عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 12-29-2015, 11:45 AM
oud
 


أعدت الهاتف لجيبي أتأفف بضيق فضحك معاذ بجانبي

وقال " أزمناها وجئنا نحلها فوجدناها أزمة فأحضرنا

المؤزم فزادها تأزما "

نظرت له وقلت بضيق " لم أعرف أن وليد عداك

بشعاراته الهابطة وكأنه ينقصك شعارات سخيفة "

ضحك مجدد ووضع يده على كتفي وقال

" أغضبوه وغضب علينا فجئنا نهدئ غضبه فزاد

غضبا ونسي المغضوب عليه أنه .... "

لكمته على أنفه ليسكت ففركه متألما وقال

" تغار من أنفي المستقيم يا أحمق "

قلت ببرود مغادرا " من يسمعك يضن أن انفي أفطس "

ركبت بعدها سيارتي وغادرت المزرعة أسترجع ذكريات

ما حدث يومها حين أخبرتها ففتحت عيناها على اتساعهما

من الصدمة وقالت " كذب ... كاذب يا معتصم "

فقلت بحدة " بلى صدقي ذلك يا ابنة عمي ولن تعتب

قدماك خارج منزلكم إلا هنا لغرفتي "

فاختفت من أمامي في لمح البصر وكأنها سراب أشرقت

عليه الشمس فهي من الذكاء أن تربط الأمور ببعضها

لتفهم أن ما كنت أقوله حقيقي فقررت أن أجنبها رؤيتي حتى

تستوعب الأمر , تسرعت وتهورت أعترف بذلك لكنها

أفقدتني أعصابي بجنونها ولسانها الطويل

وصلت منزلهم بسرعة لأني في ذات المنطقة ونزلت من

فوري وطرقت الباب ليفتح لي عمي منصور , نظر لي بصمت

بادئ الأمر ثم قال مبتعدا لأدخل " ماذا حدث يا معتصم "

قلت وأنا أتخطاه داخلا " لقد علمت بزواجنا "

ثم التفت له وقلت " سأصعد لها "

هز رأسه بيأس وقال " لن تخرج فنحن نحاول معها

منذ أكثر من يوم ولا فائدة "

قلت متجها جهة السلالم " سأكسر الباب إن لم تفتحه "

لحق بي هوا ورضا الذي خرج من جهة المطبخ وقال

وهوا يصعد خلفنا " بالرفق يا معتصم لا تقسوا

عليها ولا بكلامك "

قلت وأنا أصعد آخر الدرجات

" لا تقلق يا رضا لن يحدث شيء مما في بالك "

وصلت باب غرفتها وطرقته وقلت " بتول افتحي الباب "

ولا مجيب فطرقت أكثر وقلت بصوت أعلى

" أفتحي أو كسرناه حالا فأنتي خارجة في كل الأحوال "

ولا فائدة طبعا فالتفت لهما وقلت " أريد شيئا نكسره به

وساعداني لنكسره بأقل أضرار "

نظر عمي منصور لرضا ثم لي وقال " ألا حل غيره "

قلت بضيق " وما الحل برأيك , نرسل لها فأرا من تحت الباب "

ضحك رضا وقال عمي منصور " فكرة ناجحة فهي تخاف

حتى من الصرصور الصغير فكيف بفأر "

تنهدت وقلت " علينا كسره إلا إن كنت تخاف على الباب "

قال بضيق " بل أخاف عليها فهي ابنتي ووحيدتي

ولا أريد أن نخيفها "

قال رضا مبتسما " من يسمعك لا يصدق أنه

لديك ثلاث أبناء غيرها "

قلت بضيق " ليس وقت نقاشات الآن علينا أن نكسر الباب حالا "

نزل عمي منصور لوقت ثم صعد وفي يده مثقاب جدران كهربائي

فضحك رضا وقال " أنت من سيخيفها بصوت هذا "

قال ببرود " هذا أرحم من أن نضربه بالفأس "

قال رضا مبتسما " كنتم أحضرتم أحد حرس جابر

الضخام وكان سيكسره بضربة واحدة من قدمه "

قلت بضيق " هل جننت أم ماذا , لن يكسر واحد منهم باب

غرفتها ويفتحها عليها ولا على جثماني "

اقترب عمي وناولني إياه ثم أوصله بالكهرباء ووقف عند

الباب وقال " بتول سنكسر الباب بالمثقاب إن لم تخرجي الآن "

انتظرنا قليلا ثم أشار لي برأسه أن أبدأ العمل فشغلته وكسرت

به اللوح حول قفل الباب حتى ابتعد عنه قليلا ثم ضربناه بقدمينا

أنا ورضا ضربة واحدة فانفتح على اتساعه ونظرت للغرفة

نظرة شاملة فلم تكن فيها فنظرت لهما بتوجس وكل مخاوفي

أن لا تكون هنا من أساسه , كنا ننظر لبعضنا كالبكم أعيننا

فقط التي تتحدث والقلق والخوف يملأها فدخلت الغرفة لأبحث

عنها في الحمام رغم أنه كان مفتوحا وهذا يعني أنها ليست

فيه وما أن دخلت أكثر حتى وجدتها جالسة في الجانب الآخر

من السرير تخفي رأسها في ساقيها المحتضنة لهما فنظرت

لهما وأشرت لمكانها بأنها هنا ثم أشرت برأسي أن يتركانا

وحدنا فأشار لي عمي أن بالرفق عليها فأومأت له برأسي

بمعنى حسنا فغادرا مباشرة واقتربت منها وجلست بجوارها

وقلت بهدوء " هل يعجبك هكذا تقلقي الجميع عليك "

لم تجب طبعا فقلت بذات هدوئي " بتول ما الذي تريدينه

بهذا , أن تموتي مثلا ؟ هل تكرهينني لهذا الحد "

بدأ صوت بكائها يخرج واضحا فشددتها لحظني وقلت

" توقفي عن البكاء يا بتول ودعينا نتحدث بروية "

قالت بعبرة " أكرهك واكرههم جميعا "

حضنتها أكثر أمسح على شعرها ثم قبلت رأسه وقلت

وأنا أثبت ذقني عليه " اعلم أنك تكرهينني ولا تطيقينني

في أرض , فقط توقفي عن كل هذا "

أمسكت قميصي بقبضتها بقوة ودفنت وجهها في صدري

تبكي بمرارة وتقول " لماذا فعلتم بي هذا لماذا "

وغابت كلماتها بين شهقاتها المتتالية ولم أزد أنا حرفا

وبقيت محتضنا لها لتهدأ أولا حتى خف بكائها قليلا

فقلت مبتسما " هيا فقد اختبرتِ محبة الجميع لك "

ابتعدت عني وقالت مشيحة بوجهها " ابتعد عني ولا تلمسني "

قلت بعد ضحكة " الآن بعدما نمتِ في حضني حتى شبعتِ "

نظرت لي بضيق فقلت بقلق وأنا أنظر لملامحها

" بتول انظري لوجهك في المرأة , كم ساعة بكيتي يا غبية "

وقفت وقالت بحدة " أبكي ما أبكيه لا شأن لك بي أم تريدني أن

افرح بذلك وأرقص , كيف طاوعتكم قلوبكم تلعبون بي وتزوجونني

دون علمي ولا موافقتي , لن أنساها لكم يا معتصم ما حييت "

تنهدت بضيق ورفعت إحدى ساقاي منصوبة أمامي

ووضعت ذراي عليها وقلت

" لا أريد أن أجرحك يا بتول فلا تفقديني أعصابي "

ابتعدت عني وأولتني ظهرها وكتفت يداها لصدرها ولم

تتحدث فقلت بهدوء " تعالي اجلسي دعينا نتحدث قليلا "

لم تتكلم ولم تلتفت إلي فوقفت واقتربت منها وأحطت

خصرها بذراعاي وقبلت خدها ثم قلت مغادرا

" سأعود في وقت آخر فاهدئي الآن "

ثم خرجت من عندها ووجدت رضا ووالدها عند السلالم

فاجتزتهما نازلا وقلت " أخذت نصيبي وبقي دوركما أنتما

ولا أنصحكم بالمحاولة الآن "

*
*
ما أن نزل معتصم حتى نظر لي رضا وقال

" أرى أن تتحدث معها الآن لابد وأنها أفرغت أغلب

غضبها به وستكون منهكة ولن تلومك كثيرا "

ضحكت وقلت " ستجد وقتا آخر فالأيام أمامنا طويلة "

ثم توجهت نحو غرفتها وهوا يتبعني قائلا " كنت أخبرته

أن يأخذها معه فورا لتهرب من مواجهتها "

دخلنا غرفتها فكانت تقف مولية ظهرها للباب وتفرك خدها

وتبكي وكأنها تمسح شيئا من عليه , نظرنا لبعضنا ثم اقتربت

منها ووضعت يدي على كتفها وقلت بهدوء

" بتول بنيتي كيف تقلقيني عليك هكذا "

ابتعدت بخطوات للأمام ثم التفتت لي وقالت بحرقة

" أتوقعها من الجميع إلا منك يا أبي "

تنهدت وقلت " أنا وعدت عمك وعدا حرا هل

ترضي أن أخلف وعدي له "

قالت ببكاء مشيرة لنفسها " وأنا ورأيي , لما لم تفكر بي "

ثم تابعت وهي تعد على أصابعها وتنظر لهم

" هل نسيت أنه لازال أمامي سنتين في الثانوية وجامعة "

ثم نظرت لي مجددا وقالت بعبرة " أي ظلم واضطهاد هذا

عمري ستة عشرة سنة فقط ولم أحقق أي حلم في حياتي

لأصبح زوجة فجئه ولمن لمعتصم وبالخفية عني

وتتركونني كالبلهاء المغفلة "

قال رضا بهدوء " هوا من أرادك وأصر عليك وقال

أنه لن يحرمك دراستك وهوا من أصر أن لا نكشف

لك أمر زواجه بك سريعا "

ضربت كف يدها بظهر يديها الأخرى عدة مرات

وقالت بحرقة " تكذبون وتتحايلون في كل الأحوال "

ثم أشارت لنا وقالت " هل تعلمان كم مرة ناداني بالعلكة

بالفراولة بالمدللة الطائشة الطفلة فلما يريد أن يتزوجني

ويصر علي هل ليربيني على طريقته أم يختبر قدراته بي "

قلت بهدوء " بتول ما هذه الأفكار هوا أرادك زوجة له

حقا لما كان طلبك من نفسه "

صرخت بحرقة " طلقوني منه , أنتم فعلتموها وأنتم تنهونها "

قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام الذي تقولينه "

قالت ببكاء " لا أريده لا أريد ولم أعد أرغب في

الزواج من أساسه فاطلبها منه أنت أو طلبتها

بنفسي من جابر ليجبره على ذلك "

قلت بحدة " بتول لقد تغاضيت عن صراخك بي وخالك

دون احترام لنا مقدرا لصدمتك بالخبر لكن أن تضربي وعدي

عرض الحائط وتكسري كلمتي لن تكوني ابنتي ولا أعرفك "

ثم خرجت من عندها غاضبا ورضا يتبعني قائلا

" منصور هل جننت ليس هذا وقت ما قلته لها "

أشرت له بيدي وأنا أتابع سيري وقلت

" عد لها هي تحبك كثيرا فحاول تهدئتها "

ثم نزلت للأسفل لتقابلني أميرة عند أول السلالم وقالت

بقلق " ماذا حدث معكم هل فتحت الباب "

قلت متوجها لباب المنزل

" نعم وهي بخير ورضا معها فاتركيهما وحدهما "

*
*
نزلت للأسفل متوجهة للمطبخ وبيسان معي متجاهلة عمتي

وضيوفها ولم أنظر ناحيتهم حتى النظر , أعلم أنها ستخبرهم

أني من أرفض الذهاب لهم ولكن لحسن الحظ أنه حين عدت

لأصعد السلالم من جديد كانت إحدى اللتان أهانتني أمامهما

موجودة معهن فموقف عمتي هذه اللحظة ضعيف ولن تصدقها

تلك وستحكي للباقيات الموقف بالتأكيد , فلن أقابل ضيوفها

وأسلم عليهم حتى يتحدث جابر معها وتتوقف عن إهانتي

أمامهم لأني متأكدة أنه لم يحدثها بعد فحتى أنا لم أره هذه

الأيام إلا لدقائق معدودة , لا أعلم ماذا ترك لرئيس البلاد

والوزراء فما أن يدخل الجناح حتى يتصلوا به ليستعجلوه

للذهاب لهم وكأنهم يخشون أن يهرب منهم أو أسرق من

وقته بل وكأنهم لا يعلمون أنه يعشقهم وعمله بجنون وأني

وأبنائه في آخر حساباته

عدت لغرفة الفتاتين بعدما أنهت الخادمات تنظيفها , على

الأقل شارك أبنائه ولو قليلا فهم لم يتوقفوا عن التحدث عن

أنه أكل مما صنعوه وأنه أعجبه وأثنى عليه وما لا يعلمونه

أنه كان سيغادر دون حتى أن يفكر في رؤية الغرفة ولو من

باب الفضول وليس جبرا لخواطرهم أو خاطري ولن أتحدث

عن نفسي لأني الأكثر خذلانا منه بينهم , دخلت وقلت

" بيسان نادي شقيقك بسرعة لنصلي المغرب حبيبتي "

انطلقت من فورها مسرعة وعادت وهوا معها توضؤا

وصلينا معا ثم التفت لهم وقلت " ترف أحضري المصحف "

جلبته وعادت مكانها وبدأت اقرأ على مسامعهم بعض

الآيات وأشرحها لهم وأعلمهم عن بعض المحرمات بالأذلة

من كتاب الله وبعض الأحاديث , عليا أن أتحدث مع والدهم

لنظمهم لحلقات تدريس القرآن وأنا أيضا بدلا من جلوسي

في المنزل لا زوج ولا عمل أقوم به , قالت ترف

" ماما ما يعني يوصلوا شعورهم "

قلت بابتسامة " يعني شعرها قصير تلحقه بآخر

ليصبح طويلا ثم تزيله "

قال بيسان بصدمة " ويحرقها الله بالنار "

هززت رأسي بنعم وقلت " بل يلعنها ويغضب عليها "

قالت ترف " هل شعرك أنتي موصول لذلك هوا طويل "

ضحكت وقلت " لا حبيبتي شعري طويل دون أن أوصله

أنا لا أريد أن يغضب الله مني "

قالت وهي تسحب إحدى جديلتيها للأسفل

" ولما أنا ليس طويل إذا , المربية قالت لي سابقا إن

أمسكته بالمشابك سيصبح طويلا لقد كذبت علي "

قلت مبتسمة " عيب ترف هي لم تكذب عليك فحتى أنا

حين كنت في عمرك كان شعري قصيرا مثلك "

قالت بيسان " نعم حتى عمتي زهور كان شعرها

مثلي والآن هوا أطول "

نظرت لها بحيرة وقلت " ومن أخبرك أنتي بذلك "

قالت من فورها " أرتني صورة لها حين كانت مثلي "

شردت قليلا بفكري ثم نظرت لها وقلت " سبق وأخبرتني

أنها أعطتك ذاك الفستان الأبيض أليس كذلك "

هزت رأسها بنعم فقلت " هل هي نادتك أم أنتي ذهبتِ لها "

قالت " بل أنا ذهبت لأخبرها أنك ستأتي للعيش معنا "

قلت بحيرة " هل استقبلتك وأحبتك "

هزت رأسها بنعم وقالت " وعزفت لي ورقصت وتركتني

أشاهد حوض الأسماك في غرفتها وسألتني إن كنت أحبها "

قلت مبتسمة " لما لا تزوروها إذا مادامت تحبكم "

نظروا لي باستغراب فقلت " لما لا تذهبون لها "

قالت ترف مبتسمة " حقا نذهب لها "

قلت بابتسامة " نعم لكن حين اسمح لكم فقط "

قالت بيسان " هي جميلة ماما وفستانها جميل كالذي أعطته لي "

قلت مبتسمة " نعم بنيتي لا تخبريني عن جمالها لأنه لا يوصف "

قال أمجد " هل رأيتها !! "

وقفت وقلت " هيا وقت العشاء الآن "

وقفوا وقالت بيسان " بابا لن يأتي كالغداء ؟؟ "

قلت وأنا أسبقهم " يبدوا ذلك "

هوا لم يكلف نفسه حتى عناء إخباري إن كان سيتأخر أو يبات

خارجا لا أعلم حتى متى سأصبر على هذا الحال , ما بك يا

أرجوان ألم تتزوجيه من أجل الأبناء فقط إذا ما شأنك به يتأخر

يبات هناك أو يفعل ما يحلوا له فيبدوا أعجبتك فكرة تغييره

وصلنا للأسفل وكانت جدتهم غير موجودة ويبدوا لن تتناول

العشاء فهي لا تأكل وجبتين إلا نادرا , أنهينا عشائنا وصعدنا

صلينا العشاء ودخلنا غرفة قلعة بيسان درستها قليلا ولعبوا بها

حتى وقت النوم فأوصلتهم لغرفهم وذهبت لجناحي استحممت

وجففت شعري ولبست بيجامة حريرية فلا حاجة للقمصان

اليوم ثم دخلت السرير أمسكت بهاتفي لأرسل له رسالة ثم

غيرت رأيي ورميت الهاتف على الطاولة وأطفأت نور

السرير وأخذت وقتا طويلا لأدخل أعماق النوم رغم أن

اليوم كان متعبا منذ الصباح الباكر وليثه بنتيجة تستحق

*
*

قال بضيق " لا جدوى من بقائنا بعدما مات هوا أيضا "

غادرت من أمامه قائلا

" إن لم يكن لهم جواسيس في وسطنا لا أكون جابر "

ثم خرجت من عنده بل وغادرت الجنوب وعدنا صفر

اليدين بعدما قتلوا دليلنا الثاني , بث أشك أن من وراء هذه

الجرائم ذراع كبيرة في الدولة فسأترك الأطراف وأغامر

بالبحث في الرؤوس فإما أن تتوقف هذه الجرائم أو يقتلوني

ويريحوني من كل هذا التعب , وصلت مدينتي عند الثالثة

فجرا , دخلت القصر وصعدت لجناحي ودخلت الغرفة

شغلت النور وكانت نائمة ولم تخرج لي حتى بيجامة النوم

كعادتها , يبدوا عتابا من نوع آخر ... لا رسالة فيها أنها

منشغلة علي ولا حتى سألت إن كنت سأبات خارجا أم لا

توجهت نحو هاتفها رفعته وفتحت آخر مكالماتها وكما

توقعت رقم غريب ومميز , خرجت من الغرفة واتصلت لأني

أعلم انه يجيب طوال النهار وما أن فتح الخط حتى قال

" مرحبا معكم مطعم النرجسة البيضاء هل نخدمكم بشيء "

قلت " هل حجز لديكم هذا الرقم أي طاولة يوم أمس "

قال " قليلا فقط لأبحث "

قلت من فوري " تحت اسم جابر حلمي "

قال مباشرة " مرحبا سيدي نعم كان هناك حجز اليوم باسمك

على طاولة للغداء والعشاء لتحدد لنا أي الوجبتين ستختارون

لكن المتصلة اعتذرت عن الغداء قبل وقت الظهيرة ثم

عن العشاء عند العاشرة "

قلت بهدوء " أعطني حسابكم لأحول لكم ثمن الوجبتين "

قال " لا تقلق بشأن هذا سيدي "

قلت " كما تريد وداعا "

أغلقت منه الخط وعدت للغرفة وأعدت الهاتف حيث كان

مؤكد مستيقظة فهي ما أن ينفتح النور في الغرفة تشعر به فورا

ولا تنام قبل أن ينطفئ , نظرت حولي وفتشت الخزانة بحثا عن

ضالتي ولم أجدها فتوجهت للدرج بجانبها وفتحته فكانت هناك

أخرجتها وتوجهت بها للأريكة وفتحتها فكانت حافظة لمصحف

خاصة بالسيارات أنيقة ومذهبة و بها مصحف كحجم ذاك الذي

أعطته لي سابقا , لما لم تقدمها لي كالأطفال وتركتها بل

وخبأتها في الدرج !! وضعتها على الأريكة وتوجهت للخزانة

أخرجت بيجامتي ورميتها على السرير خلعت سترتي ورميتها

على جسدها ثم ربطة العنق والقميص والبنطلون وهي على

حالها تدعي النوم , أخذت المنشفة وقلت متوجها للحمام

" أعلم أنك مستيقظة "

استحممت سريعا وخرجت بالمنشفة لأجدها على حالها

الفرق الوحيد ملابسي التي رميتها عليها غير موجودة

والهدية أيضا اختفت , ابتسمت ابتسامة جانبية ثم جلست

على طرف السرير حيث هي نائمة وقلت " أعلم أنك

غاضبة مني , هيا لا داعي لهذه الحركات الصبيانية "

قالت وعيناها مغمضتان " لست غاضبة فأطفئ النور

أنا متعبة وأريد أن أنام "

قلت بمكر " وإن لم أطفأه "

عقدت حاجبيها وقالت بضيق " جابر من أين تجد كل

هذا النشاط لو كنت مكانك لنمت عند باب القصر "

ضحكت وشددت خصلة من شعرها الطويل فغطت رأسها

باللحاف تتأفف بضيق فسحبته منها بقوة ورميته بعيدا

فجلست تجمع شعرها للوراء وتحركت حتى جهتي من السرير

ورمت عليا ببجامتي وقالت " يبدوا أنك أحببت تلك الجهة "

اضطجعتُ في مكانها ومددت لها يدي فنظرت لها مطولا

ثم اقتربت مني وقالت ببرود

" فقط لأني أخاف أن أحاسب إن رفضت "

قربتها لحظني وقلت " هكذا إذا "

قالت بهمس " نعم "

قلت وأنا أغرس أصابعي في شعرها " ولما تحديدا "

خبئت وجهها في صدري العاري وقالت بهمس

" من اجل لا شيء "

قلت وأناملي تسبح في شعرها الكثيف

" هل هناك من يغضب من أحد دون سبب "

قالت بذات الهمس " أجل أنا "

قلت بهدوء " لما لم تخبريني أني مدعوا على العشاء معك "

لم تتحدث وشعرت على صدري بشيء أعرفه جيدا فشددها

لحظني أكثر وملت برأسي لأذنها وهمست

" لما البكاء الآن يا أرجوان "

لم تتحدث فتنهدت وقلت " كنتِ عاقلة طوال الصباح

وتصرفتِ بحكمة ما بك الآن وأنا من أخبرك منذ البداية

انه إن كان لديك عتاب لا تدخريه لليل "

أحاطت خصري بذراعها بقوة وقالت ببكاء

" قلقت عليك "

ابتسمت وقلت " لهذا فقط يا مشاغبة وأنا من كان يفكر

كيف يعتذر ويخلص نفسه , إذا كنتِ محقة حين قلتي

بأنك غاضبة من لا شيء "

قالت ببحة " بل منك "

ضحكت وقلت " اثبتي على واحدة "

لم تتحدث فقلت بهدوء " حسنا يا سيدة أرجوان أنا لم أخبرك

أين سأذهب ظهر اليوم لأني لم أرد أن أفسد الأمور أكثر

يكفي الحفل الذي لم أحضره "

لم تتحدث أيضا فقلت " هيا أجلسي أود أن نتحدث قليلا "

ابتعدت عني ونامت على وسادتي وأغمضت عيناها

وقالت " لا تمن عليا بشيء هوا ملكي وحدي "

ابتسمت ومددت يدي وسحبتها لحظني مجددا وقلت

" حسنا تمتعي بأملاكك إذا "

أعادت ذراعها حول خصري وقالت

" ماذا كنت تريد أن تقول "

مسحت على شعرها وقلت " نتفق على بعض الأمور "

أبعدت وجهها من صدري ونظرت لي وقالت

" مثل ماذا "

دسست وجهها في حضني مجددا وقلت

" لا تتركي أملاكك يا مستهترة "

ثم تابعت " مثل أني هذه الفترة على قدم وساق كما تري "

نظرت لي مجددا وقالت " وأنا لم أشتكي كما طلبت "

مررت أبهامي على خدها وقلت بابتسامة

" اعلم وأريد أن يستمر هذا "

نظرت لعيناي مطولا بحيرة ثم قالت " وحتى متى "

قلت " حتى تنتهي هذه الأزمة في البلاد "

قالت باختصار " ثم "

قلت باستغراب " ثم ماذا "

قالت " بعد ذلك هل ترجع لتكون موجودا

عند وجبات الطعام فقط "

لذت بالصمت أحاول مجددا فهم خبايا دماغها لأني

كلما قلت شيئا كان جوابها مغايرا لما اعتقدت

وعندما طال صمتي جلست وقالت " جابر سأتحدث ولا

تقاطعني حتى أنتهي ومهما قلت أو لن أتكلم وننسى كل هذا "

هززت رأسي بحسنا لتتكلم فقالت " أبعدني أنا جانبا ولن نتحدث

في هذه النقطة بتاتا , آلا تحب أطفالك مؤكد الجواب نعم

آلا تشتاق لهم لرؤيتهم كما يشتاقون لك هم ويفتقدونك

أتعلم في الماضي في يوم عيد ميلادي كنت أتمنى أن

يحضروا لي هم هدايا من أنفسهم دون أن أعلم لشدة حبي

لهم وكنت أتخيل كيف ستكون سعادتي وتدمع عيناي كلما

تخيلت ذلك لهذا فكرت أن أفعل هذا لك بالأمس لأني اعتقدت

بأنك ستشعر بكم السعادة الذي كنت أنا أتخيله لكنك حتى

ابتسامتك لهم وأنت تشكرهم كانت تدل على أن دماغك

مع شيء آخر وليس معهم "

سكتت فقلت " هل انتهى كلامك "

نظرت ليديها في حجرها وقالت " لنعتبره انتهى "

جلست أيضا وقلت " إذا هذه نقطة وقوف فقط "

نظرت لي بصمت فقلت مبتسما

" تبدين أخطر مما تصورت هل تقرئين الابتسامات أيضا "

قالت بضيق " نعم وابتسامتك هذه معناها أنك تسخر

مني أو أنك لم تعر ما قلت أي اهتمام "

قلت بهدوء " لو كان الأمر كذلك ما تركت النوم مع

كل تعبي وجلست أتحدث معك "

قالت " إذا دعنا نستغل الوقت لتنام ولو لوقت

قليل قبل أن يتصلوا بك "

قلت " دعينا نؤجل نقطة تواجدي معهم قليلا كما

تؤجلين تلك النقطة دائما وبمزاجك "

لاذت بالصمت ولم تعلق فقلت " وغيرها دعينا نتناقش فيه "

قالت من فورها " أي شيء غير ذلك "

قلت " تقريبا "

رمتني بالوسادة وقالت بتذمر " أنت لا يمكن محاصرتك أبدا

أي حظ هذا الذي رماني على رئيس محققين "

ضحكت وقلت " لن يفهمك أحد مثله يا أرجوان

وعرف حظك أين يضعك "

لوت شفتيها بعدم اقتناع فقلت " إهانة مقبولة منك فتابعي "

قالت وهي تعد على أصابعها " أريد مسبحا للأطفال مادام لا

يمكنهم الخروج كي لا يتعرضوا لأي خطر وأن نلحقهم بدورات

لتحفيظ القرآن , أريد أن يخرجوا للحديقة ونشتري لهم دراجات

أريد أن يكون لهم مراجيح والعاب في الحديقة الواسعة بلا فائدة

أريدهم أن يشعروا أنهم أطفال أريد لهم غرفة العاب ولو ليدخلوها

لأوقات محددة بدلا من اللعب بدمى القلعة فقط "

بقيت أركز على ملامحها بصمت حتى انتهت وسكتت

فقلت " ألا يوجد شيء لك كله لهم "

نظرت للأسفل وقالت " إن سعدوا هم سعدت أنا "

قلت بهدوء " هل تعني أن السعادة ما ينقصك هنا أم أنك لا

تريدي غير سعادتهم ولا شيء لديك "

رفعت نظرها لي وقالت " منذ تزوجنا كان اتفاقنا أنه زواج

من أجل الأولاد فإن طالبت بشيء منك لي أكون أستحق

الجلد ويكفي أن مالك مفتوح لي لا تحاسبني عليه وأنا

أحترم كل بنود ذاك الاتفاق كما ترى "

نظرت لها مطولا بتركيز حتى ابتعدت بنظرها مجددا

ثم قلت " تعني أنك لم تغضبي اليوم مني لأنك تنفذين الاتفاق "

لاذت بالصمت فقلت " ولما اشتريت لي هدية إذا وتزينتِ

وحجزت من اجل العشاء لنا فالأطفال خارج كل هذا "

ابتعدت لتغادر السرير فأمسكتها وقلت

" حسنا لن نتحدث في هذه النقطة حتى تسمحي بهذا "

ثم قلت بهدوء " أنتي تعلمي أن والدتي لن توافق كل ذلك

فاختاري شيئا واحدا منهم حاليا والباقي لنتركه للوقت "

قلت بهدوء " لكن امجد يحب الدراجات وترف تحب السباحة

وبيسان تحب المراجيح فمن بضنك سيختاره قلبي على الآخر "

قلت " المسبح يأخذ وقتا وعمال يحتاجون من يراقبهم ولا

وقت لدي كما تري وكذلك الألعاب الثابتة في الحديقة "

قالت باستياء " إذا بقي الدراجات فقط "

قلت بجدية " أرجوان عليك أن تقدري ظروفي أيضا فأنتي

لا تعلمي أني أستمع لسيل من الملاحظات من والدتي وأتجاهله

كله لاتفاق زواجنا فأن أقوم بما تريدين وأتجاهلها هي

أمر سيجرحها بالتأكيد وهي في النهاية والدتي "

اقتربت مني قبلت خدي وقلت " إذا ننسى كل ما قلناه , وبالنسبة

لي ما كنت سأتحدث عنه وأنت من فتح هذا الموضوع "

شددتها لحظني وقلت " نؤجله فقط "

قالت بعد ضحكة صغيرة " حاضر يا سيد تأجيل "

لم أستطع إمساك ضحكتي التي انطلقت مرتفعة ثم قلت

" لقد أصبتني بحساسية من كلمة مشغول والآن

تريدي أن تضيفي هذه لها "

نظرت لي وقالت " وتنيني أيضا "

أمسكت أنفها وقلت " إذا لدي ما لم أتحدث عنه بعد يا مشاغبة "

نظرت لي باهتمام فقلت " نحن متزوجان من فترة وأرى دورتك

منتظمة ولا مشاكل فيها فلما لم تحملي بعد "

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس