتني أخدم وحدي، فقل لها أن تعينني. فأجاب يسوع وقال لها:
- مرثا ! مرثا،أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيبالصالح الذي ينزع منها.


إنجيل لوقاه الإصحاح العاشر 38–



:: تمهيـد ::


تناول الخيميائي بيده كتاباً، كان قد أحضره أحدأفراد القافلة، لم يكن للكتاب غلاف، ولكنه استطاع على الرغم من ذلك التعرف على اسمالكاتب " أوسكار وايلد " وهو يقلب صفحاته، وقع نظره على قصة كانت تتحدث عن " نرجس " … لاشك أن الخيميائي يعرف أسطورة " نرجس " هذا الشاب الوسيم الذي يذهب كل يومليتأمل بهاءه المتميز على صفحة ماء البحيرة.
كان متباهياً للغاية بصورته، لدرجةأنه سقط ذات يوم في البحيرة، وغرق فيها، في المكان الذي سقط فيه، نبتت وردة سميتباسمه: "وردة النرجس".
لكن الكاتب " أوسكار " لم ينه روايته بهذا الشكل، بل قالأنه عند موت نرجس، جاءت الإريادات (آلهة الغابة) إلى ضفة البحيرة العذبة المياه،فوجدتها قد تحولت إلى زير من الدموع المرة، فسألتها:
- لماذا تبكين؟
- أبكينرجساً . اجابت البحيرة.
فعلقت الإريادات قائلة:
- ليس في هذا مايدهشنا،وعلى الرغم من أننا كنا دوماً في إثره في الغابة، فقد كنت الوحيدة التي تمكنت منتأمل حسنه عن كثب.
- كان نرجس جميلاً إذاً ؟
مكثت البحيرة صامتةً للحظات ثمقالت:
- أنا أبكي نرجساً لكنني لم ألحظ من قط أنه كان جميلاً، إنما أبكيه لأنهفي كل مرة انحنى فيها على ضفافي كنت أتمكن من أن أرى في عينيه انعكاساً لحسني.
- إنها لقصة جميلة جداً. قال الخيميائي.
المصدر: الاصدقاء كافية - من قسم: الروايات المكتوبه

  #2  
قديم 07-13-2013, 02:35 PM
 

:: الجزء الأول ::











كان يُدعى سنتياغو.
كان النهار يتلاشى عندما وصلبقطيعه أمام كنيسة قديمه مهجورة، سقفها قد انهار منذ زمن بعيد. وفي الموضع الذي كانيوجد فيه الموهف نمت شجرة جميز عملاقة.
قرر أن يقضي الليل في هذا المكان، أدخلنعاجه من الباب المحطم، ووضع بضع ألواح بطريقه بمنعها بها من الفرار أثناء الليل. لم يكن هناك ذئاب في تلك المنطقة، فذات مرة هربت دابة فكلفه ذلك إضاعة نهار بكاملهفي البحث عن النعجة الفارة.
مد معطفه على الأرض وتمدد، وجعل من كتابه الذي فرغمن قراءته وسادة.
قبل أن يغرف في النوم أكثر فكر بأن عليه قراءة كتب أكبر،وسيكرس لإنهائها وقتاً أكبر، وسوف يكون له منها وسادات أكثر راحة من أجل الليل.
عندما أفاق، كانت العتمة لاتزال قائمة، نظر إلى الأعلى فرأى النجوم تلمع، منخلال السقف الذي انهار نصفه.
فقال في نفسه:
- كنت أتمنى فعلاً لو نمت لوقتٍأطول.
فقد رأي حلماً، إنه حلم الأسبوع الفائت، ومن جديد أفاق قبل نهايته. نهضوشرب جرعة من الخمر، ثم تناول عصاه، وأخذ بإيقاظ نعاجه التي كانت ماتزال راقدة، وقدلاحظ أن معظم البهائم تستعيد وعيها وتتخلص بسرعة من نعاسها ولمّا يسعد وعيه هو،وكأنما هناك قدرة غريبة قد ربطت حياته بحياة تلك الأغنام، والتي تطوف معه البلادمنذ عامين سعياً وراء الماء والكلأ.
- قد تعودت على فعلاً لدرجة أنها صارت تعرفمواقيتي ـ قال في نفسه بصوت منخفض، وبعد لحظة من التفكير تراءى له أن العكس هوالصحيح، إذ أنه هو الذي قد اعتار عليها وعلى مواقيتها.
كانت بعض النعاج تماطلبالاستيقاظ، فكان يوقظها واحدة إثر أخرى بعصاه، منادياً كل نعجة منها باسمها، فقدكان مقتنعاً دائماً بمقدرة النعاج على فهم مايقول، وكان يقرأ لها مقاطع من بعضالكتب، أو يتحدث إليها عن عزلة أو سرور راع، بحياته في الريف، ويفسر لها آخرالمستجدات التي قد رآها في المدن التي اعتاد أن يمر بها.
مع ذلك منذ قبل يومأمس، لم يكن لديه عملياً، موضوع محادثة آخر سوى تلك الشابة التي تسكن في المدينةالتي سيصل إليها بعد أربعة أيام، لم يكن قد زارها إلا لمرة واحدة في العام الفائت.
كان التاجر يملك متجراً للقماش، وكان يحبذ أن يجز صوف أغنامه على مرأى منه، كييتحاشى الوقوع ضحية للغش، لقد قاد الراعي قطيعه إليه لأن أحد أصدقائه قد دلّه علىالمتجر.

× × ×

- أنا بحاجة لأن أبيع قليلاً من الصوف ـ قال للتاجر.
كان المتجر يغص بالزبائن، لذا فقد طلب التاجر من الراعي الانتظار حتى المساء،فذهب ليجلس على رصيف المتجر وأخرج من حقيبته كتاباً.
- لم أكن أعلم أن بإمكانالرعاة قراءة الكتب.
قال صوت امرأة كانت بجانبه، كانت هذه الشابة تمثل نموذجاًلنساء منطقة الأندلس بشعرها الأسود المسدول، وعينيها اللتين تذكران توعاً مابالفاتحين العرب القدماء.
- ذلك لأن النعاج تعلم أشياء أكثر مما هو في الكتب ـأجاب الراعي الشاب.
بقيا يثرثران أكثر من ساعتين، هي أخبرته بأنها ابنة التاجر،وتحدثت عن الحياة في القرية، وعن رتابة الأيام فيها، والراعي حدثها عن الأندلس، وعنآخر المستجدات التي رآها في المدن التي مرّ فيها.
كان سعيداً لأنه لم يكنمجبراً على التحدث مع أغنامه دائماً.
- كيف تعلمت القراءة؟ سألت الشابة لتوها.
- كسائر الناس، في المدرسة.
- لكن، وربما أنك تعرف القراءة، لماذا لم تصبحإلا مجرد راعٍ؟
وارب الراعي كي لايرد على هذا السؤال، لأنه كان متأكداً من أنالفتاة لن تفهمه.
تابع رواية سير ترحاله، وعيناها العربيتان الصغيرتان تحملقانقم تنغلقان بفعل الانذهال والمفاجأة.
كان يشعل أن الوقت يمر سريعاً، وتمنى لهذااليوم ألا ينتهي، ولوالد الفتاة أن يبقى مشغولاً لزمن أطول، وأن يطلب منه الانتظارثلاثة أيام.
وانتابه إحساس لم يكن قد ألم به من قبل أبداً: إنه الرغبة فيالاستقرار في مدينة بالذات مع الشابة ذات الشعر الأسود، فلن تكون الأيام رتيبةمتشابهة، لكن التاجر، ظهر أخيرا، فطلب منه أن يجز له صوف أربع نعاج، دفع إليهالتاجر ثمن الصوف ودعاه إلى المجيء في السنة القادمة.
حتى الآن لم يكن يعوزهإلا أربعة أيام، من أجل الوصول إلى تلك البلدة نفسها، كان مبتهجاً وبالوقت نفسهمرتاباً من أن تكون الفتاة قد نسيته، فالرعاة الذين يمرون من هنا لجز صوف أغنامهمليسوا قلائل.
- غير مهم ـ قال متحدثاً إلى أغنامه _ فأنا أيضاً أعرف فتياتأخريات، في مدن أخرى.
لكنه كان في قرارة نفسه يعترف أن لقاءه بها له أهميته،وأن الرعاة كالبحارة أو التجار المتجولين، يعلمون دائماً أن مدينة يوجد فيها منيجعلهم ينسون متعة التجوال في العالم بملئ حريتهم.

بينما أخذت تبدو خيوطالشمس الأولى، بدأ الراعي يتقدم بأغنامه باتجاه الشمس المشرقة.
- إنها تتبعني،فهي ليست بحاجة على الإطلاق إلى اتخاذ قرار – فكر- ربما لهذا السبب فإنها

تبقىبقربي، وبقدر ماسيبقى راعيها عارفاً بأفضل المراعي الأندلسية بقدر ماستبقى تلكالأغنام صديقاته، فحتى لو تشابهت الأيام بعضها ببعضها الآخر، مكونة ساعات ممتدة بينطلوع الشمس وغروبها، حتى لو أن تلك النعاج لم تقرأ قط أي كتاب خلال حياتها القصيرة،حتى لو جهلت لغة البشر الذين يررون ماكان يحصل في القرى، فهي تكتفي بالماء والكلأ،وهذا بالمحصلة كافٍ. وفي المقابل فهي تمنح صوفها، وصحبتها بسخاء، ومن وقت لآخرلحمها أيضاً، ولو أنني بين لحظة وأخرى قد تحولت إلى غول وأخذت بذبحها وحدة إثرالأخرى. فإنها لن تستوعب نايحصل، إلا عندما يوشك القطيع على الهلاك، وذلك لأنها تثقبي، ولم تعد تعتمد على غرائزها، وهذا كله لأنني أنا الذي أسوقها إلى المراعي.
أخذ الراعي يفاجأ بأفكاره، وصار يجدها غريبة.
ربما بدت الكنيسة، مع شجرةالجميز المنتصبة في الداخل مسكونة بالأرواح. هل كان هذا هو السبب الذي جعل هذاالحلم يعاوده أيضاً، وهل لهذا يعاني من شعور الغضب تجاه نعاجه، صديقاته المخلصاتدوماً؟
شرب قليلاً من الخمر الذي تبقى لديه من عشاء ليلة الأمس، وشد معطفه علىجسده، فهو يعلم أن الشمس ستكون في أوجها بعد بضع ساعات، وسيصبح الطقس حاراً جداً،لدرجة لن يستطيع معها اصطحاب قطيعه عبر الريف.
في تلك الساعة من الصيف، كانتإسبانية كلها غافية، الحرارة مرتفعة حتى في الليل، وخلال ذلك الوقت كله يتوجب عليهأن يحمل معطفه معه.
وكلّما كانت تتملكه الرغبة في الشكوى من هذا العبء تحديداً،كان يتذكر أنه بفضله يجابه برودة الصباح الباكر.
- علينا أن نكون مستعديندائماً لمفاجآت الطقس ـ تخيل عندئذٍ وتقبّل بامتنان ثقل معطفه الذي كان هناك مبررلوجوده كمثل الشاب، فبعد سنين من تطواف سهول الأندلس، صار يعرف عن ظهر قلب، أسماءمدن المنطقة كلها، وكان هذا ما أعطى لحياته معنى، إنه الترحال ...


كانينوي هذه المرة أن يشرح للفتاة الشابة، لماذا يعرف راع بسيط القراءة؟ فقد كان يترددحتى سن السادس عشرة عاماً على المدرسة الأكليريكية، وأهله أرادوا له أن يصبحقسيساً، تتشرف به عائلة متواضعة، من وسط فلاحي، تكد من أجل لقمتها وهي بذلككأغنامه.
درس اللاتينية والإسبانية واللاهوت، لكنه منذ طفولته المبكرة كان يحلمبمعرفة العالم، ويكسب معرفة أفضل من مجرد معرفة الذات الإلهية أو آثام البشر.
ذات مساءٍ جميل، وهو ذاهب لرؤية ذويه، تسلّح بالشجاعة وأخبر والده بأنه لايريدأن يكون راهباً بل يريد السفر.
  #3  
قديم 07-13-2013, 02:36 PM
 

- ياولدي، رجال من العالم بأسره قد أتوا إلىهنا، ومرّوا آنفاً بهذه القرية، إنهم يأتون إلى هنا ليبحثوا عن أشياء جديدة، لكنهميبقون الرجال أنفسهم، يذهبون إلى الهضبة لزيارة القصر ويجدون أن الماضي أفضل منالحاضر، أكانوا ذوي شعر فاتح، أو ذوي بشرة غامقة، فهم يشبهون رجال قريتنا.
قالالشاب:
- لكنني لا أعرف قصور البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال.
تابعالأب:
- عندما رأى هؤلاء الرجال حقولنا ونساءنا حبذوا العيش هنا إلى الأبد.
قال الإبن:
- أريد أن أتعرّف على نساء وحقول وأراضي البلاد التي قدم منهاهؤلاء الرجال، إنهم لا يديمون البقاء بيننا.
قال الأب:
- لكن هؤلاء الرجاليملكون المال الوفير، أما عندنا فالرعاة وحدهم من يستطيع رؤية مختلف البلدان.
- إذاً سأصبح راعياً.
لم يضف الأب شيئاً بعد، وفي صباح اليوم التالي أعطى لولدهكيس نقود يحتوي على ثلاث قطع ذهبية إسبانية قديمة.
- ذات يوم، وجدتها في أحدالحقول، وكنت أفكر أنها حق للكنيسة بمناسبة ترقيتك فيها، لكن خذها واشتر لنفسك بهاقطيعاً، واذهب عبر العالم، إلى أن يأتي اليوم الذي تعلم فيه أن قصرنا هو الأعظم،ونساءنا هن أجمل النساء، ومنحه بركته.

قرأ الولد في عيني والده الرغبة فيتطواف العالم أيضاً، رغبة كانت تحيا معه رغم عشرات السنين التي حاول أن يمضيهامقيماً في المكان نفسه يأكل ويشرب ويغفو فيه كل ليلة.

× × ×

تلوّنالأفق باللون الأحمر، ثم بدت الشمس.
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينه وبينأبيه، فأحس بالسعادة، كان قد عرف من قبل كثيراً من القصور، وكثيراً من النساء، لكنأياً منهن لا تعادل تلك التي ينتظرها بعد مسيرة يومين من الآن، كان يمتلك معطفاً،وكتاباً وبإمكانه أن يبادله مقابل آخر، وقطيعاً من الغنم، والأكثر أهمية من هذا كلهأنه كل يوم يتحقق حلم حياته الكبير: الترحال ...
وعندما سيتعب من التجوال فيريف الأندلس، فإنه سيستطيع بيع أغنامه ليصبح بحاراً، وعندما سيمل البحر، فإنه سيكونقد تعرّف على مدن كثيرة، ونساء كثيرات، وفرص عديدة ليظل سعيداً.
ثم تساءل وهويشاهد بزوغ الشمس:
- كيف يمكن للمرء أن يبحث عن الإله في مدرسة إكليريكية؟.
لم يكن قد جاء إطلاقاً حتى هذه الكنيسة، مع أنه مرّ من هنا مرات عديدة.
العالم كبير، لامتناهٍ، ولو ترك أغنامه تقوده، ولو لبعض الوقت، لوصل إلى اكتشافأشياء جديدة ومفعمة بالفائدة.
- المشكلة هي انها لا تعي أنها تعبر دروباً جديدةكل يوم، ولا تلاحظ أن المراعي تغيرت، وأن الفصول متباينة، لأنها لا تملك من هاجسسوى الماء والكلأ.
- إن الشيء نفسه يجري لكل الناس ـ فكر الراعي ـ حتى بالنسبةلي أنا الذي لم أفكر بنساء أخريات منذ التقيت ابنة ذلك التاجر.
نظر إلى السماء،وقدّر أنه سيكون ـ تبعاً لحساباته ـ في " طريفه " قبل وقت الغداء، هناك ... سيستطيعمبادلة كتابه بآخر أكبر حجماً، وتعبئة زجاجته خمراً، وأن يحلق ذقنه، ويقص ضعره،عليه أن يكون على أتم استعداد للقاء الفتاة الشابة، ولم يكن يريد حتى أن يتصوراحتمال امكانية وصول راعٍ آخر قبله، يملك من الغنم أكثر منه، قاصداً طلب يدها.
- إنها تماماً إمكانية تحقيق حلم يجعل الحياة ذات أهمية ـ تخيل رافعاً نظره نحوالسماء وهو يسرع في خطواته.
لقد تذكر لتوه أن هناك في " طريفه " امرأة عجوزتعرف تفسير الأحلام، في هذه الليلة حلم بالحلم الذي كان يراوده ... الحلم القديمنفسه ..

× × ×

قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخل المنزل، إلى غرفةيفصلها عن الصالة ستار من البلاستيك متعدد الألوان، كانت هناك طاولة، وصورة للأبالمقدس السيد المسيح، وكرسيان.
جسلت العجوز، ورجته أن يفعل مثلها، ثم أمسكتبيديه وأخذت بالدعاء بصوت منخفضٍ جداً، كان هذا أشبه مايكون بصلاة غجرية، لقد التقىكثيراً من الغجر في دربه من قبل، فقد كانوا يسافرون أيضاً، لكنهم لم يكونون يهتمونبالغنم، بل ان الشائع بين الناس هو أن الغجري يقضي وقته في خداع الناس، ويقال أيضاًأن هناك عهداً بينهم وبين الشيطان، وأنهم يسرقون الأطفال، ليجعلوا منهم عبيداً لهمفي مخيماتهم الغامضة.
عندما كان الراعي الشاب طفلاً صغيراً كان كثير التخوفوتراوده فكرة أن يختطفه العجر، وعاوده هذا الخوف القديم عندما كانت العجوز تمسكبيديه.
- لكن توجد هنا صورة السيد المسيح _ فكّر محاولاً أن يطمئن نفسه، لم يكنيريد ليديه أن ترتجفا، أو أن تلاحظ العجوز خوفه، وفي صمت تلا صلاةً .
- أمرٌمثير ! قالت العجوز دون أن تفارق عيناها يد الولد.
وابتسمت من جديد، أما هو فقدكان يشعر من وقت إلى آخر بثورة أعصابه، يداه أخذتا ترتجفان رغماً عنه، ولاحظتالعجوز ذلك، صمم أن يسحبها على الفوز ثم قال:
- أنا لم آتِ إلى هنا من اجلقراءة خطوط يدي.
وهو الآن يتأسف دخوله هذه الدار وحسب أنه سيكون من الأفضل أنيدفع قيمة الاستشارة وينصرف دون أن يعرف شيئاً، فقد علق دون شك أهمية كبرى على حلمتكرر.
قالت العجوز:
- أتيت تسألني على الأحلام، والأحلام هي لغة الله،وعندما يتكلم الله بلغة البشر فأنا أستطيع تفسيرها، لكنه عندما يتكلم بلغة روحك،فلن يفهمه أحد سواك، وعلى أية حال، عليك أن تدفع قيمة استشارتي.
- حيلة أخرى ـفكر الشاب، وعلى الرغم من كل شيء فإن الراعي قد قرر المجازفة. إنه يتعرض دائماًلخطر الذئاب، أو لخطر الجفاف، وهذا تماماً ما يجعل من مهنته مهنة هامة ومثيرة.
قال الشاب:
- حلمت بالحلم نفسه مرتين على التوالي. كنت متواجداً مع أغناميعلى أرض أحد المراعي، حينما ظهر طفل وأخذ يلعب مع البهائم، وأنا لا أحبذ كثيراً أنيأتي أحد ليلهو مع نعاجي، فهي تخاف من رؤية أشخاص لا تعرفهم، لكن الأطفال ينجحوندائماً في اللهو معها دون أن يسببوا لها الخوف، إنني أجعل لماذا، ولا أعرف كيفتستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية.
- ارجع إلى حلمك ـ قالت العجوزـ فلدي قدر على النار، بالاضافة إلى أنك لاتملك الكثير من المال وتأخذ وقتي كله.
- تابع الطفل اللعب مع النعاج لفترة ـ أردف الراعي مرتبكاً قليلاً ـ وفجأة أخذبيدي وقادني حتى أهرامات مصر.
عدل الشاب عن الكلام لحظة، ليرى إن كانت العجوزتعرف ماتكون أهرامات مصر، لكنها بقيت خرساء، ثم تابع:
- عندئذٍ أمام أهراماتمصر، (لفظ هذه الكلمى بمنتهى الدقة، لتستطيع العجوز فهمها جيداً)، كان الطفل يقوللي: " إن تأتِ حتى هنا، فستجد كنزاً مخبأ " . وفي اللحظة التي كان يكاد أن يرينيفيها المكان المحدد كنت استيقظ في المرتين.
مكثت العجوز صامتة للحظات، ثم عادتوأمسكت بيدي الشاب اللتين تفحصتهما بانتباه.
- لن أدعك تدفع الآن أي شيء، لكننيأريد عشر الكنز إن وجدته.

أخذ الشاب يضحك، إنها ضحكة انشراح ورضا، فهكذا سيدخرالقليل من المال الذي يملكه بفضل حلم صار عبارة عن مسألة كنز مخبأ ! لابد أن تكونالمرأة الطيبة العجوز غجرية، فالغجر أغبياء.


- حسنٌ، كيف تفسرين هذاالحلم ؟ .
- أولاً يجب أن تقسم. اقسم لي أنك ستعطيني العشر من كنزك مقابل ماسأقوله لك.
أقسم الراعي، وطلبت منه العجوز أن يكرر القسم، وهو يثبت عينيه فيصورة السيد المسيح.
قالت العجوز:
- إنه حلم باللغة الكونية، حلم أستطيعتأويله، لكنه تأويل صعب جداً، يبدو لي أني استحق حصتي مما ستجد، والتأويل هو ذا:
" عليك أن تذهب حتى أهرامات مصر، لم أسمع عنها مطلقاً لكن إن كان من أراك إياهاطفل، فهذا يعني أنها موجودة فعلاً، هناك ستجد كنزاً سيجعل منكَ رجلاً غنياً ".
ذهل الشاب للوهلة الأولى، ثم غضب، لم يكن بحاجة للمجيء، لرؤية هذه المرأة منأجل شيء تافه، لكنه تذكر في نهاية الأمر أنه لم يدفع شيئاً.
- لم تك لدي حاجةلإضاعة وقتي مادام الأمر هكذا ـ قال الشاب.
- أنت ترى، لقد كنت قد قلت لك أنحلمك صعب التفسير، الأشياء البسيطة هي الأشياء الأكثر روعة والعلماء وحدهم منيراها، وبما أنني لست واحدة منهم فإنه يتوجب عليّ معرفة فنون أخرى: قراءة الكفمثلاً.
- وماذا عليّ أن أفعل من أجل الذهاب حتى مصر ؟
- أنا لا أقوم إلابتفسير الأحلام وليس بمقدوري تحويلها إلى حقيقة، ولهذا السببعليّ أن أعيش مماتعطيني إياه بناتي.
- وإن لم أصل حتى مصر ؟
- حسنٌ، عندها لن أوفى أجري ولنتكون هذه المرة الأولى.
ولم تضف العجوز شيئاً، بل طلبت من الشاب الانصراف لأنهجعلها تضيع الكثير من الوقت.

× × ×

انصرف الراعي خائباً وعازماًعلى ألا يعتقد بالأحلام بعد الآن، ثم تذكر أن عليه القيام بأشياء مختلفة، ذهب للبحثعن شيء يأكله، ولمبادلة كتابه مقابل آخر أكبر حجماً، وجلس على مقعد في الساحة،ليتذوق الخمرة الجديدة التي ابتاعها.
إنه نهار حار، ولعلّ الخمر، بفضل أحدتأثيراته الخفيّة التي يملكها، يستطيع أن يكون مرطباً له.
  #4  
قديم 07-13-2013, 02:37 PM
 

كانت أغنامه عند مدخلالمدينة، في حظيرة أحد الاصدقاء الجدد. تعرف على الكثير من الناس في هذه الأنحاء،وهذا ماجعله يحب السفر لأيام متتلية، فعندما نرى الأشخاص أنفسهم كما هي الحال عليهفي المدرسة الإكليريكية ـ فإننا نتوصل إلى اعتبارهم جزءاً من حياتنا، وبما أنهميشكّلون جزءاً من حياتنا، فإنهم يبحثون في نهاية الأمر عن تغييرها كما يرغبون بغيررضى، لأن كل الناس يعتقدون معرفة كيف يجب أن نعيش تماماً، لكن أياً كان لا يعرفقطعاً كيف يتوجب عليه أن يعيش هو نفسه حياته الخاصة، كما لدى هذه المرأة المنجمةالتي تجهل كيف تحول الأحلام إلى واقع.
قرر الانتظار حتى حلول الظلا، قبل أنيذهب إلى الريف مع نعاجه، فبعد ثلاثة أيام سيلتقي ثانيةً ابنة التاجر.
بدأبقراءة الكتاب الذي كان قد حصل عليه من خوري طريفه. كان مؤلفاً ضخماً يتعرض لمسألةدفن من بدايته، بالاضافة إلى ذلك كانت أسماء الشخصيات معقدة للغاية. ثم حدث نفسه،بأنه لو قدر لو يوماً أن يؤلف كتاباً، فسوف يورد الشخصيات واحدة واحدة، كي يوفرلقرائه حفظ أسمائها دفعة واحد عن ظهر قلب.
عندما كان يقرأ بتركيز تلك القصةالجميلة عن دفن في الثلج، والتي منحته احساساً بالرطوبة رغم الشمس المحرقة ... جاءرجل عجوز للجلوس بجانبه والحديث معه.
- ماذا يفعل هؤلاء ؟ سأل العجوز مشيراًإلى المارة في الساحة.
أجاب الراعي بلهجة جافة:
- إنهم يعملون ... وتظاهربالقراءة.
وفي الواقع، فقد كان يحلم بالذهاب لجز صوف نعاجه أمام ابنة التاجر كيتلمس بنفسها مقدرته على الثيام بالكثير من الأمور الهامة، كان قد تخيّل هذا المشهدعشرات المرّات. وأن الشابة تبدو له مندهشة عندما يشرح لها عن الغنم وكيف يجز الصوفمن الخلف إلى الأمام، لقد بذل مابوسعه لتذكر بعض القصص الجيدة وروايتها لها أثناءعملية الجز، كانت في الغالب قصصاً قرأها في الكتب، وهو يرويها، كما لو أنه عاشهابنفسه، ولن تعرف مطلقاً الفرق طالما أنها تجهل قراءة الكتب.
أصرّ العجوز علىالكلام حينذاك، واخبره أنه متعب وعطش، وطلب أن يشرب جرعة من الخمر، فقدم له الشابزجاجته علّه يذهب ويتركه بحاله.
لكن العجوز كان يريد الثرثرة بإلحاح، فسألالراعي عن الكتاب الذي يقرأه.
فكر الشاب أن يكون فظّاً ويغير مقعده، لكنه تذكرأن أباه قد علّمه أن يحترم المسنين، عندها ناول الرجل العجوز الكتاب لسببين: أولاهما، لأنه كان يجد نفسه فعلاً غير قادر على لفظ العنوان، وثانيهما، كي يغيرالعجوز مقعده إن كان يجهل فعلاً القراءة حتى لا يشعر بالذل.
- هِمْ ـ تنحنحالعجوز متفحصاً الكتاب من وجوهه كلها كم لو كان شيئاً غريباً ـ إنه كتابٌ مهم ولكنهممل جداً.
ولشد ماتفاجأ الراعي عندما وجد أن العجوز يجيد القراءة. وأنه كان قدقرأ من قبل هذا الكتاب. وأنه كتاب ممل كم أكد العجوز، فالوقت لا يزال مناسباً كييستبدله بآخر.
تابع العجوز:
- إنه كتاب يتحدث عن الشيء نفسه الذي تحدثت عنهالكتب كلها تقريباً، عن عجز الناس في اختيار مصيرهم، وأخيراً يجعلنا ندرك أكبر خدعوفي العالم.
- ماهي أكبر خدعة في العالم ؟! سأل الشاب مندهشاً.
- هي ذي: " في إحدة لحظات وجودنا، نفقد السيطرة على حياتنا التي ستجد نفسها محكومة بالقدر،وهنا تكمن خديعة العالم الكبرى. "
قال الشاب:
- بالنسبة لي، لم تجر الأموربهذه الطريقة، فقد كانوا يريدون أن يجعلوا مني كاهناً لكنني قررت أن أكون راعياً.
- هكذا أفضل لك، لأنك تحب الترحال.
- لقد حدس أفكاري ـ قال لنفسه سنتياغو،بينما كان العجوز يتصفح الكتاب، دون أن يظهر أية نية لردّه.
لاحظ الراعي أنالعجوز يرتدي زيّاً غريباً، فقد كان يبدوا أنه عربي الهيئة، وهذا شيء مألوف في تلكالمنطقة، فإفريقية على بضع ساعات من " طريفة " ويكفي اجتياز المضيق الصغير بواسطةالقارب وغالباً مايأتي العرب للتسوق من المدينة فالناس يشاهدونهم وهم يصلون عدةمرات في اليوم بطريقة تدعو للفضول.
- من أين أنت ؟ سأل الشاب.
- من أماكنعدة.
- لايمكن لأحد أن يكون من أماكن عدة، فأنا راعٍ، ومن الممكن أن أتواجد فيأماكن مختلفة، لكنني أنتمي لمكانٍ واحد، مدينة قريبة من قصر قديم جداً، فهناكوُلدت.
- لنقل إذن إنني ولدت في سالم
لم يكن الراعي يعرف أين تقع سالم،لكنه لم يطرح سؤالاً، كي لايشعر بأنه سخيف نتيجة جهله.
انهمك بمراقبة الساحةللحظة، فالناس يذهبون ويجيئون، ويبدون منشغلين للغاية.
سأل الشاب:
- كيف هيسالم؟ باحثاً عن أية علامة لا على التعيين.
- كما هي دائماً من الأزل.
لميكن في هذا أية علاقة تدل عليها، لكن على الأقل كان يعلم أن سالم ليست في الأندلس،وإلا لكان عرفها.
- وماذا تفعلون أنتم في سالم؟
- ما أفعله في سالم؟!
انفجر للمرة الأولى العجوز ضاحكاً، لكنني أنا ملك سالم، أي سؤال هذا ! ...
الناس يقولون الكثير من الكلمات الغريبة، ومن المستحسن أحياناً أن يعيش المرءمع النعاج الخرساء، ويكتفي بالبحث عن الماء والغذاء، أو مع الكتب التي تحكي قصصاًلاتُصدّق، أما عندما يتكلم المرء مع البشر فإن هؤلاء يقولون بعض الأمور التي تجعلناجاهلين كيف نتابع الحديث.
قال العجوز:
- أنا أدعى " ملكي صادق "، كم تملكمن الغنم؟
- ما يلزم.
كان العجوز يريد أن يعرف الأكثر عن حياته.
- لدينا مشكلة إذن، فأنا لا أستطيع أن أساعدك، مادمت تفكر بامتلاك ما يلزمك من الغنم.
بدأ الشاب يعاني نوعاً من الضيق، فهو لم يكن قد طلب منه أية مساعدة. فالشيخالعجوز هو الذي كان قد طلب خمراً، وأراد أن يثرثر، وهو الذي كان قد اهتم بالكتاب.
- أعد إلي الكتاب، يجب أن أذهب للبحث عن أغنامي ومتابعة طريقي.
- أعطنيمنها العشر، وسأعلّمك كيف تصل إلى كنزك المخبأ.


تذكر الفتى حلمه، وفجأةصار كل شيء واضحاً له.
فالمرأة العجوز لم تجعله يدفع شيئاً، لكن هذا الشيخ،سينجح في تحصيل مبلغ أكبر مقابل معلومة لم تكن تتعلّق بأي واقع، لابد أنه غجريأيضاً ويمكن أن يكون زوجها.
في تلك الأثناء، ودون أن يقول أية كلمة، انحنىالعجوز، والتقط غصناً من الأرض، وشرع يكتب شيئاً على رمل الساحة، وفي اللحظة التيانحنى فيها، لمع شيء ما على صدره، كان الضوء باهراً لدرجة جعلت الشاب شبه أعمى.
لكن وبحركة سريعة ومدهشة لرجل في عمره، سارع العجوز لشد معطفه على صدره.
زال انبهار عيني الفتى، فاستطاع أن يرى بوضوع ماكان الرجل يكتبه، قرأ اسم أبيه،واسم أمه على رمال الساحة الرئيسية للمدينة الصغيرة، ألعاب طفولته، ليالي المدرسةالإكليريكية الباردة، ثم قرأ سيرة حياته حتى هذه اللحظة، قرأ أشياء لم يكن قد رواهالأحد قط، كتلك المرة التي سرق فيها سلاح أبيه وذهب لاصطياد الوعول الجبلية، أوكتجربته الجنسية الأولى والوحيدة.
- أنا ملك سالم ـ قال العجوز.
- لماذايثرثر ملك مع راع؟ تساءل الفتى في ذهول وحيرة.
- توجد عدة أسباب، لكن لنقل أنأهمّها هو أنك كنت قادراً على انجاز " أسطورتك الشخصية " .
لم يكن الشاب يعرفماكان العجوز يقصد بقوله: " أسطورة شخصية " .
- هي ماكنت دائماً تتمنى أن تفعل،فكل واحد منا يعرف ماهي أسطورته الشخصية وهو في ريعان شبابه، في هذه الفترة منالحياة، يكون كل شيء واضحاً، كل شيء ممكناً، ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنىمايحب أن يفعله في حياته. وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفيّة تنشط لإثبات استحالةتحقيق الأسطورة الشخصية.
لم يكن لقول العجوز أي معنى بالنسبة للراعي الشاب.
لكنه كان يريد معرفة ماهية هذه " القوى الخفية ". إن ابنة التاجر ستبقى فاغرةفاها !
- إنها قوى قد تبدو سيئة، ولكنها في الواقع هي تلك التي تعلّمك كيف تحققأسطورتك الشخصية، إنها هي التي تعد عقلك، وإرادتك لأن هناك حقيقة كبرى في هذاالعالم:
" فأياً كنت، وأيّ شيء فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بالفعل، فهذا يعنيأن هذه الرغبة قد ولدت في " النفس الكليّة " ، وأنها رسالتك على الأرض . "
- حتى لو كانت الرغبة فقط هي رغبة في الترحال ؟ أو في الزواج من ابنة تاجر أقمشة؟
- أو البحث عن الكنز، فإن النفس الكليّة تتغذى من سعادة الناس أو من شقائهم، منالرغبة، من الغيرة، وإنجاز الأسطورة الشخصية هو الالتزام الأول والأوحد للناس، وكلشيء ليس إلا شيئاً واحداً.
" وعندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافرليوفر لك تحقيق رغبتك " .
احتفظا بالصمت للحظة، راقبا فيها الساحة والمارّة،وكان العجوز هو المبادر في إعادة فتح الحديث:
- لماذا ترعى الغنم؟
- لأننيأحب الترحال.
أشار العجوز إلى بائع البوشار بعربته الحمراء في إحدى زواياالساحة وقال:
- هذا الرجل أيضاً كان دائماً يريد الترحال عندما كان طفلاً،لكنّه فضّل شراء عربة صغيرة ليبيع البوشار ويجمع المال طيلة سنين عديدة، وعندمايصبح عجوزاً سيسافر ليمضي شهراً في إفريقية، إنه لم يدرك أبداً أن الانسان يمتلكالقدرة لينفذ مايحلم به.
- كان عليه أن يكون راعياً ـفكّر الشاب بصوتٍ عالٍ.
- لقد فكّر في ذلك ـ قال العجوز ـ لكن باعة البوشار ذوو شخصيات أكبرم ن تلكالتي هم عليها الرعاة، فباعة البوشار لديهم بيوت تؤويهم، بينما الرعاة يناموت تحتالنجوم، والناس يفضّلون تزويج بناتهم من باعة بوشار على تزويجهم من الرعاة.
  #5  
قديم 07-13-2013, 02:38 PM
 

شعرالراعي بغصّة في الصميم، وهو يفكّر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجدبالتأكيد بائع بوشار.
- وأخيراً ـ أردف العجوز ـ فإن مايفكّر به الناس عادة عنباعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من الأسطورة الشخصية.
تصفّح العجوزالكتاب وتسلّى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التيقوطع هو بها:
- لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
- لأنك تحاول أن تعيش أسطورتكالشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها.
- وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
- ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخلّى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرةجديدة، أو كطريقة للتخلص من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيهاالاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب الناس لا يلاحظون شيئاً.
روى أنه فيالاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذاالرجل قد تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد.
خمس سنوات عمل خلالهابتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً وتسعينألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء فكّربالتراجع، ولم يكن ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاًدأب في الجد خلف أسطورته الشخصية، فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عندأقدامه، وتحت وطأة غضبه واحساسه باستلابه خلال خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلكالحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى، فتفتت لتكشف عن أجملزمردة في العالم.
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة:
- إن الناسيتعلّمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخلّون عن عاجلاً عنالمتابعة، لكن هكذا هي الدنيا.
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبةللمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ.
- لقد نُبشت الكنوز بفعل السيلالجاري ـ قال العجوزـ ودُفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفةالمزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك.
- أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفيبالأمر؟
بدا الشيخ خائباً:
- إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقدالرغبة في الحصول عليه.
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز.
تأوه العجوز وصرخ:
- محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيءفي الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول مجاهدو عهد الأنوار تعليمها.
ثمأعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً:
- غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك،وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيّا عمت مساءً.
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة.

× × ×


حاول الشاب الرجوع إلى قرائته، لكنه لم يتمكّن منالتركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز يقول الحقيقة، ذهب للبحثعن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هي عليه أنيخبره بما قال العجوز.
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه ـ فكّردون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كانسيتخلّى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة.
كان يستطيع أن يوفر عليههذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى كبير،ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد فيإفريقية.
- ماذا تريد؟ سأل موظف الحجز.
- ربما غداً ـ أجاب مبتعداً.
عندما يبيع واحدة من نعاجه، فإنه سيستطيع الانتقال إلى الجهة الأخرى من المضيق،لكن هذه الفكرة أرعبته.
- هاهو حالم آخر ـ قال قاطع التذاكر لزميله بينما كانالشاب يبتعد ـ ليس لديه مايغطي نفقات سفره.
في حين أنه عندما كان امام الكوة،كان قد فكّر بنعاجه، وامتلكه الخوف من الذهاب إليها. فخلال هاتين السنتين تعلّم كلشيء عن تربية الغنم، وتلعّم كيف يجز الصوف، والعناية بالنعاج الحوامل، وحماية قطيعهمن الذئاب، كان يعرف حقول ومراعي الأندلس كلها، ويعرف السعر الدقيق ومبيع كل واحدهمن دوابه.
قرر العودة إلى حظيرة صديقه عبر أطول الطرق، كان في المدينة قصرأيضاً، أراد تسلّق المنحدر الحجري والذهاب للجلوس على حائط السوق ليستطيع رؤيةأفريقية، فأحدهم كان قد شرح له أن العرب الذين احتلوا إسبانية كلها تقرياً، ولزمنطويل قد جاؤوا من هناك، لكنه يكره العرب لأنهم جاؤوا بالغجر.
ومن الأعلى،يستطيع أن يرى أيضاً الجزء الأكبر من المدينة والساحة التي تحدّث فيها مع العجوز.
- لعن الله الساعة التي التقيت فيها بهذا العجوز ـ فكّر ـ فهو قد ذهب بكل بساطةللبحث عن امرأة قادرة على تفسير الاحلام، فلا تلك المرأة، ولا ذاك العجوز، لميعلّقا أية أهمية على كونه راع، فقد كانا شخصين منعزلين لا يعتقدان بشيء في الحياة،ولايفهمان أن الرعاة ينتهون في الارتباط بدوابهم، فالراعي يعرف بدقة كل واحدة منها،ويعرف أن كانت بينها واحدة عرجاء، وأيا منها ستضع بعد شهرين، إنه يعرف الكسولاتمنها ومتى يكون جزّها وذبحها. وان قرر الرحيل يوماً، فإنها ستتألم كثيراً.
أخذتالريح الشرقية تعصف، فمع هذه الريح جاء قوم من السفهاء الكفار، وقبل أن يعرف " طريفه "، لم يكن ليخيل إليه أن إفريقية كانت قريبة جداً، الأمر الذي يشكّل خطراًكبيراً، فالعرب يستطيعون غزو البلاد من جديد. أخذت الريح تعصف بقوة أكبر.
- هاأنذا بين أغنامي والكنزـ قال لنفسه، وكان عليه أن يقرر أن يختار بين شيء ألفهوآخر يحب كثيراً لو يحصل عليه، وهناك ابنة التاجر، لكنها ليست بأهمّية النعاجبالنسبة إليه، وماجعله يتأكد من ذلك هو لو أنها لن تلتقيه مابعد الغد، لما كانتانتبهت إلى ذلك: الأيام كلها متشابهة لديها، وعندما تكون الأيام تشبه بعضها بعضاً،فهذا يعني أن الناس قد توقفوا عن ملاحظة الأشياء الطيبة التي تخطر في حياتهم طالماأن الشمس تعبر السماء باستمرار.
- لقد غادرت أبي، أمي، وقصر المدينة التي وُلدتفيها ـ حدّث نفسه ـ لقد تعودنا على ذلك، والاغنام سوف تعتاد على غيابي.
منهناك، في الاعلى، راقب الساحة، كان البائع المتجول يتابع بيع بوشاره، جاء زوجانشابان ليجلسا على المقعد الذي شهد حواره مع العجوز، ثم تبادلا قبلة طويلة.
- بائع البوشار ... ـ تمتم في نفسه دون أن يتم الجملة، لأن الرياح أخذت تعصف بشكلأقوى، وشعر بها تلطم وجهه، إنها جلبت العرب بلا شك، لكنها كانت تأتي أيضاً برائحةالصحراء، وبالنساء المحجبات، وتحمل عرق وأحلام أولئك الذين كانوا قد رحلوا ذات يومبحثاً عن المجهول، أو عن الذهب، والمغامرات والأهرامات.
أخذ الشاب يغبط الريحعلى حريتها، وأدرك أن لاشيء يمنعه أن يكون شبيهاً بها، فالأغنام، وابنة التاجر،وحقول الأندلس لم تكن إلا مراحل من أسطورته الشخصية.

× × ×

عندظهيرة الغد التقى الراعي الشاب بالعجوز، وكان قد أحضر معه ستاً من أغنامه، وقال له:
إنني مندهش فصديقي اشتري مني القطيع على الفور، فطيلة حياته كان يحلم بأن يكونراعياً، إذن هذا فأل خير.
قال العجوز:
- الأمور تسير دائماً هكذا، ونحننسمي هذا: " المبدأ المناسب"، فأنت عندما تلعب للمرة الأولى فإنك ستربح ربحاًمؤكداً، إنه حظ المبتدئ.
- ولماذا هذا؟
- لأن الحياة تريدك أن تعيش أسطورتكالحقيقة.
ثم بدأ يتفحّص النعاج الستى، وقد لاحظ إن إحداها عرجاء، لكن الفتى قدشرح له بأن هذا ليس بذي أهمية، لأنها كانت الدابة الأكثر ذكاءً والأوفر صوفاً، ثمسأله:
- أين يوجد الكنز؟
- الكنز موجود في مصر قرب الأهرامات.
اعترتهرجفة، فالغجرية العجوز كانت قد قالت له الشيء نفسه، لكنها لم تأخذ أجرها.
- كيتصل إلى كنزك عليك أن تكون يقظاً للعلامات، فقد كتب الله قدرنا على جبيننا، واختارلكل منا الحياة التي عليه أن يحياها، وليس عليك إلا أن تقرأ ما كُتب لك.
وقبلأن يتمكن الشاب من أن يقول أي شيء، أخذت فراشة ليل تحوم بينه وبين الرجل العجوز،فتذكر جده، ذاك الذي سمعه يقوم عندما كان طفلاً، إن فراش الليل علامة حظ، والشيءنفسه بالنسبة للجنادب، والجراد الأخضر، والسحالي الرمادية، والحندقوقات ذات الأوراقالأربعة.
- هذا هو تماماً ـ قال العجوز الذي كان بمقدوره قراءة أفكاره ـ كماعلّمك جدك، هنا تكمن العلامات.
ثم فتح المعطف الذي يتلف به، فتأثر الفتى بمارآه عندئذٍ، وتذكر الألق الذي بهر عينيه عشيّة البارحة، فقد كان العجوز يتقلّدقلادة من الذهب مرصّعة بالاحجار الكريمة.
قد كان ملكاً حقيقياً، وكان لزاماًعليه أن يتنكّر بهذا الزي ليتحاشى قطاع الطرق.
- خذ ـ قال وهو ينتزع حجراًبيضاء وأخرى سوداء، كانتا مثبتتين في وسط قلادته ـ إنهما تسمّيان " أوريم وتوميم "،السوداء تعني نعم والبيضاء تعني لا. فعندما لا تتوصل إلى فهم العلامات، فإن هاتينالحجرين سيفيدانك، لكن ليكن سؤالك الذي تطرحه موضوعياً دائماً، اسعَ باستمرارلاتخاذ قرارك بنفسك، فالكنز موجود قرب الأهرامات وهذا تعرفه مسبقاً، وعليكَ أن تدفعمقابل ذلك ست غنمات، فأنا من ساعدك على اتخاذ القرار.
وضع الشاب الحجرين فيجعبته، وسيأخذ من الآن فصاعداً قراراته بنفسه.
- لاتنسَ أن الكل ليس إلا شيئاًواحدً، لاتنسَ لغة العلامات، ولاتنسَ على الخصوص أن تمضي حتى آخر أسطورتك الشخصية. وقبل أن أودعك أحب أن أروي لك حكاية صغيرة.
" ثمة تاجر كبير، أرسل ابنه ليكتشفسر السعادة عند أكثر الرجال حكمة، مشى الولد أربعين
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" من حكمة الروائي العالمي بالو كويلو " اخترت لكم jehan1970 مواضيع عامة 3 12-18-2011 01:18 PM
Full Metal Alchemist - الخيميائي المعدني الكامل - الكيميائي المعدني الكامل K.Naruto أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 09-26-2011 06:58 PM
[ .. ساو باولو ينتظر سبورتنغ لشبونة .. ] ظل الكيو كو شن كاي رياضة و شباب 0 08-26-2009 05:10 PM
باولو مالدينو الأسطورة الميلانية !! Real Madrid is the Best رياضة و شباب 1 02-28-2009 10:12 AM
باولو مالديني المعلم سطح رياضة و شباب 0 04-11-2006 07:59 PM


الساعة الآن 07:36 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011