عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 12-29-2015, 11:42 AM
oud
 

الـــــــفصل الثامن عشر

نظرت للهاتف بصدمة ولأسمها على شاشته عدة مرات

وكأني اكذب عيناي , لن تتصل وسن لشيء تافه وبي تحديدا

رفعت الهاتف لأذني وكل هواجس الأرض تقودني وكل ما

أخشاه أن يكون أصابها مكروه في الجامعة واحدهم اتصل بي

بهاتفها , أجبت في صمت فجاءني صوتها الباكي قائلة

" نواس خالتي متعبة تعالى بسرعة أرجوك "

انطلقت راكضا من مكاني وأنا أقول

" ما بها وما أعادك من جامعتك الآن قبل وقتك "

قالت بذات بكائها " بسرعة لا وقت للشرح "

قلت وأنا أركب سيارتي " اتصلي بالإسعاف ستأخذ

مني الطريق بعض الوقت "

فصلتِ الخط مني دون حتى أن تقول وداعا , سرت بسرعة

كبيرة وعقلي عجز عن التفكير , ترى ما أتعبها فجأة هكذا

لو أنها فقط قبلت بأن نباشر المرحلة الثانية من العلاج

وصلت المستشفى بعد وقت ونزلت ركضا وسألت عنها في

الاستقبال ثم صعدت السلالم قفزا حتى وصلت غرفة العناية

دخلت الممر ألهت من الركض وكانت وسن والممرضة في

آخره فتوجهت نحوهما مسرعا لتقفا ما أن رأتاني فقلت

" ما بها ؟ ماذا حدث "

قالت الممرضة " تعبت قليلا صباح اليوم ورفضت أن

أخبرك أو أخبر وسن وحينما ازدادت حالتها سوءا اتصلت

بوسن بالخفية عنها لتأتي لها وهي اتصلت بك "

نظرت لباب الغرفة ثم رفعت رأسي ومررت أصابعي في

شعري ليصلني صوت وسن الحزين قائلة " نواس "

نظرت لها فقالت ودموعها بدأت بالنزول " هل ستموت خالتي "

قلت بهدوء " لن تموت لا تخافي ستكون بخير "

ثم ابتعد عنهما ووقفت بعيدا فلم يعد قلبي يحتمل أكثر

جلستا حيث كانتا وبدأت وسن بالبكاء مرتجفة وكأنما

أحدهم سكب عليها ماءً بارداً في عز الشتاء وتتمتم بأشياء

غير مفهومة والممرضة تحاول تهدئتها , اتكأت على الجدر

برأسي وأغمضت عيناي بألم أرثي تمزق قلبي على والدتي

التي لا أعلم عن حالها بالداخل والقطعة من قلبي التي ترتعش

هناك كالورقة , وسن تُعد والدتي الشيء الوحيد المتبقي لها

الآن , تراها أهلها تراها فرح ووالدها ووالدتها وحتى أنا

وفقدانها بالنسبة لها فقدان لآخر شيء يربطها بالبشر

سحقا لحظك يا نواس ... ليس الكبرياء من يمنعني الآن

عن دفنها وسط حضني ولملمت ارتجافا بين ضلوعي بل

هوا الحلال والحرام لكنت عندها الآن لعلها هي تخفف عني

النيران المشتعلة في صدري قبل أن أخفف عنها أنا خوفها

على خالتها , سمعت باب الغرفة انفتح فقفزت واقفا ووقفتا

هما وتوجهت نحو الخارج منها قائلا " كيف هي الآن "

نظر لي وقال " من تقرب لها "

قلت بتوجس " ابنها "

سار أمامي وقال " اتبعني "

تبعته كالدمية غير مصدق أنه قال اتبعني ولم يقل البقاء لله

أو أحسن الله عزائكم أو أي شيء مفجع يعبر عن موتها

دخلت خلفه للغرفة وأغلقت الباب وجلست أمامه فقال

مباشرة " الورم وصل للدماغ "

شعرت بالأرض تتحرك تحتي ولم أستطع الثبات على

الكرسي الجالس عليه , فوقف وأمسكني قائلا

" كن قويا وعلينا إكمال العلاج معها في كل الأحوال "

رفعت رأسي ونظرت له , كان كالضباب لا أستطيع تمييز

ملامحه فأمسكت رأسي بيداي فناولني كوب ماء فأخذته منه

على الفور وشربته , كان طعمه مالحا ففهمت انه علم أن ضغطي

انخفض , بعد قليل أصبحت الرؤية عندي أوضح وزال الدوار

من رأسي فقلت بصوت متعب " لا نفع منه سوا قتلها بالبطيء

لا تكذب علي فأنا ملم بمرضها جيدا "

أخفض رأسه وتنفس بقوة ثم نظر لي وقال

" اتركوها هنا أفضل لها لتكون تحت المراقبة والشفاء

من عند الله وحده وعلينا المحاولة للنهاية "

قلت من فوري " ما الذي يمكنني فعله أخبرني عن

أي بلاد آخذها لها وسأفعل فورا "

هز رأسه وقال " لن يفعلوا لها أكثر مما سنفعله نحن "

ثم وقف وقال " كن مؤمنا ولا تيأس فالشفاء لا يحدده

أحد والموت لا يمسكه أحد أيضا "

نظرت له للأعلى وقلت " هل يمكنني رؤيتها "

قال مغادرا " ليس قبل أثنى عشر ساعة فلا

تتعبوا أنفسكم بالانتظار هنا "

ثم خرج وتركني فوقفت بصعوبة وخرجت لأجد

وسن والممرضة ينتظرانني أمام الباب فقالت وسن

بنظرة رجاء " لم تمت أليس كذلك "

هززت رأسي بلا فقالت بصوت ضعيف ويدها تقبض على

كم سترتي " هل ستموت يا نواس ؟؟ هل ستموت "

قلت ورأسي في الأرض

" لا تقلقي ستكون بخير أزمة وستنتهي "

قالت بعبرة " أريد أن أراها "

نظرت لها لتقع عيناي على عيناها الواسعة الدامعة

فأشحت بنظري بعيدا عنها وقلت

" لا تزال متعبة عليكما العودة للمنزل الآن "

قالت بجدية " لن أغادر إلا معها "

نظرت لها وقلت بضيق " وسن ليس هذا وقت العناد

الطبيب قال أنه لا يمكننا زيارتها قبل نصف

يوم فبقائكما لا فائدة منه "

قالت الممرضة " إذا سأغادر وأعود لها غدا هل تريدان شيئا "

قلت " هل عادت فتحية من دولتها "

هزت رأسها بلا وقالت " قالت أن والدها ازدادت

حالته سوءا ولن ترجع قبل أسبوع "

هززت رأسي بحسنا فغادرت في صمت ونظرت أنا

لوسن وقلت بهدوء " علينا المغادرة الآن وسنعود في الغد "

سارت أمامي في صمت ودون كلام , فقط لأني سأغادر

أيضا لما كانت تحركت من هنا , ركبنا السيارة وغادرنا

المستشفى , كنت أود البقاء لكن وسن تبدوا متعبة وتكابر

كعادتها ولا أحد في المنزل لذلك عليا البقاء معها , وصلنا

المنزل ودخلت هي قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي

بعد قليل لحقت بها فكانت تجلس على الأرض متكئة على

السرير بذراعيها وتخفي وجهها فيهما وتبكي فوقفت عند

الباب وقلت " وسن لا تنسي أنك متعبة , هذا لن يفيد في

شيء , هي لم تمت وستتحسن حالتها "

لم تجب عليا طبعا فغادرت قبل أن ترميني بكلام يغضبني

وأكون أستحقه , خرجت لأقرب صيدلية أحضرت لها حبوبا

مسكنة وعدت للمنزل , دخلت ووجدتها على حالها فوضعت

الكيس على السرير بجاب رأسها وقلت بهدوء

" أحضرته من نقود والدتي وليس مني "

ثم غادرت الغرفة وتوجهت لغرفتي , أخرجت هاتفي وفتحته

واتصلت بجواد , ترددت بادئ الأمر لكي لا أشغله عن دراسته

لكن إن حدث لها شيء فلن ينساها لي لأنه لم يراها للمرة الأخيرة

شعرت بانقباض في قلبي لمجرد الفكرة , كيف أفقدك يا أمي

أنتي لا تعرفين ما تعنيه بالنسبة لي فمن لي أنا أيضا بعدك

اتصلت وأجاب بعد وقت فقلت من فوري

" ما هي أقرب رحلة يمكنك المجيء عليها "

قال بتوجس " ما بها والدتي "

أغمضت عيناي بألم وقلت " متعبة قليلا وأريدك أن تكون هنا "

قال بعد صمت " نواس لا تكذب علي "

قلت بهدوء " الورم وصل للدماغ سندخلها للمرحلة الثانية

من العلاج , إن لم يكن بإمكانك المجيء فلا تأتي "

قال من فوره " أسبوعان أو أقل وأكون عندكم ... يا رب

لطفك , نواس هل ستموت "

قلت بغصة " توقفوا عن سؤالي هذا السؤال وارحموني "

قال بعد صمت " كيف هي وسن "

قلت بحزن " مرابطة في غرفة والدتي وتبكي , فتحية سافرت

منذ أكثر من يومين لأن والدها متعب كثيرا والممرضة

غادرت وهي الآن وحدها في الغرفة "

قال من فوره " كن بجانبها تعلم عن حالتها جيدا

لا نريد أن نخسر اثنتين "

تنهدت وقلت " تعلم أن اقترابي لن يزيد الأمور إلا سوءا

أنا معها في المنزل ولن أغادر , هذا فقط ما سأقدر عليه "

قال بحزن " دعني أكلم والدتي ما أن تدخل لها أرجوك يا نواس "

قلت من فوري " حسنا ووداعا الآن "

قال بهدوء " وداعا واعتني بوسن يا شقيقي تعلم كم سيؤثر فيها ذلك "

قلت بهمس " وداعا "

وكأنك متأكد من موتها يا جواد , من حديثك وعبرتك التي

تحاول كتمها , وهذه هي الحقيقة مهما كذبت على نفسي

رن جرس الباب فخرجت له وفتحته فكانت صديقة وسن

في الجامعة , نظرت لي وقالت بقلق " وسن تركت الجامعة

مسرعة ولا تجيب على هاتفها , زرت منزلكم ثلاث مرات

ولم أجد أحدا ! هل هي بخير "

ابتعدت عن الباب وقلت ونظري للأسفل

" لقد جئتِ في وقتك , أدخلي لها هي في الغرفة المفتوحة

نهاية الصالة , أرجوك كوني بجانبها قدر المستطاع "

دخلت وقالت " ماذا حدث "

أغلقت الباب وقلت مغادرا من أمامها للداخل

" خالتها متعبة وفي المستشفى "

ثم توجهت للمطبخ لتدخل هي , من الجيد أنها أتت لتكون معها

*
*
نزلت أبحث عن راضية حتى وجدتها وقلت

" نواس خرج منذ ساعات ركضا لسيارته وبسرعة مخيفة

من المزرعة وهاتفه مقفل ووالدته لا تجيب "

قالت بقلق " سترك يا رب ترى ما الذي حدث "

نظرت من حولي وقلت

" أين وليد أو صديقه الآخر ليجدوا أي حل "

قالت من فورها " معاذ ليس هنا ووليد في ..... "

بترت جملتها على دخول وليد من باب المنزل فتوجهت

من فوري نحوه وقلت بقلق " ماذا حدث مع نواس "

نظر لي باستغراب فقلت

" خرج مسرعا وهاتفه مقفل وحتى والدته لا تجيب "

أشاح بنظره عني متضايقا لتتحول نظرتي للصدمة ثم أولاني

ظهره وقال بهدوء " سأحاول الاتصال به أو أبحث عنه لا تقلقي "

ثم خرج من فوره ونظري يتبعه ورن حينها هاتفي فنظرت له

من فوري فكان نواس فأجبت عليه قائلة بقلق

" نواس ماذا حدث معك وأين أنت "

قال بنبرة غريبة " أنا في منزل والدتي لا تقلقي "

قلت بحيرة " هل حدث شيء "

قال بعد صمت " مرضت أمي وهي في المستشفى الآن "

أغلقت فمي من الصدمة ثم قلت " ما بها "

تنهد وقال بحزن " تعبت اليوم كثيرا والطبيب

نصحنا بتركها في المستشفى لبعض الوقت "

قلت بهدوء حزين " أسال الله لها العافية ولن أطيل

عليك أكثر وطمئني عليها "

قال بهمس " وداعا وشكرا لك "

أبعدت الهاتف عن أذني وغادرت جهة السلالم وصعدت

لغرفتي , كم أتمنى أن أكون بجانبه ووالدته الآن لكن بقائي

هنا سيكون أفضل فابنة خالته لن تتقبلني وهوا يعلم ذلك

جيدا لكان قال أنه سيأتي لأخذي هناك

*
*
جلست أحتضن أغطية سريرها أريد أن أشم ولو رائحتها

خالتي عودي من أجلي لا تتركيني فبعدك سأضيع وأرجع

عالة ومتسولة ويتيمة يرعاها نواس وزوجته , من أشتكي له

بعدك , من ينصفني من يحبني ويتحدث معي

قبضت على اللحاف بقوة لتعود دموعي التي لم تتوقف للنزول

مجددا فشعرت بيد على كتفي هي ليست لنواس بالتأكيد فنظرت

لصاحبها بسرعة وكأني أتخيل أن تكون خالتي تطبطب

على كتفي كالعادة وتسألني ( لما أنتي حزينة يا ابنتي )

فكانت ملاك , نظرت لها مطولا ثم قلت ببكاء

" خالتي يا ملاك ستموت وتتركني "

جلست بجواري على الأرض وحضنتني وقالت

" لن تموت هي متعبة فقط وليست المرة الأولى "

قلت بعبرة " لم تمرض هكذا قبلا "

وبقيت لوقت تهدئني وتقرأ على مسامعي

آيات من القرآن ثم مسحت على شعري وقالت

" إنه وقت المغرب هيا قفي توضئي لنصلي واقرئي في

المصحف قليلا وادعي لها بالشفاء "

وقفت ودخلت الحمام توضأت وصليت واتكأت في سرير

خالتي وأحضرت ملاك المصحف وبدأت تقرأ على مسامعي

حتى هدأت وتوقفت عن البكاء فمسحت على شعري وقالت

" وسن لما كل هذا هي حية ولم تمت , ابن خالتك قلق عليك

كثيرا يكفيه والدته التي في المستشفى "

خبأت وجهي في ذراعي وقلت " ليذهب ويتركني أنا لم

أجبره على البقاء معي "

تنهدت وقالت بضيق " وسن هوا في النهاية ابن خالتك

ويخاف عليك لو رأيت وجهه لتوقفتِ عن هذا الجنون "

خبئت وجهي في ذراعي أكثر وعدت للبكاء فقالت

" حسنا لن أذكر اسمه ثانيتا فلا تبكي "

وأمضت معي ملاك الليل بطوله ولم ننم للحظة ولا نواس

الذي يطرق علينا الباب من حين لآخر وعند الصباح

قالت ملاك " هيا لتذهبي معي لمنزلي , جدتي رحبت

بالفكرة وأنتي تحتاجين للابتعاد عن هنا "

نزعت ملابس الصلاة وجلست على السرير وقلت

" لا أريد فعليا زيارة خالتي معه "

قالت بهدوء " منعوا عنها الزيارة نهائيا حتى تنتهي جلسات

العلاج فتعالي معي أفضل لك وله ليتمكن من مغادرة المنزل "

قلت بحدة " أخبرتك أني لا أجبره على البقاء "

قالت بضيق " أنتي لا تجبرينه لكنه يستحيل أن يذهب

ويتركك في المنزل لوحدك فإن كنتي حقا لا تريدي

رؤيته فاذهبي معي أو ابقي معه هنا "

ثم تأففت وقالت مغادرة الغرفة " سأجمع لك ثيابا

وتبقي معي حتى تخرج خالتك "

ثم غادرت الغرفة فارتميت على السرير أبكي بحرقة

فها قد بث عالة حتى على الأغراب , بعد قليل جلبت

حقيبة أغراضي وقالت " وضعت فيها كل ما رايته

مهما وإن احتجتِ شيء سنعود لأخذه "

خرجت معها من المنزل وأوصلنا نواس بسيارته لمنزلها

نزلت ملاك قبلي وهممت بالنزول حين استوقفني صوت

نواس قائلا " اتصلي بي إن احتجتِ شيئا "

قلت بهمس وأنا انزل " شكرا لك "

ثم أغلقت الباب ودخلت المنزل , متى سيقتنع أني لا

أريد منه شيئا سوى أن يتركني ولا يزيدني على ما بي

دخلت وكانت جدة ملاك وزوجة خالها في استقبالي

رحبا بي وسألا عن خالتي فأجبتهم ثم قلت

" أريد أن أنام قليلا أشعر بالتعب "

قالت جدتها مبتسمة

" المنزل منزلك , خذيها يا ملاك لغرفتك لترتاح "

دخلت خلفها للغرفة فقالت " تبدين متعبة هل أعطيك المسكن "

دخلت للسرير وقلت " أريد أن أنام قليلا فقط "

فخرجت وأغلقت الباب بعدما أطفأت النور

*

*
أمضيت أيام الأسبوع بين المستشفى والمزرعة ومنزل

صديقة وسن لأطمئن عليها من خال صديقتها التي توصل له

ملاك أخبارها , هي لم تذهب للجامعة منذ ذاك اليوم ولا تتوقف

عن البكاء وتصر على الخروج بنفسها لزيارة والدتي ولا

تريد أن تقتنع أن الأطباء يمنعون عنها الزيارة بالفعل فحتى

أنا لم أدخل لها سوى مرة واحدة ولدقائق معدودة وهي لا

تعي شيئا حولها , جواد قال أن طائرته ستكون منتصف

الأسبوع القادم ولم يخبر فرح بشيء فهي حامل وإن علمت

ستقلق على وسن ويجن جنونها ولن تهدأ ليلا ولا نهارا

" ألن نتمكن من زيارتها أبدا يا نواس "

رفعت رأسي ونظرت لها وقلت " الأطباء لم يسمحوا بذلك بعد "

نظرت للأرض وقالت بحزن " تبدوا حالتها حرجة "

تنهدت وقلت " ليس بيدنا سوى الدعاء لها "

رن حينها هاتفي فنظرت له ووقفت على طولي وأنا

أرى رقم المستشفى فأجبت من فوري فقال الذي

في الطرف الآخر " مرحبا هل أنت السيد نواس "

قلت بتوجس " نعم هل والدتي بها مكروه "

قال من فوره " تطلب رؤيتك وواحدة اسمها وسن "

أبعدت الهاتف عن أذني انظر له بضياع فقالت مي بقلق

" ماذا هناك يا نواس "

قلت مغادرا من أمامها " سأنزل للعاصمة وقد لا أعود اليوم "

ركبت سيارتي وغادرت مسرعا أحاول فقط أن لا أفكر

وصلت لمنزل صديقة وسن ونزلت , قرعت الجرس

ففتح لي الباب طفل في السادسة أو السابعة فقلت له

" أين والدك هل هوا موجود "

قال من فوره " خرج هوا ووالدتي "

قلت " وملاك هل هي في الداخل أم صديقتها فقط "

هز رأسه بلا وقال " في الجامعة صديقتها فقط هنا وجدتي نائمة "

قلت " أخبرها أن رجلا اسمه نواس ينتظرها في الخارج "

ثم أمسكت كتفيه وقلت " قل لها سيأخذك لخالتك "

هز رأسه بحسنا ودخل وما هي إلا لحظات وكانت وسن أمامي

بعباءتها وحجابها واقفة أمام الباب وقالت " هل سنزورها حقا "

هززت رأسي بعم دون كلام فخرجت وأغلقت الباب وتوجهت

للسيارة بخطوات سريعة وكأنها تريد أن تسابق الوقت لتصل

لها سريعا , ركبت بجانبها وانطلقت في صمتنا حتى

قالت " هل رأيتها اليوم "

قلت ونظري على الطريق " لا "

نظرت لي وقالت " وكيف سمحوا لنا بزيارتها هل انتهى علاجها "

دخلت حينها سور المستشفى وقلت " هي طلبت رؤيتنا "

أوقفت السيارة في الموقف فأمسكت قلبها وقالت

" هل هي بخير ؟ أخبرني أرجوك يا نواس "

نظرت لعينيها لأول مرة اليوم وقلت

" لا أعلم يا وسن أنا مثلك جئت ولا اعلم شيئا "

قالت ودمعتها تتدلى من رموشها الطويلة

" ستكون بخير أليس كذلك , قل قسما ستكون بخير "

تنهدت وقلت " كيف أقول شيئا لا أعلمه هيا دعينا ننزل لها الآن "

ثم فتحت الباب ونزلت فنزلتْ هي أيضا ولحقت بي

دخلنا المستشفى وصعدنا بالمصعد وهي تتكئ على جداره

وتبكي فنظرت لها وقلت بهدوء وقلب ينحب أكثر منها

" يكفي يا وسن كوني قوية لتقابليها أو لن يتركوك ترينها "

لم تزدد سوى عبرات ونحيب على نحيبها , اليوم فقط تمنيت

أني سمعت كلام والدتي وتزوجتها ذاك اليوم رغما عنها وعني

لَما كنت تركتها الآن تحتضن الجدار الأصم الذي لا أعلم

كيف لم يتحرك ويمسح دموعها , انفتح المصعد أخيرا ورحمني

فخرجت وهي تتبعني وتمسح دموعها , وصلنا الغرفة وفتحت

الباب ببطء ودخلت ووسن خلفي , كانت الأجهزة كلها منزوعة

منها سوى حقنة المغذي فما يعنونه بهذا ! ما أن دخلت وسن

حتى توجهت نحوها مسرعة وحضنتها تبكي فرفعت والدتي

يدها بتعب ووضعتها على رأسها وقالت بصوت ضعيف متعب

" إن كنتي تحبينني فتوقفي عن البكاء يا وسن "

قالت بعبرة " لا تتركيني يا خالتي أرجوك فليس لي بعدك

أحد لا ترحلي أنتي أيضا , ليبقى لي ولو صوتك يكلمني "

نزلت دمعة من طرف عين والدتي ونظرت لي ومدت يدها

فاقتربت منها وأمسكتها وقبلتها فقالت ونظرها على وسن

المحتضنة لجسدها " ضعي يدك هنا في يدي يا وسن "

رفعت رأسها وامتثلت لها لتصبح يدها فوق يدي وكلاهما في

يد والدتي التي قالت ونظرها عليها

" عديني يا وسن وأقسمي لي أنك تفعلين ما سأطلبه منك "

بقيت على صمتها فقالت أمي " عديني يا ابنتي "

قالت وسن ببحة " أعدك "

تنفست أمي بتعب وقالت " قولي أقسم أن أتزوج من

يختاره نواس ومتى يقرر هوا "

بقيت تنظر لها بصدمة فقالت " لا ترُديني خائبة يا وسن "

غمرت وجهها في جسد والدتي وقالت ببكاء

"أعدك وأقسم لك أن افعل فقط لا تتركيني وحيدة "

نظرت لي أمي حينها وقالت " وسن أمانتك يا نواس مادمت

حيا ولا تنسى وعدك لي بني فأنت لم تزوجها سليمان لأنك

اخترت الخيار الآخر فكن عند وعدك مهما طال بك العمر "

قلت بحزن " لا تخافي لن أخلفه يا أمي "

ابتسمت حينها ابتسامة صغيرة متعبة وقالت بهمس

" الحمد لله "

ثم ارتخت قبضة يدها ورفعت وسن رأسها ونظرت لها

وهزتها بيدها الأخرى وقالت بصدمة " خالتي "

فقبضت بيدي بقوة على يدها التي تحت يدي وقلت بألم

ودمعة سقطت من عيني " ليخلفنا الله فيها خيرا يا وسن "


************************************************** **
__________________
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 12-29-2015, 11:43 AM
oud
 
كنت أنظر لها باستغراب كانت فتاة في بشرتها سمرة خفيفة

بملامح جذابة وعينان بنيتان لم تفارقا الزهرة في السلسال

وكأنها رصاصة ستخترق عنقي , قلت بهدوء " هل يمــ .... "

قاطعتني ناظرة لعيناي " من أين تحصلتِ على هذا السلسال "

بقيت أنظر لها بحيرة فقالت بحدة " تكلمي "

بقيت أنظر لها بصمت , أي وقاحة هذه تحقق معي وهي

تراني للمرة الأولى ! وما علاقتها بالسلسال ومن أين تعرفه

رفعت نظري حينها للذي ظهر خلفها وكان نزار فالتفتتْ

هي ما أن انتبهتْ أن عيناي تبثا خلفها ونظر لها هوا

وقال عاقدا حاجبيه " رهام !! "

دارت بجسدها نحوه وقالت

" نعم رهام صاحبة السلسال الذي أصبح عند غيرها "

قال بجمود ونظره على عينيها " لم تكوني يوما صاحبته "

قالت بصوت مرتفع قليلا وحاد " بلى أعجبني في المحل

هوا نفسه أعرفه جيدا وكنت معك وتحدثنا عنه "

نظر حينها لي وأنا عيناي عليه , هذه رهام إذا خطيبته السابقة

تخطاها وتخطاني داخلا فالتفتتْ ناحيته وقالت بحدة أكبر

" لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى المراهقات

ويعجبنك ولكني صدقت الآن "

وقف حينها والتفت لها وقال باستغراب

" ما تعني بما تقولينه "

نظرت لي ثم له ثم قالت من فورها

" أعني أنك أنت أيضا كسرت الشعار وسقط منك القناع "

ضغط على فكيه بقوة حتى خفت من ملامحه ثم أشار

بإصبعه للباب خلفها وقال " أخرجي من هنا وفورا "

قالت بسخرية " نعم وتطردني من أجلها أيضا معك حق "

ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها صورة ووضعتها أمام

وجهي , كان نزار في الصورة وهي تتكئ على صدره
بظهرها ويحيط خصرها بذراعيه مبتسمان وقالت وهي

تحركها أمام وجهي " لا يخبرك انه مثالي ولم يحب غيرك

ولا قبلك لأنه سيكون كاذبا مثلما كذب حين قال لا

أقتنع بحب وزواج المراهقات "

نظرت له فكان نظره ثابتا عليها فعدت بنظري

لها وقلت " حكا لي كل شيء "

ضاعت بنظرها بين عيناي مصدومة فتوجهت نحو نزار

ووقفت بجانبه وتمسكت بذراعه وقلت ونظري عليها

" أخرجي من حياتنا "

فانفتحت عيناها أكثر من الصدمة فرفعت نظري لنزار

فكان على حاله ينظر لها فعدت بنظري عليها فانتقلت

هي بنظرها مني له فقال بجمود " وأغلقي الباب خلفك "

لا اعلم قالها تكملة لجملتي أخرجي من حياتنا أم يقصد بها

باب المنزل لكنه لم ينكر كلامي رغم أنه غير صحيح فخرجت

وملامحها لا يمكن وصفها ولم تضف حرفا واحدا فابتعدت

عنه بسرعة وتركت ذراعه وقلت ونظري للأرض

" آسفة إن أزعجك ما قلت لكني إن أنكرت ما قالته

فلن نجني شيئا وأنا حقا تعبت منهما "

توجه نحو الباب وأغلقه ثم عاد مارا بي وقال وهوا

يجتازني " فعلتي الصواب فالحقيقة لن يقتنع بها أحد "

ولم اسمع بعدها سوا خطواته يصعد السلالم فتنفست بقوة

وغادرت جهة غرفة خالتي ونظري للأرض حتى دخلت

فوصلني صوتها قائلة " ماذا هناك ما كل هذه الأصوات "

نظرت لها وقلت " لا شيء مهم ماذا تريدين على الغداء "

ضحكت وقالت " كان دائما على ذوقك ما تغير الآن "

تنهدت وقلت " لا أعلم "

قالت بحيرة " لا تعلمين ماذا !! سما ما بك ولما صعد نزار

دون أن يلقي علي التحية ومن الذي كان عند الباب "

هززت رأسي بحيرة ولم اعرف ما أقول , لا أريد أن اكذب

عليها ولا أن أتحدث عما حدث , خرجت من عندها وتوجهت

للمطبخ , وضعت بعض الخضار في طبق وجلست على

الطاولة أمسك السكين في يدي وأقطعها بذهن شارد

ألم تقل خالتي أن السلسال ليس لها ولا تعرف عنه وها

هي تعرفت عليه أو يبدوا كما قالت هوا أعجبها في إحدى

المحال فاشتراه لها ليهديها إياه في عيد ميلادها فافترقا قبلها

حسنا لما أنا المتهم دائما دعاء ثم هذه المدعوة رهام ألا يوجد

رجل غيره في هذه البلاد , أتمنى أن لا تخرج لي واحدة

أخرى بعد قليل لأعلم أنها تحبه أو كان يحبها , أغمضت

عيناي بشدة أحاول محو تلك الصورة من دماغي وهوا

يحضنها مبتسمان لكنها أبت الخروج ولم يخرج من

عيناي سوا دموعي .... " سما "

ارتجفت لسماع صوته المصدوم ينادي باسمي ليسقط

السكين من يدي في الصحن وبقع الدم تلون الخضار تحتي

اقترب مني مسرعا وأمسك يدي وقال " يدك تنزف وأنتي

تغمضين عينيك وتبكي ولا توقفين النزيف "

نظرت لوجهه وأشعر بقلبي يرتجف بقوة للمسه لي

الشعور الذي أصبح يتعاظم يوما بعد يوم , وقفت لأنه

كان ممسكا يدي ويسحبني جهة المغسلة وفتح الصنبور

عليها , كان الجرح في كف يدي اليسرى وهوا يضغط عليه

بأصابعه بقوة حتى احمرت مفاصلها ونظره عليها وعيناي

تسافر في ملامحه ... العينان الرماديتان والأنف المستقيم

لحيته الخفيفة بشعيراتها السوداء وذقنه البارز قليلا للأمام

شعرت بالدماء ترتفع لوجهي وبخجل شديد ومعدتي تضطرب

حين تذكرت ما حكته لي خالتي يومها عما يحدث بين الرجل

والمرأة والكارثة أنها قالت ( هذا شيء مبسط فقط لتعلمي بالأمر

مني قبل غيري وتكوني حذرة بنيتي ) إن كان ذاك مبسط

فكيف ستكون التفاصيل , تمنيت فقط أن يترك يدي التي

كان يمسكها بكلى يديه لأني لم أعد أحتمل أكثر من هذا

رفع حينها أصابعه ليرى الجرح وحرك إبهامه في كفي

ليعرف عمقه فقلت بألم " أي "

قال وهوا يغادر " لا تخرجي يدك من تحت الماء "

غادر لوقت قصير ثم عاد وفي يده شاش فأخرجت يدي

من تحت الماء ولف كفها بعشوائية وقال وهوا يغلق الصنبور

" غيري ثيابك والبسي حجابك عليا أخذك ليخيطوا لك الجرح "

صعدت لغرفتي وغيرت ملابسي بصعوبة لأن يدي كانت

تؤلمني بشدة والدماء بدأت تخرج من الشاش , حاولت لبس

الحجاب ولم أستطع فنزلت به في يدي فكان ينتظر في الأسفل

فقلت وأنا أريه الحجاب " لم أستطع لبسه سأطلب من

خالتي أن تلبسه لي بسرعة "

أمسكه من يدي وقال " والدتي نامت سأساعدك أنا

بسرعة فالجرح لازال ينزف "

لم أستطع قول شيء فأمسك بالحجاب وقلبه كثير ويبدوا لم

يفهمه لأنه معد جاهزا لأن يلبس دون لف فأمسكته

معه وقلت مبتسمة " من هنا هذه الفتحة للوجه "

قلبه مرة أخرى وأدخله في رأسي فكان وجهي مغطى بالكامل

فقلت بضحكة " نزار هذا مقلوب وفتحة الوجه في الخلف "

سمعت حينها ضحكة صغيرة خرجت منه فهوا يبدوا مستاء

منذ أن تقابل وتلك الرهام اليوم , غير من وضع الحجاب

بمساعدتي بيد واحدة ورفع وجهي له ودس خصلات شعري

جيدا ونظره عليها لتعود لي تلك الرغبة في تأمل ملامحه

مجددا ثم سرعان ما أبعدت نظري عنه وتوجه هوا حينها

ناحية المطبخ قائلا " علينا أن نغير الشاش أولا "

نظرت لكف يدي فكانت الدماء تغطي الشاش كله وزاد

شعوري بالألم فيها وكأنها جرحت للتو , عاد سريعا وأزال

الشاش منها ولفها مجددا بسرعة لأن الدم لازال ينزف

وهوا يقول بضيق " لا أعلم كيف تجرحين نفسك هذا

الجرح المخيف فليست عادتك يا سما "

لم أستطع التحدث فما سأقول له ... لم أكن أشعر بنفسي

وأنا أقطع يدي أم أني كنت أفكر في تلك الصورة وغائبة

عن كل شيء من حولي , خرج بعدها وأنا أتبعه قائلة

" والدتك ستستيقظ ولن تجدني وستقلق "

قال وهوا يغلق باب المنزل " فكري في نفسك الآن فقط

علينا أن نصل سريعا قبل أن تفقدي دما أكثر ويغمى عليك "

ركبت السيارة وأنا بالفعل أشعر بتنمل في قدماي لكني

لم أتوقع أن يكون ذاك السبب فأنا في كل حال فقدت
دما كثيرا هادان اليومان ويدي نزفت كثيرا تحت الماء

انطلقنا وأنا أمسك كف يدي لأنه يؤلمني بشدة ووصلنا

بسرعة للمستشفى , نزل ونزلت بعده وكان يسير بخطوات

سريعة فقلت " لا تسرع نزار أشعر بتنمل في قدماي "

وقف والتفت لي وأجلسني على إحدى الكراسي في

الحديقة قائلا " سأحضر كرسيا يبدوا فقدتِ دما كثيرا "

وسار مسرعا دون أن يستمع لاعتراضي ومرت خلفه

مباشرة اثنتان وقالت واحدة للأخرى " أنظري كيف

يخاف على زوجته , ما جنس الذين نتزوجهم نحن "

وصلني صوت الأخرى وهما تبتعدان قائلة بضحكة

" مؤكد عريسان جدد "

عدت بنظري منهما ليدي المجروحة , لما الجميع يرى

أننا متزوجان ! هل نزار وحده مقتنع بفكرة أني صغيرة

على الزواج , خرج حينها متوجها نحوي دون كرسي

ووصل عندي وساعدني على الوقوف قائلا

" هل يمكنك السير سأساعدك فلم أحصل على واحد "

سرت بمساعدته قليلا ثم قلت

" قدماي تتيبسان وأشعر بالجفاف في حلقي "

شعرت بعدها بدوار خفيف واضطربت خطواتي ولم

أشعر بنفسي إلا وأنا أرتفع عن الأرض بين ذراعيه

وقد حملني بخفة وسهولة وسار بخطوات سريعة

قائلا بضيق " لا أعلم أي مستشفى هذا لا شيء متوفر فيه "

شعرت حينها بالضيق لأنه منزعج من حمله لي

فقلت بهمس " أنا آسفة "

قال ونحن ندخل باب المستشفى " ولما تعتذري فالخطأ

عليهم وليس عليك , تمسكي بي جيدا المكان مزدحم اليوم "

وما أن أنهى جملته حتى انفتحت عيناي من الصدمة وأنا

أشاهد العدد الكبير من رجال الشرطة وازدحام الناس

بسببهم فقلت بدهشة " ماذا يحدث هنا !! "

اصدم حينها أحدهم بنزار بسبب الازدحام وكاد يوقعني

فتمسكت بعنقه على صوته قائلا " سما ألم أقل تمسكي جيدا "

لذت بالصمت أشعر بالإحراج من تشبثي بعنقه ومن تصرفاتي

اليوم التي جميعها لم تعجبه لكني لحظتها شعرت حقا أني

تمنيت لو أن دعاء ورهام هنا فما سيكون موقفهما يا ترى

ثم سرعان ما مات ذاك الشعور بالنشوة حين تذكرت كلماته

حين قال ( الحقيقة لن يقتنع بها أحد ) وهوا يعني بالتأكيد أنه

لا يحبني كما تعتقدان فنزلت دمعتي دون شعور مني فأبعدت

يدي ومسحتها فقال وهوا ينزلني عند قسم الطوارئ

" هل تألمك كثيرا "

هززت رأسي بلا دون كلام فدفع الباب وأدخلني حتى السرير

فجلست عليه واقتربت إحدى الممرضات قائلة

" ما المشكلة "

قال نزار " استدعي لنا طبيبا "

نظرت ليدي وقالت " يمكنني القيام بذلك هي وضيفتي "

تأفف وقال " يا آنسة الطبيب لو سمحتِ "

قالت بضيق " ترى بنفسك حال المستشفى يعج بالشرطة منذ

يوم الأمس ووصلنا اليوم ثلاث حوادث سير كلها لعائلات "

قال مغادرا الغرفة " سأجلبه بنفسي إذا "

لوت هي شفتيها وتمتمت بضيق

" لا أعلم لما الوسيمين أسلوبهم سيء دائما "

ثم نظرت لي واقتربت مني وقالت " أرني يدك "

خبأتها في يدي الأخرى وقلت

" سيغضب مني اتركيه حتى يرجع أولا "

قالت مغادرة الغرفة

" هذا ما يقوي الرجال عليكن خوفكن الزائد منهم "

تساندت بالسرير لأن شعور الإغماء بدأ يزداد والدماء

عادت تملأ الشاش مجددا فدخل حينها نزار يتبعه الطبيب

وسحب الكرسي وجلس أمامي قائلا " مدي يدك لأراها "

مددت له يدي قائلة " أشعر بدوار "

وقف وقال " يبدوا فقدتِ دما كثيرا سنحقنك بالمغذي "

سحب حامل المغذي نحوي وعلق فيه واحدا وحقنني به

بسرعة في يدي السليمة ولم يفتحه ثم فتح الشاش ونظر للجرح

وتحرك قائلا " يلزمه ثلاث غرز أو أربع تقريبا "

توجه للأدراج في الغرفة وأخرج أشياء وضعها على طاولة

وسحبها نحونا وعقم الجرح كثيرا بادئ الأمر ثم بدأ بخياطته

ومن أول غرزه شعرت بألم فضيع رغم أنه رش كف يدي ببنج

موضعي فقبضت بيدي الأخرى على السرير بقوة وأنا أتألم

وهوا يخيط باقي الغرز حتى شعرت بيد نزار على كتفي تمسح

عليه ببطء ويده الأخرى تمسك ذراعي المصابة وأنيني المتوجع

يزداد فأمسكت طرف سترته بيدي اليمنى ودفنت وجهي فيها

وقد بدأت بالبكاء فقال الطبيب " تحملي قليلا نكاد ننتهي "

فانتقلت يد نزار من ذراعي لرأسي يمسح عليه قائلا

" قليلا فقط يا سما إنها الأخيرة "

بعد ذلك شعرت بالطبيب يمسح بشيء على الجرح فأبعدت

وجهي عن سترة نزار ونظرت له فكان قد بدأ بلف الشاش عليها

قائلا " عليكم المجيء لتغييره مرة كل يومين أو ثلاث كحد أقصى "

أنهى لفه وفتح المغذي ثم فتح دفترا كبيرا وأخذ بياناتي ونزار يعطيها

له ثم أغلقه ونظر لنا وقال مبتسما " أليست صغيرة على الزواج "

قال نزار من فوره " لسنا متزوجان "

يبدوا أغلب الرجال مقتنعون بهذه النظرية وليس نزار

وحده , وقف الطبيب وقال ضاحكا " لا تشبهان بعضكما

لم يخطر ببالي أن تكونا شقيقان "

ثم اقترب مني ورفع وجهي له وطلب مني أن أفتح فمي

وأخرج لساني وفحص لي عيناي ثم قال " لا علامات لفقر

دم وستكونين أفضل , لقد خف الدوار أليس كذلك "

قلت بهمس " قليلا "

قال وهوا يتأكد من يدي " حاولي أن لا تحركي يدك قدر

الإمكان يا سما كي لا تنفتح الغرز حتى يلتئم الجرح على الأقل "

ثم نظر لنزار وقال " أجلب لها عصير برتقال , أنت ترى

الفوضى في المستشفى لكنا أحضرناه لها "

هز له رأسه بحسنا وخرج الطبيب وقال نزار

" سأذهب لجلبه وأعود سريعا "

قلت بخوف " لا نزار لا تتركني وحدي "

تنهد وقال " سأتحدث مع أحدهم ليجلبه سأكون هنا عند الباب حسنا "

هززت رأسي بالموافقة وغادر وهوا يجيب على هاتفه قائلا

" نعم يا أمي إنها معي لا تقلقي وسنعود قريبا "

ثم خرج وسمعته يتحدث مع أحدهم ثم عاد للداخل واقترب

مني قائلا " نامي على السرير يا سما سيكون أريح لك "

اتكأت عليه للخلف ونظرت للمغذي وقلت " هل سيأخذ وقتا كثيرا "

جلس على الكرسي وقال " ساعة ونصف كحد أدنى "

*
*
بقيت عيناها معلقتان في المغذي لوقت وكأنها تنتظر

أن ينقص ولو قليلا , طرق حينها أحدهم باب الغرفة

ثم فتحه فكان الرجل الذي وجدته في الخارج وفي يده كيس

به علبة عصير كبيرة وأكواب بلاستيكية فوقفت من فوري

وأخذته منه قائلا " شكرا لك يا أخي أسأل الله أن لا يرد لك طلبا "

قال مبتسما " لا شكر على واجب وحمدا لله على سلامتها "

ثم غادر من فوره فأغلقت الباب وعدت نحوها وأخرجت

العلبة وفتحتها وملئت منها أحد الأكواب ومددته لها

فأخذته مني وقالت بهمس " شكرا "

ثم سمت الله وشربته ووضعت الكوب على الطاولة

بجانبها فقلت " عليك أن تشربي واحدا آخر "

هزت رأسها بلا فقلت بضيق " سما عليك شربة الآن "

نظرت للأسفل بخجل وقالت " لا استطيع سأحتاج الحمام

حينها ولن أستطيع الذهاب له "

أغلقت حينها العلبة ووضعتها على الطاولة بجانبها وعدت

جالسا على الكرسي من جديد ولا شيء سوا الصمت

غفت سما بعد قليل ونظرت للمغذي فكان في بدايته

جيد أنها نامت فالنوم سينسيها الانتظار لساعتين فما يزيد

رن حينها هاتفي فأسكته سريعا وكانت والدتي فأجبت

عليها قائلا بصوت منخفض " نعم يا أمي "

قالت في الفور " لم يهدأ لي بال بني ما الذي أخرجكم

وسما لا تخرج إلا للضرورة "

قلت بشبه همس " لقد جرحت نفسها بالسكين وأخذتها للمستشفى

وخاطوا لها الجرح وحقنوها بالمغذي وهي نائمة الآن "

قالت بصدمة " يا إلهي لم تجرح نفسها سابقا وهل الجرح بليغ "

قلت " أربع غرز , سنعود للمنزل ما أن ينتهي المغذي "

قالت بقلق " خذ حذرك بني واعتني بها جيدا "

قلت بهمس " لا تقلقي وداعا الآن "

ثم أنهيت منها الاتصال وتنهدت بضيق , يبدوا سما توترت

من مقابلة رهام واتهاماتها لنا فما كانت ستجرح نفسها اليوم

تحديدا إلا بسبب ذلك , لا أعلم أي مرض يصيب الفتيات

هل من الضرورة أن أحب فتاة فقط لأنها تعيش معنا !!

وهل كل فتاة ستبقى عندنا لفترة سأحبها ! وما كان قصد

رهام حين قالت ( لم أصدق حين سمعت أنك بت تهوى

المراهقات ) كيف علمت عن سما ومن أخبرها ! مؤكد دعاء

فهي صديقتها لكن ما مصلحة دعاء لتقول ذلك وما الذي

عنته سما بأنها قد تعبت منهما ! هل تحدثت دعاء معها أيضا

نظرت لملامحها النائمة بهدوء وتنهدت بحيرة , كم أخشى

أن يصيبك مكروه عندي يا سما وكل ما أتمناه أن أعيدك

لأهلك سالمة وبدون ولا خدش صغير قد أحاسب عليه واتهم

بالإهمال رغم أني أحرص عليك أكثر حتى من نفسي

ما يحيرني أنها لم تتساءل عن رهام ومن تكون بل مثلت

الدور أمامها وكأنها تعلم بما يجري ! هل أخبرتها والدتي

عنها يا ترى ؟ لا خيار غيره فهما معا طوال النهار خصوصا

قبل أن تعود سما لدراستها , وكم مرة كانتا تتحدثان وحين

انزل السلالم تسكتان , وموقف سما اليوم غريب كذلك

توقعتها ستدافع عن نفسها وتقول أن لا شيء بيننا مما قالته

رهام لكنها خانت توقعاتي بل وتصرفت بجرأة لم أعهدها

فيها قبلا وواجهتها بقوتها الدفينة داخلها , القوة التي تحملت

بها كل ما مرت به , إنها كالطاقة العجيبة لا تخرج منها إلا

وقت اللزوم ولا يمكنك أن تتوقع من شخصية هادئة وخجولة

مثل سما أن تكون لديها كل هذه القوة لمواجهة الصعاب

بعد وقت وقفت وفتحت باب الغرفة ووقفت أمامها لعله

يمر الوقت سريعا , لمحت بين ازدحام الشرطة بعيدا

جابر يقف بينهم فنظرت حولي وتحدثت مع أقرب

الواقفين أمامي قائلا " هل ستبقى هنا طويلا "

نظر لي وقال " نصف ساعة تقريبا "

قالت " توجد فتاة في هذه الغرفة في سن الخامسة عشرة

بحجاب أبيض وعينان زرقاء لا تسمح لها بالخروج حتى

أعود , سأكون هناك قريبا عند تجمع الشرطة حول ذاك

الرجل باللباس الرسمي "

هز رأسه بحسنا ثم نظر لساعته وقال

" لا تتأخر كثيرا فقد أغادر في أي وقت "

تحركت قائلا " لا تقلق قليلا فقط وأعود "

توجهت نحوهم بخطوات سريعة حتى وصلت عندهم

وقلت وأنا أجتازهم " المعذرة قليلا "

نظر لي جابر وقال باستغراب " نزار ماذا تفعل هنا !"

صافحته وقلت " بل أنت ما الذي تفعله هنا "

نظر جانبا وقال " لدينا حالة مهمة في هذا المستشفى "

ثم نظر لي وقال بهمس فهمته فقط من حركة شفتيه

" عفراء "

انفتحت عيناي من الصدمة وقلت " وجدتها "

هز رأسه بنعم وقال " لكنهم قتلوا زوجها ويريدون

قتلها أيضا وبأي طريقة "

نظرت لعيناه بتكيز وقلت " إذا سما في خطر حقيقي "

هز رأسه بنعم ثم قال " ما الذي جاء بك هنا هل والدتك معك "

قلت " لا ... سما جرحت يدها وجلبتها هنا وهي في

أحد الغرف هناك في قسم الطوارئ "

تغيرت نظرتها للقسوة وفرقع بأصابعه لثلاث رجال من

المحيطين به وقال " تتبعونه حالا وتحرسون الغرفة حتى

يغادروا ولا تلفتوا الانتباه للغرفة المحددة "

ثم نظر لي وقال بضيق " هم منتشرون مثلنا هنا في

المستشفى كيف تتركها وحدها يا رجل "

نظرت للخلف من فوري فكان ذاك الرجل ما يزال واقفا

مكانه وعيناه على هاتفه فتركتهم وعدت جهة الممر مسرعا

ورجال الشرطة يتبعونني حتى وصلت وفتحت الباب

فكانت نائمة مكانها فتنهدت براحة ثم التفت لهم وقلت

بصوت منخفض " ما تزال هنا "

هزوا رؤوسهم بالموافقة وانتشروا في الممر وعدت

أنا للغرفة وأغلقت الباب خلفي ولعبت بي الهواجس

وكلما فتح أحدهم الباب خفت أن يكون منهم وتعرف

عليها أو يعرفها ولم أرتح إلا حين شارف المغذي على

نهايته فنزعته منها بنفسي فلن أستطيع مفارقة الغرفة لأنادي

إحدى الممرضات ثم هززتها قائلا بهمس " سما استيقظي "

فتحت عيناها ونظرت من فورها لقارورة المغذي ثم جلست

فسكبت لها كأسا جديدا من العصير وأعطيتها إياه فشربته

على دفعات كعادتها ثم وقفت ولبست حدائها وخرجنا وذراعي

تحيط بكتفيها وكأن ثمة من سيسرقها مني , لو فقط تنتهي كل

هذه المشكلة وأعيدك لأهلك يا سما ليرتاح بالي وضميري

ركبنا السيارة وخرجنا من المستشفى وبعد مسافة قليلة

نظرت لها ثم للطريق وقلت " هل حدثتك والدتي عن رهام "

قالت بعد صمت ورأسها للأسفل " سألتها عن مرضها

فحكت لي أنه كان لديك خطيبة اسمها رهام كنت

ستتزوجها لتسافر وتدرس وهي تبقى معها لتتمكن

من إجراء العملية لها "

قلت بهدوء " فقط "

نظرت لي وقالت " هل تصدقني إن أخبرتك "

أوقفت السيارة حينها عند المنزل ونظرت لها وقلت

" بل أثق في صدقك أكثر من نفسي "

نظرت لي مطولا بصمت ثم أخفضت نظرها

وقالت " دعاء أخبرتني عنها أيضا "

بقيت أنظر لها بصمت وصدمة لوقت ثم قلت

" وما شأن دعاء وبما أخبرتك !! "

نظرت لي وقالت " هل تذكر ذاك اليوم حين ذهبتَ

وخالتي للمستشفى وطلبت منك ألا تتركوني وحدي "

هززت رأسي بنعم وقلت " أجل اذكره "

أخفضت نظرها مجددا وقالت " جاءت دعاء هنا ودخلت

وبدأت تقول لي أشياء لم أفهمها بادئ الأمر وتحدثت عن

خطيبة لك كنت تحبها وأنها عادت وأنك لم تنساها لذلك لم

تتزوج وقالت أنه عليا أن لا أفكر في أن استحوذ على قلبك

وأنها تنصحني لأنها تريد مصلحتي فقط "

بقيت أنظر لها مصدوما لوقت فرفعت نظرها لي

وقالت " تصدقني أليس كذلك "

تنهدت بضيق وقلت " بالتأكيد أصدقك وما الذي قلته أنتي لها "

قالت " قلت لها أنها أمور تخصك وحدك وليس علينا

الحديث عنها ولا التدخل فيها فسألتني إن كنت طالبة لديك

وتم طردي من المدرسة وحين سألتها كيف علمت قالت

أنك أنت من أخبرها "

قلت بهمس مصدوم " كاذبة "

قالت من فورها " اعلم أنها كانت تكذب "

قلت بحيرة " ومن أخبرها إذا "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم "

فتحت الباب وقلت " سأنزل أنا أولا ولا تنزلي

حتى أفتح الباب حسنا "

ثم نزلت من فوري وفتحت باب المنزل وانتظرتها حتى

دخلت قبلي وتوجهت من فورها لغرفة والدتي بالطبع فتبعتها

ودخلت خلفها فكانت تجلس بجوارها على السرير فوقفت عند

الباب وقلت " سأنام قليلا ولا تحاولي إعداد الطعام يا سما

ولا تحركي يدك كما قال الطبيب وحين استيقظ سأخرج

لجلب الطعام وسأطهو أنا الأيام القادمة "

قالت والدتي ضاحكة " سنعود للبطاطا المقلية واللحم المشوي "

قلت مبتسما " لقد قررت أن أتعلم من سما طريقتها كي

لا تتعبيني فيما بعد , عن إذنكما الآن "

وصعدت بعدها لغرفتي ودخلتها وضربت الباب خلفي بقوة

يستحيل أن تكذب سما ولا أريد أن تدخلني الشكوك في ذلك

ولن تكون مثلهما بالتأكيد , لقد جُنّت دعاء كيف تختلي بالفتاة

وتقول لها كل هذا الكلام ومن الذي زرع في دماغها فكرة

أني قد أحب سما بل من أين علمت أن سما كانت إحدى

طالباتي وتم طردها , إن واجهتها فستنكر بالتأكيد ولا دليل

لدي ولا لدى سما على ذلك خصوصا أننا كلانا أنا وأمي كنا

خارج المنزل حينها , لا أستغرب الآن أن تكون فتشت غرفة

سما بل وحتى غرفتي , استحممت وغيرت ثيابي ونمت من

فوري لأني استيقظت مبكرا ولم أستيقظ إلا على صوت جرس

المنزل يقرع باستمرار فغادرت السرير والغرفة ووقفت

عند بداية السلالم وقلت لسما المتجهة نحوه

" لا تفتحيه يا سما سأنزل أنا له "

عادت من فورها لغرفة والدتي وعدت أنا لغرفتي غسلت

وجهي ثم نزلت وفتحت الباب فكان حسام فصافحته

مبتسما وقلت " كيف حالك وما جاء بك الآن هيا أدخل "

دخل وقال ضاحكا " ثلاث أسئلة دفعة واحدة !!

يفترض بهم تعيينك كمذيع في التلفاز "

أغلقت الباب ودخلت خلفه وقلت ضاحكا

" هذا لأني استغربت قدومك فقط "

وقف عند غرفة والدتي وحمحم وقال " هل أدخل يا خالتي "

جاء صوت والدتي قائلة " تفضل بني "

دخل وأنا اتبعه قائلا " وما تراني أمامك عمود كهرباء

كنت تركتني آخذ لك الإذن "

صافح والدتي وسما الجالسة على السرير ثم التفت

لي قائلا " أولا أعمدة الكهرباء في الشارع فقط "

ثم ضحكوا ثلاثتهم وتابع قائلا " ثانيا أنت أيضا يلزمك

أخذ الإذن لوجود فتاة غريبة عنك "

قلت ببرود " سما قريبتي وليست غريبة عني مثلك "

ثم قلت مغادرا الغرفة " سأصلي العصر وأعود لك "

صعدت لغرفتي توضأت وصليت ثم نزلت لهم على صوت

ضحكات حسام وكأنه بلع جهاز ضحك , وقفت عند الباب

وقلت " سأخرج لأحضر الطعام هيا لترافقني "

تجاهلني وقال " لا أريد الخروج سأنتظرك هنا معهما "

نظرت لهما وقلت " هل تريدان شيئا معينا "

قالت سما من فورها " بيتزا "

ابتسمت وقلت " لم يتغير ذوقك أبدا وأنتي يا أمي "

قالت مبتسمة " أي شيء بني لا فرق عندي "

هممت بالمغادرة فقال حسام " هيه أنت لم تسألني "

قلت مغادرا " أعرف ذوقك في الطعام جيدا برغر حارة "

ثم خرجت وجلبت الطعام سريعا وعدت للمنزل ودخلت

وحسام لازال يقرقر كالمذياع فوقفت عند الباب وقلت

" لا أعلم كيف لا ينتهي الأكسجين من رئتيك "

ضحكا سما ووالدتي فنظر لي وقال بضيق

" نعم شوهتم العروس وتشوه سمعتي أيضا "

تجاهلت ما يلمح له فوقفت سما واقتربت مني لتأخذ

الأكياس فقلت مغادرا " أنا سأجهزها , عليك أن لا

تحركي يدك كما اتفقنا "

تبعتني قائلة " سأساعدك إذا "

دخلت المطبخ ووضعت الأكياس على الطاولة وبدأت

سما بإخراج الأطباق بيد واحدة ومن ثم الكؤوس فقلت وأنا

منشغل بالأكياس " أحضرت البيتزا بلحم الدجاج كما تحبينها "

وصلني صوتها قائلة " خشيت بالفعل أن تنسى ذلك "

دخل حينها حسام قائلا بابتسامة واسعة " من اليوم أنا

أيضا أحب البيتزا وبلحم الدجاج أيضا "

خرجت حينها سما تحمل الصينية التي بها الكؤوس

والعصير بيد واحدة مسندة لها بذراعها الأيسر فنظرت

له وقلت ببرود " الفتاة تخجل كثيرا وأنت لا حسيب

على لسانك ففرق بين المزاح والجد "

وضع يده على كتفي وقال بابتسامة

" ما بك يا رجل لا تتزوجها ولا تتركها لغيرك "

هززت رأسي بيأس وقلت " عندما تصبح عند أهل والدها

أخطبها منهم وتفاهم معهم أما الآن فاترك الفتاة وشأنها

ولا تحاول أن تتلاعب بمشاعرها لأجل ذلك "

حمل صينية منهم وقال مغادرا المطبخ " أنا لا أتلاعب

بمشاعرها فغير أنت نظريتك القديمة عن المراهقات "

حملت باقي الأطباق وخرجت بها من المطبخ فكانا قد أدخلا

الطاولة للداخل وتناولنا الطعام وأصرت سما أن تغسل هي

الأواني بيد واحدة ولم ترضى حتى أن أساعدها فجلست ووالدتي

وحسام نتحدث حتى وقف فجأة وغادر الغرفة , ظننته سيدخل

الحمام لكني لم أسمع بابه يغلق , لقد توجه للمطبخ إذا فهي

فرصته ليكونا وحدهما , نظرت جانبا وتنفست بضيق من

تصرفاته وخصوصا هذه , ليس اهتماما بسما ولكن لا أريد

أن يتلاعب بها حقا وهي بهذا السن لا تعرف حتى كيف

توجه مشاعرها ويسهل خداعها , أيقضني من أفكاري

صوت أمي قائلة " يبدوا حسام مهتما حقا بسما "

قلت بابتسامة سخرية " بل تبدوا الزيارة كلها من أجلها "

قالت بهدوء " وما يضايقك في الأمر , سما فتاة عاقلة

أكثر من سنها وأنا أفهمتها كل شيء "

نظرت لها باستغراب ثم قلت " كل شيء عن ماذا "

قالت ونظرها على الباب المقابل لها " كل شيء لا تعرفه كي

لا تعرفه من المدرسة أو من رجل دنيء أصل يتلاعب بها "

نظرت للأرض وقلت " لا احد يريد أن يقتنع بتفكيري

ولا اعلم لما العيب بي أنا "

قالت ببرود " لأنه تفكير خاطئ وإن كان أنت لا يعنيك كل

مميزاتها كزوجة فأنا سأتحسر حين ستضيع منك لغيرك "

تنهدت بضيق ولذت بالصمت فأنا اعلم أن هذا الحديث

لا جدوى منه , هذا ووالدتي تعلم أني أعرف عائلتها

وثرائهم الفاحش وأنها صغيرة وهي كانت في سنها أو

يزيد بعام حين تزوجت وتعلم معنى الزواج المبكر لا وزواج

مصلحة لتبقى تخدمنا طوال العمر , ثم أهلها لن يرضوا

بهذا فهل سنعيش نحن بأموالها , هذا إن قبلوا بنا ولم يرموا

لي أبنائي منها في الشارع لأعود للصفر أسوء مما كنت

وأبحث عن زوجة وأم لهم , أعادني صوتها مجددا

من أفكاري وهي تقول بهدوء

" جربت الراشدات العاقلات فما كانت النتيجة "

وقفت وقلت " أمي لننهي الحديث في هذا الأمر رجاءا "

أبعدت نظرها عني وقالت ببرود " لو كان لي ابن غيرك لما

تركتها تضيع مني وأتمنى أن لا تندم يوما يا نزار فالفتاة

أمامك الآن ولا أحد تحبه لكن إن خرجت من يديك لا تعلم

حينها شعورك كيف سيكون فكم من مشاعر دفينة

خرجت وقت فقدِنا لمن كان أمام عينينا "

قلت بضيق " ما هذا الذي تقولينه يا أمي "

قالت ببرود أكبر " لا شيء اعتبر نفسك لم تسمعني "

خرجت حينها من عندها متضايقا , ما هذا الذي تهدي به

أنا أحبها وأكتشف فيما ذلك بعد ! لا أعلم كيف لا ترى

العشرين عاما التي بيني وبينها , وقفت عند باب المطبخ

وقلت " حسام لنخرج قليلا "

وقف من كرسي الطاولة وقال " الله أكبر على الحسد

لم تتركني معها دقيقتين "

قالت سما مغادرة من أمامي " عذرا منكما "

غادر أمامي قائلا " هل ارتحت يبدوا أنك أخفتها مني "

غادرت خلفه صامتا لا أريد التحدث أو بمعنى أصح التشاجر معه

*
*
بعدما غادر حسام ونزار عدت لخالتي وساعدتها لتدخل

الحمام وتتوضأ لتصلي المغرب ثم صعدت لغرفتي وجهزت

أغراضي المدرسية للغد بصعوبة فكم من نعم لدينا أنعم بها

الله علينا ولا نحصيها فكم هوا صعب فعل أي شيء بيد واحدة

جلست بعدها في غرفتي ودرست قليلا ولم يرجع نزار إلا متأخرا

وخالتي قالت أنها لا تريد أن تتعشى لأننا تناولنا الغذاء متأخرا

وبعدما أنهيت كل دروسي نزلت لها ووقفت عند الباب وقلت

" خشيت أن تكوني نائمة "

قالت مبتسمة " لن أنام قبل أن نقرأ في روايتنا لا تخافي "

دخلت مبتسمة وأخذتها منها وجلست وفتحتها بصعوبة طبعا

حمدا لله أنها ليست يدي اليمنى هي المصابة لأني كنت

أمسك السكين بها لكنت الآن في مشكلة أكبر, فتحت حيث

توقفنا وقرأت (( ركبت السيارة في صمت بعدما اعتذر عما

قاله ولم أستغرب كيف بذر منه هذا التصرف فمؤكد والدته

هددته أنها ستخبر عمي رياض , عدنا في صمت تام وأنا انظر

للنافذة طوال الطريق , وقفنا عند الإشارة وكانت السيارة

المجاورة لنا ناحيتي فيها فتاة حيتني بيدها فركزت عليها

قليلا لأن لا إنارة سوى من أعمدة النور فكانت جوجو

فابتسمت لها ابتسامة باهتة ثم انطلقنا وقال فراس

" هل تعرفينها ؟؟ "

قلت ببرود " لا "

قال " ولما حيتك إذا "

قلت ببرودي ذاته " تبدوا شبهت علي "

قال بلهجة غريبة " آه ظننت فقط "

فنظرت له في المرآة الأمامية فكان ينظر لي فعدت بنظري

للنافذة , يبدوا يعلم عن علاقة أشرف بها وفهم الآن أني تعرفت

عليها من خلاله أو هي تعرفت علي , قالت والدته بعد

قليل " متى قال لك عمك مصطفى سيأتي وابنته "

قال بهدوء " خلال هذه الأيام "

قالت مباشرة " وخالك وجدّك أيضا قال سيزورنا قريبا "

قال بذات هدوءه " جيد فنحن لم نره من مدة "

جميل لما هذا الهدوء يختفي معي , لأول مرة أسمع له

نبرة غير الغضب والحدة والغيظ والسخرية أيضا

قالت عمتي " ولما لا تزورونه إن كان يعنيكم أمره "

قال ببعض الضيق " أمي تعلمين أني أكثر من يزوره

ويسأل عليه وعلى جدي فلما اللوم الآن "

قالت ببرود " أعلم أنك وحدك تفعلها لكن علينا أن نشعر

بكبار السن لأنهم يصبحوا حساسين جدا "

خرجت حينها من صمتي قائلة بحماس

" متى ستذهبين له يا عمتي ؟ أريد أن أذهب معك "

أنا أحب كبار السن كثيرا كم هم رائعين في كل شيء

حديثهم وحركاتهم وحتى طريقة أكلهم ونومهم

قال فراس " سأزوره ووالدتي قريبا "

انطفأ حماسي وقلت ببرود " غيرت رأيي "

قال بلامبالاة " كما تريدين "

وصلنا حينها للمنزل ونزلت خالتي وأنا بقيت أتأكد من

أنه لم يبقى شيء تحت كرسي السيارة من عدة ماكياجي

ثم هممت بالنزول حين استوقفني صوته قائلا

" انتظري قليلا "

خرجت من الباب قائلة " يكفيك استجواب لي "

نزل هوا أيضا وقال مستندا بذراعه على بابه

" ومن قال أني سأستجوبك "

ضربت باب سيارته بقوة وقلت بصوت حازم مرتفع قليلا

وأنا مغادرة من أمامه " قسما برب الكعبة يا فراس إن سحبتني

من ذراعي واستجوبتني ثانيتا سأخبر والدك وعلى الفور "

ودخلت باب المنزل عند آخر كلمة قلتها ثم صعدت لغرفتي على

الفور , استحممت وغيرت ثيابي ولبست بيجامة النوم ونمت

فورا ولم استيقظ إلا وقت صلاة الفجر , صليت وجلست

أتابع التلفاز فأنا معتادة على نظام النزل الداخلي ... الإفطار

عند وقت الفجر والمكتبة تفتح ذاك الوقت فقط والإضاءة تفتح في

جميع الغرف وكأنهم يجبروننا على الاستيقاظ , وجدت فيلما

فكاهيا فجلست لساعتين أشاهده واضحك ثم نزلت للمطبخ

بملابس النوم فالجميع نائم بالتأكيد , دخلت وفتحت الثلاجة

أخرجت العصير والشطائر ثم حمصت الخبز وأخرجت الزبد

والمربى وأعددت الشاي وجلست أتناول الطعام حتى دخل وائل

ونظر لي باستغراب , كان بملابس أنيقة كعادته ورائحة عطره

تدخل قبله وتخرج بعده ويبدوا سيذهب للجامعة لَما كان

استيقظ الآن , تعمدت أن لا انظر ناحيته فوقف ونظر

بكل اتجاه وقال " أين الخادمة ؟؟ "

قلت ببرود " لم أجد أحدا هنا "

تأفف وتمتم قائلا " أمي تفسد أطباع الخادمات دائما بتدليلها لهن "

أشرت للطعام أمامي وقلت " أجلس وتناول فطورك معي "

قال وهوا يتوجه ناحية الباب الخارجي للمطبخ

" أنا لا آكل إلا البيض المقلي بالطماطم في الفطور "

ثم فتح الباب ونظر جهة غرفة الخادمة هنا ثم دخل وأغلق

الباب بقوة فوقفت وقلت " سأعده لك سريعا هيا أجلس "

قال ويديه وسط جسده

" لن يكون على طريقتها وأنا اعتدت عليها "

سحبته من ذراعه جهة الطاولة قائلة

" أجلس أنت فقط وسترى إن لم يكن أفضل من طريقتها "

حضرته له بطريقة الأومليت فأنا أحب إعداده وجعلته بالطماطم

كما يحب وبدون جبن ثم وضعته أمامه فنظر له مطولا ثم قال

" ما هذا ؟؟ "

قلت بابتسامة " أومليت لكن بطريقة مختلفة كما تريده "

وقف وقال " هل تتعلمين الطهي في يا حمقاء "

قلت بعبوس " هل هذا جزائي , تذوقه على الأقل "

عاد للجلوس قائلا ببرود " أمري لله فلا خيار أمامي

غيره ولا أحب الخروج دون إفطار "

عدت للجلوس مكاني لأنهي إفطاري وأنا أراقبه كل حين

فأكله كله ثم وقف وقال " ليس سيئا كثيرا "

ثم غادر من فوره , وقح أكله كله ويقول ليس سيئا كثيرا أي

أنه سيئ بعض الشيء حتى أنه لم يشكرني , أنهيت إفطاري

على دخول الخادمة التي شهقت وقالت بصدمة " فوضه من السبب "

ثم أشارت لي قائلة " أنت السبب فتاة وسخ "

وقفت وقلت بضيق " وأين أنتي تنامين طوال الوقت يا نظيفة "

نظرت للفوضى وحركت رأسها بقلة حيلة ثم تحركت جهة

المغسلة قائلة " أنا يشتكي لسيد وسيدة منك "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بابتسامة جانبية

" وأنا يوسخ لك المطبخ كل صباح "

دخل حينها فراس وجلس على الطاولة قائلا

" ماري الفطور بسرعة يا كسولة "

نظرت له وقالت مشيرة بيدها لي

" هذا يسبب فوضى هنا وسخ ولا فطور اليوم "

وقف وقال مغادرا المطبخ " أمري لله "

وأنا أتبعه بنظري بذهول , هل هي الخادمة هنا أم هم !!

وأين عصبيته تلك تختفي أمامها , وما هي إلا لحظات

وسمعت أصوات لطيور أو ما شابه في الخارج فصرخت

الخادمة وقالت وهي تركض جهة الباب

" فراس مجنون سيرى من سيد وسيدة سعاد "

وخرجت راكضة وأنا اضحك عليها , عرف كيف يعاقبها

ضحكت كثيرا ثم قلت " يبدوا لديه بعض المنافع السيد كونان "

" منافع مثل ماذا يا سيدة رُدين "

نظرت للخلف مصدومة لأجد وائل متكأ على باب المطبخ وينظر لي ))

أغلقت الرواية وقلت " تسبب لنفسها المشاكل دائما "

ضحكت خالتي وقالت " بعض البشر هكذا لا يرتاحون إن

لم ينكدوا على أنفسهم "

وقفت وقلت ونظري على يدي المجروحة

" أشعر أن الألم عاد لها "

قالت وهي تفتح كيس أدويتها

" هذا لأن مفعول الحقنة المسكنة انتهى "

ثم أخرجت شريطا وأعطتني منه حبتين قائلة

" تناوليهما لتنامي دون ألام وفي الصباح ستكونين أفضل

وإن عاد الألم لها فلا تذهبي للمدرسة "

هززت رأسي بحسنا وأخذتهما منها وقبلت خدها وأطفأت

النور قائلة " تصبحين على خير "

ثم توجهت للمطبخ أخذت كوبا من الماء وبلعت الحبتين

وصعدت لغرفتي ونمت لأن الألم زال مجددا , عند الصباح

استيقظت وجهزت نفسي ونزلت , كان نزار من أعد الإفطار

فدخلت الغرفة وقلت " صباح الخير "

قالت خالتي مبتسمة " صباح النور تعالي نحن اليوم

أميرتان ولدينا من يخدمنا "

قال نزار بضيق " أنتي أميرة دائما "

جلست على الطاولة مبتسمة وقالت خالتي بضيق

" كنت خادمة لسنوات فمن جعل منك رجلا طويلا

عريضا غيري يا ناكر الجميل "

نظرت لخالتي وقلت

" هل كان زوجك طويلا وعريضا هكذا فأنتي قصيرة "

تنهدت وقالت " كان وسيما وطويلا وتعشقه كل فتيات الحي "

ضحك نزار ولم أستطع إمساك ضحكتي فقالت بضيق

" نعم تسخران مني , من أين جئت أنت بوسامتك إن

لم يكن والدك كذلك "

ضحك نزار كثيرا ثم قال " ضننت أنك أنتي كنتي

الجميلة وورثته منك كما تقولين "

نظرت لي وقالت ببرود " انظري لغروره يقول ورثته

منك يرى نفسه جميلا حقا "

همست لها مبتسمة " ممن ورثه بصراحة "

غمزت لي وضحكنا كلينا فقال بضيق

" أضحكاني معكما "

وقفت وقلت " شيء لا يخص الرجال "

وقف وقال " علمت أنك لن تخرجي من هنا إلا نسخة عن والدتي "

ثم خرج ونحن نضحك عليه وصعدت بعدها لغرفتي أنزلت

حقيبتي وغادرنا وعندما وصلنا باب المدرسة نظر لي وقال

" سما كوني حذرة لقد تحدثت مع مدير المدرسة وجابر

وسيسمحون لك بجلب هاتفك رغم أنه ممنوع فلا تريه

لأحد وأحضريه معك منذ الغد "

هززت رأسي بحسنا فقال " إن تعبتِ من يدك أخبري المدير

ليتصل بي وسآتي لأخذك للمنزل ولا تحركيها أبدا "

قلت بهمس " حسنا "

ثم نزلت ودخلت المدرسة ومر اليوم على خير وساعدتني

ريحان كثيرا كي لا أحرك يدي والغريب أن بتول لم تأتي اليوم

ولا تجيب حتى على اتصالاتي رغم أني حاولت كثيرا أن

أتصل بها بعدما عدت للمنزل

************************************************** **
__________________
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 12-29-2015, 11:44 AM
oud
 
دخلت القصر وأنا أفتح هاتفي فرن على الفور ففتحت

الخط ووضعته على أذني وقلت وأنا أصعد السلالم

" نعم يا مزعج "

قال بضيق " اسمعني جيدا يا جابر عليك أن تحدد لي

موعدا وقريبا جدا وأن تحترمه أيضا "

قلت ضاحكا وأنا أدخل الجناح

" موعد وقريب معقولة , أن أحترمه فهذا حسب وقتي "

قال بضيق أكبر " وما فائدة الأولين إن لم تتوفر الأخيرة "

جلست على الأريكة في الردهة وقلت وأنا أرمي مفاتيحي

على الطاولة " أنت لا تعلم كم انشغلت هذين اليومين

ثم عليا أن أتحدث مع والدتي أيضا ومع زهور وأرى

ترتيباتهم للأمر ثم عليا أن أفهم مهية تحقيق شروطها

المجنونة وموعد عقد القران سيكون آخر أعمالي "

قال ببرود " هذه أمور سهلة تنجزها في ساعة أو أقل "

قلت بضيق " ألم تجد لك غير عائلتنا , خف علي

يا رجل وقدر ظروفي "

انفتح حينها باب غرفة النوم وخرجت منه أرجوان بفستانها

القصير ومرت من أمامي لمطبخ الجناح وكأنها لا تراني

وصلني صوته قائلا " لو كان لي رغبة في غيركم ما رميت

نفسي تحت رحمتك , أنتظرك يا سيد مشغول "

ضحكت من فوري فقال بضيق " هل قلت ما يضحك "

قلت وعيناي تتابعان أرجوان العائدة للغرفة

" من أين جئتني بهذه الصفة ظننتها بضاعة خاصة "

قال بتذمر " لست في مزاج لفك ألغازك يا رجل , وداعا

الآن لقد سددت لي نفسي أعان الله زوجتك عليك ولا

يكون في ظنك أنك ستتخلص مني بسهولة "

قلت ضاحكا " وداعا يا سيد مزعج "

وقفت بعدها واقتربت من الغرفة لأرى سبب كل هذا التجاهل

فلمن تتزين هكذا على غير عادتها فلأول مرة تضع ماكياجا

هكذا وترتدي فستان سهرات , ما أن اقتربت أكثر حتى

سمعت أصوات تهامس , من معها هنا يا ترى ! أم أنها تحدث

صديقتها في الهاتف فهي من يوم علمت أن القصر به نظام

مراقبة وهي لا تحادثها إلا همسا وكأنها لا تعلم أنه لا وقت

لدي لأراقبها على مدار اليوم لأصيب وقت اتصالها بها

فتحت مقبض الباب ببطء فهذه المرأة تعرف كيف تحرك فيك

الفضول رغم أني أستنزف كل قدراتي الفضولية في عملي

لكن من ليلة أشيائها المجنونة تلك علمت أنها تفوق المجرمين

ما أن انفتح الباب أكثر حتى فوجئت بها وأبنائي يقفون أمامها

وما أن رأوني وكأن ساعة الفرج لألسنتهم جاءت فما أصعب

أن تسكت الأطفال , صرخوا راكضين نحوي وتعلقوا بي وكل

واحد منهم يحمل هدية مغلفة في يده , نظرت لأرجوان فكانت

تنظر لهم وهم متعلقين بساقاي وتبتسم ابتسامة حنونة فلا يمكنني

تحديد مقدار ولو تخيلي لمدى حبها لهم , نظرت بعدها لي

وأشارت بيدها على يدها الأخرى وكأنها تشير لساعة في يدها

فنظرت لساعتي على الفور ليلفت انتباهي التاريخ مع أصوات

الأولاد المتداخلة قائلين " كل عام وأنت بخير بابا "

عيد ميلادي اليوم لم أنتبه له بتاتا رغم أني رأيت التاريخ أكثر

من مرة في أوراق عملي ! ابتعدوا عني ومدوا لي بهداياهم

فنزلت عندهم مستندا بقدماي على الأرض وأخذتهم منهم وقبلت

كل واحد منهم وشكرتهم ثم وقفت وقلت ونظري لأرجوان

" جهزي لي بذلة يا أرجوان وتكوني فعلت لي معروفا كبيرا "

أعلم أن وضعي سخيف جدا لكن ما باليد حيلة فمؤكد هم

ينتظرونني هنا منذ وقت لأنه لا يمكنها تخمين وقت وصولي

إلا بالمصادفة , نظرت بيسان لها ثم لي رافعة رأسها للأعلى

وقالت بصدمة " والاحتفال في غرفتينا والكعكة أيضا "

نظرت لأرجوان فكانت تنظر لهم على هدوئها دون أي

تعبير حتى في ملامحها فعدت بنظري عليهم وقلت

" مشغول حبيبتي في وقت آخر حسنا "

مدوا شفاههم بعبوس وقالت ترف بحزن " منذ الصباح ونحن

نجهز ذلك وتعبنا كثيرا لأن سيلا أوقعت الكعكة وأعدناها "

توجه أمجد نحو الباب ورمى بيده في الهواء قائلا بتذمر

" أخبرتكم منذ البداية أنه لن يبقى "

خرجت حينها أرجوان من صمتها قائلة بحدة

" أمجد "

التفت لها فكانت تنظر له باستياء فنظر ناحيتي وقال

بهدوء ونظره أرضا " آسف بابا "

قالت بعدها بجدية " اسبقوني للغرفة "

خرجوا يتبعون بعضهم والاستياء واضحا عليهم , لم تتركهم

يتكلموا أما هي فلن تفوتها بالتأكيد , التفت للخزانة من فوري

وفتحتها ووضعت هداياهم فيها ثم قلت لنبتعد عن الموضوع

ولتفهم أني معترف بخطئي " ما كان عليك توبيخه فأنا المخطئ

على كل حال لكني حقا منشغل "

تعمدت أن لا أقول لها مشغول لأنها ستذكرني بها فيما بعد

سمعت حركتها في الغرفة ولم تعلق بادئ الأمر ثم قالت

" كان عليه احترامك في كل الأحوال "

ثم اقتربت من الخزانة الأخرى فتحتها وتابعت قائلة

" أمجد خصوصا ولأنه ذكر عليه احترامك أكثر حتى من شقيقتاه "

أخرجت لي ملابس داخلية ورمتها على السرير وأخرجت

منشفة مدتها لي وقالت ونظرها حتى الآن تبعده عن نظري

" لا تخرج من الحمام وشعرك مبلل يا جابر فكم من

أشخاص أصابتهم جلطة دماغية بسبب ذلك "

أخذت منها المنشفة في صمت وتوجهت نحو الحمام , لازالت

تحتفظ بصمتها لكن لا يمكنها إخفاء الاستياء في ملامحها

استحممت سريعا وخرجت أجفف شعري بالمنشفة فكانت

تجلس أمام مرآة التزيين وقد غيرت فستانها وتمسح ماكياجها

توجهت ناحية السرير وأخذت ملابسي من هناك فلاحظت

الهدية الموجودة عند الطاولة في طرفها من السرير ويبدوا

لم تعد ترغب في تقديمها لي , لبست ملابسي الداخلية ومؤكد

سأعتمد على نفسي في لبس بذلتي هذه المرة فقد كانت تخلصني

من ربط ربطة العنق لأني لا أحب فعل ذلك إلا مجبرا , لكن

المفاجأة أنها وقفت وتوجهت نحو البذلة أخذتها وتوجهت نحوي

ومدت لي البنطلون فأخذته منها ولبسته سريعا ثم لبست القميص

ورفعت ياقته قائلا " أربطي ربطة العنق يا أرجوان فأنتي

لا تعلمي أي عمل سيء بالنسبة لي خلصتني منه "

امتثلت من فورها وربطتها ثم ألبستني السترة أيضا عكس

القميص الذي لبسته وحدي هذه المرة ثم قالت وهي تمد

لي الحزام ونظرها لازال أرضا " مُر بالأبناء في الغرفة ولو

واقفا سيكون أمرا مهما بالنسبة لهم مهما كان قليلا "

أخذته منها ولبسته ثم حضنت وجهها بيدي وقبلت خدها

وقلت بهمس " آسف يا أرجوان وأعدك أن أعوض

هذا في وقت آخر "

هزت رأسها بحسننا ثم قالت وهي توليني ظهرها

" كن بخير فقط هذا ما يهمني ويهمهم "

تنهدت وقلت " لو كان أمرا يمكن تأجيله لأجلته "

التفتت لي وابتسمت هذه المرة رغم أنها ابتسامة صغيرة

ونظرت لعيناي لأول مرة وقالت بهدوء " الخطأ مني , كان عليا

أن أسألك إن كان لديك وقت اليوم لكني أردت حقا أن نفاجئك "

تضع اللوم على نفسها أيضا رغم أني المذنب الوحيد

أذكر في السابق كانت حسناء تجهز حفلا خاصا لنا في مثل

هذا اليوم وقت مجيئي ليلا لكنه ينتهي بشجار طبعا لأنها

لا تفتأ تذكرني بواجباتي وإهمالي على حد قولها

رفعت المنشفة من الأرض ورميتها على السرير

قائلا " ألن ترافقيني لهم "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت ببرود " أرجوان إن كنتي

غاضبة مني فلا تسجني ذلك في نفسك كي لا تصيبك أنتي أيضا

جلطة دماغية ولا تؤجلي عتابك لليل لأني الآن بحال أفضل "

نظرت لي مطولا بصمت ثم قالت " بل لا أريد أن يشعروا أني

أنا من أجبرك على فعل ذلك لأنهم كانوا مستاءين , أريد أن

يشعروا أنك حقا مهتم لما فعلوه اليوم لأنهم شاركوني في

صنع وإعداد كل شيء ومنذ الصباح الباكر "

دائما ما تخون توقعاتي بإجاباتها وتهدأ وقت أتوقع

غضبها , خرجت من الغرفة دون أي كلمة إضافية ولا

أعلم لما اهرب دائما من التحدث معها أكثر

توجهت لغرفة الفتاتين ونظرت من خلف الباب فكانوا

يجلسون على طاولة طويلة ومؤكد أحضروها من غرفة

التدريس بالأسفل , الغرفة كانت مليئة بالبالونات والزينة

كانوا يحضنون وجوههم بأيديهم ومستاءين جدا على ما

يبدوا , مدت ترف يدها فضربتها بيسان قائلة

" لا تأكلي شيئا حتى تأتي ماما "

قالت ترف بضيق " ومن قال أنها ستأتي فقد تخرج

هي وبابا للغداء ونحن هنا ننتظر "

وما سر الغداء أيضا هل كانت تخطط لغداء في الخارج أم ماذا !!

دخلت لهم وما أن رأوني حتى ارتسمت الدهشة على وجوههم

ثم ابتسموا ابتسامة واسعة فنظرت للطاولة المليئة وقلت

" ما كل هذا ؟ هل كل هذه الأشياء من أجلي "

نزلت ترف من الكرسي ولأول مرة وحدها وكانت النتيجة أنها

وقعت أرضا ولكنها سرعان ما قفزت واقفة وتوجهت نحوي

مسرعة فحملتها بين يداي وقبلتها واقتربت منهم فحضنتني

ترف بقوة وقالت ورأسها يتكأ على كتف

" ضننا أنك لن تأتي لترى الغرفة والطعام "

قالت بيسان " أين ماما أليست من أحضرك هنا "

إذا كما توقعت أرجوان كانوا سيضنون أنها من سيطلب

مني هذا , قلت وأنا آخذ الشوكة من على الطاولة

" لا هي لا تعلم أني جئت هنا "

قالت بيسان وهي تشير بإصبعها

" تذوق الكعكة بابا لقد أعددناها معا "

تذوقت منها لقمتين وقلت " رائعة هي لذيذة جدا "

قالت ترف وهي تضرب بيدها على ظهري

" تلك بابا تلك , أنا من غلفها بالشكلاته ووضعت عليها الحلوى "

أخذت منها قطعة وأثنيت عليها ولم يتركوني حتى تذوقت من

كل شيء وهم يحكون لي ما ساعدوا به في إعداده وأنا أحسب

الوقت بعيناي وعقلي وهوا يضيع لكن الأمر كان يستحق

وقد أسعدهم كثيرا بالفعل وإن كانت دقائق معدودة

أنزلت بعدها ترف للأرض وقلت " عليا المغادرة الآن "

ثم خرجت من فوري وغادرت القصر مجيبا على

هاتفي الذي يرن منذ وقت وقلت

" نعم قادم في الطريق وأعلم أنني تأخرت "

قال بضيق " هل لاحظت انك منذ تزوجت لم تعد تحترم وقت العمل "

قلت ضاحكا " ألزم حدودك يا وقح وجهز رجالك سنغادر

فورا فيبدوا هذه المرة المشوار يستحق "

قال ضاحكا " أتمنى في الأيام القادمة أن نجد وقتا لنراك فيه "

قلت مختصرا " وداعا قبل أن أهينك "

وأغلقت منه الخط لأن عمي منصور كان متوجها نحوي

دسست هاتفي في جيبي وصافحته قائلا

" مرحبا بالعم أين لا نراك أبدا "

قال ببرود " ذكر نفسك بهذا يا قاطع الأرحام , بالله عليك

كم ساعة هي التي تجلس فيها مع زوجتك وأبنائك "

قلت بابتسامة جانبية " وقت تناول الطعام "

هز رأسه وقال مبتسما " أعانهم الله على غيابك في رمضان "

انفجرت ضاحكا فقال " أين معتصم "

قلت باستغراب " ليس هنا ولما لا تتصل به !! "

قال " لا يجيب وبتول جاءت هنا لتتحدث معه منذ قرابة

اليومين وبعدها سجنت نفسها في غرفتها ولم تخرج منها

حتى الآن رغم كل محاولاتنا فأريد أن أفهم منه ما حدث "

بقيت أنظر له بحيرة فقال " أخبرتها أن معتصم رفض فكرة

أن تغير دراستها وتذهب مع خالها فجن جنونها وفتحت لي

جميع الدفاتر ... لما يراني دون حجاب لما يدخل غرفتي

ولما تسكتون عنه وكيف يتحكم بي وبأي صفة فطلبت منها

أن تسأله بنفسها فغادرت المنزل متوجهة لقصركم هنا وهوا

كان موجودا ليختفي هوا بعدها وتسجن هيا نفسها فعلينا

إيجاده لنحل هذه المشكلة "

قلت بهدوء " هل أخبرها أنها زوجته ؟ "

رفع كتفيه وقال " الحقيقة لا يعلمها غيرهما , قد يكون

شد عليها في الكلام فقط أو حتى ضربها "

ثم قال بضيق " وسأقطع يده إن كان فعلها فأنا لم

أزوجها له ليمد يده عليها "

فتحت باب السيارة قائلا " كان تصرفه خاطئا منذ البداية

فإن كان أخبرها الآن بزواجهم يكون رد فعل طبيعي

منها ويستحق هوا كل ما سيأتيه "

قال بضيق " نريد حلا لها الآن هي لم تتناول شيئا منذ ذاك

الوقت ولا تجيب علينا أخاف أن يكون أصابها مكروه "

قلت وأنا اركب السيارة " سأتحدث معه وإن لم يجيب

سأرسل من يخرجه من تحت الأرض قبل المغيب

فعليه أن يجد حلا لأفكاره الجنونية "

ثم انطلقت خارجا من القصر وسيارتان من الحراس تتبعني

وركّبت سماعة الهاتف واتصلت به مرارا ولا يجيب فأرسلت

له ( أجب حالا أو تعرف جيدا كيف سأجلبك خلال ساعات )

بعدها بقليل اتصلت فأجاب قائلا " لا تهددني وهذا ما ينقص

تلقي القبض علي كالمجرمين "

قلت بضيق " تتهم بتول بالتصرفات الصبيانية وأنت لا تقل

عنها جنونا , هي على الأقل تحترم من هم أكبر منها "

قال ببرود " ماذا تريد "

قلت بغضب " كيف لا تجيب على عمك يا وقح يتصل بك

مرارا وتتجاهله , نعم فهوا يستحق ثقته بك وتزويجك ابنته

الوحيدة ودون حتى أخذ رأيها , الفتاة تسجن نفسها في غرفتها

منذ أتتك هناك في القصر ولا يعلمون حتى إن كانت حية

أم ميتة وأنت يعجبك دور المتجاهل كثيرا وهوا باله

مشغول ويحاول أن يجد حلا لابنته "

قال باختصار " سأتحدث معه "

قلت بحدة " بل تأتي لتتفاهم معها وأخبرها أنك تزوجتها أو

أنا من سيفعلها هذه المرة وإن كنت ضربتها فقسما يا معتصم

قسما بربي وربك أني أنا من سيأخذ الحق منك وليس والدها "

قال بضيق " زوجتي ولا أحد يتدخل بيننا "

قلت بحدة " ذلك عندما تتصرف بعقل يا عاقل يا راشد

يا من وثقنا بك وهي لا تزال طفلة ولا تتقبلك حتى التقبل

تسمعني جيدا وتنفذ ما أقول .... تذهب لها فورا وتخرجها

وإن بكسر الباب عليها وتتحدث معها عن الأمر إن لم

تكن تعلمه أساسا وهوا سبب سجنها لنفسها أو

سأتصل بالحرس في القصر ليفعلوها "

قال بغضب " نعم هذا ما كان ينقص يكسرون عليها باب

غرفتها ليروها بملابس المنزل وسيدعون الشهامة

لإخراجها لأنه مغمى عليها "

قلت ببرود " ما لدي قلته , أمامك ثلاث ساعات وسأتصل

بعمي منصور إن لم تخرجها سأنفذ ما قلت ولك أن تختار "

ثم أغلقت عليه الخط وتأففت بغضب واتصلت بعمي

منصور فأجاب من فوره قائلا " هل أجاب عليك "

قلت بهدوء ممزوج بالضيق " نعم وسيأتي في أي لحظة

أو سيكسر الحرس الباب عليها فتركها أكثر سيكون جنونا

والله وحده يعلم ما حدث بينهم وما فعلت بنفسها , وما كان

عليك تركها حتى الآن سجينة الغرفة فيومان ليس بقليل "

تنهد وقال " كانت تلك فكرة رضا أيضا لكني عارضته

فلا أريد أن نرعبها وكأننا في فيلم بوليسي "

قلت بضيق " ذلك أفضل من أن نكتشف بعد فوات الأوان

أنها آذت نفسها ولن ينفعنا الندم حينها , وشيء آخر إن

لم يكن أخبرها بزواجهما أو لم يفعلها الآن فافعلوها

أنتم أو فعلتها أنا ما أن أرجع "

قال " لتفتح لنا الباب أولا ثم لكل حادث حديث "

قلت بهدوء " هل تأمرني بشيء آخر "

قال على الفور " لا وشكرا لك يا جابر "

قلت مباشرة " وعلى ماذا الشكر الخطأ خطأ ابننا

فالتمس لنا أنت العذر "

قال ببرود " ابنتي وأعترف أنها أيضا مدللة ومجنونة "

قلت مختصرا " وداعا الآن واتصل بي إن لم يأتي وتفتح

هي الباب خلال ثلاث ساعات "

قال " حسنا "

ثم أنهيت الاتصال منه وكنت قد وصلت العاصمة لأنطلق

والفريق للجنوب من جديد فيبدوا ثمة خيط في القضايا

وجدناه وإن كان رفيعا جدا

*
*
__________________
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 12-29-2015, 11:45 AM
oud
 


أعدت الهاتف لجيبي أتأفف بضيق فضحك معاذ بجانبي

وقال " أزمناها وجئنا نحلها فوجدناها أزمة فأحضرنا

المؤزم فزادها تأزما "

نظرت له وقلت بضيق " لم أعرف أن وليد عداك

بشعاراته الهابطة وكأنه ينقصك شعارات سخيفة "

ضحك مجدد ووضع يده على كتفي وقال

" أغضبوه وغضب علينا فجئنا نهدئ غضبه فزاد

غضبا ونسي المغضوب عليه أنه .... "

لكمته على أنفه ليسكت ففركه متألما وقال

" تغار من أنفي المستقيم يا أحمق "

قلت ببرود مغادرا " من يسمعك يضن أن انفي أفطس "

ركبت بعدها سيارتي وغادرت المزرعة أسترجع ذكريات

ما حدث يومها حين أخبرتها ففتحت عيناها على اتساعهما

من الصدمة وقالت " كذب ... كاذب يا معتصم "

فقلت بحدة " بلى صدقي ذلك يا ابنة عمي ولن تعتب

قدماك خارج منزلكم إلا هنا لغرفتي "

فاختفت من أمامي في لمح البصر وكأنها سراب أشرقت

عليه الشمس فهي من الذكاء أن تربط الأمور ببعضها

لتفهم أن ما كنت أقوله حقيقي فقررت أن أجنبها رؤيتي حتى

تستوعب الأمر , تسرعت وتهورت أعترف بذلك لكنها

أفقدتني أعصابي بجنونها ولسانها الطويل

وصلت منزلهم بسرعة لأني في ذات المنطقة ونزلت من

فوري وطرقت الباب ليفتح لي عمي منصور , نظر لي بصمت

بادئ الأمر ثم قال مبتعدا لأدخل " ماذا حدث يا معتصم "

قلت وأنا أتخطاه داخلا " لقد علمت بزواجنا "

ثم التفت له وقلت " سأصعد لها "

هز رأسه بيأس وقال " لن تخرج فنحن نحاول معها

منذ أكثر من يوم ولا فائدة "

قلت متجها جهة السلالم " سأكسر الباب إن لم تفتحه "

لحق بي هوا ورضا الذي خرج من جهة المطبخ وقال

وهوا يصعد خلفنا " بالرفق يا معتصم لا تقسوا

عليها ولا بكلامك "

قلت وأنا أصعد آخر الدرجات

" لا تقلق يا رضا لن يحدث شيء مما في بالك "

وصلت باب غرفتها وطرقته وقلت " بتول افتحي الباب "

ولا مجيب فطرقت أكثر وقلت بصوت أعلى

" أفتحي أو كسرناه حالا فأنتي خارجة في كل الأحوال "

ولا فائدة طبعا فالتفت لهما وقلت " أريد شيئا نكسره به

وساعداني لنكسره بأقل أضرار "

نظر عمي منصور لرضا ثم لي وقال " ألا حل غيره "

قلت بضيق " وما الحل برأيك , نرسل لها فأرا من تحت الباب "

ضحك رضا وقال عمي منصور " فكرة ناجحة فهي تخاف

حتى من الصرصور الصغير فكيف بفأر "

تنهدت وقلت " علينا كسره إلا إن كنت تخاف على الباب "

قال بضيق " بل أخاف عليها فهي ابنتي ووحيدتي

ولا أريد أن نخيفها "

قال رضا مبتسما " من يسمعك لا يصدق أنه

لديك ثلاث أبناء غيرها "

قلت بضيق " ليس وقت نقاشات الآن علينا أن نكسر الباب حالا "

نزل عمي منصور لوقت ثم صعد وفي يده مثقاب جدران كهربائي

فضحك رضا وقال " أنت من سيخيفها بصوت هذا "

قال ببرود " هذا أرحم من أن نضربه بالفأس "

قال رضا مبتسما " كنتم أحضرتم أحد حرس جابر

الضخام وكان سيكسره بضربة واحدة من قدمه "

قلت بضيق " هل جننت أم ماذا , لن يكسر واحد منهم باب

غرفتها ويفتحها عليها ولا على جثماني "

اقترب عمي وناولني إياه ثم أوصله بالكهرباء ووقف عند

الباب وقال " بتول سنكسر الباب بالمثقاب إن لم تخرجي الآن "

انتظرنا قليلا ثم أشار لي برأسه أن أبدأ العمل فشغلته وكسرت

به اللوح حول قفل الباب حتى ابتعد عنه قليلا ثم ضربناه بقدمينا

أنا ورضا ضربة واحدة فانفتح على اتساعه ونظرت للغرفة

نظرة شاملة فلم تكن فيها فنظرت لهما بتوجس وكل مخاوفي

أن لا تكون هنا من أساسه , كنا ننظر لبعضنا كالبكم أعيننا

فقط التي تتحدث والقلق والخوف يملأها فدخلت الغرفة لأبحث

عنها في الحمام رغم أنه كان مفتوحا وهذا يعني أنها ليست

فيه وما أن دخلت أكثر حتى وجدتها جالسة في الجانب الآخر

من السرير تخفي رأسها في ساقيها المحتضنة لهما فنظرت

لهما وأشرت لمكانها بأنها هنا ثم أشرت برأسي أن يتركانا

وحدنا فأشار لي عمي أن بالرفق عليها فأومأت له برأسي

بمعنى حسنا فغادرا مباشرة واقتربت منها وجلست بجوارها

وقلت بهدوء " هل يعجبك هكذا تقلقي الجميع عليك "

لم تجب طبعا فقلت بذات هدوئي " بتول ما الذي تريدينه

بهذا , أن تموتي مثلا ؟ هل تكرهينني لهذا الحد "

بدأ صوت بكائها يخرج واضحا فشددتها لحظني وقلت

" توقفي عن البكاء يا بتول ودعينا نتحدث بروية "

قالت بعبرة " أكرهك واكرههم جميعا "

حضنتها أكثر أمسح على شعرها ثم قبلت رأسه وقلت

وأنا أثبت ذقني عليه " اعلم أنك تكرهينني ولا تطيقينني

في أرض , فقط توقفي عن كل هذا "

أمسكت قميصي بقبضتها بقوة ودفنت وجهها في صدري

تبكي بمرارة وتقول " لماذا فعلتم بي هذا لماذا "

وغابت كلماتها بين شهقاتها المتتالية ولم أزد أنا حرفا

وبقيت محتضنا لها لتهدأ أولا حتى خف بكائها قليلا

فقلت مبتسما " هيا فقد اختبرتِ محبة الجميع لك "

ابتعدت عني وقالت مشيحة بوجهها " ابتعد عني ولا تلمسني "

قلت بعد ضحكة " الآن بعدما نمتِ في حضني حتى شبعتِ "

نظرت لي بضيق فقلت بقلق وأنا أنظر لملامحها

" بتول انظري لوجهك في المرأة , كم ساعة بكيتي يا غبية "

وقفت وقالت بحدة " أبكي ما أبكيه لا شأن لك بي أم تريدني أن

افرح بذلك وأرقص , كيف طاوعتكم قلوبكم تلعبون بي وتزوجونني

دون علمي ولا موافقتي , لن أنساها لكم يا معتصم ما حييت "

تنهدت بضيق ورفعت إحدى ساقاي منصوبة أمامي

ووضعت ذراي عليها وقلت

" لا أريد أن أجرحك يا بتول فلا تفقديني أعصابي "

ابتعدت عني وأولتني ظهرها وكتفت يداها لصدرها ولم

تتحدث فقلت بهدوء " تعالي اجلسي دعينا نتحدث قليلا "

لم تتكلم ولم تلتفت إلي فوقفت واقتربت منها وأحطت

خصرها بذراعاي وقبلت خدها ثم قلت مغادرا

" سأعود في وقت آخر فاهدئي الآن "

ثم خرجت من عندها ووجدت رضا ووالدها عند السلالم

فاجتزتهما نازلا وقلت " أخذت نصيبي وبقي دوركما أنتما

ولا أنصحكم بالمحاولة الآن "

*
*
ما أن نزل معتصم حتى نظر لي رضا وقال

" أرى أن تتحدث معها الآن لابد وأنها أفرغت أغلب

غضبها به وستكون منهكة ولن تلومك كثيرا "

ضحكت وقلت " ستجد وقتا آخر فالأيام أمامنا طويلة "

ثم توجهت نحو غرفتها وهوا يتبعني قائلا " كنت أخبرته

أن يأخذها معه فورا لتهرب من مواجهتها "

دخلنا غرفتها فكانت تقف مولية ظهرها للباب وتفرك خدها

وتبكي وكأنها تمسح شيئا من عليه , نظرنا لبعضنا ثم اقتربت

منها ووضعت يدي على كتفها وقلت بهدوء

" بتول بنيتي كيف تقلقيني عليك هكذا "

ابتعدت بخطوات للأمام ثم التفتت لي وقالت بحرقة

" أتوقعها من الجميع إلا منك يا أبي "

تنهدت وقلت " أنا وعدت عمك وعدا حرا هل

ترضي أن أخلف وعدي له "

قالت ببكاء مشيرة لنفسها " وأنا ورأيي , لما لم تفكر بي "

ثم تابعت وهي تعد على أصابعها وتنظر لهم

" هل نسيت أنه لازال أمامي سنتين في الثانوية وجامعة "

ثم نظرت لي مجددا وقالت بعبرة " أي ظلم واضطهاد هذا

عمري ستة عشرة سنة فقط ولم أحقق أي حلم في حياتي

لأصبح زوجة فجئه ولمن لمعتصم وبالخفية عني

وتتركونني كالبلهاء المغفلة "

قال رضا بهدوء " هوا من أرادك وأصر عليك وقال

أنه لن يحرمك دراستك وهوا من أصر أن لا نكشف

لك أمر زواجه بك سريعا "

ضربت كف يدها بظهر يديها الأخرى عدة مرات

وقالت بحرقة " تكذبون وتتحايلون في كل الأحوال "

ثم أشارت لنا وقالت " هل تعلمان كم مرة ناداني بالعلكة

بالفراولة بالمدللة الطائشة الطفلة فلما يريد أن يتزوجني

ويصر علي هل ليربيني على طريقته أم يختبر قدراته بي "

قلت بهدوء " بتول ما هذه الأفكار هوا أرادك زوجة له

حقا لما كان طلبك من نفسه "

صرخت بحرقة " طلقوني منه , أنتم فعلتموها وأنتم تنهونها "

قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام الذي تقولينه "

قالت ببكاء " لا أريده لا أريد ولم أعد أرغب في

الزواج من أساسه فاطلبها منه أنت أو طلبتها

بنفسي من جابر ليجبره على ذلك "

قلت بحدة " بتول لقد تغاضيت عن صراخك بي وخالك

دون احترام لنا مقدرا لصدمتك بالخبر لكن أن تضربي وعدي

عرض الحائط وتكسري كلمتي لن تكوني ابنتي ولا أعرفك "

ثم خرجت من عندها غاضبا ورضا يتبعني قائلا

" منصور هل جننت ليس هذا وقت ما قلته لها "

أشرت له بيدي وأنا أتابع سيري وقلت

" عد لها هي تحبك كثيرا فحاول تهدئتها "

ثم نزلت للأسفل لتقابلني أميرة عند أول السلالم وقالت

بقلق " ماذا حدث معكم هل فتحت الباب "

قلت متوجها لباب المنزل

" نعم وهي بخير ورضا معها فاتركيهما وحدهما "

*
*
نزلت للأسفل متوجهة للمطبخ وبيسان معي متجاهلة عمتي

وضيوفها ولم أنظر ناحيتهم حتى النظر , أعلم أنها ستخبرهم

أني من أرفض الذهاب لهم ولكن لحسن الحظ أنه حين عدت

لأصعد السلالم من جديد كانت إحدى اللتان أهانتني أمامهما

موجودة معهن فموقف عمتي هذه اللحظة ضعيف ولن تصدقها

تلك وستحكي للباقيات الموقف بالتأكيد , فلن أقابل ضيوفها

وأسلم عليهم حتى يتحدث جابر معها وتتوقف عن إهانتي

أمامهم لأني متأكدة أنه لم يحدثها بعد فحتى أنا لم أره هذه

الأيام إلا لدقائق معدودة , لا أعلم ماذا ترك لرئيس البلاد

والوزراء فما أن يدخل الجناح حتى يتصلوا به ليستعجلوه

للذهاب لهم وكأنهم يخشون أن يهرب منهم أو أسرق من

وقته بل وكأنهم لا يعلمون أنه يعشقهم وعمله بجنون وأني

وأبنائه في آخر حساباته

عدت لغرفة الفتاتين بعدما أنهت الخادمات تنظيفها , على

الأقل شارك أبنائه ولو قليلا فهم لم يتوقفوا عن التحدث عن

أنه أكل مما صنعوه وأنه أعجبه وأثنى عليه وما لا يعلمونه

أنه كان سيغادر دون حتى أن يفكر في رؤية الغرفة ولو من

باب الفضول وليس جبرا لخواطرهم أو خاطري ولن أتحدث

عن نفسي لأني الأكثر خذلانا منه بينهم , دخلت وقلت

" بيسان نادي شقيقك بسرعة لنصلي المغرب حبيبتي "

انطلقت من فورها مسرعة وعادت وهوا معها توضؤا

وصلينا معا ثم التفت لهم وقلت " ترف أحضري المصحف "

جلبته وعادت مكانها وبدأت اقرأ على مسامعهم بعض

الآيات وأشرحها لهم وأعلمهم عن بعض المحرمات بالأذلة

من كتاب الله وبعض الأحاديث , عليا أن أتحدث مع والدهم

لنظمهم لحلقات تدريس القرآن وأنا أيضا بدلا من جلوسي

في المنزل لا زوج ولا عمل أقوم به , قالت ترف

" ماما ما يعني يوصلوا شعورهم "

قلت بابتسامة " يعني شعرها قصير تلحقه بآخر

ليصبح طويلا ثم تزيله "

قال بيسان بصدمة " ويحرقها الله بالنار "

هززت رأسي بنعم وقلت " بل يلعنها ويغضب عليها "

قالت ترف " هل شعرك أنتي موصول لذلك هوا طويل "

ضحكت وقلت " لا حبيبتي شعري طويل دون أن أوصله

أنا لا أريد أن يغضب الله مني "

قالت وهي تسحب إحدى جديلتيها للأسفل

" ولما أنا ليس طويل إذا , المربية قالت لي سابقا إن

أمسكته بالمشابك سيصبح طويلا لقد كذبت علي "

قلت مبتسمة " عيب ترف هي لم تكذب عليك فحتى أنا

حين كنت في عمرك كان شعري قصيرا مثلك "

قالت بيسان " نعم حتى عمتي زهور كان شعرها

مثلي والآن هوا أطول "

نظرت لها بحيرة وقلت " ومن أخبرك أنتي بذلك "

قالت من فورها " أرتني صورة لها حين كانت مثلي "

شردت قليلا بفكري ثم نظرت لها وقلت " سبق وأخبرتني

أنها أعطتك ذاك الفستان الأبيض أليس كذلك "

هزت رأسها بنعم فقلت " هل هي نادتك أم أنتي ذهبتِ لها "

قالت " بل أنا ذهبت لأخبرها أنك ستأتي للعيش معنا "

قلت بحيرة " هل استقبلتك وأحبتك "

هزت رأسها بنعم وقالت " وعزفت لي ورقصت وتركتني

أشاهد حوض الأسماك في غرفتها وسألتني إن كنت أحبها "

قلت مبتسمة " لما لا تزوروها إذا مادامت تحبكم "

نظروا لي باستغراب فقلت " لما لا تذهبون لها "

قالت ترف مبتسمة " حقا نذهب لها "

قلت بابتسامة " نعم لكن حين اسمح لكم فقط "

قالت بيسان " هي جميلة ماما وفستانها جميل كالذي أعطته لي "

قلت مبتسمة " نعم بنيتي لا تخبريني عن جمالها لأنه لا يوصف "

قال أمجد " هل رأيتها !! "

وقفت وقلت " هيا وقت العشاء الآن "

وقفوا وقالت بيسان " بابا لن يأتي كالغداء ؟؟ "

قلت وأنا أسبقهم " يبدوا ذلك "

هوا لم يكلف نفسه حتى عناء إخباري إن كان سيتأخر أو يبات

خارجا لا أعلم حتى متى سأصبر على هذا الحال , ما بك يا

أرجوان ألم تتزوجيه من أجل الأبناء فقط إذا ما شأنك به يتأخر

يبات هناك أو يفعل ما يحلوا له فيبدوا أعجبتك فكرة تغييره

وصلنا للأسفل وكانت جدتهم غير موجودة ويبدوا لن تتناول

العشاء فهي لا تأكل وجبتين إلا نادرا , أنهينا عشائنا وصعدنا

صلينا العشاء ودخلنا غرفة قلعة بيسان درستها قليلا ولعبوا بها

حتى وقت النوم فأوصلتهم لغرفهم وذهبت لجناحي استحممت

وجففت شعري ولبست بيجامة حريرية فلا حاجة للقمصان

اليوم ثم دخلت السرير أمسكت بهاتفي لأرسل له رسالة ثم

غيرت رأيي ورميت الهاتف على الطاولة وأطفأت نور

السرير وأخذت وقتا طويلا لأدخل أعماق النوم رغم أن

اليوم كان متعبا منذ الصباح الباكر وليثه بنتيجة تستحق

*
*

قال بضيق " لا جدوى من بقائنا بعدما مات هوا أيضا "

غادرت من أمامه قائلا

" إن لم يكن لهم جواسيس في وسطنا لا أكون جابر "

ثم خرجت من عنده بل وغادرت الجنوب وعدنا صفر

اليدين بعدما قتلوا دليلنا الثاني , بث أشك أن من وراء هذه

الجرائم ذراع كبيرة في الدولة فسأترك الأطراف وأغامر

بالبحث في الرؤوس فإما أن تتوقف هذه الجرائم أو يقتلوني

ويريحوني من كل هذا التعب , وصلت مدينتي عند الثالثة

فجرا , دخلت القصر وصعدت لجناحي ودخلت الغرفة

شغلت النور وكانت نائمة ولم تخرج لي حتى بيجامة النوم

كعادتها , يبدوا عتابا من نوع آخر ... لا رسالة فيها أنها

منشغلة علي ولا حتى سألت إن كنت سأبات خارجا أم لا

توجهت نحو هاتفها رفعته وفتحت آخر مكالماتها وكما

توقعت رقم غريب ومميز , خرجت من الغرفة واتصلت لأني

أعلم انه يجيب طوال النهار وما أن فتح الخط حتى قال

" مرحبا معكم مطعم النرجسة البيضاء هل نخدمكم بشيء "

قلت " هل حجز لديكم هذا الرقم أي طاولة يوم أمس "

قال " قليلا فقط لأبحث "

قلت من فوري " تحت اسم جابر حلمي "

قال مباشرة " مرحبا سيدي نعم كان هناك حجز اليوم باسمك

على طاولة للغداء والعشاء لتحدد لنا أي الوجبتين ستختارون

لكن المتصلة اعتذرت عن الغداء قبل وقت الظهيرة ثم

عن العشاء عند العاشرة "

قلت بهدوء " أعطني حسابكم لأحول لكم ثمن الوجبتين "

قال " لا تقلق بشأن هذا سيدي "

قلت " كما تريد وداعا "

أغلقت منه الخط وعدت للغرفة وأعدت الهاتف حيث كان

مؤكد مستيقظة فهي ما أن ينفتح النور في الغرفة تشعر به فورا

ولا تنام قبل أن ينطفئ , نظرت حولي وفتشت الخزانة بحثا عن

ضالتي ولم أجدها فتوجهت للدرج بجانبها وفتحته فكانت هناك

أخرجتها وتوجهت بها للأريكة وفتحتها فكانت حافظة لمصحف

خاصة بالسيارات أنيقة ومذهبة و بها مصحف كحجم ذاك الذي

أعطته لي سابقا , لما لم تقدمها لي كالأطفال وتركتها بل

وخبأتها في الدرج !! وضعتها على الأريكة وتوجهت للخزانة

أخرجت بيجامتي ورميتها على السرير خلعت سترتي ورميتها

على جسدها ثم ربطة العنق والقميص والبنطلون وهي على

حالها تدعي النوم , أخذت المنشفة وقلت متوجها للحمام

" أعلم أنك مستيقظة "

استحممت سريعا وخرجت بالمنشفة لأجدها على حالها

الفرق الوحيد ملابسي التي رميتها عليها غير موجودة

والهدية أيضا اختفت , ابتسمت ابتسامة جانبية ثم جلست

على طرف السرير حيث هي نائمة وقلت " أعلم أنك

غاضبة مني , هيا لا داعي لهذه الحركات الصبيانية "

قالت وعيناها مغمضتان " لست غاضبة فأطفئ النور

أنا متعبة وأريد أن أنام "

قلت بمكر " وإن لم أطفأه "

عقدت حاجبيها وقالت بضيق " جابر من أين تجد كل

هذا النشاط لو كنت مكانك لنمت عند باب القصر "

ضحكت وشددت خصلة من شعرها الطويل فغطت رأسها

باللحاف تتأفف بضيق فسحبته منها بقوة ورميته بعيدا

فجلست تجمع شعرها للوراء وتحركت حتى جهتي من السرير

ورمت عليا ببجامتي وقالت " يبدوا أنك أحببت تلك الجهة "

اضطجعتُ في مكانها ومددت لها يدي فنظرت لها مطولا

ثم اقتربت مني وقالت ببرود

" فقط لأني أخاف أن أحاسب إن رفضت "

قربتها لحظني وقلت " هكذا إذا "

قالت بهمس " نعم "

قلت وأنا أغرس أصابعي في شعرها " ولما تحديدا "

خبئت وجهها في صدري العاري وقالت بهمس

" من اجل لا شيء "

قلت وأناملي تسبح في شعرها الكثيف

" هل هناك من يغضب من أحد دون سبب "

قالت بذات الهمس " أجل أنا "

قلت بهدوء " لما لم تخبريني أني مدعوا على العشاء معك "

لم تتحدث وشعرت على صدري بشيء أعرفه جيدا فشددها

لحظني أكثر وملت برأسي لأذنها وهمست

" لما البكاء الآن يا أرجوان "

لم تتحدث فتنهدت وقلت " كنتِ عاقلة طوال الصباح

وتصرفتِ بحكمة ما بك الآن وأنا من أخبرك منذ البداية

انه إن كان لديك عتاب لا تدخريه لليل "

أحاطت خصري بذراعها بقوة وقالت ببكاء

" قلقت عليك "

ابتسمت وقلت " لهذا فقط يا مشاغبة وأنا من كان يفكر

كيف يعتذر ويخلص نفسه , إذا كنتِ محقة حين قلتي

بأنك غاضبة من لا شيء "

قالت ببحة " بل منك "

ضحكت وقلت " اثبتي على واحدة "

لم تتحدث فقلت بهدوء " حسنا يا سيدة أرجوان أنا لم أخبرك

أين سأذهب ظهر اليوم لأني لم أرد أن أفسد الأمور أكثر

يكفي الحفل الذي لم أحضره "

لم تتحدث أيضا فقلت " هيا أجلسي أود أن نتحدث قليلا "

ابتعدت عني ونامت على وسادتي وأغمضت عيناها

وقالت " لا تمن عليا بشيء هوا ملكي وحدي "

ابتسمت ومددت يدي وسحبتها لحظني مجددا وقلت

" حسنا تمتعي بأملاكك إذا "

أعادت ذراعها حول خصري وقالت

" ماذا كنت تريد أن تقول "

مسحت على شعرها وقلت " نتفق على بعض الأمور "

أبعدت وجهها من صدري ونظرت لي وقالت

" مثل ماذا "

دسست وجهها في حضني مجددا وقلت

" لا تتركي أملاكك يا مستهترة "

ثم تابعت " مثل أني هذه الفترة على قدم وساق كما تري "

نظرت لي مجددا وقالت " وأنا لم أشتكي كما طلبت "

مررت أبهامي على خدها وقلت بابتسامة

" اعلم وأريد أن يستمر هذا "

نظرت لعيناي مطولا بحيرة ثم قالت " وحتى متى "

قلت " حتى تنتهي هذه الأزمة في البلاد "

قالت باختصار " ثم "

قلت باستغراب " ثم ماذا "

قالت " بعد ذلك هل ترجع لتكون موجودا

عند وجبات الطعام فقط "

لذت بالصمت أحاول مجددا فهم خبايا دماغها لأني

كلما قلت شيئا كان جوابها مغايرا لما اعتقدت

وعندما طال صمتي جلست وقالت " جابر سأتحدث ولا

تقاطعني حتى أنتهي ومهما قلت أو لن أتكلم وننسى كل هذا "

هززت رأسي بحسنا لتتكلم فقالت " أبعدني أنا جانبا ولن نتحدث

في هذه النقطة بتاتا , آلا تحب أطفالك مؤكد الجواب نعم

آلا تشتاق لهم لرؤيتهم كما يشتاقون لك هم ويفتقدونك

أتعلم في الماضي في يوم عيد ميلادي كنت أتمنى أن

يحضروا لي هم هدايا من أنفسهم دون أن أعلم لشدة حبي

لهم وكنت أتخيل كيف ستكون سعادتي وتدمع عيناي كلما

تخيلت ذلك لهذا فكرت أن أفعل هذا لك بالأمس لأني اعتقدت

بأنك ستشعر بكم السعادة الذي كنت أنا أتخيله لكنك حتى

ابتسامتك لهم وأنت تشكرهم كانت تدل على أن دماغك

مع شيء آخر وليس معهم "

سكتت فقلت " هل انتهى كلامك "

نظرت ليديها في حجرها وقالت " لنعتبره انتهى "

جلست أيضا وقلت " إذا هذه نقطة وقوف فقط "

نظرت لي بصمت فقلت مبتسما

" تبدين أخطر مما تصورت هل تقرئين الابتسامات أيضا "

قالت بضيق " نعم وابتسامتك هذه معناها أنك تسخر

مني أو أنك لم تعر ما قلت أي اهتمام "

قلت بهدوء " لو كان الأمر كذلك ما تركت النوم مع

كل تعبي وجلست أتحدث معك "

قالت " إذا دعنا نستغل الوقت لتنام ولو لوقت

قليل قبل أن يتصلوا بك "

قلت " دعينا نؤجل نقطة تواجدي معهم قليلا كما

تؤجلين تلك النقطة دائما وبمزاجك "

لاذت بالصمت ولم تعلق فقلت " وغيرها دعينا نتناقش فيه "

قالت من فورها " أي شيء غير ذلك "

قلت " تقريبا "

رمتني بالوسادة وقالت بتذمر " أنت لا يمكن محاصرتك أبدا

أي حظ هذا الذي رماني على رئيس محققين "

ضحكت وقلت " لن يفهمك أحد مثله يا أرجوان

وعرف حظك أين يضعك "

لوت شفتيها بعدم اقتناع فقلت " إهانة مقبولة منك فتابعي "

قالت وهي تعد على أصابعها " أريد مسبحا للأطفال مادام لا

يمكنهم الخروج كي لا يتعرضوا لأي خطر وأن نلحقهم بدورات

لتحفيظ القرآن , أريد أن يخرجوا للحديقة ونشتري لهم دراجات

أريد أن يكون لهم مراجيح والعاب في الحديقة الواسعة بلا فائدة

أريدهم أن يشعروا أنهم أطفال أريد لهم غرفة العاب ولو ليدخلوها

لأوقات محددة بدلا من اللعب بدمى القلعة فقط "

بقيت أركز على ملامحها بصمت حتى انتهت وسكتت

فقلت " ألا يوجد شيء لك كله لهم "

نظرت للأسفل وقالت " إن سعدوا هم سعدت أنا "

قلت بهدوء " هل تعني أن السعادة ما ينقصك هنا أم أنك لا

تريدي غير سعادتهم ولا شيء لديك "

رفعت نظرها لي وقالت " منذ تزوجنا كان اتفاقنا أنه زواج

من أجل الأولاد فإن طالبت بشيء منك لي أكون أستحق

الجلد ويكفي أن مالك مفتوح لي لا تحاسبني عليه وأنا

أحترم كل بنود ذاك الاتفاق كما ترى "

نظرت لها مطولا بتركيز حتى ابتعدت بنظرها مجددا

ثم قلت " تعني أنك لم تغضبي اليوم مني لأنك تنفذين الاتفاق "

لاذت بالصمت فقلت " ولما اشتريت لي هدية إذا وتزينتِ

وحجزت من اجل العشاء لنا فالأطفال خارج كل هذا "

ابتعدت لتغادر السرير فأمسكتها وقلت

" حسنا لن نتحدث في هذه النقطة حتى تسمحي بهذا "

ثم قلت بهدوء " أنتي تعلمي أن والدتي لن توافق كل ذلك

فاختاري شيئا واحدا منهم حاليا والباقي لنتركه للوقت "

قلت بهدوء " لكن امجد يحب الدراجات وترف تحب السباحة

وبيسان تحب المراجيح فمن بضنك سيختاره قلبي على الآخر "

قلت " المسبح يأخذ وقتا وعمال يحتاجون من يراقبهم ولا

وقت لدي كما تري وكذلك الألعاب الثابتة في الحديقة "

قالت باستياء " إذا بقي الدراجات فقط "

قلت بجدية " أرجوان عليك أن تقدري ظروفي أيضا فأنتي

لا تعلمي أني أستمع لسيل من الملاحظات من والدتي وأتجاهله

كله لاتفاق زواجنا فأن أقوم بما تريدين وأتجاهلها هي

أمر سيجرحها بالتأكيد وهي في النهاية والدتي "

اقتربت مني قبلت خدي وقلت " إذا ننسى كل ما قلناه , وبالنسبة

لي ما كنت سأتحدث عنه وأنت من فتح هذا الموضوع "

شددتها لحظني وقلت " نؤجله فقط "

قالت بعد ضحكة صغيرة " حاضر يا سيد تأجيل "

لم أستطع إمساك ضحكتي التي انطلقت مرتفعة ثم قلت

" لقد أصبتني بحساسية من كلمة مشغول والآن

تريدي أن تضيفي هذه لها "

نظرت لي وقالت " وتنيني أيضا "

أمسكت أنفها وقلت " إذا لدي ما لم أتحدث عنه بعد يا مشاغبة "

نظرت لي باهتمام فقلت " نحن متزوجان من فترة وأرى دورتك

منتظمة ولا مشاكل فيها فلما لم تحملي بعد "

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 12-29-2015, 11:47 AM
oud
 
الفصل التاسع عشر

لم تستمع حتى لكلماتي بل هزتها مجددا وعيناها معلقتان

في وجهها المبتسم وقالت بهمس موجع " خالتي "

أنزلت رأسي للأرض وقلت بحزن " لا فائدة يا وسن "

عم الصمت في الغرفة فرفعت رأسي ونظرت لها فكانت تنظر

لي بضياع لتتدحرج دموعها قائلة بصدمة " ماتت !! "

ابتلعت غصة مع ريقي وهززت رأسي بنعم فقالت بصوت

ضعيف تائه بالكاد يخرج من حنجرتها

" لم تعد تسمعني !! لن أراها ولن أتحدث معها مجددا "

قبضت بقوة أكبر على يدها التي لازالت في يدي وقلت بحزن

" كوني قوية يا وسن من أجلها ومن أجل ما أوصتك "

هزت رأسها بلا وقالت بعبرة " لن ترحل هي أيضا "

ثم قبضت يدها لصدرها وقالت بحرقة

" لماذا رحلتم وتركتموني ؟ لماذا جميعكم تركتموني وحيدة "

ارتفع نحيبها وصوتها قائلة بألم " لما الموت يختار الجميع عداي

أنا , لما الرحيل يسافر بكم وأنا لا ؟ لما لم لا أمت لماذا "

قلت بضيق " وسن توقفي عن قول هذا "

أبعدت يدها من يدي بقوة وقالت بحدة

" لن أتوقف أعد لي خالتي يا نواس أعدها "

قلت بحزن " لو كان الأمر بيدي ما رحلت لأعيدها "

قالت بألم " لم تعد لي خالة , تصور هي معي هنا ولا تسمعني

لقد تركتني وحيدة تركتني مثلكم جميعا قالت لن أتركك يا وسن "

توقفي يا وسن وارحمي حالتي لما لا تريني أمامك وكأني

غير موجود لما تقتلينني فوق ما أنا ميت يكفيني حرقتي

على والدتي فأنا مثلك بعدها وحيد , نظرت لها بضياع وهي

تنظر لوالدتي باستجداء وكأنها تتمنى أن تكون الحقيقة غير

ذلك وقالت ببكاء " خالتي تكلمي أرجوك , ليثني مت أنا "

لم أشعر حينها بشيء سوى بيدي تمتد لها لأسحبها من أمامي

وأدسها في حضني وطوقتها بذراعاي بقوة وقلت بألم

" ارحميني يا وسن أرجوك ارحميني "

انطلقت حينها صرختها المكبوتة لأدسها بين ضلوعي

وأخفف من صداها في الغرفة , كان على هذه الصرخة

أن تخرج قبل أن تموت من الصدمة , كنت أشدها

لضلوعي ودموعي تتساقط فوق صرخاتها المتوجعة

ولا أعلم من فينا حاله أقسى من الآخر ومن منا ثلاثتنا

الميت ومن منا الاثنان يحضن أوجاع الآخر , وكل ما فعلته

أن حضنتها ... نعم فعلت ما منعت نفسي عنه لأيام لكني لم

أكن أشعر بها بل بأوجاعها الكثيرة تقطع جسدي وقلبي

حتى اختفى صوتها وارتخى جسدها بين ذراعاي

فأبعدتها عن حضني ومسحت على وجهها وقلت بصدمة

" وسن ما بك "

لم تجب ولم تتحرك فشعرت بأدق عرق في عروقي يتفتت

وكأن ثمة من ضربني بسلك كهربائي , لا تفعليها بي يا

وسن يكفي نصف قلبي الأول جثة بجانبي , لا تقتليني

بحسرتي عليكما , ضربت خدها مرارا أناديها وبلا فائدة

فوقفت وحملتها بين ذراعاي وغادرت بها من الغرفة لأترك

خلفي جثة وأسير وبين يداي أحمل شبه جثة ولست سوى

جثمان مثلهما ولكن لا يشعر بي أحد

" نواس نم قليلا على الأقل "

أخرجني من ذكرى ذاك اليوم الموجع صوت خاطر

فنظرت له وقلت " ليس وقت نوم "

تنهد وقال " أنت لا ترحم نفسك إما في المستشفى أو هنا

تستقبل المعزين , لن يحدث شيء إن نمت قليلا "

أبعدت نظري عنه وعدت للصمت , ها قد مر ثلاث أيام على

وفاة والدتي ووسن ملازمه المستشفى من حقنة مهدئ لحقنة

منوم لمسكن بعدما أصابها انهيار عصبي حاد ولا أحد هنا

يستقبل المعزيات سوا مي ووالدة فرح التي بقيت معها

اليوم , وقفت فقال معاذ " كنت في المستشفى الآن

هي نائمة ولم تستيقظ بعد فاجلس وأرحم ساقيك "

قلت مغادرا " عليا استقبال جواد وزوجته في

المطار سيصلان بعد ساعة "

لحق بي قائلا " انتظر سأذهب معك إذا "

خرجنا معا على دخول ملاك التي وقفت أمامي قائلة

" ذهبت للمستشفى ولم يتركوني أدخل لها كيف هي حالتها "

قلت بهدوء " أفضل بقليل وفي الغد ستكون أحسن هكذا قال الطبيب "

قالت بحزن " لا أعلم لما أساتذة الجامعات لا يصيبهم شيء

والطلبة بلى , الأسبوع الماضي ماتت زميلة لنا بحادث وقبله

واحدة تزوج عليها زوجها أخشى الأسبوع القادم أن أموت أنا "

لم استطع كتم ابتسامة حزينة شقت ملامحي العابسة ونظرت

لمعاد فكان رأسه للأسفل ويضحك بصمت فنظرت لها وقلت

" شكرا لك يا ملاك لن أنسى وقوفك معنا كله "

قالت متوجهة نحو الداخل " لا تشكرني على واجبي "

نظرت لمعاد فقال " وكأنها ليست داخلة لعزاء "

سرت قائلا وهوا يتبعني " هذه بكت مع وسن حتى جفت

دموعها , بعض البشر يحاول الترفيه عن نفسه وقت الحزن "

قال وهوا يفتح باب سيارته " بل يبدوا حاولت أن ترفه

عنك أنت , هل هذه هي صديقة ابنة خالتك "

فتحت باب سيارتي وقلت وأنا أركبها " نعم "

ثم انطلقنا كلن في سيارته لنصل المطار على الوقت فالطريق

يأخذ حوالي نصف الساعة رغم أننا في العاصمة

وصلنا ونزلنا هناك وجلسنا في صالة الانتظار رأسي للأرض

متكأ على ركبتاي بمرفقاي ولا شيء سوا الصمت رغم

الضجيج من حولنا حتى أعلنوا عن وصول الرحلة فوقفنا ننتظر

حتى دخل جموع المسافرين ورأيت جواد من بينهم وفرح تسير

بجانبه , هوا لم يخبرها حتى الآن كي تصل أولا لأنه يعرفها

جيدا يجن جنونها على شقيقتها إن علمت , توجه نحوي مسرعا

وسابقته الخطوات وتعانقنا عناقا مؤلما بكت له عينا جواد أما

أنا فقد شبعت عيناي وجفت على ما يبدوا , مسحت على

ظهره وقلت " اسأل الله أن يخلفنا فيها خيرا "

قالت فرح بصدمة " من مات !! "

نظرنا لها كلانا فقالت بحدة " تكلما من الذي مات ؟ "

قال جواد ونظره للأرض " والدتي "

شهقت بقوة ثم نظرت لي وقالت بصدمة " وسن "

قلت " بخير لا تقلقي من ..... "

قاطعتني مخاطبة لجواد

" لما أخفيت الأمر عني خذني لشقيقتي فورا "

قال بضيق " فرح علينا أن ننتهي من الإجراءات

أولا ثم آخذك حيث تريدين "

بدأت بالبكاء من فورها فقال بضيق أكبر

" فرح لا تنسي أنك حامل وتوقفي عن هذا "

قالت بحرقة " للجحيم أنا وابنك خذني لشقيقتي قلت لك "

تأفف وتوجه جهة موظفي الجوازات ليختم للدخول , فرح لم

تتغير بل يبدوا ازدادت تعلقا بشقيقتها حتى أنها لم تعزي أي

واحد منا , عاد جواد سريعا وغادرنا المطار وركبا معي

وفرح لم تسكت طوال الطريق وهي تبكي وتردد أن وسن بقت

وحيدة وجواد يحاول تهدئتها , لا استغرب منها أن تتجاهلني فهذه

عادتها لم تعد تطيقني منذ عام وكأني أنا الملام وليس شقيقتها

بعد وقت تذكرت أخيرا أن تعزينا ووصلنا حينها للمستشفى

أولا حسب أوامرها

*
*
جواد لن يتغير أبدا يهوى إخفاء الأمور المهمة عني

لاحظت طوال الفترة الماضية ضيقه وتوتره اللذان تحولا

لحزن هذه الأيام لكني لم أتخيل أن يكون كل هذا يجري

وأنا آخر من يعلم , وصلنا المستشفى ودخلت مسرعة حتى

وصلنا لغرفتها فقال جواد بصوت منخفض " إن كانت

مستيقظة فلا تقتربي منها , ستخرج في الغد أو بعده كحد

أقصى فلا نريد أن تزداد حالتها سوءا "

هززت رأسي بالموافقة وفتحت الباب ببطء ونظرت لها

فكانت مستيقظة وتنظر للسقف بشرود فأغلقته ببطء وبدأت

بالبكاء فقال جواد هامسا بضيق " فرح توقفي ويكفي

ها قد رأيتها بنفسك بخير ومستيقظة فيكفي جنون "

قلت بضيق " مما مخلوقين أنتم الرجال لا قلوب لكم

أتركني أبكي لأرتاح , الدموع تخرج مني أم منك "

ثم تركتهما وخرجت من المستشفى وهما يتبعاني , كان

عليا رؤيتها أولا لأنه سوف يجن جنوني إن لم أرها بعيني

غادرنا المستشفى ووصلنا لمنزل جواد سريعا , دخلت وأول

من وقعت عيني عليه كان والدتي فتوجهت نحوها من فوري

وحضنتها بقوة وبكاء ثم عزاني البقية الموجودين وجلست

معهم وكان كل حديثهم عن والدة جواد كيف ماتت ومتى

تقهقرت حالتها وثمة فتاة تلوذ بالصمت طوال الوقت ولم

أرها قبلا , كنت سأسأل والدتي عنها حين سمعت صوت

نواس من الخارج قائلا " مي "

فوقفت من فورها وذهبت له , هذه زوجته إذا ! لو علمت

بها ما سلمت عليها من أساسه , خرجت بعد قليل من جهة

المطبخ تحمل الشاي والقهوة لتعطيهم له وحمدت الله مئة

مرة أن وسن ليست هنا فقد رحمها الله بأن نامت في المستشفى

وصدق من قال ( قد يكون العذاب رحمة من عذاب أشد منه )

كنت لا إراديا أنظر لها نظرة كره وأتمنى أن تغادر فورا

نظرت لي فجأة وخفضت بصرها سريعا , ومر باقي اليوم

والذي يليه وأنا استقبل فيه زميلاتي الآتي درسن معي في

الجامعة هنا وبعض صديقات وسن الآتي لم يعلمن أنها لم

تخرج بعد من المستشفى وبعض نسوة من أصدقاء لنواس

" فرح أنتي لم تتناولي شيئا اليوم فقفي واطلبي من

فتحية أن تعد لك شيئا تأكليه "

قلت بهدوء " لا رغبة لي في الطعام يا أمي لكنت أكلت "

تنهدت بضيق ونطقت المدعوة مي ولأول مرة أمامي

وقالت " من غير الصحي للحامل أن لا تأكل "

قلت ببرود " أعلم بذلك "

فوقفت واستأذنت ودخلت المطبخ مع فتحية دون أن

تضيف حرفا آخر وقالت أمي بضيق " فرح ما الذي

فعلته لك الفتاة تصبين حزنك وغضبك بها "

قلت ببرود " أنا لم أقل لها شيئا "

قالت بضيق أكبر " يكفي نبرتك وطريقة كلامك ونظراتك

لها , الفتاة لم تشده من شعره ليتزوجها "

قلت بغيض " أمي ارحميني لا أعلم كيف تعاملينها بلطف

كيف نسيتي أنها أخذت مكان وسن وأحرقت قلبها معه "

قالت بحدة " مجنونة ولن تتغيري , الفتاة تعاملني معاملة ابنة

لوالدتها ووقفت هنا ورفعت العزاء واستقبلت الناس وحدها

كيف سأعاملها بقسوة , أنا لم افقد عقلي بعد "

تأففت ولذت بالصمت وعادت تلك للجلوس معنا في صمتها

المعتاد ودخلت امرأتان المنزل , اليوم هوا اليوم الخامس

للعزاء ولم يعد يأتي الكثير وكلهم ينتظرون خروج وسن

ليأتوا لتعزيتها , وقفنا وسلمنا عليهما وجلسنا قليلا ثم دخلت

وسن من الباب بملامح ما تزال متعبة بل يلفها الحزن أكثر

من التعب فوقفت من فوري وهي توجهت مسرعة نحوي

وحضنتني بقوة وبدأت بالبكاء وقالت بعبرة

" ماتت خالتي يا فرح تركتني مثلكم ورحلت "

قلت ببكاء " لا تقولي هذا يا وسن لن يتركك أحد "

قالت بنحيب اكبر " بل تركتموني جميعكم , من مات

مات ومن رحل رحل وبقيت وحدي "

كنا نبكي معا بحرقة , ابكي شقيقتي أكثر مما أبكي فقد خالتها

المرأة الطيبة التي لم أرى منها يوما شيئا سيئا ونمت في

حضنها منذ كنت طفلة , هي ماتت وارتاحت من المرض

والتعب لكن وسن بقيت لتموت مئة موته , توجهت والدتي

نحونا وأبعدتنا عن بعضنا قائلة " يكفي يا فرح هي خرجت

من المستشفى للتو هل تريدي أن تعيديها إليه "

ابتعدت عنها وسلمت عليها والدتي وعزتها ثم توجهت نحو

البقية عزوها وكان دور المدعوة مي , وقفت ومدت يدها

لها وقالت بحزن أو لا اعلم شفقة " أحسن الله عزائك يا وسن "

صافحتها وسن وهي تتجنب النظر لها وقالت بهمس

" شكرا لك "

ثم جلست مع والدتي بنفس الأريكة وغابت بنظرها

للأرض في شرود أو بالأحرى هروب من الواقع

واستقبلنا بعدها عددا لا بأس به من المعزيات من سمع

بوسن وجاء لأجلها حتى مر أغلب النهار ثم وقف نواس

عند الباب من الخارج وقال بصوته الثقيل " مي "

فوقفت تلك من فورها ونظرت أنا لوسن بسرعة , كانت

على هدوئها وشرودها لتتدلى دمعتها من بين رموشها

الطويلة وكأنها تخرج من عروق قلبها وسقطت من نهاية

رموشها لحجرها مباشرة , قطع الله لسانك يا نواس إن

كانت مناداته لفتحية سابقا مزقت لها أحشائها فكيف الآن

هل يتعمد فعل هذا أم ما قصده , بعدها دخلت تلك ونادت

على والدتي لتتبعها للمطبخ ويبدوا شيئا ما ورائها

عدت بنظري لوسن فكانت تمسك معدتها بقوة وكأنها تمزقها

مستندة بيدها الأخرى على الأريكة ورأسها للأسفل فهممت

بالوقوف لها فخرجت منها أنات مكتومة متوجعة , طبع وسن

كتم كل شيء حتى ألآمها وهذا يعني أنها تعاني الآن وبشدة

توجهت نحوها مسرعة وأمسكت يدها وقلت

" وسن أنتي متعبة قفي لأدخلك غرفتك بسرعة "

وقفت معي من فورها ولم تمانع فأخذتها لغرفة جواد سابقا

والتي تكون غرفتها الآن وهي تسير بصعوبة , وصلنا الغرفة

لأفاجأ ببابها مخلوع خلعا , ما فعلتم بشقيقتي يا وحوش ومن

كسر عليها الباب ولما ومؤكد ذاك المتوحش الجلمود المغرور

أخذتها للسرير فاضطجعت عليه وقالت بتعب

" العلاج بقي في سيارة نواس يا فرح أحضريه لي "

خرجت من فوري ووقفت عند باب الصالة وناديت على

جواد فخرج لي فورا من مجلس الرجال فقلت من فوري

" دواء وسن في سيارة شقيقك أحضره بسرعة يا جواد "

قال بقلق " ماذا هناك "

قلت بنفاذ صبر " بسرعة يا جواد وسن تتألم بشدة "

قال بصدمة " لما !! "

قلت بضيق " اسأل شقيقك عن السبب بل أخبره أن

لا يُسمعنا صوته مجددا "

ثم رفعت أصبعي له وقلت بجدية " أقسم يا جواد قسما

بمن خلقني وخلقه إن خسرت شقيقتي بسببه فلن

يريحني إلا دمه وعلى يدي أيضا "

تأفف في وجهي ثم التفت ونادى قائلا " نواس "

خارج ذاك من فوره ينظر لنا بقلق ثم قال

" ما بكم "

قال جواد " أحضر دواء وسن من سيارتك "

ثم نظر لي وقال " إن كانت حالتها سيئة فلا تستمعي

لرفضها ودعينا نعيدها للمستشفى "

أدار نواس جواد جهته وقال " ما بها "

دخلت حينها قائلة ببرود

" نادني أنا يا جواد لآخذ الدواء منك "

عدت جهة غرفة وسن فقابلتني والدتي قائلة

" نواس أرسل علاج وسن مع مي لكني لم أجدها في الغرفة

تبدوا في الحمام فأخبريها عنه ما أن تخرج فعليا العودة لـ... "

قاطعتها بصدمة " أرسله لها مع زوجته !! ما يعني بهذا "

قالت مغادرة " بل أخبرها أن تعطيه لك أو لي "

غادرت أتمتم بسخرية " يالا حنيته "

*
*
ما أن غادرت فرح حتى التفت لي جواد وقال

" نواس إن أردت شيئا من الداخل أخبرني لأخبر

فرح ولا تنادي أحد ولا تتصل بأحد "

نظرت له مطولا باستغراب أحاول ترجمة معنى ما يقول

وسببه وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى شق صمتنا

صرخة فرح المدوية " جواااااااااد "

فلم أشعر بنفسي ولم اترك المجال لجواد ليتحرك ودخلت

الصالة ركضا وتوجهت من فوري لغرفة وسن لأني رأيت

والدة فرح تركض لها , فتحت باقي الباب بقوة ودون وقوف

لأرى ما يجري ثم توجهت نحو الملقاة أرضا أمام باب الحمام

مغمى عليها وحملتها بين ذراعاي وخرجت بها من الغرفة

أجتاز كل النسوة الآتي كن هنا ووقفن بالمقربة من الباب

منشغلات بسبب صرخة فرح , خرجت بها مسرعا للسيارة

وانطلقت من فوري وأنا أرى فرح تخرج مسرعة خلف جواد

ويبدوا ليلحقا بنا , ما كان علينا إخراجها من المستشفى قبل أن

تصح جيدا , كان رأي جواد خاطئ جدا وأنا أطعته فيه وها هي

النتيجة , كنت ألتفت لها للخلف كل حين وهي على حالها كالميتة

على الكرسي الخلفي ودمعتها ما تزال معلقة في رموشها , لما

يحدث معنا كل هذا يا وسن !! موت أمي كان فاجعة لنا جميعا

لما أنتي يقتلك أكثر ؟ هل تحبينها أكثر منا أم فقط لأنك ترينها

آخر أهلك أم لسبب آخر , منذ توفي والدي وحياتي تعاني التقلبات

الدائمة فأسوء سنين حياتي تلك التي عشتها خارج هذه البلاد أعمل

في البناء في رفع الحديد والإسمنت والطوب ولم أترك شيئا لم

أعمله حتى غسل الأطباق في المطاعم لأوفر لوالدتي وشقيقي

لقمة العيش ولا يحتاجا لأحد , إحدى عشر سنة قضيتها هناك

أحرث على جسدي وصحتي وأخرج المال من تحت الصخور

وبعدما عدت هنا ضننت أن الحياة ابتسمت لي , سأعيش مع

عائلتي في منزل كبير ومستقل عكس تلك الغرف المتهرئة التي

كنا نعيش فيها , وحضن دافئ عكس الغربة المريرة التي نخرت

قلبي بل ووجدت هدية أروع تنتظرني وهي الطفلة ابنة الأربع

سنوات أصبحت امرأة تضج أنوثة تنتظرني كهدية على سنين

غربتي وتعبي ونسيت في غمرة سعادتي بتلك العودة أن تقلبات

حياتي قد لا تتركني فوجدت نفسي فجأة من دون تلك

الحسناء ولا شقيقي ولا حتى والدتي التي رحلت رحيلا

أوجع من رحيلهما كليهما رحيلا أبديا مؤلما

نظرت للنافذة حيث سيارة جواد وهوا يؤشر لي على عداد

السرعة في سيارته ثم عاد للوراء فنظرت له فكان يؤشر

لتخطيا السرعة المسموح بها في الطرقات الداخلية فخففت

السرعة ووصلنا المستشفى بعد قليل , نزلت وأنزلتها وهما

يتبعانني وأعدناها للغرفة التي لم تغادرها إلا اليوم وبقينا

نحن في الخارج ووقفت مبتعدا عنهما تجنبا للاحتكاك بفرح

فلن أتحمل هذه الإنسانة أكثر وأخشى من أن تفقدني أعصابي

بعد قليل خرج الطبيب وتوجهت نحوه فقال دون أن نسأله

" سوء تغذية وفقر دم حاد وتبدوا تناولت الدواء على معدة

خاوية , المسكنات يلزم أخذها بعد الطعام "

قالت فرح " هل ستكون بخير "

قال " عند الصباح ستكون أفضل فاهتموا بطعامها وأكرر

وأقول الراحة النفسية أمر ضروري وحثوها على عدم

الانزواء على نفسها وكبت انفعالاتها "

أمسكت فرح فمها بيدها وبدأت بالبكاء وغادر الطبيب فقال

جواد بتذمر " فرح لا تنسي أني اشترطت عليك قبل مجيئنا

أن لا تبكي ولا تتكلمي لتأتي معي فوافقتِ "

لم تزدد إلا نحيبا فاحتضنها وقال بهدوء " يكفي حبيبتي

هي بخير وستخرج غدا فارحمي نفسك أنتي أيضا هل

تفكري بها فقط وتنسي صحتك "

قلت وأنا ابتعد عنهما قليلا

" اتركها تدخل لها يا جواد فسترتاح إن كانت بجانبها "

توجه بها جهة الغرفة فتحها ودخلا معا وبقيت وحدي مستندا

بالجدار ومتكأ برأسي عليه حتى وصلت رسالة لهاتفي فأخرجته

فكانت من مي فتحتها فكان فيها ( تعالى لإرجاعي للمزرعة الليلة )

اتصلت بها من فوري فأجابت بعد وقت فقلت

" من أزعجك يا مي ولما تريدين المغادرة "

قالت بصوت منخفض " لا أحد أقسم لك يا نواس

لكني أريد العودة للمنزل "

تنهدت وقلت " كما تريدين وما أن أتمكن من

المغادرة سأذهب لإيصالك "

قال بهمس " شكرا لك ..... وداعا "

أعدت الهاتف لجيبي لحظة خروج جواد من الغرفة

وقف بجانبي وقال ونظره على قدمه الممدودة أمامه

على الأرض " ما ستفعل الآن بشأن وسن "

قلت بهدوء ونظري على الممر في الجانب الآخر

" ستبقى معي طبعا "

نظر لي فعدت بنظري تحتي وقلت

" والدتي رحمها الله أخذت مني عهدا أن أتزوجها "

وقف مستوي على طوله ومقابلا لي وقال بصدمة

" متى !! "

نظرت له وقلت " قبل وفاتها ومرضها الأخير بمدة "

قال بعد صمت " وهل ستفعل ذلك "

عدت بنظري للأرض وقلت " نعم لكن ليس الآن "

قال " ولما !! "

تنهدت وقلت " لا أستطيع يا جواد لا أستطيع "

قال بجدية " زوجها بغيرك إذا "

هززت رأسي بلا فقال بضيق " لا اعلم أي دماغ هذا الذي

لديك أيعجبك حالكما هكذا ارحمها بإحداهما وأشفق على حالتها "

لذت بالصمت فقال ببرود " لما رفضت سليمان كان

حلا مناسبا لكل شيء وهي وافقت عليه "

ابتعدت من على الجدار وقلت " كلانا قطع عهده لوالدتي

وما قلته لك اتركه سرا بيننا يا جواد حتى يحين وقته "

نظر للممر الآخر وقال باستغراب

" ما سر كل هذا الانتشار الأمني في المستشفى "

نظرت حيث ينظر وقلت " منذ أيام وهم على هذا الحال

يبدوا ثمة حالة مهمة في هذا المستشفى "

نظر بتركيز لوقت ثم قال

" ذاك أليس شقيق معتصم رئيس الشرطة الجنائية "

نظرت حيث ينظر ثم قلت

" لا اعلم لم أره سابقا إلا في الصحف "

هز رأسه بنعم ثم قال ونظره لازال عليه

" وأنا لم أره سابقا سوى مرة واحدة لأن معتصم

كان يهرب بي من القصر قبل قدومه "

قلت بابتسامة صغيرة " معه حق يهابه يبدوا شخصية

مسيطرة وقيادية من هيئته وملامحه الحادة "

أومئ بنعم فقلت " خذ زوجتك للمنزل "

نظر لي وقال " وأنت "

قلت " سأذهب لأخذ مي للمزرعة وأعود هنا "

قال بهدوء " لا جدوى من البقاء معها خذ زوجتك ونم

الليلة وارتاح والصباح لكل حادث حديث "

أبعدت نظري عنه ولم أتحدث فقال " وما أخبارك وزوجتك "

هززت رأسي بدون كلام فقال " أتمنى ذلك "

ثم توجه للغرفة دخل وخرج بعد وقت وفرح تتبعه قائلة

" وما في الأمر إن بقيت معها "

قال وهما يبتعدان " فيه أنه عليك المغادرة وستخرج لك غدا "

تنفست بقوة ونظرت لباب غرفتها مطولا ثم غادرت

المستشفى ووصلت المنزل واتصلت بمي لتخرج لي

وما هي إلا لحظات وخرجت وركبت السيارة وانطلقنا

وقالت بعد قليل " كيف أصبحت الآن "

قلت ونظري على الطريق

" ستخرج غدا , مجرد فقر دم وسوء في التغذية "

نظرت ليديها في حجرها لوقت ثم قالت

" سأبقى في المزرعة فلم يعد لوجودي من داعي "

قلت بهدوء " مي ماذا حدث صارحيني "

نظرت لي وقالت " أقسم لم يحدث شيء "

قلت ونظري لم يغادر الطريق " ولا بينك وبين وسن "

قال من فورها " لم تتحدث معي مطلقا , فقط أنا أشعر أني

سبب مرضها وتعبها وكرهت وجودي كجدار بينكما "

قبضت على المقود بقوة وقلت " أنتي لست الجدار بيننا

يا مي فلا تُحملي نفسك إثم أمور ليس لك فيها أي يد "

عادت بنظرها ليديها وقالت " في وجهة نظرها هي على الأقل "

ثم تابعت بحزن " ليتك لم تتزوجني يا نواس أو لم تضع

ذاك الشرط لزواجك بي , لما قتلتها وقتلت نفسك "

قلت بهدوء " لننهي الكلام في الأمر "

لاذت بالصمت ولم تعلق وساد الصمت حتى وصلنا المزرعة

ونزلنا وتوجهت من فوري لغرفتي استحممت وغيرت ثيابي

وخرجت عائدا للمستشفى من جديد وتوجهت من فوري

لغرفتها فتحت الباب ودخلت ببطء وجلست بجوارها أراقب

ملامحها المتعبة النائمة وهي تغضن جبينها بين الحين

والآخر دليل التألم لتخرج منها أنة صغيرة لا تتعدى مجرى

حنجرتها , أدخلت يدي في جيبي وأخرجت الورقة منه

ودسستها لها بين أنامل يدها وأطبقتهم عليها بيداي وقربتها

لشفتاي ثم ما لبثت تلامس يدها الناعمة حتى أعدتها حيث

كانت وأشياء كثيرة منعتني عن فعل ذلك , ثم خرجت من

عندها واتصلت بجواد وأخبرته أن يأتي هوا غدا

لإخراجها وعدت أنا للمزرعة

*
*
مر قرابة الأسبوعان لم استمع فيهما لبرنامجي المفضل على

المذياع , عددت بأصابعي ثم تنهدت بضيق ... ست حلقات

مع اثني عشرة إعادة ضاعت في أيام مرض خالة وسن ووفاتها

وضعت السماعات في أذناي وكان البرنامج قد بدأ للتو , اليوم

سأستمع لجميع المداخلات باستمتاع عكس السابق وهذا من كثرة

ما اشتقت لهم وافتقدتهم , لم أصدق نفسي حين كانت المداخلة

لأحزان السنين فليس من عادته أن يكون من المتصلين في الجزء

الأول من الحلقة , قال بهدوء " مساء الخير صفوان وكل

متابعي برنامجك الرائع "

قال المذيع بصوت مبتسم " مساء الخير وحمدا لله على السلامة "

فتحت عيناي بدهشة , ما الذي حدث بعدي ولا اعلم عنه !!

قال أحزان السنين " سلمك الله كان حادثا بسيطا جدا

فقط احتجت لوقت لأتعافى جيدا "

ضحك المذيع وقال " قلقنا عليك بعد اتصالك لتخبرنا

بالحادثة وصوتك كان متعب جدا "

أمسكت قلبي وتنفست بهدوء , حمدا لله أني تغيبت

هذه الفترة لكنت مت من الانشغال عليه

قال بصوت مبتسم " آسف حقا لكني لم أرد أن أتغيب لحلقتين

دون أن أقدم أعذاري لأنكم بتم عائلتي الثانية "

قال المذيع بعد ضحكة " نعم فيكفينا غياب

مرجان وملاك الطويل "

اضطربت دقات قلبي وأنا أنتظر تعليقه لترتفع

دقاته أكثر وهوا يقول " ملاك الليل غابت كثيرا

وشغلتنا عليها أتمنى أن تكون بخير "

قال المذيع " سنتمنى أن تتصل بنا الليلة فأميات

الليل كما يقولون تتحقق سريعا "

قال بضحكته الهادئة

" إذا لن أتمنى أميه في الصباح بعد اليوم "

ضحك المذيع كثيرا ثم قال

" إذا تمنى شيئا فهذا محور حلقتنا اليوم "

قال بصوت بتسم " سأتمنى مثلك أن تتصل ملاك الليلة

وتطمئنا عليها وطبعا أن لا تحزن إن سرق الحزن أياما

من سنينها , وعمتم مساءا "

من الفرحة حضنت الهاتف لوقت وعيناي مغمضتان

هل الحب جميل هكذا ؟ هذا وأنا لم أره بعد آه يا قلبي

استمعت لباقي المداخلات ولم أتصل حتى مقربة نهاية

الحلقة كي لا أظهر بمظهر من كانت تتعمد أن لا

تتصل , أدخلوا مكالمتي على الحلقة فقلت

" مساء الخير صفوان "

قال بصوت مبتسم " مسائنا جميل اليوم وتحققت

فيه أمنيتنا واتصلتِ لنعلم أنك بخير "

قلت بهدوء " آسفة حقا كان لدي ظرف عائلي وتوفيت قريبة

لي فلم أتمكن حتى من الاستماع لحلقات البرنامج "

قال " أحسن الله عزائكم في الفقيدة وجعل مثواها الجنة "

قالت بهمس " شكرا لك "

ثم تابعت بهدوء " أشكر كل من افتقدني وأشكر شكرا

خاصا أحزان السنين وحمدا لله على سلامته

لو أخبرنا بسم المستشفى لزرناه "

ضحك المذيع وقال " لن يتسع المستشفى لنا

فالجميع سيذهب لزيارته "

اكتفيت بضحكة دون تعليق ولو كان الأمر بيدي لقلت

سأقطع سيقان من ستذهب إليه غيري , قال بهدوء

" ماذا ستتمنى ملاك في هذا المساء "

قلت بحزن " يبدوا أن هذا المساء تتحقق فيه الأمنيات

لذلك سأتمنى لصديقتي المقربة لي أن تجمعها الحياة

بحبيبها مجددا لأنهما تعبا كثيرا وأنا منشغل بالي عليها "

قال بهدوء " نتمنى لك ولصديقتك السعادة الأبدية "

قلت مبتسمة " أنت تغش يا صفوان فانظر كم أمية

تمنيتها الليلة ونحن لنا واحدة فقط "

ضحك كثيرا ثم قال " هذا لأني أريد لجميع أمنياتكم أن تتحقق "

قلت " شكرا لرحابة صدرك وتصبحون على خير جميعا "

انتهى بعدها البرنامج وأنا أتمنى من قلبي أن تتحقق أمنيتي

بالفعل وترجع وسن لابن خالتها ويكونا معا حتى آخر العمر

*
*
جلست متكأ بمرفقاي على ركبتاي ونظري للأرض

وفرح ووالدتها يجلسان أمامي وقالت فرح

" لم تجبني يا جواد وسن ما مصيرها "

بقيت على صمتي فقالت والدتها " هل تحدثت ونواس في الأمر "

نظرت لهما وقلت " نعم واتفقنا "

قالت فرح " اتفقتما على ماذا "

تنهدت وقلت " على ما فيه مصلحة الجميع "

نظرتا لبعضهما باستغراب فقلت " طائرتنا بعد يومين يا فرح

ونواس سيتكفل بالأمر , لم أتمكن من تأجيل الرحلة أكثر "

وقفت وقالت " أنا لن أذهب معك "

نظرت لها بصدمة وقلت " ما تعني بذلك !! "

قالت بجدية " لن أذهب لأي مكان بدونها وسأبقى

هنا معها وفي شقتنا "

************************************************** **

انفتحت عيناي من الصدمة وقلت بدهشة

" ماذا تعني بهذا يا رهام "

قالت بضيق " أعني ما سمعته جيدا وما حدث أمام عيناي "

قبضت على الهاتف في يدي بقوة حتى كدت أحطمه بين

أصابعي وقلت بغيض " إذا صدقت توقعاتي وهوا لم ينكر "

قالت " ولم يؤكد ذلك أيضا لكن تلك الطفلة أجرأ وأقوى مما توقعنا "

وقفت وقلت " وداعا الآن يا رهام "

قالت بسرعة " ما الذي ستفعلينه "

قلت " سأتأكد من ذلك بنفسي "

قالت " أعلميني بكل جديد إذا "

قلت وأنا أخرج ملابسي وحجابي " حسنا ووداعا الآن "

غيرت ثيابي وخرجت من المنزل , لم أخدمه ووالدته كل

هذه السنين وانتظرت وضيعت عمري لتأتي هي أو غيرها

لتأخذه في غمضة عين , أنا الغبية من البداية لو كنت صارحته

منذ زمن في رغبتي أن أكون زوجة له وأن أبقى مع والدته

لكن البعثة ضاعت منه يا مغفلة , حسنا كنت أخبرته أني سأعتني

بوالدته وأكون زوجة له فما في الأمر إن قلتها له أفضل من

أن تركته ضاع مني لغيري , لا لم يضيع ولن يضيع أبدا

خرجت وركبت سيارتي قاصدة منزلهم

*
*
أبعدتْ يدي وقالت بتألم وهي تحاول سحب

يدها الأخرى من قبضتي " آآآآآي "

أمسكت يدها بقوة وقلت " تحملي قليلا يا سما "

قالت وهي تقبض عيناها بيدها الأخرى

" مؤلم ألا طريقة غير هذا .... آي بالرفق نزار أرجوك "

قالت والدتي ضاحكة " لم أعرفك مدللة هكذا من قبل "

قالت وهي تمسح دموعها " لم أستطع احتماله مؤلم كثيرا "

قالت بصوت مبتسم " معقم الجروح هكذا لا أحد يحبه

لكنه ضروري لقتل الجراثيم "

قالت وهي تهف على الجرح بيدها الأخرى

" كنت أرى شقيقي سامي كيف يبكي حين يعقمون له جرحه

عندما وقع من الدراجة لكني لم أتصور الألم فضيعا هكذا "

قلت وأنا ألفه بالشاش " لو لم يكن المستشفى خطرا عليك

هذه الفترة لأخذتك للطبيب ليعقمه ولن تتكلمي أمامه يا مدللة "

قالت بضيق " بل هوا لن يعقمه كثيرا مثلك فلم

يبقى سوا أن تسكب باقي القارورة عليه "

لم أستطع إمساك ضحكتي التي خرجت عالية فأبعدت يدها

وقالت بضيق أكبر " خالتي انظري لابنك ما يفعل "

قالت أمي ضاحكة " سيرى عقابه منا لا تقلقي "

وقفت لأن جرس الباب يُقرع وقلت مغادرا الغرفة

" متفقتان ضدي دائما ولا أحد لي وستريان أنتما أيضا "

فتحت الباب فكانت دعاء , لم استطع أن انظر لها نظرتي

المحترمة السابقة ولم استطع أن أنسى ما فعلته من أجلي

ووالدتي فقلت " مرحبا تفضلي بالدخول "

قالت مبتسمة وهي تدخل " لم أجد المفتاح صباحا فقررت

أن أزورها وقت وجودك لتفتح لي "

قلت وأنا أدخل أمامها " ما كان عليا أن أثق في الجميع

وأترك أحدهم يفتش غرفنا ويفسد طعامنا لذلك رفعت

المفتاح وغيرت القفل ولا أريد أن أتهم شخصا معينا "

سكتت لوقت ويبدوا ألجمتها الصدمة ثم قالت ونحن نقترب

من غرفة والدتي " ومن سيفعل ذلك ؟ قد تكون توهمت "

قلت وأنا ادخل " بلى متأكد من ذلك "

دخلت خلفي وسلمت على والدتي وسما وقالت

" سلامتك ما بها يدك "

لم تجب سما ونظرت لي من فورها وقالت والدتي

" جرحها السكين وخاطوه لها وجاءت سليمة "

نظرتْ لأدوات الصيدلية المنزلية على الطاولة وقالت

" ولما تعقمونه في المنزل أو كنتم اتصلتم بي وأنا سأتكفل بهذا "

قالت سما وهي تخبأ يدها خلف ظهرها " شكرا نزار يقوم بذلك "

نظرت لي وقالت مبتسمة " لكن نزار مهندس وأنا الممرضة "

خرجت حينها سما من الغرفة ونادتني من خارجها فخرجت

لها على نظرات دعاء المصدومة , وقفت أمامها فقالت بهمس

" لا أريدها أن تفعل ذلك فلا توافق كي لا أحرجك معها "

قلت بابتسامة " لا تقلقي لن أوافق رغم أنك تستحقين

كي لا تنتقديني مجددا "

صدمتني دموعها التي نزلت لتتركني راكضة جهة السلالم

ثم صعدت للأعلى فتنهدت وصعدت خلفها وصلت باب

غرفتها وطرقته قائلا " سما كنت أمزح فقط "

ولم تجب فتركتها ونزلت , أعرفها حساسة جدا لكنها بقلب

أبيض ستنسى سريعا ما حدث , فقط عليا تركها وحدها الآن

*
*
ما أن خرج نزار حتى نظرت لي دعاء وقالت

" هل أخطأت في شيء "

قلت " لا .... كيف حال والدتك وشقيقتاك "

جلست وقالت وهي تتعمد العودة لذات الموضوع

" تبدوا سما مدللة كثيرا أو أنكم تفرطون في

تدليلها وخصوصا نزار "

لم أستطع كتم ابتسامتي ثم قلت " سما ليست مدللة مطلقا

ولكنها حساسة بعض الشيء ونزار كما تعرفيه لم يتغير

بقلب حنون ولا يحب أن يجرح أحدا "

وقف حينها نزار عند الباب وقال

" سأخرج قليلا يا أمي ولا تتركي سما تعد الطعام "

قلت باستغراب " أليست في المطبخ الآن !! لما لم تكلمها "

قال مغادرا " بل غضبت مني وأغلقت على نفسها باب غرفتها "

وهنا تحول وجه دعاء لشيء لا يمكن وصفه وبعدما سمعنا

صوت إغلاقه للباب نظرت لي وقالت " نصحتها أن لا

تأتي وتكلمه وتنساه للأبد لكن رهام متهورة دائما وعلى

نزار أن يحذر منها بعدما حدث منه وسما أمامها "

نظرت لها بحيرة فيبدوا ثمة ما حدث كما توقعت وأنا

لا أعلم به , قلت " نزار يُعد رهام ماضي وانتهى "

قالت بابتسامة جانبية " هي لا تعده كذلك

وقد فاجأها ما عرفته بالأمس "

قلت " وما الذي تريده رهام منه الآن وهي

التي تركته وتخلت عنه "

قالت بابتسامة سخرية " كان بالنسبة لها فرصة وحين

وجدت أفضل منها تركتها وبعدما فقدت الآخر

عادت الآن تبحث عما أضاعته سابقا "

هززت رأسي بيأس وقلت " لا أعلم كيف تفكر هذه وهل

تضنه لعبة في يدها ترمها ثم ترجع لها متى تريد "

قالت بعد تردد " هل صحيح نزار سيتزوج من سما "

نظرت لها باستغراب فأبعدت نظرها وقالت

" أعني هل صحيح ما قصداه بما حدث أمامها

أم كانت تمثلية ليتخلص منها "

قلت بحيرة " وما الذي حدث أمامها "

نظرت لي بصدمة وقالت

" ألم يخبرك أحد !! ظننتك تعلمين بالأمر "

قلت " لا ... لا علم لي فأخبريني أنتي "

لاذت بالصمت مطولا ثم سردت ما قالت لها رهام أنه

حدث أمامها وأنا أستمع لها بصدمة ثم قلت بضيق

" وما علاقة سما لتريها تلك الصورة "

قالت بارتباك " قد تكون ظنت أنه ثمة شيء بينهما "

قلت مباشرة " ومن أخبرها عنها لتظن "

توترت كثيرا ثم قالت " صراحة عندما أزعجتني بكثرة

إلحاحها أن أتكلم معه وأسأله عن مشاعره نحوها أخبرتها

أن ثمة قريبة له تعيش معكم وقد يكون يحبها لتبتعد

عنه ولم أتخيل أن تفعل هذا "

قلت بضيق " ولكنك أخطأت بفعل ذلك يا

دعاء وتسببت بمشاكل للجميع "

قالت بارتياح " هل تعني أنه ما حدث أمامها كان

تمثيلية منهما فقط وليس حقيقة "

قلت ببرود " لا أعلم "

قالت بعد صمت ونظرها على يديها

" صراحة أناآآ ... أقصد .... أود أن "

قلت " ما بك يا دعاء لما التردد وما الذي تودين قوله "

قالت ونظرها لا يزال للأسفل " صراحة أريد معرفة إن

كان نزار يقبل الزواج بي وسأخدمكما وأساعده في توفير

المال ومصاريف المنزل والعلاج أيضا , أنا متأكدة من

أنك تعلمين بما أقول من قبل أن أقوله وأريد معرفة

رأيه دون أن يعلم أنني تحدثت معك "

تنهدت وقلت " لا أستطيع أن أعدك بالكثير لكنني سأحاول "

وقفت وقالت " عن إذنك الآن "

ثم خرجت من فورها هاربة من فضحها لمشاعرها

واتكأت أنا للخلف أنظر للباب بشرود وفي حيرة من

أمري فعليا أن أتأكد من بعض الأمور أولا قبل أن أسأله

ما أن غادرت دعاء حتى دخل نزار وكأنه كان يهرب

منها , وقف عند الباب وقال " لم تنزل سما بعد ؟ "

هززت رأسي بلا فغادر جهة المطبخ وبدأت أصوات

الأواني وكأنه في حرب وطار كل ذاك الهدوء حين كانت

سما تعد الطعام وكأنه لا يوجد أحد في المطبخ , بعد وقت

جاء يجر الطاولة للداخل فقلت مبتسمة " انتهيت من

إعداده سريعا يبدوا أن عشائنا الليلة بيض مسلوق "

ضحك وقال " بل أكلتك المفضلة في العشاء فقد كتبت

لي سما طريقتها بالأمس "

قلت بصدمة " وكيف أعددتها سريعا هكذا "

قال " هي سهلة فقط سما تعقدها بكثرة طهوها "

قلت بابتسامة " الحكم على الطعم كما كنت تقول لها "

ضحك وقال مغادرا " سأناديها كي لا يفوتها طبق اليوم "

عاد بعد قليل وهي تتبعه وكأنها لم تغضب منه منذ قليل

دخلت وهوا غادر جهة المطبخ فقلت مبتسمة " هذه فرصتك

لتنتقمي منه , هيا اجلسي فقد نبات الليلة بلا عشاء "

جلست وقالت بابتسامة " لن ننتقده قبل أن

نشبع كي لا نخسر كل شيء "

ضحكت وقلت " معك حق "

دخل حينها بالصينية تخرج منها الأبخرة ثم وضعها على

الطاولة وقال مبتسما " ما رأيكم في الشكل قبل الطعم "

نظرتُ لسما فكانت تنظر للصينية بصدمة ثم

نظرت لي فقلت " لا حكم إلا على الطعم "

جلس وقال " لن ترفعا الملاعق إلا وهوا فارغ

أنا متأكد أنكما لن تقاوما طعمه "

نظرنا لبعض نكتم ضحكتنا وهوا يسكب لنا في الأطباق

وضع أحدهما أمامي والآخر أمام سما فنظرت لما فيه

بصدمة ثم لسما التي كانت تنظر لطبقها بصدمة لا تقل

عن صدمتي وقال نزار بثقة " هيا أعطياني رأيكما في طعمه "

رفعت الملعقة وتذوقت منه قليلا فلم أستطع مضغه فحاولت

بلعه مباشرة فغصت اللقمة وبدأت بالسعال فوقفت سما

بسرعة وناولتني كوب ماء فأخذته منها وقلت بهمس

" لا تخاطري بحياتك "

قال نزار " فيما تتهامسان "

قلت من فوري " لا شيء شكرتها فقط "

نظر لي بتشكك وقال " إذا أعطني رأيك "

قلت بابتسامة صفراء " لقد شرقت ولم أتذوقه

جيدا وحلقي أصبح يؤلمني "

نظر جهة سما التي لست مكانها وقال " تذوقي

وأعطني أنتي رأيك إذا "

هزت رأسها بلا دون كلام فقال " هكذا إذا ستأكلانه كله

أو لا طعام بعد اليوم إلا البطاطا المقلية "

نظرنا لبعضنا بصدمة ثم قالت سما " تأكل خالتي معي أو لن آكل "

أمسكت رقبتي وقلت " حلقي لا يمكنني ذلك "

وضع نزار يديه وسط جسده وقال بضيق

" ما المعنى مما تفعلان , هل هذا جزائي على تعبي "

قالت سما وهي تحرك الطعام بالملعقة " البصل لم ينضج

بعد واللحم محترق من الخارج ونيئ من الداخل , الأرز

نصف نضج والباذنجان سميك جدا و.... "

قاطعها قائلا " ليست أول مرة أطهوا فيها , هي نفس

مقاديرك فقط الطريقة مختلفة "

نظرت سما لي فهززت لها رأسي بمعنى نأكل وأمرنا لله

وبدأنا نجبر أنفسنا على الأكل وكل واحدة منا تمضغ اللقمة

مرتين فقط ثم تتبعها بالعصير لتبلعها حتى كدنا ننهي الإبريق

كله وهوا ينظر لنا حتى قالت سما " لما لا تأكل أنت "

مد يده وسحب صحن البطاطا وقال

" أنا لم أتذمر من البطاطا المقلية وهي تعجبني "

وبدأ يأكلها ونحن أكلنا طبخته السيئة تلك حتى امتلأت بطوننا

ثم وقف وجمع الأطباق في صمت وأخذهم للمطبخ ثم عاد

سريعا وقال " لا يزال هناك القليل كلاه بدلا من أن نرميه "

قالت سما مغادرة بسرعة لخارج الغرفة

" عليا أن أدرس وأجهز أغراضي "

وعدلت أنا جلستي على السرير وقلت

" تناوله أنت لأنك لن تشبع من البطاطا فقط "

غادر للمطبخ وبعد وقت صعد لغرفته من توقف ضجيجه

في المطبخ وبعد حوالي الساعتين دخلت سما وقالت بصوتها

الهادئ " خالتي معدتي تؤلمني "

وكانت تمسكها فضحكت وقلت " لست بأفضل حالا منك

هذا لأننا لم نمضغه جيدا فتعسر على معدتينا هضمه "

أمسكت فمها وركضت جهة الحمام ويبدوا أنها ستتقيأ

ثم خرجت بعد وقت تمسح فمها بمنديل ورقي وقالت

" حمدا لله الآن فقط أشعر بالارتياح "

قلت مبتسمة " في المرات القادمة قفي على رأسه

حتى ينهيه على طريقتك "

ثم ضحكنا كلينا وقالت " أذا لن نقرأ روايتنا الليلة لأنك متعبة "

قلت مبتسمة " لا عليك بنيتي لا تؤلمني كثيرا "

جلست وقالت " إذا نقرأ "

مددت لها الرواية وقلت

" أجل فقد تشعرني بالغثيان وافرغ معدتي مثلك "

قالت بهدوء " ألا حل غيره "

قلت مبتسمة " ثمة حل غيره فهل ستساعدينني فيه "

قالت من فورها " بالتأكيد "

مددت يدي لها وقلت " إذا ساعديني على الوصول

للحمام لأفرغ ما في معدتي "

أوصلتني للحمام وأفرغت كل ذاك الشبيه بالأكل ثم

خرجنا وأنا أقول " آسفة صغيرتي لما رأيته للتو "

وضعتني على السرير وقالت وهي تغطي لي ساقاي

" لا عليك خالتي رأيت قبله شيئا مشابها له "

ضحكنا كلينا ثم قلت " لم يُهضم أبدا لازال كما هوا "

وعدنا مجددا للضحك ثم جلست وأمسكت الرواية , فتحت

حيث توقفنا آخر مرة وبدأت بالقراءة (( نظرت للخلف بريبة

مخافة أن يكون فراس فكان وائل أمامي ولأول مرة لا يسمعني

صاحب المسبة , توجه نحو الطاولة أخذ مفاتيحه من عليها

وقال ونظره علي " لازال فراس في الخارج "

نظرت له بصدمة , هذا تهديد واضح وصريح

نظر لي بسخرية فقلت بابتسامة " وإن يكن "

أمسك بخصلة من شعري وقال بمكر وهوا يلعب

بها بين أصابعه " سأخبره يا زوجة والدي العزيزة "

قلت برجاء " وائل هل يرضيك أن يؤذيني , أنت

تراه كيف يفقد أعصابه بسهولة وأنا ضعيفة ومسكينة "

غادر ووقف عند الباب وقال موليا ظهره لي

" إذا أسكت عنك ولكن بشرط "

قلت بتذمر " ما بكم أنتم مع الشروط وكأنكم

تنتظرون قدومي لحل مشاكلكم "

التفت لي وقال " ومن هذا الذي حللت له مشكلة "

قلت مغيرة مجرى الحديث " هيا قل ما هوا شرطك لننتهي

من هذه المسالة وينقطع لساني إن تفوهت بعد اليوم بشيء

لأنكم على ما يبدوا تترصدون لي عند الأبواب "

ضحك وقال " أولا تُعدّين لي الفطور كاليوم كل صباح "

قلت بصدمة " ماذا كل صباح !! "

قال بابتسامة جانبية " هذا أولا فقط "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " لا يا عم هوا

طلب واحد فقط ثم أنت قلت أنه سيء ولن أصنعه لك مجددا "

قال مغادرا " إذا سأخبره "

تبعته راكضة وقلت " انتظر لنتفاهم أولا "

قال مغادرا " ورائي محاضرات ولا وقت لدي لك "

ثم خرج من باب المنزل فصعدت لغرفتي راكضة كي لا

يعود لي فراس بعد أن يخبره , صعدت مسرعة ودخلت

غرفتي وقفت عند النافذة أراقب حتى خرجت سيارة وائل

لكن سيارة فراس لم تخرج , يبدوا أنه خرج قبله وذاك

المحتال كان يكذب علي , طرق أحدهم باب غرفتي ففتحت

فكان عمي رياض الذي قال مبتسما " ما بها رُدين تركض هاربة "

قلت بابتسامة " صباح الخير عمي "

قال بحنان " صباح النور هيا انزلي لتشربي معي شاي الصباح "

لم أستطع قول أني فطرت أو أن أرفض طلبه فنزلنا معا وكان

يتحدث معي وأنا أضحك وتوجه هوا لغرفة الجلوس ودخلنا

أنا للمطبخ لأُحْضر له الشاي فشهقت بصدمة وأنا أرى فراس

يجلس على الطاولة حيث تركت طعامي ويتناوله فنظر لي

ثم عاد بنظره للطعام وقال " ما بك شهقتي وكأنك رأيت

ملك الموت وأنتي للتو كان ضحكك سيوقع الجدران "

تجاهلته وتوجهت حيث أبريق الشاي ودخلت عمتي

سعاد قائلة " صباح الخير ما هذا النشاط اليوم "

قال فراس بابتسامة جانبية " أنا ووالدي وأنتي هذا

وقتنا منذ سنوات فمن تعني بالنشيط اليوم "

توجهت نحوه وأخذت كأس الشاي من أمامه وقلت

" هذا أعدّته الكسولة ولن يعجبك فانتظر

خادمتكم النشيطة حتى ترضى عنك "

ثم سكبت ما كان فيه في المغسلة وغسلته وأعدته

للخزانة وسكبت آخر لعمي رياض وأخذت معي أبريق

الشاي أيضا وخرجت من الطبخ قائلة " عمتي إن كنتِ

تريدين شرب الشاي معنا فأحضري كأسا لك "

وخرجت من المطبخ مبتهجة , يبدوا أن وائل لم يخبره

جيد يبدوا يملك بعض المميزات لولا الغرور الزائد عنده

لكن عليا معرفة خباياه أولا فقد يكون كأشرف , دخلت الغرفة

ووضعت صحن التقديم على الطاولة وسكبت الشاي وقدمته

لعمي رياض ودخلت عمتي سعاد تحمل كأسا في يدها وقال

هوا ضاحكا " ما بكم وكأنكم تهربون بالشاي من أحدهم "

ضحكت وقالت وهي تجلس بجانبه " هذه رُدين حرمت فراس

من شرب الشاي الذي أعدته "

أخذت كأسها وسكبت لها الشاي قائلة " لأنه لا يستحقه

أنا يقول عني كسولة وأنا التي لا أنام بعد الفجر "

قال ضاحكا " يبدوا لن تختاري أحد أبنائي أبدا "

جلست وقلت " لازال الوقت مبكرا لأحكم "

قال مبتسما " رُدين كما أخبرتك سابقا وسأعيدها مرارا

أنتي لست ملزمة أن تختاري أحدهم , صحيح أني لا أريد

أن تخرجي من تحت رعايتي حتى يأخذني الموت لكن لا أريد

إلا أن تكوني راضية وستتزوجين من تختارينه كان من يكون "

قلت مبتسمة " لا تقلق يا عمي "

قالت عمتي بضحكة صغيرة " يبدوا انه لا نصيب لأولادك

فيها فلست تعلم كم أعجبوا بها النسوة في حفل الزواج "

وضع كأس الشاي بعدما أنهى شربه ووقف قائلا

" أعلم أنهم حمقى ولا يجيدون اختيار ما هوا

مناسب , هل توصون شيئا قبل أن أغادر "

قالت عمتي " سلامتك فقط "

وضع يده على رأسي وقال بابتسامة " خذي حذرك من

فراس يا رُدين فهوا أذكى مما تتصوري وحاول مرارا

محاصرتي بأسئلته وأجزم أنه لم يقتنع بعد "

لويت شفتاي وأنا أنظر له في الأعلى فلعب بيده في

شعري وقال ضاحكا " إن كان ثمة من سيستحقك وسيحافظ

عليك فسيكون هوا ويبقى الاختيار لك وحدك "

وفقت وقلت " أخشى أن يكون اكتشف كل شيء "

قال مغادرا " لا أن يكتشف صعب , يشك ممكن "

غادر وخرجت بعده , لا أعتقد أن ما يضنه صحيح فكيف

لفراس ذاك أن يكون من سيستحقني ويحافظ علي , سنرى ما

يمكن جمعه فيه من مميزات , أنا لم أؤمن يوما بالحب ما قبل

الزواج ولن أحب غير زوجي وأنا محتارة حقا في أمر نفسي

واختياراتي , نظرت ليدي وعددت بأصابعي وأنا أتوجه لغرفتي

فراس عصبي ومخيف ونكدي وبارد جدا لا يعرف حتى

كيف يمزح , وائل مغرور ولم أكتشف الباقي بعد , أشرف

مستهتر وزير نساء , اصطدمت بأحدهم فجأة فقلت بتألم

وأنا أمسك جبهتي " ما بكم لا أحد هنا يرى أمامه "

شدتني يد من يدي وسحبتني معها لإحدى الغرف وأغلقت

الباب فنظرت لصاحبها ثم انفجرت ضاحكة فقال بضيق

" ما المضحك بي يا عقربه "

لم استطع التكلم من كثرة الضحك فقال بغيض

" تكلمي أو قتلتك "

أشرت بإصبعي لشعره الواقف للأعلى وقلت بضحك

" شعرك أنظر كيف هههههه "

شدني من يدي وسحبني بقوة حتى أجلسني على السرير

وقال بضيق " شخص مستيقظ من النوم كيف سيكون شكله "

قلت مبتسمة " وما أيقضك باكرا على غير عادتك يا كسول "

رمى لي بهاتفه وقال " تتصلي بهذا الرقم فورا "

رميت بالهاتف جانبا وقلت " لن اتصل بجوجو مجددا تفهم "

غرس أصابعه في شعره محاولا ترتيبه فلم يزدد إلا سوءا

فعدت للضحك فقال بحدة " توقفي أو كسرت لك أسنانك "

أغلقت فمي بيدي فقال بغضب " هي ليست جوجو وستكلمينها "

قلت ويدي لازالت على فمي " من إذا "

جلس وقال " لا دخل لك المهم تخبريها أن والدي

يرفض زواجنا وأننا نحاول إقناعه "

أزلت يدي وقلت بجدية " لا تحلم بذلك ثم أنت قلت جوجو فقط من

تخدعها بالزواج بها والأخريات ما أن تذكر الزواج تتركها فورا "

وضع ساق على الأخرى وقال " لا شيء دون مقابل "

قلت بضيق " لو كنت شقيقتك هل كنت ترضى أن

يفعل أحدهم معي مثلك "

قال بغيض " لا تعلميني حدودي ثم أنا أرحم من غيري وكنت

أستطيع أن أضيع شرف كل واحدة منهن لكنه ليس مبدئي وشقيقتي

إن كانت مثلهن مستهترة وتبيع نفسها بالمال فتستحق ما سيأتيها "

قلت بضيق أكبر " ليست حجة يا أشرف ثم أنا لو كان

لي شقيق ما كنت لأتمنى أن يكون مثلك "

قال راميا بيده في الهواء " اتركينا من المثاليات الزائدة

وبسرعة ننهي الأمر لأني أريد أن أنام "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " نم إذا من يمنعك وأنا لن

أتحدث مع واحدة أخرى مهما حدث ثم فراس يبدوا كان

يعلم بجوجو خاصتك وتلك الغبية حيتني وأنا في سيارته

ورآها وسألني إن كانت تعرفني "

قال بعد ضحكة " بالتأكيد تعرفه ويعرفها فأنا عرفتها من خلاله "

فتحت فمي من الصدمة غير مصدقة ))

نظرت لي وابتسمت ابتسامة خبيثة فقلت

" انتهى وكما اتفقنا ننتهي عند نهاية الصفحة "

أغلقتها وقالت " ترى من ستختار !! أنا أراها أصبحت تقتنع بوائل كثيرا "

قلت مبتسمة " لا تحكمي الآن فمازال أمامك الكثير "

قالت بحيرة " ترى هل فراس كأشرف يعرف جوجو وغيرها "

قلت بمكر " المرة القادمة سنعلم "

تنهدت وقالت بقلة حيلة " أمري لله سأنتظر "

قلت ونظري على ملامحها

" سما هل تعلمي عما تحدثت معي دعاء اليوم "

نظرت لي باستغراب بادئ الأمر ثم هزت رأسها

وقالت " لا بالتأكيد "

قلت " إن أخبرتك هل تعدينني أن يبقى سرا بيننا "

قالت بحيرة " ولما تخبرينني عنه "

قلت " أريد أن أتحدث مع احدهم فقط فعديني "

قالت من فورها " أعدك لن يعلم به أحد "

قلت " جاءت تخبرني أن أفهم من نزار إن كان يوافق

أن يتزوجها وتخدمني وتشاركه ادخار أموالها معه "

تغير لون وجهها وتوقف تنفسها من الصدمة فقلت

لأتأكد أكثر " وأنا فكرت أن أقنعه بالأمر "

امتلأت عيناها بالدموع ثم وقفت لتغادر , كما توقعت

إذا هي تحبه وهوا كالصخرة يتمسك بشعاراته التافهة

قلت بسرعة " اجلسي يا سما لم ينتهي الحديث بعد "

جلست تحاول أن تخفي وجهها فقلت " لكني لا أراها مناسبة له "

نظرت لي من فورها وقالت " ألن تقنعيه بها "

هززت رأسي بلا وقلت " سأعرض عليه الأمر فقط

كما طلبت مني ولن أقنعه بها "

بقيت تنظر للأرض بشرود فقلت " هذا الموضوع كان

يشغل بالي ولم أرتح إلا حين تحدث عنه الآن , سما لما

لا تفتحي قلبك لي ولو قليلا فأنا أراك شاردة الذهن أغلب

الوقت وحزينة أحيانا وأسئلتك تكثر عن فهم

مشاعرك , تكلمي وسترتاحين بالتأكيد "

قالت بحزن " هل تكتمي سري ولا تسأليني عن شيء "

قلت بجدية " بالتأكيد فأخبريني فقط عما تريدين قوله لي "

*
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اوجاع مبعثرة روحي الاوتشيها نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 4 08-28-2012 05:23 PM
العاصفة nabillo محاولاتك الشعرية 5 05-10-2011 12:10 AM
اوجاع الحب **سعادتي وياك** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 08-14-2009 10:16 PM


الساعة الآن 06:50 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011