عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 07-11-2016, 02:40 AM
 




في الطريق , بدأت خيوط الظلام تحيك الليل ..

معلنةً بدأ ليلة لا ضياء قمر فيها ..

و ها هو يشق طريقه مسرعًا نحو العاصمة ..

مؤكدًا لنفسه جميع شكوكه ..

لم يعُد بدر إلى الرياض بلا سبب .. لقد كان يعلم بأن هناك شيء سيحصل !

لماذا لم يطلعني على الأمر ؟!

كان يجب علي أن أُبقيه لديّ .. أن أحقق معه .. و عبدالرحمن كذلك ..

هناك شيء يحصل من خلف الكل .. و ذلك يضع الجميع في دائرة الشك ..

كنت أنوي إعلان اختفاء عادل بعد بضع ساعات ..

لقد قاربت الأربعة و عشرون ساعة على الانقضاء ..

و لكن .. يظهر لي الآن أن عادل حي يزرق !! أو أن ما يحصل أكبر من ذلك بكثير ..

كنّا سنعلم عنه لو أنه بخير .. !!


********


يمشي وسط الحشود .. و يصطدم بالبعض , و لا يزال غير مكترث ..

كل ما يهتم لشأنه هو ذاك الشيء الذي يحمله بيده ..

أخرج هاتفه من جيبه و هو يتجه إلى سيارته في المكان الذي تركها عبدالرحمن فيه ..

يحاول الاتصال به ..

ولكن ما من مجيب !!

و كأنما انشقت الأرض و ابتلعته ! .. أين ذهب ؟ .. و لماذا انقطع فجأة ..؟

لم أعد أثق بشيء .. عدم رده يقلقني ..

منذ أن حصل ما حصل مع والدي و أنا أشك في كل شيء .. و أتخيل سيناريوهات مرعبة لكل من يتأخر في الرد على هاتفه !! ..

على الرغم من أني كنت أستغرب خوف والدي عند تجاهلي لهاتفي .. و لكني اقتنعت بالسبب الآن ..

أعاد هاتفه و هو يسرع في المشي و النبضات في تزايد مخيف .. على الرغم من سعادته المتناهية في إيجاد ( المغلف ) .. إلا أن هذه السعادة كانت مشوّبة ببعض الرعب ..

هو نفسه ذاك الشعور عندما نحصل على ما نريد .. و من فرط السعادة .. نبدأ بالخوف مما أردناه دومًا !!

جلس في سيارته و هو يعتدل استعدادًا لفتح المغلف ..

مزّق الجزء العلوي من المغلف و هو يحاول استراق النظر إلى الموجود بداخلها ..

أدخل يده بخفة في المغلف و هو يتحسس ماهية الشيء الموجود في الداخل ..

بدأ بسحب محتويات المغلف ببطء ..

" يبدو بأنها أوراق , أوراق ماذا يا ترى ؟ ".. همس لنفسه بغرابة ..

أخرجها و هو يشهق بصدمة .. يحدق فيما بين يديه بعينين مفتوحتين على آخرهما ..

عدل من وضع الأوراق و هو يقلّبها و يهمس بضعف : " مستحيل "..

أنار الضوء الداخلي لسيارته ليتمكن من الرؤية .. و هو ينتفض بعنف و رعب ... !

رعب الخيبة ..

رعب السقوط في هاوية المفاجآت ..

و رعب الخداع من أقرب الناس ..!


********

الساعة 6:51 م ...


ينزل من سيارته بهدوء , و هو يتجه إلى إحدى المقاهي على طرف الطريق ..

بقي 10 دقائق تقريبًا لإعلان الموقع الثاني .. و هو وقت كافٍ لأحتسي فيه شيئًا يخفف حرارة جسدي و جوفي ..

أخرج هاتفه و هو ينظر إلى إحدى صور ابنته ..

كيف استطعت فعلها ؟! .. كيف استطعت التضحية ؟! ..

لقد كنت في موقفً لا أحسد عليه .. كنت في كامل حماستي و دهشتي .. و فضولي أيضًا ..

لم أستطع إمساك نفسي عن معرفة الحقيقة .. كان لابد أن أضحي بشيء لأحصل عليها ..

ما الذي دهاني عندما ضحّيت بهذه الصغيرة ؟! ..

و لكنها بأمان الآن مع والدتها .. لن يصيبهما شيء .. و لن يعلم فيصل أنهما غادرتا المنزل ..

و لكنّي أعرفه .. لقد عاشرته لأشهر عديدة .. إنه لا يضع أي شيء رهن الصدفة ..!

إنه يضع احتمالات لكل شيء ..

ماذا إن عرف عنهما ؟! .. لن يثق بي بعدها ..

لقد اشتريت ثقته بثمنٍ غالٍ جدًا .. و لكن سينتهي كل شيء الليلة ..

سيحصل على مراده .. و سأحصل على مبتغاي ..

اتصل على زوجته بسرعة .. و مع كل ثانية تعبر , كانت هواجسه بشأنهما تكبر أكثر ..

ردت على هاتفها باعتيادية :" مرحبًا ؟! "..

" دلال ؟! ".. قال سلطان بهدوء ..

" أهلًا .. "

تردد قليلًا وهو يقول :" أهلًا .. أ .. أأه .. في الواقع .. أردت أن أخبرك بأني سأسافر الآن .. انتبهي إلى نفسك جيدًا .. و حنين أيضًا "..

" نعم , بالطبع .. لا تقلق .. "..

سكتْ الاثنان و هما يستمعان إلى صمتهما المعهود ..

بادرت دلال بالكلام قائلة :" سلطان ؟.. أيمكنني سؤالك عن أمرٍ ما ؟! .. ".

" ماذا ؟ ".. همس سلطان ..

" أنت تعرف المثل القائل : أخدع أصدقائك و سأخدع أصدقائي .. و لكن دعنا لا نخدع بعضنا البعض "..

صمتت قليلًا ثم أكملت :" ماذا يحصل لك ؟! .. لقد أمضيت 3 سنوات معك .. و انت لم تكن أبدًا مثل هذا اليوم .. ما بك ؟! .. قل لي .. أنا زوجتك و سأسمع منك كل شيء .. سأصدقك في كل ما ستقول "...

سكت سلطان لثواني ..

و هو يرتب الكلام في عقله .. لطالما كانت دلال هكذا .. صريحة جدًا بشأن غرائب الأمور .. لا شيء يمر أمامها مرور الكرام ..

" لاشيء يا دلال , لا تقلقي .. "

" توقف عن الإنكار .. هيّا قل لي .. أنا أعلم أننا لسنا معتادون على تبادل الأسرار , و لكن دعنا نحاول قليلًا .. قل لي ما بك .. لا تجعلني قلقة بهذا الشكل "..

" دلال إنك تبالغين بشأن هذا الموقف .. علي الذهاب الآن .."

" لا لن تذهب .. أكره أن أكون مصرّة إلى هذا الحد , و لكن وضعك يقلقني .. أرجوك يا سلطان أخبرني .. إن كنت قد أحببتني يومًا فقل لي بما يجول في صدرك , لن تستطيع الكذب عليّ "..

صمت سلطان للحظات ..

هل أحبها حقًأ ؟ .. هل أستطيع

أن أبوح لها ؟ ..

أين كنت عنها طوال هذه السنين ..؟

لقد كنت مشغولًا جدًا بأحلام يبدو أنها لن تأتي يومًا .. لقد جعلت هاتين الفتاتين تتخذان من الجدران أصدقاء و من الوحدة خليلًا ..

لمَ لا أبوح لها بالقليل فقط ؟! .. القليل جدًا ..

لعلِّ أرتاح مما يشغلني .. لعل هذه العلاقة الهشة تكتسب بعض القوة و الثبات بيننا ..

تنفس سلطان بعمق قائلًا :" أنت محقة .. هناك شيءٌ ما يحصل .. و لكن هل ستصدقينني إن قلت لك أن معرفتك بالأمر ستزيد من ألمك ؟! "..

" ما حجم خطورة الذي يحدث ؟! "..

" لا أعلم .. حقًا لا أعلم .. قد يكون خطيرًا لدرجة أنه يسلب الأرواح .. و يهدر ما تبقى لنا من العمر "..

" هل ستكون بخير يا سلطان ؟! "..

" نعم .. بإذن الله سأكون .. و لكن الأهم من ذلك أنكما بخير عند عائلتك , سينتهي كل شيء عمّا قريب "..

" حتى الذي بيننا ؟! "..

" إن كنت تقصدين الانفصال , فبالطبع لا .. و لكن سينتهي الوضع المزري الذي كنّا نعيش فيه .. حيث لا أعلم شيء عنك سوى رؤوس الأقلام .. سأعوضك عن هذا كله .. أعدك "..

شيءٌ بدأ يكبر داخل دلال .. شيء لم تشعر به أبدًا ..

إنه ذاك الانتماء لمخلوق يكفيها عن العالم بأسره ..

كيف لقليل من الكلمات أن تعيد تلك البشاشة المفقودة من وجهها الفاتن ؟! ..

لطالما شعرت بالأمومة تجاه ذاك النحيل أكثر من شعورها بالهيام كلما لمحته ..

انتابها شوق مفاجئ بأن تعانق يديه و تقبلها و تهمس له بكلمات قد تكون الأخيرة ..

لقد أخبرها للتو أن ما يعانيه قد يهدر ما تبقى لهم من العمر ..

لكنهم لا يزالون في مقتبل العمر .. أرواح يافعة و قلوب عانت الكثير قد يكون خلاصها عمّا قريب ..
لقد بلغت الثلاثين من عمرها و هي لازالت تحلم بما يحصلن عليه النساء في عمر أبكر ..

و زوجها الحاضر الغائب .. يكبرها بثلاث سنين فقط ..

لا يعلمان حقًا كيف مضت بضع سنوات منذ زواجها .. هناك الكثير ليعوّض .. و الكثير ليقال و يُفسر .. المسألة تحتاج لبعض الوقت فقط .. أو الدهر بأكمله .. !

" كن بخير أرجوك .. "

" ان شاءالله , سأعود قريبًا .. "

" إنهم يضايقونني , لا تطل الغياب .. لم أعد أنتمي إلى أحد سواك .. "

" أقلت يضايقونك ؟! "..

" نعم .. كانوا و لازالوا .. لا تتأخر .. لا يكّفون عن سؤالي بشأنك .. "

" إن سألوكِ مرة أخرى عني .. فقولي لهم بأنه يحبني .. يحبني كثيرًا "..

ابتسمت بخجل و هي تنظر حولها .. تريد أن يسمع الكل ذاك .. تريد أن تصرخ بما قاله لها للتو .. لا شيء من الممكن أن يخرجها من ثمالة السعادة التي غرقت فيها ..

" استودعتكم الله .. " أغلق هاتفه بسرعة قبل أن يسمع ردها .. و نهض متجهًا إلى سيارته ..

ملقيًا نظره على المغلفات المتبقية بجانبه ..


********

في إحدى سيارات الأجرة .. جلس بتوتر و هو يعلم بأن دوره في هذه الحرب القديمة قد انتهى ..

متوجهًا نحو أعز من يملك من البشر , ذاك الذي شاركه أكثر من 30 عامًا من الصداقة ..

تلك الصداقة التي تجعله يتنازل عن جميع القيم من أجل الحصول على ابتسامة رضا من الطرف الآخر ..

وصل إلى وجهته و صعد إلى مسكن رفيقه .. و كالعادة .. يُفتح الباب له قبل أن يطرقه ..

ذاك الحدس المشترك بينهما .. هو ما أبقى كل شيء قائم حتى الآن ..

" فيصل , كيف تسير الأمور معك .. ؟"..

" لقد انتهينا من هذا السؤال منذ فترة أليس كذلك ؟! .. لقد بدأنا بتنفيذ ما خططنا من أجله ..عليك أن تسألني .. ماذا سنفعل بعد ذلك .. "

" أنا مرهق .. مرهقٌ جدًا .. " .. قال عبدالرحمن و هو يستلقي على الأريكة في غرفة الجلوس ..

" نم يا عزيزي .. لقد أتممت دورك بأحسن مما توقعت .. "

و لكن عبدالرحمن كان نائمًا بعينيه فقط .. و هناك ذكرى و مشاهد لا تفارق عقله أبدًا ..

تلك الصور و الأًصوات التي تنسج المشهد من جديد في خلايا عقله .. لقد مضى زمن عليها ..

زمن طويل جدًا ..

و لكن لماذا لا تزال تهاجمني حتى الآن ؟! .. يبدو لأن آثار هذه الذكرى بدأت تظهر الآن في واقعي .. و تعذب من ظلَم .. و تأخذ بثأرنا كلنا ..

إنها ذكرى تلك الليلة .. التي قلبت حياتنا جميعًا رأسًا على عقب ..


---


منذ 22 عامًا .. و في مكان شبيه بهذا المكان ..

سقط فيصل ذو الـ 25 عامًا صريعًا على الأرض ..

و قد تآمرت خلايا جسده على إيقاف قلبه .. و تصبب وجهه اليافع عرقًا ..

و ضخت عروقه الدم إلى محاجر عينيه التي أصبحتا كجمرتين ملتهبتين ..

ركض عبدالرحمن الذي كان بنفس عمره نحوه .. ممسكًا وجه رفيقه برعب و هو يصرخ :" فيصل , فيصل ماذا أصابك ؟؟! "..

لم تكن هناك أجوبة صادرة من فيصل سوى تلك الشهقات و الصوت الداخلي لصدره الذي كان على وشك أن يهدأ للأبد ..

حمل رفيقه بين يديه و قد احتبست الدموع في عيناه .. و هو يرى شريك طفولته و حياته على وشك توديع ما تبقى له من عمره ..

لم يكن هناك الكثير من الوقت لاستدعاء الإسعاف .. فقد وضع عبدالرحمن فيصل في المقاعد الخلفية لسيارته و هو يشق طريقه بسرعة جنونية نحو أقرب مشفى ..

و ما أن وصل حتى توافد الممرضون لأخذ فيصل الشاب المودع نحو إحدى غرف الطوارئ ..

و زرع الأجهزة بجسده و زرع جسده وسط الأجهزة .. محاولين بجهد قاتل إعادة إدخال الروح في هذا الجسد المتهالك الضئيل ..

كان عبدالرحمن يشاهد كل شيء ببعض الشلل المؤقت في حركته ..

لم يستطع الحراك من مكانه .. و لا حتى لفظ دعوة لله لتخرج فيصل مما فيه ..

لقد كان عبدالرحمن في أشد لحظات حياته صمتًا و انكسارًا .. و عينيان تحكي سنين المعاناة التي تحملها في داخله من أجل صداقة أرادها أن تصمد مدى الحياة ..

كان يحدق في ذارعي فيصل ذات البقع السوداء و الزرقاء و بعض النتوءات المؤلمة ..

لقد كان سبب نوبته القلبية واضحًا للغاية .. !

و لكن السبب الأول كان غائبًا عن هذا المشهد الأخير من فيصل القديم ..
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 07-11-2016, 02:42 AM
 


14



أحيانًا يكون الصمت هو ردة الفعل المناسبة لتلك الأحداث التي تربط ألسنتنا تمامًا ..

تلك الأمور التي توقفنا عن التفكير و تجعل الزمن يتوقف عن المرور علينا ..

عندها لا نمتلك سوى تلك التنهيدة التي تُخرج معها ملايين من ذرات الهواء , و التي كنّا من الممكن أن نخرجها على شكل حروف و عبارات .. و لكننا ببساطة عجزنا عن ذلك ..

يحدق هذا الشاب الفتّي بما بين يديه , و لا يتحرك منه سوى جفنيه .. :

لا أصدق .. حتى و إن رأيت الأمر بأم عيني لن أصدق .. !!

لا يمكن لذلك الوقار أن يكون مجرد تمثيلًا .. !

لقد عرفت والدي أكثر من أي أحد على هذه الأرض ..

كيف يمكن لبعض الصور الموضوعة في مغلف أن تضعني وسط هذا الكم من الشك ؟! ..

و لكنها .. و لكنها تبدو واقعية للغاية ..

لكن ما اذا كانت الصور لا تحتاج إلى كلمة ( تبدو ) ..؟

ماذا إذا كانت واقعيةً فعلًا .. ؟!

4 صور مختلفة ..

4 صور مملوءة بأجساد تبدو و أنها تتلوى طربًا و شهوةً و نشوةً أيضًا ..

4 صور مختلفة و لكن أمرًا واحدًا هو الثابت فيها ..

إنه وجه و جسد أبي القابع بين هذه الأجساد ..

نساءً و رجالًا .. البعض منهم واعٍ و البعض كان قد أنهكته تلك السوائل ذات اللون و الرائحة المميزتين ..

أحدهم ممسكًا بفتاتين .. و تحاوطه الباقيات من كله جهة ..

و أحدهم ساقطًا أرضًا و ينتشل الجميع ماله من كل جيب ..

و البعض يتظاهرون بالشرف و الوقار .. و قد اتخذوا لأنفسهم مكانًا في زاوية الغرفة ..

لقد كان محتوى الصور واضحًا للغاية .. و ليس هنالك داعٍ بأن استرجع ما شاهدته فيها ..

إنها تبعث بالخوف و الرهبة في النفس لمجرد السماع عنها .. أو استراق لمحة منها ..

لكن ماذا إذا كان أعز الناس يتوسطها ؟! ..

أعاد بدر الصور إلى المغلف ببطء .. و قد تلاشت كل الكلمات من صدره ..

كان يفكر بأن عليه أن يتخذ موقفًا تجاه ما رآه للتو ..

و لكن ما الموقف الصحيح تجاه هذا الأمر ؟!

أيصدق حواسه و عيناه و ما لامست يداه ؟! ..

أم يصدق قلبه الواثق من طهارة أبيه الذي عايشه لـ 21 عامًا .. ؟!

كان ذاك أشنع صراع قد يواجهه بدر في حياته بأكملها .. صراع ما بين العقل و القلب ..



**********


يمشي في طرقات العاصمة التي يحفظها عن ظهر غيب .. و التي تلقى تدريباته الأمنية و العسكرية في مختلف أرجائها ..

كان قد وصل من الخرج في أقل من ساعة .. و كأنه يسابق عقارب الساعة معلنًا لنفسه أن لا مجال للتباطؤ أمام ما يحصل ..

وقف عند إحدى الإشارات الحمراء و أخرج هاتفه بسرعة و هو يتذكر الصفحة التي أراه إياها ابنه وليد ..

دخل إلى محرك البحث العالمي و هو يبحث عن اسم ( عادل سليمان ) ..

و سرعان ما ظهرت له ملايين النتائج من مواقع تواصل و صحف إلكترونية و مقالات مختلفة ..

دخل إلى أول رابط ظهر له في الأعلى .. الصفحة الرسمية لعادل على موقع " تويتر " ..

قرأ تلك التغريدة المشيرة للموقع الأول من هذه المتاهة التي يبدو بأنها ستطول ..

قرأها عدة مرات و الحيرة تتلبسه أكثر في كل مرة ..

فطلب رقم أحد رجال المرور الذين يعملون تحت يده في الخرج ..

طالبًا منه بأن يزوده برقم بدر سليمان .. و بسرية تامة ..

حفظ الرقم على هاتفه و قام بطلبه ..




**********



أدخل الصور في المغلف و هو يضع أصابعه على عينه بإرهاق محدثًا نفسه :

لقد خارت قواي بالكامل من أول مغلف .. و تراكمت جبالًا من الهم على صدري ..

لا أعلم ماذا أقول بالضبط .. هل أقول سامحك الله يا أبي على ما أوقعتني فيه ؟! ..

أم أقول حسبي الله على من وجد هذه الثغور في أفعالك ليهلكني أنا ؟! ..



أعاد رأسه إلى الخلف بضيق و هو يخرج هاتفه ليعاود الاتصال بعبدالرحمن .. و لكن سرعان ما قطع فعله ذاك الاتصال من رقم مجهول ..

خمن بدر أنه قد يكون ذاك المعتوه و يريد أن يضغط عليه بالكلام أكثر .. رد على الاتصال بارتباك :
" نعم ؟! "..

و لكن الصوت في الطرف الآخر لم يكن صوت فيصل الخشن الأجش .. لقد كان صوتًا صارمًا واضحًا ..

" بدر ؟! .. ما الذي يحصل ؟! "..

"من أنت ؟! "..

" أنا سيف .. العقيد سيف عبدالله , ما الذي يجري ؟! .. تصلنا يوم أمس أنباء عن اختفاء والدك .. و اليوم هو يقيم بعض المبادرات الشبابية الوطنية عن طريق حسابه ؟! .. ".

ارتبك بدر من صرامة هذا الرجل و جديته .. و قد كان آخر ما يتمناه هو أن تتم ملاحقته قانونيًا وسط هذه الأحداث الغير منطقية ..

لقد كان موقنًا بداخله أن العقيد لن يجعل الأمر يمر من أمامه مرور الكرام .. و قد تذكر نظراته المملوءة بالشكوك عندما غادر القسم مع عبدالرحمن ..

" أيها العقيد .. إن الوضع ليس كما تظن "..

" ما الأمر إذًا ؟! .. لديك بضع دقائق فقط لتعطيني شرحًا وافيًا لهذه المهزلة .. أو سأضطر أن أجعلك تبيت لياليٍ عديدة في القسم .. "

" اسمع .. آخر ما احتاج إليه الآن هو تهديد آخر .. لن أستطيع أن أخبرك بما يحصل و لن أفعل .. كل ما سأقوله هو أن والدي لا يزال مفقودًا .. و أنا أتعرض للابتزاز من أجله .. ليس هناك شيء آخر لأقوله "..

أغلق بدر الهاتف قبل أن يسمع الرد .. و قام بحفظ رقم العقيد على هاتفه حتى يتفادى الرد عليه مرة أخرى ..

قام بمعاودة الاتصال على عبدالرحمن الذي كان في عالمًا آخر تمامًا ..

أما العقيد فقد أدرك للتو أن حادث السير ذاك كان مركبًا من قبل بعض المبتزين .. و أن عادل سليمان ( مخطوفًا ) و ليس ( مفقودًا ) ..

أكمل العقيد سيره باتجاه الموقع الأول و الذي وصل إليه بسرعة .. و هو متأكد من أنه سيجد بدر في مكان ما هنا ..

مشى لمسافة بعيدة بعض الشيء عن الإشارة المذكورة في التغريدة ..

أما بالنسبة لبدر .. فقد لاحظ سيارة كبيرة بيضاء اللون من نوع الدفع الرباعي .. و هي تدور حول المكان باستكشاف .. غطّى وجهه بغترته و هو يحاول استراق النظر إلى تلك السيارة .. و سرعان ما لمح العقيد سيف في داخلها بلباسٍ غير عسكري .. و هو يتلفت في جميع الجهات ..

أسرع بدر لتشغيل سيارته باستخدام نسخة من مفاتيحه بعدما أعطى عبدالرحمن المفاتيح الأصلية .. و قرر الابتعاد عن هذا المكان بقدر المستطاع ..

كانت الساعة قد اقتربت من السابعة مساءً .. و بدر في انتظار الموقع الثاني و هو يهرب مبتعدًا .. !

أما العقيد سيف فقد قرر ملاحقة بدر عن طريق المواقع و التغريدات .. و محاولة مجاراة الذي يحصل بتسلسل منطقي .. و قد لاحظ الارتباك و الخوف على صوت بدر عن حديثه .. و ذِكره بأنه يتعرض للابتزاز .. !!

حدّث العقيد نفسه : " الأمر واضح جلِي .. حساب عادل مخترق و هناك من يحاول استنفار الجميع بالبحث عن شيء ما .. لا يمكن لهذه المبادرة أن تكون شريفة .. سأتتبع هذه المواقع و أرى إلى أين ستأخذني ..! " ..




**********



خرج من المقهى مارًا بسيارته لأخذ المغلف الثاني .. و بدأ بالمشي على الرصيف بمحاذاة بعض محلات الحلويات الشهيرة .. توقف للحظات بجانب أحدها .. و هو يدس المغلف بسرعة و عناية في الموقع المحدد ..

أكمل المشي ليعود إلى سيارته و يسير باتجاه الموقع التالي ..

و لكن قصة قديمة كانت قد حضرت إلى ذهنه في تلك الأثناء .. و كأن هذا اليوم هو يوم الذكريات و القصص التي صنعت حاضر الجميع ..

قصة أخبره بها أخوه عندما كان سلطان في الحادية عشرة من عمره .. قصة وقعت قبل 22 عامًا !! ..

سرد خالد أخو سلطان - و الذي يكبره بـ 12 سنة - ما حصل معه في مكان عمله .. عندما كان يدرس الطب البشري و يطبق في إحدى مستشفيات الرياض .. وهو في 23 من العمر ..

كان الجميع يقوم بعمله و قد عمّ المستشفى جو من الهدوء النسبي .. و لكن كسر ذاك الهدوء صراخ أحدهم و هو يدخل إلى قسم الطوارئ حاملًا بين يديه جثة هامدة ترتعش بشكل غريب ..

كان خالد واقفًا مع زملائه من طلاب الطب بالقرب من طاولات الإستقبال .. حينما التفتوا بخوف إلى ذاك المرعوب و ما يحمله بين يديه .. و الذي يصرخ مرددًا :" ساعدوه أرجوكم .. بسرعة لا تقفوا هكذا !! .. أحضروا بعض المساعدة هيّا .. "

اتجه خالد و أصحابه إليه و قد تبعهم العديد من الممرضين وهو يسحبون سريرًا ليضعوا ذاك المتهالك عليه .. كانت هذه أول مرة يرى فيها خالد شخصًا متعبًا بهذا الشكل على الرغم من مجيئه المتكرر للمستشفى .. وقف بالقرب من باب الغرفة و هو يرى الأطباء يعانون جاهدين لإنعاش هذا الشاب ..

سمع خالد الرجل الذي أتى حاملًا صاحبه وهو يزود عامل الإستقبال بالمعلومات و هو يتحدث بتردد و يرتعش خوفًا :" اسمه فيصل , إنه فــ في الخامسة و الــ و العشرين "..

همس خالد لنفسه عن مدى صغر سن هذا المسكين , في الخامسة و العشرين !! ..

لم ينس خالد ذاك الاسم أبدًا .. فيصل ..

أول حالة طوارئ شديدة يشاهدها على مدى سنوات دراسته كاملة .. !!

ظل ذاك الاسم محفورا في عقله إلى هذا اليوم .. تساءل خالد في نفسه :" ماذا أصابه يا ترا ؟! .. لم يكن ينزف .. لقد كان يرتعش فقط .. !! " ..

دخل خالد في حالة من السكون و هو يشاهد ذاك الشاب الآخر - و الذي يبدو صغيرًا أيضًا - واقفًا بالقرب من صاحبه بحالة من الشلل في الأطراف .. وحدها عينيه كانت تحكي كل شيء ..

يبدو بأنه كان قريبًا جدًا إلى قلبه .. أهو صاحبه أم أخاه ..؟

اقترب خالد من ذاك الواقف بعينين تبكيان خوفًا و انتظارًا للحياة بأن تعود لذاك الجسد .. وضع يده على كتفه بهدوء قائلًا :" تعال معي .. ".

مشى خالد برفقته وهو يُجلسه على إحدى الكراسي .. بينما وضع ذاك رأسه بين يديه و بدأ بالبكاء المكتوم و حرقة تخرج من طيات قلبه على أعز أصحابه ..

" استعذ من الشيطان .. و قل لي ماذا حصل ؟! "..

تحدث ( عبدالرحمن ) بصوت هامس :" لا أعلم , لقد .. لقد سقط فجأة وهو يرجِف .. لا أعلم ماذا حصل !! .. يا إلهي .. اللهم لا تجعلني أتذوّق مرّ فقدانه .. " .. استمر عبدالرحمن بالدعاء وهو يبكي بصوتٍ مؤلم ..

لم يتمالك خالد نفسه .. و قد امتلأت عيناه وهو يرى عبدالرحمن يضع يديه على جبينه و يبكي و يتنفس بصعوبة ..

عاد خالد إلى المنزل بعد انتهاء عمله , ليجد عائلته مجتمعة في غرفة الجلوس .. خلع معطفه الأبيض و هو يجلس بجانب والدته و قد احمرت عيناه من البكاء ..

سأله الجميع عن السبب .. و قد سرد لهم القصة كاملة و هو يتحدث بحماس عمّا حدث ..

أما سلطان فقد كان يستمع بهدوء و هو يجلس بجانبه والده و يرى مدى الحماس الذي يتدفق من عيني أخاه و حديثه عن إنعاش المريض الذي أتاهم اليوم .. و قد رسخت القصة في عقله كأي طفل صغير .. !



**********


يدُور في تلك الغرفة مجيئًا و ذهابًا .. يحدق في يديه المحروقتين تارة .. و في ذاك النائم تارة أخرى ..

غدًا .. غدًا سينتهي كل شيء .. كل شيء بالنسبة لي ..

كم انتظرت هذا الوقت ليأتي و هذا الشعور ليباغتني و يزف إليّ خبر راحتي المنسية .. لم تعد البهجة و السرور حكرًا لعادل و ابنه .. سيكون لي نصيبًا منها ..

توجه فيصل إلى عبدالرحمن الذي بدا بأنه يغط في سبات عميق ; نتيجةً للسفر و الإرهاق الذي عانى منه و هو برفقة بدر منذ الصباح ..

أدخل يده بخفة إلى أحد جيوب عبدالرحمن و سحب مجموعة من المفاتيح المرتبطة ببعضها بواسطة حلقة صغيرة .. بدأ بتقليب المفاتيح بين أصابع بهدوء و هو يتأملها و يصنفها .. مفتاح لسيارة عبدالرحمن , و آخر خاص بالبوابة الإلكترونية , و مفاتيح أخرى ..

و لكن واحدًا منهم كان ذا لون فضيّ مميز و تغلفه بعض طبقات الصدأ الخفيفة .. أخرج فيصل هذا المفتاح بهدوء و هو يتذكره تمامًا و كيف أن يومًا من الأيام كان هذا المفتاح مِلكهُ لفترة من الزمن ..

كان يتمنى لو أنه أخذه من عبدالرحمن منذ فترة و لكن لم تسنح له الفرصة ذلك .. دسّ فيصل المفتاح في جيب بنطاله و عاد ليضع البقية في جيب عبدالرحمن مرة أخرى ..

وضع يده على خد عبدالرحمن وهو يضربه بخفة ليوقظه :" عبدالرحمن , عبدالرحمن استيقظ "..

فتح ذاك عينيه بتعب هامسًا :" ماذا ؟! .. ما الأمر ؟! .. "

" لا شيء .. أريد أن أقول لك بأنّي ذاهب لمكان قريب من هنا .. حسنًا ؟! "..

" نعم بالتأكيد .. انتبه لنفسك "..

خرج فيصل من شقته .. نازلًا تلك السلالم التي حوّلها الصدأ إلى أوراقٍ هشة قابلة للسقوط في أي لحظة !! ...

و ما أن وصل إلى مخرج العمارة .. حتى داعبت وجهه نسمات الصيف الدافئة .. أخذ نفسًا عميقًا و هو يمشي إلى وجهته ..

" لقد مر وقتٌ طويل منذ أن خرجت من تلك الزنزانة الكئيبة ..

هناك وجوه جديدة تعبر الحي .. محلّات حديثة الإنشاء على وشك الافتتاح ..

و لكن لماذا أُحس بأنني غريب عن هذا العالم بأكمله .. !؟

و خجل يباغتني في كل مرة أنوي فيها الخروج و المشي في هذه الطرقات ؟! ..

لا يعقل بأن الروح التي في داخلي بدأت بالانكماش تدريجيًا ! .. أخجل من التعرّف على أحد .. أو مصافحة أحدهم ..

أو حتى الإعتذار عندما يضرب كتفي أحد المارّة ..

مقابل كل ذرّة قسوة توجد في قلبي .. يوجد هناك ضعف متأصل في روحي ..

لم أعد أنتمي إلى مكان ولا لأحد .. ها أنا أمشي و لكن بحسرة قديمة تفتت خلايا ذاكرتي ..

لم أفعل شيئًا صحيحًا واحدًا في حياتي .. و أنا أعترف .. و لكن في المرات التي احتجت فيها أن يعدل أحدهم أخطائي .. كان الجميع يسخرون من عيوبي .. يهمشونني كما لو كنت فيروسًا يخشون على أنفسهم منه ..

و لكن لا ألومهم .. فأنا حقًا سيء .. لم أجد من يدفعني للحسنى و يعدل من خطاي .. أنا سيء و معجبٌ بسوئي .. "

وصل فيصل إلى وجهته محملًا بنواياه الغامضة و حديث النفس الذي يتلاعب بعقله .. كانت وجهته هي محل صغير في زاوية الشارع لـ نسخ المفاتيح و صنع الأقفال ..

دخل إلى المحل و هو يخرج ذاك المفتاح من جيبه .. استغرب الموجودين شكله و كيف أنها أول مرة يرونه فيها .. و ليس لديهم أدنى فكرة بأنه عاش هنا أكثر منهم جميعًا .. !!

طلب منهم صنع نسخة من المفتاح .. و ردّوا قائلين بأنه سيستغرق بعض الوقت .. ترك المفتاح لديهم و خرج ليشتري له بعض الماء البارد ..

فمنذ فترة طويلة وهو لا يشرب سوى من ماء الصنبور .. على الرغم من محاولات عبدالرحمن الكثيرة لردعه عن فعل ذلك .. و شراء بعض الماء البارد له , إلا أنه كان دائم الرفض ..

و لكن اليوم كان مختلفًا بالنسبة له .. و بشعور جديد يملأ قلبه .. قرر الخروج و المشي و شراء الماء و الحديث مع البعض لثواني !! ..

عاد لمحل المفاتيح و استلم نسخته وهو يضع المال على الطاولة دون أن يكلف على نفسه النطق بـ شكرًا ! ..

كان يمشي عائدًا إلى شقته عندما شعر بشيء يضرب ظهره بخفة .. توقف للحظات و هو يغمض عينيه محاولًا كبح غضبه السريع ..

استدار ليرى طفلة صغيرة واقفةً بجانب أخًا لها و هما يحدقان فيه بخجل ..

تقدمت تلك الصغيرة منه بهدوء هامسةً :" عذرًا .. لم أقصد أن أرمي الكرة عليك .. "

أطال التحديق فيها بابتسامة جانبية لا تكاد تُرى .. معترفًا لنفسه بأن اليوم هو غريبٌ حقًا .. فالابتسامة لم تكن لتعبر شفتاه سوى مرة واحدة في السنة ..

أكمل مشيه و صعد إلى شقته و هو يدعي الله سرًا أن يكون عبدالرحمن لا يزال نائمًا !! ..

دخل ليرى ذاك لا يزال مستلقيًا بإرهاق .. فرِح لذلك وهو يتقدم منه بهدوء و يعيد ذاك المفتاح الفضيّ إلى إخوته في تلك الحلقة الصغيرة ..

توجهت عيناه إلى الغرفة التي وضع عادل فيها .. اتجه إليها و هو يحمل قارورة الماء التي اشتراها منذ دقائق ..

دخل متجهًا إلى عادل .. وأمسك بفكيه و هو يدخل طرف القارورة في فمه و يسكب بعض الماء بخفة .. استيقظ عادل على تلك البرودة التي سرت في جوفه .. لتلتقي عيناه بفيصل ..

تحدث فيصل بهدوء :" أرأيت ؟! .. أنا لست سيئًا إلى ذاك الحد .. " أخذ القارورة مجددًا و سكب القليل على رأس عادل و هو يقول :" يبدو بأنك مصابٌ بالسكر .. أليس كذلك ؟! "..

لم يستطع عادل الرد .. فقد كانت قواه معدومة تمامًا ..

نطق فيصل بسخرية :" غريب ! .. إننا في نفس العمر ولم أُصب أنا بأية مرض ..! "..

" لم تصب بمرض .. و لكنك جلبته لنفسك و بمالك .. " قال عادل بصعوبة و بصوت متعب وهو يحدق في ذراعيّ فيصل ذات الخدوش و البقع السوداء المزرقّة ..

نهض فيصل و هو يخرج من تلك الغرفة .. تاركًا عادل غريقًا فيها مرة أخرى ..

و توجه نحو خزانة في غرفة مجاورة .. خزانة لا تحمل سوى بضع الملابس المكوّمة بإهمال و بعض أشباك العناكب المنتشرة بداخلها ..

أدخل يده تحت الملابس ليخرج صندوقًا صغيرًا كان قد احتفظ فيه لأجَلٍ غير مسمى .. نفض الغبار عنه و هو يفتحه بخفة ملقيًا نظره على محتواه ..

أخرج ما بداخله و هو يتأمله بتفحص ..

( سكين صغيرة مصقولة و مسنونة بعناية .. )

لم يستخدمها قط من قبل .. منذ أن حصل عليها وهو يضعها في ذاك الصندوق بنيّة غير محددة .. و لكن الآن و قد اتضح ما ينوي فعله .. أخذها و هو يدسّها في يده ..

رمى بالصندوق داخل الخزانة و أغلقها .. و اتجه نحو غرفة الجلوس ..

جلس على ذاك الكرسي المفرد الصغير و عيناه تعبران جسد عبدالرحمن من الأعلى و نحو الأسفل باستغراق!! ..

" قرر ما سوف يفعله , فنهض متوجهًا نحو عبدالرحمن و هو يمشي بهدوء و سكون ليس لهما مثيل !! .. "




... نهاية الفصل 14 ...
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 07-11-2016, 02:43 AM
 



15

6:56 م – جنوب الرياض


يتراجع إلى الخلف ببطء آخذًا السكين معه مجددًا و واضعًا إياها في جيبه , لاحظ تقلُّب عبدالرحمن بانزعاج ..

عاود الجلوس على الكرسي محدّثًا نفسه بأن انزعاج عبدالرحمن لم يكن سوى قطرة من بحر !! ..

قام بتمرير سبابته على باطن ذراعه اليسرى , محدقًا إلى تلك البقع التي بدأ لونها الداكن يخف تدريجيًا .. تذكر تلك الإبر الصغيرة النحيلة , و كيف أن مفعولها يعاكس حجمها تمامًا .. تلك الإبر التي تجعله يدخل في حالة من النشوة و الخمول القاتلين ! ..

لم يتوقع يومًا بأن ينتهي به المطاف معزولًا و منسيًا بجانب إدمانه للمخدرات بشكلٍ لا محدود , و أن تصبح هذه المساحيق البيضاء و الإبر الرفيعة جزءً من ممارساته اليومية الأساسية , كالأكل و الشرب تمامًا ! ..

لم يستطع نسيان تلك الليالي القديمة البعيدة .. تلك التي أوصلته إلى ما هو عليه .. قبل 30 عامًا , و عندما كان في السابعة عشرة فقط , قرر بتصرفات متهورة أن يجعل حياته تأخذ منعطفًا خطيرًا و أبديًا ..

كان شابًا ناضجًا بقامةٍ طويلة و جسدٍ حيوي للغاية , جانبًا إلى بشرته الحنطيّة و ملامحه الوسيمة التي ورثها من والدته المتوفاة .. و بعينين حادتيّن للغاية بلونها الفاتح الذي يُجبِر الجميع على التحديق إليها لوهلة من الزمن ..

في إحدى الليالي - والتي تشابه التي قبلها - خرج من المنزل لوقتٍ متأخر دون علم والده الصارم قاسي الطباع .. شعر بالسعادة و هو يكرر اختراق إحدى أهم القواعد التي وضعها والده : لا خروج من المنزل بعد الساعة التاسعة مساءً ! ..

كان كثير التساؤل حول تصرفات والده القاسية , و مع كل مرة يتواجه فيها معه و يحتدّ النقاش , كان يدعو لوالدته بالرحمة سرًا .. فمنذ رحيلها عن الدنيا و والده لا يتعامل معه و مع إخوته سوى بالصرامة و الحزم , ظنًا منه بأن المنزل سينضبط بهذا الأسلوب و أنه سيتمكن من أخذ دور الأب و الأم في آن واحد ! , بعدما كان شديد الاتكال على زوجته اللطيفة , قررت هي تركهم و التحليق عاليًا بروحها الطاهرة ..

مشى فيصل الشاب نحو إحدى الاستراحات التي كان يتردد إليها مؤخرًا , بعدما تسلل من المنزل بنجاح , جلس مع أصحابه و قضوا الليل كاملًا بلعب الأوراق و التدخين , بينما البعض منهم كان يشاهد المباريات الدورية بصحبة شيشة طويلة يملأ دخّانها المكان بأكمله ..

و مع اقتراب وقت الفجر كل يوم , يكون فيصل قد استلقى بخمول و كسل شديدين بعدما امتلأ أنفه و فمه بمسحوقٍ أبيض كان يزوده به أحد أصحابه ..

و في كل مرة كان يدفع نفسه للنهوض بصعوبة متوجهًا لصلاة الفجر قبل حضور والده .. و في كل مرة كان ينجو من كشف أمره , و يعيد الكرّة في اليوم التالي ..!

أيقظ فيصل نفسه من ذكريات المراهقة السيئة .. هامسًا لنفسه :" كم كان الطيش يملأني ! .. و ذاك الشعور بعد التعاطي .. لم يكن يعادله شعور أبدًا .. و لكن المشاعر التي كانت تُسعِدُني قتلتني .. يا للسخرية! .. "

نظر إلى الساعة المشيرة للسابعة مساءً .. أخذ هاتف عادل و أعلن عن الموقع الثاني من هذه السلسلة المنهكة لبدر ...



**********



أمسك بهاتفه الذي أصدر تنبيهًا على وجود تغريدة جديدة بينما كان يتخطى السيارات بسرعة , كان الآلام في رأسه تزداد كل ثانية , و هو يجهل إن كان سيقدر على إكمال مسيرة البحث أم أنه سيفقد قِواه أمام كل هذه الفوضى .. !

قرأ التغريدة المشيرة للموقع الثاني مرارًا و هو يبحث في لوحات الطرق عن أقرب طريق يوصله إلى الموقع , و مع مرور الوقت كان بدر يفكر بجديّة حول أمر العقيد سيف , هل يخبره عن الأمر ليكسبه في صفّه ؟! .. أم يستمر في البحث لوحده و يتخلص من المغلفات ثم يُطلِعهُ على الأمر ؟! ..

كان بدر في أوّج حيرته و هو يفكر في ذلك :" العقيد إن علِم عن حقيقة الأمر فستكون مساعدته كبيرة جدًا , و لكن ماذا إذا استعان بأفراد الشرطة ؟! و نفّذ ذاك المعتوه تهديده بشأن قتل والدي ؟! .. لا يمكن التكهن بما سيفعله أو ما يخفيه .. يبدو بأنني سأمضي في الصمت و أتجاهل أمر العقيد و آخذ حذري , و عندما ينتهي كل هذا و يتحرر والدي سأخبرهم عن كل شيء , و لكن ليس الآن .. "

كانت الطرقات تزداد ازدحامًا مع مرور الوقت , حيث تزيّنت الكثير من الشوارع و المركبات بالأعلام الخضراء و العبارات الوطنية , فيما توقف بعض الشبّان في وسط الطريق مسببين إعاقة كبيرة في السير , وذلك لينزلوا و يبدؤا بالرقص على أنغام تلك الأغاني الوطنية التي تصدح من سياراتهم , متفاخرين بكمية الاستهتار الهائلة التي يمتلكونها و يجعلون الجميع يتوقف بسببها !! .

ظل بدر عالقًا في السير لمدّة 15 دقيقة تقريبًا و وهو على وشك أن ينفجر غيظًا من تلك الممارسات الحمقاء , و لكنه يلوم في المقام الأول فيصل , الذي اختار هذا اليوم الغير اعتياديّ ليمارس فيه حماقاته و تهديده ! ..

كاد بدر أن ينزل و يكمل سيره مشيًا على الأقدام , و لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة عندما بدأت تمشي السيارات بشكل عمليّ .. اقترب بدر من المخرج الذي سيوصله للموقع و سرعان ما اجتازه بسهولة و هو يشق طريقه بسرعة .. فهو قد استوعب تمامًا أنه من اللحظة التي يُعلن فيها فيصل عن الموقع , سيكون المغلف في خطر حتى يجده , أو أنه سيقع في الأيدي الخاطئة و يحصل ما لا يُحمد عقباه ! . أزال بدر شماغه عن وجهه وهو يضعه على كتفه بعدما بدأ يتعرق بكثرة , كان يقترب أكثر من الموقع الثاني , و قد تمكن أخيرًا من الوصول خلال ثلث ساعة , ركن سيارته بالقرب من الموقع المذكور و غطى فمه و أنفه مرة أخرى بشماغه و هو ينزل و يكمل المشي على الأقدام . كان يتلفّت في جميع الجهات و يبحث بعينيه عن أي شيء مثير للغرابة .. و فجأة و دون سابق إنذار , لمح شابّان يمشيان نحو بعضها فيما كان أحدهم يحمل مغلفًا أبيضًا بين يديه و قد علَت على وجهه ابتسامة انتصار !! .

ظل بدر يحدق في ذاك المغلف غير مصدقًا عيناه , لقد حصل بالضبط ما كان يخشاه , و هو وقوع المغلف في أيدي صغار طائشين ..

علِم أنه يمتلك أقل من دقيقة فقط ليستعيد المغلف منهم بأكبر قدر من السرعة و الدهاء ! .. و إلا ستضيع تلك السمعة الثمينة , و ثقة الجميع و احترامهم ..



**********



اقتربت سيارته البيضاء من الموقع فركنها و نزل وهو يدور بعينيه على أرجاء المكان ..


(( حي الروضة , تقاطع شارع عبادة بن الصامت و شارع الأمير فهد بن جلوي .. ))


كان العقيد راكنًا سيارته عند محل حلوى شهير , بينما بدر كانت سيارته مركونة في الجهة الأخرى للمحل , مشى العقيد مسافة قصيرة عندما لفت نظره ثلاث شبّان يبدو أنهم على خلاف , وقف وهو ينظر إليهم و قد استغرب أن أحدهم كان يغطي وجهه بشماغ أحمر و يبدو منفعلًا للغاية ..!

بدأ العقيد يقترب منهم بهدوء حين اشتبكوا في شجار بينهم فجأة .. كانا شابيّن مقابل واحد .. بدأوا بتوجيه الركلات إلى بعضهم و اللكمات أيضًا .. و كان الشاب ذو الوجه المغطى يبدو و كأنه يريد انتزاع شيء منهم .. قال أحدهم للآخر :" خذ المغلف و توجه إلى السيارة , سأتدبر أمر هذا السافل لوحدي ". و ما أن همّ الآخر بالرحيل و تنفيذ ما طُلِب منه , حتى قام الشاب مغطى الوجه بالركض خلفه و إسقاطه أرضًا , داس على يده التي تحمل المغلف بقوة و انتزعه بسرعة , و لكن الشاب الذي خلفه هاجمه و قام بنزع الشماغ عن وجهه بقوة و كشف هويته .. و ضربه على فمه ثم دفعه أرضًا بشدّة ..

فتح العقيد عيناه بصدمة و هو يحدق في وجه بدر و قد نزفت شفته السفلية بغزارة .. ركض العقيد نحوهم صارخًا :" بدر , توقف مكانك , بدر "..

التفت الشابان إلى العقيد سيف , فاستغل بدر انشغالهما و أخذ المغلف من الأرض و فر هاربًا بسرعة .. أمر العقيد الشابان بغضب :" أوقفوه حالًا , هيّا , لا تدعوه يهرب .. "

نظر الشابان خلفهما فلم يجدا أحد , فقد كان بدر يحاول عبور الشارع و قد استاء السائقون و الركّاب بشدة منه و قد كادوا يدهسونه بسياراتهم .. عَبَر الشارع الأول و ذهب إلى الثاني , توقف أمام سيارة أجرة يقودها رجل آسيوي كبير بالسن , فتح بدر باب السائق بعنف و سحبه إلى الخارج دافعًا إياه على الأرض .. و ركب تلك السيارة و لاذ بالفرار بأقصى سرعته , كان العقيد يلاحقه بسيارته هو الآخر , و لكن بدر أخذ منعطفًا مفاجئً و قد اختفى فجأة داخل أحد الأحياء السكنية المظلمة و الهادئة ..

ظل العقيد يمشي في أنحاء الحي بحثًا عن بدر و لكن لا أثر له , بينما خرج بدر من ذاك الحي بعد دقائق و قد غطّى وجهه بإحكام و توقف بجانب إحدى محطات تعبئة الوقود .

أمر العامل بتعبئة خزّان الوقود بالكامل , و نزل هو متوجهًا إلى قسم تصليح السيارات , خفف من تغطية وجهه و توجه نحو حقيبة موضوعة على جانب أحد السيارات المعطلة , كانت الحقيبة مفتوحة و مملوءة بأدوات و معدّات التصليح , قام بأخذ مفتاح صغير للمسامير دون أن يلاحظه أحد , و عاد باتجاه سيارة الأجرة و مشى بعدما أعطى العامل مبلغًا كبيرًا من المال و طالبًا منه أن يحتفظ بالباقي .

مشى نحو إحدى الأحياء السكنية البعيدة بعض الشيء و هو يمشي بهدوء و يتوقف بجانب أحد المنازل المظلمة , نزل متوجهًا إلى خلفية السيارة و قد حمل معه مفتاح المسامير , نظر إلى لوحة السيارة بسرعة و قام بفك مساميرها و التخلص من اللوحات الأمامية كذلك , كان يعي تمامًا أنه سيكون ملاحقًا من قِبَل الشرطة لسرقته السيارة , و لكنه كان يردد في نفسه :" الغاية تبرر الوسيلة "..

ركب السيارة بعدما رمى باللوحات في القمامة , و جلس و هو يُخرج المغلف الثاني من جيبه الأيمن , فتحه بسرعة و سحب الصور التي بالداخل ..

كانت عبارة عن نُسَخ طِبق الأصل من تلك التي في المغلف الأول , أربعة صور مختلفة و وضيعة و الثابت فيها هو والده .

تذكر اللحظة التي لمح فيها الشابّان الصغيران - و قد كانا في الثامنة عشر تقريبًا - و هما ينظران إلى المغلف بتفحّص , لقد كادا أن يفتحاه عندما أتى بدر إليهم مسرعًا و قال :" عذرًا و لكن .. هذا المغلف لي "

قال الشاب الأول :" لا , إنه لنا .. لقد أعلن عادل سليمان عن وجود مغلف في هذه المنطقة .. و قد حصلنا عليه , هيّا اذهب من هنا "

بدأ بدر بمحاولة اختلاق كذبة مُقنعة , و قد قال بصوت واثق يشوبه بعض الغضب :" في الواقع هذا المغلف لي , لقد طار مع الهواء عندما كنت أضعه على مقدمة سيارتي .. المغلف الذي أعلن عنه عادل كان قد وجده بعض الأشخاص , لقد قال عادل ذلك على صفحته في ( تويتر ) .. يمكنكما التأكد من ذلك , و الآن هل بإمكاني استعادة مغلفي "..

نظر الشاب إلى صاحبه بإحراج , ثم أعطى بدر المغلف قائلًا :" نحن آسفان بشأن هذا , عذرًا .. "

ابتسم بدر بانتصار و هو يأخذه و يمشي عائدًا إلى سيارته و يلتفت إليهما بتوتر .. و لكن الشاب الآخر قال مستغربًا :" عذرًا و لكن .. لماذا تغطي وجهك بهذا الشكل ؟! "..

سمع بدر ما قاله و هو يسرع بالمشي , انتاب الشابان الشك بأنه كاذب , فلحقاه بسرعة و هما يسحبان المغلف منه بعنف .. أدرك بدر أن الكذب لن ينفع في هذا الموقف , و أنه لا مفر منهما سوى بالقوة .. فقرر استخدام العنف و الشجار للمرة الأولى في حياته على الرغم من طِباعه المسالمة ..

رنّ هاتفه فجأة و قد شق الصمت الذي غرق به , رفع هاتفه و كان العقيد هو المتصل , تردد كثيرًا في الرد و لكنه ترك الهاتف جانبًا و تجاهل الاتصال ..

كان عقله مشغولًا بعبدالرحمن بشكل لا يُصدق , حاول الاتصال عليه و لكن .. لا رد !!

رن هاتفه مرة أخرى و كان العقيد , سحب بدر نفسًا عميقًا و هو يرفع كتفيه و يخفضهما ليزيل توتره .. و قرر بذلك الرد على العقيد لعله يتفهّم الموقف ..

أتى صوت العقيد سيف غاضبًا و متجهمًا إثر تصرفات بدر :" ما الذي تحاول فعله ؟! .. إن هروبك و اختلاقك للمشاكل بهذا الشكل يجعلك المشتبه به الأول فيما يحصل لوالدك .. أتعلم ذلك ؟! .. "

" عقيد سيف , إن سلامة والدي مرهونة بصمتي , أتعرف ما يعنيه ذلك ؟! .. أية حرف أو كلمة سأقولها لك ستعرض حياة والدي للخطر .. إن مُختَطِفُه جاد جدًا , جاد بشأن كل ما يفعله .. اعذرني على ما سأضطر لفعله في الساعات القادمة , فإن الغاية تبرر الوسيلة .. عندما ينتهي كل شيء أعدك بأن أعطيك شرحًا وافيًا لهذه المهزلة .. و لكن ليس في الوقت الراهن .. في الواقع أريد منك أن تسدي خدمة إلي "..

" و ما الذي سيدفعني لتقديم أي خدمات إليك ؟! .. "

" لأن هذه الخدمة هي ما ستبقي والدي على قيد الحياة .. أريد منك عدم إبلاغ أي وحدات أمنية عمّا يحصل .. أو اللجوء لأفراد الشرطة لملاحقتي .. أيمكنك فعل ذلك ؟! "..

" أستطيع تتبع هذه المكالمة و معرفة موقعك .. و لكنني لن أفعل .. فأنا أصدقك جزئيًا .. لقد رأيت عيناك عندما أخبرتك بشأن فقدان والدك .. و تلك النظرات التائهة التي اكتست عيناك لا يمكن أن تكون تمثيلًا .. لقد قضيت كل سنوات عمري في هذا العمل .. و أستطيع تمييز الصادق مِنَ الكاذب .. لذلك أنا اختار أن أُصدقك و أعرض عليك إخباري بما يحصل يا بدر .. إن أنا صدّقتك فغيري لن يفعل ذلك .. "

" أنا آسف , حقًا آسف .. أتمنى لو أستطيع أن أكون عند حسن ظنك و لكن لن أستطيع إخبارك عن أي شيء .. سأفعل كل ما في وِسعي في هذه الساعات و أرى كيف سينتهي الأمر , بعد ذلك سأعطيك زمام الأمور بالكامل .. و لكن ليس الآن و ليس في هذه اللحظة .. "

أغلق بدر هاتفه بسرعة دون سماع الرد , و نظر إلى الساعة المشيرة إلى السابعة و أربعون دقيقة .. لقد استغرق وقتًا طويلًا ليتمكن من الفرار من العقيد و جعله يضيع في وسط الأحياء .. أعاد ظهره بإرهاق شديد وهو يتأوه بتعب .. يتمنى لو يستطيع أن يشتكي و يخبر أحدًا عمّا يحصل .. كم يتمنى لو بإمكانه إخبار الشرطة عن كل هذا و إنقاذ والده خلال دقائق , كان يفكر كثيرًا بتجاهل تهديد فيصل و اللجوء إلى الشرطة و لكنه لا يستطيع التنبؤ بما سيفعله فيصل عندما يعلم .. لن يضحي بوالده و يستدعي الشرطة بسبب لحظات عابرة من الإرهاق و الألم المفرطان .

قرر الاستمرار لوحده في كل هذا , و لا يزال عقله غير قادر على استيعاب كل هذه الأحداث التي حصلت خلال يوم واحد فقط , لقد فقد والده يوم أمس و ذهب إلى الخرج صباح هذا اليوم , التقى بعبدالرحمن و عاد بصحبته إلى الرياض و سرعان ما بدأ الإعلان عن تلك المواقع التي كانت تحمل له أسوأ الأسرار على الإطلاق ..

أخذه تفكيره إلى عبدالرحمن و قرر الاتصال به للمرة الألف ! .. و قد كان الأمل في قلبه يتلاشى مع كل مرة لا يجيب فيها ذاك ..

و لكن بدر تفاجأ عندما رُفع هاتف عبدالرحمن .. قال بدر بتردد :" عبدالرحمن , أتسمعني ؟! أين كنت يا رجل ؟! .. لقد قلقت جدًا بشأنك , كيف لك أن تختفي فجأة هكذا ؟ .. أأنت بخير ؟! .. "

لم يكن في الطرف الآخر سوى صوت أنفاس منتظمة .. و هدوء تام , كما لو أنه في مكان معزول تمامًا ..

استغرب بدر تجاهل عبدالرحمن له :" عبدالرحمن ما بِك أجِبني ؟! "..

" لِمَ أنت قلِقٌ إلى هذا الحد على عبدالرحمن ؟! "..

لم يكن ذاك صوت عبدالرحمن , و لكن بدر استطاع تمييزه على الفور ! ..

" أنت ؟! .. كيف وصل هاتف عبدالرحمن إليك ؟! "..

" أنا لا أمتلك هاتفه فقط , بل عبدالرحمن بأكمله في ضيافتي الآن .. "

تلفت أعصاب بدر تمامًا من تصرفات هذا المعتوه , صرخ بدر قائلًا :" أيها المريض الحقير , ماذا فعلت به ؟! .. أختطفته هو الآخر ؟! .. إن ما بيننا متعلق بوالدي فقط , ليس لعبدالرحمن شأن فيه .. إياك و أن تلمس شعرة منه أهذا واضح ؟! .. "

قال فيصل بهدوء :" أنا لست مريضًا حقيرًا , أنا فيصل , أما بشأن عبدالرحمن , فأنا لم اختطفه أبدًا , و إياك أن تدافع عنه و تهددني من أجله .. لأنك ستشكرني على ذلك يومًا ما ! .. "

" أشكرك ؟! .. لا علاقة لعبدالرحمن فيما بيننا , ضعه خارج الموضوع .. "

" انس أمر هذا البدين و أخبرني ؟ كيف تسير الأمور مع المغلفات ؟! "..

" إنها مزيّفة , أنا متأكد .. لم يكن والدي ماجنًا يومًا "..

" و لم هذه الثقة العمياء ؟ .. هذه الثقة ستوقعك في المصائب صدقني .. "

" مصيبتي الوحيدة هي أنت ! .. ماذا تريد ؟! .. لنفترض أنني وجدت جميع المغلفات , ماذا سيحدث بعدها ؟! لنفترض أنك استطعت اقناعي أن الصور حقيقة و أن والدي ماجنًا فعلًا .. ما شأن الجميع ليعرفوا هذا أيضًا ؟! .. لا أكترث إن فقد الجميع ثقتهم بوالدي و لم يعودوا ليحترموه , لا أكترث بشأن هذا أبدًا .. كل ما أكترث له هو استعادة والدي " ..

" و لم أنت غاضب لهذا الحد ؟! .. إن هذا اليوم الحافل فوائده عائدة إليك .. انظر للأمر من هذا المنظور , ستفقد بعض الكيلوجرامات إثر البحث و المشي الطويل " ضحك فيصل بشكل مُستفِز للغاية ..

صمت بدر لعدة ثواني ثم قال :" ماذا فعَل ؟! "

استغرب فيصل السؤال :" مَن تقصد ؟! "..

" أقصد والدي , ماذا فعل لك لتقوم بهذا كله ؟! "..

" عندما تستعيده بسلام , يمكنك سؤاله عن ذلك .. " أغلق فيصل الهاتف و أعاده إلى عبدالرحمن الذي نهض من نومه عند انتهاء الاتصال ..

" من كان ذا ؟! "..

" إنه بدر , لا عليك لقد تخلصت منه .. "

" شكرًا , لقد كنت أفكر في عُذر مُقنِع لغيابي .. كما أنني لن أتمكن من الاستمرار بالتظاهر معه و كأنني أكترث لشأنه "..

" و لكنك تظاهرت كثيرًا مع عادل أليس كذلك ؟! .. لأكثر من 28 عامًا و أنت تتظاهر "..

" أنا أفعل ذلك من أجلك , لقد أخبرتك مسبقًا بأنني سأفعل كل ما في وِسعي لأجلك "..

ابتسم فيصل وهو يحدق في عيني عبدالرحمن باستغراق , قال هامسًا :" لقد فعلت كل شيء لأجلي , لا أعرف كيف أشكرك حق الشكر .. أنت أعز من الأخ بالنسبة لي أتعلم هذا ؟! "..

" لا داعي لهذه الرسميات أرجوك , إن كنت تريد شكري حقًا, فعليك أن تُحسن التصرف بكل شيء أعطيتك إياه , أريد منك تحقيق ما كنت تنويه لعادل , و كل ما خططنا لسنين من أجله .. اتفقنا ؟ "

هز فيصل رأسه بالإيجاب , كان يتنفس بعمق و هو يرفع رأسه لأعلى قائلًا :" دعني أسألك عن أمر ما ! .. "

نهض فيصل و هو يشعل سيجارة و يضمها بين شفتيه , و أكمل قائلًا :" لا أريدك أن تغضب من سؤالي و لكن .. لماذا تقف معي ضد عادل و ابنه ؟! .. أعني بأنني أنا الذي عانيّت منه و كانت المشكلة بيننا نحن الاثنان .. لماذا اخترت الوقوف بصفي ضده ؟! "..

عاد عبدالرحمن للاستلقاء مرة أخرى على الأريكة , واضعًا ذراعه على رأسه , ثم قال :" دعنّي أخبرك شيئًا , على الرغم من أنك كنت مدمن في صغرك , و كنت في مشاكل عويصة فعلًا , إلا أنني لم أقدر على تركك تخوض في هذا الجحيم لوحدك .. أنت لم تكن أنت على حق دومًا , ولنكن صريحين بعض الشيء , لقد أخطأت كثيرًا في حياتك يا فيصل , لقد أوشكت على الموت بسبب ما كنت تتعاطاه , و لكن بالرغم من ذلك , لم أستطع أن أدير لك ظهري و أرحل , لم أستطع رؤية الجميع ينفضّون من حولك لتبقى وحيدًا , أنا معك بالرغم من عيوبك , و أنا لا أكترث بشأن العيوب لأنني لم أعد أراها .. أما عادل فخطيئته الوحيدة هي الجحود , إنها خطيئة لا تغتفر أبدًا "..

استند فيصل إلى الجدار و أكمل التدخين و كلام عبدالرحمن يدور في ذهنه , لاحظ عبدالرحمن أن فيصل قد بدأت تضيق ملامحه و كأنه مستاء من أمر ما ..

نهض عبدالرحمن و توجه إليه وهو يحاول تلطيف الجو :" لماذا لا أبحث لك عن زوجة ؟! "..

اتسعت ابتسامة فيصل و رد قائلًا :" لماذا لا تعود إلى النوم أرجوك ؟! "..

" أنا محق , لماذا لا تتزوج ؟! .. إنك لازلت تتمتع بالصحة و اللياقة , كما أن وجهك القاسي و ملامحك المتجهمة دومًا هي مطالب الفتيات في هذا الزمن "..

" حقًا ؟! .. و لِمَ قد ترغب الفتيات برجلٍ قاسٍ ؟! يا للحماقة !! "..

" لا أعلم , إن الفتيات مخلوقات بعقليات غريبة فعلًا "..

" دعنا لا نخوض في هذا الحديث الآن , فأنا لم أتحدث مع أنثى منذ عقود "..



**********



7:45 م



جالسًا في سيارته أمام أحد المحلّات التجارية و بالقرب من الموقع الثالث , و هو يستعيد تمامًا كيف دخل إلى هذا المنعطف الخطير في حياته ..

" لقد بدأ الأمر بأكمله قبل عدة أشهر , 9 أشهر على ما يبدو , لا أتذكر جيدًا , كنت أمارس عملي باعتيادية تامّة , أجلس على مكتبي بالقرب من باب مكتب عادل , أكتب له جداول أعماله الأسبوعية , أراجع بعض الأوراق معه , و أستقبل ضيوفه كل يوم و أطلب منهم الانتظار حتى ينهي عادل اجتماعه , كانت هذه أعمالي كسكرتير خاص و بعض الأعمال الجانبية الأخرى , أُغادر المكتب في العاشرة مساءً كل يوم و قد أنهكني العمل تمامًا , و لكن عِوضًا عن الذهاب إلى المنزل للنوم , كنت أتجه لأصحابي في إحدى الاستراحات القريبة من جنوب الرياض ..

كنّا قد اتفقنا على استأجارها لسنة كاملة و المجيء إليها بعدما يخرج كل منا من عمله , ذهبت إليهم و قد ملأ النوم عيناي ولكنني استطعت المقاومة , جلسنا سوية لبضع ساعات .. و عندما قاربت الساعة من الواحدة صباحًا كنا قد انهينا لعب الورق و اتفقت مع أحد الشباب المتواجدين للخروج و البحث عن مطعم مفتوح إلى هذا الوقت المتأخر .. توقف صاحبي بالقرب من أحد المطاعم المجاور لعمارة سكنية قديمة , نزل هو لطلب الطعام و أنا بقيت لانتظاره .

ولكن استوقفني أمر غريب بعض الشيء , كان أمام تلك العمارة سيارة مركونة أعرفها جيدًا , و عرفت لوحاتها و استطعت تذكر صاحبها على الفور , كانت تلك سيارة عبدالرحمن صاحب عادل منذ الطفولة , لقد كان في زيارة لمدة 3 أيام في الرياض , كان قد زارنا في المكتب مغرب اليوم السابق و قد جلس مع عادل يحتسي القهوة العربية و يتناقل أطراف الأحاديث معه , كان دائم الزيارة لنا , مرة كل شهر تقريبًا .. و كنت على علاقة جيدة و سطحية معه .. و لكن أثار فضولي حقًا وجود سيارته في هذا المكان و هذا الوقت , فهو لا يسكن هنا بل في منزل صغير يملكه هنا في الرياض , يبات فيه حتى وقت رجوعه للخرج .

حاولت تجاهل الأمر حتى رأيته خارجًا من تلك العمارة بهيئة غريبة فعلًا , فقد كان يغطي وجهه بشماغه , و لكني عرفته على الفور من عيناه و بنية جسده , و قد تزامن خروجه مع خروج صاحبي من المطعم و الجلوس بجانبي , كان صاحبي دائم المجيء إلى هذه المنطقة و هو يعرفها و يعرف معظم سكان هذا الحي , سألته و أنا أشير نحو سيارة عبدالرحمن :" غانم , هل تعرف هذا الرجل ؟! "..

نظر غانم إلى السيارة و أجابني على الفور و هو يعود بالسيارة إلى الوراء :" نعم , أنا لا أعرفه شخصيًا و لكنّي أراه معظم الوقت هنا .. "

" معظم الوقت , ماذا تعني ؟! .. أنا أعرف هذا الرجل إنه يدعى عبدالرحمن و هو من سكان الخرج , إنه لا يأتي إلى هنا سوى مرة في الشهر , يمكث لـ 3 أيام ثم يعود , و ليس لمعظم الوقت كما تقول ! "..

" لا أعلم يا سلطان , و لكني أرى هذه السيارة و هذا الرجل نفسه كثيرًا , كل يومان تقريبًا "..

هززت رأسي و أنا شارد تمامًا في الوضع , لِمَ قد يأتي عبدالرحمن إلى هذه العمارة المتهالكة ؟! و ماذا يفعل في هذا الوقت ؟! .. لقد كان الفضول يكبر في داخلي يومًا بعد يوم إلى أن عرفت ما يحصل بالضبط ! ..

لقد قررت الصبر و الانتظار حتى يتضح الأمر لوحده و لكن لم يظهر شيء , و أنا لم أستطع الصبر أكثر , كنت أتصل على غانم كل يوم تقريبًا و أسأله إن كان لا يزال يرى تلك السيارة و ذاك الرجل نفسه , و كان جوابه دائمًا : نعم , إنه هناك ! ..

أخبرني غانم أنه يراه في وقت الليل فقط , ربما بين الساعة الحادية عشر مساءً و الثانية صباحًا . كان يسألني كثيرًا لِمَ أنا مهتم جدًا بشأنه فأجبته قائلًا :" لأن عادل كان دائم السؤال عنه و عن الوقت الذي سيأتي فيه إلى الرياض , و لكن ذاك كان يرد دائمًا بأنه سيأتي الشهر المقبل , فجدوله مليء بالأعمال ولا يمكنه تأجيلها !! .."

" و لِمَ أنت قلق إلى هذا الحد ؟! .. ربما كان أحد أقاربه يسكن هناك أو ربما صديق له ؟! "..

" و لكن في المرة التي رأيته فيها كان مغطيًا وجهه , لم قد يفعل ذلك إن كان في زيارة عادية ؟! "..

" إنه يغطي وجهه دائمًا وليس تلك المرة فقط "..

" أرأيت ؟! .. إن الوضع مثير للغرابة , شيء غير طبيعي يحصل هناك أنا متأكد ! .. "


و بعد الذي عرفته عن عبدالرحمن و زياراته السريّة إلى جنوب الرياض , قررت اللحاق به و رؤية ما يحصل بالضبط !! ..

أخبرت أصحابي في تلك الليلة أنني لن أستطيع الذهاب إليهم بسبب مرض ابنتي الصغيرة , يا للحماقة ! .. لقد ادعيّت مرض تلك الصغيرة المسكينة حنين , كنت أستحق لقب أسوأ والد على الإطلاق !! ..

قررت الذهاب إلى تلك العمارة السكنية و ركن سيارتي بعيدًا عنها لإبعاد أي شبهات عني , و انتظرت و أنا أراقب مجيء عبدالرحمن , أتى بعد 10 دقائق و دخل إلى هناك وهو مغطى الوجه كالعادة ! ..

نزلت خلفه و أنا أغطي وجهي بشماغي أيضًا و ألحق به بهدوء, سمعت صوت حذائه و هو يصعد الكثير من السلالم و يبدو بأنه سيصل إلى سطح العمارة ! , فلحقته و أنا أمشي على أطراف قدماي , وصلت إلى السلالم العلوية التي تخلو فيها الجدران من أي إنارة , كان منظرها مخيفًا بالفعل , رفعت طرف ثوبي خوفًا من السقوط و تفاجأت بانتهاء السلالم أمام بابٍ حديدي مغلق ! ..

اقتربت من الباب و أنا أنظر خلفي خوفًا من وجود أحد , التصقت بالباب و أنا أضع أذني و أحاول استراق السمع , و بعد فترة من التركيز و الانصات الحادّين , تمكنت من الاستماع إلى جزء من حديث عبدالرحمن و شخص آخر , كان حديثهم مثير للريبة فعلًا ويدور كله حول عادل سليمان , رئيسي في العمل !! ..

كان الشخص الذي مع عبدالرحمن يمتلك صوتًا واضحًا , خشنًا و قويًا , و منذ اللحظة الأولى التي بدأ بالتحدث فيها و أنا أشعر بأنه شخص خطير بالفعل , كقاتلٍ مأجور مثلًا , كنت ألتصق إلى الباب أكثر حتى توقف شعر يداي من الرعب بسبب ذاك الصوت الذي سمعته ! ..

كان الباب قد فُتِح بسبب استنادي عليه و قد كان غير مغلق تمامًا , أصدر الباب صوت صرير قوي و مزعج و هو يُفتَح ببطء و يتضح الرجلان الجالسان أمام بعضها , كان الأول هو عبدالرحمن , أمّا الآخر , فقد تجمدت حواسي تمامًا و توقف شعري عندما رأيته ! .. لقد كان آخر شخص أتوقع وجوده في الحياة ! ..
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 07-12-2016, 04:43 AM
 



16


اقتربت من الباب و أنا أنظر خلفي خوفًا من وجود أحد , التصقت بالباب واضعًا إذني و محاولًا استراق السمع , و بعد فترة من التركيز و الانصات الحادّين , تمكنت من الاستماع إلى جزء من حديث عبدالرحمن و الشخص الآخر , كان حديثهم مثير للريبة فعلًا ويدور كله حول عادل سليمان , رئيسي في العمل !! ..

كان الشخص الذي مع عبدالرحمن يمتلك صوتًا واضحًا , خشنًا و قويًا , و منذ اللحظة الأولى التي بدأ بالتحدث فيها و أنا أشعر بأنه شخص خطير بالفعل , كقاتلٍ مأجور مثلًا , كنت ألتصق إلى الباب أكثر حتى توقف شعر يداي من الرعب بسبب ذاك الصوت الذي سمعته ! ..

كان ذاك صوت الباب و قد فُتِح بسبب استنادي عليه و قد كان غير مغلق تمامًا , أصدر الباب صوت صرير قوي و مزعج و هو يُفتَح ببطء و يتضح الرجلان الجالسان أمام بعضها , كان الأول هو عبدالرحمن , أمّا الآخر , فقد تجمدت حواسي تمامًا و توقف شعر جسدي عندما رأيته ! .. لقد كان آخر شخص أتوقع وجوده في الحياة ! .. "


خرج سلطان من هذه الذكرى على صوت هاتفه , و كان المتصل فيصل :" سلطان , أين أنت ؟! "

" بالقرب من الموقع الثالث , لماذا ؟! هل طرأ أمر ما ؟! "..

" لا , لم يحصل شيء , كنت أريد منك القدوم إلي بعد انتهاءك من المغلف الرابع مباشرة , عند التاسعة مساءً , تضع المغلف في مكانه ثم تأتي إلي "..

" حسنًا , هل هناك شيء آخر ؟! "..

" لا , كن حذِرًا "..

أغلق سلطان هاتفه و توّجه إلى الموقع الثالث , و سرعان ما نزل إلى أحد المحلات في مجمع تجاري صغير و دخل و هو يبحث بعينيه عن المكان المناسب لوضع المغلف , أسرع باتجاه إحدى أقسام المحل و وضع المغلف فيه ثم خرج بهدوء مثلما دخل , دون أن يلفت النظر إلى نفسه أبدًا ..



**********


8:00 م


يحدق كلًّا من بدر و العقيد سيف في هواتفهم بانتظار الإعلان عن الموقع الثالث , و قد دخلوا في حالة من التوتر و الترقب .. و بعد ثواني من الانتظار ظهر الإعلان الثالث , و ما أن ظهر حتّى بدأ بدر بالبحث عن أقرب مخرج ليوصله إلى الموقع .. و كذلك فعل العقيد سيف ..

كان الموقع الثالث بعيدًا بعض الشيء , حيث حددت التغريدة أن الموقع يقع عند ( تقاطع شارع أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - و طريق الثمامة ) ..

تذكّر بدر أن هذا المكان قريب من الجامعة التي يدرس فيها ( جامعة الامام محمد بن سعود ) .

و يقع عند التقاطع المذكور مجمع تجاري صغير , لذا خمّن بدر أن المغلف قد يكون مخبأ داخل أحد المحلّات الخارجية بلا شك ! .

كان بدر يحاول الإسراع قدر المستطاع , و لكن هذه السيارة الصغيرة التي سرقها تأبى المشي و لو بسرعة متوسطة , و مع الوقت كان الشوارع تزداد ازدحامًا و ضجيجًا , و مع اقتراب آذان العشاء , ظن بدر أن الازدحام سيقل , و لكن العكس هو ما حصل .. !

و بينما كان ينصُب عينيه على الطريق , كان يتحكم بالسيارة باستخدام يده اليسرى , و يحاول بيده الأخرى أن يثني المغلف الثاني و الصور , و قام بوضعهم في جيبه , فهو لن يستطيع البقاء طويلًا داخل هذه الخردة المتحركة .. لذلك قرر أن يوقفها في داخل أحد الأحياء المظلمة القريبة من الموقع , بعدما أمضى قرابة 20 دقيقة في الوصول ..

أوقف السيارة و نزل بهدوء و هو يمسك بشماغه في يده , كان يحاول أن يجد بعض الماء ليتمكن من مسح آثار بصماته من المقوَد , كان يتحرك بتوتر مجيئًا و ذهابًا , و بعد دقائق نظر إلى أحد المنازل القريبة منه , حيث خرج منها رجل آسيوي و هو يمسك بخرطوم المياه ليسقي الشجر في الخارج ..

توجه بدر نحوه بسرعة , و هو ينفض شماغه و يحمله مرة أخرى , التفت الرجل إلى بدر و قد شعر ببعض الخوف من مشيته السريعة و عيناه المثبتة عليه ! ..

تراجع إلى الخلف ببطء و هو ينوي الرجوع إلى الداخل , و لكن بدر قام بأخذ خرطوم الماء منه بسرعة و هو يقول :" لا تخف , لن أفعل شيء "..

هز الرجل رأسه باستغراب و لم يفهم ما قاله بدر , تنهد بدر وهو يبلل شماغه و يعود لإعطاء الرجل الخرطوم , بينما وقف ذاك بتبلد و هو يرى تصرفات هذا الشاب الغريبة ! ..

عاد بدر إلى السيارة و بدأ بمسح البصمات و جميع الأماكن التي لامستها يداه , و من ثم خرج من الحي السكني مشيًا على الأقدام و هو يتوجه إلى ذاك المجمع التجاري الذي يعرفه جيدًا .. و بدأ بالركض مع اقترابه أكثر و هو يراهن على نفسه بأنه سيسقط في أي لحظة من شدة الإرهاق و الجوع ..

و عندما بلغت الساعة الثامنة و النصف كان بدر يستطيع رؤية المجمع من على بُعد شارعين , قام بالمشي نحوه و هو يدعو الله ألا يقع المغلف في أيدي بعض المغفلين كما في المرة السابقة .. كان يرى هناك بعض الشبان الذين يمشون في أرجاء المكان و يدخلون المحلات على عجل و يخرجون مرة أخرى , خمّن بدر أنهم يقومون بالبحث عن المغلف أيضًا , و قد ازداد قلقه بشدة حول هذا الأمر ..

و صل إلى المجمع و هو يدخل إلى المحلاّت التجارية ابتداءً من اليمين و انتهاءً بالجهة اليسرى .. و مع استمراره بالبحث , لم يلحظ شيئًا و لم يلمح طرف المغلف حتّى , قام مرة أخرى بالدخول إلى المحلّات و البحث للمرة الثانية و بشكل أعمق , كان يقوم بتقليب الملابس المعروضة على الطاولات تحت غضب و اعتراضات البائعين , و لكنه كان كالأصم و قد بلغ قلقه أقصى المراحل , و كذلك قام بدخول إلى القسم الغذائي و هو يزيح بيديه العلب عن مكانها و صناديق الأطعمة ..
و قام بفعل التصرفات نفسها مع باقي المحلّات , و لكنه لم يجد شيئًا ..

خرج إلى مواقف السيارات و جلس على إحدى المجسمات الحجرية و قد وضع رأسه بين يديه :" هذا لا يعقل , لابد أن أحدًا قد وجده قبلي و أخذه , لقد انتهى كل شيء , لقد فشلت بالفعل .. "

عبرت أمام عيناه كل تلك الأجساد التي رآها في الصور و كل تلك الذكريات القديمة لوالده الذي كان له القدوة , الأب , الأم , الأخ , و كل ما قد تمناه يومًا .. و الآن ينتهي الأمر بهذه السرعة و البساطة في ليلة و ضحاها و قد تلوثت تلك السمعة التي استغرق بنائها سنوات , تلوثت خلال دقائق فقط .. !

رفع رأسه و نظر إلى محل للمشروبات الباردة و المعجنات أمامه, وقف بيأس و توجه نحوه ليشتري شيئًا يبلل به جوفه المنقبض و الجاف ..

أخذ عصيرًا باردًا و شربه دفعة واحدة , و لكن سرعان ما شعر بغثيان شديد , و قام بالركض إلى الخارج و توجه إلى سلة القمامة و أخرج كل ما في جوفه بحدة و ألم , و قد نظر الجميع إليه باشمئزاز و شفقة , و لكنه لم يكترث بشأنهم و قام بمسح فمه بإهمال ..

وقف في منتصف مواقف السيارات و هو يجهل تمامًا ما سيفعله , لم يكن يريد الجلوس و لا يعلم ماذا يفعل في المقابل ..

و لكن في تلك اللحظة , كانت هنالك سيارة بيضاء كبيرة مركونة بعيدًا و قد ظل سائقها يحدق إلى بدر منذ أن وصل و حتى الآن .. !


**********


يقف بيأس واحباط و قد رفع رأسه إلى الأعلى هامسًا بضعف :" يالله , كن بعوني "..

ولكن شق عليه صمته ذاك الصوت الذي تحدث معه منذ ساعات و قد تسلل من خلفه بهدوء :" لم تجد المغلف أليس كذلك ؟ ".

ظا بدر على حاله و قد عرف صوت العقيد و نبرة العطف في حنجرته , التفت ببطء قائلًا :" لا , لقد وجده أحدهم , لقد ضاع كل شيء مني "..

" كان الوضع ليكون أسهل بكثير لو أنك طلبت معونتي "..

تجاهل بدر حديث العقيد و توجه إلى أحد الكراسي و جلس و هو يضع رأسه بين يديه و يتنهد بانكسار تام .. تبعه العقيد سيف و هو يجلس بجانبه , ظل يحدق في بدر بابتسامة مواساة و أدخل يده في جيبه و أخرج منه مغلفًا أبيضًا وهو يقول :" كنت سأفتحه و أرى ما في داخله بنفسي , و لكنّي أحترم رغبتك في التحفظ على ذلك "..

رفع بدر رأسه باستفهام , و لكن سقطت عيناه على المغلف الذي بيد العقيد و قد اقشعر جسده بالكامل عند رؤيته له .. همس بخفوت :" لقد وجدته ؟ أهذا يعني أنه .. أنه لم يقع في يدي أحد ؟! " ظل بدر يسأل و ابتسامة الصدمة ترتسم على وجهه الوسيم اليافع , وقفا الاثنان و قد ابتسم العقيد بمراوغة :" و الآن , هل ستخبرني عن الأمر أم أجعل الوحدات الأمنية تتدخل في الأمر ؟ ".

" لا , لا عليك سأخبرك , و لكن .. "

" لا يوجد كلمة و لكن , أريدك أن تفتح المغلف بنفسك حالًا و تخبرني عمّا حصل من البداية أهذا واضح ؟ "

" لا تصعب الأمر أرجوك , صدقني أنت لا تريد رؤية ما في الداخل , إنه .. إنه مهين للغاية "

" أنت لا تترك لي خيار آخر , يبدو بأني سأستدعي بعض المساعدة " قال العقيد و هو يتراجع إلى الخلف و يخرج هاتفه ..

تقدم بدر منه برعب قائلًا :" لا أرجوك لا تفعل , أرجوك " .. تمساك بدر وهو يردد رجاءه و أكمل قائلًا :" حسنًا سأخبرك , تعال معي "

جلسا الاثنان على الكراسي أمام أحد المحلات و قد قام بدر بتمزيق المغلف و إخراج محتوياته ببطء و أعطاها للعقيد قائلًا :" مهما كان الذي سيتبادر إلى ذهنك بشأن هذه الصور , فعليك أن تعلم بأن جميعنا لنا جانب مظلم " ..

أخذ العقيد الصور و قد بدأ بتقليبها بين يديه بصمت و هدوء , قال بدر :" أنا لا أصدق هذه الصور , صحيح أنها تبدو واقعية و لكني لا أصدقها "

" إذا تظن بانها مركبة ؟ " سأل العقيد وهو يستمر بتقليب الصور ..

" لا , لا يبدو بأنها مركبة , و لكن أنا أعرف والدي , أتعرف ما الذي يعنيه ذلك ؟ .. أنا أعرف والدي أكثر من نفسه , لم يكن ليفعل هذا ابدًا , إنه متدين و وقور , هذه الصور ستفقدني عقلي ".

تنهد العقيد بهدوء ثم قال بنبرة أخوية :" دعني أخبرك شيئًا , في هذه الحياة ستواجه الكثير من الصدمات , و قد تنصدم من نفسك حتى ! .. كل شيء ممكن و كل شيء قابل للحدوث , عليك أن تتحلى ببعض المرونة يا بدر , إن من أخذ هذه الصور لا يكترث إن أنت صدقتها أم لا , كل ما سيكترث من أجله هو أن تنتشر بسرعة و يصبح اسم والدك على كل لسان و في كل مجلس , أهذا واضح ؟ "

" أتقصد بأن الصور حقيقية ؟! "

" في الواقع لا أريدك أن تفقد ثقتك بوالدك يومًا أو تقلل من شأنه و لكن ..كل شيء ممكن .. ! إن والدك ليس نبيًا يا بدر , لا أقصد الإهانة و لكنه غير محصن من الخطأ , و قد استغل أحدهم هذا ليجعل من حياته جحيمًا "..

بدا كلام العقيد منطقيًا للغاية بالنسبة لبدر , فهو قد ظن ذلك أيضًا عندما رأى الصور لأول مرة و لكنه كان يستمر في الإنكار , كان يستمر في التهرب من الحقيقية .. و هذا ما يفعله أغلبنا, عندما تأبى حواسنا التصديق و لكن عقولنا تستمر في سحبنا نحو الحقيقة و لكن نستمر في النضال من أجل الإنكار , من أجل أن يظل الهدوء في حياتنا مستمر و تظل أيامنا رتيبة و آمنة دون أن تتسبب الحقائق بزعزعة ذاك الهدوء ..

صمت بدر لدقائق و هو يعود لأخذ الصور من العقيد ثم قال :" إذًا ماذا سنفعل الآن ؟! "..

" سنفعل ما سيفعله الجميع , سنستمر في البحث إن كانت هناك مغلفات أخرى "..

" لقد تبقى اثنان "

" و كيف عرفت "..

" لقد اتصل بي من فعل هذه اللعبة بأكملها , بعدما خرجت من القسم في المرة الأولى مع عبدالرحمن , توجهنا سوية إلى منزله و هناك تلقيت اتصالًا من هاتف والدي "

" ثم ماذا ؟ "

" ظننت أنه والدي في البداية و قد وجده أحدهم , و لكن المتحدث كان المُختَطِف , يا إلهي لقد كان مستفزًا للغاية , في الواقع أراهن بأنه فاقد عقله تمامًا "..

" و قد هددك بشأن الشرطة أليس كذلك ؟ "

" نعم , لقد طلبت منه أن يخبرني من هو أو سأضطر إلى جعلكم تتبعون المكالمة , و لكنه هدد بقتل والدي إن فعلت ذلك "..

" حسنًا , والمغلفات , أخبرك بأنها 5 مغلفات ؟!".

" نعم , قال بأن هنالك 5 مغلفات سيتم وضعها في أماكن مختلفة ابتداءً من الساعة السادسة "..

" و عبدالرحمن ؟ أين هو ؟ ألم يأتي معك ؟ "

" في الواقع هذا ما يشغل بالي كثيرًا .. لقد أتى معي إلى هنا, و قد كان برفقتي عندما كنّا نبحث عن المغلف الأول و لكنه اختفى فجأة , حاولت الاتصال به كثيرًا , و لكن في النهاية أجاب على هاتفه ذاك المعتوه "

" أتقصد بأن عبدالرحمن مختطَف أيضًا ؟ " ..

" نعم , على ما يبدو .. إن ذاك المعتوه يقوم بقطع جميع الوسائل التي بإمكانها مساعدتي , لذلك لا أريد منه أن يعرف بأنك معي , ربما يؤذيك و يقتل والدي و يتفاقم الوضع إلى أن نفقد السيطرة عليه تمامًا "..

" كم الساعة الآن ؟ "

نسي بدر أمر الوقت و قد قاربت الساعة التاسعة مساءً و حان موعد المغلف الرابع ..

" إنها التاسعة إلا بضع دقائق "

" إذا تعال معي , سنذهب سوية لإيجاد المغلفات المتبقية .. هيّا قم بسرعة " ..

ذهب الاثنان إلى سيارة العقيد و بدآ بانتظار الإعلان عن الموقع الرابع ..


**********


( حي الملز , بالقرب من أحد المراكز التجارية المشابهة للموقع الثالث ..)


وضع سلطان المغلف الرابع في المكان المقصود ثم نفذ ما طلبه فيصل منه , لقد توجه نحو جنوب الرياض إلى المكان الذي بدأ فيه كل شيء , شقة فيصل الكئيبة ..

صعد السلالم بخفية كالمعتاد و دخل إلى الشقة التي كان بابها مفتوحًا بعض الشيء , كان عبدالرحمن يجلس على الأريكة بشرود عندما ناداه سلطان :" عبدالرحمن , أين فيصل ؟ "..

" إنه بالداخل , مع عادل .. اذهب إليه انه بانتظارك .. "

ذهب سلطان إلى الغرفة المجاورة التي كانت كالكابوس الأسود بالنسبة لعادل الذي فقد وعيه فيها منذ 3 ساعات تقريبًا ..

قال فيصل بصوت منخفض :" ادخل و أغلق الباب خلفك "..

تقدم سلطان نحوه و هو ينتظر الأوامر القادمة .. استدار فيصل و اتجه إليه و هو يخرج من جيب بنطاله المفتاح الذي قام بنسخه , أعطاه إلى سلطان قائلًا :" خذ هذا المفتاح , إنه مفتاح لمنزل ما هنا , أريدك أن تأخذ عادل و تتركه هناك " .. انهى فيصل حديثه و أخرج ورقة صغيرة قد كتب فيها عنوان المنزل المقصود و أعطاها لسلطان ..

" لماذا ؟ أليس من المفترض أن يكون أمام أعيننا طوال الوقت ؟ " تساءل سلطان ..

" لا , إنه سيكون في أمان أكبر هناك , و نحن أيضًا سنكون بأمان .. إن آخر ما أحتاج إليه هو أحمق فاقد للوعي و مستلقٍ في أحد غرف شقتي , هيّا ساعدني لنرفعه "..

انحنا كلاهما على عادل و قاما برفعه و إخراجه , توجه عبدالرحمن إليهما قائلًا باستغراب :" إلى أين ستأخذونه ؟ "

أجاب فيصل :" أنت تعلم بشأن بدر , إنه من المحتمل أن يستعين بالوحدات الأمنية من أجل إيجاد والده , لذلك لا أريد أن يكون عادل في ضيافتي هنا .. سأضعه في مكان آخر لإبعاد الشبهة عنّا "..

قام الثلاثة بإنزال عادل إلى أسفل المبنى , و وضعوه في المقاعد الخلفية لسيارة سلطان دون أن يلاحظهم أحد .. مشى سلطان بعيدًا و عينا فيصل معلقتان على خلفية السيارة , لقد اقترب كل شيء من النهاية .. كل شيء حرفيًا

صعد مجددًا إلى شقته التي يدفع عبدالرحمن إيجارها بكل سرور منذ سنوات .. و توجه نحو صديقه الوحيد المتبقي و أعطاه مفتاحان صغيران , ثم قال :" لقد طلبتها من سلطان .. المفتاح الصغير هو لمصعد عادل في شركته , أما الآخر فهو لمكتبه الخاص , و أنت تعلم ماذا تفعل بها أليس كذلك ؟ "

" نعم بالتأكيد , سيكون كل شيء كما أردناه "..

غادر عبدالرحمن الشقة محملًا بالكثير من الأمل بأن يوم غد سيكون الأخير و الأفضل , استدعى سيارة أجرة و ذهب نحو المكان الذي ترك سيارته فيه عندما اتى مع بدر عصر اليوم من الخرج ..

ركب سيارته و اتجه نحو مبنى للشقق المفروشة .. اشترى لنفسه عشاءً خفيفًا و لكنه لم يأكل سوى القليل , فعقله كان مشغولًا جدًا بشأن الذي سيفعله يوم غد في مكتب عادل , كان قد جلس بشرود على الأريكة و هو يرسم في ذهنه مخططًا تفصيليًا لما سيحصل ..


**********


مع إعلان الموقع الرابع لهذه السلسلة , كان العقيد و بدر يسابقان الوقت للوصول للموقع المذكور , لقد كان مركزًا تجاريًا صغيرًا في حي الملز .. و قد تمكنا من الوصول خلال نصف ساعة من إعلان الموقع .. كانا في أعلى مستويات التوتر و الخوف من أن أحد سيجد ذاك المغلف قبلهما .. وصلا إلى وجهتهما و نزلا بسرعة , قال العقيد بحزم :" بدر , اذهب أنت و ابحث في المحلات على جهة اليمين , و أنا سأبحث في جهة اليسار .. اتصل بي عندما تجد شيئًا .. "

أومأ بدر رأسه بالإيجاب و هو بالكاد يستوعب ما قاله العقيد , فطاقته و تركيزه بدآ بالتلاشي , و لا يمكنه فعل شيء حيال ذلك , و لا يستطيع أن يأكل شيئًا لاستعادة نشاطه , فقد كان جوفه منقبضًا بشدة و الغثيان في تزايد , أما رأسه فقد كان يعلن بدأ ذاك الدوار الذي ليس له نهاية سوى فقدان الوعي ! ..

بدأ بدر بدخول المحلّات التجارية , و تقليب البضائع رأسًا على عقب مع استغراب الزبائن و نظراتهم الاستفهامية , أما هو فقد كان متجاهلًا لما حوله تمامًا و لا يكترث إن غضب أصحاب المحلّات أو اعترضوا .. أكمل مسيرة بحثه وهو يفتش في أكثر الأماكن غرابة في المركز , فقد كان يبحث في أحواض الزرع و عند جذوع النخل , و أسفل السيارات المركونة , و لكن لا أثر للمغلف ! ..

اتصل على العقيد ليسأله إن كان قد وجد شيئًا و لكن يبدو بأن العقيد قد دخل في حيرة من أمره أيضًا .. استغرق بدر عشر دقائق في البحث و قد قرر في النهاية أن يسأل المارّة عن ذاك المغلف ! ..

كان يسأل كل من يمر أمامه إن كان قد رأى مغلفًا صغيرًا في الجوار , و لكن بعض الأشخاص كانوا يتجاوزونه دون أن ينظروا إليه أو يجيبوا على سؤاله حتى ! .. و استمر في سؤال المارّة و لكن لا يبدو بأن أصحاب هذه المنطقة يودون المساعدة على الإطلاق ..

في النهاية , و عند ذهابه للجلوس و بعد 15 دقيقة من البحث المكثف , لفت انتباهه فتاتان شابتان تحملان المغلف و تبدوان في غاية السعادة .. كاد بدر أن يفقد عقله و يبدأ بضربهن حتى الموت , و لكنه تمالك نفسه قدر المستطاع و اتجه نحوهن بهدوء , توقفت الفتاتان عند رؤيته , و قد اتسعت ابتسامتهما عند رؤيتهن لهذا الشاب الوسيم و هو يمشي نحوهن بهدوء و بشبه ابتسامة على أطراف شفتيه ..

توقف أمامهن قائلًا :" مساء الخير "..

ردت إحداهما :" أهلًا , مساء الخير "..

" عذرًا على الإزعاج و لكن .. هل هذا هو المغلف الذي أعلن عنه عادل سليمان في حسابه ؟ "..

أجابت احداهما بسعادة :" نعم , يبدو بأنه هو , إن هذا المركز هو الموقع المذكور أليس كذلك ؟ "

" نعم هذا صحيح , يبدو بأنه هو , و لكن هل تسمحين لي بالسؤال : أين وجدتيه ؟ ".

ضحكت الفتاة بخفوت قائلة :" لن تصدق ذلك , لقد كان أسفل الكرسي الذي كنت أجلس عليه في المقهى , لقد كنت أجلس على هذا الكنز طوال الوقت , بينما يبدو بأن الجميع يبحث عنه "..

ضحكت الاثنتان ثم أردفت الفتاة قائلة :" إنه يوم سعدي أليس كذلك ؟ "..

ابتسم بدر وهو يحاول أن يجد طريقة ليطلب المغلف منها :" في الواقع , كنت أريد أن أقول بأن مبادرة عادل سليمان كلها عبارة عن خدعة "..

" ماذا تقصد ؟ "

" لا يوجد أي مبالغ مالية داخل هذا المغلف , يمكنك فتح طرفه و استراق النظر "..

قالت الأخرى :" عذرًا , و لكن إن كنت تحاول قول هذا الهراء حتى نعطيك المغلف , فأنت مخطئ , لقد وجدناه و نحن أحق به , هيّا ليلى لنذهب ".. مشت الفتاتان بسرعة تاركين بدر خلفهما في دهشة .. و لكنه لحق بهن بسرعة و توقف أمامهن قائلًا :" حسنًا دعوني أخبركن بشيء ما , إن كان داخل هذا المغلف أي مبلغ مالي فسأعطيكم ثلاثة أضعافه مقابل إعطائي المغلف , ما رأيكن بهذا العرض ؟ "..

كانت إحدى الفتيات على وشك الرد و لكن هناك شخصان قاما بسحب بدر للوراء بعنف .. شهقت الفتاة برعب وهي ترى اثنان من رجال الأمن يمسكون ببدر بقوة و كان ورائهما رجلان من رجال هيئة الأمر بالمعروف .. التفت بدر إلى الوراء وهو يسمع توبيخ أحد رجال الهيئة قائلًا :" ما الذي تحاول فعله ؟ لقد رفضت الفتاتان الحديث معك و قد استمريت في ملاحقتهما ! .. يبدو بأنك لم تتلقى التربية الكافية من والديك , و لكنك ستتلقى عقابًا شديدًا أيها الصغير , هيّا خذوه إلى السيارة "..

كان بدر يصرخ وهو يحاول تبرير فعله للتو ! , و لكن لا حياة لمن تنادي .. فقد اجتمع الناس حوله و أخرج البعض هواتفهم لتصوير هذا المشهد المألوف ..

تراجعت الفتاتان إلى الخلف بخوف من أن يتم أخذهن أيضًا مع بدر إلى مكتب الهيئة , فتلك ستكون الذكرى الأسوأ في حياتهن ..

و بينما كان العقيد سيف منهمك في البحث في أحد المحلاّت , استدار إلى الخلف و نظر عبر الزجاج إلى ذاك التجمع الكبير من الناس .. و قد أخبره حدسه أن لبدر علاقة في ذلك .. خرج مسرعًا و اتجه نحو التجمع .. و كما أحس , كان بدر يتوسط الحشود و هو يقاوم رجال الأمن بشدة و يصرخ قائلًا بأنه لم يفعل شيء! .. و لكن ما أن رأى بدر وجه العقيد بين الحشود حتى صرخ قائلًأ :" سيف , المغلف , إن المغلف مع الفتاتان اللتان تقفان خلفك ".. و بعد أن قال بدر ذلك كانت قواه قد خارت بالكامل وقد تمكن رجال الأمن من إدخاله إلى السيارة بسهولة بعدما ارتخى جسده و نفذت طاقته ! ..

بدأت الحشود في التراجع بعدما رحل بدر و انتهى ذاك المشهد الصاخب , و ظل العقيد يحدق في الفراغ لوهلة من الزمن , و كانت الفتاتان خلفه واقفتان أيضًا , استدار العقيد إليهن و قال بنبرة غاضبة :" ماذا فعلتن ؟ "..

تسلل الخوف إلى الفتاتين و هن يرين هذا الرجل الضخم ذي البنية القوية و العينين التي يملأها الغضب و الإرهاق .. أجابت إحداهما بخفوت و تردد :" لم .. لم نفعل شيء "..

و لكن الأخرى أجابت ببعض الشجاعة :" و ما علاقتك أنت بما حصل ؟ .. لقد تعرض ذاك الشاب لنا , و استحق عقابه .. يا للتطفل ! "
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 07-12-2016, 04:44 AM
 



يجلس داخل زنزانة صغيرة و قد استلقى بجانبه بعض الشبّان .. لقد قاموا رجال الهيئة بالتحقيق معه حول ما حصل و لكنه ظل يقول لهم بأن الفتاتان أخذتا شيئًا يخصه , و أن ذاك المغلف الذي في حوزتهما هو له .. و لكن ذاك لم يقنع فريق التحقيق .. و بدا لبدر بأنه سيمضي الليل بأكمله في هذه الزنزانة الضيقة ..

" يا للحماقة , لِمَ يرفض الجميع تصديق براءتي ؟! , إن آخر ما أردت الوقوع فيه هو أن يشكك أحدهم في أخلاقياتي , و انتشار بعض المقاطع المهينة لسمعتي , لقد أمضيت اليوم كاملًا في البحث عن المغلفات للحفاظ على سمعة هذه العائلة الصغيرة .. و الآن و بسبب هاتين الفتاتين يبدو بأن تعبي و إرهاقي قد ذهب هباءً منثورًا .. و لكن العقيد لن يجعل الأمر يمشي على هذا النحو بكل بساطة , فأنا أثق به , و هو يثق بي وقد وعدني بالمساعدة .. فهو لديه صلاحيات عظيمة تمكّن من في منصبه من التصرف في الكثير من المواقف .. أرجو أن يستخدم اليوم أدنى صلاحياته لينقذني مما وقعت فيه .. يا إلهي أعنّي "..

اسند بدر رأسه إلى الحائط و قد أخذه شروده إلى والده , ظل يفكر فيه باستغراق و قلق لا يعادله شيء .. أهو بخير أم أنه متعب مثلي تمامًا ؟! .. تُرى هل يعلم بالذي يحصل والذي تحمله هذه المغلفات ؟ أم أنه محبوس في مكان ما في انعزال عن هذا العالم ؟! .. كم تبدو هذا الحياة قاسية .. فالسمعة و الشرف قد استغرق والدي سنوات عمره لبنائهما .. و الآن هما على وشك الانهيار عندما يفتح أحدهم طرف مغلفًا صغيرًا و وضيع ! .. سينهاران تمامًا خلال ثواني ! .. ليتني أعرف لما كل هذا ؟! لماذا يصر ذاك المدعو - فيصل – بتدمير ما تبقى لي من عائلتي ؟ لماذا يصر على فضح ما فعله والدي بهذا الشكل ؟! ..

و لكن فيصل لا يريد منّا مالًا و لا شيئًا مقابل صمته !! .. إنه يقوم بأفعاله دون أدنى مبرر , و لا أعرف شيئًا أبدًا عن الذي يحفزه للقيام بذلك .. إن كان لا يريد المال ليصمت ؟! فلماذا يفعل كل هذا بنا ؟! .. ماذا يريد ؟! ..

استمر بدر في تساؤلاته المنطقية حتى سرقه النوم إلى عالم آخر .. و على الرغم من جوعه الشديد , إلا أن الإرهاق كان أشد .. و قد غفا لبضع دقائق قبل أن ينزلق رأسه عن الحائط و يضرب تلك القضبان التي بجانبه بقوة .. استيقظ بضيق و هو يمرر يده على مكان الضربة بألم , و بينما كان هناك صوت ضحكات خافتة صادرة من الشبان بجانبه , أسند رأسه مرة أخرى إلى الحائط و لكن سرعان ما دخل حارس الباب قائلًا :" بدر سليمان ؟ "..

نهض بدر بخوف مصحوب بأمل في الخروج و هو يقول :" نعم , إنه أنا .. "

" ستخرج الآن , هيّا تعال ".. توجه الحارس نحو الزنزانة و فتحها و سحب بدر معه إلى الخارج.. كان بدر على يقين و ثقة بأن العقيد قد أنقذ الموقف .. و لكنه لا يعرف كيف حصل ذلك ! ..

و كما صدق يقينه , كان العقيد في مكتب أحد الموظفين بانتظاره .. مشى بدر نحوه ببطء و هو يترنح بخفة .. أمسك العقيد بذراعه بسرعة قائلًا :" بدر , أأنت على ما يرام .؟! "

كان بدر أنفاس بدر متقطعة ولكنه قاوم الضيق و الإرهاق و رد قائلًا :" نــ نعم , أنــ أنا بخيـ ــر , و لكن كيف اقنعتهم بــ بإخراجي ؟ "

أمسك العقيد بكتفي بدر و قاده معه إلى الخارج بهدوء و هو يحكي له ما حصل :


بدأت الحشود في التراجع بعدما رحل بدر و انتهى ذاك المشهد الصاخب , و ظل العقيد يحدق في الفراغ لوهلة من الزمن , و كانت الفتاتان خلفه واقفتان أيضًا , استدار العقيد إليهن و قال بنبرة غاضبة :" ماذا فعلتن ؟ "..

تسلل الخوف إلى الفتاتين و هن يرين هذا الرجل الضخم ذي البنية القوية و العينين التي يملأها الغضب و الإرهاق .. أجابت إحداهما بخفوت و تردد :" لم .. لم نفعل شيء "..

و لكن الأخرى أجابت ببعض الشجاعة :" و ما علاقتك أنت بما حصل ؟ .. لقد تعرض ذاك الشاب لنا , و استحق عقابه .. يا للتطفل ! "

توجه العقيد نحوهن و هو يخرج بطاقة عمله العسكرية و قد أشهرها في أوجههن قائلًا :" أنا عقيد أدعى سيف عبدالله , و المغلف الذي تحملانه ليس له شأن في ما أعلن عنه عادل سليمان , لذلك سأطلب منكن لمرة واحدة فقط أن تعطيانني إياه "..

ردت إحداهما بتهور :" و ماذا إن لم نفعل ؟! "..

ابتسم العقيد بمراوغة قائلا :"" إذًا , سيتم القبض عليكما بتهمة إعاقة سير الأمن في يوم حافلٍ كهذا ! "..

نظرت الفتاتان إلى بعضهما و قامت الفتاة الأولى بتسليم المغلف بتهذيب قائلة :" نحن آسفتان , لم نعلم أن المغلف يخصك .. "

" في الواقع إنه لا يخصني , إنه يخص ذاك الفتى الذي جعلتم هيئة المعروف تقتاده معهم بكل ذل ! ,, كما أنه من الممكن أن يبيت هذه الليلة في القسم بسببكن , ذاك الفتى لم يتعرض إليكن بأي أذى , أهذا صحيح ؟! "

ردت الأولى :" لا لم يفعل .. "

" إذًا أريد منك أن تقولي ذلك للموجودين في مكتب الهيئة عندما تذهبان معي إلى هناك "..

قالت الأخرى :" نذهب معك ؟! , لن نركب مع أحدٍ غريب .. حتّى لو كان عقيدًا ! "

كان العقيد قد بدأت يستاء من هذه الفتاة الوقحة التي تقف أمامه , بينما كانت صديقتها في غاية التهذيب و اللباقة .. تنهد العقيد قائلًا :" إذًا سأطلب لكنّ سيارة أجرة و ستتبعانني إلى مكتب الهيئة , و أريد منكن أن تقولا ما حصل بالضبط , و أن ذاك الفتى لم يؤذيكن "..

ذهب العقيد برفقة الفتاتين إلى المكتب و عند حضورهن و تدوين شهادتهن , سقطت تهمة التحرش عن بدر فورًا .. و خرجت الفتاتين بسرعة , بينما ظلّ العقيد في انتظار بدر ..


**********

خرج العقيد مع بدر وهو لايزال يمسك بكتفيه و يساعده على المشي :" بدر , أأنت متأكد أنك بخير ؟ تبدو مرهقًا جدًا "..

توقف بدر عن المشي و بدأ بإغماض عينيه ببطء و هو يترنح إلى الخلف , و لكن العقيد شد على كتفيه بشكل أقوى و لكن ذلك لم يمنع بدر من السقوط على ركبتيه و قد تمكن الإرهاق و الضغط منه تمامًا ..!

وضع يديه على الأرض و قد بدأ أنفه بالنزيف الحاد , و بدأ يرتجف بشكل مريب .. وقد وجهه و ضاق نفسه حتى سقط أرضًا وهو فاقد لوعيه تمامًا ..

رفعه العقيد عن الأرض و بدأ بمسح وجه بدر بشماغه و تنظيف الدماء من أنفه و هو يصرخ به :" بدر , بدر ما بك ؟! .. بدر أتسمعني ؟! "..

كان بدر يفتح عينيه و يغلقها دون وعي .. و قد كان يحرك شفتيه في محاولة لقول شيء ما و لكنه عجز عن ذلك .. قام العقيد بحمله بين يديه و وضعه في المقاعد الخلفية لسيارته .. و ذهب مسرعًا إلى أقرب مشفى في الحي .. حمله إلى مدخل الطوارئ و سرعان ما وضعه الممرضون على أحد الأسرّة و هم يفحصونه .. قال أحدهم للعقيد :" لا تقلق , إنه فاقد للوعي بسبب ارتفاع حاد في ضغط الدم , سنعيد ضغطه إلى المعدل الطبيعي و سيستيقظ خلال 15 دقيقة تقريبًا "..

بدأ الممرضون في توصيل الأجهزة بجسد بدر و وضع مغذي و جهاز للتنفس , بينما قام أحدهم بتنظيف الدماء التي ملأت وجهه ..

جلس العقيد بجانبه في قلق عميق .. و هو يهز جسده إلى الأمام و الخلف بتوتر واضح .. و بعد مرور عدة دقائق بدأ اللون يعود إلى وجه بدر و بدأت نبضات قلبه في الانتظام و كذلك تنفسه ..

و بعدما نفذ المغذي .. و بعد 15 دقيقة فتح بدر عيناه ببطء و هو يقطب حاجبيه بضيق .. حاول النهوض و لكن العقيد أوقفه عن فعل ذلك و أعاده إلى السرير ..

بدأ بدر بتحريك أطرافه , و سرعان ما أزال جهاز التنفس عن وجهه و هو يقول :" أريد الخروج من هنا , حالًا "..

" بدر توقف , انظر إلى ماذا اقتادتك أفعالك المتهورة ؟! .. لقد كنت على وشك أن تفقد حياتك .. لن تخرج من هنا .. فضغط دمك مرتفع بشكل حاد .. لقد تلفت أعصابك بما فيه الكفاية ! "..

" لا أكترث , سأخرج من هنا بكامل مسؤوليتي .. "

نظر بدر إلى الساعة المعلقة على الحائط المقابل و قد أشارت الى العاشرة و خمس دقائق ..

" لقد تبقى لنا مغلف أخير لإيجاده , و أنا لن أجلس هنا و أتأوه كالنساء .. " قال بدر و هو يضغط على زر استدعاء الممرض بجانب سريره .. و ما أن أتى ذاك حتى أخبره بدر برغبته بالخروج .. و على الرغم من اعتراضات الممرض و العقيد .. إلا أن بدر قد تمكن من الخروج بعدما قام بتوقيع ورقة خروجه على مسؤوليته الكاملة ..

خرجا الاثنان من المشفى متوجهان إلى سيارة العقيد .. و قد فتح بدر هاتفه و هو يجلس بتعب .. و لكنه لم يرى أي وجود لتغريدة عن الموقع الخامس .. أعاد تحديث التنبيهات على هاتفه و لكن لا شيء ! ..

" هذا غريب ! ".. تساءل بدر

" ماذا ؟ "

" لا يوجد إعلان عن الموقع الخامس , لقد مرت 5 دقائق ! "..

" علينا الانتظار إذًا "..

توجه العقيد نحو أحد الشقق المفروشة و ساعد بدر على النزول .. سأله بدر :" هل سنمكث هنا ؟ "

" لا , سأضعك في مكان لترتاح فيه .. و عند إعلان الموقع الأخير سنذهب سوية للبحث .. هيّا تعال معي "..

دخل الاثنان و سرعان ما استلقى بدر على الأريكة و خرج العقيد ليشتري لهذا الفتى العنيد بعض الطعام ليستعيد به نشاطه ..

و عند عودته إلى الشقة كان بدر قد غرق في النوم وهو ممسك بهاتفه في يده .. قام العقيد أيضًا بالدخول إلى حساب عادل سليمان و لكنه لم يجد شيء حول الموقع الأخير و قد قاربت الساعة من العاشرة و النصف ليلًا .. !


( نهاية الفصل 16 ) ..

نقدر نقول أننا وصلنا تقريبًا إلى ما قبل النهاية بشوي .. و مثل ما انتو شايفين , البارت مليان أحداث مشوّقة .. عشان كذا أبغى منكم تحليلات حلوة و عميقة للأشياء اللي صارت و اللي رح تصير ..

تصبحوا على خير , و دمتوا بحفظ الله و رعايته ..
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
توهج سناء:- عِـنِـدمٓــا تٓـتٓــطٓـلٓعِ ألى حُــلِـــمِــكِ بِـشٓــغٓــفِ || لُويس سواريز رُوفِ شخصيات عربية و شخصيات عالمية 9 11-24-2017 01:26 PM
مــٓـــلآگـــٓيــّٓ الــٓــحــٓـّ{ــٓمــٓـ}ـــٓـراء ... هــٓــلــٓ تــَســْ{ـــٓمــٓـ}ــحـِـيــْنــٓ لــَــٓيـــٓ بــهــٓـذهـٓ الـٓــرَّقــّـ دقيوس و مقيوسxd حواء ~ 12 08-27-2017 05:57 PM
رقي الاقلام~~~سٓــأظٓلِ مُتٓـأكٓٓا عٓلى جِـداري المُحــطٓــم أسِـــتٓجِــمــعِ خٓيِبــاتِـــي || بٓدر بن عبدالمحسن رُوفِ قصائد منقوله من هنا وهناك 3 10-07-2016 03:25 PM
ॐ نـٓهريـــنْ وٓ حـٓـضآرةٌ وٓ خـآرِطـٓةةُ وتــآرِيخْ .. يـٓعنيْ أنتٓ » العِــرآقْ « أشلونْ مآ حبگ ؟! ॐ ٱۆڳسِجْينٌ ✖ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 9 10-11-2013 06:39 PM


الساعة الآن 05:14 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011