عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-13-2013, 02:38 PM
 

شعرالراعي بغصّة في الصميم، وهو يفكّر بابنة التاجر، ففي المدينة حيث تعيش يوجدبالتأكيد بائع بوشار.
- وأخيراً ـ أردف العجوز ـ فإن مايفكّر به الناس عادة عنباعة البوشار وعن الرعاة يصبح لديهم أهم من الأسطورة الشخصية.
تصفّح العجوزالكتاب وتسلّى بقراءة صفحة منه، انتظر الراعي قليلاً ثم قاطعه بنفس الطريقة التيقوطع هو بها:
- لماذا قلت لي هذه الأشياء؟
- لأنك تحاول أن تعيش أسطورتكالشخصية، ولأنك على وشك العدول عنها.
- وأنت تظهر دائماً في هذه اللحظات؟
- ليس بهذا الشكل دائماً، لكنني لا أتخلّى عنه أبداً ... فمرة أظهر على شكل فكرةجديدة، أو كطريقة للتخلص من ورطة، ومرة اخرى أظهر في لحظة روحانية، أجعل فيهاالاشياء سهلة المنال، وهكذا ... لكن أغلب الناس لا يلاحظون شيئاً.
روى أنه فيالاسبوع الماضي، كان مجبراً على الظهور لأحد المنقبين على شكل حجر، فقد كان هذاالرجل قد تخلّى عن كل شيء، ورحل سعياً للحصول على الزمرد.
خمس سنوات عمل خلالهابتكسير الاحجار على طول أحد الأنهار، كان قد كسر خلالها تسعمائة وتسعاً وتسعينألفاً وتسعمائة وتسعاً وتسعين حجراً، محالاً أن يجد زمردة، في تلك الأثناء فكّربالتراجع، ولم يكن ينقصه عندئذٍ إلا حجر واحدة، ليكتشف زمردته، وبما أنه كان رجلاًدأب في الجد خلف أسطورته الشخصية، فقد قرر العجوز التدخل، فتحول إلى حجر تدحرجت عندأقدامه، وتحت وطأة غضبه واحساسه باستلابه خلال خمس سنوات ضاعت من عمره، قذف بتلكالحجر إلى البعيد، ورماها بقوة كبيرة جعلتها ترتطم بحجر أخرى، فتفتت لتكشف عن أجملزمردة في العالم.
قال العجوز وفي عينيه شيء من المرارة:
- إن الناسيتعلّمون مبكراً مبرر حياتهم، وربما لهذا السبب نفسه أيضاً، يتخلّون عن عاجلاً عنالمتابعة، لكن هكذا هي الدنيا.
تذكر الشاب حينئذٍ أن نقطة البداية بالنسبةللمحادثة التي دارت بينهما كانت الكنز المخبأ.
- لقد نُبشت الكنوز بفعل السيلالجاري ـ قال العجوزـ ودُفنت نتيجة ارتفاع مياه السيل نفسها، وان كنت تريد معرفةالمزيد عن كنزك، عليك أن تتنازل عن عشر قطيعك.
- أفلا يمكن لعشر الكنز أن يفيبالأمر؟
بدا الشيخ خائباً:
- إذا وعدت بشيء لا تملكه بعد، فإنك ستفقدالرغبة في الحصول عليه.
قال له الراعي بأنه كان قد وعد الغجرية بعشر الكنز.
تأوه العجوز وصرخ:
- محتالون، على أية حال، انه لجميل أن تتعلم أن لكل شيءفي الحياة ثمناً، وهذه هي الفكرة التي حاول مجاهدو عهد الأنوار تعليمها.
ثمأعاد الكتاب إلى الشاب قائلاً:
- غداً وفي مثل هذه الساعة تصحب لي عشر قطيعك،وسوف أرشدك كيف تجد كنزك بنجاح، هيّا عمت مساءً.
واختفى عبر إحدى زوايا الساحة.

× × ×


حاول الشاب الرجوع إلى قرائته، لكنه لم يتمكّن منالتركيز، فقد كان مضطرباً ومتوتراً، لأنه أدرك أن العجوز يقول الحقيقة، ذهب للبحثعن البائع المتجول، واشترى منه كيساً من البوشار متسائلاً في قرارة نفسه هي عليه أنيخبره بما قال العجوز.
من الأفضل أحياناً، أن نترك الأشياء كما هي عليه ـ فكّردون أن يقول شيئاً، فلو تكلم لأمضى بائع البوشار ثلاثة أيام بالتفكير ليقرر إن كانسيتخلّى عن كل شيء، لكنه كان قد اعتاد العربة الصغيرة.
كان يستطيع أن يوفر عليههذا الارتياب المؤلم، أخذ يهيم في المدينة، ونزل حتى الميناء، حيث يوجد مبنى كبير،ذو نوافذ خاصة، كان الناس يأتون لشراء بطاقات السفر منها مصر ... إنها توجد فيإفريقية.
- ماذا تريد؟ سأل موظف الحجز.
- ربما غداً ـ أجاب مبتعداً.
عندما يبيع واحدة من نعاجه، فإنه سيستطيع الانتقال إلى الجهة الأخرى من المضيق،لكن هذه الفكرة أرعبته.
- هاهو حالم آخر ـ قال قاطع التذاكر لزميله بينما كانالشاب يبتعد ـ ليس لديه مايغطي نفقات سفره.
في حين أنه عندما كان امام الكوة،كان قد فكّر بنعاجه، وامتلكه الخوف من الذهاب إليها. فخلال هاتين السنتين تعلّم كلشيء عن تربية الغنم، وتلعّم كيف يجز الصوف، والعناية بالنعاج الحوامل، وحماية قطيعهمن الذئاب، كان يعرف حقول ومراعي الأندلس كلها، ويعرف السعر الدقيق ومبيع كل واحدهمن دوابه.
قرر العودة إلى حظيرة صديقه عبر أطول الطرق، كان في المدينة قصرأيضاً، أراد تسلّق المنحدر الحجري والذهاب للجلوس على حائط السوق ليستطيع رؤيةأفريقية، فأحدهم كان قد شرح له أن العرب الذين احتلوا إسبانية كلها تقرياً، ولزمنطويل قد جاؤوا من هناك، لكنه يكره العرب لأنهم جاؤوا بالغجر.
ومن الأعلى،يستطيع أن يرى أيضاً الجزء الأكبر من المدينة والساحة التي تحدّث فيها مع العجوز.
- لعن الله الساعة التي التقيت فيها بهذا العجوز ـ فكّر ـ فهو قد ذهب بكل بساطةللبحث عن امرأة قادرة على تفسير الاحلام، فلا تلك المرأة، ولا ذاك العجوز، لميعلّقا أية أهمية على كونه راع، فقد كانا شخصين منعزلين لا يعتقدان بشيء في الحياة،ولايفهمان أن الرعاة ينتهون في الارتباط بدوابهم، فالراعي يعرف بدقة كل واحدة منها،ويعرف أن كانت بينها واحدة عرجاء، وأيا منها ستضع بعد شهرين، إنه يعرف الكسولاتمنها ومتى يكون جزّها وذبحها. وان قرر الرحيل يوماً، فإنها ستتألم كثيراً.
أخذتالريح الشرقية تعصف، فمع هذه الريح جاء قوم من السفهاء الكفار، وقبل أن يعرف " طريفه "، لم يكن ليخيل إليه أن إفريقية كانت قريبة جداً، الأمر الذي يشكّل خطراًكبيراً، فالعرب يستطيعون غزو البلاد من جديد. أخذت الريح تعصف بقوة أكبر.
- هاأنذا بين أغنامي والكنزـ قال لنفسه، وكان عليه أن يقرر أن يختار بين شيء ألفهوآخر يحب كثيراً لو يحصل عليه، وهناك ابنة التاجر، لكنها ليست بأهمّية النعاجبالنسبة إليه، وماجعله يتأكد من ذلك هو لو أنها لن تلتقيه مابعد الغد، لما كانتانتبهت إلى ذلك: الأيام كلها متشابهة لديها، وعندما تكون الأيام تشبه بعضها بعضاً،فهذا يعني أن الناس قد توقفوا عن ملاحظة الأشياء الطيبة التي تخطر في حياتهم طالماأن الشمس تعبر السماء باستمرار.
- لقد غادرت أبي، أمي، وقصر المدينة التي وُلدتفيها ـ حدّث نفسه ـ لقد تعودنا على ذلك، والاغنام سوف تعتاد على غيابي.
منهناك، في الاعلى، راقب الساحة، كان البائع المتجول يتابع بيع بوشاره، جاء زوجانشابان ليجلسا على المقعد الذي شهد حواره مع العجوز، ثم تبادلا قبلة طويلة.
- بائع البوشار ... ـ تمتم في نفسه دون أن يتم الجملة، لأن الرياح أخذت تعصف بشكلأقوى، وشعر بها تلطم وجهه، إنها جلبت العرب بلا شك، لكنها كانت تأتي أيضاً برائحةالصحراء، وبالنساء المحجبات، وتحمل عرق وأحلام أولئك الذين كانوا قد رحلوا ذات يومبحثاً عن المجهول، أو عن الذهب، والمغامرات والأهرامات.
أخذ الشاب يغبط الريحعلى حريتها، وأدرك أن لاشيء يمنعه أن يكون شبيهاً بها، فالأغنام، وابنة التاجر،وحقول الأندلس لم تكن إلا مراحل من أسطورته الشخصية.

× × ×

عندظهيرة الغد التقى الراعي الشاب بالعجوز، وكان قد أحضر معه ستاً من أغنامه، وقال له:
إنني مندهش فصديقي اشتري مني القطيع على الفور، فطيلة حياته كان يحلم بأن يكونراعياً، إذن هذا فأل خير.
قال العجوز:
- الأمور تسير دائماً هكذا، ونحننسمي هذا: " المبدأ المناسب"، فأنت عندما تلعب للمرة الأولى فإنك ستربح ربحاًمؤكداً، إنه حظ المبتدئ.
- ولماذا هذا؟
- لأن الحياة تريدك أن تعيش أسطورتكالحقيقة.
ثم بدأ يتفحّص النعاج الستى، وقد لاحظ إن إحداها عرجاء، لكن الفتى قدشرح له بأن هذا ليس بذي أهمية، لأنها كانت الدابة الأكثر ذكاءً والأوفر صوفاً، ثمسأله:
- أين يوجد الكنز؟
- الكنز موجود في مصر قرب الأهرامات.
اعترتهرجفة، فالغجرية العجوز كانت قد قالت له الشيء نفسه، لكنها لم تأخذ أجرها.
- كيتصل إلى كنزك عليك أن تكون يقظاً للعلامات، فقد كتب الله قدرنا على جبيننا، واختارلكل منا الحياة التي عليه أن يحياها، وليس عليك إلا أن تقرأ ما كُتب لك.
وقبلأن يتمكن الشاب من أن يقول أي شيء، أخذت فراشة ليل تحوم بينه وبين الرجل العجوز،فتذكر جده، ذاك الذي سمعه يقوم عندما كان طفلاً، إن فراش الليل علامة حظ، والشيءنفسه بالنسبة للجنادب، والجراد الأخضر، والسحالي الرمادية، والحندقوقات ذات الأوراقالأربعة.
- هذا هو تماماً ـ قال العجوز الذي كان بمقدوره قراءة أفكاره ـ كماعلّمك جدك، هنا تكمن العلامات.
ثم فتح المعطف الذي يتلف به، فتأثر الفتى بمارآه عندئذٍ، وتذكر الألق الذي بهر عينيه عشيّة البارحة، فقد كان العجوز يتقلّدقلادة من الذهب مرصّعة بالاحجار الكريمة.
قد كان ملكاً حقيقياً، وكان لزاماًعليه أن يتنكّر بهذا الزي ليتحاشى قطاع الطرق.
- خذ ـ قال وهو ينتزع حجراًبيضاء وأخرى سوداء، كانتا مثبتتين في وسط قلادته ـ إنهما تسمّيان " أوريم وتوميم "،السوداء تعني نعم والبيضاء تعني لا. فعندما لا تتوصل إلى فهم العلامات، فإن هاتينالحجرين سيفيدانك، لكن ليكن سؤالك الذي تطرحه موضوعياً دائماً، اسعَ باستمرارلاتخاذ قرارك بنفسك، فالكنز موجود قرب الأهرامات وهذا تعرفه مسبقاً، وعليكَ أن تدفعمقابل ذلك ست غنمات، فأنا من ساعدك على اتخاذ القرار.
وضع الشاب الحجرين فيجعبته، وسيأخذ من الآن فصاعداً قراراته بنفسه.
- لاتنسَ أن الكل ليس إلا شيئاًواحدً، لاتنسَ لغة العلامات، ولاتنسَ على الخصوص أن تمضي حتى آخر أسطورتك الشخصية. وقبل أن أودعك أحب أن أروي لك حكاية صغيرة.
" ثمة تاجر كبير، أرسل ابنه ليكتشفسر السعادة عند أكثر الرجال حكمة، مشى الولد أربعين