#16
| ||
| ||
تململت ميديا قليلا وهي تنظر بحذر ناحية ألبرت الذي رسم ابتسامة بريئة على وجهه ، اقتربت بهدوء من نيكول لتحتمي به ، ثم أمسكت بطرف قميصه وشدت عليه بقوة وهي تسأل بخفوت وخوف : _ما الذي تفعله هنا ؟؟ ابتسم بخبث وعيناه مركزتان على دايزي الحذرة ، وهمس بحب مصطنع : _أبحث عن قلبي الضائع !! ارتعدت برعب وقالت بحدة : _اذهب وابحث عنه بعيدا من هنا . تقدم خطوات بسيطة وهو يردد بغضب طفيف اصطنعه: _كيف هذا وقد أخذته معك ؟؟ أجابته بحدة شديدة ، وقد اضطرب صوتها : _أنا لم آخذ منك شيئا !! فقط اذهب واتركني لحالي . رسم على وجهه الماكر ، علامات اليأس ، والانكسار ، وراح يقول بصوت مثقل بالحب والشوق : _لماذا تفعلين هذا بي ؟؟ اقترب منها بهدوء ، ثم مد يده ليمسك بيدها ، إلا أن يدا سمراء قوية أزاحت يده بشراسة ، رفع نيكول عينيه القاسيتين ووجه نظرات حاقدة نحو ألبرت ، الذي خاف من نظراته ، ثم همس : _ ألا تفهم يا هذا ؟؟ اذهب من هنا !! لقد قالت لك أنك لا تعني لها شيئا !! أجابه ألبرت ببلادة ، وهو يدلك يده التي أزاحها نيكول : _تذكر يا سيد ، ما الحب إلا للحبيب الأول . صرخت به ميديا بقوة مرعبة : _أنا لم أحبك يوما !! تراجع قليلا إلى الخلف عندما رأى أنها لا تكن له سوى الحقد ، لقد أدرك منذ زمن أن ميديا لم تحبه ، وإنما كان لها صديقا وحسب ، ولكن رغبته في الانتقام من دايزي جعلته يستمر في إيهامها بأنها تحبه ، وبأنه يبادلها هذا الحب ، همس لنفسه بقلق : (( الموضوع أكثر خطورة مما اعتقدت ، فهذا الشخص المدعو نيكول ليس شخصا بسيطا ، إنه يفوقني قوة ودهاء ، إنه ليس كما وصفته سيلفيا أبدا )) ، أدار رأسه نحو سيلفيا الصامتة ، التي بدا الاستمتاع على وجهها ، إنها تريد أن تتسلى بالجميع ، ولكن إن كان ذلك يحقق الانتقام المنشود من دايزي ، ويحطم ميديا التي أهانته توا أمام الجميع ، فإنه مستعد أتم الاستعداد للقيام بذلك . شد على قبضته بقوة ، وحاول أن يجعل صوته ثابتا قدر الإمكان وهو يهمس : _ميدي !! ألا تذكرين شجرة الكرز التي التقينا تحتها ؟؟ اندفع إلى رأس ميديا ، صورة شجرة كرز عملاقة ، محملة بالأزهار الوردية ، وكلما هبت نسمة هواء تطايرت بعض هذه الأزهار مضفية على الجو رونقا وجمالا وسحرا لا مثيل له ، كان المشهد هناك يحبس الأنفاس ، هناك التقت ألبرت ، كانت تجلس تحت الشجرة وتقرأ كتابها المفضل ، عندما فاجأها شخص بقوله : _ لكم أحب هذا الكتاب !! كانت البداية هنا ، ثم أصبح يتبعها إلى كل مكان تذهب إليه ، يساندها ، ويساعدها ، حتى أنها في مرحلة ما ، كانت تعتمد عليه في كل شيء ، ظنت دايزي أنه لم يعد يحبها ، وأنه أحب ميديا بصدق ، فانضم إلى الفريق الثنائي المكون من دايزي وميديا إذ كان كايل مسافرا ذلك الوقت ، ليصبح ثلاثيا مجددا ، ولكنه في يوم من الأيام، وعندما كانا يسيران خروجا من الجامعة معا ، وقف وصرخ بأعلى صوته : _ أنت لم تكوني سوى دمية !! وقد مللت منك الآن ، سأذهب للبحث عن أخرى ألهو بها ... وسار في طريقه كأن لم يفعل شيئا . رفعت ميديا عينيها إليه ، وقد امتزج فيهما الكره ، والحقد ، وراحت تصرخ بهستيريا : _أنت مجرد تافه حقير ، أنت لا شيء ، هل تفهم ؟؟ لاشيء !! قالتها وهي تصر على أسنانها بقوة ، حتى أنها كادت تكسر ، كانت ترتجف بقوة بين يدي نيكول الصامت ، الذي لم يتفوه بالكثير سوى جملة يتيمة قالها ، تقدم ألبرت من ميديا ، وأمسك بذراعها وراح يجذبها بقوة ، هيأ لنيكول معها أن ذراعها الرقيقة ستخلع من مكانها ، أرعبته الفكرة فسارع لتركها بقوة ، لتستقر بين أحضان ألبرت باكية، تصرخ وتستنجد قائلة : _نيكول !! لا تتركني ، رجاء!! لم يتحرك نيكول شبرا واحدا من مكانه ، بل ظل ينظر إليها بجمود أخافها وزاد من بكائها ، شعرت فجأة أنها انتقلت إلى حضن تعرفه ، حضن التجأت إليه كثيرا ، طالبة عطفا ومحبة .......... إنه كايل الذي كان لها ولدايزي خير الأخ والصديق ، تمسكت بقميصه بقوة والدموع قد شوهت خديها الرقيقين الجميلين ، الناعمين ، وتركت آثارها عليهما ، حرك كايل عينيه ناحية سيلفيا صاحبة الابتسامة الكريهة ، وكشر اشمئزازا لمظهرها المريع ، ملابسها كثيرة الألوان ولا تكاد تعرف بداية القميص من نهايته ، بل لا تعرف إن كان قميصا أم مجرد قطعة من القماش لفت بها جسدها النحيل ، ضم ميديا إلى صدره بقوة ، وأعلن بصوته الجهوري: _ حان وقت النوم يا سادة كل إلى فراشه . وأمام صوته الحازم ونبرته الشديدة ، انصاع الجميع لهذا الأمر ، ونهضوا عن الأرض بهدوء وهم يزيلون التراب العالق بها ، نهض الأطفال وهم يتذمرون ، إذ يبدو أنهم استمتعوا بهذا الحدث ، فأنشأوا صداقات جديدة ، وتعرفوا على بعضهم البعض بصورة أفضل . لم يتفوه نيكول بكلمة ، وإنما سار مبتعدا عن الجميع وقطع المسافة الفاصلة بين المكان الذي جلسوا فيه ، وبين منزله الخشبي الدافئ الذي يسكنه وأسرته ، في دقائق معدودة ، اعتذرت ساندرا باضطراب ولحقت بشقيقها مسرعة ، في حين تمتمت صوفيا بما يشبه تحية المساء وانصرفت بهدوء وحذر . راقب أندريس كيف أن الموقف أصبح مشحونا بالأخص بعد أن ترك نيكول الساحة بتلك الطريقة التي لا تفصح عن شيء ، وجه نظرات قاتلة إلى ألبرت الذي ارتعد بقوة ، فأندريس مختلف تماما عن نيكول ، فإن كان نيكول مهيبا ، فإن نظرة أندريس تجعلك تحس بأن الدماء تجري في عروقك جليدا . حركت سيلفيا عينيها الصغيرتين في أجاء المكان بتعال ، ثم استدارت وهي تزيح بشعرها الملون قاذفة إياه بعيدا عن وجهها الهزيل المليء بالزينة ، ألقى ألبرت نظرة أخيرة على دايزي لمحها أندريس من طرف عينه ، قبل أن يستدير ويغادر المكان بهدوء ، بعد أن قضى على جو الهدوء والسكينة محولا إياه إلى حالة مرعبة من التوتر . تململت في فراشها غير قادرة على إغماض عينيها فما إن تفعل ، حتى يظهر لها وجهه الماكر ، بتينك العينين الزرقاوين والابتسامة الخبيثة ، أزاحت الغطاء عن جسدها وأنزلت قدميها الحافيتين لتلامسا أرض الغرفة الدافئة، شعرت بقليل من البرد فسارعت ترتدي معطفها الوردي اللطيف ، فوق ملابسها الدافئة ، ارتدت حذاءها البيتي ، وسارت بخفة ناحية سرير ميديا ، نظرت إلى وجهها المحاط بشعرها المجعد ، وقد تنفخت عيناها من كثرة البكاء، على تصرف نيكول الذي لم تعرف سبببه ، ابتسمت دايزي بحنان وعطف ومدت أناملها الدافئة لتزيح شعر ميديا عن عينيها ، أمسكت بطرف الغطاء ورفعته ليغطي جسد صديقتها بالكامل ، راقبتها لثواني معدودة ، قبل أن تنظر من النافذة إلى القمر المكتمل ، وتقرر أن عليها تصفية ذهنها المليء بالتساؤلات. فتح الباب الخشبي بهدوء مصدرا أزيزا مزعجا ، أطل رأس أشقر غطي بقبعة صوفية ظريفة من الباب ، مال ناحية اليمين ثم الشمال ، وبعد أن تأكدت صاحبته من خلو المكان ، أخرجت جسدها بالكامل ، وأغلقت الباب خلفها بهدوء ، ثم نزلت الدرجات الخشبية الثلاث بسرعة ، وسارت في الطريق الذي أحضرها منه أندريس أول مرة ولكن بطريقة عكسية ، حتى وصلت الشجرة العملاقة حيث التقته ، وتعرفت على حدة سخريته . أسندت دايزي ظهرها إلى جذع الشجرة وأغمضت عينيها وراحت تتنشق الهواء البارد المحمل برائحة الأزهار ، وتلك الأجراس لا تزال تهتز مصدرة صوتها الموسيقي الجميل ، شعرت دايزي فجأة بأنها ستغفو بتأثير هذا الجو الساحر ، وشعرت بلذة جميلة أخذتها إلى عالم أحلامها الوردي ، هناك حيث تخيلت نفسها أميرة في ثوب أبيض ، ووالدها يمسك بيدها ويرتدي بذلته الرسمية ، وكايل يبتسم ويلوح لها ، وكذلك ميديا ونيكول ، كم أنه من الجميل أن تتخيلهما معا !! إنهما ثنائي راااائع ، وهذه هي صوفيا تبتسم ، والدها يقول شيئا ، إنه يقول : هل ستجعلين عريسك ينتظر ؟؟ عريسك ؟؟ إذن هذا هو حفل زفافها . أووه من هذه ؟؟ إنها تعرفها جيدا !! بل تكاد تجزم أنها شخص مهم . اقتربت تلك السيدة الجميلة بثوبها المرصع بكريستالات متألقة ، تتهادى في مشيتها . بدت كحورية فائقة الجمال ، أضفى شعرها البني على وجهها رونقا وبهاء ، وتألقت عيناها الفيروزيتان كحجر ثمين ، شهقت دايزي بقوة ، فمن يقف أمامها ليس سوى أمها !! تلك الفاتنة الجميلة هي أمها التي فقدت حبها وحنانها في سن مبكرة ، كانت تحتاجها وبشدة ولكنها لم تجدها ، لديها الكثير لتحكيه ، لكن لا وقت لكل هذا . رفعت الأم يديها الناعمتين البيضاوين وأحاطت وجه ابنتها الذي انسابت الدموع عليه تبلله ، وهمست بصوت خافت خرج كالهمسات من بين شفاهها الرقيقة : شهقت بقوة ، وجرت الدموع شلالات على خديها ، بعد أن سمعت كلماته المتسامحة ، أحاطها بذراعيه وضمها لصدره ، حتى تكمل بكاءها. ما إن لامس رأسها صدره الحاني حتى تفجرت مشاعرها بقوة وتدفقت لتخرج كالسيل الجارف ، ربت على رأسها بحنان ، محاولا أن يغدق عليها من حنانه قدر ما يستطيع ، طبع قبلة رقيقة على قبعتها الطفولية ، وعاد يغني لها تلك الأغنية اليونانية ، التي غناها لها حينما كانت تبكي عليه لإصابته. انتظم تنفسها ، وقلت شهقاتها ، وتوقفت دموعها عن الجريان ، أبعدها ليرى وجهها المحمر ، وهمس برقته الدافئة: _أهناك ما تريدين قوله ؟؟؟ ابتعدت عن أحضانه الدافئة ، ومسحت دموعها المالحة بكفوفها المرتجفة ، أبعدت خصلات شعرها عن وجهها ، وبدا أنها تلملم شتات نفسها قبل أن تبدأ بنبرة مرتجفة : _ في فترة من الفترات ، أعني عندما كنت لا أزال في المدرسة ، سافرت ميديا مع أهلها إلى أمريكا ، استغلت سيلفيا وحدتي وحاجتي لكايل وزرعت في رأسه فكرة أنني أشفق عليه .... ابتسمت باستخفاف وهي تكمل : _ وبما أن كايل يساويك عنادا وكبرياء ، لم ترق له هذه الفكرة فهاجمني بقوة قائلا ((لا أحتاج شفقتك ، آنسة بريسكوت )) وبعدها رحل ، في تلك الفترة كنت محطمة ، وأشعر بالوحدة ، عندها بدأ ألبرت بالتقرب مني ، في البداية كان الأمر عاديا كأي صديقين يخرجان معا ، يدرسان معا ، نتشارك في أمور ونختلف في أمور ، كان يعلم منذ البداية أنني لست أعتبره شخصا مميزا ، ولكن ذلك لم يثنه عن تقديم الأزهار لي . هزت رأسها بعجز وهي تتابع : _في البداية اعتبرت الأمر شيئا طبيعيا ، لكن الجميع لاحظ كم أنه كان متملكا ، لا يريدني أن أتحدث إلى أحد أو عن أحد سواه . خنقت آهة كادت تفلت من بين شفاهها ، وتابعت تحت نظرات أندريس المتفهمة : _ أخبرته بيني وبينه ، أنني لا أريد هذا النوع من العلاقات وأنني لا أيد لهذه العلاقة أن تستمر ، نفى كل ما أقوله عن اهتمامه الزائد بي ، وقال لي أن كل هذا مجرد أوهام ، واستمر الأمر هكذا ، وفي النهاية أصبح الأمر لا يطاق ، فأخبرته أنني لا أريد أن أكلمه بعد الآن ، وسيلفيا سمعتني عندما قلت ذلك وأشاعت الخبر بين الجميع . مسحت دمعة فرت من بين قضبان رموشها الكثيفة : _بعدها اختفى ولم أسمع عنه شيئا . وعادت ميديا وأخبرتني بأنها ستظل فترة هنا ، ثم عاد ألبرت للظهور لاكتشف بعدها أنه قد أرسى قواعد صداقة جديدة بينه وبين ميديا ، كنا نسمع أخبارا عن كايل ، لكنها كانت ضئيلة، سمعنا أنه سيدرس الهندسة ، وأنه سيعود في يوم ما لم يقم بتحديده . رويدا رويدا بدأت أقتنع بأن ألبرت يحب ميديا ، فقد كان لطيفا معها طوال الوقت ، وكانت تخبرني العديد من الأمور الجميلة عنه ، لكن المشكلة كانت في أن ميديا لم تكن تحبه، وإنما أعجبت بشخصيته اللطيفة . صححت لنفسها بمرارة : _شخصيته المرحة المصطنعة . رفعت قدميها عن الأرض ووضعتهما على الأرجوحة التي تمايلت برقة ، ثم أحاطتهما بذراعيها ، متكورة على نفسها ، وهي تكمل : _ أخبرتني أنه يحاول إقناعها بأنها تحبه ، ولكنها لم تكن ، أخبرها بأن الوقت لا زال مبكرا على اكتشاف مشاعرها ، ولكنها كانت مصرة على أنه مجرد صديق ، وعندما بدت مصرة على أنه ليس مميزا في حياتها ، جاء يصطحبها من الجامعة التي كنا ندرس فيها أنا وميديا ، وما إن أصبحنا في منتصف باحة الجامعة ، حتى صرخ بأعلى صوته ((لم تكوني سوى دمية )). تجهم وجه أندريس وبان الغضب في عينيه اللتين تطلقان شرارا متوعدا ، مسحت دايزي دموعا حارة سالت على خدها وأكملت : _وأخذ يلقي سيلا من التهم الكاذبة عليها ، مدعيا بأنها فتاة فاسقة ، وأن أفعالها قذرة مشبوهة ، وانصرف بعدها ، تاركا جرحا بليغا لا زال ينزف في قلب ميديا . رفعت رأسها ونظرت إلى القمر ، وهمست بحنان : _ميديا ...........ليست كالجميع ، إنها لا تقوى على الفراق ، والخيانة صعبة بالنسبة لها ، إنها لم تحبه يوما ، لكنها تضررت كثيرا بعد تصريحاته ، فالشائعة تنتشر بسرعة خارقة ، لقد عدته كشقيقها ، ولكنه خان ثقتها ، ثم بدأت تحقد عليه ، وفي الحقيقة هو الشخص الوحيد الذي تكرهه ميديا . وابتسمت بمرارة ، مكملة بشهقات بدأت تعلو : _ ذلك الوغد لقد حطمني بتحطيمه لها ، هو يعلم ذلك ، أنا وميديا كالتوأم ، ما يصيبها يصيبني وما يصيبني يصيبها . دفنت رأسها في حضنها وهي تبكي بصوت يقطع القلوب : _ لكنها لا تعلم أن ما أصابها كان بسببي ، لا أريد أن أخبرها حتى لا أفقدها ، ميديا هي شخص لا أستطيع العيش دونه . ربت بهدوء على رأسها هامسا ، بصوت عذب رقيق : _ لن تفعل هذا !! فهي تحبك ، أليس هذا صحيحا ؟؟ رفعت رأسها عن قدميها ونظرت له بعيون دامعة بريئة ، وهزت رأسها مجيبة بنعم . أضاء القمر جانب وجهه الأسمر الفاتن كاشفا عن ابتسامة مائلة ، كشفت عن صف من اللآلئ المرتبة ، أمال رأسه إلى الأسفل قليلا ، وهمس : _إذن لا داعي للبكاء ، صحيح ؟؟ ابتسمت له بفرح ، وهي تمسح بقايا دموعها : _نعم ، لا داعي له ، لكنني خائفة !! تلمس بأنامله خصلات شعرها الذهبية وقال : _يوما ما ستخبرينها ، وسترين أنها لن تغضب منك ، فلست السبب ، لقد اختبرت شعورك ، عندما حاول ألبرت أن يقنعها بأنها تحبه ، وأنا واثق من أن ميديا ذات قلب كبير ومتسامح . تطلعت في أعماق عينيه اللتين أبديتا تعاطفا كبيرا ، وهمست له شاكرة قبل أن تقول بشرود: _لم أنت غامض؟؟ أشار إلى نفسه ، وهو يسألها باستخفاف: _تقصدينني أنا ؟؟ ضربته بخفة على كتفه ، وقالت معاتبة : _لا تسخر مني يا هذا!! عاد لسخريته ، ولهجته المستهزئة وقال : _لدي اسم يا هذه !! سألت نفسها (( لم لا يقول لي شيئا عن حياته ؟؟)) وقررت أن تسأله ، فقالت : _قل لي شيئا عنك ! قطب حاجبيه الكثيفين ، وراح في محاولة لإيجاد شيء يخبرها إياه عنه ، لكن حياته الرتيبة قضت على كل أمل لدى دايزي بمعرفة المزيد عنه ، إذ قال لها : _لا شيء مميز في حياتي ، فأنا دائما في دوامة من الأعمال المكتبية . سألته بهدوء ، وهي تريح رأسها على ركبتيها : _ماذا عن ترك جدك لك ؟؟ أجاب بحزم : _لقد قلت كل شيء قبل قليل . لم تقتنع بإجابته فعادت تسأله : _ولكن لم تخل عنك ؟؟ لا يمكنني أن أصدق أنه تخلى عنك لأنك تشبه أمك فحسب . يا لها من فتاة عنيدة ، هكذا فكر أندريس الذي لم يجد مفرا من أن يخبرها بقصة والديه ، فهي على أية حال ليست بقصة غريبة كما أنها ليست سرا خطيرا : _حسنا ، في الماضي كان هناك شراكة بين جدي وبين شخص آخر صاحب نفوذ قوي ، وكانا قد اتفقا منذ البداية على تزويج أبي بابنة شريك جدي ، ليحافظا على صداقتهما ووشراكتهما ، ابنة الشريك كانت موافقة ، فكم من مرة حاولت أن تكسب وده دون جدوى ، فقد كان مغرما بفتاة سمراء يونانية ، ذات عيون فضية ، سحرته برقتها وجمالها ، أحبها بصدق وكذلك فعلت ، وعلى هذا الأساس رفض ابنة صديق جدي ، ومنذ تلك اللحظة وجدي يعتبر أبي شخصا لا يعتمد عليه ، لأنه فضل مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ، على حسب قول جدي ، وهذه هي كل القصة وانتهينا . رفعت رأسها عن ركبتيها ، وقالت بصدق : _ لقد وصفت حبهما بطريقة رائعة مع أن كلماتك كانت موجزة ، تصلح كاتبا للروايات الرومانسية . نهض بتثاقل ، وشد يديه إلى الأعلى بكسل وهمهم قائلا : _ والآن لنذهب إلى البيت . أدار رأسه ليكلمها بنبرة مستاءة : _ وأنا لست كاتب روايات رومانسية . قهقت بمرح ، وهي تتبع خطواته الكسولة ، نظرت إلى البدر الذي عاد ليختفي خلف الغيوم الباردة ، أغمضت عينيها بهدوء ثم فتحتهما ، وهي تتمنى أن يسسير كل شيء على ما يرام . تأبطت ذراع والدها ، وسارت معه بهدوء ، تتهادى في ثوبها الأبيض على البساط الأحمر ، المزين ببتلات الزهور الرقيقة ، أبصرت أندريس هناك في نهاية الطريق ينتظرها ، حيث ترك والدها يدها وسلمها له ، سؤل أندريس(( هل أنت موافق على الآنسة بريسكوت ، لتكون لك زوجة إلى الأبد ؟؟ )) أجاب أندريس بثقة وابتسامة ودودة تزين وجهه : _بالتأكيد . وتعالت صيحات الفرح مهنئة ، ومتمنية لهما حياة سعيدة ، في ظل حبهما . تساقطت البتلات البيضاء عليهما متوجة الجو بشذاها . كان هذا نهاية حلم لم تره دايزي !! فهل سيتحقق أم أنه سيظل حلما مجهولا ، لم يعثر على طريقه إلى الواقع؟؟ [/frame]
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد حتى و إن ... طالت المسافات و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟ |
#17
| ||
| ||
-[frame="3 80"] نيــــكول البارت الرابع عشر انطلقت الأضواء الساطعة ، لتتركز على شاب وقف مسندا جسده النحيف إلى الجدار ، واضعا يديه على عينيه حاميا إياهما من الضوء القوي . ارتجف جسده بقوة ، واصطكت أسنانه ببعضها البعض معبرة عن خوف بدا جليا على ملامحه الواهنة ، إذ اتسعت عيناه صدمة وخوفا ، واهتز صوته رعبا ، وهو يسأل : _من أنت ؟؟ كان السؤال موجها لشاب قوي البنية ، واثق الخطى سار بقامته المهيبة مخترقا حشود الشرطة ، حتى وصل للشاب المرتجف ، رمقه بنظرة استصغار ، ثم قال بصوت قوي مجلل ، وعيناه تقدحان شررا : _أريد أن أعلم من يقف خلفه !! تقدم ضابط من ليسندر وربت على كتفه هامسا بهدوء: _سنتكفل بكل شيء سيد سوفاكيس ، لا تلق بالا للأمر . هز ليسندر شعره الأسمر اللامع بهدوء ، ثم استدار وسار مبتعدا متمتما ببعض الكلمات ، التي تنم عن عدم الرضا. نظرت بعينيها الخضراوين الواسعتين ناحية ساندرا ، بنظرة تائهة ، ما لبثت أن تحولت إلى ابتسامة واسعة شقت وجهها البريء الصغير ، وهي تنهض عن كريسها وتلقي بنفسها في حضن ساندرا التي احتضنتها بقوة ، فصاحت الأخيرة: _ اهدأي أنيتا .... تراجعت أنيتا قليلا ، ثم ما لبثت أن اقتربت وطبعت قبلة صغيرة على خد ساندرا لتعبر عن امتنانها ، ثم سألت بلهفة : _أين هو الآن ؟؟؟ _ من هو هذا ؟؟ كانت هذه دايزي ، التي يبدو أن جلوسها كالغبي على بعد عدة أمتار منهما لم يعجبها ، فسارعت لطرح سؤال يدخلها في الحوار ، غير أن أنيتا على ما يبدو لم تكن تريد إشراكها إذ تجاهلت سؤالها ، وأزاحت وجهها بترفع ، ظهر الارتباك على وجه سان ، وهي تعتذر عن تصرف أنيتا التي أصرت على أنه لا داعي للاعتذار ، وأمسكت بيد سان وسارعت تسحبها خلفها وهي تصيح بفرح منقطع النظير : _ عاد أخي ، عاد ليسندر !! حكت دايزي رأسها بضجر ، قبل أن تقرر الانصراف إلى عملها ، لكن ما حدث البارحة لا يزال عالقا في ذهنها، كان أندريس حنونا ومتفهما ، ساخرا ولكن طيبا . إنها لطالما نجحت في تحليل شخصيات الناس ، لكن أندريس يبدو مزيجا مختلفا كليا عما عهدته ، فهو مزيج من الرقة والعنف ، الحنان والقوة ، الثقة والغرور ، والسخرية والعطف ، كل هذا يجعله شخصا مميزا ، مختلفا عن الباقين . تنهدت ببطء وهي تتدرك أن هذا الجدال مع نفسها عقيم ولن يعود عليها بفائدة ، ولو كانت صغيرة . _ الناس طيبون جدا هنا .....وساذجون كذلك . خرجت هذه الكلمات باردة متحجرة من بين شفافهها المصبوغة ، أدارت عينيها لتستطلعا المكان ، فلم يكن مما يطيب لنفسها ، فهي لا تعجبها أكاليل الزهور الفواحة العطرة ، ولا المروج الخضراء اليانعة ، ولا الطرقات البسيطة الموحلة ، ولا تروق لها أشعة الشمس التي تحرق جلدها الذي اعتاد برودة لندن . ألقت نظرة خاطفة على صاحب العينين الزرقاوين الذي يسير خلفها وهمست : _المكان هنا مقزز !! أجاب الشاب بنزق : _ إنك في إحدى القرى البسيطة ، ولست في العاصمة سيدني . نظر إلى حذائه الذي اتسخ بالطين وعلق بغير رضا : _ألست من أراد أن يعرف المزيد عن حياة تلك الفتاة المدعوة ساندرا ؟؟ كشرت باستياء وهي تقر بأنها من أراد ذلك حقا ، فعقب جفاف : _ هل لي أن أعلم سبب اهتمامك بهؤلاء الأشخاص ؟؟ ابتسمت بمكر وهي تحدق في عيني طفلة بريئة ارتعبت لرؤيتها ، فهرولت تجري بعيدا ، ثم نقلت نظراتها المتعالية في المكان البسيط الذي تقصده ، وقالت : _ ذنبهم أنهم أصدقاء دايزي !! _ وأنت تغارين من دايزي !! أجابها ساخرا ، فقالت بسخط وغضب عارم ، وهي تشد على قبضتها : _ أقفل فمك !! فما الذي تمتلكه تلك الفتاة المدللة لأغار منها ؟؟ أجاب ببرود غير عابئ بغضبها أو سخطها : _ تمتلك الجمال ، المال ، الأسرة المعطاءة ، الأب الحنون ، بالإضافة إلى الشقيق اللطيف ، ألا يبدو هذا كافيا ؟؟ أجابته بغرور منفر : _أنا أكثر جمالا ومالا منها ولدي عائلة تتكون من أب وأم وأخ حقيقي ، الكل يعلم أن كايل كان ابن الطباخ لا أكثر ولا أقل ، فهو ليس ذو نسب شريف . سألها بدهاء وعيناه تنطقان شررا : _ولم تجرين خلفه ، ما دام ليس بمستواك الرفيع ؟؟ أجابته باختصار شديد : _لا شأن لك .. _ألأنه وسيم فقط ؟؟؟ لم تجبه ، وإنما تابعت مسيرها ببطء وقدماها تجاهدان للمسير ، فعلو الحذاء لا يسمح لها بالسير المريح ، كما أنها لم تعتد على السير في مثل هذه المناطق . مسحت قطرات عرق سالت على جبينها ، وهمست باستحقار : _ألا زال هناك مثل هذه الأماكن الحقيرة في البلاد ، نحن في القرن الواحد والعشرين ، بحق السمااء !! لم يعر بالا لتذمراتها التي لم تتوقف ثانية واحدة منذ انطلقا ، فقد كان عليه أن يعرف أنه إن كان سيرافقها فإنه سيواجه العديد من المشاكل التافه التي لا تستحق التوقف عندها ولو لثانية واحدة . سارا بهدوء لبضع ثوان قبل أن يفتح فمه لينطلق منه سؤال جعلها تتوقف لبرهة قبل أن تتابع مسيرها : _ لم أنت مختلفة عن شقيقك مايكل ؟؟ غيمت عيناها ، واحتدت ملامح وجهها الهزيل وهي تسأل بحدة : _ماذا تعني يا ألبرت ؟؟ أجابها وهو يزيح خصلات شعره الحريرية عن جبهته التي تنضح عرقا: _ما أعنيه هو أنه لطيف وودود ، في حين أنك ..... حسنا تعلمين ما أقصد !! تحاملت على نفسها لتتابع الجري ، وصوت لهاثها قد أصبح مسموعا ، ثم أجابت بعد برهة : _ لأنه ساذج ، في حين أنني واعية لما يدور حولي !! ظهرت ملامح الاستخفاف على وجهه ، فهذا ليس بجواب منطقي خاصة أن والديها لطيفان نوعا ما ، فهما لا يسعيان لإيذاء الناس كما تفعل هي ، كما أنه واثق من أن ما تفعله ليس سوى غيرة عمياء من دايزي ، لأنها محبوبة . أمسك بيدها ليوقفها وسألها بملامح جادة : _ هل تحبين شقيقك ؟؟ أغمضت عينيها بقوة وهزت رأسها غاضبة ، ثم دفعته ليفلت يدها وصاحت به : _إنه شقيقي أيها الأحمق بالتأكيد أحبه أيها المعتوه ، والآن هلا سمحت لي فعلي أن أجد أحدا ليخبرني عن حياة تلك الفتاة اللعينة ، لأحيل حياتها وحياة شقيقها الغبي جحيما . تابعت سيلفيا مشيها ، وكانت تقطع الطريق بخطوات واسعة قدر ما أمكنها ، وكانت كلما رأت قطا أو كلبا شاردا أطلقت شتيمة ، وكلما رأت طفلا صغيرا أرعبته حتى يهرب من طريقها ، أما ألبرت فقد نظر إلى السماء الزرقاء التي تخللتها خيوط الشمس الذهبية ، وهو يضع يده على جبينه لتقيه حرارة تلك الأشعة ، وابتسم ابتسامة جذابة قبل أن تناديه سيلفيا وهي تطلق إحدى لعنتها الصاخبة . جلس أندريس مسترخيا إلى إحدى الآرائك الوثيرة ، كان شعره مشعثا ومبللا بقطرات الماء ، ومنشفته كانت على كتفيه ، وقد فتح أزرار قميصه الأزرق لتظهر الضمادة من تحته ، التمعت عيناه الزرقاوان بفرح لؤية ابن خاله الذي يجلس قبالته . كان ليسندر شابا يونانيا بكل ما في الكلمة من معنى ، فلديه شعر أسود كثيف وناعم ، وجبهة سمراء عريضة ، وعينان شديدتا الخضرة ، وملامح وسيمة حادة ، وجسد رشيق قوي ، كما يملك طلة بهية ، [/frame]
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد حتى و إن ... طالت المسافات و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟ |
#18
| ||
| ||
[frame="3 80"]وجلسة واثقة ، لكنه مع ذلك يمتلك حسا فكاهيا ، أما السخرية اللاذعة فهي إحدى جوانب شخصيته الفريدة . تكلم ليسندر بصوته الرخيم : _ لقد أمسكنا به أندريس ، إنه يخضع للاستجواب الآن. رفع أندريس طرف منشفته ليجفف بها شعره ، ورد مغمض العينين : _لا داعي لذلك ، فأنا أعلم من بعث به . اضيقت عينا ليسندر وأجاب : _وأنا كذلك ولكن الشرطة ترفض القيام بأي تحرك قبل استجواب القناص . تنهد أندريس بتعب ، ونهض عن مقعده الوثير ، وسار يقطع الأرضية الخشبية اللامعة ، حتى توقف عند النافذة ، استرعى انتباه ليسندر تقطيبة ظهرت على جبين أندريس ، فهمهم متسائلا عن سببها ، فجاءه الجواب خافتا : _مصيبة قادمة . تقدم ليسندر ليرى ما الذي يعنيه أندريس ، وأثناء مروره أمام الباب ، فتح الباب، نظر ناحيته فإذ بفتاة تدخل مسرعة وتصطدم به ثم تقع أرضا . تأوه ليسندر بخفوت وهو يدلك مكان الإصابة في رأسه ، أنزل نظره بهدوء للفتاة الجالسة على الأرض ، وقطب باستنكار وهو يسمع ما تقوله : _ يا إلهي أنيتا من أين لك بكل هذا النشاط ؟؟ أتساءل من تشبهين ؟؟ وما إن رفعت عينيها حتى عرفت الجواب ، تشبه شقيقها بكل تأكيد ، مد ليسندر يده لساندرا ليساعدها على الوقوف ، شكرته وعلى وجهها علامات الدهشة والذهول ، سألها بهدوء : _هل أنت بخير يا آنسة ؟؟ هزت رأسها موافقة ، قبل أن تظهر من خلفها فتاة صغيرة ذات شعر طويل حريري أسود ، اندفعت إلى أحضان ليسندر بسرعة ،ليلمها بين ذراعيه مقربا إياها من صدره ، همست أنيتا بفرح : _اشتقت لك ليسندر . شدد من احتضانه لها ، وهمس : _وأنا كذلك يا حلوتي الصغيرة . أشرقت عيناها بفرح لرؤية شقيقها الذي لطالما أحبته وفضلته على كل شيء في حياتها . تقدمت ساندرا من أندريس بهدوء وسألت مستفسرة : _هل هذا شقيقها ؟؟ أجابها أندريس بنعم ،في حين حدق فيها ليسندر بتردد ، وقال بصوت جهوري : _لا أظن أنك دايزي ، صحيح ؟؟ فلست شقراء ، ولا تمتلكين عينان زرقاوان !! ردت ساندرا بخفوت : _ لا ، أنا أدعى ساندرا بروس ، تشرفت بمعرفتك سيد ليسندر . _تعرفينني إذن ؟؟ لوحت بيدها وهي ترد عليه : _ كل الناس هنا تعرفك ، فأنيتا أخبرت الجميع عنك !! نظر إلى شقيقته بعتاب ، وسأل : _ ماذا قلت لهم عني ؟؟ أجابته بدلال وهي تلقي برأسها على كتفه العريض : _ أخبرتهم أنك أوسم وألطف وأفضل أخ في العالم . قهقه ليسندر ضاحكا من وصف شقيقته الشقية ، وتركها لتنزل إلى الأرض وتجلس بجانبه على الأريكة الكبيرة ، وهو يقول : _ إذن آنسة ساندرا ، هل يمكنك أن تخبريني شيئا عن تلك الفتاة دايزي ؟؟ حدق ساندرا بأندريس باستفهام ، فأشار لها أن تلتزم الصمت ، إلا أنها سألت ليسندر بمكر ونظراتها اللوزية متجهة نحو أندريس الساخط : _ وكيف عرفت بأمر دايزي ؟؟ أجابها بمكر مواز : _ من عصفورة صغيرة . صحح لنفسه : _ أقصد نمر كبير وثب أمام منزلي ذات ليلة وأخبرني عنها . ضحكت برقة وأشارت إلى أندريس وهي تهمس : _ اسأله فهو يعرفها أكثر منا جميعا . هتف أندريس بضيق : _هذا ليس صحيحا ، ودعونا نترك هذا الموضوع . كانوا على وشك أن يتركوه ، إلا أن دايزي زلزلت المكان بصرخة مدوية من فمها الرقيق الصغير ، الذي قال بضيق : _ هيا أندريس ! أم أنك تسيت أن عليك مساعتدتي ؟؟ ارتفع حاجبا ليسندر في استنكار واندهاش وهو يحدق بالفتاة الشقراء الواقفة بالباب ، أخبرته أفكاره ، بأن هذه الفتاة جميلة حقا ولكنها مع ذلك مصيبة حقيقية . كانت ترتدي فستانا وردي اللون ،تعلوه طبقة من القماش الأبيض، وترفع شعرها الذهبي بشريطة من نفس لون الثوب . كشرت أنيتا بانزعاج لرؤيتها ولم يفت هذا ليسندر وقد عرف أن الغيرة تتآكل شقيقته المدللة ، اجتازت دايزي عتبة الباب بدون اكتراث ، حتى وصلت منتصف الغرفة الفخمة ، وهمست بغضب استعر في عينيها الزرقاوين : _ لا تقل لي أنك ستظل واقفا مكانك ، لتنظر إلي بعينيك الساخرتين . هز رأسه بتعب ، وأشار لليسندر ، وهو يقول : _ ألق التحية دايزي !! استدارت دايزي لتجد شابا يشبه أندريس لحد ما ، فعلقت باستهزاء : _لا تقل لي أنه شقيقك ، لأنني في اللحظة التي تنوي قول ذلك فيها ، سأكون قد انتحرت . هز رأسه بأسى ، وحدثها بتأنيب : _ألم أقل لك أنه ليس لدي إخوة ؟؟ إنه ابن خالي وشقيق أنيتا ، ليسندر . حدقت بليسندر ، بنظرات تفحصية أثارت حفيظته ، ثم قالت : _ يبدو أن ابن خالك يتمتع بذوق رفيع ، فاطلب مساعدته لاختيار ملابسك . ثم أمسكت بيده وجرته خلفها وهي تصيح ببعض العبارات التي لم يفهمها في حين ارتسمت علامات الاستغراب على وجه ليسندر ، أما سان فقد ابتسمت بهدوء وقالت : _ لا تقلق هذه حال اعتيادية ، شجار وصراخ ومن ثم صلح . حسنا لم أكن أظن ذلك !! أندريس ينصاع لفتاة !! لا أصدق ما رأت عيناي !! تلك الفتاة شرسة جدا ،ولكنها مع ذلك جميلة ، وتبدو طيبة ورقيقة ، ويبدو أنه مرتاح جدا هنا ، فلم يشكو أو يتذمر ، ولكن يبدو أن دايزي تثير غيظ أنيتا التي اعتادت أن تسترعي اهتمام الجميع . _ سيد ليسندر ، هلا تفضلت معي ؟؟ كانت هذه سان تطلب منه التوجه إلى مكتب السيد هاري ، التفت لها وهمس باسما: _ كما تريدين يا آنسة . _ أتظنين أنهما سينزعجان لرؤية هذه الصور ؟؟ سألها بقلق ، فأجابته بلا مبالاة : _ ولم سيغضبان ؟؟ بل أنا أعتقد أنها ستصلح قليلا مما أفسده ذلك الغبي . ابتسم لحماسها الذي تألقت معه عيناها الخضراوان ، تدلت إحدى خصلات شعرها على وجهها ، فمد يده لتزيحها إلى الخلف ، ارتبكت صوفيا للمسته ، وقالت بتشتت : _ هلا ذهبنا الآن ؟؟ _ لم تتهربين ؟؟ سألها مستنكرا ، فأجابت بارتباك ، والاحمرار يعلو وجنتيها السمراوين : _ أنا لا أفعل !! ولكن علينا أن نساعد الباقين . لم ترق الفكرة لكايل الذي كان يفضل السير برفقتها طوال النهار على رؤية الباقين ومساعدتهم . فلقد استدعاها منذ الصباح لتصحبه إلى استديو ، من أجل الحصول على الصور التي التقطاها في المشفى لأندريس ودايزي ، والأهم ، لنيكول و ميديا ، اللذان لم يكلما بعضهما منذ حادثة الأمس . هذا الأمر أثار قلق الجميع ، خاصة والدة نيكول التي قالت بأنه حبس نفسه في الغرفة ولم يتناول شيئا . سارا معا على الحشائش الخصراء ونسائم الهواء تحرك شعرهما ليتناثر حول وجهيهما ، قطف لها زهرة وردية اللون و قدمها لها ، وهو يقول : _ إنها تشبه في لونها ، لون خديك عندما تحمرين خجلا ، عزيزتي !! اشتمتها برفق ، وابتسمت لسماع كلمة عزيزتي ، تخرج من بين شفافهه . رفع هاتفه النقال ، داعبت أصابعه أزراه برفق وسرعة ، وسرعان ما رفعه ليضعه على أذنه ، جاءه الصوت بعيدا ، كان صوتا لفتاة شابة يعرفها وهو موقن بأنها ستساعده : _ سوزي جورج معك .. تكلم بوضوح : _مرحبا سوزي ، إنه أنا نيكول !! ابتهجت الفتاة لسماع صوت صديق طفولتها ، وراحت ترحب به بحرارة ، وتلومه وتعاتبه على عدم تكليمه لها طوال هذه المدة . ابتهج لسماع صوتها الطفولي ، إنها لم تكف عن عادتها القديمة ، تظل تثرثر وتثرثر حتى تفرغ من كل ما تريد قوله . شقت ابتسامة شقية طريقها إلى فمه ، أصدر قهقهة خافتة ، وصلت إلى أسماعها ، فسارعت تسأل بفضولها المفرط : _ هل قلت شيئا مضحكا ، سمو الأمير ؟! أجابها بصوت من اشتاق لماضيه وأيامه الفائتة : _ لا ، لقد كنت أتذكر أيام الثانوية لا غير . وصلته ضحكتها شقية مداعبة ، ثم صوتها يهتف بغضب مصطنع : _ متأكدة من أنك ستشتاق لتلك الأيام ، فقد كنت دائما المنتصر وأنا الضحية . تنهد بصوت عال ، فعلمت أن الأمر جدي لا مجال للمزاح فيه أكثر من ذلك ، فسألت بصوت خافت : _نيكول ، ماذا تريد مني ؟؟ التمعت عيناه الخضراوان ، وشعتا بكره عميق ، ونطق ببطء : _ أن أتخلص من ألبرت ................ _ هل تريدين هذه الصور ميديا ؟؟ تطلعت ميديا في الصورة بين يديها ، وابتسمت برقة وهي تمرر يدها على ملامح وجهه الوسيمة ، تدلت إحدى خصلات شعرها المجعد فمدت يدها ، وأرجعتها خلف أذنها ، من ثم نظرت بود لصوفيا ، وأومأت بأنها ستحتفظ بهذه الصور . كان هذا الأمر كافيا ليبعث الابتهاج في نفس صوفيا ، ويقلل من قلقها ، فسارعت تسحب ميديا معها وتهتف : _ لقد جاء ليسندر ، وأريد أن أعرفك عليه ، ثم أريدك أن تري كيف استطاع أندريس تحقيق الانسجام بينه وبين دايزي ، في بيع الحلوى لضيوف المخيم ..... قطبت ميديا بهلع غير مصدقة ، وهتفت بعتاب : _ لا تكذبي علي صوفيا ، أندريس ودايزي ، مستحيــــــــل وأكرر مستحيـــل أن يتفقا . ضحكت صوفيا ، وحاولت كبت قهقهتا ، ثم جرت ميديا خلفها ، وهي تردد : _سترين ، سترين !! _ دايزي ! عاملي الزبائن بلطف أكثر ... _ دايزي ! لا تفعلي هذا ......... _دايزي ! افعلي ذاك......... _داااااااااااااااااااااااااااااايزيـــــــ !! شعرت بصوته يطن في رأسها ، استشاطت غضبا ، وحملت عودا من الحلوى الطويلة الملونة ، وضغطته حتى تكسر بين يديها ، ثم ما لبثت أن صاحت به : _ لم لا تنهض وتريني قدراتك ؟؟ لم تكد تكمل تهديدها حتى سمعت صوت ضحكة خفيفة ألفتها منذ زمن ، استدارت وقالت بدهشة : _ميديا !! هزت ميدي رأسها وأجابت : _ لا تستغربي الأمر ، لن أبكي طوال النهار ، تعلمين كيف سيصبح شكلي . قالتها بغير رضا ، فردت دايزي : _ نعم ، سيكون لديك عينيان منتفختان حمراوان ، ووجه باهت اللون ، و........... وضعت ميديا يدها على ثغر دايزي ، ومهمست بهدوء : _لقد فهمت . أبعدت دايزي يدها وسألت باستغراب : _ لم أنت هنا ؟؟ فركت ميديا يديها بخفة وقالت : _قيل لي أنك وأندريس متفقان ، فجئت أرى كيف سويتما الأمر ؟؟ نظرت إلى أندريس وتابعت مبتسمة : _ أرى أن أندريس قد وجد الحل فعلا .... ردت دايزي بحنق : _تظنين ؟؟؟ كان أندريس قد نصب له مظلة تقيه الحر ، ووضع تحتها كرسيا مريحا ، إلى جانبه طاوله مليئة بالمشروبات ، وقد غطى عينيه بالنظارات ، واستلقى إلى مقعده ، متخذا من توجيه الأوامر لدايزي مهمة له . تطلعت ميديا بهدوء لأندريس ، وسألته : _ لم لا تجلس مع ابن خالك ؟؟ رفع كأس العصير بعد أن رشف منه رشفة صغيرة ، ثم أشار به نحو دايزي الغاضبة ، وقال يستفزها : _ لأن الآنسة التي أمامك لم تسمح لي .... إنها أحيانا تشعرني بأنني طفل صغير من الأحداث . تنهدت ميديا بهدوء ، لقد كانت واثقة من أنهما لم يتفقا ، ولم تخرج لتتأكد من الأمر وإنما أملا بالالتقاء بينيكول ، الذي اختفى البارحة ولم يظهر بعدها . تمنت بهدوء أن تراه وتحدق في عينيه ، تستشعر أحاسيسه الحقيقية ، أيكرهها ؟؟ ولكن لم ؟؟ استدارت وخطت خطوتين إلى الأمام ، ثم توقفت ............. تحدق بالعينين اللتين أسرتاها ، وأوقعتاها في شباك الحب ، رفعت بصرها بهدوء ، تفحصت ملامح وجهه . بدت لها باردة لا تدل على شيء معين ، حدق فيها ببرود قاتل ، أرسل قشعريرة برد في جسدها ........... ثم اجتاز المسافة بينه وبينها ومر بها ، دون أن يعلق بشيء أو يتفوه بحرف واحد ......... وتركها خلفه ، دمعتها تهدد بالانحدار ، وشفتاها ترتجفان ، وعقلها يسأل بصمت : _لماذا ؟؟؟ [/frame]
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد حتى و إن ... طالت المسافات و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟ |
#19
| ||
| ||
- انتظرني أيها الأمير !!البارت الخامس عشر
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد حتى و إن ... طالت المسافات و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟ |
#20
| ||
| ||
[frame="3 80"]تتساءل بصمت ........ ما ذنبها ؟؟ هل اقترفت ذنبا ؟؟ إنها لا ترى ذلك ولا تستطيع أن تفسر غضبه . لسعت لفحات الهواء البارد جسدها الرقيق ، وبعثرت خصلات شعرها المجعد ... رفعت أناملها الرقيقة وحاولت لمه ، ثم شدت بردائها ، وقررت أن تأوي إلى فراشها . كانت مخفضة عينيها ، والظلام يلف المكان ، أوراق الشجر تصدر حفيفا خفيفا ، وصوت طقطقة الخشب المشتعل تضج في رأسها . سارت بخطوات متلاحقة ، تعثرت مرارا وتكرارا ، لكنها لم تتوقف . لم تكن واعية لتينك العينين الخضراواين تراقبانها وتتبعان خطواتها الواهنة ، كان يقف بجانب المنزل الذي تقطنه ودايزي ، يتوارى في الظلام لئلا تراه . ما إن رأت البيت حتى أسرعت تجري ، تقطع درجاته الثلاث الصغيرة بسرعة ، ثم تتوقف برهة من الزمن تخرج مفاتيحها . في تلك الأثناء ترك ذلك الرجل مكانه وسار بهدوء حتى لا تسمع صوت خطواته ، وبهدوء شديد صعد الدرجات الثلاث ، ثم سار بروية شديدة ، وعندما أصبح خلفها ، مد يديه القويتين ، لتحيط إحداهما بخصرها ، والثانية لتكمم فمها . شعرت بأن شخصا ما يراقبها ولكنها لم تعر الأمر أهمية كبرى ، لقد ظنته قطا صغيرا ، أو ربما هو حفيف الأشجار أو لربما هي محض تخيلات ، أو هذا ما كانت تتمناه ، إذ أصابها الفزع حالما وجدت نفسها سجينة ذراعين قويتين، وكرد فعل طبيعي ، بدأت بالرفس ومحاولة الصراخ ، سمعت الرجل يتكلم بهدوء ، فعرفت صوته ،رفعت عينيها إليه بهدوء وحدقت في أعماق الخضار الذي اجتاح عينيه ، ثم رفعت يدها وأزاحت يده عن فمها ، وهمست بصوت مضطرب : _ ما الأمر ؟؟ توقعت منه برودا ولا مبالاة كالتي أبداها في الأيام الأخيرة ، لكن رد فعله فاجأها ، إذ ابتسم برقة ، وهمس : _ هناك ما علينا التحدث بشأنه . طرفت بعينيها ، وسألت بصوت مخنوق : _ شيء يدعوك لاختطافي . بدا أنه استمتع بكلمة ( اختطافي ) إذ ابتسم ابتسامة واسعة كشفت عن صف من اللؤلؤ الأبيض يركض في فمه ، وكانت من الروعة بمكان أن خطفت أنفاس ميديا . أمال رأسه للجانب قليلا ، وهمس بجد : _ إنه لمن الأهمية ، بحيث يخولني خطفك والذهاب بك إلى آخر العالم . _ حقا ؟! أجابته باندهاش واستغراب ، فأي حديث ذاك الذي يفترض أن تجريه في منتصف الليل مع رجل يتصرف منذ عدة أيام وكأنها عدوته . رفعت عينيها الصافيتين وهمست بقلق : _ أهناك من أصيب بأذى ؟؟ عاد وابتسم لقلقها ، ثم مد يديه وأحاط كتفيها ، وقال بهمس : _ بل شيء أهم بكثير . رفع رأسها ونظر في أعماق عينيها اللتين عكستا ضوء القمر فيهما ، أبصر تشابك يديها فعرف أنها متوترة ، أنزل يديه وأمسك بيديها وباعد بين أصابعها ، ثم شبك أصابعه بأصابعها ، وهمس بحب : _ إنه يتعلق بمستقبلنا !! تثاءبت الشمس بهدوء على أعتاب أبواب مملكة الغيوم العتيدة ، وراجعت نفسها مرارا وتكرارا قبل أت تجرؤ على قرع تلك الأبواب ، فليس من السهل اختراق الحصار الذي فرضته الغيوم على مدينة الضباب ، التي تشمخ أبنيتها لتكون هي الوحيدة القادرة على تحطيم جبروت الغيوم المتزاحمة وسط السماء العالية. ولكنها وبما تملك من رقة ، استطاعت أن تخلق بضع ثغرات ، فأرسلت بعضا من دفئها ، محمولا على أشعتها الذهبية ، تلك التي تفرقت في الشوارع والطرقات ، وعانقت ساعة بيغ بن ، وقرعت أبواب النيام من الناس ، وزارت قصور الأغنياء ، وبيوت الفقراء فلم تفرق بينهم . تلك الأشعة الصغيرة كانت شجاعة ، إذ تجرأت ودخلت القصر الملكي من أوسع أبوابه ، ومن نوافذه الزجاجية العالية ، وألقت بدفئها على الكنب المزركش والسجاد الفخم ، والطاولة المزينة بمزهررية من الكريستال ، والورود الحمراء المتفتحة ، وعلى السيدة الجميلة الجالسة إلى الكرسي المنجد . يبدو كل شيء وكأنه اختير بعناية فائقة ، وصمم ليكون الأروع ، وكذلك السيدة الجالسة بدت جزءا لا يتجزأ من المكان ، جميلة ، أنيقة وشديدة الثقة والاعتداد بنفسها ، وعلى فمها المرسوم بأحمر الشفاه ابتسامة عريضة راضية. كانت ترتدي زيا يبدو وكأنه فصل خصيصا لجسدها ، يمنحها الرشاقة والجمال ، ويكمل مظهرها لتبدو وكأنها لوحة زيتية مرسومة بعناية فائقة . تطلعت السيدة إلى أظفارها الملونة باتقان برضا ، ثم أنزلت يدها الرقيقة المزينة بسوار من الفضة ، وجذبت أطراف ثوبها فلملمته ، ثم عادت تحدق في أظفارها بملل ، وهي تهز برأسها لتزيح خصلات شعرها الذهبية عن عينيها الكحيلتين . صوت أزيز خفيف ، أخبرها أن أحدا ما قد دخل الغرفة للتو ، فتركت أظفارها ، ورسمت على شفتيها ابتسامة ودودة ، ثم وقفت ومدت يدها للقادم ، صافحته بهدوء وسألته عن صحته ، فأجابها باختصار ، ثم أشار لها بيده أن تجلس ، ففعلت . تطلع فيها بهدوء ، ثم همس بصوت متعب : _ آنسة لوسيتا ، تعلمين أنني كبرت كثيرا ولم أعد قادرا بعد الآن على حمل أعباء المملكة ، ولهذا أرغب بأن يعود لي حفيدي ، ويستلم كل هذه الأمور ، حتى أنعم أنا بشيخوخة هادئة ، والقليل من راحة البال . دققت المدعوة لوسيتا في ملامح وجهه ، له شعر غزاه الشيب حتى آخر شعرة فيه ، وعينان جليديتان شديدتا الزرقة ، والكثير من التجاعيد حول عينيه . تنحنحت قليلا ثم همست باحترام فائق : _ سيدي ، أقدر حقا ما تحاول فعله في سبيل إنجاح حياة ابن ابنك الوحيد ، ولكن ألا ترى أن ما تفعله مبالغ فيه ؟ سألته باستنكار ، فأجال بصره في المكان وهمس ، دون أن ينظر إليها : _لا ، لا أرى ذلك البتة . استقرت عيناه على لوحة زيتية لرجل في مقتبل العمر ، يقف وقفة ثابتة ، ويبتسم باتزان . أطلق الرجل آهة من أعماقه ، ثم حول بصره فركزه على لوسيتا ، وقال بجد : _ كاد أن يموت ، ماذا كنت لأفعل حينها ، أذرف الدموع كما سبق وذرفتها على ولدي الوحيد ؟؟ اهتز صوته ، وبانت المرارة في كلماته ، وارتسم الألم على ملامح وجهه الكهل ، وهو يتابع : _ ولدي الوحيد ، والذي فرطت به . أسرعت لوسيتا إلى الرجل العجوز ، جلست بجانبه وهمست بحنان : _ لم يكن ذلك خطؤك ، لقد كان قدره أن يموت تلك الساعة . اهتاج العجوز ، وضرب يد المقعد بقبضته ، وصرخ بصوته الجهوري العالي : _ ولكن ، بإمكاني أن أحاول حماية حفيدي الآن . أمسكت بيده وهدأت من روعه ، ثم طلبت منه أن يهدأ قليلا ، ومن ثم أسرعت تصب له كأسا من الماء وتسقيه إياه. بدا أنه هدأ قليلا ، إذ ابتسم ولكن بهدوء كبيـر ، مد يده الكبيرة وأمسك بأناملها الرقيقة ، وسألها متوسلا: _ أيمكنك أن تقنعيه ؟؟ حدقت في عينيه ، فرأت فيهما بريقا خافتا ، شدها بقوة و أجبرها على أن توافق ، أمالت برأسها إلى الجانب قليلا ثم قالت بصوت مشاكس : _ شرط ألا تطلب مني أن أتزوجه . ضحك العجوز مقهقها ، ورد بأنه لن يفعل ، فطلبت منه وعدا ، فوعدها ثم حدثها بابتسامة ودودة : _ إنه حفيدي ووريثي ووريث عرش بريطانيا ، ولست أرغب بأن أترك هذا العرش لأحد غير أندريس ، فأعيديه رجاء . أظهرت الفتاة ملامح حزن مصطنعة ، وهمست بحسد : _ ليتني ألقى نصف ما يلقاه أندريس من اهتمام . ربت العجوز على رأسها وقال بهدوء : _ لقد نلت الكثير من الدلال منذ مولدك ، والآن حان الوقت لتستغني عن بعضه لحفيدي الصغير . ما إن سمعت كلماته حتى صرخت باحتجاج : _ صغيــــر !!!! سيدي إنه قريبا سيبلغ الثلاثين من العمر . لمعت في رأسها فكرة صغيرة شريرة ، فاقتربت من العجوز وهمست له بخبث كبير : _ لقد عرفت سرك ، سيدي . ارتبك العجوز وسأل باضطراب : _ سر ماذا ؟؟ اقتربت منه أكثر وأكملت : _ السبب الذي يجعلك تقول دائما إن أندريس صغير في السن . هزت رأسها بشرر ، وبدأت عيناها تلمعان ، ثم اقتربت أكثر من العجوز ما زاد من توتره : _ تريد أن يظن الجميع أنك لا زلت شابا ، اعترف يا سيدي أنت تريد أن تتزوج من جديد . ارتاع العجوز لفكرة ارتباطه بامرأة أخرى فنهض مسرعا وأراد الخروج من الغرفة ، لكن لوسيتا ما كانت لتسمح له ، إذ أسرعت وسدت عليه الطريق ، وقالت بمرح : _لا تقلق يا سيدي ، سأزوجك عروسا صغيرة وجميلة ، وستكون شديدة الأناقة والرقة والدلال . ضمت يديها ، وأكملت بصوت حالم : _ وستنجب لك أطفالا كثرا ، حتى يعمروا هذا القصر المهجور . بدأت تتمايل بخفة وهي تسرد له كيف ستكون حياته : _ سيركضون في الممرات ، ويغزون الاجتماعات ، ويتلفون أوراقك ، وسيعاقبون زوارك ، ويزعجون السائق العجوز ، ولربما يتلفون سيارتك الثمينة . تقدمت إليه وعياناها تلمعان : _ ولكنك مع ذلك ستكون سعيدا . كان العجوز ريتشارد قد قارب على الموت ، إذ همس بصوت ضائع مشتت : _أطفال ، وزوجة ، سيارتي ، قصري ...... نفض نفسه بسرعة وتقدم منها شاكرا إياها على محاولاتها في إسعاد حياته ومؤكدا لها على أن سعادته لا تكون إلا في عودة أندريس إلى القصر . أمطرها بوابل من المجاملات ، عن إعجابه بفستانها وتسريحة شعرها ، فشغلت نفسها بكل هذا المرجاء ميديا أريد أن أنام، أرجوك . _ لا دايزي ، هيا انهضي ، أريد أن أقيم حفلة قبل سفري غدا . كانت كلمة (حفلة ) بمثابة سحر ألقي على دايزي ، التي قفزت من سريرها بسرعة شديدة ، وألقت بالغطاء على الأرض بفوضوية كبيرة ، ثم أسرعت إلى خزانة ملابسها واختارت ملابسها ، واتجهت إلى الحمام ، وهي تصرخ بحماس : _ خمس دقائق فقط ميديا ، وسأكون جاهزة . حدقت ميديا بسرير دايزي بعدم رضا ، صرخت بدايزي : _ متى تتعلمين الترتيب دايزي ؟؟ أجابت دايزي بصوت عال ، تفوق على صوت الماء المندفع من الصنبور بغزارة : _ أنا أتركه لك ميديا . صمتت قليلا ثم عادت تسأل : _ ميديا ، من سيصحبنا ؟؟ أجابت ميديا بصوت عال : _ إنه كايل . صرخت دايزي مهللة بفرح ، وأخذت تصفر وتغني احتفالا ، فكون كايل هو من سيأخذها فهذا يعني أن كل شيء سيكون على حسابه ، مأكلها ومشربها وكذلك ملابسها . أطفأت دايزي الماء ثم خرجت من حوض الاستحمام ، لفت جسدها بمشفتها ، ثم فتحت الباب وخرجت ، فسألتها ميديا باستنكار : _ ألم تأخذي ملابسك معك ؟؟ فكرت دايزي يديها بحرج ، واحمرت وجنتاها ، وهي تجيب بحيااء : _ حسنا لقد اكتشفت أنها ليست مناسبة وحسب . تنهد ميديا بضجر وحثتها على الإسراع ، فاستجابت دايزي لها بسرعة ، وانطلقت تتعثر في الأرجاء في محاولة منها لإيجاد ملابس مناسبة للخروج . وقفت ميديا إلى الباب ، حدقت في الغرفة المبعثرة ، وفي الملابس التي تتناثر هنا وهناك ، وأصغت بانصات لصوت دايزي الصارخ المتذمر ، فابتسمت ، وفكرت : كم مر عليها من الوقت منذ عرفت دايزي ؟؟ إنها لا تذكر بالتحديد ولكنها واثقة من أنها شخص يمكن الاعتماد عليه ، لقد كانت لها خير الصديقة دائما ، وهي تعلم أنها ستحترم قرارها الذي اتخذته بشأن مستقبلها ، بل وواثقة أيضا من أنها ستفرح لها وتشجعها . وبعيدا قليلا ، بل أكثر بقليل ، وبعيدا عن كل الأصوات والهمسات والنقاشات ، جلسا وحيدين ، لا يتكلمان ينظران إلى الأمام ، يستمتعان بصوت السكون القوي ، لقد تغلب عليهما ففرض نفسه بكل أدب ، ملبيا مطلب قلبين صغيرين ،ملقيا بجو التوتر خلفه ، ومرحبا بالهدوء المصحوب معه . جلست إلى جانبه ، لا ترى أحدا غيره ولا تسمع سوى صوت تنفسه ، ولا تبصر في هذه الدنيا غير عينيه، شمسها في شعره الذهبي ، و قمرها في نقاء قلبه . وهو الآخر كانت حياته مرتكزة في ابتسامتها وحيويتها ، وقلبه معلق ببراءة قلبها وطفولة حركاتها ، إنها تظهر الأمور على أنها بسيطة وسهلة ، وتريه أن العالم جميل . علمت أنه يحدق فيها فقد شعرت بنظراته كلسعات تلسع جلدها الأسمر ،فتدافعت الدماء بسرعة شديدة ، وغزت خديها الرقيقين ، ولتخفف من التوتر الذي انتابها من جراء هذه النظرات الجريئة سألته : _ كايل ، لقد قالت دايزي أنك درست الأدب ، ولكنك الآن مهندس صحيح ؟؟ ساءه أن قطعت عليه تأمله ، تنحنح في مكانه غير راض عن الحديث عن عمله ، ولكنه أجاب ليخفف من توترها الملحوظ فقط : _ لقد درست الأدب بناء على رغبة والدي ، أما الهندسة فهي ما أجيده حقا . هزت رأسها بهدوء توحي إليه أنها فهمت ، نظر إليها قليلا ثم سأل بمشاكسة : _ من أين لك هذا الشعر الأحمر ؟؟ حدقت فيه باستغراب ، وسألت بعفوية : _ ماذا ؟؟ فمد يده وجذب خصلات شعرها الحمراء ، وقال : _ أسألك ، من أين لك هذا الشعر الأحمر ؟؟ جذبت شعرها من بين أنامله ، وتأوهت بخفوت وهي تصيح باستياء : _ لقد آلمتني . هز كتفيه بلا مبالاة ورد : _ أنت هي التي لا تسمع ، وهذا جزاؤك يا صهباء . اشتعلت غضبا ، ثم أدارت رأسها بقوة إلى الجهة المعاكسة ، وقالت بفظاظة : _ أظل أفضل منك أيها القط الأشقر . رد يغيظها : _ أنا جميل ولهذا تغارين مني . استدارت بسرعة ، وصرخت في وجهه باستهجان واستنكار : _ أنت جميـــل ؟؟ مد لها لسانه وقال في ثقة : _ أجل ولهذا تجري الفتيات خلفي ، في حين أنه لا يوجد شاب واحد يريدك . بلغ لديها الغضب أقصى درجاته ، فزمجرت بغضب ثم صاحت وضربته على يده ، واستدارت محاولة النزول من السيارة الضخمة ، ولكن اليد لم تكن تستجيب لها ، إذ إنه كان قد أغلق السيارة ، عادت واستدارت ناحيته وصاحت في وجهه بغضب : _ افتح الباب وإلا كسرته . سألها بهدوء وهو ينفذ مطلبها : _ أتريدين أن يكسر أندريس عنقي ؟؟ أجابت بشر : _أجل ، بل أتمنى أكثر من ذلك ، أتمنى أن يطعمك للكلاب الجائعة . سألها مغيظا إياها مجددا : _ ألا تخافين على وجهي الجميل ؟؟ ردت بحنق : _ لا بل أخاف على الفتيات الجميلات اللاتي يحببنك . وهمت بالنزول ، لولا أن يديه التفتا حول خصرها النحيل ، وأعادتاها إلى السيارة كرها . أخذت تصرخ وتصيح به أن يتركها ، وتردد عبارات ، كأنها أخطأت وركبت معه ، وأنها تكرهه ، وغيرها الكثير . كان أقوى منها بكثير إذ خلرت قواها بينما هو لا يزال بكامل قوته ، صاحت به بلهجة انهزامية : _ حسنا ، حسنا ، لقد انتصرت اتركني الآن . أدارها نحوه ، وأمسك وجهها بين يديه القويتين ، ورفعه لتقابل عيناه عينيها الخضراوين ، حدق في أعماق خضرتهما ، وهمس بهيام : _ لا شاب يقترب منك لأنهم يعلمون أنك لي ، وأنني حبيبك وأنني سأحطم رأس كل واحد فيهم يحاول التقرب منك. رفعت عينيها ونظرت إليه غير قادرة على الكلام ، حدقت في وجهه بهدوء ، ثم همهمت بكلمات غير مفهومة، رفعت يدها ومسحت على جبينها بهدوء ، شعرت بأنه لا يزال يحدق بوجهها فاحمرت ، وصرخت بخجل : _ حسنا ، يكفي هذا ! _ أجل ، بالفعل إنه يكفي !! أجفل الاثنان لسماعهما هذا الصوت ، فالتفا بسرعة وحدقا بالفتاة الجالسة إلى الكرسي الخلفي للسيارة ، تساءلت صوفيا بهمس : _ منذ متى وأنت هنا ؟؟ أجابت دايزي بدون مبالاة : _ منذ وقت كاف . رفعت جسدها عن المقعد الوثير ، واعتدلت في جلستها ، ثم رفعت قدمها اليمنى فوق اليسرى ، وأخذت تهزها بدلال ، وتتساءل بهدوء : _ متى ؟؟ حدق كايل فيها متسائلا ، غير قادر على فهم ما ترمي إليه ، قطب حاجبيه ، وتجهم قليلا ، سائلا : _ متى ماذا ؟؟ أطلقت دايزي زفرة قصيرة ، عبثت بغرتها الذهبية ، ثم شدت أطراف قميصها لتسويه وهي تجيبه بعفوية: _ زواجكما .. حدقا فيها بذهول ، وسألا بذعر : _ ماذا ؟ أجابت بقليل من العصبية : _ زواجكما ، زفافكما ... أو أيا كان اسمه . حدقت فيهما بتشكيك ، وسألت : _ أم أنكما تريدان أن تبقيا هكذا إلى الأبد ؟؟ مد كايل يده ، فأمسك أذنها ، وجذبها بهدوء : _ لا يجب على الصغار أن يتدخلوا فيما لا يعنيهم ، هل فهمت ؟؟ ثم تركها ، وهي تتأوه ، وتدلك أذنها وتصرخ فيه : _ أنا أكبر منك ، في حين كنت تذكر . _ لا يهمني ، أين ذهبت صديقتك تلك ؟؟ شدت على يديها وأجابت مغتاظة : _ إنها ستأتي بعد قليل . أطلق تنهيدة ارتياح ، أرخى ظهره إلى المقعد ، وزحف بهدوء إلى الأسفل قليلا ، ثم انتشل النظارات المعلقة في طرف قميصه ، وغطى بها عينيه ، وذهب في سبات ليس بالطويل . الغرفة الساكنة تسبح في ظلام مخيف ، لا يخترقه سوى ضوء جهاز الحاسوب الموضوع على طاولة خشبية فخمة في وسط الغرفة ، يبدو الأثاث قديما وقيما جدا ، وهناك رائحة غريبة تسيطر على الجو ، رائحة خانقة بعض الشيء ، تبدو خليطا من عطر وسجائر ، أما الصوت الوحيد الذي كان يصدح في الغرفة ، فهو صوت النار تلتهم الأغصان الجافة في الموقد المذهب، الذي اعتلته صورة ضخمة لكهل في أواخر الثلاثينيات من عمره، يحمل في يده كأسا زجاجية كبيرة ، عبئت بالقليل القليل من شراب أحمر اللون ، يرسم على فمه ابتسامة خبيثة ، يرتدي بدلة رسمية ، ويضع يده الخالية في جيبه ، وقفته توحي بالثقة الشديدة بل بالغرور الشديد . وعلى الكرسي الوحيد الموجود في الغرفة جلس رجل شديد الهيبة والدهاء ، يشبه الرجل الموجود في الصورة إلى حد كبير ، بل إنه نسخة طبق الأصل ، إلا أنه أكبر قليلا في العمر ، كان يحمل في يده ذات الكأس ، وفيها ذات الكمية القليلة من الشراب الأحمر نفسه . وضع عنق الكأس بين أصبعيه ثم رفعها بهدوء حتى أوصلها شفتيه، ارتشف الشراب كله على جرعة واحدة ، ثم ترك الكأس لتتهاوى من بين أصابعه ، دارت الكأس حول نفسها وقبل أن تصل الأرض لمعت لتكشف عن عينين خائفتين تترقبان بفزع ، من ثم تحطمت أشلاء وانتشرت منثوراتها على أرض الغرفة . تنحنح الرجل الجالس بثقة ، وأرخى يديه على جانبي الكرسي ، وهو يهمس بصوت مخيف ، بعث الارتجاف في نفس الرجل النحيل الواقف أمامه : _ لماذا عدت ؟؟ تهاوى الرجل النحيل على الأرض واقترب من قدمي سيده بارتجاف يطلب عفوه ويستسمحه ، كان يتكلم بسرعة ويتعثر كثيرا في كلامه ، ويتمتم بكلمات غير مفهومة . رفع الجالس يده موحيا للرجل النحيل بأن يصمت ففعل على الفور ، ثم عاد الجالس فقال بمكر شديد : _ لقد عفوت عنك . ارتجف الرجل النحيل من الفرحة ومن هول الصدمة ، فلم يسبق أن عفا هذا السيد الطاغية عن أحد خيب أمله، وأسرع يقف ، ويتلو كلمات الشكر والعرفان والجميل على السيد الجالس ، ظل يشكر ويشكر حتى صاح به السيد أن يصمت ، فالتزم الصمت ، تمتم السيد بكلمات بانت وكأنها كلمات رضا ، ثم سأل بضجر : _ كيف هربت من الشرطة؟؟ تمتم النحيل بهدوء دون أن ينظر لعيني سيده : _ أنا رجل نينجا يا سيدي ، ولست مجرد قناص . أخرج السيد سيجارة طويلة من جيب ستره وألحقها بولاعة ، ضغط على الولاعة مرتين فخرج منها لهيب خفيف، وضع السيجارة في فمه ثم قرب الولاعة منها ، وعلى الفور خرج خيط من دخان رفيع منها ، التمعت عيناه بغير رضا وسأل : _ أنت نينجا ، وهذا يعني أن عليك أن تكون دقيقا ، أليس كذلك ؟؟ هز النحيل رأسه بسرعة ، وقد بدأ التوتر يسيطر على جسده ، وقطرات العرق تنساب على جبينه ، يريد أن يمسحها ولكنه يخاف أن يمسحه هذا الوحش عن قائمة الأحياء ويضيفه لقائمة المفقودين خاصته ، إن فعل ذلك .ديح ونسيت الباب ، اغتنم هو الفرصة وانسل مسرعا خارجا من الغرفة ، سائلا الله ألا يجمعه مع هذه الفتاة مرة أخرى ، إلا إذا كان في أمر يخصها هي وليس هو . [/frame]
__________________ ]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد حتى و إن ... طالت المسافات و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟ |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ماسك طبيعى لمشاكل البشرة صيفا | جمالك مهم | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 3 | 08-30-2014 05:07 AM |
رواية جديدة للدكتورة ناعمة الهاشمي 2012 تعالوا يا بنات رواية شما وهزاع احلى رواية | florance | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 2 | 02-26-2014 02:28 PM |
نصائح ووصفات للعناية والمحافظة على شعرك صيفا | اياامنا الحلوة | حواء ~ | 3 | 09-07-2012 01:36 AM |
وكان لقاء عبر الهاتف.. وكان | حمد الكاتب | قصص قصيرة | 4 | 10-17-2007 12:22 AM |