عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-13-2013, 02:36 PM
 

- ياولدي، رجال من العالم بأسره قد أتوا إلىهنا، ومرّوا آنفاً بهذه القرية، إنهم يأتون إلى هنا ليبحثوا عن أشياء جديدة، لكنهميبقون الرجال أنفسهم، يذهبون إلى الهضبة لزيارة القصر ويجدون أن الماضي أفضل منالحاضر، أكانوا ذوي شعر فاتح، أو ذوي بشرة غامقة، فهم يشبهون رجال قريتنا.
قالالشاب:
- لكنني لا أعرف قصور البلاد التي قدم منها هؤلاء الرجال.
تابعالأب:
- عندما رأى هؤلاء الرجال حقولنا ونساءنا حبذوا العيش هنا إلى الأبد.
قال الإبن:
- أريد أن أتعرّف على نساء وحقول وأراضي البلاد التي قدم منهاهؤلاء الرجال، إنهم لا يديمون البقاء بيننا.
قال الأب:
- لكن هؤلاء الرجاليملكون المال الوفير، أما عندنا فالرعاة وحدهم من يستطيع رؤية مختلف البلدان.
- إذاً سأصبح راعياً.
لم يضف الأب شيئاً بعد، وفي صباح اليوم التالي أعطى لولدهكيس نقود يحتوي على ثلاث قطع ذهبية إسبانية قديمة.
- ذات يوم، وجدتها في أحدالحقول، وكنت أفكر أنها حق للكنيسة بمناسبة ترقيتك فيها، لكن خذها واشتر لنفسك بهاقطيعاً، واذهب عبر العالم، إلى أن يأتي اليوم الذي تعلم فيه أن قصرنا هو الأعظم،ونساءنا هن أجمل النساء، ومنحه بركته.

قرأ الولد في عيني والده الرغبة فيتطواف العالم أيضاً، رغبة كانت تحيا معه رغم عشرات السنين التي حاول أن يمضيهامقيماً في المكان نفسه يأكل ويشرب ويغفو فيه كل ليلة.

× × ×

تلوّنالأفق باللون الأحمر، ثم بدت الشمس.
تذكر الشاب المحادثة التي دارت بينه وبينأبيه، فأحس بالسعادة، كان قد عرف من قبل كثيراً من القصور، وكثيراً من النساء، لكنأياً منهن لا تعادل تلك التي ينتظرها بعد مسيرة يومين من الآن، كان يمتلك معطفاً،وكتاباً وبإمكانه أن يبادله مقابل آخر، وقطيعاً من الغنم، والأكثر أهمية من هذا كلهأنه كل يوم يتحقق حلم حياته الكبير: الترحال ...
وعندما سيتعب من التجوال فيريف الأندلس، فإنه سيستطيع بيع أغنامه ليصبح بحاراً، وعندما سيمل البحر، فإنه سيكونقد تعرّف على مدن كثيرة، ونساء كثيرات، وفرص عديدة ليظل سعيداً.
ثم تساءل وهويشاهد بزوغ الشمس:
- كيف يمكن للمرء أن يبحث عن الإله في مدرسة إكليريكية؟.
لم يكن قد جاء إطلاقاً حتى هذه الكنيسة، مع أنه مرّ من هنا مرات عديدة.
العالم كبير، لامتناهٍ، ولو ترك أغنامه تقوده، ولو لبعض الوقت، لوصل إلى اكتشافأشياء جديدة ومفعمة بالفائدة.
- المشكلة هي انها لا تعي أنها تعبر دروباً جديدةكل يوم، ولا تلاحظ أن المراعي تغيرت، وأن الفصول متباينة، لأنها لا تملك من هاجسسوى الماء والكلأ.
- إن الشيء نفسه يجري لكل الناس ـ فكر الراعي ـ حتى بالنسبةلي أنا الذي لم أفكر بنساء أخريات منذ التقيت ابنة ذلك التاجر.
نظر إلى السماء،وقدّر أنه سيكون ـ تبعاً لحساباته ـ في " طريفه " قبل وقت الغداء، هناك ... سيستطيعمبادلة كتابه بآخر أكبر حجماً، وتعبئة زجاجته خمراً، وأن يحلق ذقنه، ويقص ضعره،عليه أن يكون على أتم استعداد للقاء الفتاة الشابة، ولم يكن يريد حتى أن يتصوراحتمال امكانية وصول راعٍ آخر قبله، يملك من الغنم أكثر منه، قاصداً طلب يدها.
- إنها تماماً إمكانية تحقيق حلم يجعل الحياة ذات أهمية ـ تخيل رافعاً نظره نحوالسماء وهو يسرع في خطواته.
لقد تذكر لتوه أن هناك في " طريفه " امرأة عجوزتعرف تفسير الأحلام، في هذه الليلة حلم بالحلم الذي كان يراوده ... الحلم القديمنفسه ..

× × ×

قادت المرأة العجوز الشاب إلى داخل المنزل، إلى غرفةيفصلها عن الصالة ستار من البلاستيك متعدد الألوان، كانت هناك طاولة، وصورة للأبالمقدس السيد المسيح، وكرسيان.
جسلت العجوز، ورجته أن يفعل مثلها، ثم أمسكتبيديه وأخذت بالدعاء بصوت منخفضٍ جداً، كان هذا أشبه مايكون بصلاة غجرية، لقد التقىكثيراً من الغجر في دربه من قبل، فقد كانوا يسافرون أيضاً، لكنهم لم يكونون يهتمونبالغنم، بل ان الشائع بين الناس هو أن الغجري يقضي وقته في خداع الناس، ويقال أيضاًأن هناك عهداً بينهم وبين الشيطان، وأنهم يسرقون الأطفال، ليجعلوا منهم عبيداً لهمفي مخيماتهم الغامضة.
عندما كان الراعي الشاب طفلاً صغيراً كان كثير التخوفوتراوده فكرة أن يختطفه العجر، وعاوده هذا الخوف القديم عندما كانت العجوز تمسكبيديه.
- لكن توجد هنا صورة السيد المسيح _ فكّر محاولاً أن يطمئن نفسه، لم يكنيريد ليديه أن ترتجفا، أو أن تلاحظ العجوز خوفه، وفي صمت تلا صلاةً .
- أمرٌمثير ! قالت العجوز دون أن تفارق عيناها يد الولد.
وابتسمت من جديد، أما هو فقدكان يشعر من وقت إلى آخر بثورة أعصابه، يداه أخذتا ترتجفان رغماً عنه، ولاحظتالعجوز ذلك، صمم أن يسحبها على الفوز ثم قال:
- أنا لم آتِ إلى هنا من اجلقراءة خطوط يدي.
وهو الآن يتأسف دخوله هذه الدار وحسب أنه سيكون من الأفضل أنيدفع قيمة الاستشارة وينصرف دون أن يعرف شيئاً، فقد علق دون شك أهمية كبرى على حلمتكرر.
قالت العجوز:
- أتيت تسألني على الأحلام، والأحلام هي لغة الله،وعندما يتكلم الله بلغة البشر فأنا أستطيع تفسيرها، لكنه عندما يتكلم بلغة روحك،فلن يفهمه أحد سواك، وعلى أية حال، عليك أن تدفع قيمة استشارتي.
- حيلة أخرى ـفكر الشاب، وعلى الرغم من كل شيء فإن الراعي قد قرر المجازفة. إنه يتعرض دائماًلخطر الذئاب، أو لخطر الجفاف، وهذا تماماً ما يجعل من مهنته مهنة هامة ومثيرة.
قال الشاب:
- حلمت بالحلم نفسه مرتين على التوالي. كنت متواجداً مع أغناميعلى أرض أحد المراعي، حينما ظهر طفل وأخذ يلعب مع البهائم، وأنا لا أحبذ كثيراً أنيأتي أحد ليلهو مع نعاجي، فهي تخاف من رؤية أشخاص لا تعرفهم، لكن الأطفال ينجحوندائماً في اللهو معها دون أن يسببوا لها الخوف، إنني أجعل لماذا، ولا أعرف كيفتستطيع الحيوانات معرفة أعمار الكائنات البشرية.
- ارجع إلى حلمك ـ قالت العجوزـ فلدي قدر على النار، بالاضافة إلى أنك لاتملك الكثير من المال وتأخذ وقتي كله.
- تابع الطفل اللعب مع النعاج لفترة ـ أردف الراعي مرتبكاً قليلاً ـ وفجأة أخذبيدي وقادني حتى أهرامات مصر.
عدل الشاب عن الكلام لحظة، ليرى إن كانت العجوزتعرف ماتكون أهرامات مصر، لكنها بقيت خرساء، ثم تابع:
- عندئذٍ أمام أهراماتمصر، (لفظ هذه الكلمى بمنتهى الدقة، لتستطيع العجوز فهمها جيداً)، كان الطفل يقوللي: " إن تأتِ حتى هنا، فستجد كنزاً مخبأ " . وفي اللحظة التي كان يكاد أن يرينيفيها المكان المحدد كنت استيقظ في المرتين.
مكثت العجوز صامتة للحظات، ثم عادتوأمسكت بيدي الشاب اللتين تفحصتهما بانتباه.
- لن أدعك تدفع الآن أي شيء، لكننيأريد عشر الكنز إن وجدته.

أخذ الشاب يضحك، إنها ضحكة انشراح ورضا، فهكذا سيدخرالقليل من المال الذي يملكه بفضل حلم صار عبارة عن مسألة كنز مخبأ ! لابد أن تكونالمرأة الطيبة العجوز غجرية، فالغجر أغبياء.


- حسنٌ، كيف تفسرين هذاالحلم ؟ .
- أولاً يجب أن تقسم. اقسم لي أنك ستعطيني العشر من كنزك مقابل ماسأقوله لك.
أقسم الراعي، وطلبت منه العجوز أن يكرر القسم، وهو يثبت عينيه فيصورة السيد المسيح.
قالت العجوز:
- إنه حلم باللغة الكونية، حلم أستطيعتأويله، لكنه تأويل صعب جداً، يبدو لي أني استحق حصتي مما ستجد، والتأويل هو ذا:
" عليك أن تذهب حتى أهرامات مصر، لم أسمع عنها مطلقاً لكن إن كان من أراك إياهاطفل، فهذا يعني أنها موجودة فعلاً، هناك ستجد كنزاً سيجعل منكَ رجلاً غنياً ".
ذهل الشاب للوهلة الأولى، ثم غضب، لم يكن بحاجة للمجيء، لرؤية هذه المرأة منأجل شيء تافه، لكنه تذكر في نهاية الأمر أنه لم يدفع شيئاً.
- لم تك لدي حاجةلإضاعة وقتي مادام الأمر هكذا ـ قال الشاب.
- أنت ترى، لقد كنت قد قلت لك أنحلمك صعب التفسير، الأشياء البسيطة هي الأشياء الأكثر روعة والعلماء وحدهم منيراها، وبما أنني لست واحدة منهم فإنه يتوجب عليّ معرفة فنون أخرى: قراءة الكفمثلاً.
- وماذا عليّ أن أفعل من أجل الذهاب حتى مصر ؟
- أنا لا أقوم إلابتفسير الأحلام وليس بمقدوري تحويلها إلى حقيقة، ولهذا السببعليّ أن أعيش مماتعطيني إياه بناتي.
- وإن لم أصل حتى مصر ؟
- حسنٌ، عندها لن أوفى أجري ولنتكون هذه المرة الأولى.
ولم تضف العجوز شيئاً، بل طلبت من الشاب الانصراف لأنهجعلها تضيع الكثير من الوقت.

× × ×

انصرف الراعي خائباً وعازماًعلى ألا يعتقد بالأحلام بعد الآن، ثم تذكر أن عليه القيام بأشياء مختلفة، ذهب للبحثعن شيء يأكله، ولمبادلة كتابه مقابل آخر أكبر حجماً، وجلس على مقعد في الساحة،ليتذوق الخمرة الجديدة التي ابتاعها.
إنه نهار حار، ولعلّ الخمر، بفضل أحدتأثيراته الخفيّة التي يملكها، يستطيع أن يكون مرطباً له.