عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 12-29-2015, 11:48 AM
oud
 

نزلت قاصدا المطبخ فلفت انتباهي غرفة أمي ضوئها لم

يطفأ بعد , مؤكد سما معها ولابد وأنهما أعدا شيئا ليأكلانه من

ورائي وأنا جائع ولم تشبعني البطاطا أبدا , نزلت بخطوات

بطيئة لأمسكهم بالجرم المشهود فاستوقفني صوت أمي قائلة

" وكيف تحبين شخصا ولا تعرفي إن كنتي حقا

تحبينه وإن كان يحبك "

قالت سما بحيرة " لا اعلم خالتي كل الأمور التي

قلتِها لي تنطبق عليه وأشعر بها فما يعني هذا "

قالت أمي بعد ضحكة " يعني وقعتي في الحب بنيتي

ولا تخافي منه فهذا شعور جميل فطر الله عليه

البشر فقط البعض شوهه "

تنهدت وقالت " لما يحدث معي هذا "

قالت أمي " ألن تخبريني من يكون "

ساد الصمت طويلا وأنا أنتظر أن أعرف من يكون ثم

قالت أمي " كما تريدين بنيتي فلن أضغط عليك وأي

وقت تريدي إخباري تعالي وقولي لي لنجهز عليه معا "

سمعت حينها أصوات الأجراس في حداء سما وخطواتها

تقترب قائلة " إذا تصبحين على خير الآن "

عدت أدراجي مسرعا ودخلت غرفتي وأطفأت النور وجلست

على السرير بذهن شارد , ترى من هذا الذي تحبه سما , هل

هوا حسام أم أحد مدرسيها وقد يكون حتى من حراسها , آه نزار

يا مغفل كيف تحبهم وهي لا تراهم إلا للحظات , قد يكون قريب

لإحدى زميلاتها تعرفت عليه , حسنا وما علاقتي أنا بالأمر هل

سأحاصرها في هذه أيضا بحجة أن لا يفسدها أحد فالحب

شيء لا يمكن لأحد التحكم به , اضطجعت على السرير

محاولا النوم لكن السؤال الذي لم يتركني أنام ولا اعرف لما

هوا من هذا الذي تحبه سما ولا تريد قول اسمه حتى لوالدتي

رغم أنها حدثتها عن كل شيء يخص مشاعرها نحوه على ما

يبدوا , نمت بعد وقت وعند الصباح وقفت في الأسفل أنتظرها

أن تنزل لأوصلها فنزلت ودخلت غرفة والدتي وأنا اتبعها

فساعدتها لتلبس حجابها ككل يوم منذ جرحت يدها وودعتها

وخرجت تتبعني , كنت اليوم وكأني لأول مرة أراها وكله

بسبب الفضول ووجدت نفسي لا شعوريا أركز على ملامحها

وطريقة كلامها وابتسامتها لأراها بعين الشخص الذي تتحدث

عنه ثم خرجنا من المنزل وأوصلتها للمدرسة وكنت طوال

الطريق أراقبها إن كانت تنظر لسيارة حرسها خلفنا أم لا

فكانت لا تنظر لهم أبدا ونزلت للمدرسة ولم تلتفت ناحيتهم

ولم تتركها عيناي حتى دخلت المدرسة , عدت بعدها

للمنزل لأن والدتي طلبت مني أن أمر عليها قبل حصصي

فما يكون هذا الأمر الذي لا يمكن تأجيله حتى أرجع

هل تريد أن لا تسمعه سما ولا بالمصادفة لذلك اختارت

وقت تغيبها عن المنزل أم هوا بخصوص الشخص الذي

تحدثت سما عنه معها !! ولكن ما علاقتي لتخبرني عنه

قد تكون والدتي تعرف من يكون من حديث سما الدائم

عنه وستفتح معي الموضوع ذاته عن زواجها وتزويجها

وتقول ختام الأمر ها قد أضعتها من يديك , نفضت كل

تلك الأفكار التي سيطرت على عقلي اليوم ودخلت المنزل

وتوجهت من فري لغرفة والدتي

******************************

نظرت لها بصدمة وقلت " هل أنتي متأكدة يا سيلا "

هزت رأسها بنعم وقالت بهمس " متأكدة سيدتي ورأيتها

بعيني فكما تعلمي من كثرة ما أكلت من الكعك تلك الليلة

معدتي كادت تقتلني وعندما كنت متوجهة للأسفل لأشرب

عصير الليمون عله يخفف ألمها رأيتها تحاول الدخول

لجناحك والسيد وحين رأتني ادعت أنها تحمل الغسيل من

الأرض وتنهي طريقها وأنا تعاملت مع الأمر بشكل طبيعي "

هززت رأسي بيأس وقلت " هي خادمتها المقربة ورفيقتها

الدائمة ومؤكد فعلت ذلك بأوامر منها "

قالت " وما ستفعلين الآن هل ستخبرين السيد "

تنهدت وقلت " مؤكد سيعلم لكن عليا استغلال هذا الأمر

لتلقين تلك العجوز درسا فسأبحث ذلك أولا "

قالت بتوتر " قد تطردني السيدة إن علمت فلا تخبريه

فقط أغلقي جناحكما بالمفتاح "

هززت رأسي بلا وقلت " مستحيل لن أترك هذه الفرصة

تفوتني ولا تخافي لن تتمكن من طردك وهي تعلم ذلك

جيدا لأنها موقنة من أن جابر يثق بك ويعتمد عليك في

كل شيء ومنذ سنوات "

هكذا إذا تتجسس على ما نقوله ليلا لتعلم ما يجري من ورائها

عائلة تسكنك الرعب من أفكارها وتصرفاتها فيكفي ابنها الذي

كاد البارحة يوقف لي نبض قلبي حين سأل عن حملي ولو لم

يرن هاتفه الخاص بالعائلة وجعله ينتفض واقفا لتأخر الوقت

لكنت في خبر كان فأنا أعرف مدى ذكائه فهوا يقرأ حتى

الملامح وردود الأفعال حين أجيب على سؤاله

" سيدة أرجوان أنا أحببتك ولا أريد أن يخسرك السيد

بسببها كما فعلت مع حسناء "

قلت باستغراب " وما دخلها فيما حدث مع حسناء "

فركت يديها بتوتر ثم قالت

" لا شيء فقط خمنت أن تكون هي السبب "

غريب فما أعلمه أنها كانت من اختيارها هي وهذا ما

فهمته من كلام جابر معها بخصوص زهور فلما ستتخلص

منها وسيلا لو كانت تعلم شيئا فلن تقول عنه لأنها في النهاية

خادمة ولن تتق في أحد ولا حتى أنا وقد تكون خمنت ذلك

فقط أو ترى أنها بسبب ما تفعله والدته هربت حسناء

نظرت لها وقلت " هل كانت السيدة الكبيرة تكيد كثيرا لحسناء "

قالت بعد صمت " لا أعلم سيدتي "

تنهدت بضيق تبدوا وفيه أكثر مما ينبغي أو خائفة فوق اللزوم

قلت " حسننا علاقة السيد بحسناء كيف كانت "

قالت " كما أخبرتك كانا يتشاجران دائما "

قلت بفضول " عن ماذا تحديدا ألا تعلمي "

قالت بعد تفكير " لم تكن تتحدث كثيرا كانت تبكي لوقت

طويل وفي مرة قالت أمامي أنها لم تعتد تحتمله

ووالدته وأنه يطيعها حد العبودية "

قلت بهمس " أستغفر الله فلا عبودية لغير الله "

إذا هوا كان يراها تتشكى وتنتقده وهي تراه تابع لوالدته

لمْ يبدوا لي كذلك أبدا أراه يحترمها كثيرا فقط ويعاملني حتى

الآن بالحسنى , صحيح أنه جاف ومتحجر وغير موجود ولا

مبالي لكنه ليس سيء لسان أو طباع حتى أنه يتقبل مزاحي

أي ليس باردا كما كنت أراه , آه منك يا جابر أدفع عمري

ثمنا لفهمك أو لترويضك وإن فعلتها سأكون أستحق وساما

ذهبيا من رئيس البلاد ولن يكون ذلك إلا حين ينطق بأم

لسانه أني مهمة في قلبه وليس حياته وانه لا يمكنه العيش

بدوني وأنه يحبني , تنهدت وقلت بحسرة

" آه ياله من حلم بعيد المنال يا أرجوان "

قالت سيلا بحيرة " ما هوا ذاك "

وقفت وقلت " لا شيء لا تشغلي بالك وابقي

بالقرب من الأولاد حتى أعود حسنا "

هزت رأسها بحسنا مبتسمة ونظرت أنا لهم وهم

منشغلين بالقلعة وقلت " لا تتعبوا سيلا حسنا "

لم يجب أحد فابتسمت على أشكالهم وهم منسجمين في

اللعب حد أنهم لا يعون لما حولهم وترف الأنانية تلك

تجمع الدمى في ثيابها حتى امتلأت , خرجت من عندهم

وأنا مطمئنة مادامت سيلا معهم ونزلت للأسفل , دخلت

المطبخ ووقفت وقلت للخادمات " الطابق الثالث لا يصعده

أحد غير سيلا إلا بأوامر مني مفهوم "

نظروا لبعضهم فقلت " لم أسمع ردا "

قالوا معا " مفهوم "

قلت مغادرة المطبخ " وأبلغوا الغائب بذلك "

ثم عدت للأعلى بعدما نفذت الجزء الأول من مخططي

مؤكد ستكسر تلك العجوز كلمتي وأنا من ستجعل جابر

يقولها لهم بنفسه وسأكسب جولة ثانية لإيهامها بأني من

لا يعصي لها أمرا , عدت للغرفة ووقفت عند الباب وقلت

" سيلا تعالي قليلا "

خرجت تتبعني وقلت بصوت منخفض

" أين خادمة عمتي تلك الآن "

قالت بهمس " مؤكد تنظف جناح السيدة الكبيرة أو

معها فيه لأنهما لم يخرجا اليوم "

قلت وأنا اسبقها " اتبعيني إذا لننهي المخطط "

نزلنا للطابق الثاني ووقفنا مبتعدتين عن جناحها نراقبه

وانتظرنا قليلا حتى خرجت الخادمة فأشرت لها برأسي أن

نعود للسلالم ثم نزلنا قبلها وكأننا لا نعلم أنها خلفنا وقلت

محدثة سيلا " كما اتفقنا يا سيلا أريد الليلة في غرفتي مميزة

وسأطلب من جابر العودة مبكرا فلا تنسي جلب كل ما أوصيتك "

قالت من فورها " بالتأكيد سيدتي لن أنسى شيئا "

قلت ونحن ننزل آخر العتبات " وكما قلت لهن جميعا لا

أريد غيرك في الطابق الثالث بأكمله اتفقنا "

ثم ابتعدنا عن مكان وجهتها وهي المطبخ وتركناها حتى

دخلت وعدنا للأعلى لتعود سيلا حيث الأولاد وتوجهت أنا

لجناحي استحممت وخرجت بمنشفة الحمام ملفوفة حول جسدي

وشعري الرطب يغطي ظهري وأكتافي وأخذت طلاء الأظافر

وجلست فوق السرير , هوا يأتي الآن أغلب الأوقات وسألعب

لعبته حين يغريني بمنشفة الحمام يستعرض عضلاته وهوا

يعلم أن ذلك أكثر ما يرهق النساء ويلفت انتباههن

مضى وقت حتى شعرت بالضجر وبدأ شعري ينشف فدخلت

الحمام مجددا بللته هوا وجسدي وخرجت , أسوء ما في هذا

الرجل أنه من سابع المستحيلات أن أحدد وقت عودته

ما أن خرجت من الحمام حتى سمعت باب الجناح يغلق

فقفزت على السرير من فوري وعدت لطلاء أظافري وأنا

اغني أغنية للعندليب عبد الحليم لأني بصراحة لا أحفظ غيرها

كانت لي زميلة في الثانوية من كثرة ما كانت ترددها حتى

حفظتها عن ظهر قلب لأني لم أكن أسمع الأغاني كثيرا

انفتح الباب وأنا عيناي على قدماي مدعية أني لم أشعر

به فوصلني صوته قائلا " من هذا الذي تهوينه "

نظرت له نظرة سريعة وعدت بنظري حيث

كان وقلت " أخبرتك سابقا شخص لا تعرفه "

دخل وأغلق الباب خلفه قائلا

" هل تعلمي ما عقوبة الخيانة يا سيدة أرجوان "

أدخلت خاتما في أصبع قدمي ومددتها له وقلت " ما رأيك

سمعت عن هذا وسخرت منه لكن يبدوا ليس سيئا "

خلع سترته ورماها علي كعادته وقال

" البسي ملابسك قبل الخواتم "

أبعدت سترته عني وقلت بلامبالاة ونظري على

الخاتم رافعة قدمي قليلا " جناحي وغرفتي وزوجي

أرتدي ملابسي أبقى من دونها شيء يحق لي دائما "

خلع قميصه واقترب مني وجلس بجواري وأمسك

بالمنشفة وقال بمكر " وانزعيها إذا "

أمسكتها بقوة وقلت بضيق " جابر ماذا تفعل "

ضحك وقال " جناحي وزوجتي وأفعل ما يحلوا لي

ثم لا شيء خفي عني تستحي منه "

ضربت يده وقلت " وقح كان ذاك كله في شبه الظلام أم تظنني

مثلك تستعرض عضلاتك بمنشفتك كل ليلة "

شدني من خصري وقال " إذا تستعرضين أنتي أيضا الآن "

ابتعدت عنه بصعوبة وقلت " بسرعة سيد مشغول عليك أن

تدرك قضاياك ماذا تفعل هنا للحمام فورا "

وقف ورفعني من على السرير ودخل بي الحمام فقلت صارخة

وأنا أتمسك بعنقه " ماذا تفعل أخرجني الآن "

فتح على الحوض بقدمه لتدفق المياه له من كل جانب وقال

بسخرية " ما رأيك في أن تعيدي حمامك مجددا سيدة مشاغبة "

تمسكت به بقوة أكبر وقلت برجاء " أرجوك جابر لا "

قال " إذا "

قالت " إذا ماذا "

قال بمكر " تعلمين ماذا "

قلت وأنا متمسكة به ووجهي في عنقه " آسفة ولن أقولها مجددا "

قال " لم افهمها "

أبعدت وجهي وقبلت خده وقلت " فهمتها الآن بالتأكيد "

قال بصوت مبتسم " ليس بعد "

قبلته أخرى وثانية وثالثة حتى ضحك وقال " غيري المكان "

شهقت بصدمة فقال " زوجك وحمامك وفي جناحك فنفذي بسرعة "

أخفيت وجهي في عنقه مجددا وقلت " مستحيل "

قال " إذا للحوض ومن هذا العلو فلن أنزلك برفق "

تمسكت به وقلت بخوف " لا لا انتظر "

نظر لي وقال بابتسامة جانبية " أنتظر ماذا "

قلت " أنزلني أولا "

أرخى ذراعيه من تحتي فقلت بذعر " لا جابر لا "

قال بهمس " يداي تعبتا وستقعين مني "

قلت برجاء " جابر أنزلني ثم نتفاهم "

رفع رأسه للأعلى وقال " واحد , اثنان ..... "

أبعدت وجهي عن عنقه وقلت " توقف "

نظر لي بصمت فعضضت شفتي ثم قلت بهمس

" أغمض عينيك أولا "

هز رأسه بلا وشبه ابتسامة ترتسم على شفتيه فقلت

" إن غرقت ستأخذ ذنبي "

زادت ابتسامته ولم يعلق فقلت

" وأخبر الأولاد أنك السبب يا رجل العدالة "

أمال رأسه وهمس في أذني قائلا " لا شيء ورائي غيرك "

قلت بسخرية " سنرى إن لم يرن هاتفك بعد قليل

وترميني للخلف وتركض له "

ضحك بلا شعور منه ثم قال

" حسنا ننتظر ونرى لكن إن تعبت فلا تلومي إلا نفسك "

خبأت وجهي في عنقه وقلت " أغمض عينيك جابر "

قال ببرود " قلت لا ثم من يسمعك لا يصدق أنك زوجتي من مدة "

هذه نتائج مشاغبتك ومخططاتك يا أرجوان انقلبت عليك

يا إلهي مما مخلوق هذا الرجل كيف يريد مني أن أفعلها

فأنا لم أفكر فيها سابقا , ابتعد عن عنقه مسلمة أمري لله

تجنبت النظر لعينيه لأني حينها سأفضل حوض الاستحمام

على فعلها , قربت وجهي ببطء وأغمضت أنا عيناي بدلا

عنه ولا أعلم أي مشاعر انتابتني حين تلامست شفتينا

وكأنه لم يقبلني قبلا فلم أعتقد أنه حين ستكون مني سيكون

الأمر مختلفا , لم أزد على ما فعلت شيئا فأرخى يديه وكأنه

سيوقعني فتمسكت به بقوة لتتحول شبه القبلة تلك لقبلة حقيقية

ولا أعلم أي جنون أصبح يقودني حينها لفعل ذلك بحرفية

وأي مشاعر اجتاحتني وأنا من يقدم على ذلك ويقوده وفي

غمرة ما كنا فيه جفلت وابتعدت عنه حين استفقت لنفسي

ولم أعرف أين أختبئ منه فقلت هامسة ببحة وعيناي

ما تزالا مغمضتان " أنزلني "

وصلني صوته هامسا " أين بالتحديد "

قلت " للأرض طبعا "

ضحك ضحكة صغيرة وقال " أعلم للأرض فأي أرض منها "

قلت بضيق " جابر أنزلني "

قال بمكر " افتحي عيناك لتفهمي "

فتحت عيناي ببطء ثم صرخت من الصدمة وغطيت

جسدي بالمنشفة جيدا فضحك وخرج بي من الحمام

ورماني على سرير الغرفة وقال وهوا يتوجه للخزانة

" لا ينقدك مني في كل مرة سوى تعمدك لهذه الأوقات "

أخرج منشفة من هناك وعاد جهة الحمام فخرجت من

السرير وقلت وأنا أعدل منشفتي " جابر انتظر "

وقف مقابلا لي ودفعني بإصبعه من جبيني حتى أوقعني

جالسة على السرير وقال " أرجوان ابتعدي عني فلا وقت لدي "

ثم دخل الحمام وأغلقه خلفه فتأففت وتوجهت لغرفة الملابس

ارتديت فستانا قطنيا عند الركبتين وخرجت , سرحت شعري

وتركته مفتوحا ثم نظرت لقدمي ومددت يدي لها ثم غيرت

رأيي وتركت الخاتم فيها , وضعت كحلا وأحمر شفاه

وسمعت باب الحمام يفتح فرميته بسرعة في الدرج

وأغلقته فخرج حينها بالمنشفة فلم أستطع إمساك ضحكتي

فقال مبتسما وهوا يتوجه نحو الخزانة " أرجوان يكفي يا طفلة "

توجهت نحو بذلة عمله وشغلت نفسي بنزعها من علاقتها

ثم التفتت له ومددت له بالبنطلون فأخذه ولبسه وأعطيته

القميص بعدها فمد يده وقال " ألبسيه لي ما تغير اليوم "

رميته عليه وقلت " اليوم لا "

مد خطوته وأمسك ذراعي وقربني له وقال

" تعالي ... تعالي , ما تعني باليوم لا "

قلت ونظري على صدره بالقميص الأبيض الداخلي

مشدودا عليه " لم أعني شيئا "

فلم أشعر سوى بقبلته المجنونة التي أشعر أنها اليوم غير

عن كل مرة ولا أعلم صدرت منه مختلفة أم أنا بث أشعر بها

مختلفة عن قبل , وبعدما ابعد شفتيه وقد أتملني اتكأت على

صدره وقلت وبدون حتى أن أرتب كلماتي ككل مرة

" جابر كن بخير من أجلي "

وما أن أنهيت كلماتي حتى رن هاتفه فأحطت جسده بذراعاي

بقوة وقلت بصوت ضعيف " اعتني بنفسك جابر من أجلي أرجوك "

طوقني بذراعيه وقال بصوت مبتسم " وأين الأولاد هذه المرة "

ابتعدت عنه دون كلام ورفعت القميص من الأرض وألبسته

له ثم ربطة العنق في صمت من كلينا وقلت وأنا

أربطها ونظري عليها " متى سترجع الليلة "

وصلني صوته قائلا " ولما تسألي على غير العادة "

توجهت للسترة وأمسكتها قائلة " هل ستتأخر كثيرا "

ألبستها له ولم يجب فلكمت صدره بقبضتي بخفة وقلت

" جابر تكلم "

قال وهوا يغلق أزرارها الفضية " يحق لي الصمت متى أريد مثلك "

توجهت نحو هاتفه الذي لا يتوقف عن الرنين ورميته له بقوة

فالتقطه وقال " هل تنوين تحطيمه يا أرجوان "

قلت بضيق وأن أجمع ثيابه " لو بيدي لفعلتها "

قال بتحذير " أرجواااان "

ضحكت ضحكة صغيرة ثم توجهت نحوه وقبلت خده

فقال ويديه وسط جسده " لم تعد تفي بالغرض "

رفعت له هاتفه لأذنه وقلت وعيناي في عينيه

" ستكون أنت الخاسر فقد تحدث أمام والدتك أو أبنائك "

أجاب على الهاتف مبتسما وقال " نعم "

سكت لوقت ثم قال " نعم لدي سأجلبه معي وداعا "

أنهى بعدها المكالمة وجلس على السرير يلبس حدائه

وقال وهوا يربطه ونظره عليه " هل هناك ما يستحق "

قلت باستغراب " في ماذا !! "

وقف وقال مغادرا الغرفة " إنسي الأمر "

تبعته أجاري خطواته قائلة " جابر لا تسرع "

خفف من خطواته دون أن ينظر للخلف حتى أدركته وصرت أسير

بجانبه وقلت ونحن ننزل السلالم " هل أخرج بالأبناء ... مرة فقط "

قال وهوا يعدل سلاحه " لا يا أرجوان وسبق وتحدثنا في هذا الأمر

ولا أريد أن نقول لاحقا ليت ما كان لم يحدث "

قلت بهدوء " وهاهم يخرجون للمدرسة "

قال وهو يتوجه جهة مكتبه في الأسفل " أفكر جديا في تدريسهم

في المنزل وحتى الامتحانات سيقدّمون عليها هنا "

فتح باب المكتب ودخل فتبعته قائلة " متى قررت ذلك "

وقف وقابلني وقال ببرود " أرجوان ما الذي تريدين الوصول إليه "

نظرت للجدار خلفه وقلت بتنهيدة " ما عساي أقول غير أمري لله "

توجه نحو الخزانة فتبعته وقلت " وحتى متى ذلك "

نزل مستندا بساقيه أمام المكتبة وقال وهوا يفتح الرف

السفلي فيها " حتى تنتهي سلسلة الجرائم هذه "

ملت عليه وحضنته من الخلف مطوقة لعنقه بذراعاي

وقلت بهمس " لم تخبرني متى ستعود الليلة "

أخرج شيئا من الخزانة ووقف وقابلني فقلت مبتسمة

" أعني هل ستعود مبكرا "

قال " ولما "

نظرت جانبا وقلت بتذمر " جاااابر "

قبل شفتاي سريعا وقال مغادرا " سأحاول "

راقبته حتى خرج من المكتب ثم مررت أصابعي على شفتاي

مبتسمة وخرجت , جيد فها قد علّمت الحجر كيف يقبلني من

حين لآخر وهذه خطوة كبيرة لم أتخيل أن أنجزها بسهولة

غادرت المكتب وعدت للأعلى بسرعة لأني تركت الأولاد

كثيرا وما أن وصلت للطابق حتى لاحظت حركة الخادمات

ازدادت فيه وكأن المطبخ أصبح هناك , جيد تريد أن تريني أن

كلمتها النافذة ورأيي في الأرض سنرى يا عمتي العزيزة

*
*
نظرت بحيرة لما في يديها وقلت " ما هذا !! "

رفعت كتفيها وقالت " سيد رضا طلب مني أخذه لك "

ما أن سمعت اسمه حتى شعرت بالألم وبقلبي يغلي من

الغيظ , من أخبره أن ذكره يؤرقني ويكدر صفوي وهوا أحب

أن يزعجني هكذا , أخذت الحقيبة الورقية منها وأخرجت ما فيها

فكان نموذجا مصورا لمحل مشهور من الماركة الموجودة عليه

فتحته وورقت بعض أوراقه فكانت صور لفساتين خطوبة

وإكسسوارات وعطور وماكياج , ورقت باقي أوراقه

بسرعة ثم رميته على الأريكة وقلت بضيق

" لا تأتيني بشيء منه ثانيتا "

نظرت لي باستغراب فتنفست بقوة مهدئة نفسي ثم قلت

" حين يعود أعطيه له وقولي زهور قالت الأمر لا يحتاج "

هزت رأسها بحسنا دون كلام ثم قالت بهدوء حزين

" ستتزوجين وترحلي سيدتي لقد اعتدت عليك لسنوات كثيرة "

قلت بشرود وابتسامة حزينة " لا تخافي سأعود لك بسرعة "

قال بصدمة " ولما "

نظرت لها وقلت " اتركيني وحدي "

خرجت من فورها وتركتني وحدي فهذا حالي منذ أربع

سنوات إما معها أو وحدي ولو كان الأمر بيدي لبقيت من دونها

نظرت للخطوط في كف يدي لتعود لي الذكريات التي لا تتركني

(( " رضا ما تعني هذه الخطوط "

أمسك بكفي وقال وهوا يتبعها بسبابته " هذا طريق

منزلكم وهذا طريق المدرسة وهذا طريق الشارع الذي

أهربك له لتلعبي فيه "

قلت بابتسامة " وهذا "

نظر لوجهي وقال بابتسامة " هذا طريق قلبي "

ثم نظر لكفي وقال وهوا يتابعه بسبابته

" ويصل إلى منزلكم هنا "

ضحكت على الكلمات التي لم أفهمها حينها فرفع كفي

وقبله قبلة طويلة ثم غطى فعلته بمشاغبته الدائمة بأن

بدأ يعضه بأسنانه وأنا أضحك ))

ضممت كفي لحضني وسافرت بي الذكرى مجددا لبعد ذاك

اليوم بسنوات حين أمسكه مجددا وقال ونظره عليه

" زهور هل تذكري حين قرأت لك كفك في طفولتك "

سحبته منه وقلت بخجل الأنثى

" لم تكن قراءة بل قل شرطي مرور "

ضحك بقوة ثم نظر لوجهي بتركيز وقال

" ليثه كان بإمكاني قراءته لأعلم عن مستقبلنا حبيبتي "

غادرت من أمامه مسرعة وأنا أقول " والدتي ستفتقدني

وقد تخبرها إحدى الخادمات عن مكاني وداعا "

وركضت عائدة للقصر ولا أعلم خروجي للحديقة في

ذاك الوقت من أجل الزهور أم لأراه وهل يأتي هوا من أجل

الزهور كما يقول أم ليراني , أبعدت كفي عن حضني ووقفت

وتوجهت من فوري لمرآة الخزانة ونظرت لظهري فيها

وأنزلت حمالة الفستان لتكشف عن تلك الآثار بل عن

ذكرى ذاك الضرب الوحشي كي لا أنسى ما سببه لي

المدعو رضا وكي لا تتغلب الذكريات الجميلة على التعيسة

فلا أسوء من تلقي ذاك الضرب من ذاك الزوج سوى أني

لازلت عروسا والأسوأ من كل ذلك أني لا أفهم حتى السبب

قبضت على حمالة الفستان بقوة ونظرت للأرض لتتساقط

دموعي عليها ولا أعلم أبكي الماضي أم الحاضر أم ما بينهما

أعدت حمالة الفستان ثم مسحت دموعي وابتعدت عن المرآة

وعن كل أفكاري تلك , ستنتقمين لنفسك يا زهور نعم ستأخذين

بحقك منه وتجرعيه ما جرعك منه ومن نفس الكأس

خرجت لردهة الجناح وتوجهت لحوض الأسماك وأنزلت

لهم الطعام من العلبة المخصصة له لينساب وسط الماء

ويبدؤون التسابق له وأنا أشاهدهم بتركيز وأتابع حركتهم

بحدقتي عيناي ليبعدها عنهم طرقات متقطعة وخفيفة على

الباب وكأنها من أكثر من شخص ومن أيدي صغيرة

ومنخفضة الطول , نظرت للباب مطولا بتركيز ثم قلت

" تفضل "

انفتح الباب لتظهر من خلفه فتاة قصيرة تقف على

أطراف أصابعها لتفتح مقبضه بجديلتين لشعر بني شديد

النعومة وملامح جميلة وابتسامة قالت خلالها

" عمتي زهور هل ندخل "

هذه ترف ابنة جابر إذا , بقيت أنظر لها بصمت حتى اندفعت

للأمام بقوة ليظهر من كان خلفها وقال الفتى ملتفتا للخلف

" بيسان لا تدفعيني "

ألتفتت لهم ترف بعدما استوت في وقفتها وقالت بضيق

" انظرا كيف أدخلتماني قبل أن تأذن لنا سأخبر ماما عنكما "

أشارت لها بيسان بيدها أن ترجع للخلف فركضت باتجاههم

ووقفت معهم عند الباب ونظرت لي وقالت بابتسامة

" لم ادخل عمتي أنتي هيئ لك فقط "

لم استطع إمساك ابتسامتي لتتحول لضحكة صغيرة

ثم قلت " ادخلي يا ترف "

دخلت وقالت وهي تتوجه نحوي ونظرها عندهم ملوحة

بيدها لهم " لم تقل أنتما قالت ترف "

فوضعت بيسان يديها وسطها ومدت شفتيها مستاءة ووصلت

ترف عندي وحضنت ساقاي قائلة " كم أنتي جميلة عمتي أجمل

من بيسان وفستانك أجمل من فساتينها "

حملتها عن الأرض وقلت " أدخلا بيسان أمجد "

دخلا وأغلق أمجد الباب وأجلست ترف على الأريكة وجلسا بجانبها

وجلست وقلت وأنا أتلمس جديلتها الحريرية التي تصل لعنقها

" كانت فكرة من فيكم لتأتوا إلي "

قالت ترف من فورها مشيرة لهم بيدا " أصمتا أنا أجيب وحدي "

ثم نظرت لي وقالت وهي تمسك خيطا من خيوط فستاني

المتدلية من كتفه " ماما قالت لنا وأذنت لنا أن نزورك

قليلا , أنتي جميلة عمتي "

أمسكت وجهها الصغير بيداي وقلت " وأنتي كذلك "

قالت بسرور " أجمل من أمجد ؟ "

لم استطع إمساك ضحكتي فقفزت من على الأريكة وقد

انتبهت للتو لحوض الأسماك فألصقت وجهها به وبخار

تنفسها شكل دائرة عليه وقالت بدهشة " سمك حي "

نظر لي أمجد وقال " هل نقترب منه عمتي "

هززت رأسي بحسنا فتوجه له هوا وبيسان أيضا وقالت

بيسان بصوت منخفض " ستري من ماما يا ترف ألم تقل لا

نتحرك ولا نلمس شيئا إلا إن أذنت لنا عمتي زهور "

لم تهتم لها طبعا لأنها كانت تتابع حركة إحدى الأسماك

بإصبعها ونظرها عليها ولا تزال ملتصقة بالزجاج

ثم نظرت لي وقالت " ونحن لدينا قلعة فيها جنود كثيييير

وأناس في الداخل لا يخرجون أبدا هل تأتي معنا لتريها "

قلت بابتسامة " في وقت آخر "

عادت بيسان وجلست معي على الأريكة وقالت

" ماما قالت لنا قليلا ونخرج "

قلت وأنا العب بغرتها الشقراء " لما قالت لكم أن تأتوا إلي "

رفعت كتفيها وقالت " هي قالت أنك تحبيننا وعلينا أن

نزورك لكن قليلا ومتى ما هي سمحت لنا "

قلت " ما أسم والدتك "

قالت من فورها " أسمها أرجوان هي كانت شقيقتنا نناديها ماما

ثم ظهر أنها ليست شقيقتنا ووالدنا حي ثم أصبحت معنا هنا

وترف تقول أن بابا اكتشف أنها ابنته أيضا "

توجهت ترف نحوي وقالت بحيرة " نعم ولكن ماما تنام معه

ونحن لا وهي ابنته مثلنا هل يحبها أكثر منا "

ضحكت هذه المرة ضحكة شعرت بها خرجت من عمق

قلبي فقالت بتفكير وأصبعها على فمها الصغير

" لكن ماما قالت أنهما متزوجان "

أمسك أمجد بيدها وقال وهوا يسحبها معه

" هيا لنخرج هيا بيسان "

قلت " لما تريدون الخروج "

قال وهم يتوجهون نحو الباب " ماما ستغضب منا إن تأخرنا "

حيتني ترف عند الباب قائلة " سنأتيك ثانيتا "

ابتسمت لها وبادلتها التحية ثم ركضت بيسان عائدة

ناحيتي وقبلت خدي وقالت " وداعا عمتي "

ثم خرجت خلفهم وأغلقت الباب , وأنا انظر لهم بذهول

لما والدتي ترى أن طريقتها فقط صحيحة في التربية

ها هوا أكبر دليل أمامها

*
*
" هل يمكنك التحدث سيدة عفراء "

قالت بصوت ضعيف متعب " قليلا "

قلت بهدوء " سأسألك وأجيبي بنعم أولا فقط , لن أتعبك هذه المرة "

هزت رأسها بحسنا ثم قالت بتعب " هل ستسجنني "

قلت بابتسامة " لا أبدا "

نظرت لي باستغراب فقلت " سما تعرفينها مؤكد "

انفتحت عيناها من الصدمة وقالت وتنفسها اطرب كثيرا

" سما مااااا بها أااااين هي "

أمسكت يدها وقلت " اهدئي هي بخير وهي من أثبتت لنا

أنك بريئة من كل جرائم زوجك "

نزلت منها دمعة في طرف عينها وقالت بهمس ضعيف

" مسكينة تلك الفتاة "

قلت بجدية " عليك أن تساعديها وتساعدينا "

هزت رأسها بلا وقالت " لا شيء لدي مفيد "

قلت " قد يكون غير مفيد بالنسبة لك لكنه مهم بالنسبة لنا "

هزت رأسها بحسننا فأريتها مجموعة صور لأشخاص إن

كانت رأتهم ولم تتعرف إلا لشخص واحد ثم أشارت لي بورقة

وقلم فقلت بأمر لمن خلفي " ورقة وقلم بسرعة "

مدهم لي وناولتهم لها فكتبت بيد مرتجفة ( خالد الصقار )

ثم سقطت يدها وغابت عن الوعي فتقدم نحوها الأطباء وخرجنا

جميعنا ونظري على الورقة , لم تخبرنا على الأقل ما علاقتها

به وعلاقته بهم ومن صاحب الصورة , سلمتهم الورقة وقلت

" أريد كل من يحمل مثل هذا الاسم عندي في أقرب وقت "

ثم تابعت سيري قائلا " اتصلوا بأسعد وعمموا الاسم على جميع

المراكز ولا أريد أن يخرج من البلاد كل من يحمل ذات الاسم "

خرجت من المستشفى وركبت السيارة متوجها للوزارة هذه المرة
*
*
قالت بهمس " جد حلا لابنتك هل يعجبك حالها "

نظرت لها وهي تغير ثياب عدي وقلت " أمازلت على صمتها "

تنهدت وقالت " وكأنها بكماء لا كلام ولا مدرسة حتى

الطعام تأكله بالحيلة "

تأففت في صمت فقالت " هل تحدثت مع معتصم "

قلت بذات الهمس " قال اتركوها قليلا وسيتصرف في الأمر "

وقفت بتول حاملة عدي بين يديها وصعدت به فقلت بأسى

" لم أتخيل أن تكون النتيجة هكذا وصمتها أكبر دليل على

إصرارها على الطلاق منه "

قالت ببرود " لم أوافقك منذ البداية فجد حلا لأفكارك "

وقفت وقلت " مادام رضا لم يؤثر فيها ويخرجها من صمتها سيبقى

جابر فقط فلن تصمد أمامه وسيجعلها تتحدث وإن مجبرة "

نظرت لي للأعلى وقالت " قد تكون لا تريد الحديث إلا معه ألم

تقل سأطلب من جابر أن يجبره على ذلك "

تنهدت بقلة حيلة وأخرجت هاتفي واتصلت به كثيرا ولا

يجيب لتصلني بعدها رسالة منه وفيها ( أعذرني يا عمي سأتصل

بك فيما بعد إن كان ثمة شيء ضروري أرسله لي في رسالة )

أعدت هاتفي لجيبي وخرجت أتنفس النسائم الليلية ووقفت أميرة

بجانبي قائلة " ما رأيك في الشاي في الحديقة لم نفعلها منذ وقت "

ابتسمت وقلت " فكرة جيدة مادامت بتول تمسك عدي عنك "

ضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" لا اعلم كيف سأتصرف إذا ما ذهبت مع زوجها "

ضحكت كثيرا ثم قلت " ظننتها مدللة ولا تصلح لشيء "

سحبتني نحو الطاولة قائلة " لا توجد أم لا تتذمر من ابنتها

لكنها يدي اليمنى وصغيرة ويعز عليا فراقها "

دخلت بعدها وأحضرت الشاي وقضينا وقتا كليالينا السابقة

*
*
دخلت القصر وأنا أنظر لساعتي , لقد تجاوز الوقت منتصف

الليل بقليل وفقدنا المدعو خالد على ما يبدوا لكن مخططي نجح

وعلمت أن ذراعا قوية وراء كل ذلك وأنا لست سوى غطاء

لأعمالهم , ينقصني فقط أن أعرف من يكون أو يكونون هؤلاء

دخلت الجناح ولا شيء سوى الصمت , أعادتني مبكرا لأجل

لا شيء وويلها إن كانت نائمة , فتحت الغرفة وكانت خالية

اقتربت من السرير وكان عليه وردة بيضاء وبطاقة رفعتها

وقرأت ما فيها وكان مكتوب ( مطعم النرجسة البيضاء يدعوكم

للعشاء على شرف حرمكم اتصل بنا قبل أن تأتي ) ثم رقم

هاتف أرجوان وبعدها مكتوب ( الدخول بمنشفة الحمام ممنوع )

ضحكت ووضعت الورقة في جيبي , أين ستكون تلك

المحتالة وما سر العشاء ولما ليس هنا !!

غادرت الغرفة والجناح بل والطابق كله ونزلت للطابق الثاني

وبما أني عدت مبكرا بعض الشيء فهي فرصتي للحديث معها

طرقت باب الجناح عدة مرات حتى جاء ردها قائلة

" أدخل يا جابر "

دخلت ووجدتها تهم بالجلوس فوصلت عندها وهي

قد استوت على الأريكة فقبلت يدها وجلست بجوارها

فقالت من فورها " عدت مبكرا الليلة "

قلت باختصار " نعم "

ثم تابعت " رضا يصر على عقد القران سريعا فانظري

وزهور ما ترتيباتكم للأمر "

قال من فورها وببرود " زهور مطلقة وتعلم بنفسيتها فلن

توافق على حفل ولا شيء من ذلك "

نظرت للأرض وقلت " لكن رضا لم يسبق له الزواج ومن

حقه أن نفعل ما يريد "

قالت بذات برودها " وما الذي يريده "

قلت " حفلا ولو عائليا جدا "

نظرت للبعيد وقالت " أقنعها هي بهذا وليس أنا رغم

أني غير مقتنعة بكل هذه المهزلة ثم منذ متى كان رضا

رجلا للزواج وليس لديه سوى الورق والكتب وسبق

ورفضنا من يساوونه بعشر أمثاله "

قلت ببرود " اختيار زهور ولن نناقشها فيه "

قالت بضيق " ويوم ترجع مطلقة للمرة الثانية ؟ "

قلت بجدية " سأقف معها وتتزوج متى تريد ومن تريد "

وقفت وقالت بضيق " جابر لاحظ أنه لم يعد لي عندك رأي "

وقفت وقلت " وشيء آخر خلافاتك وأرجوان شيء

مثلما لا يظهر لي لا يظهر للناس "

نظرت لي نظرة ثاقبة وقالت " ما تعني بهذا "

قلت " أعني لا داعي أن يعلم الخلق أنكما لستما على وفاق

تاريخها وماضيها وسبب زواجي بها أشياء لا داعي أن تذكر لهم "

قالت بسخرية " وهذا كلامك أم كلامها وأنت لا تحظر تجمع النساء "

نظرت لها وقلت " تعترفين إذا أن ما قلته حدث بالفعل "

أشاحت بنظرها عني ولم تتحدث فقلت " أنا لم أتراجع عن كلامي

وما بينكما لا دخل لي به إلا ما رأيته خطأ فسأغيره رغم أنف

الجميع وكلامك عنها أمام الناس شيء لم أحبه ولو فعلتها

هي لكان حسابي معها شديدا "

اكتفت بابتسامة سخرية دون تعليق وكأنها تقول لي كلام بدون

أفعال فقلت " إذا لا داعي لأن تجتمعا أمام الناس "

قالت بضيق " وما سأقول لهم وأسئلتهم لا تتوقف عنها "

قلت ببرود مغادرا " تتوقفين عن الكلام عنها أو لن تنزل لأحد "

خرجت من جناحها وأغلقت الباب ثم اتصلت بأرجوان

نصف مزاجي تعكر بقي الآخر ستكون جنت على نفسها

إن عبثت به , أجابت بعد وقت قائلة " مرحبا سيدي بما نخدمك "

وقفت في نصف الطريق وقلت " أرجوان لست بمزاج لك "

قال بذات هدوئها " عفوا سيدي الأكلة التي طلبتها غير موجودة "

قلت بشبه ابتسامة " لديكم واحدة بهذا الاسم تخرج

أو حسابها معي عسيرا "

قالت بتذمر " جابر ما بك بارد هكذا "

قلت بسخرية " وكيف عرفت اسمي يا آنسة "

ضحكت وقالت " أنا لست آنسة "

قلت بنفاذ صبر " لدينا حجز على طاولة عندكم للعشاء "

قالت " تحت اسم من "

قلت وأنا أتابع سيري وأفتح كل باب أصله " لا أعلم "

ضحكت وقالت " كيف لا تعلم "

قلت " تحت اسم جابر حلمي "

قالت بعد قليل " هذا الاسم لم يحجز لدينا "

قلت وأنا أنزل للطابق الأول

" إن وصلت لك أريتك نتائج أعمالك هذه "

قالت ببرود " إن كان لك طلب سيدي ورائي عمل كثير "

قلت وأنا أتوجه جهة غرفة الطعام

" ابحثي عن اسم أرجوان فارس "

قالت " نعم موجود "

فتحت الغرفة فلم يكن هناك أحد فقلت

" أين مطعمكم هذا إذا فزوجتي تنتظرني هناك "

قالت " نعم المسكينة كلما انتهت شمعة طلبت غيرها حتى

أكملت علينا الشموع في مطعمنا "

قلت بابتسامة وأنا أتوجه جهة المطبخ الداخلي

" أطردوها إذا وارتاحوا منها "

قالت " أين أنت الآن لندلك على المكان "

قلت " في الطابق الأول يا متعبة وعند المطبخ "

ضحكت فقلت بضيق " نعم اضحكي سترين حسابك مني "

قالت ببرود " عذرا وما ذنبي أنا وأنا مجرد عبد مأمور في

قسم الاستقبال والحجوزات "

صعدت من الطابق لأنه من ضحكتها ليست فيه بأكمله وقلت

وأنا اصعد الدرجات " أنا الآن في الطابق الثاني ولست

فيه طبعا لأني فتشته "

قالت " اصعد بعد سيدي "

صعدت للثالث وقلت " والآن "

قالت " بعد "

قلت " أين فلم يتبقى سوا الجدران هل أتسلقها "

ضحكت ضحكة طويلة ثم قالت " كم هي محظوظة زوجتك

بك ومعها حق تنتظرك وتبدل الشموع منذ وقت "

قلت بمكر " هل تتغزلين في زبائنكم يا وقحة "

قالت بضيق " أنا لست وقحة ولعلمك زوجي له مركزه

وسينهيك من على وجه الأرض "

استندت بيدي على الجدار وقلت " حقا ... لقد أخفتني وما

تصنعين أنتي في مطعم وزوجك بمركز مرموق "

قالت ببرود " خصوصية لا أحد يتدخل بها "

ضحكت وقلت " ولعلمك أنا أيضا لي زوجة إن سمعتك

ستقطع لسانك لأنها تغار كثيرا "

سكتت حتى ظننتها اختفت فقلت " هيه أين ذهبتِ "

قالت " أصعد قليلا لتجد زوجتك وأرحني منك "

قلت بسخرية " لم أراك علقت على جملتي الأخيرة "

قالت " بسرعة زوجتك الغيورة أهلكها البرد "

قلت بصدمة " أرجوان يا غبية ما تفعلين هناك "


نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 12-29-2015, 11:49 AM
oud
 
الفصل العشرون

قلت بصدمة " فرح ما معنى ما تتفوهين به "

أشاحت بنظرها عني وقالت ببرود

" أعني لن أترك شقيقتي , إما أن تكون معي أو أكون معها "

وقفت وقلت " هل جننتي كيف تبقين هنا معها ثم في كل

الأحوال لن يسمح أحد ببقائكما وحدكما "

خرجت دون أن تضيف أي كلمة فنظرت لوالدتها وقلت

" يعجبك كلام ابنتك ؟ "

تنهدت وقالت " أنت تعرف مدى تعلق فرح بوسن ولن

ترضى أن تبقى مع نواس وهي بهذه الحالة "

قلت بضيق " نواس ليس طفلا وقال أنه سيتدبر الأمر وعلينا

أن نتق به وأخبريها أن لا تذكر هذا أمامه لأنني حينها سأزيح

تساهلي وتغاضيا عنها وسترى وجها آخر لي "

ثم غادرت من عندها أيضا لأن غضبي وصل حده

ولا أريد أن أفرغه في أي منهما
*
*
مد لي يده وقال " وسن تعالي "

نظرت للوحل تحتي ثم ليده ثم ليده الأخرى وهي تمسكها

بقوة وكأنه لا يريد تركها ولا التخلي عنها , عدت بنظري

له فقال بإصرار أكبر " وسن مدي يدك وتعالي "

عدت بنظري ليديهما الممسكتان ببعض وبدأت دموعي

بالنزول ثم فتحت عيناي فجأة لأجد أمامي سقف أبيض

نظرت من حولي فكانت الغرفة التي خرجت منها

متى عدت ولما !! شعرت بحرقة في حلقي وكأني كنت

أكتم بكائي ثم سرعان ما نزلت دمعتي حين تذكرت ذاك

الحلم بل الكابوس , ضغطت قبضتي بقوة فشعرت بشيء

فيها فرفعتها لوجهي ونظرت لها فكان فيها ورقة مجعدة

رفعت يدي الأخرى لأفتحها وحركتها ببطء لأن المغذي

محقون في ظهر كفها , فتحتها ونظرت للأسطر المكتوبة

( وسن قولي فقط أنك تريدين الزواج برغبتك أنتي

وسأزوجك بسليمان وفي أقرب وقت ..... نواس )

قبضت عليها بقوة لترسل عيناي جيوش دموعها , ما معنى

ما تفعله يا نواس هل تريد فعلا التخلص مني , ليثني لم أقطع

ذاك الوعد لخالتي فكيف أنقضه وهوا آخر ما أوصتني به

انقلبت على جانبي الأيمن وأخفيت وجهي في ذراعي وازددت

بكاء على بكائي , تبا لك يا وسن ولقلبك أقسم لولا عهدي

لخالتي لما تزوجت أبدا , سمعت طرقات على الباب ثم

دخل أحدهم واقتربت خطواته ويد مسحت على شعري

فأبعدت ذراعي ونظرت لها فكانت والدة فرح فجلست

بصعوبة وساعدتني هي على الجلوس قائلة

" كيف أنتي اليوم بنيتي "

قلت ببحة وأنا أجمع شعري بيد واحدة

" بخير ألبسيني حجابي "

وقفت من فورها وألبسته لي قائلة

" جواد في الخارج سآذن له بالدخول "

فتحت الباب وقالت كلمات لأحدهم بصوت منخفض ودخلت

ولحق بها جواد بعد قليل ووقف عند بداية السرير وقال

" كيف حالك الآن يا وسن "

قلت ونظري للأرض " الحمد لله "

قال بهدوء " عليك أن لا تهملي صحتك وطعامك ليقاوم

جسدك ويعيش فهوا أيضا له عليك حق "

قلت بابتسامة حزينة " الموت حين يأتي يقتل حتى المتخم بالأكل "

قال بصوت مبتسم " وإن يكن , يموت شبعانا على الأقل "

نظرت له وقلت " أين فرح لم تأتي , هل هي متعبة "

نظرا لبعضهما ثم قال جواد " سأنتظركما في الخارج يا خالة "

ثم غادر الغرفة من فوره ونظرت لها وقلت " ما بهما "

تنهدت وقالت وهي تجمع أدويتي " تشاجرا البارحة مرتين

وضننت أنه لن تطلع عليهما شمس الصباح وهما زوجان "

قلت بصدمة " لما ما الذي حدث !! "

مدت لي عباءتي وقالت " فرح تريد أن تبقى معك لتعيشا في

شقتكم وجواد رفض وهي تصر على ذلك وقالت له بصريح

العبارة طلقني إن كنت لا تريد أن تتركني برضاك "

قلت بضيق " هل جنت فرح أم ماذا "

اكتفت بالتنهد دون كلام فأوقفت المغذي بالبكرة وسحبته

من الإبرة وتركتها هي ثم لبست عباءتي بمساعدتها وغادرت

السرير وخرجنا ثلاثتنا من المستشفى ولا شيء سوا الصمت

طوال الطريق حتى رن هاتف جواد وأجاب عليه قائلا

" نعم يا نواس "

سكت لوقت ثم قال " أجل أخرجتها ولم يزد الطبيب شيئا

على ما أوصانا به بالأمس "

سكت طويلا ثم قال " سأرى وداعا الآن "

اتكأت على الزجاج أشاهد الطريق , لا أريد أن ابكي أكثر

وعلى هذه الدموع أن تنشف والضعف أن ينتهي فلم أكن

هكذا يوما ضعيفة أمام عواطفي , نزلت مني دمعة فمسحتها

سريعا من وجهي لكنها بقت تحرق قلبي بجريانها عليه بدلا

عن خداي , أقسم أني أتوق له بجنون ولهفة ارحمني يا رب

عندما وصلنا المنزل نزلت خالتي وبقيت في السيارة

وقلت لجواد " أخبر نواس يأتي وأنت معه "

ثم نزلت من فوري دون أن أسمع جوابه ولا تعليقه

ودخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة خالتي فوجدت

والدة فرح عند الباب وقالت بهمس " نائمة "

هززت رأسي وقلت بذات الهمس " أفضل حتى يصلا أولا "

ثم غادرت جهة غرفتي واضطجعت على السرير بعباءتي

وحجابي فوقفت خالتي عند الباب وقالت " سأعد لك شيئا تأكلينه "

قلت بهدوء " لا رغبة لي في الطعام سأستحم فقط "

قالت بإصرار " بل ستأكلين وإن مكرهة فنواس صب

جام غضبه بنا ليلة البارحة وحملنا المسئولية "

ثم غادرت من فورها ولا تعلم ما تركت بي , أرحموني

أرجوكم .... أرحموني ولو من ذكر اسمه

وقفت وتوجهت للحمام رميت العباءة والحجاب عند

الباب ودخلت استحممت وخرجت ولبست تنوره طويلة

وقميص وجلست أجفف شعري بيد واحدة فدخلت فرح ثم

حضنتني من ظهري قائلة " وسن كيف حالك الآن حبيبتي "

قلت بعتب " لو كنتِ تحبينني ما أغضبت زوجك بسببي "

أخذت مني مجفف الشعر وبدأت تجفف شعري قائلة

" ليس وحده يحب شقيقه وتهمه كلمته وشخصيته "

قلت بهدوء " لنا حديث فيما بعد "

*
*
" آنسة ملاك انتظري قليلا "

التفت للصوت ونظرت لصاحبه بصدمة لأنه كان

الشاب الذي كان ذاك اليوم يجلس بعيدا وينظر لنا

قلت بحيرة " عذرا هل تعرفني "

قال مبتسما " نعم "

قلت " لكني لا أعرفك وأنت لست من هنا أليس كذلك "

هز رأسه بنعم فنظرت خلفه لدكتور المادة المقترب منا

وقلت باستعجال " اعذرني عليا المغادرة "

قال وهوا يلحق بي " انتظري قليلا فقط "

قلت وأنا أسير مسرعة " بعد المحاضرة أعذرني "

دخلت قبل الدكتور بأعجوبة وجلست ألهت فدخل قائلا

" أتمنى مرة أن أدخل ولا أجدك تركضين أمامي "

قلت بصوت منخفض " وأن لا تنتقدني "

ضحك من سمعني بأصوات منخفضة فالتفت لنا

وسكت الجميع ثم قالت إسراء هامسة

" ما بهم جميع دكاترة المواد عليك يا ملاك "

قلت ببرود " يغارون مني "

وأمضيت المحاضرة لا أعلم مما يقول شيئا وبالي مع

وسن من جهة لأنها لم تجب طوال ليلة أمس على هاتفها

ولا حتى فرح ومن جهة أخرى مع ذاك الشاب الغريب الذي

تركته خلفي , وما أن انتهت المحاضرة حتى خرجت من

فوري وسمعت صوتا خلفي مناديا " ملاك "

التفت له فكان طلال وقف أمامي وقال

" ماذا بشأن عملنا على رسالتنا لقد توقفنا كثيرا "

قلت بقلة حيلة " أنا آسفة حقا لكنك تعلم بظروف

وسن وما مرت به ولا أريد أن تشعر أننا استغنينا عنها "

قال " دعونا نؤجلها للعام القادم ونتفرغ للمواد فقط هذا العام "

قلت بصدمة " ولكن طلال أنت .... "

قاطعني قائلا " نعم أحتاج أن أتخرج هذا العام لكن

عليا تقدير ظروفكم "

قلت بحيرة " سأرى ظروفي أيضا إن ساعدت أن

أمدد دراستي حتى العام المقبل "

قال " حسنا انظري ما يحدث معك أولا ثم نقرر "

هززت رأسي بحسناً فقال " الشاب الذي كان

يتكلم معك قبل المحاضرة هل تعرفينه "

هززت رأسي بلا دون كلام فقال " كوني حذرة من الغرباء

يا ملاك فأنا أراه يراقبك منذ أيام ومن بعيد "

قلت بصدمة " ولكن لماذا !! "

قال مغادرا " لا أعلم فقط كوني حذرة منه وإن

احتجت شيئا لا تترددي "

بقيت أنظر له بصدمة وهوا مغادر , لا أعلم من فيكما

يراقبني فكيف علمت أنت عنه !! خرجت بحثا عنه ولم

أجده وكأنه تبخر واختفى , نظرت لساعتي ثم أخرجت

هاتفي واتصلت بوسن فأجابت فقلت بسرور

" وسن شغلتني عليك كنت سأذهب لك حالا إن لم تجيبي "

قالت بهدوء " أنا بخير وسأداوم خلال أيام لا تقلقي "

قلت بارتياح " هذا خبر جيد وسأساعدك فيما فهمته وانتبهت

له وستستعينين بطلال كثيرا لأني أجلس وبالي معك "

قالت بذات هدوئها " لا بأس وشكرا لك يا ملاك "
قلت بحيرة " وسن مابك هل حدث معك شيء "

قالت بحزن " لا شيء مهم , سنتحدث لاحقا وداعا "

نظرت للهاتف بحيرة ثم دسسته في حقيبتي وغادرت

الجامعة عائدة للمنزل , وصلت وفتحت الباب ودخلت لأقف

مكاني من الصدمة وأنا أرى الجالس هنا في وسط المنزل

بكل جبروته وسلطته المعتادة فقلت بارتباك " أأبـ ـ ـي "

قال بجدية " جيد لم تتأخري "

أغلقت الباب بعدما استفقت من صدمتي واقتربت منه

قبلت يده وقلت بخوف " كيف حالك "

قال " بخير أجلسي "

جلست وحمدت الله في قلبي مئة مرة أني لم اذهب لزيارة

وسن في منزلها لكنت تأخرت وقطع لي رأسي اليوم أو

أعادني معه لمنزلنا وزوجته , طال الصمت فقلت

" كيف هم إخوتي "

قال باختصار " بخير وما هي أمور دراستك "

بلعت ريقي لأكتشف جفاف حلقي تماما ولم أجد ما

أبلعه ثم قلت ونظري لم أرفعه فيه أبدا

" جيدة فقط رسالة التخرج تأخرنا فيها قليلا "

قال بجديته ذاتها " ولما "

شعرت بمشاعر لا أعرف بما أصفها قد تكون كالرغبة

في البكاء كالأطفال فلم يزرني والدي هنا سابقا وكان يتصل

بخالي كثيرا فقط فزيارته لن تكون لأمر طبيعي وكثرة

أسئلته أيضا , قال بحزم " لما تأخرتم "

قلت بتلعثم " لأن لـ ــ ـأن زميلتي لديها ظروف منعتها

مـ ـن المداومة هذه الفتـ ـ ـرة "

لم أسمع سوى حركة مفاتيحه فدسست رأسي بين ذراعاي

لأن ذكرى ضربه الدائم لي بهم لم تغب عن بالي , كنت

أغمض عيناي بشدة مختبئة عنه حين وصلني صوته

قائلا " هل تحدثت والدتك معك "

رفعت رأسي من ذراعاي حين لم تصطدم مفاتيحه بي

ونظرت له لأول مرة من دخولي فقال " تكلمي "

قلت بصوت ضعيف " لا "

نظر لي نظرة حادة وقال بحزم " لا تكذبي عليا يا ملاك "

قلت من فوري " أقسم لم يحدث , فمنذ اتصالي في العيد

حين سمحت لي بأن أكلمها لم أتحدث معها أقسم لك "

وقف حينها قائلا " متى ستنتهي دراستك "

وقفت كالملسوعة , سيأخذني من هنا بالتأكيد لا يا رب ستكون

نهايتي , أمسكت يده وقبلتها وقلت برجاء " أبي أتركني هنا أرجوك "

جمد مكانه ولم يبدي أي ردة فعل ثم استل يده مني ووضعها على

رأسي وقال بجدية " انهي دراستك ثم لكل حادث حديث "

ثم قال مغادرا جهة الباب " اتصلي بوالدتك "

وفتح الباب وغادر وأغلقه خلفه على نظراتي المصدومة
*
*
دخلت ونظرت يمينا ويسارا وقلت " ألم يرجع نواس بعد "

قال وليد " لا ... هل من خطب "

تنهدت بضيق وقلت " أين يختفي ولا يجيب على هاتفه "

رفع كتفيه وقال " عادته هل سيشتريها "

ثم نظر جهتي وقال " سأغادر ومعاذ للمخازن هل ترافقنا "

قلت مختصرا " لا "

ثم تركته وتوجهت جهة منزل المزرعة دخلت وطلبت من

راضية أن تنادي لي مي وما هي إلا لحظات ونزلت من السلالم

ووصلت عندي وقالت " مرحبا جواد كيف حالك والجميع "

قلت بهدوء " بخير جميعنا هل كلمك نواس أو تحدثت معه "

قالت " لا .... هل هناك خطب ما "

قلت " جربي الاتصال به فهوا لا يجيب "

توجهت للأعلى مجددا ثم نزلت بعد وقت وقالت

" لم يجب أيضا لكنه أرسل لي أنه قادم بعد قليل "

هززت رأسي بحسننا وقلت " سأجلس انتظره إن لم يزعجك ذلك "

قالت من فورها " أبدا المنزل منزلك قبلي , هل أجلب لك شيئا تشربه "

قلت بامتنان " لا وشكرا لك يا مي "

ثم غادرت هي وجلست ورأسي للأرض بشرود أحاول أن

أجد حلا ولو واحدا لمشاكلنا وبالي مع رسالته

( أخرج وسن من المستشفى واسألها ما قررت )

لكني لم أسالها حتى أفهم منه وزاد الأمر غموضا طلبها

أن نأتي معا , بعد قليل دخل نواس من الباب فوقفت

وقلت " اشرح لي حركات الصبيان هذه "

توجه نحوي وقال ببرود " جواد احترمني "

قلت بضيق " لما لا تجيب على هاتفك "

جلس وقال " ها قد جئت بنفسي , ماذا حدث معك "

جلست وقلت " في ماذا "

قال ونظره بعيد عني " فيما طلبت منك "

قلت " لا شيء "

نظر لي بجمود فقلت " وسن تطلب رؤيتنا معا "

نظر لي مطولا بحيرة ثم قال " هل سأتلها وتحدثت معها "

قلت باختصار " لا "

قال " ولما "

أبعدت نظري عنه وقلت " لا أعلم "

قال بضيق " ما يعني لا تعلم "

نظرت له وقلت بجدية " نواس ما الذي حدث بينكما "

نظر للأرض وقال " خيرتها في وعدي لوالدتي "

قلت " كيف !! لم أفهم ! "

رفع رأسه وتنهد وقال " وعدتها أن أتزوجها أو

أزوجها سليمان تحديدا "

قلت بعدما استوعبت الأمر " وأنت الآن وضعت

الأمر في اختيارها "

لاذ بالصمت ولم يتكلم فقلت " وهل تعلم هي انك الخيار الثاني "

هز رأسه بلا فقلت " وهل ستزوجه بها فعلا "

تنفس بقوة ثم قال " بل أنت من سيزوجها "

قلت بصدمة " ماذا !! "

قال ببرود " سأوكلك لذلك قبل سفرك "

قلت بضيق " هل جننت يا نواس , مادمت مجنونا بها

هكذا زوجها لنفسك وأرحم قلبك "

نظر لي وقال بغضب " احترت معكم إن رفضت تزويجها

طلبتم مني أن أرحمها وأتركها وإن وافقت زواجها طلبت

مني أن لا أفعل وفي النهاية أنا الظالم المتجبر المتغطرس

الذي يمسكها لينتقم منها , ها أنا سأخلصها مني إن كنت

سأكبر في أعينكم "

وقفت وقلت " زوجها أنت له إذا "

نظر للجانب الآخر وقال " مستحيل "

ضغطت قبضة يداي وقلت بحرقة " نواس لا تقتل نفسك بها "

وقف وقال " سأخرج للإسطبلات هل ترافقني "

قلت " بل نعود للعاصمة المشاكل كلها معلقة هناك

ويبدوا وسن تريد حلها "

نظر لي باستغراب فقلت " تشاجرت وفرح البارحة

لأنها تريد البقاء مع شقيقتها "

هز رأسه بيأس ثم قال مغادر " أنتظرك في السيارة فلنرى

إن كان الحل في زواجها من سليمان ذاك "

تبعته بقلة حيلة , أقسم أنهما يقتلان أنفسهما قبل بعض

ركبت سيارتي وغادرنا للعاصمة وصلنا ونزل هوا قبلي

وانتظرني حتى نزلت واقترب مني وقال

" ما ستختاره هي سننفذه "

هززت رأسي بيأس وقلت " تحمل النتائج إذا وأنا لن أتدخل "

دخلت قبله وهوا يتبعني وفتحت الباب ودخلنا للداخل

فقابلتنا والدة فرح قائلة " إنهما في غرفة وسن "

ثم توجهت هناك ونحن نتبعها ودخلنا فكانتا هناك , كانت

وسن تجلس على السرير وفرح تقف عند النافذة المغلقة

مولية ظهرها للجميع , جلس نواس ووالدة فرح على

الكرسيين هنا وبقيت أنا واقفا فقالت وسن

" فرح تعالي "
اقتربت منا تتجنب النظر لي وتابعت وسن

" تسافرين مع زوجك يا فرح "

نظرت لها تود التحدث فقالت بجدية " قلت تسافرين

معه فبقائك من اجلي أنا لا أوافق عليه "

نظرت للجانب الآخر وقالت وسن

" وتعتذري منه الآن لأنك المخطئة في حقه "

لم تتحرك من مكانها فقالت وسن بحزم " فرح إن كنت

شقيقتك وتحترمينني تعتذرين من زوجك الآن "

قالت ببرود " أنا لم أخطأ "

فتحت وسن فمها لتتحدث فأسكتها بيدي وأشرت لها أن تترك

الأمر لي وقالت فرح " لن أسافر وأتركك يا وسن إلا ميتة

يخرجونني جثة من هنا "

تنفست بقوة وقالت " أتركوني ونواس وحدنا "

نظرنا لبعضنا باستغراب ثم خرجنا الواحد يتبعه الآخر

وأغلقت الباب خلفنا وتوجهت حيث فرح في غرفة الجلوس

وقفت عند الباب وقلت " هل نستطيع التحدث بعقل الآن "

قالت بضيق " نعم فأنت تراني مجنونة "

تأففت وقلت محاولا تهدئة نفسي " فرح لا أحد ينكر عليك

أن تحبي شقيقتك لكن هل من العقل بقائك معها وبقائكما وحدكما "

كتفت يديها لصدرها وقالت ببرود مشيحة بنظرها عني

" نبقى ووالدتي كالسابق "

قلت بضيق " في السابق كنت أنا معكما أغلب الوقت

الآن تغير كل ذلك "

سمعنا حينها ضربة قوية لباب المنزل وقالت فرح

بسخرية " اذهب وانظر لنتائج ما خلفه بعده مؤكد أهانها

قبل أن يغادر ويكفي الباب المخلوع عليها , لا اعلم

أي قلوب هذه التي لديكم وأنتم أبناء خالتها "

تنهدت وقلت " نواس سيزوجها وعليك أن تسافري

معي وانتهى يا فرح مفهوم "

نظرت لي بصدمة ثم قالت " يزوجها بمن !! "

قلت ببرود " ولما ستهتمين أليس المهم عندك أن تتزوج "

وقفت وقالت " وذاك يوم السعد فسليمان ينتظر "

هززت رأسي وقلت بأسى " لا اعلم لما لا تفكرين

في مشاعر شقيقتك ومصلحتها "

قالت مغادرة من أمامي " مصلحتها في أن تبتعد عن شقيقك "

أمسكتها من ذراعها وقلت " لم ينتهي حديثنا بعد "

قالت مبتهجة " انتهى الأمر مادام سيخلصها منه "

ثم غادرت وتركتني فدخلت وجلست على الأريكة وأشعر

أنني أنا المهموم أكثر منهما , والدتي رحمها الله ما اختارت

أن يتزوجا إلا لأنها تعرف أنه لا حل غيره , ليثها لم تربط

سليمان مع وعده لها لأني أعرف نواس حينها سيلتزم به

مهما كان ضد رغبته , أمسكت رأسي بيداي جالسا مكاني

لوقت حتى دخلت فرح مجددا وقالت بقلق

" حالها لا يعجبني ولا تريد أن تقول غير أنها قالت له .... "

قاطعها صوت رنين هاتفي فكانت مي فأجبت عليها

وقالت من فورها صارخة ببكاء " جواد الحق شقيقك بسرعة "

******
دخلت غرفتها ألقيت التحية وجلست أمامها وقلت

" نعم يا أمي ما هوا هذا الأمر الذي لا يحتمل

التأجيل حتى أعود من المدرسة "

قالت بهدوء " بخصوص دعاء "

نظرت لها باستغراب فتابعت " لمّحت لي شيئا عن قبولها

الزواج بك ومساعدتك في ادخار المال وعلاجي "

بقيت لوقت أنظر لها محاولا ترجمة كلماتها ثم قلت

" كيف لمحت !! لم أفهم "

قالت بتذمر " لمحت وانتهى ليس هذا موضوعنا "

قلت بضيق " وما هوا موضوعنا إذا "

قالت ببرود " موافق أو لا "

قلت بسخرية " أمي بالله عليك هل أنا فتاة

يطلبونها للزواج ويأخذون رأيها توافق أو لا "

قالت بابتسامة " لو كنت فتاة كنت زوجتك منذ زمن

فتبدوا ممن خلقهم الله يعشقهم البشر "

قلت بتذمر " أمي هذا ليس وقته "

قالت " الفتاة شبه عرضت نفسها عليك فما رأيك وانتهى "

وقفت وقلت " مهزلة لم أتصور أنك بعقلك الكبير تقولينها لي "

قالت بجدية " أجلس كلامنا لم ينتهي بعد "

نعم لم ينتهي بعد فالمفيد لم أصل إليه , جلست وقلت

" أعلم ما ستقولين فتاة محترمة وجيدة وستساعدني من

جميع النواحي وجوابي انسي الأمر يا أمي "

قالت مبتسمة " ومن قال أني كنت سأقول ذلك "

قلت باستغراب " هذا كان رأيك بها سابقا "

حركت كتفها وقالت " نعم وأنت رفضت "

قلت " أنتي تعلمي أنها من فتش الغرف وخرب الطعام يومها "

نظرت لي بجمود فتابعت " وتحدثت مع سما واستفردت

بها هنا تهددها أن لا تحاول استمالتي وأن لي

خطيبة أحبها وسأعود إليها "

رمشت قليلا بصدمة ثم قالت " دعاء فعلت كل هذا !! "

قلت ببرود " نعم إلا إن كنا سنكذب سما "

قالت بحيرة " سما لا تكذب أبدا لكن لما تفعل

دعاء ذلك فليست تلك أطباعها "

قلت بسخرية " هذا درس لنا كي لا نتق في أحد خصوصا النساء "

قالت ببرود " خطأ ... لا تحكم على البشر من نفس المنظور "

قلت بضيق " بلى كلهن يكذبن ويتلون لأجل تحقيق

مآربهن فلم أرى غير هذه النماذج "

تنهدت وقالت " ألهذا السبب ترفضها ؟؟ "

قلت ببرود " لا طبعا فالفكرة ملغية عندي من أساسها "

قالت بضيق " نزار فارق جنونك هذا , فأن ترفض دعاء شيء

يخصك لكن أن ترفض فكرة الزواج شيء لن أقبله تفهم "

نظرت للجانب الآخر وقلت

" مؤقتا على الأقل وارحميني يا أمي رجاء "

تأففت في صمت فنظرت لها وقلت " أعلم ما ستقولين

أضعتها وتضيعها حتى تصير لغيرك "

قالت بصدمة " من !! دعاء "

ضحكت كثيرا , أمي أنا أسبح في وادي وأنتي في وادي

آخر , قلت بعدما انتهى ضحكي " سما طبعا "

تجاهلتني هذه المرة ولم تتكلم , غريب ليس طبعها وأنا من

ضننت أنها ستلمح لهذا الأمر ! هل تكون تجهل الشخص

الذي حدثتها عنه سما أم تتعمد عدم الكلام , وقفت وقلت

" لن أمد يدي لغيري مجددا ... وامرأة خصوصا "

قالت بجدية " فقط "

قلت باستغراب " ما تعني بفقط "

قالت ببرود " أعني هل هذا هوا السبب فقط "

قلت مغادرا " نعم ولا أريد نسخة جديدة عن رهام

فأفهميها الأمر كما يحلو لك "

وغادرت المنزل متوجها للمدرسة , قال أتزوجها قال هل

جننت لأعاود نفس الخطأ فحتى إن فرضنا وتزوجت فلن

تكون إلا واحدة معدومة لا تملك ولا حتى وضيفة كي

لا تتبجح عليا بتصدقها علينا بمالها فيما بعد

لكن الغريب أن والدتي لم تفتح موضوع زواجي بسما على

غير العادة ويبدوا اقتنعت أنها تحب شخصا ولن تكون لي في

كل الأحوال حتى أنها لم تتكلم عن موضوع تزويجها بأحد

أمي لا تسكت دون سبب أعرفها جيدا ومؤكد تدبر لأمر ما
*
*
نظرت لها فوقي وقلت " ترى ما سر بتول تغيبت كثيرا

عن المدرسة ولا تجيب على هاتفها "

جلست بجانبي وقالت بحيرة " نعم غريب أمرها كنت أود

زيارتها في منزلهم لكن والدي منعني "

فتحت حقيبتي وقلت " نزار يعرف أبناء عمها سأطلب

منه أن يسألهم عنها "

نظرت جهتي وقالت بابتسامة

" ما حدود علاقتك بالنزار الوسيم ذاك "

نظرت لها باستغراب فضحكت وقالت

" أعني قريب فقط صديق أم حبيب أو خطيب "

وقفت وقلت " ريحان ما هذا الجنون الذي تقولينه "

وقفت وقالت " سألت فقط ثم أنا وضعت جميع الاحتمالات "

وضعت الحقيبة على كتفي وقلت " لا شيء من كل ذلك "

قالت بصدمة " كيف أليس قريبك !! "

توجهت نحو البوابة قائلة " لا أريد التحدث في كل هذا "

خرجت وكانت سيارة نزار تنتظرني فتوجهت نحوها

وركبت ملقية التحية فأجاب وانطلقنا في صمت حتى قال

" سيارة الحرس ليست خلفنا هل لاحظت ذلك "

نظرت في المرآة وقلت " صحيح لم ألحظ "

ضحك وقال " ألم تنتبهي أنها غير موجودة حين

خرجت من المدرسة "

نظرت له وقلت " لا لم أنتبه ولكن لما "

قال ونظره على الطريق " جابر يبدوا اكتشف أن اللعبة

أكبر مما نتصور جميعنا وبات يخاف عليك حتى من رجاله "

قلت بحيرة " لم أفهم !! "

قال " ما فهمته أن ثمة جواسيس ينقلون جميع تحركاته ويبدوا

أنهم من الشرطة لأنه لو كانوا من رجال التحقيق لعرفوا بمكانك "

بقيت انظر له بحيرة فنظر لي للمحة ثم عاد بنظره للطريق

وقال " لقد قتلوا زوج عفراء وهي في المستشفى الآن

ويحاولون قتلها بأي طريقة "

شهقت بصدمة وقلت " الخالة عفراء وجدوها "

هز رأسه بنعم دون كلام ثم قال " وأي دليل يحصلون عليه

يقتلونه فورا أو يخرجوه من البلاد لذلك قام جابر بإبعاد الحرس

عنك تحسبا لأي طارئ ماداموا لم يعلموا بمكانك حتى الآن "

نظرت لحقيبتي في حجري وقلت بحزن

" أخاف أن يؤذوك أنت وخالتي أيضا بسببي "

لاذ بالصمت مطولا ثم قال " ما تعني بهذا يا سما !! "

قلت بحزن " أعدني للقبو فإن أمسكوني أموت وحدي "

أوقف السيارة فجأة حتى كدت أصطدم بمقدمتها ثم نظر

لي وقال بضيق " سما لا أسمع منك هذا الكلام مجددا مفهوم "

قلت بصوت ضعيف " ولكن .... "

قاطعني بحدة " سما لا تكرريه أمامي ولا تفكري

فيه وتنفذيه تفهمي "

نزلت دموعي دون شعور مني وبدأت أمسحها فقال

بهدوء " آسف لم أقصد الصراخ بك "

هززت رأسي بلا وقلت " لست غاضبة منك لكني

حقا لا أريد أن تتأذوا بسببي "

انطلق مجددا وقال " لن يتأذى أحد لا تخافي فوالدك

حصنكم جيدا قبل موته "

نظرت له وقلت " وماذا عن دعاء ومعرفتها بتلك الأمور "

قال ونظره على الطريق " تحدثت معه في الأمر وتحرى

عنها وعلم أن شقيقتها من والدتها إحدى طالباتي ودرست معك "

قلت بصدمة " وكيف لم تعلم بها "

نظر لي ثم عاد بنظره أماما وقال " لا تحملان نفس

الاسم لأن والدهم ليس والدها وهوا طلق والدتها

منذ سنوات ولم أكن اعلم عن اسمه "

قلت بعد تردد " منذ كم من السنوات تعرفونها "

قال بعد صمت " كانت صديقة مقربة لرهام

وعرفناها من خلالها "

قلت بهدوء " وكيف تتقون بها وهي صديقتها "

وقف حينها أمام المنزل وقال بضحكة وهوا ينزل

" معك حق ما كان علينا أن نتق بمن يصادق أمثالها "

بقيت أتابعه بنظري وهوا يتوجه لباب المنزل ليفتحه , ترى

هل فعلا لم يعد نزار يحبها ؟ ولكن تلك الصورة تبين غير ذلك

فهل الحب أمر ينسى بسهولة ويتوقف متى نريد , نظر لي

وأشار أن أنزل فنزلت بسرعة ودخلت خلفه وأغلقت الباب

وتوجهت من فوري لغرفة خالتي قبل حتى أن أصعد لغرفتي

دخلت وقبلت رأسها وجلست بجوارها فقالت مبتسمة

" كيف كان يومك "

قلت مبتسمة " جيد وأنتي "

ضحكت وقالت " أنا لا ينفع معي هذا السؤال فأيامي كلها متشابهة "

نظرت ليداي وقلت بتردد " أعني ما قال لك نزار بشأن دعاء "

مسحت بيدها على خدي وقالت " قال أن لا افتح موضوعها مجددا "

نظرت لها وقلت " رفض طلبها "

هزت رأسها بنعم مبتسمة فقلت باندفاع " ذلك أفضل "

قالت بابتسامة جانبية " أفضل في ماذا "

وقفت وقلت " أعني أفضل أن لا يتزوجها هي فهي لا تستحقه "

قالت بلهجة لم أفهمها " من التي تستحقه إذا "

نظرت للأرض وقلت " لا أعلم المهم هي لا تستحقه "

لم تتكلم فرفعت رأسي ونظرت لها وقلت " هل ستخبرينها بذلك "

قالت مبتسمة " بالتأكيد "

قلت بعد تردد " بمن سيتزوج إذا أم سيبقى دون زواج "

رفعت كتفيها وقال بذات لهجتها الغريبة تلك

" مِن الذكية التي ستعرف كيف تجعله يتزوجها "

قلت باستغراب " ألم يخبرك شيئا "

هزت رأسها بلا ثم قالت " قال أن الموضوع مؤجل قليلا "

تنهدت وغادرت من أماها فوصلني صوتها قائلة

" يراك صغيرة على الزواج ويؤجل هوا الموضوع ذاته

أي قد افلح في إقناعه بك بعد وقت "

حضنت حقيبتي بقوة من كثرة خجلي وقلت وأنا مولية

ظهري لها " خالتي ما هذا الذي تقولينه "

ضحكت وقالت " نؤجل الأمر قليلا كما قال فأنتي لديك

شخص تحبينه ونزار ضاعت منه الفرصة "

خرجت من عندها وصعدت لغرفتي راكضة ودخلت

وأغلقتها خلفي ووقفت على الباب وقلت بهمس

" ماذا إن علمت أنه هوا المعني بما قلت "

آه بث أشعر أحيانا أني أريد الالتصاق بالجدار الفاصل

بين غرفتينا لأكون أقرب له , لا أعلم كيف يتحملون

من يحبون شخصا لا يرونه إلا نادرا

استحممت وغيرت ملابسي ثم نزلت وتوجهت للمطبخ

حيث نزار فقال ما أن دخلت " أعرف هذه الأكلة

جيدا فلا تقفي على رأسي "

استندت بكتفي على الباب وقلت بابتسامة

" إن كانت كتلك يومها فلن تأكلها إلا وحدك "

ضحك ولم يعلق فاقتربت من القدر أحركه بالملعقة
*
*
قالت وهي تحرك الزيت والبصل " لا تقل أن

صديقك سيوقف دراستي لأني لن أوافق "

نظرت لها باهتمام إذا ذاك الشخص في المدرسة , قلت

وأنا أقطع الطماطم ونظري على ملامحها لأدرس ردة

فعلها " لا أعلم قد يغير مدرستك أو يلغي دراستك "

رمت الملعقة في القدر وقالت واضعة يديها وسط جسدها

" لا لن أترك دراستي يا نزار , يغير مدرستي يفعل

ما يحلو له لكن لن أتركها "

جيد يبدوا ليس في المدرسة قالت بعدها بشرود وحزن

" وصديقتاي هناك اعتدت عليهما , لما أنا لا يبقى لي أحد "

ثم نظرت لي وقالت برجاء " أخبره أن لا

يخرجني من هناك أرجوك نزار "

يبدوا أنه أحد أقارب صديقتيها حسنا لنرى , قلت وأنا

أفك اللحم المتجمد " من هما صديقتاك "

أبعدت القدر عن النار وقالت وهي تتوجه للطماطم

الذي قطعته " بتول تعرفها جيدا وأخرى أسمها ريحان

هما صديقتان من قبل أن أدرس معهم "

أعدت القدر على النار بعدما برد قليلا وسكبت هي فيه

الطماطم وقلت وأنا أحركه " وما يميزهما على

البقية لتكونا صديقتاك تحديدا "

جلست على الكرسي وقالت " بتول تعرفت عليها بطلب

من جابر أم نسيت وأعجبتني مرافقتها كثيرا فهي فتاة

مرحة وبشوشة وأخلاقها تعجبني كثيرا "

نظرت لها وقلت باهتمام " والأخرى "

قالت وهي تحرك الأرز في الصحن أمامها " لا أشعر

أنها كبتول هي تحب إهدار المال في الأكل وتصادق ابن

جيرانهم وتشتري له هدية لكني لم ألحظ عليها شيئا سيئا

غيره هناك أبدا وأغلب الوقت ترافق قريبتها

هناك وأنا وبتول نكون معا "

سكبت اللحم وقلت " كيف تصادقه هل يزورها في المدرسة

هل سبق ورأيتِ أحدا يقرب لهما أو يخصهما "

هزت رأسها بلا وقالت " لم أره أبدا ولم أرى سوا ابن

عم بتول ذاك الذي جاء لإيصالها كم مرة "

ثم نظرت لي وقالت " آه نعم ومرتين زار المدرسة شقيق

ريحان من أجل أن يأخذ إذنا لها ويخرجها "

هناك اثنان في اللائحة إذا معتصم وشقيق تلك , غطيت

القدر وقلت " وهل تعلمي أن ابن عم بتول ذاك متزوج "

لا أعلم لما قلت لها ذاك تحديدا قد يكون لأحاصرها لكنها

قالت بلا مبالاة ونظرها على الأرز بين أصابعها

" لا اعلم ولم أهتم لسؤالها عنه "

معتصم مستبعد إذا من القائمة , جلست أمامها

وقلت " وشقيق ريحان هل هوا متزوج "

نظرت لي وضحكت فقلت بضيق " هل قلت شيئا يضحك "

قالت بضحكة " عمره خمسة عشرة سنة فقط وهوا أصغر منها بعام "

وقفت وعدت للقدر , كم أصبحت أبدوا سخيفا ما علاقتي بها

رفعت الغطاء وحركته مجددا فقالت " ستفسد شكل اللحم

ويتفتت من كثرة تحريكه "

أغلقت القدر وقلت بضيق " حاضر شيف سما "

وقفت وفتحت الصنبور على صحن الأرز وقالت

" بل مساعدة فقط "

سكبت الماء من الإبريق في القدر وقلت مبتسما

" بل أنا المساعد هنا فكل شيء تحت أوامرك "

اقتربت ووضعت صحن الأرز المغمور بالماء بالقرب من

القدر وقالت " لا تنسى أنك من طلب أن أعلمك طريقتي "

قلت مغادرا المطبخ وهي تتبعني " كان أسوء قرار قررته "

دخلت غرفة والدتي وهي تتبعني قائلة " خالتي انظري لابنك "

ضحكت أمي ولم تعلق والتفت أنا لها وقلت بضيق

" كم مرة تشتكيني لها , هل تريني طفلا أمامك "

جلست بجوار والدتي وقالت " لأنها وحدها تدافع عني "

جلست وقلت ببرود " نعم متفقتان علي يا كسولتان "

نظرت ليدها وقالت " متى سأنزع هذا الشاش لقد تعبت منه "

قلت " اليوم سنفتح الغرز لن يطول الأمر كثيرا "

قالت والدتي " حتى تشعرين أن الجرح بدأ يهرشك

حينها يكون بدأ يلتئم هكذا كنا نعرفه في الماضي "

قالت بعبوس " شعرت فيه بكل شيء إلا الهرش "

ثم ضحكت ووالدتي معها وعيناي متركزة على ملامحها

لأول مرة أنتبه أن لها غمازتين تظهران عندما تضحك بل

لأول مرة أنتبه لأسنانها الصغيرة المصطفة التي تميز

ابتسامتها وضحكتها هل كل هذا بسبب الفضول يا نزار

بقيت أراقب كل حركاتها وهي تتحدث مع والدتي منسجمتان

فيما تقولان وكأني أختبر قدراتي في إظهار الاختلافات في

شكلها سابقا والآن , عينان زرقاوان واسعتان تميزهما النظرة

الخجولة وحاجبان مستقيمان معقوفان للأسفل في نهايتهما

ومهذبان الشعر وكأنهما محددان من قبل خبير تجميل

ملامح يميزها الهدوء قبل الجمال وشعر حريري غير

مقصوص منه ولا حتى غرة تمسكه دائما للخلف و ....

يكفي حتى هنا يا نزار بقي أن تفتش جسدها أيضا

أخرجني من تأملي صوت والدتي قائلة " ما رأيك أنت يا نزار "

نظرت لها وقلت " ما رأيي في ماذا "

قالت بابتسامة جانبية " رأيك فيما كنت تسرح فيه طبعا "

وقفت وقلت بتذمر " خرب الأرز وأنا جالس أستمع

لحديثكما الغير مفيد "

ثم خرجت وتوجهت للمطبخ وسكبت الأرز وغطيت القدر

وأعددت السلطة وأخرجت صحن الكوسة المحشوة من الثلاجة

لأسخنه وأنهيت تحضير الغداء وأدخلت الطاولة وتناولناه معا

واكتشفت حينها أني بث أراقب والدتي أيضا في كل ما يقولانه

وتلمح له لأكتشف سرهما فمؤكد والدتي ستعرف من يكون فأنا

أعرفها جيدا , ما يحيرني لما أنا مهتم هكذا لأمره ! صحيح أني

لا أريد أن يتلاعب بها أحد ويستغلها ولا أن تصدم في حقيقة

من سترسم له نموذجا مثاليا وتكتشف غير ما اعتقدت لكن

ذلك يفترض أن لا يستدعي مني كل هذا الاهتمام

نظرت سما ناحيتي وقالت " نزار هل لي بطلب "

قلت " بالتأكيد "

قالت " بتول لم تحضر منذ أيام ولا تجيب على هاتفها

اسأل عنها ابن عمها "

هززت رأسي بحسنا دون كلام فقالت " وشيء آخر "

قلت " نعم "

قالت ونظرها على طبقها " أريد الخروج تعبت من البقاء في

المنزل ولو للحديقة أنا وخالتي التي باتت سجينة بسببي "

قلت بهدوء " لن نغامر يا سما "

نظرت لي وقالت بحزن " مرة فقط "

تنهدت وقلت " سأتحدث مع جابر في ذلك وأرى

أي مكان يمكننا الخروج له "

ابتسمت برضا وقالت " شكرا لك يا نزار كم أنت رائع "

نظرت لها باستغراب فضحكت والدتي وقالت

" يفترض بك الآن أن تسعى في ذلك بكل جهدك "

نظرت لها بضيق فعادت للضحك مجددا ووقفت سما

وغادرت قائلة " سأصعد لأرى دروسي "

خرجت ونظري يتبعها ثم نظرت لوالدتي وقلت

" لقد أحرجتها هي قالتها بعفوية "

عدلت من جلستها ورفعت ساقيها على السرير

وقالت ببرود " وأنا قلتها بعفوية "

قلت بضيق " أمي أعرفك عندما تتعمدين تعكير

الأجواء فقولي ما لديك "

اكتفت بالصمت فزادتني غيضا على غيضي فقلت بضيق

" أنتي المقربة الآن من سما وبيت أسرارها فكوني حريصة

عليها وحذريها مما قد يضرها لأنك ستكونين الملامة يا أمي "

أمسكت مسبحتها وقالت " وما مناسبة هذا الكلام "

وقفت وقلت وأنا اجمع الأطباق " لا مناسبة غير أني بث

أستغرب شرودها في شيء لا تريد الإفصاح عنه "

ولم تعلق طبعا وكأنها تتعمد ذلك فخرجت بالأطباق للمطبخ

ونظفت الطاولة وأعدتها مكانها وغسلت الأواني

وصعدت لغرفتي استحممت ونمت من فوري
*
*
وصلت منزلهم وطرقت الباب , يبدوا مظهري سخيفا

لكن عليا أن أعلم ما قال لها بسرعة , سيارته هنا فسيفتح

لي بالتأكيد أو ستفتح سما لأنها لن تجد عذرا لفتح الباب

وهوا موجود معهما , بعد وقت فتحت الباب وقالت وهي

تعطيني ظهرها مغادرة أمامي " خالتي مستيقظة "

ولم تلتفت لي ولم تتحدث معي ولا مجرد الحديث بغير

تلك الكلمات فأغلقت الباب ودخلت وهي توجهت ناحية

المطبخ , ما أن أصير زوجة لنزار سأريك فمؤكد لن

يرفض عرضا يساعده في عملية والدته , دخلت غرفتها

ملقية التحية فقالت بغير ابتسامتها المعتادة

" وعليك السلام تفضلي يا دعاء "

سلمت عليها مستغربة من تبدل حالها فهي كانت

تستقبلني بابتسامة دائما , جلست وقلت

" ما بك يا خالة تبدين مستاءة من أمر ما "

قالت بهدوء " لا شيء مهم كيف هم والدتك وشقيقتاك "

قلت بابتسامة صغيرة " بخير جميعهن كيف صحتك أنتي "

هزت رأسها دون كلام فقلت " يبدوا مزاجك سيئا هل

رفض نزار ما قلتِ له "

قالت " دعاء يا ابنتي سأكون ناكرة جميل إن نسيت كل

ما قدمته لنا لسنوات وسبق وتحدثت مع نزار منذ أكثر

من عام في أمر الزواج منك ورفضه كليا والآن أيضا

وقال ليس لعيب بك لكنه لا يفكر في الأمر بل وأجله

أيضا وهوا لا يريد أن تتكرر تجربته مع رهام "

قلت " لكني لست مثلها فهل سيرى الجميع متشابهين "

تنهدت بحزن واكتفت بالصمت فقلت

" ليس هذا ما غيّرك وحده هل من خطب يا خالة "

قالت بعد صمت " تعرفينني لا أحب اللف والدوران

وقلب الأمور فما أريد قوله لك ولتعلم رهام به أيضا

أنه إن كان نزار يريد الزواج بإحداكما فلن أمانع رغبته

ولن أعارضه أبدا , لكن سما أبعداها عن كل هذا الأمر

هي فتاة يتيمة مرت بظروف صعبة جدا وتحملت ما ليس

لأي امرأة طاقة لتحمله فكيف بمن في سنها , كما أنه لها

أهل والد ستعود إليهم إن عاجل أو آجل فلا تكدروها

بموضوع نزار وتوقفا عن تهديدها فليس بينهما شيء "

قلت بصدمة " ما تعني بهذا يا خالة "

قالت ببرود " أعني ما فهمته يا دعاء أنا أقدر مشاعرك

كأنثى قد يضايقها اقتراب سما من نزار لكنه حقا لا يرغب

بالزواج ولا حتى بها فأبعديها عن تفكيرك , أنتي كابنتي

وكما أخبرتك أقدر مشاعرك وما تكنينه لابني وما فعلته

من أجلنا لكن سما خط أحمر لا يتجاوزه أحد وها قد

أكدت لك أنه لا مشروع زواج بينهما "

بلعت ريقي ولم أعرف ما أقول , ترى هل حكت سما

لهم ما حدث بيننا , قلت بصوت منخفض

" أنا لم أهددها بل هي من اتهمتني بمحاولة استمالته "

نظرت لي بسرعة قائلة " هل نواجهها بما تقولين والآن "

لم أعرف ما أقول إن رفضت افتضح أمري وإن وافقت

ستنكر طبعا , سمعنا حينها خطوات نزار نازلا من

السلالم ونادى قبل وصوله قائلا " سما "

فجاء الرد منها بصوت بعيد ومنخفض رغم رفعها

لصوتها قائلة " هنا في المطبخ "

توجهت خطواته هناك ولم أفهم ما كانا يقولان ثم سمعت

ضحكته وخرج جهة باب المنزل فأنزلت رأسي للأرض

وقلت " لا داعي لذلك لا أريد مشاكل مع نزار ومعك "

ثم وقفت قائلة " أنا كما هي لم أتغير سواء قبِل بي كزوجة

أم لا فلا تترددي في طلب أي شيء "

قالت بهدوء " لا أريد غير أن ننتهي من هذه المشكلة

وأعلِمي رهام أيضا لتبتعد عن طريقها وتحاول وحدها

إعادة ما ضاع منها "

غادرت من عندها دون تعليق وتقابلت وسما خارجة

من المطبخ فوقفت وقلت لها بسخرية " لا تحاولي تأليبهم

علي فلم يصدقك أحد فهم يعرفونني قبلك "

ثم غادرت من هناك ومن المنزل برمته وكأنني أريد

إفراغ غضبي منه بها بأن أجرحها بكلماتي , المهم أنه

لن يتزوجها هي أيضا فلن تكسب شيئا مثلي , إلا إن كانت

والدته تكذب علي فما بينهما لا يبدوا شيئا عاديا أبدا فأين

تحفظه في تعامله معي فحتى ابتسامته لم تكن تظهر

إلا نادرا بل وعيناه لا يلتقيا بعيناي إلا للضرورة وأنا

أراه الآن يعاملها عكس كل ذلك
*
*
غادرت لجلب بعض الحاجيات التي أوصتني بها سما

للمنزل وحين عدت دخلت بها للمطبخ وضعتها هناك

وتوجهت جهة غرفة والدتي وقفت عند الباب وقلت

" أين سما "

قالت بهدوء " لم أرها منذ وقت "

استغربت الأمر هي عادتا في هذا الوقت تكون في

المطبخ من أجل مساعدتي في العشاء خصوصا أنها

درست بعد الظهر , تركتها وصعدت للأعلى وطرقت

باب غرفتها عدة مرات ففتحت لي ونظرها للأرض

تخفيه عني فقلت " سما ما بك ما يبكيك "

قالت ببحة " لا شيء "

تنهدت وقلت " لو تتخلصي من كلمة لا شيء هذه "

نزلت دموعها مجددا وأخفت عيناها تمسحهما بظهر كفها

وتحول الأمر لبكاء فقلت بهدوء " سما يكفي بكاء أنا آسف "

يا لي من غبي قد تكون تذكرت عائلتها , أبعدت يدها عن

وجهها وقلت " أخبريني الآن ما يبكيك ولن أنزل قبل أن أعلم "

شهقت شهقتين متتاليتين ولم تتكلم فسحبتها من يدها نازلا

بها حتى وصلنا غرفة والدتي ودخلت ويدها في يدي قائلا

" أمي من ضايقها هي لا تريد الكلام وانظري

لعيناها من كثرة ما بكت "

مدت والدتي يداها لها وقالت " تعالي بنيتي "

توجهت نحوها من فورها ونامت في حضنها تبكي

ووالدتي تمسح على شعرها قائلة

" ما بك يا سما كنتي بخير ما قلب حالك هكذا "

قالت سما من بين شهقاتها " أشعر بالضيق "

أشارت لي بيدها أن أخرج فوضعت يداي وسط جسدي

رافضا الأمر فنظرت لي نظرة تهديد وأعادت إشارتها

لأتركهما وحدهما فقلت ببرود مغادرا الغرفة

" سأتعشى مع عوني لا تنتظروني على العشاء "

وخرجت من المنزل , لما تريد والدتي أن تبعدني مؤكد

ذاك الشاب في القصة , هل تحدثه عبر الهاتف يا ترى !!

فهي كانت بخير عندما خرجت من المنزل للسوق

وصلت لمنزل جارنا عوني طرقت الباب ففتح لي

وقال مبتسما " جئت مبكرا , المغرب لم يقام بعد "

دخلت قائلا " من قال لك تدعوني على العشاء تحملني إذا "

أغلق الباب ودخل خلفي وقال ضاحكا " قلت لم أرك من

مدة لنتعشى معا ونتسامر فجيد لم أخبرك منذ الصباح

لكنت تناولت الغداء أيضا معي "

دخلت وجلسنا في المجلس نتحدث وأبنائه يتقافزون

حولنا وتناولنا العشاء ثم وقفت قائلا " شكرا لك وأعذر

قدومي مبكرا لكن والدتي طردتني ولم أجد غيرك "

ضحك كثيرا ثم قال " معقول والدتك تطردك وأنت مدللها "

رفعت كتفاي وقلت مبتسما

" باعتني بمدللتها الجديدة فما عساي أفعل "

أمسك كتفي وقال " زوجها لشقيقي حازم إذا فهوا لازال ينتظر "

قلت بضيق " سبق وقلتها أخبره أن ينسى الأمر , لقد جن

شقيقك ذاك هل سيتزوجها أم سيربيها "

قال مبتسما " وهل سألتها هي عن رأيها أم هوا رأيك وحدك "

قلت بصدمة " ومن أين لك بهذا الكلام هل تحدث معها "

قال رافعا كتفيه " لا أعلم "

قلت بضيق " عوني أخبر شقيقك يبتعد عن سما "

قال بعد ضحكة " حسنا حسنا أجلس فالوقت ما يزال مبكرا "

قلت مغادرا من أمامه " لدي تحضير لبعض الدروس

وعمل على الخرائط وداعا "

خرجت من عنده وصلت المنزل ودخلت وتوجهت من

فوري لغرفة والدتي فكانت وحدها هناك تستمع للمذياع

فما أن رأتني أوفقته فقلت " أين سما هل نامت من الآن "

قالت مبتسمة " ما بك اليوم أين سما أين سما "

نظرت لها ببرود فضحكت وقالت

" في غرفتها طبعا وتدرس حد قولها "

قلت " هل تعشيتما "

شغلت المذياع من جديد قائلة " نعم "

قلت " هل أخبرتك عمّا كان يبكيها "

هزت رأسها بلا دون كلام ففتحت فمي لأتحدث فقالت

ببرود وهي تبحث في موجات الراديو " ليس علينا التركيز

على كل تصرفاتها , نحن نخنقها ألا تلاحظ ذلك "

لم أعلق بشي وهممت بالمغادرة حين استوقفني صوتها

قائلة " اطرق عليها باب غرفتها وإن كانت مستيقظة

أخبرها أن برنامجها المفضل سيبدأ قريبا "

قلت بفضول " وما يكون برنامجها هذا "

نظرت لي نظرة ما يعنيك أنت تحشر أنفك فتركتها

وصعدت , معها حق وما يعنيني أنا يبدوا أنني

أشعر بالفراغ وأتسلى بمراقبتها
*
*

صعد نزار ونزلت سما بعد قليل ووقفت عند

الباب فقلت مبتسمة " يبدوا لا رواية اليوم "

دخلت وقالت " بل علينا التسلي بها قليلا "

قلت وأنا أراقبها تجلس أمامي " هل تحدث معك نزار الآن "

هزت رأسها بلا فقلت بضحكة " غريب رغم أنه

استجوبني قبل أن يصعد "

نظرت لي بحيرة فقلت مبتسمة " لا تفكري كثيرا في

هذا وأخبريني هل تحدثت معك دعاء اليوم , أريد

جوابا دون تهرب كالمرة السابقة "

نظرت للأسفل وقالت بحزن " لا أريد التحدث

في الأمر خالتي أرجوك "

تنهدت وقلت " حسنا كما تريدين , أنا نبهتها وأخبرتها أن

تنبه رهام كي يبعداك عن طريقهما لأنك لست سبب رفض

نزار لهما لكن يبدوا أنها ضربت كلامي عرض الحائط "

لم تعلق أيضا وكأنها تتعمد إنهاء الموضوع , غريب

أمرها اليوم وحال نزار أيضا هذه الأيام فلقد أصبح فضوليا

بشكل مزعج وعلى غير عادته , سما أعرف مياهها أين

تسكب لكن نزار لا أفهمه جيدا حتى الآن , فتحت سما

الرواية وقالت " هل نقرأ "

قلت مبتسمة " نعم "

قرأت (( نظرت له بصدمة مطولا ثم قلت

" فراس يعرف جوجو !! "

قال بابتسامة جانبية " نعم "

ابتسمت ابتسامة خبيثة أم ابتسامة نصر أو لا اعرف ما

تكون وقلت بفضول " كيف ولما ؟ وهل يعرف غيرها "

قال ببرود " لن أقول ولا علاقة لك "

قلت بإصرار بعد قفزة صغيرة على السرير حيث

أجلس " هيا أشرف أخبرني "

قال بمكر " ولما تريدين معرفة ذلك "

قلت مبتسمة " لامسك عليه زلة ولو صغيرة

وانتقم منه على ما يفعل لي "

وضع يديه وسط جسده وقال " وهل سيكون دوري بعده "

وقفت وقلت " لا طبعا فأنت حليفي "

قال ببرود مكتفا يديه لصدره " لا حلفاء للأفاعي "

لويت شفتاي مستاءة فقال بنصف عين " إلا إن ... "

قلت باستغراب " إلا إن ماذا !! "
أمسكني من ذراعاي وأجلسني على السرير وقال

" إن فعلت ما طلبت منك طبعا "

تأففت وقلت " اشرف أبعدني عن مغامراتك الهابطة "

قال مشيرا بإصبعه للباب " رافقتك السلامة إذا "

تنهدت بضيق وقلت " أمري لله هات هاتفك فعلى ما

يبدوا لن أتخلص من جوجو كل حياتي "

مده لي وقال " ليست جوحو هذه أسوم "

ضحكت وقلت " من أين تأتي لهم بهذه الأسماء "

رمى عليا بالهاتف وقال " بسرعة بلا كثرة كلام "

أخذته من حجري حيث رماه فقال " افتحي مكبر الصوت "

تأففت واتصلت بها لأنها مسجلة لديه بذات الاسم فأجابت

من فورها قائلة " مرحبا شروف حبيبي "

نظرت له وضحكت ضحكة صامتة فنظر لي بغل
فحمحمت وقلت " مرحبا أسوم "

قالت بعد ضحكة " مرحبا رُدين هذه أنتي "

نظرت له بغل وقلت بهمس من بين أسناني

" لا تخبر شلتك الفاسدة عن اسمي مجددا "

لوح بيده بلا مبالاة فقلت " نعم أسوم والدتي تناديني , أنا

وشروف نعمل جهدنا مع والدي ولا تقلقي "

قالت مبتهجة " حقا ظننته يكذب علي "

قلت وأنا انظر له بضيق

" أتمنى أن تمسكيه من عنقه وتتزوجيه "

استل الهاتف مني وأنهى المكالمة معها فقلت بضيق

" أشرف خاف الله في بنات الناس "

قال بلا مبالاة " أخرجي هيا وشكرا لك "

وقفت وقلت " هيه اتفاقنا لم ينتهي بعد "

قال وهوا يدخل سريره " أخبرتك أني عرفتها

من خلاله لكنه لا يعرفها كما تضنين "

نظرت له بحيرة فقال وعيناه مغمضتان

" أطفئي النور قبل خروجك "

قلت ويداي وسط جسدي " لم أفهم "

انقلب للجانب الآخر وقال " وجدت رقمها لديه وقال

أنها فتاة تزعجه ولم يعرف كيف يتخلص منها فقدمت

له أنا هذه الخدمة وظهر في النهاية أنها تعمل معه وتعرف

من يكون وأرادت الدخول له من هذا الجانب لكنها فشلت "

قلت بنصف عين " حقيقة هذه أم كذب "

غطى رأسه باللحاف وقال " لست مجبرا على التبرير لك

ولا يهم إن صدقتني أم لا , أخرجي هيا ولا تنسي النور "

خرجت وتركت الباب مفتوحا ولم أطفئ النور أيضا , إذا

جوجو تعمل مع فراس وحاولت أن تستدرجه بالهاتف

فهذا يعني أنها لم تجد طريقا له هناك فحاولت تعليقه بشباكها

دون أن يعرف من تكون , ضحكت حين فكرت أن أفعل كما

فعلت وأتلاعب به وأنتقم منه , سمعت صوت أشرف مناديا

لي بصوت عالي فعدت جهة غرفته وأطفأت النور وأغلقت

الباب بعدما قلت " نم وأنت كالعجائز المعاقين "
ثم عدت جهة غرفتي دخلت ووقفت في منتصفها واضعة

يدي وسط جسدي , عمي رياض يبدوا ورطني في أبنائه

رغم أنه لم يقيدني باختيار احدهم وترك الخيار لي حتى

إن اخترت غيرهم لكني لن استطيع فعل ذلك وهم ثلاثة

وليس واحدا أجد فيه عيب أتحجج به ثم هل سأقف أسرد

له عيوبهم هذا به وذاك فيه وفي النهاية لا بشر كاملا

وسأتزوج من رجل له عيوب ومميزات

المشكلة الأخرى لا أحد منهم يتقبلني ولا مجرد التقبل

سأستبعد أشرف رغم أنه أيسرهم معاملة إلا أنه يملك

واحد من أكبر العيوب إلا إن كنت سأستحمل طوال

حياتي جوجو ومرمر وأسوم وغيرهم الكثير وهذا أمر

لا تقبله أي امرأة , نأتي لفراس لا لا لا ذاك مستحيل

لا أتخيل أن أكون وهوا في كان واحد كيف بغرفة مغلقة

علينا ستكون النتيجة أحدنا ميت , بقي وائل يكرهني أكثر

من البقية بل ويشمئز من وجودي ولكن قد يكون خياري

الوحيد , توجهت للخزانة أخرجت ثيابي وغيرت ملابسي
ارتديت بنطلون من الجينز وقميص وغادرت غرفتي

أبحث عن عمتي سعاد حتى وجدتها تجلس في الحديقة

فتوجهت نحوها قبلت خدها وجلست بجوارها فقالت

ضاحكة " ما أسعدني بابنة لم أحضا بها من قبل "

قلت مبتسمة وأنا أسكب القهوة لي " وما

أسعدني بوالدة بعدما كبرت "

ثم نظرت لها باهتمام وقلت

" ألم تنجبي بنات أبدا ما بك مع الشبان "

ضحكت وقالت " لم يكتب الله لنا بذلك لقد أنجبت فراس

في أول سنة تزوجت فيها عمك رياض وبعده بعامين رزقنا

بأشرف ثم لم يثبت لي حمل أبدا لخمس سنين حتى رُزقنا

بوائل ثم عادت وتكررت المأساة وماتت لي ابنة حديثة ولادة

وتأزمت كثيرا فقرر عمك رياض أن لا نحاول بعدها وأن

ما رزقنا الله بهم يكفي وزيادة وأن غيرنا لم يتحصل ولا

على واحد ويتمناه وإن كان لنا نصيب سيكون في

أحفادنا وبقيت هكذا أم لشبان فقط كما قلتي "

قلت بحيرة " إذا وائل أكبر مني بأربعة أعوام "

قالت مبتسمة " نعم وأشرف بتسع وفراس بإحدى عشر عاما "

قلت بعبوس " عجوز فراس هذا لما لم تزوجوه حتى الآن "

ضحكت كثيرا ثم قالت " عمره ثلاثون عاما فقط أنتي

حسبتها بالمقارنة بعمرك "
قلت " وإن يكن فالشاب من سن الخامسة والعشرون

يصبح مؤهلا للزواج "

ثم رشفت رشفة من القهوة وقلت بفضول " وائل عمره أربع

وعشرون كيف يدرس في الجامعة حتى الآن "

قالت مبتسمة " هوا يكمل لرسالة الماجستير , ألم تلحظي

أنه يدرس في غير وقت الجامعات لكنتِ أنتي

أيضا تدرسين الآن "

قلت " آه صحيح لم أنتبه "

وأمضينا وقتا طويلا من موضوع لآخر وأنا أقلد لها

من كن في الحفل وهي تضحك حتى سمعت صوتا

خلفي يقول " أمي كثرة الضحك تميت القلب "

نظرت له فكان وائل ينظر لها ثم تابع

" متى قال لك فراس عمي مصطفى قادم "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم قال الأيام القادمة "

سحب قطعة بسكويت من الصحن وقال بعدما قضمها

" وكم سيبقى وأين سيقيم "
قالت مبتسمة " لم أتناقش معه في هذا لما تسأل أنت "

ضحكت أنا وقلت " قالوا أن الفضول يطيل في

العمر يبدوا لأجل ذلك "

شعرت بشيء صلب ضرب رأسي فأمسكته متألمة ونظرت

للخلف فكان مغادرا يلوح بمذكرته ويضحك فنظرت لها وقلت

بضيق " أنظري لأبنائك لم يتركوا شيئا لم يجربوه علي "

ضحكت وقالت " أخبرت عمك أن لا يتخذ هذه الطريقة

ويتركك تعيشين معنا على حقيقتك كابنة لصديقه وأنتي

تختاري منهم لكنه رفض "

قلت ببرود " معه حق فما كانوا سيُقربونني من عالمهم

الحقيقي حينها وها قد اكتشفت كم ربيتما وتعبتما "

ضحكت كثيرا ثم قالت " ما الذي علمته عنهم جعلك هكذا "

وضعت يدي على خدي وقلت بحزن " سوء المعاملة يكفي "

وضعت يدها على يدي الأخرى وقالت
" رُدين أبنائي لم يعتادوا الفتيات معهم هنا والطريقة التي

أدخلك بها والدهم علينا وتعلقهم الشديد بي منذ صغرهم

هوا ما جعلهم يتصرفون هكذا "

قلت بحزن " وأنا لاحظت فراس خصوصا رغم ما يفعله

بي يعامل حتى الخادمة بلطف ويتحدث معك بهدوء واحترام "

قالت مبتسمة " أشرف أكثر من يعرف كيف يتعامل مع النساء

حتى أن بنات خالته كن يتسابقن على التحدث معه حين يأتيننا

في الإجازة ومنذ صغره يحب اللعب مع الفتيات وائل شخص

نظامي جدا ومرتب ويكره الفوضى والأشخاص الغير مرتبين

فتجديه ينتقد الجميع حتى في كلامهم وتصرفاتهم لأنه يهتم

بالمظاهر أما فراس فمنذ كان طفلا تعود أن يهتم بأخويه

فبقي حتى كبر يدقق عليهما وينتقد أخطاءهم حتى والده حين

كان يسافر يعتمد عليه وحده في كل شيء فلاحظي عمهم

مصطفى تفاهم معه دون الجميع على وقت قدومه وخاله

وجده كذلك وكل هذه الصفات جعلت فيهم عيوبا ومميزات "

نعم معها حق فأشرف معرفته الجيدة بعالم النساء وفهمه

لهن جعلت منه رجلا يعرف كيف يعامل المرأة كميزة

وزير نساء كعيب ووائل لإنسان مرتب كميزة ومغرور

مترفع على غيره كعيب وفراس شخص يمكن الاعتماد

عليه كميزة وانتقادي صارم كعيب , أي يا رُدين أفهمي
أنه مثلما لأبنائها عيوب لهم مميزات وتوقفي عن انتقادهم

أمامها كل حين وكأنك تخبريهم أنهم يورطونك بهم وأنهم

لم يحسنوا التربية , قلت بهدوء " معك حق لكل بشر عيوب

ومميزات ولا إنسان يخلوا من العيوب خصوصا , وأنا أيضا

رباني عمي رياض لأكون قوية في مواجهة ظروفي

فصار طول لساني عيب بي "

ضحكت كثيرا ثم قالت " وصراحتك أجمل ما فيك

وطبعا بعد وجهك الجميل "

قلت بضحكة " هل تعلمي ما قال لي أشرف يوم أخذني للسوق "

قالت مبتسمة " ماذا قال "

ضحكت ثم قلت " قال من يراك صامتة يقول ما هذا الملاك

وحين تتحدثين يكره جمالك الزائف "
ثم بدأنا بالضحك وبعدها سكت وقلت بحزن " لكنه أهانني "

رأيت حينها يد تمتد للكرسي الآخر وسحبته وجلس صاحبها

نظرت له فكان فراس وفي يده صحن به لوز أخضر بقشوره

بقي يمسكه في يده ولم يضعه على الطاولة ووقفت حينها

عمتي سعاد وقالت " رُدين انتبهي لحوض النعناع أن يفيض

فيه الماء , عمك رياض دخل المنزل سأذهب له قليلا "

ثم غادرت من فورها بعدما ربطتني للجلوس مع هذا

المخلوق , نظرت له فمد لي بالصحن بمعنى هل ترغبين

فهززت رأسي بلا بملامح باردة فقال بابتسامة جانبية

" غريب رغم أنك تحبين اللوز الأخضر ... أليس كذلك "

حينها كادت تخرج عيناي من الصدمة بما قال ))

أغلقت الرواية وقالت " والآن كيف علم "

ضحكت وقلت " سنعرف فيما بعد "
نظرت للرواية في يديها لوقت ثم قالت ولم ترفع

نظرها عنها " خالتي هل أسألك سؤالا "

قلت مبتسمة " بالطبع صغيرتي "

قالت وحالها كما هوا عليه " هل من يحب ينسى بسهولة "

قلت " لا بنيتي أصعب شي يكون ممن تحبينه فجرحه

صعب وهجرانه صعب ونسيانه أيضا صعب "

نظرت لي حينها وقالت " وكيف نسي نزار رهام إذا "

قلت مبتسمة " لم يكن الأمر سهلا بادئ الأمر فقط الرجال لا

يعبرون بسهولة كالنساء لكن الجرح كفيل بفعل ذلك

فأصعب خذلان يكون ممن نحب "

قالت بحزن وعيناها تنظر في الفراغ

" لما الحب صعب ومتعب هكذا "

قلت بهدوء " لا يا سما هوا جميل أيضا حين يكون

من الطرفين ويكونان على وفاق "

نظرت لي وقالت باهتمام " وكيف نجعله من الطرفين "

قلت بعد ضحكة " أخبريني من يكون لأساعدك "

حضنت الرواية وقد احمر وجهها من الخجل

وقالت بهمس " لا استطيع "

قلت مبتسمة " إذا حين تستطيعين أخبريني اتفقنا "

هزت رأسها بحسنا ثم وقفت وأعطتني الرواية وقالت

" هل تريدين شيئا قبل أن أصعد "
قلت وأنا أجلس مبتعدة عن ظهر السرير

" ساعديني لأصل للحمام واملئي لي الماء في الإبريق فقط "
*
*
ساعدتها حتى دخلت الحمام وأوصلتها للسرير وملأت

لها إبريق الماء ثم أطفأت النور وخرجت من غرفتها

وصعدت الدرجات ببطء انظر لخطواتي عليهم بشرود

وأفكر إن كان نزار يحبني أم هوا من طرفي وحدي وكيف

سأعلم ! لن استطيع إخبار خالتي أنا أخجل منها حقا ولا أن

اخبره فأنا أخجل منه أكثر من والدته ولا أريد أن ألقى

مصير دعاء , وصلت أعلى السلالم وتابعت سيري

بشرود أعد بأصابعي كم جمعت من مصروفي حتى وقفت

لأفاجئ بنزار يقف مستندا بكتفه على الجدار الفاصل

بين غرفتينا


*********************
__________________
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 12-29-2015, 11:50 AM
oud
 

قلت بصدمة " أرجوان يا غبية ماذا تفعلين هناك "

وكانت النتيجة طبعا أن أغلقت الهاتف في وجهي لأنها

باتت تعلم أنني ذللت المكان فعدت أدراجي ونزلت السلالم

وغادرت القصر ولففت ورائه وصعدت السُلم النحاسي

الملتف الذي يقود للسطح لمشروع والدي الذي لم يكمله

وكان مخططه أن يوصله بسلالم القصر الداخلي , وصلت

للأعلى وكان المكان مظلما سوى من إنارة عند طاولة

مصدرها الشموع الكثيرة حولها وفوقها وتلك المشاغبة

ليست هناك " بما نخدمك يا سيد "

نظرت جانبا فكانت هي ترتدي ملابس نادلات وتمسك

ورقة في يدها فنظرت لها ببرود دون كلام فقالت مبتسمة

" تفضل بما نخدمك "

أمسكت قبعتها من رأسها ورميتها بعيدا وقلت " أريد زوجتي "

وضعت يدها على رأسها وقالت بضيق " وما فعلته لك قبعتي "

أمسكتها من ذراعها وسحبتها لصدري وقلت بابتسامة جانبية

" وسيتبعها باقي ملابسك أيضا "

شهقت وقالت " هل تعلم ما عقوبة التحرش الجنسي "

قلت ونظري على شفتيها الممتلئة " ماذا "

لفت ذراعيها حول عنقي وقالت " إسقاطك من هنا للأرض "

مررت أصابعي في شعرها وقربت وجهها بغثة وقبلتها بقوة ثم

تركتها وقلت متوجها نحو الطاولة " أضيفي هذه لقائمة العقوبات "

لحقت بي حتى جلست وقالت " لا بأس معتادين على هذا من زبائننا "

ضحكت وقلت " أرجوان قسما برب هذه السماء إن فقدت

أعصابي سأفرغ فيك غضبي من كل شيء "

قالت متجاهلة ما قلت " ما طلباتك "

رميت الشمعة أمامي على الأرض وقلت

" زوجتي وبسرعة لو سمحتي "

قالت ببرود " أعانها الله عليك "

نظرت لها بضيق فهربت من أمامي ضاحكة وغابت لوقت

وأنا أراقب السطح حيث الأعمدة الحديدية التي تغطيه وكأنها

أقفاص أو قبب مساجد والأحواض النحاسية والفضية المنتشرة
في أرضيته , مشروع والدي الذي لم يكتب له الاكتمال لأنه مات

قبل أن ينهيه وحتى أوراق مخططته لازالت موجودة , يبدوا أني

أهملت حلمه الذي كنت قررت أن أحققه وغفلت عنه لسنوات

طوال من التأجيل حتى نسيته , بعد قليل أضاءت الأعمدة بأضواء

ملفوفة حولها لتتحول مع الظلام لمشهد رائع وتراءى لي طيفها

قادمة من خلف الظلام ويبدوا أنها ترتدي شيئا طويلا حتى

أرضية السطح , اقتربت وظهر فستانها الحريري الطويل

المفتوح من أعلى بدون أكمام وشعرها الحريري الطويل يغطي

ظهرها وأكتافها وماكياج ثقيل لا أعلم كيف وجدت الوقت

لتضعه وطقم زواجنا تلبسه للمرة الأولى أمامي , وصلت

عندي مبتسمة فقلت بابتسامة صغيرة

" لا تجلبيني لهذا المطعم ثانيتا حتى يغيروا طقم

عامليه وخصوصا تلك التي تجيب على الهواتف "

لوت شفتيها وقالت بضيق " جابر كان يفترض ببيسان

أن علمتك كيف يستقبلون الأميرات "

ضحكت ضحكة صغيرة ثم وقفت مغادرا الكرسي

ومددت يدي لها فوضعت يدها فيها فقبلتها وقلت

" هل أنتي راضية الآن يا أميرة أرجوان "

قالت بابتسامة " لا "

نظرت لها نظرة باردة فضحكت وقالت

" اسحب لي الكرسي أيضا "

سحبته لها وقلت " هل أنا المدعو هنا أم أنتي "

جلست وقالت " أنت طبعا "

جلست وأنا أقول " إذا الخدمات تكون لي وليس لك "

رفعت بعض الشموع من الأرضية تحتها ووضعتها

على الطاولة وقالت " يكفي لا كم أنتي جميلة ولا ما هذا

الحسن تحت ضوء القمر وتريد أن أخدمك أيضا "

كتفت يداي لصدري وقلت ببرود " نعم زيدي من طرح عيوبي "

رمت ما سقط من شعرها أماما للخلف وقالت

" ليست عيوب بك بل عيب بي أنا لم أتخلص منه "

قلت بجدية " وهوا "

نظرت لي وهي تتكئ بذقنها على يديها المسندة لهما

بمرفقيها على الطاولة وقالت بابتسامة

" هوا أني أتوقع أشياء يفترض أن لا أنتظرها "

نظرت لها بضيق فأبعدت ذقنها ونظرها عني

وقالت " أنا قلت عيب بي وليس بك فلا تنسى "

نزعت سترتي ورميتها على حافة الطاولة وقلت

ببرود " أرجوان لا تلعبي معي "

قالت بتذمر " كن رومانسيا مرة واحدة ما هذا لا تلعبي معي "

ابتسمت وقلت " ستتعبين معي إن تحولت لرومانسي "

لوحت بيدها أمام وجهها وقالت بابتسامة " دعني أجرب "

غادرت الكرسي وتوجهت نحوها وهي تنظر لي بحيرة

وترقب فرفعتها من عليه بين ذراعاي وتوجهت بها نحو

الحافة الأقرب للسطح فتمسكت بي قائلة

" لا لا أريد أي رومانسية منك ... لقد تبت "

ضحكت ثم أنزلتها وأوقفتها أمامي مولية طهرها لي

ثم أحطت خصرها بذراعاي نشاهد أنوار المدينة

وقلت بهمس " هل أخبرك سرا "

لاذت بالصمت ولم تتحدث وما أن فتحت فمي لأتكلم حتى رن

حينها هاتفي في جيب بنطالي فأخرجته بيد واحدة والأخرى

لا تزال تحضن خصرها وأجبت عليه قائلا " نعم يا خليل "

قال " خرج بسم مزور سيدي وأمسكوه حيث نزل في .... "

قبلت خدها وقلت بابتسامة انتصار " رائع سنطالب بتسليمه إذا "

ثم أنهيت منه الاتصال واتصلت بأسعد الذي أجاب من فوره

قائلا " سمعت بالأخبار بالتأكيد "

غمرت وجهي بيت شعرها وعنقها وقبلته فارتجفت

وكأني سأسقطها من هنا وليس أقبلها وقلت

" نعم سمعت ولن يهدأ لي بال قبل أن نجلبه من حيث وصل "

ثم ابتعدت عنها لمكان متطرف ومر بعض الوقت أتناقش معه

في أمره وكلما نظرت ناحيتها كانت على حالها تقف تشاهد

المدينة ولم تتحرك وما أن أنهيت الاتصال منه حتى رن مجددا

ففتحت الخط وانشغلت مع المتصل من وزارة الخارجية

ثم التفت لها فكانت غير موجودة فجلت بنظري في المكان

حتى رأيتها تنزل من السلالم فتوجهت نحوها حتى أمسكت

ذراعها وأعدتها معي قائلا " نتحدث لاحقا في الأمر وداعا "

وأنهيت المكالمة منه واتصل أسعد مجددا فأجبت وأنا أسير بها

نحو مقعد نحاسي متحرك كالأرجوحة وجلست وأجلستها

بجانبي قائلا " نعم يا اسعد "

قال من فوره " هل أنت متأكد من إرجاعه سالما "

أحطت كتفاها بذراعي وقلت " لا طبعا "

قال " إذا ما نفع ما سنفعل "

قلت وأنا أرى يدها التي أمسكت يدي " ستعلم لاحقا ما

نفع كل هذا وداعا الآن "

قال بعد ضحكة " نعم ضاعت تلك الأيام التي تخرج

فيها هذا الوقت من منزلك لأجل أقل من هذا الخبر "

قلت بعد ضحكة " أسكت يا وقح "

ثم ضحكت كثيرا حين قال " أتبث لي غير ذلك

وأخبرني أين أنت الآن وماذا تفعل "

أخذت أرجوان الهاتف مني وأنهت الاتصال وأغلقته

نهائيا ووضعته بجانبها فقلت وأنا انظر لملامحها بتركيز

" لماذا نزلتي سيدة أرجوان هل تتعبيني كل هذا التعب

لأجد مكانك هنا ثم تنزلي وتتركيني "

قبضت على يدي بقوة واتكأت برأسها على كتفي دون

كلام فشددتها لحظني بيد واحدة وقلت

" أرجوان كم مرة شرحت لك هذا الأمر "

لم تزدد إلا ضغطا على يدي وصمتا فقلت بهدوء

" أرجوان ماذا قلنا في آخر مرة "

رفعت ساقها وقالت " كعب الحداء انكسر ونزلت لأغيره "

ضحكت حينها وقلت " قولي هذا من البداية , لا

أعرف لما تخونين توقعاتي دائما "

قالت وهي تغمر وجهها في كتفي " بل أنت من يظلمني دائما "

رن حينها الهاتف الذي في جيب سترتي عند الطاولة

فأمسكت بخصري بقوة فأحطتها بذراعاي وقبلت رأسها

وقلت " لن أجيب عليه ولن أتحرك لكنه الهاتف

الخاص بالعائلة وليس عملي "

قالت وهي تشد خصري بقوة " لا علاقة لي "

قلت بضحكة " حسنا لن أجيب "

ثم قلت وأنا امسح على شعرها " هل فكرتِ يوما

أن تضعي نفسك مكان أي واحدة من أصحاب قضاياي

فما كنتِ لترضي أن أتقاعس في قضيتك "

ابتعدت عني ونظرت لعيناي بعينان بدأت تمتلئ بالدموع

ثم قالت " ولو كانت هي مكاني هل كانت ترضى أن أضع

زوجها في الخطر وأسرق ليله في المجهول ونهاره في

صراع الموت والأحياء بقلوب ميتة , أنا لا أفتقد وجودك

معنا أكثر من أني أخاف أن نخسرك يا جابر فأن

تبتعد نهايته ستعود لكن أن تموت فلن تعود أبدا "

أرجعتها لحظني وقبلت رأسها وقلت

" لا تخافي يا أرجوان سأكون بخير "

لا اعلم إن كانت هذه المرأة تختار ما تقول أم يخرج منها هكذا

عفويا فهي بذكاء لا أعرف من أين جاءت به لم تذكر في عبارتها

كلها ما أكره أن اسمعه منها وسيقلب أمسيتنا هذه لشجار محتم

رغم أنه الوقت المناسب لذكرها ذاك الأمر فمن أي نوع من

النساء أنتي يا أرجوان , اتكأت بظهري على ظهر الكرسي

وهي في حضني ليتحرك متأرجحا بنا مصدرا صريرا

واضحا وقلت " كيف تمكنتِ من تربية أبنائي وأنتي في

ذاك السن , بمن استعنتِ في ذلك "

وضعت كفها على صدري وقالت بهدوء " لم أتخيل حياتي

أن أكون في ذاك الموقف , ترف كانت لم تتجاوز الثلاث

أشهر بعد وحتى امجد كان عمره ثلاث أعوام أي أطفال

لم يزرع أحد بهم شيء وعقول بيضاء أنا من سيكتب فيها

كان ذلك أول ما فكرت فيه ... لا كيف سأربيهم ولا من أين

سأصرف عليهم , فقط فكرت على ماذا سأربهم ثلاثتهم فجلست

وسط المنزل وترف بين ذراعاي وبيسان تقف أمامي تبكي

وأمجد يحاول إسكاتها , لا تعلم كم أثر بي ذاك المشد وتعلمت

منه درسا لم أنسه يوما وهوا أنك مهما كنت ضعيفا ولا حيلة

لديك فحاول ولا تيأس كما كان أمجد وقتها , فتحدثت معه هوا

أولا قائلة ( هل نرعى شقيقتاك معا )

فهز رأسه بنعم لأبتسم وتدمع عيناي فهوا لم يقل لا أستطيع

أو لا املك المال وأنا طفل , تصور ما قال لي بعدها "

مسحت بإبهامي دمعة انسابت على خدها وقلت " ماذا قال "

ضحكتْ ضحكة صغيرة وقالت " قال لكننا لا نعرفك

ومنذ ذاك اليوم عاهدت نفسي أن أربيهم جيدا قبل أن أرعاهم

لم أنم بعدها لليالي من بكاء ترف وبيسان وعندما بدأت تنفذ

النقود لدي أدركت أني بحاجة لدخل لي ولكن كيف بشهادة

ثانوية عامة وحتى إن تحصلت على وضيفة فمن سيبقى

معهم وقت غيابي بل ووقت بحثي عنها لأني حتى

للسوق كنت آخذهم معي "

شدت بقبضتها على قميصي وقالت " وصلت لمرحلة أن

نمت بلا طعام لأيام لأوفر المال لأجلهم وقرأت كتب

تربية الأطفال كي لا أقصر في تربيتي لهم وأحاسب أمام

والدي يوم الحساب ولم أتصور أني سأحاسب أمامك

في الدنيا لأنك أنت والدهم وليس هوا "

قلت باستغراب " كيف تحاسبين أمامي أنا "

جلست وقالت " تذكر أول ما أخذتهم حاسبتني على

دخول بيسان للحمام "

لعبت بشعرها بين أصابعي وقلت ونظري عليه

" أنا لا أنتقد تربيتك لهم أبدا "

قالت بحزن " لكني بث أخجل من وجودي في حياتك وحياتهم "

أخرجت يدي من شعرها وقلت وأنا انظر لها بحيرة

" كيف تخجلي من وجودك في حياتنا "

أمسكت بيدي وضمتها لصدرها وقالت

" جابر أرجوك اشرح لي مكان والدي من كل ما حدث "

حضنت وجهها بيداي وقبلتها قبلة صغيرة ثم قلت

" لا تفكري في كل هذا يا أرجوان فوالدتهم حين خرجت

بهم من هنا كانت ترف في نهاية شهرها الثاني من ولادتها

لها ولم يكن بينها ووالدك ما في مخيلتك ولا يمكنني

قول أكثر من ذلك "

أمسكت يداي بيديها وقالت بدمعة نزلت من عينيها

" حمدا لله حمدا لله "

وقفت وأوقفتها قائلا " الجو يبرد أكثر ستمرضين

وأنتي هنا بهذا الفستان "

توجهت نحو الطاولة أخذت سترتي ووضعتها على كتفيها

وقالت وهي تتوجه جهة السلالم " شكرا على إطرائك

لفستاني وللأمسية الجميلة وعلى أنك ألبستني سترتك

لأن الجو بارد ولا تريد أن ننزل سريعا وعلى أنك

شكرتني على كل هذا "

ثم التفت لي وأنا واقف مكاني يداي وسط جسدي وقالت

" لكنها أجمل أمسية بالنسبة لي فشكرا لأنك عدت مبكرا

ولأنك لبيت الدعوة هنا لن أنسى هذه الليلة ما حييت "

ثم نزلت وتركتني ولا أعلم ما قصدها بهذا تنزل وحدها

وتقول ذلك لي من بعيد وتتركني هنا , بقيت قليلا مستندا

بقدمي على حافة أحد الأقواس من الأسفل وأجريت باقي

مكالماتي بهاتفي الذي بقي على الكرسي وفهمت الآن لما

تركتني وحدي ونزلت , وبعدما أنهيت جميع المكالمات

نزلت للأسفل ودخلت القصر ودخلت الجناح والغرفة

مباشرة فكانت هناك تجلس على السرير بقميص النوم

ونظرها على المبرد الذي تبرد به أضافرها وقد جهزت

لي المنشفة وثيابا فوضعت الهاتف على الطاولة وأخذت

المنشفة ودخلت الحمام استحممت وخرجت بالمنشفة طبعا

وتوجهت لجهتي من السرير واتكأت بمرفقي بجانبها وأخذت

المبرد من يدها ورميته بعيدا ثم شددتها لحظني فقالت

" شغل حاسوبك وجهاز المراقبة على ممر الجناح والردهة أولا "

نظرت لها باستغراب ثم قلت " ولما "

ابتعدت عني وقالت وهي تغادر السرير

" سأحضر لك الحاسوب من الردهة وستعلم بعد قليل "

أحضرته من هناك وأغلقت الباب ووضعته على السرير

فنظرت لها باستغراب فقالت قبل أن أتحدث

" ستفهم كل شيء فقط افعل الآن ما أقول لك "

وابتعدت عني وشغلت نفسها بأدراج طاولة التزيين وكأنها

تخبرني أن اطمئن أنها لن ترى كيفية تشغيل نظام المراقبة

فتحت الحاسوب وفعلت كما طلبت وانقسمت الشاشة على

صورتين واحدة لردهة الجناح والأخرى للممر وأبعدت

الحاسوب قليلا وقلت " تعالي انتهت المهمة سيدي "

توجهت نحوي ودخلت السرير ونظرت لشاشته ثم

نامت في حضني وقالت " لا يغيب نظرك كثيرا عنه "

ابتسمت وشددتها لحضني وبعد وقت ليس بقليل أيضا

قفزت مبتعدا عنها وأنا أرى الخادمة التي تتسلل لجناحنا

بعدما تركت سلة غسيل كبيرة أمام الباب وفتحته ودخلت

تمشي على رؤوس أصابعها حتى اقتربت من باب

غرفتنا وقربت أذنها من الباب تستمع لنا وأنا انظر لما

يجري أمامي بصدمة ثم أمسكت المنشفة من جانبي

بقوة ولففتها حول خصري أتنفس بقوة وغيض فأمسكت

أرجوان بيدي وقالت بهمس " جابر لا يأخذك الغضب

فتصرف بروية وحكمة كما أعرفك "

استللت يدي منها بقوة وقلت بغل من بين أسناني وأنا أهم

بمغادرة السرير" أقسم لن ينقذها مني إلا الموت "

أمسكت ذراعي بقوة وقالت برجاء " جابر تحلى بالحكمة

كما كنت دائما فما تنوي فعله الآن لن يعالج الأمر "

عدت جالسا على السرير وتحركت هي قائلة

بصوت مرتفع " لا تقلق أراهم في غرفهم وأعود "

خرجت حينها تلك الخادمة مسرعة من الجناح على نظري

فنظرت لها وقلت " لما لم تتركيني أمسكها متلبسة "

جلست وقالت " وما الفائدة إن لم تنهي المشكلة في حد ذاتها "

نظرت لها باستغراب ثم قلت " وكيف علمت أنتي بها "

ارتدت قميصها وربطت الحزام وقالت

" سيلا رأتها بالمصادفة في إحدى الليالي "

أبعدت بيدي الحاسوب وقلت بغل " الأمر يحدث هنا

منذ وقت وأنا نائم عنه لتكشفه لنا سيلا "

قالت بهدوء " لاحظ أنها خادمة والدتك "

نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " ما قصدك يا أرجوان "

قالت " تفهم قصدي جيدا لن تكون جاسوسة من الخارج

تتجسس على أحاديثك وزوجتك ليلا وهي تعلم انك لن تخبرها

عن أمور عملك أبدا وخصوصا هذا الوقت ولا فضول خادمات

من دفعها لغرفة متزوجان لأنك رأيت بعينك هي قربت أذنها

وليس عينها من خرم الباب فلن تستفيد شيئا من إمساكك

بها لأن الفاعل سيكررها كان من يكون "

نظرت لها مطولا ثم قلت " لن أتهم والدتي بذلك

في وجهها ولو كنت متأكدا "

مسحت على خدي بيدها وقالت بهدوء

" ولا أنا أشجع فعل ذلك "

بقيت أنظر لها بصمت وكأن عقلي يقول استمع لرأيها

هي فقالت " هذا الطابق لنا وللأولاد وزهور التي

ستتزوج قريبا ولمعتصم الذي يتغيب أكثر مما يبقى "

بقيت أستمع لها بانتباه فتابعت " سيلا وحدها تكفي للاهتمام

به وهي أتق بها أكثر من نفسي وأمر واحد منك

سيمنع البقية من الصعود لكل الطابق "

قلت بعد تفكير " العمل هنا سيتعبها وحدها "

حركت يدها على خدي وقالت

" سأساعدها المهم لا يكون غيرها هنا "

ابتعدت وقلت " لن أرتاح قبل أن اعلم منها من وراء ما تفعله "

قالت " وما الذي ستستفيد منه إن استجوبتها

سيعلم من وكلها بذلك وسيجد البديل "

عدلت وسادتي بغيض ونمت عليها موليا ظهري لها

وغطيت جسدي باللحاف بغل , أنا جابر تضحك مني

خادمة وتتجسس علي في وسط جناحي وأظهر بهذا المظهر

المنقص لي كرجل له حدوده هنا قبل مركزي وأجهزة

مراقبتي , إن كانت والدتي فهذا أكبر دليل أنها ما تزال

تراني طفلا وتعتقد أن أرجوان تؤثر بي وإن كان شخصا

من خارج القصر فقد أثبتت له أني أسد في الخارج وفأر

في الداخل يسهل على خادمة أن تتجسس عليا وفي

غرفتي , بقيت لوقت أزفر بغيض وأتأفف بقوة حتى

شعرت بيدها تمسح على ذراي العاري ثم قبلت كتفي

وحضنت خصري بذراعها ودست وجهها بين كتفاي

وقالت بهدوء أقرب للهمس " لو كنت اعلم أنها ستعكر

مزاجك لي هكذا لكنت أخبرتك في النهار وذهبت

بغضبك هذا هناك لعملك "

قلت بهدوء " أرجوان أنتي آخر من أريد أن

افرغ غضبي الآن فيه "

قبلتني بين كتفاي وقالت بهمس

" حسنا لن أتحدث تصبح على خير "
*
*
نام بعد وقت وأنا لم يغمض لي جفن كان يتنفس بقوة وغيض

حتى ظننته سينفجر , كم أعجز عن فهم هذا الرجل فحتى

غضبه من غيري أعجز عن إخماد نيرانه فكيف إن غضب

مني أنا , كنت أتمسك بخصره بقوة وكأنه سيطير أستمع

لتنفسه الهادئ المنتظم بعد كل ذاك الهيجان والإطراب فقط

لأن خادمة تتجسس عليه يعني ويلك يا أرجوان أن تخطئي

غمرت وجهي بين كتفيه أكثر ولا أعلم لما أصبحت في كل

يوم أتعلق به أكثر حتى نبرة الحزم في صوته باتت تشدني

له وحتى بروده وتحجره أصبح عندي أفضل من غيابه

لم أتصور يوما أن أصل لهذه المرحلة فكل ما كان في

مخيلتي أني سأكون مربية ومعلمة لأبنائه وحتى بعدما

اكتشفت الحدود التي رسمها لي في أول ليلة نام فيها معي

كزوجين فعلا تخيلت أن حدودي ستكون السرير فقط وسيبقى

شيئا جانبيا ووسيلة لأكون مع الأولاد ليس إلا , أخرجني من

تلك الأفكار صوته المشبع بالنوم قائلا " أرجوان لن أقع

من السرير ابتعدي عني لأنام قليلا ورائي ما لا

تتخيلي حجمه في الغد "

قلت بابتسامة " أخبرتك مرارا أن لا تمن عليا بما هوا ملكي "

التفت ناحيتي وشدني لحضنه وقال " عكرت مزاجي تلك

الحشرة نامي ولا تتحركي كثيرا كي لا أرميك خارج السرير "

نمت في حضنه ولم أعلق بشيء لأنه ليس وقت كلام

فكما قال ورائه نهار طويل ولا مكان لي فيه فعليا أن لا

افسد الوقت الذي لي

نمت ولم اشعر إلا بثقل يده تبتعد عني ففتحت عيناي

فكان مغادرا السرير ودخل الحمام , جلست ونظرت

للساعة فكان وقت صلاة الفجر قد اقترب فغادرت السرير

أيضا وتوجهت لحمام الجناح استحممت وخرجت بالمنشفة

لأني نسيت أخذ ثياب معي دخلت الغرفة فكان يرتدي

ملابسه فركضت مسرعة جهة غرفة الملابس كي لا

يسخر من منشفتي كما فعلت معه , ارتديت ملابسي

وخرجت على حركته الكثيرة في الغرفة فنظرت

باتجاهه وقلت " هل أضعت شيئا لأساعدك "

قال وهوا يفتح الخزانة " لا "

توجهت للسرير وقلت وأنا أرتبه

" سأعد لك شيئا تأكله لا تذهب دون إفطار "

توجه نحوي ومد لي ربطة العنق قائلا

" لا وقت لدي , بسرعة ألبسيها لي "

أخذتها منه وأدرتها حول عنقه وأنا أقف على رؤوس

أصابعي ثم ربطتها له وأغلقت له أزرار سترته وقلت

" استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه , جابر

دعنا نصب عينيك دائما "

قال وهوا يثبت سلاحه " حاضر يا أرجوان كم

مرة ستذكرينني بها "

قلت وأنا انظر لملامحه " كلما تخرج لهم لأني أعرفكم

ترمون بأنفسكم للخطر ولا تفكرون في أحد "

أمسك وجهي بيديه وقال " كنتي تعيشين وترعيهم من

دوني ولم تحتاجي لي يوما "

نمت في حضنه أخفي الدموع التي خانتني وقلت بهمس

" كان ولا يمكن أن يعود كما كان أفهمها يا جابر "

مسح على شعري وقال " لن يصعب عليا فهمها يا

أرجوان ولا تقلقي لا أحد يموت قبل أوانه "

ثم أبعدني عنه وقال وهوا يمسح دموعي

" قد لا أعود الليلة فلا تقلقي إن تأخرت "

ثم غادر جهة الباب فقلت " جابر "

التفت في صمت فقلت " أخبرني إن كنت

ستنام خارجا ولو برسالة "

هز رأسه بحسنا وغادر ككل يوم لا أسمع سوا خطواته

الثقيلة على أرضية الجناح , رفعت شعري خلف أذني

وأغمضت عيناي بشدة أسترجع كلماته حين قال

( لن يصعب عليا فهمها يا أرجوان )

هل أنا عارية المشاعر أمامه لهذه الدرجة أم هوا

من الذكاء أن يفهم خبايا قلبي مثل عقلي الذي يقلبه

بين يديه كالجريدة , جمعت ثيابه ووضعتها في سلة

الغسيل ثم غادرت لغرفة الفتاتين فوجدت ترف كعادتها

مستيقظة وتتحدث مع نفسها أو مع أشخاص مجهولين

لا افهم فقط ما أعرفه أنها مرحلة مرت بها بيسان أيضا

ودونا عن أمجد , ما أن رأتني حتى مدت يداها لي

فتوجهت نحوها وحملتها من السرير فقالت

" صباح الخير ماما "

قبلت خدها وقلت " صباح الخير يا حبيبة ماما

أنتي متى تستيقظين "

قالت مبتسمة " عندما يقول الله أكبر "

ابتسمت وأنزلتها للأرض ثم أيقظت بيسان ومسحت

لها وجهها بالماء لتركز معي وقلت " ادخلا وتوضئا

سأوقظ أمجد وآتي إليكما "

هزت رأسها بحسنا وترف ركضت قبلها للحمام طبعا

توجهت لغرفة امجد لأوقظه , عليه أن يأخذه معه للمسجد

أمجد ليس صغيرا أنا سأتكفل بإيقاظه ليكون جاهزا وقت

خروجه المشكلة انه اغلب الأحيان يخرج قبل الصلاة

بقليل يصلي ويغادر من هناك من فوره ولا رجال هنا

غيره سأتحدث مع معتصم حين يكون هنا يأخذه معه

أو حتى عمه منصور فمنزله ليس بعيد أبدا , كما أنه

عليا زيارتهم فكل مرة أأجل الأمر حتى أصبح مظهري

سخيفا جدا أمامهم , وصلت غرفته وأيقظته وبدا يومي

بروتينه المعتاد صلينا وتناولنا الإفطار وغيروا ملابسهم

ليذهبوا للمدرسة , سيفقدون حتى هذا المتنفس الوحيد

ولن يبقى لهم سوا أبناء عم جابر أطفال يلعبون معهم بل

أشكالا غريبة عمن يرون هنا , دخلت سيلا وقالت بابتسامة

عريضة " السيد جابر زارنا في المطبخ قبل أن يغادر "

نظرت لها بصدمة وقلت " وماذا حدث "
ضحكت وقالت " قال لا أحد يصعد للطابق هنا غيري

إلا من تطلبين منه أنتي الصعود أو هوا "

ثم قالت مبتسمة " وقال لا نهارا ولا أواخر الليل لأن

من سيخالفني سيموت على يدي , ولو رأيت وجه خادمة

السيدة الكبيرة كيف أصبح من الخوف "

ابتسمت ابتسامة انتصار لقد ربحت الجولة وستصاب

والدته اليوم بالحمى
*
*
" بتول تكلمي معي أنا ما ذنبي فيما حدث "

وقفت وغادرت السرير وتركتها , ذنبك طبعا انك

وافقت زوجك فيما فعل , لبست حجابي وعباءة فوق

فستاني القطني القصير وخرجت من الغرفة ومن

منزلنا لقصر عائلة عمي , جابر هذا لن أجد فرصة

لأراه أعان الله زوجته عليه لا أعرف كيف لم تترك

له أطفاله وتهرب , لذلك لا حل أمامي سواها لتتحدث

معه فمؤكد تراه ولو ليلا , دخلت القصر على دخول

سيارة معتصم بعدي , لا أعلم هذا المخلوق من يخبره

أني هنا , دخلت راكضة كي لا يدركني وصعدت من

فوري حتى وصلت غرف الأطفال ووجدت أرجوان

خارجة من أحدها فأمسكت يدها وقلت وأنا أسحبها معي

" بسرعة نذهب لجناحك لدي ما أود التحدث معك فيه "

كانت تركض معي غير مستوعبة ما يحدث حتى دخلنا

جناحها وأغلقته خلفنا بالمفتاح فقالت بحيرة ونفسها يلهث

" بتول قطعتي لي تنفسي من هذا الذي يركض خلفك "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " زوجك هذا

لا اعرف كيف تستحملينه متى ترينه بالله عليك "

نظرت لي بصدمة ثم ضحكت كثيرا وقالت " صدقي أني

لا أراه إلا ليلا ومرة بالمصادفة في منتصف النهار "

هززت رأسي وقلت " أهربي وأنفذي بجلدك ما

هذه الحياة التي تعيشينها "

قالت مبتسمة " هذا قدري ونصيبي ما سأفعل "

رميت يدي أمام وجهها وقلت ببرود

" في النهاية هوا أفضل من غيره "

قالت مبتسمة " هل ستخبرينني الآن ما جاء بك راكضة "

قلت " لدي كلام أود أن تنقليه لزوجك المختفي عن الأنظار "

قالت بعد ضحكة " حسنا لكن قد لا يأتي حتى الغد "

جلست على الأريكة وقلت بتذمر

" أرجوان بالله عليك تجدي حلا لحياتك هذه "

جلست مقابلة لي وقالت مبتسمة " أخبريني بما

تريدين إيصاله له وما أن يأتي سأخبره "

قلت باختصار " يطلقني منه "

نظرت لي بصدمة وقالت " هل أنتي زوجة جابر "

ضحكت وآخر ما كنت أفكر فيه الضحك وقلت

" لو كان زوجي ما تركته لك "

قالت بحيرة " يطلقك ممن وحد علمي

أنك غير متزوجة "

قلت بأسى " وأنا كنت أضن ذلك لكنهم غدروا بي

وزوجوني من غير علمي وعلى هذه المهزلة أن

تنتهي وأن يطلقني منه فورا فوحده يقدر على هذا "

بقيت تنظر لي بعدم فهم فقلت " قولي له فقط بتول قالت

لك كن عادلا وقف في صفي وطلقني منه لأني لا

أريده وهوا سيفهم ما أقول "

تنهدت وقالت " حسنا رغم أني لا أفهم شيئا ولكن

لا يحق لي السؤال عما لا يعنيني سأوصل

رسالتك له ما أن يأتي "

وقفت وقلت " وهذا ما أريده ولا تخبري أحد

غيره بما دار بيننا اتفقنا "

قالت " لا تخافي لن يعلم أحد لكن لما وقفتي أجلسي "

قلت مغادرة جهة الباب " عليا العودة للمنزل

أراك في وقت آخر "

فتحت الباب ورأيت معتصم يعبر الممر موليا ظهره لي

فعدت للداخل وأغلقت الباب ونظرت لها وقلت

" يبحث عني "

قالت باستغراب " من هذا الذي يبحث عنك "

قلت بهمس " معتصم "

بقيت تنظر لي مصدومة ثم وقفت وقالت وهي تتوجه

لغرفة في الجناح " لو افهم شيئا واحدا مما يجري معك "

خرجت من الغرفة ترتدي حجابا فقلت لها " أخرجي

وانظري أين هوا الآن ولا تخبريه أني في جناحك "

ضحكت وقالت " ماذا فعلت له تهربين منه هكذا "

قلت بضيق " قولي هوا ما فعل لي وليس أنا "

قالت باستغراب " غريب معتصم مهذب كثيرا وشاب

رائع لا أتخيل أنه يؤذي أحدا "

قلت باشمئزاز " هذا لأنك لا تعرفينه جيدا "

خرجت وعادت بعد وقت وقالت " لم أجده وسيارته

ليست في الأسفل يبدوا غادر "

فتحت الباب وقلت مغادرة " شكرا لك يا

أرجوان ولا تنسي ما أوصيتك به "

خرجت من عندها ونزلت وخرجت من القصر أسير

بسرعة حتى دخلت منزلنا وتنفست بارتياح , جيد يبدوا

كان مستعجلا وإلا ما تركني قبل أن يعكر مزاجي السيئ

صعدت لغرفتي ونزعت العباءة والحجاب في السلالم

ودخلت لها لأفاجأ به جالس على سريري مادا ساقيه

ويداه خلف رأسه ينتظرني هنا فاستدرت لأخرج وما أن

خطوت خطوتين حتى شعرت بيده تمسك ذراعي بقوة

وسحبني منها للداخل فلم أتحدث ولم أقاومه , أغلق الباب

الذي كسره سابقا وسار بي حتى الأريكة وأجلسني وجلس

بجانبي وقال بهدوء " أرى أن الوقت أصبح مناسبا لنتحدث "

لم أتكلم ولم انظر له فقال " بتول لا احد تجاهلك ولم يفكر

في مستقبلك أنا لم أكن أنوي إخبارك بالأمر حتى أكمل

دراستي وتكملين أنتي أيضا دراستك على الأقل تصلين

لمنتصف المرحلة الجامعية لكنك يومها أفقدتني

أعصابي وقلت ما قلت "

لم أتكلم وبقيت على صمتي وعلى حالي فأمسك

وجهي من ذقني وأداره ناحيته وقال " بتول تكلمي "

أبعدت وجهي عنه بقوة ولم أتحدث فوقف وتحرك حتى

أصبح أمامي ونزل مستندا بساقيه ليصبح مقابلا لي ثم

أمسك وجهي بكلتا يديه ورفعه له وقال

" دعينا نتفاهم على بعض الأمور يا بتول "

بقيت أنظر لعينيه بجمود مصرة على الصمت فتنهد

وقال " هل تصدقي لو أخبرتك أني اشتقت لصوتك "

لم أستطع منع دموعي من النزول لأن أول ما جاء

في بالي سخريته الدائمة من طريقة كلامي وصوتي

مسح لي دموعي وقال بهدوء " بتول لا تختبري

أهميتك عندي لأنك لم ولن تفهميها يوما "

بقيت أنظر لعينيه بحيرة فقبل شفتاي قبلة صغيرة

جعلتني ابتعد بشهقة مصدومة ووقف وتوجه نحو

الباب فتحه ووقف وقال " بما أنك علمتِ بأمر زواجنا

فلم يعد من داعي ليعيش كل واحد منا في مكان "

وغادر وتركني بتنفس قد توقف من الصدمة
*
*
نظرت ناحية صالون الضيوف بدهن شارد وأنا جالس

وسط المكان ثم انتقلت به لستائر الصالة فوضع

يده على كتفي وقال " أين وصلت بك الأفكار "

مررت أصابعي في شعري لتتساقط خصلاته تحتضن

جبيني وقلت " أفكر فيما سأجدده في الشقة "

ضحك وقال " يا عيني عرسان جدد وتجديد

وصديق مطرود للخارج ليس له إلا الشارع "

قلت بسخرية " قد أصبح مطرودا مثلك قريبا فلا

تنسني في مكان وخبز وماء "

جلس بجواري وقال بهدوء " رضا لا اعلم كيف تفكر

تكتب لها كل ما تملكه وأنت تعلم بنواياها "

اتكأت للخلف وقلت ونظري للسقف " لم اصدق يوما أن

تنزاح جميع العوائق وتصير لي وأكبرهم والدتها فلن

أدع الفرصة تفوتني , أنت لا تعلم معنى العشق يا فواز

لا تعلم معنى أن يحتل أحدهم قلبك ويسري في عروقك

لسنوات فكلمة أني أحبها لا تفي مشاعري حقها أبدا "

تنهد وقال " اللهم عافني من مرض العشق فأنت تعلم

بحالي ليس لدي لا شقة ولا سيارة جديدة وكتاب

ورصيد في المصرف لأقدمه لها "

ضحكت وقلت " بل الحب أجمل ما في الوجود

يا أحمق هوا شعور لا يقدره إلا العاشقون "

وقف وقال بضيق " نعم نعم ذكر نفسك يوم تزوجت

حبيبتك بغيرك وما حدث معك ولا تنسى كم قاسيت

بعدها وما سيأتيك منها ولا تنسى أنها امرأة مجروحة

والمرأة حين تُجرح تتحول للبوه بأنياب ومخالب لا

ترى سوا فريستها "

نظرت للأرض وقلت ببرود " إما أن تعود لي زهور

التي أعرفها أو تأخذ بحقها مني ونتصافى ويرتاح

ضميري وفي الحالتين أنا اعد نفسي الكاسب "

هز رأسه بيأس وقال " أتمنى الأولى لأن الثانية سترجعك

لحالتك تلك التي لم يخرجك منها سوا خبر طلاقها الذي

من حضنا السيئ وصلنا متأخرا جدا لأننا كنا خارج البلاد "

ثم قال متوجها جهة باب الشقة " الصالون

الجديد هدية مني لك "

وفتح الباب وخرج وأغلقه خلفه فأخرجت هاتفي من

جيبي واتصلت بجابر كثيرا وعلى حاله لا يجيب , لو

أمسكه بين يداي أكسر له رأسه , كتبت له رسالة فيها

( غدا سأكون عند عمك منصور وستزوجني بها

أو فعلت ما لا يعجبك ) وأرسلتها له
*
*
" ماما انظري لسيلا إنها تغش "

نظرت لها فابتسمت ابتسامة صفراء وهزت رأسها

بلا فقالت بيسان وهي تشير لها بإصبعها

" بلى تغشي رأيتك تنظرين لورقة أمجد "

نظر لها أمجد بصدمة وابتعد زاحفا بورقته فنظرت

لها وقلت ببرود " سيلا صفر "

تذمرت رافضة على ضحك بيسان وأمجد عليها

ثم وقفت وقالت " أذهب لأكمل أعمالي أفضل لي "

وتابعت وهي تخرج " ما يدريني أنا أين

ولد الرسول ومتى المهم أنه ولد "

ثم غادرت الغرفة ونظري يتبعها مبتسمة ثم نظرت

للتي تغني وتكتب في ورقتها منذ وقت ولا تعلم مما

يجري حولها شيئا وقلت " ترف أرني ماذا كتبتي "

خبئت الورقة خلف ظهرها وقالت " لا ماما لم أنتهي بعد "

ابتسمت وقلت " حسنا أكملي رغم أني متأكدة

من أنك ترسمين في الورقة "

رن حينها هاتفي نظرت للمتصل فكانت سوسن

فوقفت وقلت " سأذهب قليلا وأعود لكم ولا

أحد يغش كي لا يأخذ صفرا "

قالت ترف بمرح " أنا أنا أراقبهما "

قلت ضاحكة " نعم فأنتي لا تفلحين إلا في هذا "

خرجت من عندهم وتوجهت لجناحي دخلت غرفتي

وجلست على السرير واتصلت بها فأجابت قائلة

" إن لم أتذكرك أنا لا تذكرينني أبدا يا ناكرة العشرة "

اتكأت على إحدى الوسائد وضحكت وقلت

" كما تعلمين وقتي مفتوح لكن أنتي لا أعلم متى يكون

الوقت مناسبا لديك لأتحدث معك ولا تنسي أني في كل

مرة أقطع اتصالك وأتصل بك أنا "

قالت ببرود " أنتي زوجة اللواء وليس أنا وماله

مفتوح لك لا يحاسبك عليه أحد فمن يتصل بمن يا

بخيلة وتسكنين قصرا ويخدمك الخدم وزوجك طوال

اليوم يركض خلف الجرائم فمن لديه وقت أنا أم أنتي "

قلت ضاحكة وأنا ألعب بخصلات من شعري

" حسنا وأنا لم أعترض ما بك اليوم تفرغين غضبك بي "

ضحكت وقالت " أحسدك ليس إلا فمنذ رأيت زوجك

في أخبار البارحة وأنا أموت منك حسدا كلما

تخيلت أنه زوجك وتنامين في حضنه "

قلت بضيق " سوسن الله أكبر من عينك , إن

حدث له شيء اليوم لن ينقدك مني أحد "

قالت بدهشة " الله أكبر عليك أنتي منذ متى

كل هذا الخوف عليه "

تنهدت وقلت " مصير لا مفر لي منه "

ضحكت وقالت " نعم يا سيدة الحظ السعيد أحبيه

كما تشائين لأنه يستحق "

نظرت لصورته على الجدار وحضنت الوسادة تحتي

وقلت بحيرة " لا أعلم كيف أتصرف يا سوسن أنتي

تعلمين أن الحب ضعف والمتسلح به خاسر في النهاية "

قالت مباشرة " بالعكس هوا من يتمسك ويناضل للرمق

الأخير وهذا زوجك وأنتي لم تقترفي عيبا ولا حراما "

قلت بحزن " إن لم أجعله يبادلني ذات الشعور لن أكسب شيئا "

قالت من فورها " هذا شيء لا يمكن انتزاعه بالقوة انظري

لنفسك هل أجبرك هوا على ذلك "

قلت بضيق " هذا لأننا نحن النساء غبيات نذوب

من أشياء أقل حتى من الكلام "

ضحكت وقالت " تبدوا حالتك حرجة جدا فحاذري من

أن تكشفي له مشاعرك قبل أن تستحوذي عليه "

قلت بقلة حيلة " أنتي تهذين يا سوسن هوا يقلبني

كالكتاب أمامه فماذا سأخفي وما سأكشف "

قالت بضيق " بل أنتي السبب , ماذا سيكون مثلا

جني يعلم ما في نفسك "

قلت بضيق مماثل " نعم الكلام سهل لأن التطبيق لم

تجربيه , أنا لم أكشف له شيئا أنتي لا تعلمي الأسئلة

الملتوية التي يحاصرني بها فلم أجد سوا الصمت

مهربا وكل ظني كان أنه لا يقرأه وعندما لمّحت للأمر

فقط قال بكل صراحة أنه لم يعجز أبدا عن فهم دواخلي "

ضحكت كثيرا فقلت بضيق " نعم اضحكي هذا من كنتي

تقولين أنه رجل كباقي الرجال وأنه يمكنني ترويضه وسحبه

ناحيتي ووو وفي النهاية انقلب السحر على الساحر "

قالت بصوت مبتسم " وإن يكن علم هذا زوجك يا مغفلة

أنتي فقط ابقي على طريقتك ولا تفسدي الأمر بأن تضعفي

فقط لأنه يعلم ما في قلبك , استمدي القوة أمامه من هذه

النقطة وليس الضعف "
قلت ببرود " لا حل أمامي غير هذه الخرافات التي

قرأناها سابقا فإما أن تنجح أو تفسد كل شيء "

قالت بعد ضحكة " ماذا عن موضوع الحمل هل فتحه مجددا "

قلت بذعر " اسكتي كدت أموت يومها من الخوف

هذا الرجل أشك أنه يقرأ الأفكار بسهولة "

ضحكت وقالت " أخبرتك منذ البداية أن لا

تتلاعبي في هذا الأمر "

قلت ببرود " لن يكون هناك أطفال قبل أن

أعرف أين أنا هنا "

قالت بهدوء " لا تنسي أنه قد يأخذك لطبيبة

وستكتشف بسهولة أنك تأخذين موانع للحمل "

قلت بهمس " وقتها لكل حادث حديث وداعا الآن يا سوسن "

لأني سمعت باب الجناح انفتح دون أن يطرق عليه

أحد وقفزت خارج السرير بذعر حين انغلق بابه بقوة

صدعت الجدران , غريب ما سيأتي بجابر الآن !!

وما به غاضب هكذا , توجهت نحو باب الغرفة وفتحته

لأجد والدته في ردهة الجناح مكتفة يداها لصدرها

وتنظر لي بجمود

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 12-29-2015, 11:52 AM
oud
 
الفصل الواحد و العشرون

ركضت خارجا وأنا أقول " ماذا يا مي ماذا حدث "

قالت من فورها " لا أعلم هوا في مكتبه ويحطم كل

شيء أخاف أن يؤذي نفسه ولا أحد هنا ولا حتى وليد "

قلت وأنا أتوجه لسيارتي " أنا قادم فورا "

ركبت السيارة وتوجهت هناك بأسرع ما لدي , ماذا حدث

بينهما وما قالته له جن جنونه هكذا إن كان سيزوجها

بسليمان بملأ إرادته , وصلت بعد وقت ونزلت ركضا

ودخلت المنزل ووجدتها تنتظرني بالمقربة من الباب

فقلت " ماذا حدث أمازال هناك "

قالت ببكاء " نعم في المكتب توقف عن تحطيمه لكنه

لم يخرج , ماذا حدث يا جواد "

قلت متوجها نحو السلالم " هل تحدثتِ معه "

قالت وهي تتبعني " لم يجب علي , حاولت وبلا جدوى "

وصلت باب مكتبه وطرقته بقوة وقلت " نواس افتح الباب

ما نفع ما تفعله , مابك يا رجل هذه ليست أطباعك "

لم يجب طبعا فقلت بصراخ غاضب " زوجتك تبكي عند

الباب لقد أفزعتها بجنونك ارحمها على الأقل "

خرج حينها صوته قائلا بهدوء " اتركوني وحدي "

قلت بغيض " تخرج أو كسرنا الباب عليك "

فتح الباب حينها وخرج وضم مي لحضنه بيد واحدة وقال

وهوا يسلمني ورقة باليد الأخرى " أنا بخير لا تقلقي "

بقيت أنظر للورقة في يده بحيرة فحركها لآخذها منه

فمددت يدي وأخذتها فأبعد مي عنه وقال مغادرا

" سأخرج للبر ولا أعلم متى سأعود لكني لن أتأخر "

تبعته حتى الخارج وقلت " نواس انتظر "

توجه حيث موقف سياراته وفتح باب السيارة الصحراوية

دون أن يجيب ثم ركبها وقال قبل أن يغلق الباب

" التوكيل لديك أتم الأمر قبل أن تسافر "

وخرج من المزرعة ولم يزد على ما قال شيئا , اختارت سليمان

إذا لكن ما سبب كل هذا الإعصار والتدمير , هذا ما لا يملك

جوابه أحد غيرهما , عدت جهة منزل المزرعة ودخلت لأجد

المغلوبة على أمرها زوجته تنتظرني وقالت ما أن رأتني

" أين البر هذا وهل سيكون بخير "

قلت بهدوء " لا تقلقي سيكون بخير لديه صديق هناك يزوره

دائما وسيعود خلال أيام , إن احتجت شيء اتصلي بي , وليد

ومعاذ سيكونان هنا الليلة بالقرب منكما حتى يعود نواس

اعذريني فلدي ثلاث نساء هناك لا استطيع

تركهم في العاصمة وحدهم "

قالت من فورها " لا تقلق علي ولا تنسى أن وليد ابن

خالتي إن احتجت شيء لجأت له "

هززت رأسي بحسنا وغادرت من عندها , الغريب أنها لم

تُصر لمعرفة ما حدث , غادرت من هناك عائدا للعاصمة

ولمنزلنا , نزلت من السيارة ودخلت المنزل وتوجهت لغرفة

وسن , وقفت عند الباب فكانت وفرح جالستان هناك

فقالت فرح من فورها ما أن رأتني

" هل أتحدث مع عائلة خالي وابنهم سليمان "

نظرت حينها لوسن التي تدحرجت دمعتها من عينها

ومسحتها بسرعة وقلت مغادرا " اتبعيني يا فرح "

توجهت لغرفة نواس وهي تتبعني وما أن دخلتْ حتى

أغلقت الباب خلفها وقلت " ماذا قالت لك "

رفعت كتفيها وقالت " لا شيء "

قلت بنفاذ صبر " كيف لا شيء ألم تسأليها عما دار بينهما "

قالت بضيق " وما بك معي سألتها كثيرا ولم تجب "

ثم تابعت " وما قال لك شقيقك ؟؟ "

نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود " ترك لي توكيلا بتزويجها به "

قالت مغادرة " فعل الصواب أخيرا "

ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها فتنهدت ونظرت لورقة التوكيل

بقلة حيلة , لا أعلم لما يصنع بنا الكبرياء كل هذا , لو كنت وفرح

مكانهما ما استطعت أن أبعدها عني رغم كل عيوبها وما رضيت

أن يأخذها مني أحد , لنرى إن كان هذا سيأتي بالحلول للجميع
*
*
بعدما خرج والدي من هنا جلست مقربة الساعتين في مكاني

ثلثها أرتجف من الخوف الذي لم يغادرني بعد والثلث الثاني

استفيق من الصدمة والأخير أستوعب فيه ما قال وما حدث

بعدها توجهت لغرفتي وسجنت نفسي فيها أفكر في أنه سيأخذني

من هنا ما أن تنتهي دراستي فسؤاله اليوم لن يكون بدون سبب

بكيت كثيرا ولا أعرف لما تحديدا ... أساسا كل شيء لدي

يستدعي البكاء وحالي كله يُبكي , بعدها أخذت هاتفي واتصلت

بوالدتي فطلبه مني الاتصال بها أيضا أمر يدعوا للريبة لأني

ممنوعة من محادثتها إلا في المناسبات والأعياد حتى أنها لا

تأتي هنا دائما لزيارة والدتها وشقيقها لبعد المسافة فلم نرها

منذ عيد الفطر , أجابت بعد وقت قائلة " ملاك كيف حالك بنيتي "

قلت بحزن " بخير أمي وأنتي كيف حالك وأخوتي

جميعهم وعمي سعيد "

قالت بصوت مبتسم " بخير جميعنا كيف هي

جدتك وخالك "

قلت ببحة ودمعة نزلت من عيني " بخير "

قالت بحزن " ملاك حبيبتي لما الحزن والبكاء "

قلت بعبرة " لا اعلم لما أنا من بين كل البشر حالي هكذا سيأخذني

من هنا حتما ويعيدني لها وللعذاب مجددا , لما ليس لي أبا حنونا

عطوفا كالجميع , لما ليس لي منزلا فيه أب وأم وأخوة "

قاطعتني قائلة " لن تعودي هناك يا ملاك لا تخافي "

مسحت دموعي وقلت " ومن قال لك ذلك "

قالت " منذ أكثر من شهرين وعمك سعيد يحاول مع والدك

وبكل الطرق لنجد حلا كي لا تعودي لمنزله وزوجته "

شهقت شهقة صغيرة بسبب بكائي وقلت

" وما يكون هذا الحل "

قال من فورها " ابنه علاء وافق على الزواج بك

لتعيشي معي هنا "

قلت بصدمة " ماذا ! ومن يكون علاء هذا ومتى

صار رجلا ينفع للزواج "

قالت بضيق " ملاك لما هذا الكلام الآن علاء ابنه من

زوجته رحمها الله يعيش معنا هنا , لن يوافق والدك إلا

إن كنتي زوجته , لقد تعب سعيد كثيرا من اجل إقناعه "

قلت بحدة ودموعي عادت للنزول " ما هذا الهراء لما يجب

أن أكون زوجته لأكون مع والدتي , لا يا أمي لن يتصدق

عليا ابن زوجك بالزواج به فقط رأفة بحالي ثم ما اعرفه

أنه يكبرني بعام أو يزيد قليلا ومؤكد لم ينهي دراسته

بعد أو تخرج حديثا "

قال " وإن يكن المهم أن تكوني معي وتبتعدي عن تلك

الحية أليس هذا ما تريدينه وعلاء زارك في الجامعة

كم مرة ليتحدث معك "

هوا ذاك الشاب إذا عريس الغفلة أبو الشهامة , قلت ببرود

" أنا لست موافقة "

قالت بصدمة " ملاك لا تضيعي تعبنا سدا "

قلت بضيق " تعبك في ماذا ؟ في أن أقنعتي ابن زوجك

أن يعطف على هذه المسكينة ليتزوجها , لا يا أمي لن

أتزوج شخصا يمن عليا يوما بأفضاله ويعايرني

بحالي الذي تزوجني من أجله "

قالت بضيق أكبر " ملاك ما لا تعلميه أن زوجة والدك

تخطط لتزويجك بشقيقها الصعلوك الفاسد كي لا تعودي

إليها فلا ترمي نفسك للنار بساقيك وما وافق والدك على

علاء إلا لأنه يعلم أنك متزوجة لا محالة منه أو من ذاك

على الأقل هنا أنا ووالده ولن ندعه يقربك بسوء ثم هوا شاب

مهذب جدا , صحيح فاشل في دراسته لكنه ليس سيء "

قلت بعبرة " ما به حظي من بين جميع الخلق هكذا "

قالت بهدوء " وافقي يا ملاك ولا توقعي نفسك في براثن

زوجته وشقيقها لأنهم لن يرحموك "

قلت وقد زادت عبراتي " لا أريد أن أتزوج بهذه الطريقة

ولا أريد هذه الحياة وهذا الواقع كله .... لا أريد "

قالت بحزن " فكري جيدا بنيتي أقسم لو كان في يدي

حل غيره لفعلته لكنك تعرفين والدك جيدا , لن أعتبر

كلامك جوابا أخيرا , فكري وقرري على مهل "

قلت بأسى " ليثني أموت وارتاح ويرتاح الجميع مني "

قالت بضيق " استغفر الله يا ملاك ما هذا الذي تقولينه "

قلت بحزن " وداعا يا أمي "

ثم أنهيت المكالمة ولم ازدد إلا بكاء على بكائي السابق

وسجنت بعدها نفسي في غرفتي ولم أخرج ولا حتى للجامعة

*
*
قلت بهدوء " هل جهزتم كل شيء طائرتنا

في الغد يا فرح "

تأففت وقالت " ما بك يا جواد مستعجل هكذا عليها

أن تأخذ وقتها كغيرها يكفي أنا "

قلت بضيق " وما بك أنتي "

دفعتني بيدها من صدري وقالت بابتسامة

" لا شيء تزوجت بأروع رجل لكن على عجل "

قرصت خدها وقلت " بل متزوجان قبل زفافنا

بعام كامل إن نسيتِ ذلك "

أبعدت يدي وقالت وهي تمسح خدها بتألم" بل كل شيء بعجلة

حتى ابنك مستعجل على القدوم ولم يتركني أنهي دراستي "

أمسكت وجهها وقبلت خدها وقلت " بل لو تأخر أكثر

لكنا وجهنا له نداء مستعجلا "

وقفت حينها وسن عند الباب وقالت " فرح أريدك قليلا "

التفتت لها وقالت " قادمة حالا "

ثم غادرت تتبعها فأخرت أنا هاتفي الذي يرن ونظرت

للمتصل فكان سليمان فأجبت عليه قائلا " نعم خارج لك حالا "


*
*
كنت انظر بشرود لليد الصغيرة التي تلعب في كف يدي

وهوا جالس على فخذي حين شعرت بيد والده على

كتفي وصوته قائلا " هل أنت مرتاح الآن بما فعلت يا نواس "

رفعت نظري للجبال البعيدة أمامي وقلت بهدوء

" لو قلت لك أنها نار تشتعل في داخلي ما وفيت ذاك

حقه ... لا يوصف يا خاطر لا يمكن وصفه "

قال بشبه همس " لما لم تتزوجها إذا "

ابتسمت بسخرية وقلت " حتى لو كان ذاك خياري الأخير

بعد الذي قالته ما كنت سألجأ إليه فلكل شيء حدوده ولكلن

كرامته التي لا يرضى أن يدوسها أحد "

تنهد وقال " وهذا ليس حلا أيضا يا نواس وما تشعر

به الآن أكبر دليل "

رفعت نظري قليلا ليعانق زرقة السماء وقلت بحسرة

" أقسم لك أنه كل نساء الأرض لا تساوي عندي انسدال جفن

عينيها لكن الجرح جرح والكبرياء كبرياء وعلى الرغم من

ذلك كنت سأدوس عليهما لو لم تختر ذاك الرجل "

قال بسخرية " وهل كنت ستفعلها من أجلك أم من

اجل وعدك لوالدتك "

عدت بنظري لكف يدي وقلت بحزن " بل من أجل هذا السعير

الذي يغلي في جوفي فلم تعد لدي طاقة لاحتماله يا صديقي "

قال مغادرا " الخطأ خطأك يا نواس أنت من لم ترحم نفسك "

ضغطت بقبضتي على يده الصغيرة وأنا أتذكر كلماتها

ذاك اليوم بعدما أخرجَتْهم لنبقى وحدنا وقالت

" من هوا الشخص الذي تركَتْك والدتك تختاره لي "

نظرت لها مطولا بحيرة حتى خيل لي للحظة أنها خمنت

أنه أنا حتى تابعت قائلة بنظرة ثابتة معلقة في عيناي

" من يا نواس وما سر المدة التي أنت ستحددها "

أبعدت نظري عنها بل هربت من عينيها وقلت

" شخص أعرف أنه سيرعاك جيدا مهما كانت ظروف

زواجك به , وسليمان ما كنت سأوافق عليه لو لم يكن

ضمن العهد الذي بيني وبين والدتي "

قالت ببرود " وإن قلت لا أريدهما كليهما "

قلت ونظري لازال بعيدا عنها " حلليني حينها من

عهدي لها لأنه في عنقي حتى أموت "

قالت بسخرية " لا يا نواس لن أعطيها لك يا ابن خالتي

ولن أبقى حتى تقرر أنت تزويجي بالمجهول كان من يكون

لو كنتَ مكاني ما رضيت بها وأعرفك لن تزوجني أبدا "

نظرت لها نظرة قوية وقلت بصدمة " ما قصدك بهذا يا وسن "

أشاحت هي الآن بنظرها عني وقالت ببرود

" قصدي لن أتركك تكويني بنار العيش معك

وزوجتك لأنه هذا هوا مخططك "

وقفت وقلت بضيق " مجنونة "

وقفت وقالت بغضب " نعم مجنونة وجننت يوم أحببتك يا

نواس , يوم سلمتك قلبي لتحرمني منه لتطعنه ألف طعنة

ثمنا لذنب أُجبرت أن أكون فيه "

تدحرجت بعدها دمعة من عينها وتابعت بحرقة

" قتلتني .... قتلتني مرارا وتكرارا ولم يعد يؤثر بي

حتى لو عشت في كنفك معها لذلك سأتزوج سليمان فقط

كي لا تفرح بها ولا بينك وبين نفسك "

أشرت بيدي جانبا وقلت بغضب " ها قد قلتها بنفسك لم أعد

أعنيك في شيء فلما سيل الظنون الباطلة التي ترميني بها

لما تضنينني مجرما لهذا الحد لأفكر بهذه الطريقة ولا

تنسي أنك أنتي من قالها لوالدتي ذات يوم وبالحرف

الواحد : لو كان زواجي به سيحرق قلب نواس

سأوافق عليه "

ثم أشرت لوجهها بسبابتي وقلت بحرقة " في تلك الحالة فقط

سأوافق يا خالتي في تلك الحالة فقط , قلتها هكذا بالحرف

يا وسن تذكرين أم نسيتي كلامك , فلا ترميني بطباعك "

قالت بصراخ " وما غرضك أنت يوم كويت قلبي بأخرى

أقسم يا نواس قسما بمن خلق في ضلوعي قلبا عشقك يوما حد

الثمالة أنهم لو جلدوني بسياط من نار ليلة نمت في حضنها

لكان أرحم عندي من شعوري ذاك , لقد قتلت قلبي ولن أنسى

تلك الليلة ما حييت , فاهنأ بها لأنك نلت مرادك يومها "

غادرت المكان بنار تشتعل في جوفي من الغضب منها

ومن نفسي ومن قلبي ولو لم أفرغ غضبي يومها بتحطيم

مكتبي لكنت أقدمت على عمل سأدفع ثمنه ندما لباقي

حياتي لأني كنت سأرمي الوسن بالرصاص

أخرجني من تلك الذكرى صوت الطفل الباكي لأستيقظ

لنفسي وليدي التي تقبض على يده بقوة جعلته يبكي من

الألم فتوجه والده نحوي قائلا " هات عنك هذا كصفارة

الإنذار إن اشتغل لن يسكت , سآخذه لوالدته "

أخذه مني فتوجهت لسيرتي وفتحتها من الأمام لأفحص

زيتها فاقترب مني ووقف مستندا بها وقال

" لما تتفحصها يبدوا أنك ستغادر "

أغلقتها وقلت وأنا انفض يداي من الغبار

" نعم فجواد طائرته أقلعت منذ ليلة أمس وعليا العودة "

ربت على كتفي وقال " يلزمك أن ترجع هناك لتنام على

الأقل فانا أعلم بأنك لم تنم هنا ولا لثانية "

مسحت على ظهره بكفي وقلت " شكرا لك يا خاطر

وأعذر ثقل زيارتي لكني لا أرتاح إلا هنا "

قال بعد ضحكة " تعودنا على زياراتك التعيسة

وسنعوضها بأخرى أفضل منها ككل مرة "

ابتسمت له وفتحت باب السيارة وركبتها ثم أنزلت

زجاجها واستندت عليه بذراعي وقلت

" باشر في فكرة بناء بعض الغرف هنا سريعا فهي فكرة صائبة

بما انك لا تريد أن تترك هذه الصحراء ولترحم تلك المسكينة "

ضحك وقال " في المرة القادمة ستجد الأساسات هنا

هل يرضيك هذا "

شغلت السيارة وقلت " ولا تنسى الماء والكهرباء أو أخذتها

وابنها منك واشتكيتك لجمعية حقوق الإنسان والطفل

مما تفعله بهم "

ضحك كثيرا ثم لوح لي وأنا أبتعد بسيارتي للخلف

وغادرت من عنده لأرجع لواقعي الذي لم أتركه خلفي كما

ظننت ولم يتركني أغادر دونه كما كنت أتخيل بل جاء معي

أحرق قلبي وسرق نومي بل واستل عروقي من أحشائي

فما أقساه من شعور وما أمرّه

وصلت هناك مقربة الظهيرة لأني غادرت من عنده بعد

الفجر بقليل وقادتني سيارتي ليس لمزرعتي ولا لمنزل

والدي بل لشقة خالتي هنا وكأني أريد زيارة أطياف

الذكرى قبل أن ترحل هي أيضا , وقفت تحت عمارتهم

ما يقارب النصف ساعة ليس لأقنع نفسي بالنزول بل أقسم

أني كنت امنعها من ذلك ثم توجهت لمنزلنا هنا وكأني

أقنعها بالقليل وكأني أقول لها حسنا لم أنزلك هناك سننزل

هنا , خرجت من السيارة وأغلقت الباب وتوجهت لباب

المنزل وفتحته ودخلت وسط الظلام الذي يغزوه ولا أعلم

لما أتيت قد يكون لأشاهد بقايا موت الحلم الذي ولد هنا في

تلك الغرفة ومات فيها

توجهت عنوة ناحية غرفة والدتي وفتحت بابها ببطء لأقف

مكاني أنظر بصدمة للنائمة على سرير والدتي تحضن

مصحفها وثوب صلاتها واللحاف الذي كانت تتغطى به

وتخفي وجهها في ذراعها الأخرى ... وسن هي أم هيئ

لي !! وما تفعله هنا , نظرت تحت قدماي لأجد ورقة

التوكيل التي تركتها لجواد ممزقة لأربعة أجزاء ومرمية

أرضا عند العتبة فعدت بنظري لها بعدما تأكدت أني لم

أتوهم هذا واتكأت بكتفي على حافة الباب أنظر لها بضياع

وحزن أراقب تشبثها بأغراض والدتي وتنفسها الهادئ

الذي يدل على نومها , أنا احترق هناك طوال ليلة البارحة

وأتخيلها في حضن غيري وأحاول إخماد نيراني بسكب الماء

على وجهي كل حين وهي هنا تنام في حضن ذكرى والدتي

مررت أصابعي في شعري حين قال لي عقلي أن هذا يعني

أنها لم تتزوجه بل يعني كارثة أعظم أنها نامت هنا وحدها

طوال ليلة أمس فخرجت من المنزل وركبت سيارتي واتصلت

بجواد الذي أجاب من فوره قائلا " لم يطاوعني قلبي لفعلها

يا نواس , اقسم أنها كانت علي أشد مما كانت عليك أنت

تزوجها وارحم نفسك وارحمها ولا تفكر في سليمان مجددا

لأنه لن يوافق بعد الآن "

قلت بغضب " مجنون كيف تتركها وحدها هنا يا مغفل ماذا لو

لم أرجع اليوم بل ماذا لو لم آتي لمنزلنا بتاتا , لا أعرف أي

عقل هذا الذي لديك يا جواد "

قال ببرود " كنت أعلم أنك ستذهب هناك "

قلت بحدة " وما كان يدريك أنها ستبقى وماذا إن فعلت

في نفسها شيئا أو غادرت ولم نجدها , أنت لا

يمكن الاعتماد عيك أبدا "

قال بضيق " توقف عن الصراخ والغضب , سأكون مجنونا وبلا

عقل ولا يمكن الاعتماد علي لو كنت السبب في فراقكما لآخر

العمر , تصافيا في حساباتكما كما تشاءا وفي النهاية لن يموت

الحب يا نواس بل سيقتلكما إن كنت فعلتها وزوجتها به "

ثم تنفس بقوة وقال بشيء من الهدوء

" وسن أمانتك يا شقيقي ولا تنسى ما أوصتك والدتي

وما عاهدتها عليه .... وداعا "

ثم أغلق الخط فرميت الهاتف بعيدا عني أتأفف بغضب

لم أتصور كل هذا ولم يعطني حتى الوقت لأخطط له وأجهز

مكانها في المنزل هناك بل ما الذي سيقنعها الآن ويجرها

من هنا لتذهب معي خصوصا بعدما قالته يومها , بعد وقت

أمسكت هاتفي واتصلت بوليد فأجاب من فوره قائلا

" مرحبا نواس متى عدت "

قلت بهدوء " منذ قليل أين أنت الآن "

قال مباشرة " اليوم المرافعة الأولى لقضية أموال والدي

هل هناك أمر ضروري "

تنفست بقوة وقلت " لا ابق فيما أنت فيه الآن ولا تشغل بالك "

ثم أنهين الاتصال منه واتصلت بمعاد الذي أجاب بعد

وقت فقلت مباشرة " أين أنت يا معاذ "

قال " في العاصمة هل تأمرني بشيء "

قلت بهدوء " أنا عند منزلنا هنا تعال بسرعة "

قال " دقائق فقط وأكون عندك "

اتصلت بعدها بصديقة وسن لتأتي وتكون قريبة منها فلا

خيار غيرها فوالدة فرح ستكون في بلدة أشقائها بالتأكيد

بعد قليل وصل معاد ونزل من سيارته وقال

" ماذا بك وما تفعل هنا "

تنفست بضيق ولم أتحدث على اقتراب ملاك منا

التي وقفت وقالت " ماذا حدث هل وسن بها مكروه "

نظرت لها وقلت " ألا تعلمي أنها هنا ووحدها "

قالت بحيرة " لا فأنا لم اخرج من منزلنا من أكثر من ثلاثة

أيام ولم أفتح هاتفي إلا اليوم , ماذا حدث "

أشرت بيدي للمنزل وقلت " كوني بقربها رجاءا

لوقت لن يكون طويلا "

هزت رأسها بالموافقة وتوجهت من فورها ناحية المنزل

وقال معاذ من فوره " ولما أحضرتني هنا على

عجل , ما موقعي من كل هذا "

قلت " أريد منك أن تذهب للمزرعة و.... "

قاطعني خروج ملاك من المنزل مجددا فنظرت لها

باستغراب وهي تقترب منا

*
*

خرجت مشتعلة غضبا من ذاك المنزل بسبب هذه المجنونة وسن

وهي تقول عودي لمنزلك حالا لأني أيضا لن أبقى فخرجت

عائدة ناحيته أتمتم بغيض " وكأنه ينقصني هموم على همومي "

اقتربت منهما ووقفت ونظرت لنواس وقلت

" طردتني بالعربية الفصيحة "

نظر لي بصدمة وقال " طردتك ! "

نظرت لصديقه فكان يخفي شفتيه بحركة من إصبعيه

ويبتسم فقلت بضيق " نعم وكأنه منزلها فأرجع لي

كرامتي المهدورة واطردها "

ضحك حينها الذي كان يمسك ضحكته منذ وقت

فتجاهلته وتابعت ببرود " وقالت أنها أيضا ستغادر "

تنفس نواس بغيض وقال " هل جُنّت هذه أم ماذا "

ابتعدت عنهم مغادرة وهوا يتأفف غاضبا حين سمعت ضحكة

صديقه مجددا وصوت نواس قائلا وبضيق " لا تقلها أو

قطعت لسانك فهمناها لن أحزن لأنه سرق الحزن

من سنيني فغيّر شعارك الهابط هذا "

تسمرت حينها مكاني والتفت أنظر لهما بصدمة وهما

يوليان ظهرهما لي على قول صديقه وهوا يمسك يده

" آه نواس بالرفق "

قال نواس بحيرة " أمازالت تؤلمك ! الحادث مر عليه

أكثر من أسبوعان منذ وفاة والدتي "

زادت حينها صدمتي وعيناي قليلا وتخرجا من مكانهما

وقال ذاك بتألم " لا أعلم ما بها ما تزال تؤلمني "

قال نواس متوجها جهة باب منزلهم " عد للمستشفى إذا

ليرو ما بها بدلا من إهمالها حتى حين لا ينفع الندم

ولعلك تتوقف عن جنونك الدائم في القيادة "

التفت حينها ليفاجئ بوجودي خلفهم وأنا انظر له دون

أن أرمش .... أحزان السنين هوا أمامي بشحمه ولحمه

الشعار نفسه والحادث لا اصدق هل أنا في حلم , وضع يده

في جيبه ونظر لي بابتسامة مائلة وكأنه يقول ما يوقفك خلفنا

فابتسمت وقلت بمشاكسة " قالوا أن التجسس ينمي أعصاب

المخ ويقويها لكني لا أصدقهم ولم أتجسس عليكما "

نظر لي بابتسامة لعوب فقلت مغادرة " حسنا توبة لن أعيدها "

ثم ركضت مبتعدة وأنا أشعر بسعادة العالم كلها تسكن داخلي

أحزان السنين هوا يا ملاك هل تصدقي هذا , كم تمنيت أن

أراه فقط ولو من بعيد ولم أتخيل أن يكون صديقا لقريب

أقرب صديقة لي , هل أنا في حلم يا بشر بل ياله من لقاء

رائع انتهى بفكرة سيئة أخذها عني بالتأكيد , لكن لا يهم

المهم أن اعرف الآن من يكون , ركضت وأنا أعبر الشارع

وأحضن حقيبة يدي واضحك كالمجانين ولو كان

بيدي لقفزت فرحا كالأطفال

******

بقيت واقفة أنظر له باستغراب من وقوفه هنا وفي

هذا الوقت , وقفت متجمدة مكاني ولم أتقدم في خطواتي

أكثر أنتظر أن يقول أي شيء فلابد وأنه كان واقفا

ينتظرني من أجل شيء ما , لكنه فاجئني حين ابتعد عن

الجدار واستدار وعاد لغرفته ودخل وأغلق الباب خلفه

دون كلام فبقيت لوقت مكاني أنظر لباب الغرفة باستغراب

ثم توجهت لغرفتي دخلت وأغلقت الباب وارتديت بيجامة

النوم وفتحت شعري ودخلت السرير فتذكرت أني لم أحضر

الماء فغادرت السرير وخرجت من الغرفة لأفاجئ بنزار

خارج من غرفته ومر من أمامي ونزل دون أن يتكلم

فرفعت كتفاي بعدم فهم ونزلت خلفه , توجهت للمطبخ

ووجدته واقفا هناك ولا يفعل شيئا فتوجهت لقارورة الماء

أخذتها وخرجت فأوقفني صوته قائلا " سما انتظري "

التفت أنظر له بصمت وقد طال صمته ولم يتحدث وهوا

ينظر لأصابعه على الطاولة المستند عليها بيده

فقلت بهدوء " نعم نزار هل تريد شيئا "

تحرك حينها مارا من أمامي وقال " لا تهتمي

للأمر لا شيء مهم تصبحين على خير "

بقيت انظر لظهره حتى اختفى وهوا يصعد السلالم بخطوات

سريعة , ما به يا ترى وماذا كان يريد أن يقول ولما

غيّر رأيه , تنهدت وغادرت أتمتم بحزن

" ما هذه المصيبة المسماة حب ليثني لم أعرفه ولم أجربه "

عدت لغرفتي ودخلت سريري أحاول النوم لأنه طار من

عيناي , كنت نائمة على ظهري أراقب السقف بشرود

أفكر في مستقبلي وما قد يحدث معي , لأول مرة يزورني

هذا الهاجس , كنت دائما أفكر فيما أنا فيه الآن وأفسر واحلل

مشاعري وما يحدث معي ولم يخطر في بالي أن أبحث عن

نفسي في المستقبل فلم أصل قبلا لهذه النقطة , جلست بسرعة

حين سمعت طرقات على باب الغرفة مؤكد نزار وقد يكون

قرر أخيرا أن يقول ما يريد قوله , غادرت السرير وتوجهت

للباب وفتحته فكان واقفا أمامه ومسندا يده على الجدار

وقال من فوره " أريد هاتفك قليلا إن لم يكن لديك مانع "

نظرت له باستغراب بادئ الأمر ثم قلت

" بالتأكيد لن أمانع "

ثم دخلت وأخرجته له ومددته له قائلة

" يمكنك إبقائه لديك كيف تشاء "

نظر لي حينها نظرة لم أفهم مغزاها وكأنه لم يكن يتوقع

ما قلته فمده لي دون أن يفعل به شيئا فنظرت ليده

ثم لعينيه ورفعت شعري خلف أذني وقلت

" هذا فقط !! هل انتهيت منه "

أعاد يده ونظر لشاشته وفتش أو فعل شيئا لا أفهمه

ثم مده لي وقال " هذا فقط شكرا لك "

أخذته منه وأنا انظر له باستغراب فقال متوجها ناحية

غرفته " أردت أن أبقيه قليلا لأمر مهم لكني تذكرت

أن غدا مدرسة وعليك أخذه معك "

ثم دخل غرفته وأغلق الباب فعدت لغرفتي ونمت أحاول

أن لا أفكر في شيء لأني لا افلح ولا حتى في التفكير

فكيف سأفسر ما يجري

في الصباح استيقظت متأخرة بسبب سهري البارحة

دون فائدة أراقب السقف بشرود وكأني أرسم عليه لوحة

ركضت على طَرق نزار على الباب وأنا أتوجه للحمام

قائلة " قليلا فقط وسأنزل لك "

خرجت من الحمام وأخذت حقيبتي ومشبك الشعر وحجابي

وخرجت ركضا ونزلت السلالم بسرعة ودخلت غرفة خالتي

ونزار كان هناك يقف مستندا بالجدار فجلست أمامها وقلت

" امسكي لي شعري أولا "

جمعته للخلف لأنه تناثر بسبب ركضي وقالت وهي تعدله

" سأضفره لك ما رأيك "

قال نزار بتذمر " أمي مارسي أمومتك فيما بعد لقد تأخرنا "

نظرت للأرض بخجل من نفسي وقالت خالتي بتذمر

" مهلك علينا قليلا لن تطير المدرسة "

ثم قالت وهي تمسكه " سأقص لك غرة أيضا

فيما بعد وستعجبك "

تأفف حينها نزار وخرج فألبستني حجابي وعدلته

لي فوقفت وقلت " ما به يبدوا مستاء ! لم يغضب

هكذا حين تأخرت تلك المرة "

مدت لي حقيبتي وقال بلامبالاة " لا تكترثي له فالرجال

يتضايقون لأسباب خارجية ويصبون غضبهم على النساء "

وصل صوته من الخارج مناديا " بسرعة يا سما "

خرجت مسرعة وأنا أقول " وداعا يا خالتي "

خرجت خلفه وركبت السيارة وانطلقنا في صمت سوا

من تنفسه القوي الغاضب بين الفينة والأخرى فقلت بهمس

" أنا آسفة لم أقصد أن .... "

قال بهدوء ممزوج بالضيق " لا بأس "

كان وكأنه يريد أن ينهي الكلام وأن لا يسمع صوتي , يبدوا

مستاء جدا اليوم لابد وأن تلك الرهام وراء هذا , نظرت للنافذة

ولذت بالصمت حتى وصلنا المدرسة ونزلت دون كلام ودخلت

ووجدت ريحان عند الباب فنظرت لها وقلت باستغراب

" ماذا تفعلين هنا !! "

ضحكت وقالت " وأنتي ماذا تفعلين هنا "

قلت ببرود " أدخل للمدرسة طبعا "

ضحكت وقالت " وأنا أخرج منها "

قلت باستغراب" ولما تخرجي ! "

قالت " لا دراسة اليوم "

قلت بصدمة " ولما !! "

رفعت كتفيها وقالت " لو شاهدتِ التلفاز مثل

غيرنا لعلمتِ بذلك "

نظرت جهة الباب ثم لها وقلت

" وكيف يعلنون عن العطلة من التلفاز "

ضحكت وقالت " وكأنك لم تدرسي حياتك في

المدارس الحكومية "

قلت بحيرة " والعمل الآن ؟؟ "

قالت ببرود " لا شيء تقفي مثلي حتى يكتشف

أهلك أنه يوم عطلة ويأتوا لأخذك "

مستحيل نزار سيذهب للشركة التي يعمل فيها قريبه حسام

ويسلم لهم الخرائط ويبدوا لا يعلم بأمر العطلة اليوم ولن يعود

قبل الظهر , تذكرت هاتفي فابتعدت عنها وفتحت حقيبتي

وفتشت كثيرا ولم أجده , لا يا إلهي كيف نسيته , كله بسبب

الاستعجال , كان في حقيبتي البارحة وحين أخرجته لنزار

لم أرجعه لها , توجهت ناحيتها وقلت

" خالتي تستمع للمذياع دائما لما لم تسمع عن العطلة "

قالت بضيق " أعلنوا عنها صباح اليوم , لا أعلم هذه الدولة

كيف يفكرون ! هذا اليوم ملغى منذ سنوات ولا عطلة فيه

كانوا أخبرونا منذ وقت كي كسبناه في النوم والراحة "

قلت " عليا أن أجد هاتفا وبسرعة قبل أن يبتعد نزار "

قالت وهي تقترب من الباب " لا حل أمامي سوا أن أعود

للمنزل سيرا على قدماي رغم أنه بعيد قليلا "

قلت بصدمة " وأنا !! "

قالت " تعالي معي ونتصل من هناك بقريبك يأتي لك "

قلت بشبه همس " لا استطيع "

قالت متوجهة نحو الخارج " لا حل لك إذا سوا انتظاره "

نظرت للخارج وكان ثمة شابان يقفان هناك وينظران لي

ويبتسمان فشعرت بالذعر من كلام خالتي , لم أكن أخاف

من الرجال بهذا الشكل رغم كل خوفي منهم ولم أشك للحظة

أنهم مخيفين هكذا , توجهت نحوها وأمسكت يدها وقلت

" انتظري أين مدير المدرسة "

ضحكت وقالت " لم يأتي طبعا نام وتركنا نكتشف المفاجأة هنا "

تنهدت بضيق ثم نظرت للبعيد حيث غرفة الحارس وقلت

" لنأخذ هاتف الحارس ونتصل ليأتوا لأخذنا "

قالت وهي عائدة معي " فكرة جيدة "

ثم تابعت بضيق ونحن نسير نحوها " الحق عليهم لما

يمنعون الهواتف في المدارس , قوانين فاشلة مثلهم "

ريحان لا تتوقف عن ذم نظام البلاد وكأنها ليست دولتها

هي لم تجرب أن تخرج منها لأحبتها بكل عيوبها , اقتربنا

من غرفته وطرقنا الباب ولم يفتح لنا فقالت ريحان بهمس

" قد يكون ميت "

لم استطع إمساك ضحكتي ففتح لنا الباب وشعره مبعثر

ووجهه منتفخ من النوم وقال ببحة

" ما بكما ألم يخبركم احد أني لا أنام طوال الليل "

نظرنا لبعضنا وقالت ريحان بابتسامة " عم صابر نريد

هاتفك قليلا لنتصل بأهلنا يأتوا ويأخذونا من هنا "

قال بحدة " لو كنت من أصحاب الهواتف ما كنت هنا "

ثم أغلق الباب في وجهنا بقوة فنظرنا لبعضنا بصدمة

وقالت ريحان " وأين يذهب براتبه إذا هذا الكاذب "

فتح حينها الباب ونظر لنا بغضب فركضنا مبتعدتين ولم

نشعر بنفسينا إلا ونحن خارج سور المدرسة نلهث من

الركض وقلت " ما العمل الآن "

قالت وهي تسير " أنا الغبية تركت باقي بنات الحافلة ذهبن

ولم أذهب معهن وتأملت أن يتذكرنا صاحب الحافلة أو أحد أهلي "

تبعتها مسرعة وأنا أقول " ريحان لا تتركيني وحدي "

وكنت انظر للخلف حيث أن الشابان تحركا خلفنا فوقفت

وقالت " تعالي معي أو ابقي هناك حتى يأتي قريبك

وقت الظهر لا خيار ثالث أمامك "

ارتجف كل جسدي حين شعرت بيد لامست خصري

وقفزت مبتعدة على عبور أحد الشابين جهتي ثم نظر لي

للخلف مبتسما فنزلت دموعي دون شعور وقلت بعبرة

" وقح لقد لمسني "

سحبتني من يدي قائلة " لم تري شيئا بعد إن بقيتي هنا "

سرت معها ولا خيار أمامي وأنا أستمع لهمسات خلفنا فالتفت

فكان ذاك الشاب فقلت بخوف " ريحان إنه خلفنا متى سنصل "

قالت ونحن نزيد سرعتنا حتى كدنا نركض" كله بسببك

زرقاء العينين بيضاء البشرة ممشوقة القوام لما لم

يلحقني أنا البدينة السمراء "

قلت بضيق " وما ذنبي أنا ثم لست وحدي زرقاء العينين

من يسمعك لا يصدق أنه يوجد مثلي وبكثرة "

قالت ونحن نعبر الشارع " لا حل سوا السير بسرعة وإن

أمسكك لا اعترف بك سأهرب وأبلغ الشرطة عنه

لأنه لن يصنع بي شيئا "

قلت بصدمة " ماذا تهربي وتتركيني "

وما أن أنهيت جملتي حتى شعرت بحقيبتي تُسحب

للخلف بقوة ثم أمسكت يد بذراعي فصرخت بخوف

وفرت ريحان راكضة وهي تقول " اتركها سأبلغ عنك الشرطة "

وبدأ يسحبني جهة منزل لم يكتمل بنائه بعد وكان رفيقه يقف

هناك وكأنهما متفقان على إمساكي هنا , صرخت

بريحان فقالت صارخة وهي تركض

" سأطرق أول باب أجده أمامي وسترون "

قال الآخر بصوت مرتفع " أتركها ستخبر عنا

تلك البدينة القبيحة لقد أفسدت كل شيء "

حاولت سحب نفسي لأعيق خطواته وأنا ابكي وأترجاه أن

يتركني لكنه لم يستمع حتى لصديقه فسمعت فجأة صرخته

القوية وأفلتني لأسقط أرضا بعد عدة خطوات ونظرت

للخلف فكان نزار يضربه بقوة ممسكا قميصه ويلكمه على

وجهه ويصرخ به قائلا بغضب ووجه محمر

" سأربيك يا حثالة إن لم تجد من يربيك يا صعلوك

يا فاشل ألا تخجل من نفسك "

كان يضربه بعنف ويصرخ ويشتم وذاك لا حيلة لديه لأن

نزار اكبر وأقوى منه أما الآخر فقد فر عندما رأى ما حل برفيقه

ثم رماه أرضا ووجهه مغطى بالدماء وبصق عليه وقال باحتقار

" لعلك تستفيق لنفسك فلن أبلغ عنك وأسلمك للشرطة

وأضيّع مستقبلك , غادر بسرعة "

وقف ذاك يترنح في مشيته يحاول أن يسرع وتوجه نزار

نحوي وأمسكني من ذراعي وأوقفني بقوة سائرا بي نحو

السيارة وفتح الباب وقال بحدة " اركبي بسرعة "

ركبت وأغلق الباب بقوة وركب وشغل السيارة وسار بها

وقال بغضب " ما الذي أخرجك من المدرسة تكلمي "

كنت أرتجف من الخوف الذي لازال مسيطرا علي وأبكي

ولم استطع الكلام , وصلنا حينها لريحان تركض

فأوقف السيارة وقال من نافذته " اركبي "

ركبت بسرعة ودون تفكير وكأنها هي المطاردة وليس

أنا وما أن ركبت وانطلق حتى قال بذات غضبه

" ما الذي أخرجك من هناك في وقت مبكر هكذا ولم

تنتظريني , تكلمي الآن يا سما "

قالت ريحان ببكاء " لم نكن نعلم أن اليوم عطلة و.... "

صرخ بها بحدة " أصمتي أنتي "

سكتت من فورها وقال بصراخ غاضب " لما لم تتصلي بي "

قلت بتنفس متقطع " نسيته في الغرفة "

ضرب على المقود ولف بالسيارة يمينا وهوا يقول بحدة

" لا اعلم متى ستتوقفين عن التصرف كالأطفال بل الأطفال

يثبرون من تصرفاتك الصبيانية , ماذا لو لم الحق بكما ؟ ماذا

لو حدث لك شيء هناك , ماذا سأقول لعائلتك حينها تكلمي "

لم ازدد إلا بكاء وتابع قائلا " لما لم تدخلي للمدير وتخبريه "

أبت الكلمات أن تخرج وصرت أشهق كالغريق

وقالت ريحان " قالوا لم يأتي "

صرخ بها بقوة " الم أقل تصمتي ثم من أخبرك بذلك , لو

دخلتي للداخل يا نبيهة لوجدته في الإدارة وباب المدرسة

مفتوح أيضا لكن اللوم ليس عليك بل على هذه التي خرجت

معك , بل وعليا أنا قبلها لأني ظننتها كبيرة وعاقلة "

قالت ريحان حينها " لقد .... "

قاطعها بغضب " أصمتي "

قالت بحدة " لقد فت طريق منزلي هل ستأخذني معكم

لأسمع باقي التوبيخ , أنا لست مستغنية عن عمري "

وقف حينها ونزلت ريحان وقالت بضيق

" شكرا على إيصالي "

ثم ضربت الباب وغادرت جهة أحياء بعيدة قليلا لأنها

تسكن على أطراف المدينة في طريق خروجنا وتابع

الطريق وكان يقود بغضب واضح ويتأفف ويزفر بغيض

فقلت بهمس " أنا لم ..... "

قطعني بحدة " أصمتي ولا كلمة "

فلذت بالصمت أتابع بكائي حتى وصلنا ونزل وفتح باب

المنزل ودخل وتركه مفتوحا فنزلت احضن حقيبتي

وأرتجف من البكاء والخوف

*
*

انفتح باب المنزل بقوة فنظرت لباب غرفتي بترقب

سما في المدرسة ونزار خارج العاصمة ولا مفتاح لدى

غيرهما فمن سيكون هذا !! وما هي إلا لحظات ودخل

نزار ووقف عند باب غرفتي ينظر حيث ممر باب المنزل

وكأنه ينتظر أحدهم ليدخل فقلت " نزار ما الذي عاد بك "

قال وهوا ينظر هناك وأصبعه يشير لي وبلهجة حادة

" ادخلي هنا لنرى "

دخلت حينها سما تبكي وترتجف وركضت فورا جهتي

وارتمت في حضني فمسحت على رأسها وما أن فتحت

فمي لأتكلم حتى صرخ نزار قائلا " لا مدرسة بعد اليوم

تدرسي هنا تبقي من دونها لا يهم "

قلت بصدمة " ما بكما !! "

قال بضيق " اسأليها ما يخرجها من المدرسة مع فتاة

لا تعرفها وأين كانت ستذهب وماذا كان سيحدث لها لو

لم أدركها , لم تخبريني انك تريدين زيارة منزلهم

لأخذتك بنفسي تسكعتِ هناك "

قلت بضيق " نزار ما هذا الكلام الذي تقوله "

قال بغضب موجها حديثه لها وكأنه لا يراني

" ماذا كنت سأقول لعائلة والدك حينها ... ابنتكم

ضاعت مني وضاع شرفها وشرفكم من أجل دراسة "

قلت بغضب مماثل " نزار توقف حالا الفتاة ترتجف

بشدة وفي حالة هستيرية من الذعر "

قال مغادرا وبصراخ " اقسم لو كانت اصغر

بقليل لضربتها لتتعلم كيف تتصرف "

وصعد بخطوات ثقيلة غاضبة وتركها ترتجف بشدة في

حضني وتبكي بهسترية , حاولت التحدث معها وتهدئتها

وبلا فائدة فبدأت أقرا عليها آيات من القرآن وأمسح على

شعرها بعدما نزعت لها حجابها وبقيت كذلك حتى

هدئت قليلا فأبعدتها عن حضني وقلت

" ماذا حدث يا سما ؟ ما أغضبه منك هكذا "

حاولت أن تحكي لي لكني لم أفهم شيئا من عبراتها وشهقاتها

وارتجافها الذي عاد كما كان , كانت تُخرج حرفا وتبلع عشرة

وما فهمته أنه ثمة من طاردها وكان سيأخذها لمنزل مهجور

فحضنتها مجددا وقلت " اهدئي يا سما أنتي بخير وحمدا

لله أن الأمر انتهى على هذا ... اهدئي "

هدأت بعد وقت طويل وخف بكائها وارتجافها وبعد وقت

نزل نزار متوجها لباب المنزل فناديت بصوت مرتفع

" نزار "

لكنه لم يكترث لي وخرج ضاربا الباب خلفه بقوة

فنظرت لسما التي نامت على السرير بالعرض جسدها

فوقه وساقاها خارجه حاضنة ليديها عند صدرها ولازالت

تشهق بين الفينة والأخرى , مسحت على شعرها وتنهدت

بقلة حيلة , حمدا لله انه وصل هناك في الوقت المناسب

حمدا لله الذي حفظك ورعاك يا ابنتي لأني اعرف شعور

نزار وأقدره فما كانوا أهلك سيغفرون له إهماله وسيضعون

اللوم عليه حينها وأقل ما سيقولونه لو جلبتها لنا منذ البداية

لحميناها بأنفسنا , ولو كنت مكانهم لصنعت ذات الشيء

بعد وقت دخل نزار ووقف عند الباب هذه المرة ونظر لها

وهي نائمة مكانها ثم لي فقلت بضيق وصوت منخفض

" تصرف بلين لقد أرعبتها فوق رعبها "

قال بحدة وصوت منخفض " أمي لا تفتحي معي هذا

الموضوع كي لا أزيد غضا فوق غضبي "

ثم غادر جهة المطبخ ولم اعد استمع إلا لأصوات

الأواني وكأنه إعصار دخل المطبخ وبعد وقت حركت

كتفها وهمست قائلة " سما بنيتي استيقظي "

فتحت عيناها بصعوبة ثم قفزت جالسة بذعر فقلت

بهدوء " لا تخافي أنتي في المنزل "

التفتت في كل اتجاه وقالت بخوف " كان هنا "

مسحت على شعرها وقلت " لا احد هنا كل شيء انتهى

هيا اصعدي لغرفتك صلي الظهر وانزلي لتتناولي غدائك "

وقفت وقالت بملامح متعبة من البكاء والخوف

" هل عاد نزار ؟ صوته في المطبخ "

هززت رأسي بنعم وقلت

" لا تتحدثي معه الآن لازال غاضبا جدا "

نزلت دموعها وقات ببكاء " لم اقصد إغضابه كنت خائفة

من الشابين وريحان ستغادر وتتركني وحدي وهي

قالت أن المدير ليس هناك و ....."

وعادت تسرد عليا كل ما حدث مجددا فقاطعتها قائلة

" نعم يا سما اعلم ولكنك أخطأتِ بنيتي الوقت كان مبكرا

والشوارع لا حركة فيها والشباب المراهق المنحرف لا يخاف

ولا يستحي وخرجوك كان خطرا أكبر من بقائك هناك "

زاد بكائها فتنهدت وقلت " توقفي عن البكاء ولا تتحدثي

معه أبدا , هيا اصعدي وصلي صلاتك وارتاحي "

تركتني وصعدت لغرفتها وبعد وقت دخل نزار يجر

طاولة الطعام في صمت وخرج وجلب الأطباق

والأكواب ثم جلس وقال بضيق " اتصلي بها لتنزل "

سويت من جلستي ورفعت هاتفي واتصلت بها فأجابت

بعد وقت فقلت مباشرة " انزلي لتتناولي الغداء معنا يا سما "

قالت بصوت واضح عليه البكاء " لا رغبة لي في الطعام "

تنهدت وقلت " حسنا نامي الآن وارتاحي وتناوليه فيما بعد "

ثم أنهيت المكالمة ونظرت لنزار الذي كان ينظر لي وقد

حول نظره بسرعة لطبقه وقال ببرود " لا تفتحي الموضوع

معي يا أمي رجاء المدرسة انتهى أمرها وغيره لن نتكلم فيه "

تنهدت ولذت بالصمت لأن الكلام لن يجدي الآن

أنهينا غدائنا وأخرج كل شيء وعاد لضجيجه في المطبخ

ثم صعد لغرفته ولم أره باقي اليوم ولا سما التي كلما

اتصلت بها قالت أنها بخير ولا رغبة لها في النزول ولا

الطعام وعند أول المساء دخل نزار من الخارج وقف

عند باب غرفتي وقال " هل أعد العشاء "

قلت بهدوء " أنا لا رغبة لي في الأكل وسما لم تتناول

حتى غذائها , إن كنت أنت تريد شيئا فأعده لنفسك "

قال بعد صمت " اتصلي بها وانظري ما بها قد تكون مريضة "

قلت ببرود " أنت أسرع يمكنك الصعود والاطمئنان عليها "

قال مغادرا " انسي الأمر إذا "

قلت منادية " نزار تعال قليلا "

عاد عند الباب فقلت " أدخل "

فتح فمه ليعترض فقلت بضيق " نزا لا تنسى أني والدتك

وقد تغاضيت عنك صباحا لان مزاجك كان سيئا من

قبل حتى أن تأخذ سما للمدرسة "

نظر لي باستغراب فقلت بإصرار " أدخل يا نزار "

دخل وجلس على الأريكة مبتعدا عني قليلا فقلت

" ما بك بني "

نظر لي بجمود دون كلام فتنهدت وقلت " قد تكذب

على الجميع لكن قلب الأم لا وثمة ما كان يزعجك قبل

مشكلة سما كلها , أنا معك أنها أخطأت لكن الشابان كانا

أمام باب المدرسة ويترصدان لها وصديقتها ستذهب وتتركها

وحارس المدرسة صرخ بهما وأغلق باب غرفته ونام ومؤكد

أنت تعلم أن غرفته بعيدة عن الباب وهما رأتا باب

المدرسة الداخلي مغلق بالفعل "

قال بضيق " لكني اتصلت بمدير المدرسة وأنا ذاهب وقال

انه هناك وفي الداخل ولا احد في المدرسة فما أدراه بذلك "

قلت بجدية " وسما لن تكذب تحت أي ظرف كان وكانت

في موقف سيء وأنت أكثر من يعلم أنها لن تعرف

كيف تتصرف في هذه الأمور "

أشاح بنظره عني وقال بضيق " أخطأت يا أمي أخطأت "

تنهدت وقلت " أعلم لكن غضبك كان مبالغا فيه

وسببه لم يكن هي فقط "

بقي على حاله هاربا بنظره مني ولم يعلق ولا يعترض

على كلامي فقلت بهدوء " رهام أليس كذلك "

نظر لي بسرعة وصدمة فابتسمت بسخرية وقلت

" لم أكن أتصور انك لازلت تحبها "

وقف ينظر لي بملامح عابسة وقال بصوت مشمئز

" أمي ما هذا الجنون أنا أحب تلك "

قلت ببرود " فسر لي سبب حالتك هذه إذا "

قال بحرقة وغضب ملوحا بيده في الهواء " نعم سببها هي

ولكن ليس كما تتخيلي , بلى ما أن أراها واسمع صوتها أموت

بالعرق لكن ليس حبا لها بل لأنها باتت شيئا يذكرني بواقعي

ما أن أراها حتى أشعر بك وبعجزك عن الحركة وعجزي

عن مساعدتك , ما أن أراها حتى أتذكر أن من هُم في سني

أبنائهم حولهم وطولهم يقاربهم , ما أن أراها أتذكر أن من

كانوا اقل من مستواي في دفعتي يعيشون الآن في الخارج

وصورهم تملأ الصحف والمجلات , هل تعلمي الآن ما

تفعله بي رهام وما يفعله بي ذكر حتى اسمها , هي من

تركني خلف الجميع ليسير الكل للأمام إلا أنا , هل تتصوري

معنى أن يكون الرجل عاجزا عن مساعدة الجميع وحتى

نفسه , هذا هوا أنا هذا هوا ابنك نزار فاشل يفترض به

أن يخجل حتى من صورته في المرآة "

ثم خرج من فوره ولم أتكلم ولا امنعه فهذا ما كنت أريده

أن يفرغ الغضب الذي في داخله قبل أن يدمره أكثر والذي

سببه تلك الرهام لا بارك الله فيها ولا في عملها
*
*

مرت عدة أيام على ذاك اليوم ونزار يرفض حتى التحدث

معي ومجرد أن ادخل مكان وهوا فيه يخرج ويتركني ولم

أذهب للمدرسة طبعا منذ ذاك اليوم , أعلم أني مخطئة

واعترف بخطئي فلما يأخذ مني كل هذا الموقف ولما غضبه

وتجاهله لي أمر لا أحتمله ويحرق قلبي حرقا ولا أجد سوى

البكاء وحدي وسيلة لتخفيف ذلك عني حتى جفت دموعي

نزلت متوجهة لغرفة خالتي أنظر للجرح في يدي بعدما

نزعت الشاش وبقي أثره لم يشفى بعد , دخلت وكان

نزار هناك فوقف وخرج من فوره طبعا دون حتى أن

ينظر ناحيتي , نظرت حينها لخالتي وقلت بحزن وهمس

" هل رأيتِ كيف يعاملني "

قالت بابتسامة " قد يكون يختبر معزته عندك "

تنهدت وقلت " ولما يختبرها أنا حقا لا أحب أن يغضب مني "

ربتت بيدها على السرير بجانبها وقالت " تعالي أفهمك شيئا "

توجهت نحوها وجلست رغم أني لا افهم شيئا فأمسكت يدي

وحضنتها بين كفيها وقالت " سما بنيتي الرجال التعامل معهم

ليس كالنساء , هل تذكري حين كان يود أن يعتذر منك ما فعل "

قلت بهمس " أشترى لي هدية "

قالت مبتسمة " وأنتي أول ما تفكرين فيه أن تعتذري أليس كذلك "

هززت رأسي بنعم فقالت " وهذا هوا الاختلاف , هوا لا

يعبر عن مشاعره مثلك بوضوح كذلك سيقبل اعتذارك

لكن ليس بطريقتك "

قلت من فوري " هل اشتري له هدية "

ضحكت وقالت " لا طبعا "

ثم تنهدت وشردت بنظرها للفراغ وقالت بحزن

" نزار تغير كثيرا منذ انتهت قصته مع رهام وجرحته

ذاك الجرح , كان شابا متفائلا يفكر كيف سيكون في

المستقبل وينظر له بإشراق , أحبها ورأى فيها مجدافه

للمستقبل ليكتشف أن ذاك المجداف مكسور فتحول لإنسان

متشائم لا يثق بأحد ولا حتى بنفسه ونظرته للحياة أصبحت

سوداوية والأسوأ من ذلك أنه بات ينظر لنفسه على انه

عاجز عن فعل أي شيء لأي أحد وهذا أكثر ما يدمر الرجال

يا سما هذا أكبر مطب قد يصطدم به الرجل لينهيه كرجل "

قلت بحيرة " ولما يرى نفسه هكذا ! بالعكس أنا لا أراه

رجلا عاجزا وفاشلا أبدا يكفي بره بك وتضحيته من أجلك

وما فعله لي لن أنساه ما حييت يا خالتي أبدا ما حييت

وما كان غيره ليفعله وحينما رأيت ما حدث لي من ذاك

الشاب يومها أدركت أكثر أنه يتميز عن غيره بالكثير

حتى أنه أخبره بأنه لن يبلغ عنه الشرطة كي لا يضيع

مستقبله وعله يستفيق لنفسه "

مسحت بيدها على خدي وقالت مبتسمة " نعم هذا ما

ينقص نزار ليعلمه وأنتي من عليه إيصاله له قبل غيرك "

قلت بحيرة " لما قبل غيري لم أفهم !! "

قالت بعد ضحكة صغيرة " كمسابقة التفاحة من يقفز أكثر

يقضمها ويفوز بها ويكون الأسرع بل الأذكى ولا احد يعلم "

ثم ضغطت على كفي بقوة وقالت " رهام كسرت شيئا

كبيرا داخل نزار تفاقم مع السنين وجعله ينظر لنفسه نظرة

استصغار ودعاء لم تتحلى بالذكاء الذي يجعلها تلمس ذاك

الوتر الحساس والذكية من تصل له وتعزف عليه بإتقان "

بقيت أنظر لعينيها بتركيز وأترجم ما تقول فقالت " إن كنتي

تريدين أن يقبل اعتذارك مسي ذاك الوتر فقط فيقبله مباشرة "

قلت بهمس " كيف ؟؟ "

ابتسمت ولم تتحدث ثم تركت يدي وقالت " ذكائك عليه أن

يفهمها وإن لم يفعل يكون الوقت غير مناسب لهذا يا سما "

نظرت مطولا لكف يدي الذي كان بين يديها استرجع ما

قالته , هي لم تقل شيئا مبهما ولا صعبا بل شرحت بكل

تفصيل فلما أشعر بأني لم افهم !! هوا الخوف فقط من أن

أجرب وأفشل , وقفت وغادرت غرفتها وعدت لغرفتي أفكر

في كل حرف قالته , رهام حطمت ثقته بنفسه وأصبح

يرى أن الناس لا تتق به ودعاء لم تُرجع ذاك في داخله لكن

كيف ألمس ذاك الوتر كما قالت ؟ أنا افهم معنى كل كلمة

قالتها لكن كيف أطبقه ! أنا حقا أشعر بالعجز

وبقيت على ذاك الحال طوال النهار أحاول صياغة ولو

جملة تشمل ما قالته خالتي وفي النهاية استسلمت ولكن ليس

لفشلي بل أن أترك الجمل تصوغ نفسها بما أن خالتي قدمت

لي المضمون على طبق من ذهب وكان بإمكانها أن تعطيه

لدعاء ولم تفعل , نزلت للمطبخ وكان حينها بداية المساء

وكان هناك فهوا لم يتركني اطبخ حتى بعدما شفيت يدي

أو أنا من لم تتجرأ أن تتحدث معه في الأمر وهوا غاضب

مني هكذا , وقفت عند الباب وكان يقطع البصل فنظر لي ثم

عاد بنظره على يديه ولم يتحدث ولا يمكنه الهرب مني طبعا

توجهت للطاولة سحبت الكرسي وجلست وقلت بهدوء ونظري

على يداي فوقها " نزار حلفتك بالله أن لا تخرج

وتتركني , استمع لي فقط على الأقل "

لم يتحدث ولم يلتفت لي ولم يخرج وهذا الأهم , تنفست بقوة

أهدئ اضطراب قلبي وقلت بهدوء " لو كان لي شقيقا اكبر

مني لما تمنيت أن يكون إلا مثلك لأنك تعرف كيف ترعاني

كفتاة ولو كان لي زوج ما حلمت أن يكون أفضل منك لأنك

تملك كل تلك المقومات وحتى ابني إن اخترت كيف سيكون

سأختاره مثلك ليكون لي كما أنت الآن مع والدتك , أنت لا

تعلم كم تذكرني بوالدي رحمه الله حتى خوفك علي مثله

تماما وأدركت بعد تلك الحادثة انه كان على صواب دائما

نزار أنت رجل يعرف كيف يكون في المقام الأول في حياة

كل من يحيطون به , وأنت لست شقيقي ولا ابني ولا زوجي

لكني لا أريد أن أخسرك في كل حياتي فقط ولو أن تذكرني

دائما بذكريات جميلة وتتحدث عني بالحسنى "

نزلت دمعة من عيني مسحتها وقلت " أنت قدمت لي ما

عجز عنه حتى من يمثلون العدالة في هذه البلاد ويحتمي

الناس بهم , ما عجز حتى رئيسها أن يعطيه لي وهوا

الأمان في أشد خوفي ولا أريد أن أخسرك أبدا , أنا آسفة

عدد شعر رأسي وأعترف أنني أخطأت , لا أريد مدرسة

ولا دراسة فقط لا تغضب مني "

زادت حينها دموعي ولحقتها عبراتي أخفي وجهي بذراعي

متكئة على الطاولة فسمعت صوت السكين وهوا يضعه في

المغسلة ثم بخطواته تقترب ويده تمسح على شعري ووصلني

صوته قائلا " توقفي عن البكاء يا سما لست غاضبا منك هيا توقفي "

سويت جلست ومسحت دموعي ونظري للأسفل لم أرفعه فعاد

لما كان يفعل وعاد للصمت أيضا فوقفت أشعر بكم هائل من

الفشل وخيبة الأمل وتوجهت جهة الباب لأخرج فأوقفني صوته

قائلا " تحدثت مع جابر وستدرسين في المنزل ووافق

أيضا أن نخرج للبحر لأنه مكان مزدحم وسيوفر لنا الحماية

لقد وافق بصعوبة فقط لأنه متأكد من بعدهم عنك , جهزي

نفسك سنذهب في الغد "

بقيت انظر له بصمت وهوا نظره على ما يفعل لم ينظر

ناحيتي أبدا ثم وضع السكين ونظر لي وقال " وأنا أيضا

لو كان لي شقيقة أو زوجة أو ابنة ما تمنيتهم أقل منك

أنا آسف أيضا أعلم أنني أناني وأفكر في نفسي فقط "

ارتسمت حينها على شفتاي ابتسامة وقلت بهدوء

" شكرا لك يا نزار "

لم أجد وقتها غيرها لأقولها لأنه لا كلمات قد تعبر عما

اجتاحني من مشاعر حينها ولو تركت العنان للساني لقال

مالا أحب أن يقوله أبدا , ثم غادرت مسرعة ودخلت غرفة

خالتي وقلت مبتسمة " لقد تصالحنا أخيرا ولم يعد غاضب مني "

قالت بابتسامة " جيد علمت انك ستفهمين مقصدي يا سما "

بعدها بوقت أدخل نزار الطاولة وجلب العشاء وجلس يتناوله

معنا ويتحدث ويحاول أن يبتسم لكن ليس كالسابق وكأن

ثمة ما غيّره فجأة لكنه أفضل بكثير من الأيام الماضية

وجميعنا تصرفنا وكأن شيء لم يكن وأمضينا وقتا تحكي

خالتي عن رحلاتهم سابقا للبحر وحكت عنه في طفولته حين

كانوا يأخذونه إليه وأنا أضحك وهوا غضب منها وصعد لغرفته

بسببها كأغلب المرات , نظرت لها وقلت مبتسمة

" أغضبته ككل مرة "

قالت ضاحكة " من يكره أن يحكوا له عن طفولته

هوا لا يقدر هذا النعيم "

نظرت للأرض بحزن وقلت " نعم فلن أجد أنا

من سيحكي لي عما نسيته من طفولتي "

قالت " لما لا نقرأ روايتنا ونترك عنا الأحزان

فنحن لم نقرأها منذ ذاك اليوم الحزين "

تنهدت وقلت بأسى " لا أحب أن أتذكره أبدا "

ضحكت ومدتها لي وقالت " هيا خذي لنعلم ما حدث مع رُدين "

أخذتها منها وعدت للجلوس مكاني وفتحت حيث وقفنا وقرأت

(( نظرت له بصدمة ثم قلت " ومن أخبرك أني أحبه "

وضع الصحن على الطاولة وقال " علمت وحدي "

بقيت أنظر له بحيرة يستحيل أن يعلم ! هذا خبيث يمارس

ذكائه علي ولأنه محقق يملك حيلا كثيرة بالتأكيد "

قلت ببرود " لعبة قديمة وسخيفة ومكشوفة أيضا "

رفع حبة لوز وفتحها وقال " فسريها كما تشائين "

بقيت أنظر له بتشكك وهوا منشغل بما يفعل , هذا الأحمق

يلعب بأعصابي وأفكاري ويريد إيهامي بأشياء غير موجودة

سأل إن كنت أحب اللوز الأخضر وليس لأنه يعرف فإن صادفت

هوا الرابح وإن فشل لن يخسر شيئا , كان يأكل ويرمي

القشور على الطاولة بعشوائية ثم قال

" ماذا ستدرسين في الجامعة "

نظرت له وقلت بسخرية " وقل ما أحب من

التخصصات أيضا يا ذكي "

رمى بقشرة أمامي تماما وقال ببرود ونظره عليها

" المحاماة "

وقفت حينها على طولي أنظر له بصدمة لم أستطع إخفائها

فرفع نظره لي ومد لي بيده مليئة باللوز الذي قشره وقال

" أنتي الخاسرة إن رفضتِ فلا يوجد غيره في الداخل "

قلت ناظرة له متجاهلة يده " لما تجمع كل هذه المعلومات

عني ومن أخبرك "

أعاد يده وقال وهوا يأكل منها " لم يخبرني أحد مجرد

لعبة سخيفة وقديمة وصادفت "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بسخرية" لم أكن أعلم أني

مهمة لديك هكذا تتحرى عني وتترك أعمالك "

ركز نظره على خصري حيث أمسكه بيدي بنظرة غريبة

بتركيز فأنزلت يدي وقلت بحدة " أبعد نظرك يا وقح "

رفع نظره لعيناي لثواني بهدوء وصمت ثم أبعده عني

وقال ببرود " أنظري لإصبع يدك التي جهة الوقح "

رفعتها ونظرت لأصابعي وصرخت بكل صوتي انفض

من عليها الحشرة الخضراء الكبيرة وهوا يضحك علي

فتوجهت لحوض النعناع مغتاظة وأخرجت خرطوم المياه

منه فوقف وقال بتحذير " أقتلك إن فعلتها "

لكني طبعا من حرقتي ولأني رُدين التي لا تضيع حقها مهما

كانت النتائج رششته فورا بالماء ولم أتوقف حتى وصل عندي

فرميته علية وهربت عائدة جهة المنزل وما أن وصلت الباب

حتى شعرت بذراعين أمسكتاني من خصري بقوة ورفعتاني

عن الأرض وسارتا بي حيث كنا وأنا أرفس واصرخ لعل

عمي رياض أو عمتي سعاد يسمعاني وبلا نتيجة , وصل بي

عند حوض النعناع الكبير ورماني فيه بكل بساطة لأجد نفسي

في الماء والطين والحشرات , رفعت يداي ونظرت له وهوا

يقف يقطر ماءا وعيناه ستحترق من الغضب فأشرت له بإصبعي

وبدأت بالضحك , قد تكون حالة دفاعية فقط كي لا أشعره أنه

هزمني لكن شكله كان مضحك بالفعل , توجه جهة الخرطوم

رفعه ورشني به وأنا وسط سيقان النعناع الطويلة أشعر بالماء

والتراب تحتي أخفي وجهي بذراعي وهوا يرشني دون توقف

حتى صرخت به " يكفي .... يكفي هذا توقف يا فراس "

فرماه عليا وغادر فوقفت من فوري وأمسكته ولحقت

به أرشه من ظهره فالتفت لي ولم أتحرك من مكاني أرشه

بأكبر قدر أستطيع عليه فوصلني يحمي وجهه بذراعه

وأصبحنا نتشاجر على الخرطوم أنا أمسكه بقوة بكلتا يداي

وهوا يسحبه مني والماء يطير في كل اتجاه مرة عليه ومرة

علي أو في الأرض أو الهواء حتى توقف ضخ الماء فجأة

وأصبح الخرطوم بين يدينا لا شيء ينزل منه سوا بعض

القطرات , التفت للخلف ليرى من أغلقه وظهر لي من كانا

ورائه والده ووالته ينظران لنا باستغراب ثم انفجرا

ضاحكين على أشكالنا وتحرك فراس وقال بضيق مارا

بجوارهما " زوجوها بسرعة رجاءا "

أما أنا فبقيت أنفض يداي من الماء وأبعد شعري عن وجهي

وأبصق التراب من فمي وأمسحه حتى تحول الأمر لبكاء

أخفي عيناي بذراعي وأبكي بحرقة , أنا من النوع الذي

لا ترى دموعه إلا نادرا وها أنا أبكي للمرة الثانية

هنا وبسببه هوا في المرتين

اقتربت مني عمتي سعاد وأمسكت يدي وأدخلتني وأنا

على حالي أبكي بشدة وصعدت بي حتى غرفتي وأخرجت

لي ثيابا ووضعتها في الحمام وخرجت وقالت " أدخلي هيا

استحمي وغيري ثيابك وسيرا فراس عقابه منا وإن

فعلتها أنا وحدي وحقك لن يضيع "

جلست على الأرض ولم أزدد سوا بكاء وأنا عن نفسي

أستغرب لما ابكي هكذا , شعرت أني ابكي حزن كل سنيني

وعقباتها التي واجهتها بقوة وصمود حتى تعبت ثم وقفت

ودخلت الحمام استحممت ولبست ثيابي وخرجت جففت

شعري وأنا أشعر باستياء لم أشعر به حياتي لن يأخذ أحد

حقي إلا نفسي وسيرى , لم اخرج من غرفتي باقي النهار

ورفضت حتى أن أتناول العشاء ولم يغمض لي جفن

تلك الليلة حتى أشرقت شمس الصباح وما أن ذهب

ذاك المتوحش لعمله حتى جلست وأمسكت هاتفي انتظر

وأنظر لساعتي وبعدما مضى أكثر من نصف ساعة

على خروجه اتصلت بجوجو فقالت مباشرة

" مرحبا رُدين ما هذه المفاجئة "

قلت بابتسامة خبيثة " مرحبا جوجو أين أنتي الآن "

قالت من فورها " في عملي طبعا هل من مشكلة "

قلت مباشرة " أعطني فراس قليلا "

قالت باستغراب " من فراس "

قلت بصدمة " فراس ابنـ آآآآ أعني شقيقي

وشقيق أشرف "

قالت بعد صمت " وما علاقتي به أعطيه لك أنا

لا يعمل معي أحد اسمه فراس "

قلت بصدمة أشد " وأين تعملين أنتي "

قالت من فورها " موظفة في شركة تصدير "

كذب عليا أشرف ذاك المحتال ليأخذ مني ما يريد , قلت

" لكنه تعرف عليك عندما حييتني وأنا راكبة السيارة معه "

قالت بعد صمت " تلك أول مرة أراه فيها , أنا حقا لا اعرفه "

ضغطت على أسناني بقوة من الغيظ , أشرف المخادع

وها هي خطتي فشلت , لكن مهلا كيف عرفها إذا ولما

سألني إن كنت أعرفها , الحقيقة كلها عند أشرف , قلت

من فوري " شكرا لك يا جوجو يبدوا أني أنا من فهم

الأمر خطأ ولا تخبري أشرف رجاءا ... وداعا "

أنهيت المكالمة معها ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم خرجت

من غرفتي وتوجهت لغرفة التنين النائم أشرف , فتحت الباب

ودخلت وهززته بقوة قائلة " أشرف استيقظ "

قفز جالسا وقال " ما بكم ماذا حدث لكم "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت بغيض

" حدث أنك كاذب وكذبت علي وخدعتني أيضا لكني أحفظ

رقم أسوم تلك ومرمر ووجدان وكل من رأيت

أرقامهم في هاتفك وسأنتقم منك "

قال بضيق " توقظينني لأجل هذا يا أفعى "

أخذت الوسادة وضربته بها على رأسه وقلت

" نعم فأنت الكاذب وأنا المكذوب عليه "

أبعد الوسادة عنه وقال " أنا لم أكذب عليك "

قلت بحدة " بلى كذبت وقلت أن جوجو تعمل مع فراس


وهي تعمل في شركة تصدير ولا تعرفه أيضا "

نظر لي بصدمة وقال " من أخبرك !! "

قلت بضيق ملوحة بيدي " علمت ولا يهم وإن لم تخبرني

بالحقيقة أفسد عليك كل مغامراتك يا قيس النساء "

عاد نائما في سريره وغطى رأسه فسحبت اللحاف

منه قائلة " قل الحقيقة أو ندمت على ما أخبرتني "

أعاد اللحاف على رأسه قائلا " جاءني بشعاراته الهابطة

مثلك عندما رآني معها لذلك عرفها فاتركيني وشأني "

وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لم أفهم "

جلس وصرخ بي " أخرجي حالا "

فهربت خارجة وأغلقت الباب من زمجرة هذا الأسد على

ظهور فراس من نهاية الممر فغادرت بخطوات مسرعة

لا أريد أن أراه حتى النظر هذا الوقح القذر , وما أن وصلت

لغرفتي حتى كانت ذراعي في قبضته ولفني حوله فقلت بتذمر

متجنبة النظر له " ماذا بقي لم تفعله جئت لتمارسه علي "

ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين أسنانه

" ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف " ))

نظرت لها وقلت " يبدوا تعقدت الأمور أكثر "

قالت مبتسمة " ولن يسكت لها عليها طبعا أو تتوقعين العكس "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا أستطيع أن أتوقع شيئا "

ثم قلت بحيرة " لكن هل أخطأت بدخولها لغرفته "

قالت " نعم هوا يبقى رجل ولكلن حدوده "

قلت ونظري للأرض " لكني أدخل غرفة نزار ليشرح لي

بعض المسائل أو آخذ ثيابه أو أضع المكوية وهوا موجود

هل أكون مخطئة مثلها "

وصلني صوتها مبتسمة " لا خوف من ابني نزار وأعرفه

جيدا ورُدين دخلت غرفته وهوا نائم أما أنتي فتطرقين

الباب أليس كذلك "

نظرت لها وهزت رأسي بنعم وقلت

" ولا أدخل أبدا إن لم يأذن لي "

ثم قلت بشرود " لكنه لا يدخل غرفتي أبدا وإن أراد شيئا

قال لي أن أخرج للممر ليتحدث معي , إذا أنا

مخطئة أليس كذلك "

قالت بعد ضحكة " لو رأى أنك مخطئة لن يخجل من

قولها لك وتعرفين نزار جيدا ثم غرفة الفتاة ليست كغرفة

الرجل ولا يجوز أن يدخلها إلا إن كان مُطرا "

تنهدت واكتفيت بالصمت فمدت يدها وقالت

" هاتي هيا وللنوم لتستيقظي باكرا من أجل الرحلة للبحر "

وقفت و مددتها لها وقلت مبتسمة " أجل عليا أن أنام

باكرا لأستيقظ باكرا نشيطة "

وعند الصباح استيقظت منذ الفجر وكانت فرحتي لا

توصف لأني سأخرج أخيرا من المنزل , جمعت كل ما قد

نحتاجه من أغراض هناك وجهزت نفسي وطرقت باب

غرفته ففتحه يتثاءب وقال " سما ما كل هذا النشاط "

قلت بتذمر " نائم حتى الآن وأنا أنتظر أن تنزل

في أي لحظة !! بسرعة نحن جاهزتان "

خلل أصابعه في شعره وقال بعين واحدة مفتوحة

" البحر قريب لما كل هذه العجلة منذ الفجر "


أدرته للخلف ودفعته جهة الحمام وأنا أقول

" بسرعة أمامك عشرون دقيقة فقط وتكون في السيارة "

ثم خرجت من فوري ونزلت للأسفل وساعدت خالتي

لتجلس على الكرسي ووضعت جميع الأغراض عند الباب

وأخرجتها للصالة على نزول نزار قائلا بابتسامة

" ما كل هذا النشاط يا كسولتان "

قالت خالتي ضاحكة " بقي أن تشغل لك السيارة

فقط وتناديها بالكسولة "

وصل عند كرسيها وأخذه مني فأعدته منه قائلة

" ضع الأغراض في السيارة أنا من سيوصلها هناك "

قال وهوا يتوجه جهة الباب " بل أنتي من تخرج للسيارة مباشرة "

نظرت لي خالتي للأعلى وقالت " ما كل هذا التدليل

ما الذي قلته له بالأمس "

شعرت بالدماء تصعد لوجهي من الخجل وقلت ونظري

للأرض " دائما يحرص على هذا كي لا يعرفني

أحد قد يكون يبحث عني "

قالت وهي تحرك العجلات بيديها " ذلك كان في السابق

أما الآن فلا حاجة له وها قد سمحوا لك حتى بالذهاب

للبحر وليس فقط الوقوف لدقائق في الشارع "

دخل حينها نزار وأمسك بيدا كرسيها وسحبها خارجا

بها وتبعتهم لأرى إن كان كلامها صحيحا ووقفت معهم

في الشارع حتى انزلها وأركبها السيارة ووضع الكرسي

في حقيبة السيارة وبالفعل لم ينبه علي للصعود ثم

قال وهوا يتوجه لبابه " يبدوا ستبقي هنا "

ابتسمت وفتحت الباب الخلفي وصعدت وقلت وأنا

أغلقه " أرأيتِ خالتي يريد إبقائي هنا "

ضحكت وقالت " الرحلة كلها من أجلك كيف نبقيك "

انطلق قائلا " كنت سأخبر عوني يأتي معنا لولا

تيقني من رفضك يا أمي "

قالت خالتي " لا نريد أن نمضي الوقت نراقب الأطفال

وتركضون خلفهم , وحدنا أفضل "

نظر ناحيتها وقال " وكيف ستفعلين مع أحفادك الذين

تنتظرينهم وتريدين الخروج معهم "

ضحكت وقالت " سأقوم وحدي بالواجب أنت فقط تزوج "

غريب ذكر نزار للزواج ! أول مرة يتحدث عن شيء يخص

هذا الأمر , تُرى كيف كان في الماضي إن كان كما قالت

خالتي أنه تغير كثيرا بعدما تركته رهام !

وصلنا سريعا وكان عدد الناس قليل , نزلت من السيارة أنظر

للبحر وأشعر أني تحررت من قيود كثيرة , ما اغرب هذا

الشيء يشعرك بالحزن والفرح والراحة في آن واحد وأهم

شيء يشعرك فعلا بوجودك

نظرت للناس بحزن وتذكرت خروجي في السابق وعائلتي

له وشعرت بالكآبة غزت فرحتي وأفسدتها , التفت للخلف

فجأة فكان نزار يُنزل خالتي وحملها بين ذراعيه لأنه طبعا

لا يمكن للكرسي أن يتحرك على الرمال ثم قال

" سما أحضري الكرسي رجاءا "

توجهت بسرعة له ورفعته بصعوبة وتبات حتى وضعته

في مكان بعيد قليلا ومناسب وعاد هوا جهة السيارة ينزل

باقي الأغراض وبقيت أنا مع خالتي وعيناي لم تفارق البحر

لحظة وكأني أغسل نفسي بمياهه ثم اقتربت بضع خطوات

من الشاطئ حتى أصبح صوت أمواجه في أذناي وكأنه يتحرك

في رأسي ثم عدت سريعا جهة خالتي وأمضينا الوقت نتحدث

عن كل شيء أمامنا وأعددنا الطعام والشاي , كان كل شيء

ممتع رغم أن نزار كان يتجنبنا طوال الوقت وكأنه يهرب من

التحدث إما يشوي أو يرتب الأغراض أو يشرد بعينيه حيث

الأطفال وبعدما صلينا الظهر جلس مبتعدا عند صخرة كبيرة

ينظر للبحر بشرود لوقت طويل وعيناي لم تتوقفا عن النظر له

بين الحين والآخر وأنا أتأمله ببنطلونه الأسود وقميصه الأسود

أيضا والجمجمة المرسومة على ظهره بخطوط بيضاء رقيقة

مع بياض ذراعيه ووجهه وسواد شعره ولحيته الخفيفة , كان

الهواء يحرك شعره بطريقة غريبة تجعلك تتأمله دون توقف


ولا ملل , لأول مرة يرتدي ملابس كلها سوداء هكذا

لا أعلم لما يبدوا لي حزينا وكئيبا وكأنه مثلي حين نزلت وكأن

البحر قد ذكّره بذكرى قديمة وحزن كبير , كانت الإذاعة عند

برج المراقبة تصدح بأغاني أجنبية منذ وصلنا وفجأة وقفت

الأغنية وغيروها بواحدة عربية , كانت من قصائد نزار قباني

تغنيها مغنية أسمها غادة رجب , أعرفها جيدا فوالدتي كانت

تحب جميع الأغاني المغناة لذاك الشاعر لحبها له وتسمعها

من أشرطة الكاسيتات لأن والدي كان لديه تحفظات كثيرة

بشأن التلفاز , عم صوتها الأرجاء وهوا ينتقل مع الريح قائلة

( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )

امتلأت حينها عيناي بالدموع وأنا أراقبه على وقع تلك

الكلمات على مسامعي , لم أكن أهتم لها في السابق ليس فقط

لأني لا افهمها لكني لا اشعر بها , وما أن كررتها مجددا

( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )

حتى خلل نزار أصابعه في شعره ونظر للجانب الآخر

وأخرجني حينها صوت خالتي من أفكاري قائلة

" نزار لا يعجبني أبدا هذه الأيام "

نظرت لها بصدمة فتابعت ونظرها عليه " عيب الرجال

أنهم لا يفتحون قلوبهم بسهولة والأم آخر من يستطيع أن

يجد حلا لفلذة كبدها وهذا أكثر ما يتعبها "

نظرت له فكان يمسك ذراعه بيده الأخرى ويقبض عليها

بقوة تكاد أصابعه تخترقها ونظره لازال للأفق , شعرت

بغصة اعتصرت قلبي ودموعي تستعد للنزول وقلت ببحة

" والحل يا خالتي "

تنهدت وقالت " نزار يحتاج لمن يغسل حزنه ويجبر كسوره

لكنه يكابر ويعاند ويفرض على نفسه الخيارات الخاطئة ويتمسك

بأفكاره وشعاراته وكبريائه وسيخسر الكثير ولا يدرك ذلك "

نظرت لها وقلت بحيرة " خالتي كلامك مبهم جدا لما لا أفهمك "

ابتسمت وقالت " أنا أفضفض عن خاطري فقط , ما رأيك

أن تذهبي له لا أحب عزلته هكذا , أشعر انه يسجن نفسه في

حزن قديم فاستخدمي ذكائك مجددا وأخرجيه منه ولو الآن فقط "

بقيت انظر له لوقت , قد لا يكون ذكائي من جعله يرضى عني

يوم أمس وهي المصادفة ليس إلا لكني حقا أتألم لرؤيته هكذا

وخصوصا بعد كل الكلام الذي قالته خالتي , وقفت دون تردد

وتوجهت نحوه بخطوات بطيئة حتى وصلت ووقفت خلفه

مباشرو وهوا لم يشعر بي وقلت بهدوء " هل أجلس "

نظر للأعلى حيث وجهي فنظرت للأسفل وقلت بذات هدوئي

" لو كنت تريد البقاء وحدك أخبرني ولن أغضب منك أبدا "

عاد بنظره للبحر وقال " أبدا ... يمكنك الجلوس يا سما "

ابتسمت برضا وجلست بجانبه وغلب الصمت على جلستنا

هوا لم يقل شيئا وأنا ضاعت مني الحروف وكأني لم اجلس

حياتي بقربه , لكن حقا لم يكن قريبا هكذا حتى أنه لو حرك

ذراعه ستصطدم بذراعي مباشرة , قلت بعد قليل ونظري

عليه " نزار هل أسالك سؤالا تجيبني عليه بصدق "

قال ونظره لم يغادر الأفق " نعم "

ولم يزد شيئا فتمنيت أني لم أتحدث فيبدوا لا يريد إلا سجن

نفسه كما قالت خالتي , نظر حينها باتجاهي وقال

" ماذا كنتي تريدين أن تسألي "

وقفت وقلت " إنسا الأمر يبدوا أني أزعجتك حقا "

وهممت بالمغادرة حين قال " أجلسي يا سما "

التفت له وقلت مبتسمة " لا تقلق لن أغضب من ذلك

وسأتركك وحدك "

قال وهوا يشير بنظره حيث كنت جالسة

" أجلسي أو غضبت أنا منك "

عدت للجلوس حاضنة ساقاي وقلت مبتسمة

" لا رجاءا فأنت إن غضبت يصعب إرضائك "

قال بصوت مبتسم " ولا تنكري أني لا أغضب بسهولة "

قلت ونظري على قدماي " لا أنكر ذلك أبدا "

قال وهوا ينظر لي " هل ستسالين سؤالك أم غيرتي رأيك "

نظرت لوجهه وشعرت بقلبي ينبض بشدة حتى خيل إلي انه

يسمعه فهربت بنظري وعدت به لقدماي فوق تلك

الصخرة وقلت بهدوء " أمازلت غاضب مني "

لاذ بالصمت لوقت ثم قال بنبرة استغراب

" لما هذا السؤال يا سما !! "

رفعت نظري للأفق وقلت " لأنك لست كما كنت وكأنك

غاضب من احدهم بشدة , وليس غيري حمقاء تخطئ دائما "

قال من فوره " لا تقلقي لست غاضبا منك أنتي

ولستِ حمقاء أيضا "

نظرت له وهوا ينظر للبعيد وقلت " ممن إذا "

أنزل يده للصخر وأخذ حصا صغيرة ورماها في البحر

وقال ونظره حيث سقطت " غاضب من نفسي "

لم اعرف ما أقول بقيت أنظر لملامحه بشعور لم استطع

تفسيره سوى بشيء واحد لم أفكر فيه من قبل أبدا وهوا أني

أردت أن أحضنه ولو لدقيقة واحدة فقط ومرة واحدة أيضا

عاد الصمت مجددا وعيناي معلقتان به لتتخلله كلمات الأغنية

بوضوح ( وخلفت هذي الصديقة هنا عند سور الحديقة على

مقعد من بكاء .... لماذا ) فرفع نظره للبحر مجددا وقال

بهدوء " تعجبني كثيرا هذه الأغنية "

شعرت بدمعتي طارت مع هواء البحر , هوا لم يراها

بالتأكيد وخدي لم يحتضنها لأنها طارت من عيني مباشرة

ولا أعلم أين استقرت , مسحت طرف جفني بأصابعي

وقلت بحزن " والدتي كانت تسمعها دائما , لم أكن افهم

يوما معناها لكني الآن فهمت كم هي جميلة وحزينة

وتعبر عن الجرح والخذلان "

نظر حينها ناحيتي لتقع عيناه على عيناي مباشرة وقال

" سما هل أسألك أنا الآن سؤال تجيبي عنه بصدق "

******

يتبـــــــــــــــــــــــــــــع
__________________
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 12-29-2015, 11:55 AM
oud
 
وقفت أنظر لها باستغراب بل باستنكار , كيف تدخل

جناحي دون حتى أن تطرق الباب وتأخذ الإذن , كتفت

يداها لصدرها وقالت بحقد " من تظنين نفسك يا ابنة فارس

لا تغتري كثيرا بما بثي فيه ولا تفرحي بصمتي عن تجاوزاتك "

كتفت يداي لصدري مثلها وقلت بسخرية " وما تسمين

دخولك هكذا يا من تحترمين المظاهر والأخلاقيات فحتى

ترف تربية ابنة فارس لا تدخل قبل أن تطرق الباب "

قالت ببرود " أعتقد أن القصر قصري إن نسيتي "

قلت بابتسامة جانبية " وإن نسيتي أنتي أيضا أنا

زوجة ابنك وله ما لك هنا يا سيدة القصر "

قالت من بين أسنانها " لا تفكري في فرض أرائك

هنا لأني حتى الآن لم أضعك في رأسي "

قلت ببرود " أنا لم أفرض رأي على أحد ولم أمسسك

بشيء فانفخي ريشك على من كان السبب "

قالت بسخرية " جميل وتؤلبيني على ابني أيضا

يا ابنة خريج السجون "

أنزلت يداي جانبا وقبضت عليهما بقوة وقلت بحرقة

" شرف لي وإن كان تاجر مخدرات أيضا "

قالت بذات سخريتها " لن أستغرب أن تكون ابنته هكذا إذا "

قلت بغيض " بل أنتي التي لا تستحق الأبناء ويفترض

بهم سجنك على جرمك حيالهم "

برز عرق جبينها الواسع من الغضب وقالت بحدة

" وما لا يعجبك في تربيتي يا ابنة الحسب وأحدهم

من انتشلك من مزبلتك وشرّفك بين الناس "

كتمت كل ألمي وغصتي وقلت بثبات " أنا لم أضربه

على يده لينتشلني من مزبلتي ولولا من خفت أن تضيّعيهم

كما ضيعتي من قبلهم ما قبلت بهذا الشرف والعز "

قالت بحقد " احترمي نفسك واحترميني , أنا ربيت وكبّرت

ولم أترك أبنائي وأسافر ليربيهم الشارع "

قلت بابتسامة جانبية " والنتيجة ابنة سجينة غرفتها محرومة

حتى من بهجة الحياة فاتنة الجمال يفترض أنه يزحف خلفها

الرجال وليس مطلقة ومعقدة , وابن يهرب أكثر مما يقيم

هنا فقط لأنه ليس على تربيتك , ولا تفتخري بجابر ومركزه

وقوته فداخله ميت بسببك لا يعرف كيف يسعد نفسه قبل أبنائه

لقد دمرتهم مع مرتبة الشرف يا فاضلة فلم أرك يوما اجتمعتِ

معهم ولا على طاولة طعام , قصر ميت بلا حياة لا أعرف

كيف تكوني أم وأنتي بهذا التحجر حتى أصوات ضحك

ولعب الأطفال التي لا يضاهيها شيء في الوجود

تكرهينها , من أي نوع من البشر أنتي بالله عليك "

أشارت لي بسبابتها وقالت " من النوع الذي سيكسر أنفك

هذا ولا يأخذك الغرور أن تضني أن جابر سيضع كلمتك

فوق كلمتي تفهمي "

قلت بهدوء " أنا أرأف لحالك وحالهم لا أحقد عليك وأكرهك

كما تضنين فاستفيقي لنفسك ولعائلتك قبل أن تنهار

أكثر وأنتي تتفرجين عليها "

صفقت بيديها وقالت " شكرا لن تغريني بأطروحاتك كغيري "

توجهتُ جهة الباب حيث تقف وقلت وأنا أفتح مقبضه

" لا أريد أن أخطأ في حقك أكثرا من أجل ابنك وليس من أجلك "

وما أن أدرت المقبض أكثر حتى شعرت بذراعي تسقط للأسفل بقوة

*
*

فتحت الباب وقلت وهوا يتبعني " بما أني متأكد من أنه

لن يصل هنا حيا فلن أتعب نفسي ككل مرة فلدي أمور

عائلية عالقة عليا إيجاد وقت لها أيضا لذلك يوم غد انسوا

أنه هناك مخلوق على وجه هذه الأرض يدعى جابر حلمي "

ثم ركبت سيارتي وأغلقت الباب خلفي فوقف مستندا

بالنافذة وقال " اترك هاتفك مفتوحا إذا "

شغلت السيارة وقلت " بل سأغلقه من الليلة "

عدل وقفته وقال " جيد كي لا تلقي باللوم على أحد

إن جد شيء ولم تعلم "

انطلقت قائلا " لن يتركوا لنا جديدا اطمئن ووجودي

كعدمه ... وداعا "

ثم زدت سرعتي وتوجهت فورا لمدينتي وللقصر , نظرت

للساعة في يدي فكانت الحادية عشرة فرفعت هاتفي واتصلت

برضا فأجاب وقلت من فوري وأنا أنتظر بوابة القصر تفتح

أمامي " غدا عند الغداء تكون هنا ونتم كل شيء "

قال مباشرة " وأخيرا رأفت بنا سيد مشغول "

ابتسمت وأنا أعبر البوابة ولم أعلق فقال

" لا تعتذر في الغد أو أجدك غير موجود تفهم "

أوقفت السيارة وقلت " لا تخف ما بك لا تثق في كلامي "

قال ببرود " أرى أن نتم الأمر فجرا لأني من كثرة

ما أتق بك لا أستأمنك حتى وقت الغداء "

أغلقت باب السيارة وقلت ضاحكا وأنا أدخل بخطوات

سريعة " لا تقلق كن أنت على الموعد فقط , هيا وداعا "

أنهيت الاتصال منه وصعدت وما أن وصلت لممر جناحي

حتى فوجئت بترف و بيسان وحتى أمجد يجلسون أمام بابه

وسيلا تقف معهم وما أن رأوني حتى انطلقوا نحوي ركضا

وتعلقتا الفتاتان بي تبكيان وأمجد أمسك يدي يسحبني ولم

أفهم شيئا مما يقولونه لأنهم يتحدثون مع بعض وترف

تبكي بصوت مرتفع فقلت بضيق " اهدءوا لأفهم شيئا "

سكتا بيسان وأمجد وترف على حالها فرفعتها وقلت

موجها حديثي لسيلا " ما بهم وما تفعلون هنا ومن

المفترض أنهم نيام منذ ساعة "

قالت من فورها " السيدة أرجوان في الداخل تبدوا متعبة

أو لا أعلم , قالت لا أحد يدخل لها ولا حتى الأولاد وهم

رفضوا التحرك من هنا ويبكيان دون توقف وأنا وأمجد

لم ننجح في إسكاتهما "

نظرت لباب الجناح بحيرة ومسحت الدموع من خدا

ترف قائلا " توقفي عن البكاء هيا هي بخير "

ثم نظرت جهة سيلا وأعطيتها إياها قائلا

" خذيهم لغرفهم حالا "

أمسكت ترف مني وقالت بيسان ببكاء

" لكن نريد أن .... "

قاطعتها بأمر " لغرفكم فورا وستأتيكم هناك

إن لم تكن متعبة "

انصاعوا مكرهين وغادروا برفقتها وأعينهم عندي للخلف

فراقبتهم حتى اختفوا ثم فتحت الباب ودخلت , غريب يستحيل

أن تبعد أرجوان الأطفال عنها ! لا وتتركهم في الخارج

وتمنعهم من الدخول ولا تهتم حتى إن ناموا أو لا , عندما

غادرت فجرا كانت بخير فما جد الآن ! كان الجناح يعمه

السكوت توجهت لباب الغرفة وفتحته فكانت نائمة على

السرير تخفي وجهها بإحدى ذراعيها والأخرى تحت وسادة

بجانبها وتبدوا نائمة , لكن سيلا قالت أنها متعبة ثم هي لا

تنام في النور أبدا , اقتربت من السرير وقلت

" أرجوان "

رفعت ذراعها عن وجهها ونظرت لي وكانت عيناها

متورمتان من البكاء , لا تكون تشاجرت مع والدتي ويا

ليلتك الليلة يا جابر , توجهت نحو الخزانة وفتحت أحد

أبوابها قائلا " الأطفال وجدتهم جالسين على الأرض في

الممر يبكون وأنتي نائمة وهم يضنون أنك مريضة "

وصلني صوتها قائلة " متعبة قليلا وأخبرت سيلا

لا تتركهم وتضعهم في أسرتهم "

أخرجت المنشفة والتفت فكانت تغطي وجهها بذراعها

مجددا وصوتها لم يكن طبيعيا , اقتربت منها وقلت

" هل ذهبت للمستشفى أو اتصلتم بالطبيب "

قالت دون أن تتحرك " الأمر لا يحتاج سأكون بخير "

دخلت الحمام وتركتها , صحتها وهي أدرى بها المهم لا

لائحة طويلة عريضة من الشكاوى وشجار كما ضننت

استحممت وخرجت وجلست على الطرف الآخر للسرير

واتصلت بعمي منصور فأجاب بعد قليل قائلا

" جيد لم تتذكر رضا وتنسني "

قلت مبتسما " لا لم أنساك قطعا لكن موضوع رضا

كما تعلم سيأخذ وقتا فتحدثت معه أولا "

قال ضاحكا " لا يحتاج أن تبرر يا ابن أخي المهم أنك بخير "

قلت " وما لديكم أنتم ذاك المنزل تطاردونني طوال الوقت "

ضحك وقال " احترم عمك يا ولد "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " على رأسي أنت

وعائلتك جميعهم فأمرني "

قال بهدوء " بتول يبدوا مات لسانها "

اتكأت للخلف ونظرت جهة أرجوان وقلت

" مستحيل تمزح أكيد "

قال مباشرة " بل حقيقة ولا تجيب علينا ومهما حاولنا ولم

تعد تذهب للمدرسة , تعال تحدث معها أنت حلنا الوحيد "

أمسكت يد أرجوان التي تغطي بذراعها وجهها وأنا أقول

" وأين زوجها عن كل هذا "

عقدت حاجباي باستغراب من حرارة أصابعها وسمعته

يقول " هوا أكثر من تقاطعهم ولم ترد عليه أيضا "

قلت باختصار وأنا أضغط على يدها بين يدي ونظري

على عيناها المنسدلتان للأسفل شبه مغمضتان

" حسنا سأرى إن استطعت غدا أن أمر بكم "

قال من فوره " أتمنى ذلك تعلم أني لا أريد أن

أقسوا عليها بعد كل هذا وداعا الآن "

أبعدت الهاتف عن أذني ومررت يدي الأخرى على

ذراعها وقلت " أرجوان حرارتك مرتفعه انهضي

هيا آخذك للمستشفى "

سحبت يدها مني وأعادتها حيث كانت وقالت بشبه

همس " سأكون بخير لقد انخفضت كثيرا "

تأففت وقلت بضيق " لا أريد أن أكون منتصف

الليل في المستشفى فدعيني آخذك الآن "

قالت باختصار " أنا بخير "

تركتها وغادرت السرير وتوجهت لغرفة الملابس ولبست

بنطلونا رياضيا اسود اللون بخطين أبيضان على جانبيه

وقميص أبيض بكتابة سوداء وخرجت وتوجهت للأريكة

وقربت الطاولة منها قليلا وفتحت حاسوبي وانشغلت به

ما يقارب الساعة ونصف ثم نظرت جهتها فكانت على

حالها فوقفت وتوجهت نحوها وأبعدت ذراعها ولمست جبينها

فكانت حرارتها كما هي لم ترتفع ولم تنخفض أكثر

خرجت من الغرفة ومن الجناح كله وتوجهت لغرف الأطفال

دخلت غرفة أمجد فكان نائما فتوجهت لغرفة الفتاتين وكانتا

في سريريهما لكن ثمة صوت بكاء مكتوم وأحدهم يتكلم

بخفوت وتمتمة فدخلت ببطء واقتربت من بيسان فكانت

نائمة فنظرت لسرير ترف فكانت تخبئ رأسها تحت الوسادة

وتبكي وتتمتم بكلام غير مفهوم فتوجهت نحو سريرها

واقتربت منها أكثر حتى وضح لي صوتها فكانت تقول

" يا رب لا تموت ماما لا تموت , لا تأخذها منا "


هززت رأسي مبتسما ونزعت الوسادة عنها فجلست من

فورها تنظر لي وعيناها تلمعان من الدموع في ضوء

الغرفة الخفيف فحملتها من السرير وقلت بصوت منخفض

" ترف هل أنتي طفلة تتصرفين هكذا "

نامت برأسها على كتفي وقالت بعبرة " أريد ماما "

خرجت بها من هناك وعدت للجناح أدخلتها معي للغرفة

وأنزلتها عند السرير وقلت " أرجوان تحدثي معها

لتتأكد انك بخير تضنك ستموتين "

رفعت ذراعها عن وجهها وجلست بمساعدة تلك اليد

فقط ومدتها لها قائلة " تعالي حبيبتي أنا بخير لا تقلقي "

صعدت لها للسرير ونامت في حضنها وهي تمسح

على شعرها قائلة " لما تبكي ترف ألم أقل لكم أني بخير

وسأنام , لما تتعبون والدكم وسيلا هكذا "

ضمتها بذراعيها ونامت على صدرها وقالت بشهقة

" ظننتك سترحلين كوالدتنا ولا تعودي "

مسحت دمعة نزلت من طرف عينها وقالت " لن ارحل

بنيتي هيا عودي لغرفتك ونامي أنا بخير كما ترين "

ابتعدت عن حضنها وقالت " ويدك لم تعد تؤلمك ؟ "

نظرت ليدها من فوري وبحيرة فكانت متورمة وحمراء

جهة الرسغ لذلك لم تحركها وأنا لم أنتبه , لففت للجانب

الآخر من السرير وجلست فوقه واقتربت منها وشددت

يدها بيدي قائلا " أرني ما بها يدك "

سحبتها وقالت بتألم " آي جابر بالرفق "

سحبتها مجددا ولم آبه لتألمها وحرّكتها على صرختها

المتوجعة وقلت بحزم " ما بها هكذا يبدوا شعبا فيها وأنتي

تخفينها بالوسادة وتقولين انك بخير "

قالت برجاء ودموعها بدأت بالنزول

" جابر لا تحركها أرجوك "

غادرت السرير وتوجهت للخزانة وقلت بحدة وأنا

أفتحها وأخرج ثيابا داخلية " قلت لك منذ البداية نذهب

للمستشفى وترفضين وتخفين أمرها عني أيضا يا

أرجوان , لا أعلم كيف تفكرين "

كنت سأنزع ثيابي حين سمعت صوت ترف

تقول ببكاء " ماما لا تبكي ... هل تؤلمك "


فنفضت قميصي الذي كدت أنزعه ناسيا أمر الصغيرة

التي هنا وتوجهت لغرفة الملابس غيرت ملابسي هناك

وخرجت وأخرجت عباءتها وألبستها لها ومررت يدها فيها

بصعوبة وقلت وأنا أعدلها " ما الذي حدث لك أصبحت هكذا "

قالت بألم " كان حادثا بسيطا وظننتها ستكون أفضل في الغد "

لففت حجابها ولم أعرف كيف أتصرف فيه وما يدريني

أنا بهذه الأمور وعندما عجزت وهي تساعدني بيدها

اليسرى تأففت وعدلته من منتصفه على رأسها ورميت

طرفاه للخلف وسرت قائلا " ألحقيني للسيارة "

ثم نزلت مسرعا حتى وصلت السيارة وفتحت لها الباب

وخرجت هي بعد قليل تتبعها ترف وركبت وبقيت تلك واقفة

تنظر لنا وكل دمعة تلحقها الأخرى فتوجهت جهة بابي

وقلت ناظرا لها " أدخلي يا ترف ولغرفتك فورا

نحن سنعود سريعا "

أخفت عيناها بذراعها ودخلت في نوبة بكاء فقلت

من بين أسناني " يا ليلة جابر الليلة "

أنزلت أرجوان زجاج نافذتها وقالت " ترف تعالي "

رفعت ذراعها واقتربت منها فأدخلت أرجوان يدها تحت

وشاحها تحركها لوقت ثم أخرجتها وفيها السلسال الذي

ألاحظها تقتنيه دائما ومدته لها وقالت

" اتركيه لديك لتتأكدي أني سأعود بنيتي "

أخذته منها وقالت من بين شهقاتها " سترجعين إليه أليس كذلك "

هزت أرجوان رأسها بنعم فدخلت ترف راكضة ثم وقفت

وألقت علينا نظرة من عند الباب ثم دخلت مسرعة فركبت

السيارة وانطلقت خارجا من القصر للمستشفى فورا , وصلنا

ونزلت وهي تتبعني حتى دخلنا حجرة الطبيب وأنا معها

كشف عليها ووقف وقال " سنصورها رغم أنه واضح

انه تشعب بسيط لكن لكي نتأكد "

قلت من فوري " وهل ترتفع الحرارة بسببه شككت سيكون كسرا "

قال وهوا يتوجه جهة الباب " لهذا أريد أن أتأكد بالصورة "

وقفت أرجوان وخرج ونحن نتبعه ثم دخلا لقسم الأشعة

وبقيت أنا في الخارج وأغلب من مر بي يعرفني وكرهت

نفسي من قول ( شكرا لاهتمامك زوجتي متعبة قليلا فقط )

ربطوها لها بجبيرة خاصة ووصف لها بعض الأدوية

والمسكنات وغادرنا من المستشفى للصيدلية للقصر

نزلت أرجوان قبلي وأنا خلفها بمسافة وما أن وصلنا

الطابق وكما توقعت توجهت من فورها لممر غرف

الأطفال فهي هناك في المستشفى وقلبها هنا مع ترف

لحقتها لا أعلم وقت فراغ ليس لدي أين أقضيه أم فضول

رغم أني أعرف ما يكون , توجهتْ لغرفة أمجد أولا

وكعادتها طبعا تخرج لهم كل ليلة مرتين كحد أدنى

وأمجد في عمره هذا كله لازالت تغطيه ليلا أكثر من

مرة , وقفت عند الباب ووجدتها تسحب اللحاف من

تحته بيدها اليسرى لتغطيه جيدا فهوا ينام فوقه ولا

يشعر حتى بسحبها له فقلت بصوت منخفض

" اتركي عنك كل هذا الليلة ألا تري أن حالتك لا تسمح "

نظرت لي وقالت " تعال غطه أنت لم أستطع "

قلت ببرود " قلت ما قلت لتذهبي لغرفتك وترتاحي

لا أن تجعليني أقوم بأعمالك اليومية "

قالت بضيق " أعتبره أحد من يلجئون

لمكتبك بقضاياهم ولو مرة "

تركتها وغادرت فتبدوا لديها طاقة من الغضب تود

تفجيرها بي , أستحق هذا لأني لحقت بها منذ البداية

دخلت الجناح وشغلت التلفاز وجلست أقلب القنوات

ومر الوقت ولم أرها دخلت , وقفت وأطفأت التلفاز

ودخلت الغرفة غيرت ثيابي وأطفأت النور ونمت على

السرير , يبدوا قررت أن تنام هناك وما ذنبي أنا تلوي

معصمها وتنفث غضبها بي ... حسنا هي لم تقل لي شيئا

وما معنى تصرفها هذا منذ متى تنام مع الأطفال وتتركني

نمت بعد وقت ولم استيقظ إلا على أذان الفجر فتحت عين

واحدة ووجدت النور مشتغل والتكييف مطفئ وأرجوان

تفتح الستائر عن الشرفة ثم فتحتها فأغمضت عيني مجددا

وقلت ببرود " جيد تذكرتِ أن لك غرفة وزوج "

لم تعلق وأنا أتابع سير خطواتها وعيناي مغمضتان

دخلت غرفة الملابس ثم خرجت وحركت شيئا

عند طاولة التزيين ثم قالت " جابر تعال "

فتحت عيناي ونظرت ناحيتها فكانت تجلس على

كرسي الطاولة وتنظر ناحيتي وتمسك مشطا في

يدها , نظرت لها باستغراب فاستدارت جهة مرآة

الطاولة وقالت ونظرها علي في المرآة

" مشط لي شعري وأمسكه لا استطيع فعلها وحدي "

انقلبت للجانب الآخر ولم أجيب لتجرب معنى

التجاهل , قالت بعد قليل " الطبيب قال ستتحسن يدي

منتصف النهار فلا تمن عليا بخدمة بسيطة "

وضعت الوسادة على رأسي ولم أتكلم فاقتربت

خطواتها من السرير وجلست عليه وحاولت نزعها

من على رأسي لكني أحكمت عليها بذراعي ولم

تستطع سحب أنش منها فقالت بتذمر

" جابر بالله عليك ما فعلته أنا تعاملني هكذا "

لم أجب فتأففت وقالت " لو لم أرى أن الأنسب

لي عدم النوم هنا البارحة ما نمت هناك "

قلت ببرود " لا يهم تنامي أين ما تريدين تلك مشكلتك "

قالت بعد صمت " ولما تتصرف معي هكذا إذا "

رميت الوسادة عني ووقفت وقلت متوجها جهة الحمام

" ليس من وظائفي كزوج مشط الشعر , ما رأيك أن

اغسل لك أسنانك وأغير لك ثيابك أيضا "

دخلت الحمام وأغلقت الباب توضأت وخرجت فلم

تكن في الغرفة وقد جهزت لي بذلتي فغيرت ثيابي ببنطلون

من الجينز وقميص وسترة رمادية ونزلت للذهاب للمسجد

صليت وعدت وتوجهت من فوري لجناح والدتي لأتحدث

معها بخصوص موضوع زهور , طرقت باب الجناح

أكثر من مرة ففتحته لي ودخلت أمامي قائلة

" لا تكن حشت لك رأسك ضدي وجئت لتمارس ذلك علي "

بقيت انظر لها باستغراب فرفعت سجادتها وقالت وهي

تطرحها " ولا تقل لما مددتِ يدكِ عليها لأنها تستحق "

اتسعت عيناي من الصدمة والتفتت هي ناحيتي وقالت

بضيق " علمها كيف تحترم والدتك قبل أن تتركها

تربي أبنائك لتخرجهم نسخا عنها "

ثم تابعت بسخرية وهي تلبس رداء الصلاة

" أنا ابنة خريج السجون الحثالة تقيم تربيتي لكم وتنتقدها "

ثم وقفت على سجادتها وكبرت وكأني غير موجود , مدّت

يدها عليها ! إذا ذاك لم يكن حادثا كما قالت ولهذا كانت

مستاءة ليلة البارحة ولم تنم معي في الغرفة بل ولهذا ارتفعت

حرارتها بدون سبب , وما هذا الذي قالته لها جعلها تضربها ؟

بل كيف ضربتها لتكون النتيجة هكذا ! بقيت واقفا مكاني حتى

أنهت صلاتها وطوت سجادتها وجلست تسبح تسبيح ما بعد

الصلاة فقلت " لم آتي لأجل ذلك ولا علم لي به إلا منك لقد

أخذتها البارحة للمستشفى بسبب ما حدث ليدها فهل هنا

حلبة مصارعة وأنا لا أعلم "

لم تجب ولم ترفع نظرها لي فقلت بجدية

" ماذا حدث لتصلا لهذا الحد "

قالت ببرود " اسألها ماذا قالت وإن كنت ابني فستكسر لها

رأسها وليس يدها كي لا تستنقصك وتستنقص تربيتي لك "

قلت بضيق " لم أتدخل في مشاكلكم كي لا تكبر ليس

معناه أن تصل لأن تتقاتلا كالأطفال "

قالت بحدة " خسئت تمد يدها علي أقسم أن اقطعها لها "

خرجت من عندها ولم أتحدث معها حتى فيما جئت من

أجله , توجهت لغرف الأطفال ووقفت عند باب غرفة

الفتاتين فكانوا في الداخل جالسين أمامها وهي تمسك

المصحف ويبدوا تشرح لهم آيات منه , نظروا جميعهم

لي ونظرت أرجوان لملابس نظرة استغراب ثم عادت

بنظرها للمصحف فقلت مغادرا " أرجوان تعالي "

توجهت لجناحنا دخلت ووقفت وسط ردهته وبعد قليل

دخلت وأغلقت الباب فقلت موليا ظهري لها

" ماذا حدث بالأمس "

قالت بعد صمت " في ماذا "

قلت بحزم " في الحادث الذي حدث ليدك طبعا "

لم تجب فالتفت لها وقلت بضيق " أسلوب الصمت تنسينه

ماذا قلتِ لوالدتي لتضربك هكذا ولما لم تتكلمي عما حدث "

بقيت تنظر لي بصمت فقلت بغضب " أرجوان لا

تطريني لفعل شيء لن يعجبني قبل أن لا يعجبك "

مدت لي يدها السليمة دون أن تتكلم وكأنها تقول لي أفعل

مثلها فبقيت أنظر لعينيها بتركيز وأتنفس بقوة وهي على

حالها يدها ممدودة لي ونظرها تابت على عيناي

لم أستطع أن أقول أنا لم أتربى على ضرب النساء لأن

يدها الملفوفة تناقض ذلك , تنفست بقوة وكأني

إعصار وقلت " أنزلي يدك وتكلمي "

قالت بعد صمت طويل حتى ظننتها ستستمر في

عنادها " قلتَ أنك لن تتدخل فلا تخل بشرط الزواج

أو لا تلمني إن أخللت أنا به "

قلت بجدية " وقلت إلا إن رأيت في تدخلي

مصلحة إن كنتِ تذكرين "

أنزلت يدها وقالت بدمعة محبوسة " لا أريد أن أجرحك

بكلامي يا جابر وما نمت طوال ليلة البارحة على الأريكة

كي لا أخطا في حقك لأهدم كل ذلك اليوم "

مسحت قفا عنقي بيدي حتى وصلت بها للأمام وتنهدت

بضيق ثم قلت " هوا سؤال واحد ماذا قلتِ لها لفعلت هذا "

قالت بتبات " جاءت تذكرني بواقعي فذكرتها بواقعها

أيضا , كل خطئي أني قلت أنها فشلت كأم وعليها أن

تنقد الوضع قبل فوات الأوان "

قلت بضيق " وما علاقتك بكل هذا يا أرجوان

وها قد جاءتك النتائج "

قالت بحدة " لا أريد أن أسرد لك كل الحوار وأخبرك

بما قالت أيضا وأخبرتك أني لا أريد أن

أجرحك بكلامي يا جابر "

قلت بضيق أكبر " وهل كان حلا أن رددتِ على كلامها

ظننتك عاقلة في كل شيء وتعرفين كيف تتصرفين

بحكمة لكني أخطأت "

أنزلت رأسها للأرض وقالت " والمطلوب مني الآن "

شعرت بأنها حاصرتني فإن قلت تعتذرين منها أخل

بالشرط بل أتصرف بالنقيض مع موقفها هي حين

وقفت معها في إهانة والدتي لها أمام الضيوف لأنها لم

تعتذر منها وإن قلت لا يتكرر ما حدث أكون غبيا لأن

ما فهمته أنها هي من جاءتها هنا فلم يكن من حل أمامي

سوا محاصرتها كما فعلت فقلت بهدوء " تمنيتِ سابقا

أن يكون أمجد معك مستقبلا مثلي مع والدتي فإن كان

في موقفي الآن فما ستتمنين أن يفعل "

قالت ورأسها للأسفل لم ترفعه وقد أمسكت ذراع يدها

المصابة بيدها السليمة " أسال الله أن لا يصل بي الحال

لأن أتهجم على زوجته في جناحها وأسبها وأعيرها

بماضيها وحالها وأضرب لها يدها بتحفة ثقيلة محشوة

بالخشب فقط لأنها أرادت أن تفتح الباب وتخرج ولا تكبر

المشكلة أكثر , وأن لا يصرخ في زوجته ويضع اللوم عليها "

ثم رفعت رأسها وقالت وعيناها في عيناي " لكني لن ألومه

أبدا لأنه بين خيارين صعبين إن كان يحب زوجته أو

حتى يقدرها على الأقل "

ثم أشاحت بنظرها جانبا وقالت بهدوء " لا تتدخل في

الأمر يا جابر أرجوك لأنه سيكبر فوق ما قد تتصور "

أبعدت سترتي بيداي وأمسكت بهم وسط جسدي ونظرت

للجانب الآخر ولم اعرف بما اعلق ولا أقول لتفاجئني باقترابها

مني وذراعاها تعانق عنقي تقف على رؤوس أصابعها

بحدائها الأرضي ودست وجهها في عنقي بينه وبين

ذراعها وقالت بهمس " ولتمنيت الآن أن ضمها بحنان

وخفف عنها الألم الذي يوجع قلبها أكثر من يدها "

أغمضت عيناي بقلة حيلة وتنهدت ثم لففت ذراعاي

حولها وشددتها لي بقوة وقلت بهدوء " أرجوان إن كان

لي مكانة لديك ولو ذرة واحدة لا تجاريها في الكلام ثانيتا

أنا أعرفك واعرف كل ما يخص حياتك واخترتك زوجة

لي وأم لأبنائي ولا يعنيني من واقعك وماضي والدك

شيء وأنا أمامك رجل قانون وأمثله "

شدت ذراعاها حول عنقي أكثر ففهمت أنه ليس هذا

ما تنتظر مني فقبلت كتفها وقلت بهدوء " امسحيها في

وجهي هذه المرة وعديني أن تنفذي ما طلبت منك "

ارتخت ذراعاها حينها وابتعد عني وقالت

ورأسها أرضا " حسنا "

نظرت ليدها الملفوفة وشعوري لم يكن كما في الليل

حين اعتقدت أنها سقطت عليها , الآن أشعر بعجزي

عن إنصافها حتى أني وقفت في صف والدتي بطلبي

منها أن لا تجيب على سبها لها مجددا وعجزت أن أجد

للأمر حلا غير هذا كما عجزت البارحة عن إقناع ترف

بالدخول دون حدة وأوامر ونجحت هي بسهولة

أمسكت أطراف أصابع يدها المصابة ورفعتها ووضعتها

كلها على صدري كما تحب أن تفعل عندما تخاطبني وهي

واقفة أمامي ووضعت يدي عليها وقلت " كما أخبرتك سابقا

يا أرجوان أنا لا أريد أن أرفع ولا صوتي عليها وتبقى في

النهاية والدتي ولا أحد يختار أهله وأريدك حقا الزوجة

التي تتفهم هذه المسألة "

قالت بهدوء ونظرها على يدي فوق يدها " لم أشتكي

لك يا جابر لاحظ أنك في كل مرة أنت من يفتح

الموضوع ثم تبرر وأنا لم أتحدث فيه "

قلت ونظري على ملامحها " وإبقاء المشاكل معلقة

أيضا اكتشفت أنه لا ينجح "

أبعدت يدها وابتعدت ودخلت الغرفة وأغلقتها خلفها

*
*

دخلت الغرفة وتوجهت للحمام دخلت وأغلقته خلفي

ونزلت الدموع التي امسكها منذ وقت , لو كنت أنا من

فعل لها هذا هل كان سيتصرف ذات التصرف ؟ أنا لن

ألومه في والدته وموقفه صعب وأعترف لكن لما حقي

أنا المهضوم دائما ومتأكدة انه لم يعتب عليها ولا مجرد

عتب على ما فعلت وليس لدي سوا كتم كل هذا لأني

إن تكلمت سأكون الخاسرة ولا أعلم إن كنت سأتحمل أكثر

غسلت وجهي ونشفته بالمنشفة وخرجت , عليا العودة

للأطفال لن أترك أي شيء يؤثر على رعايتي لهم وحرصي

على ما اعتدنا عليه , لا أعلم لما لم يُنزع حبهم من داخلي

لا هم أخوتي كما كنت أعتقد ولا أبنائي , هم أحفاد تلك المتوحشة

وأبناء ابنها البار , تنهدت واستغفرت الله على هذه الوساوس

وغادرت الجناح , ما ذنب الأطفال أحملهم إثم ما فعلته هي

دخلت غرفة الفتاتين لأفاجئ بجابر جالس معهم على الأرض

متكئ بظهره على سرير بيسان مادا لأحد ساقيه والأخرى

منصوبة أمامه ويسند يده عليها ببنطلونه الجينز وقميصه

الرمادي والسترة مرمية فوق السرير وترف تعدل لباس

الصلاة الخاص بها حول وجهها وتتحدث معه طبعا دون

توقف و بيسان تورق المصحف وأمجد كعادته جالس بهدوء

توجهت من فوري نحو بيسان وأخذت منها المصحف وقلت

بضيق " كم مرة سأقول أن هذا كلام الله له احترامه

وليس ألبوم صور نورقه بامتهان "

نظرت ترف ناحيتي وزحفت جهة بيسان وقالت

" هيا نكمل ماما "

جلست مقابلة لهم حيث يكون جابر خلفي ولكن ليس

خلفي مباشرة إن نظرت جانبا وجدته أمامي وفتحت

المصحف وقلت " أين كنا "

قال أمجد " كيف يعامل والديه "

شعرت أن قِدرا من الماء البارد سكب فوق رأسي كيف

نسيت هذا ولن أستطيع تغيير الموضوع الآن , ورقت في

المصحف قليلا ثم قلت الآية التي أحفظها دون بحث عنها

وأكملت من حيث وقفنا وقلت " ويقول تبارك وتعالى

{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا

كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

نظرت لوجوههم المستمعة لي بانتباه وقلت " يعني هذا

أن تعاملهما برفق ورحمة درجة الذل من كثرة ما ترحمهما

وتدعوا لهما بأن يرحمهما الله كما ربياك وأنت صغير وتعبا

من أجلك وسهرا فتكافئهما عند كبرهما على كل ذلك "

شعرت وكأن الكلام موجه لي وليس لهم كي لا أنسى أن

عليه بر والدته مهما فعلت حتى إن ضربته هوا وليس أنا

لكنه ظلم في حقي , هوا والدته وعليه فعل هذا أنا ما ذنبي

أغلقت المصحف وقلت " ولا ينسى الإنسان أبدا أنه

كما يفعل في والديه سيفعل له أبنائه تماما دون نقصان إن

برهم بره ولو واحد منهم وإن عقهم عقوه جميعهم "

قالت ترف " كيف عقوه "

ابتسمت ومسحت على وجهها بيدي وقلت

" دائما تسألين عن نفس الكلمات , البر حبيبتي يعني

الإحسان لهما والعقوق هوا العكس "

ثم مددت لها المصحف وقلت " ضعيه مكانه وتعالي لنحكي حكاية "

ركضت به مسرعة وعادت تقول " لا تحكي قبل أن أصل "

ابتسمت على قفزتها جالسة مدمنة الحكايات هذه ثم قلت

" كان ثمة رجل لديه والد كبير في السن ولا يمكنه الحركة

فشعر بالضجر من وجوده معه ومن خدمته فقرر أن يرميه

في الغابة ليجده أحد أو تأكله الوحوش ويتخلص منه "


شهقت ترف واضعة يدها على فمها وقالت بصدمة

" يأكلونه الوحوش كيف سيركض "

قالت بيسان بتذمر " أصمتِ يا ترف لما تقاطعين الحكايات دائما "

تابعت مبتسمة " فحمله على كرسي خشبي يوضع على


الظهر وابنه الصغير معه وذهب به كثيرا في الغابة حتى ابتعدا

ثم أنزله هناك عند شجرة وتركه عائدا هوا وابنه وعندما بعدا

مسافة رمى ذاك الرجل كرسي والده لأنه لم يعد يحتاجه فقال

له ابنه ( اتركه يا والدي نرجعه معنا للمنزل )

قال الرجل باستغراب ( وما نصنع به فلم يعد يلزمنا )

قال له ابنه ( لأجلبك به هنا وأتركك عندما تكبر )

فندم الرجل وأعاد والده "

بقوا ينظرون لي بصدمة ثم ضحكت بيسان وقالت

" كيف خطر عليه أن يقولها له "

قلت بعد ضحكة غلبتني " بيسان الحكاية من ساجل أن نأخذ

منها العبرة لا أن نضحك عليها هذه ليست نكتة "

قالت ترف " وما العبرة "

قلت " أن لا تعصي والدك ولا تغضبيه كي لا

يفعل لك أبناءك ذلك عندما تكبري "

قالت مباشرة " ولا حتى أنتي ماما أليس كذلك "

قلت مبتسمة " ولا أنا "

وقفت وتوجهت جهة جابر وجلست في حضنه وقالت

" لن أفعل ذلك بابا لن أرميك في كرسي كي لا يرموني "

ضحك حينها وقبّل خدها وقال " أمجد أحضر ورقة وقلم بسرعة "

وقف امجد من فوره وتوجه لمكتب بيسان وأحضر كشكولها

وقلما وأعطاه له فأبعد ترف عن حضنه ووضع الكراسة

مفتوحة على الأرض وقال " تعالوا جميعكم هنا "

توجهوا نحوه وجلسوا حوله وأنا اكتفيت بالالتفات أنظر

بحيرة لما سيفعل فرسم مربعا كبيرا وفيه آخر صغير عند

الطرف ومربعان في الجوانب كل واحد قسمه لثلاث ودائرة

عند المنتصف ثم قال وهوا يشير للمخطط بالقلم " هنا القصر

الذي نحن فيه الآن أما الدائرة فهي الحديقة والنافورة وهنا

منزل الخادمات والحرس والسائق , هنا الملحق والثلاث

مساحات الشاغرة هذه تختارون إحداها من اجل أن

يكون فيها المسبح "

نظروا له بصدمة لثواني وصدمتي لا تقل عنهم

ثم وقفت ترف واحتضنت وجهه بيديها الصغيرتان

وقالت بصدمة " سيصبح لدينا مسبح نسبح فيه "

ابتسم في صمت ثم نظر ناحيتي وقال " نعم "

قالت " وواسع ليس كحوض الاستحمام "

نظر لها وقال " نعم وفي الحديقة وحيث ستختارون "

احتضنته تصرخ و بيسان وأمجد يصفقان بفرح ثم ابتعدت

ترف عنه وأصبحت تقفز مثلهم فلم أستطع إمساك ضحكتي

على منظرهم ثم التفت لجابر الذي كان ينظر لهم بابتسامة

واسعة تكاد تتحول لضحكة ومددت يدي حتى لامست بها يده

التي يستند بها على الأرض فنظر لي فقلت بهمس مبتسمة

" شكرا لك يا جابر "


عاد بنظره عليهم وقال بهدوء " تمنيت أن كان بين

تلك اللائحة شيء لك كي أفعله بدلا عن هذا "

أبعدت يدي عن يده وعدت مولية ظهري له وقلت

" وهذا أعتبره من أجلي فسعادتي من سعادتهم "

لم أرد أن أشكره على المسبح فقط بل على جلوسه معهم

واستماعه لكل ما كنا نقول دون أن يغادر وحتى هواتفه

ليست معه , قال بجدية " لا تأتوني في الغد وتقولوا

أين المسبح لأنه سيأخذ وقتا وسأكلف من يشرف عليه كي

ينتهي بسرعة وسيكون الخروج له بأوقات مناسبة من حيث

الطقس تحددها والدتكم فمتى قالت تدخلوا يدخل الجميع ومن

ستمنعه من الخروج له ممنوع أو ألغيته وأغلقته مفهوم "

هزوا رؤوسهم بالموافقة وقالت ترف مشيرة بيديها بدائرة حولها

" أريد بطة كتلك التي يسبحون بها في البحر كي لا أغرق "

قالت بيسان " وملابس نسبح بها تلك لم تعد على مقاسنا "

وقف وقال " لينتهي أولا ثم تشتري لكم والدتكم كل ما تريدونه "

وخرج بعدها من الغرفة وقال أمجد " هل نشاهد الكرتون الآن "

وقفت وقلت " نعم ولا أجدكم قريبين من التلفاز

لأني سأغضب منكم "

خرجوا ثلاثتهم مسرعين وحديثهم طبعا عن الحلم الذي

أصبح حقيقة وهوا مسبح يسبحون فيه وحدهم متى أرادوا

أخذت سترته من على السرير وخرجت وتوجهت لجناحي

دخلته ودخلت الغرفة ولم يكن هناك , يبدوا توجه لمكان

آخر وداخل القصر لأنه لم يغير ثيابه ولم يأخذ سترته
*
*

خرجت من غرف الأطفال وتوجهت من فوري لجناح

زهور , اليوم هوا يوم الدوريات الداخلية ولم أنهي منها سوا

واحدة فقط وهي أرجوان والأولاد وعيا العودة لوالدتي مجددا

طرقت باب الجناح ودخلت فلم تكن هناك فطرقت باب الغرفة

ودخلت فكانت في الشرفة ويبدوا تطعم عصافيرها وما

أن رأتني حتى وضعت ما في يدها ودخلت وأغلقت الباب

فجلست على الأريكة وقلت " تعالي أجلسي سنتحدث قليلا "

توجهت نحوي وجلست مقابلة لي في صمت , لو كسب رضا

شيء من هذه الزواج فسيكون صمتها الدائم , نظرت ليداي

المشتبكتان في بعض وقلت " اليوم سنعقد قرانك ورضا

سيكون هوا وكاتب العقود هنا عند الغداء "

طبعا لا شيء غير الصمت فتابعت " كنت سآخذ كشوف

حسابه من المصرف لكنه بنفسه أرسلها لي بأوراق تتثبت

أنه لم يسحب منها مليما من قبل التاريخ الذي وضعت فيه

شروطك , اليوم ستكون شقته وسيارته وأمواله باسمك "

ثم رفعت نظري لها وقلت " وأنتي باسمه طبعا "

قبضت بيدها على فستانها بقوة وهي تضعها على فخذها

ودمعة تترقرق في عينها فتنهدت وقلت " لم نفعل شيء

بعد إن لم تكوني مقتنعة نلغي الأمر يا زهور "


هزت رأسها بلا دون كلام فقلت " لو لم يكن رضا

مصرا وموافقا على شروطك ما وافقت هذا , ما يعزيني

فقط أنك قد تكوني تريدين ضمانات كي لا يتكرر ما

حدث في زواجك السابق "

خرجت من صمتها أخيرا وقالت بصوت حزين

وعيناها في عيناي " جابر هل ستكون سندا لي

مهما طال الوقت وحدث "

بقيت أنظر لها مطولا بحيرة ثم قلت بجدية

" نعم يا زهور لا يحتاج أن تسألي عن هذا "

قالت " حتى إن طلبت منك يوما أن تطلقني منه "

لم أعرف ما أقول وبقيت أحدق فيها بصمت فقالت

" إن كرهت العيش معه هل تطلقني منه "

قلت بجدية " نعم وقبل أن يُمسي المساء على قرارك "

كسرت نظرتها حينها وقالت " حتى إن كان الثمن

أن تخسر صداقته وللأبد "

قلت من فوري " حتى لو خسرت كل العالم لن يتكرر ما

حدث في السابق يا زهور , أقسم لو أخبرتني عنه حينها

ما نفذ مني بجلده ولكنت أذقته أمر مما أذاقك من ضرب وتعذيب

وأعلم الآن مكانه وما يمسكني عنه رفضك أنتي أن أفعل ذلك "

قالت بحسرة " ذاك ماضٍ وانتهى "

ثم رفعت نظرها لي وقالت " أنا أتق بك يا جابر "

وقفت وقلت " إلا إن مت يا زهور وحده الشيء الذي

سيمنعني من تنفيذ ما تريدينه "

وقفت هي أيضا فقلت " لما لا يكون حفلا بسيطا اليوم

رضا يصر على ذلك , ليكن لعائلتنا وشقيقته فقط "

نظرت للجانب الآخر وقالت بضيق " لا أريد "

تنهدت وقلت " رغم انه ستكون جميع أمواله لك إلا أنه

اشترى خواتم الزواج وكان يريد شراء فستان العقد

هوا يتزوج للمرة الأولى راعي مشاعره على الأقل "

لاذت بالصمت كعادتها وكأنها تطردني فقلت

" من أجلي يا زهور يلبسك ما اشتراه فقط "

أنكست رأسها للأرض وقالت " من أجلك فقط وقليلا وأغادر "

تنهدت بضيق وقلت " حسنا قليلا وتغادري "

ثم غادرت من عندها وخرجت من جناحها , ما يجعلني أطيع

رضا معرفتي بمشاعره نحوها فمن جنونه بها حتى أنا شقيقها

لم يخجل أن يهذي بها أمامي وما يجعلني أسكت عن جنونها

في شروطها تلك أني لا أريد أن يتكرر معها ما حدث في

السابق , هذه المسالة الأخرى انتهيت منها بأيسر من سابقتها

نزلت للطابق الثاني وتوجهت جهة جناح والدتي طرقت

الباب ودخلت فكانت وخادمتها تلك معا فقلت

" اتركينا وحدنا "

خرجت وأنا أتبعها بنظري , كنت أنوي فعلا طردها

من القصر لكن وكما قالت أرجوان إن لم يزول السبب

لن يتوقف الأمر فستتجسس غيرها لأن والدتي ستضع

بديلة لها , لو لم أسمع حديثهما بأذني لشككت أنها تتجسس

لصالح شخص خارج القصر فلم أتوقع من والدتي أن تفعلها

نظرت لها ووضعت يداي في جيوبي وقلت " اليوم سنعقد قران

رضا وزهور وسيأخذها بعد نشر كتابه وقال شهرين أو أقل "

لم تتحدث ولم ترفع نظرها لي فيبدوا لن نخرج من تلك المشكلة

أبدا , قلت بضيق " أمي أنتي أخذت حقك بيدك وأنا تحدث

معها ولن تقول لك مجددا ما قالته فهل سننتهي من هذا "

قالت ببرود " لا أريد أقوال أريد أفعالا "

قلت بجدية " لن تثني كلمتي والقصر مراقب أسمع

وأرى كل ما يجري .... كلام قيل شخص يتجسس من

خلف الأبواب كله سيكون مسجل وسأشاهده "

نظرت لي بسرعة نظرة ثاقبة والصدمة تغطي

ملامحها ثم قالت " ماذا تعني بمراقب "

قلت وأنا أتجول بنظري على اللوحات المطرزة بيدها

ومعلقة على الجدار " أعني أن القصر مزود بنظام مراقبة

منذ وقت لكني لم أكن أشغله ويعمل آليا عند الخطر فقط

لكن الآن سيعمل على مدار الساعة وسأعود لكل ما

ما سيكون فيه ريبة , أي لن ينكر أحد إن قال شيئا "

قالت بضيق " وكيف هكذا مراقبين أين الحشمة يا جابر "

نظرت لها وقلت " الحمامات وغرف الملابس لا

لكن الكلام مسموع في أي مكان "

وقفت وقالت " والسبب "

أخرجت يداي من جيوبي وقلت " السبب من المفترض

أن تعرفيه لوحدك , من أجل حمايتكم أنا لا أضمن للغد ما

قد يحدث خصوصا بعد الجرائم الجديدة في البلاد "

قالت بامتعاض " وما نفع المراقبة , الحرس يكفون لذلك "

قلت مغادرا " لو لم تكن ذات نفع ما كنت كلفت نفسي

عناء تركيبها يكفي أنها كشفت لنا حقيقة الخدم والمربيات "

خرجت وأغلقت الباب خلفي وهذا الباب الثالث سددته

بقي بتول سأزور منزلهم فيما بعد , نظرت للساعة في يدي

وأنا أتجه جهة السلالم فكانت الثامنة ومرت إحدى الخادمات

فقلت وأنا أصعد " أريد الفطور في جناحي "

ثم توجهت للجناح من فوري دخلت وتوجهت للغرفة فتحت

الباب ووقفت أمامه مكتفا يداي لصدري أنظر بابتسامة

جانبية لما يجري أمامي

نهاية الفصل
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اوجاع مبعثرة روحي الاوتشيها نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 4 08-28-2012 05:23 PM
العاصفة nabillo محاولاتك الشعرية 5 05-10-2011 12:10 AM
اوجاع الحب **سعادتي وياك** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 08-14-2009 10:16 PM


الساعة الآن 12:19 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011