عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

Like Tree35Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-21-2013, 12:19 AM
 
Arrow

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نسمة قلب, da ra and sara125 like this.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-21-2013, 01:41 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://vb.arabseyes.com/backgrounds/19.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]







جاء في قصة عيسى عليه السلام في القرآن الكريم عددٌ من الآيات التي تستدعي بعض الوقفات للتوضيح والتعليق، نسوق تلك الآيات على النحو التالي:

أولاً: قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} (آل عمران:59).



لسائل أن يسأل هنا: كيف شُبِّه عيسى عليه السلام بآدم عليه السلام، وقد وُجد هو من غير أب، ووجد آدم من غير أب وأم؟.



أجاب الزمخشري على هذا السؤال، فقال: هو مثيله في إحدى الطرفين، فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به؛ لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف، ولأنه شبه به في أنه وُجد وجوداً خارجاً عن العادة والمألوف، وهما في ذلك نظيران؛ ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب، فشبه الغريب بالأغرب؛ ليكون أقطع للخصم، وأحسم لمادة شبهته، إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وهذا يسمى بقياس الأولى، وهو من أقوى درجات القياس. قال ابن عاشور: "ومحل التمثيل كون كليهما خُلق من دون أب، ويزيد آدمُ بكونه من دون أم أيضاً، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله: {خلقه من تراب}، أي: خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة {كن}، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب".



ثانياً: قوله سبحانه: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة:118).



قال ابن كثير معقباً على هذه الآية: "هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل، فإنه الفعال لما يشاء، الذي {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء:23). ويتضمن التبري من النصارى، الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء:43)، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. وقد روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها، ويسجد بها: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: (إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا).



وقد اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية؛ فقيل: قال عيسى هذا القول على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستعطف السيد لعبده؛ ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك.



وقيل: قاله على وجه التسليم لأمر الله سبحانه، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر.



وقيل: الضمير في قوله: {إن تعذبهم} يعود على من مات منهم على الكفر. والضمير في قوله: {وإن تغفر لهم} لمن تاب منهم قبل الموت. قال القرطبي: وهذا حسن.



وقيل: كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي، وعملوا بعده بما لم يأمرهم به، إلا أنهم على عمود دينه، فقال: وإن تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي.



قال القرطبي: "وأما قول من قال: إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يُغفر له، فقول مجترئ على كتاب الله عز وجل؛ لأن الأخبار من الله عز وجل لا تنسخ".



وقد قال تعالى: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره، والتفويض لحكمه. ولو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شركه، وذلك مستحيل؛ فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذبهم فإنهم عبادك، وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك، فتغفر لهم، {فإنك أنت العزيز} الذي لا يمتنع عليك ما تريده، {الحكيم} فيما تفعله؛ تضل من تشاء، وتهدي من تشاء.



قال بعض أهل العلم: قد طعن على القرآن من قال إن قوله سبحانه: {فإنك أنت العزيز الحكيم} ليس بمشاكل لقوله: {وإن تغفر لهم}؛ لأن الذي يشاكل (المغفرة): (فإنك أنت الغفور الرحيم)، والجواب: أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله، ومتى نُقل إلى الذي نقله إليه ضعف معناه؛ فإن (الغفور الرحيم) ينفرد بالشرط الثاني {وإن تغفر لهم}، فلا يكون له بالشرط الأول تعلق {إن تعذبهم}، وهو على ما أنزله الله عز وجل، واجتمع على قراءته المسلمون مقرون بالشرطين كليهما أولهما وآخرهما؛ إذ تلخيصه {إن تعذبهم} فإنك أنت عزيز حكيم، {وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} في الأمرين كليهما من التعذيب والغفران، فكان {العزيز الحكيم} أليق بهذا المكان لعمومه؛ فإنه يجمع الشرطين {إن تعذبهم} {وإن تغفر لهم}، ولم يصلح (الغفور الرحيم)؛ إذ لم يحتمل من العموم ما احتمله {العزيز الحكيم}، وما شهد بتعظيم الله تعالى وعدله والثناء عليه في الآية كلها والشرطين المذكورين أولى وأثبت معنى في الآية مما يصلح لبعض الكلام دون بعض.



ثالثاً: لسائل أن يسأل : إنه تعالى قال في آية المائدة: {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} (المائدة:110)، ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام، وليس لأمه بشيء منها تعلق؟.



أجاب الرازي عن هذا، فقال: كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل التضمين والتبع للأم. ولذلك قال تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} {المؤمنون:50)، فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر.



رابعاً: قوله تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة:112).



يتعلق بهذه الآية مسألتان: أولهما: حول سؤال الحواريين. وثانيهما: حول نزول المائدة.



فيما يتعلق بالمسألة الأولى: اختلف أهل التفسير في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم، ومنشأ اختلافهم قوله سبحانه: {هل يستطيع ربك}، فإن هذا القول يشعر بشكهم في قدرة الله سبحانه على إنزال المائدة.



فذهب فريق من المفسرين في مقدمتهم الزمخشري إلى عدم إيمانهم، واعتبر هذا الفريق أن قول الحواريين السابق على هذه الآية {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} (المائدة:111) إنما كان دعوى منهم من غير إيقان وإذعان، وإلا فلو كانوا صادقين في دعواهم، لما قالوا لعيسى بأسلوب الاستفهام: {هل يستطيع ربك}، قال صاحب الكشاف: "فإن قلت: كيف قالوا: {هل يستطيع ربك} بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت: ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه قوله: {إذ قالوا} فآذن أن دعواهم كانت باطلة، وأنهم كانوا شاكين. وقولهم: {هل يستطيع ربك} كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم {اتقوا الله} (المائدة:112)، معناه: اتقوا الله، ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها {إن كنتم مؤمنين} (المائدة:112)، إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة".



وذهب جمهور المفسرين إلى أن الحواريين عندما قالوا لعيسى عليه السلام: {هل يستطيع ربك}، كانوا مؤمنين؛ إذ إن قولهم هذا لا يسحب عنهم صفة الإيمان؛ لأنهم ما قالوا هذا من باب الشك في قدرة الله، وإنما من باب زيادة الاطمئنان عن طريق ضم علم المشاهدة إلى العلم النظري، بدليل قولهم بعدُ: {وتطمئن قلوبنا} (المائدة:113)، كقول إبراهيم عليه السلام: {ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة:260). وأيضاً فإن سؤالهم إنما كان عن الفعل لا عن القدرة عليه، قال الحسن: إن معنى {هل يستطيع}، أي: هل يفعل، كما تقول للقادر على القيام: هل تستطيع أن تقوم معي مبالغة في التقاضي. قال الآلوسي: والتعبير عن الفعل بـ (الاستطاعة) من التعبير عن المسبب بالسبب؛ إذ هي من أسباب الإيجاد. وقالوا أيضاً: إن (الاستطاعة) في الآية بمعنى (الإطاعة)، قال السدي: {هل يستطيع ربك} أي: هل يطيعك ربك إن سألته. قال الرازي: وهذا تفريع على أن (استطاع) بمعنى (أطاع)، والسين زائدة.



أما ما يتعلق بالمسألة الثانية في هذه الآية، فهو نزول المائدة؛ فالجمهور على أنها نزلت، وقد رجح ذلك الطبري، فقال ما حاصله: والصواب من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه؛ فإنه تعالى ذكره لا يخلف وعده، ولا يقع في خبره الخُلْف، وقد قال تعالى ذكره مخبراً في كتابه عن إجابة نبيه عيسى عليه السلام حين سأله ما سأله من ذلك: {إني منزلها عليكم} (المائدة:115)، وغير جائز أن يقول تعالى: {إني منزلها عليكم}، ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه تعالى خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر، ولو جاز أن يقول: {إني منزلها عليكم}، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول: {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} (المائدة:115)، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى بذلك.



قال ابن كثير معقباً على قول الطبري رحمه الله: "وهذا القول هو - والله أعلم- الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم".



هذا، والذي يراجع بعض كتب التفسير يقرأ عجباً عن كيفية نزول المائدة، ومكان نزولها، وعن كيفية استقبالها، وكشف غطائها، وما كان عليها من أصناف الطعام، والأكل منها، والباقي عليها بعد الأكل، ونحو ذلك من الكلام الذي لا خير في ذكره والوقوف عليه؛ لضعف سنده، وعدم تعلق فائدة ترجى من ورائه. وقد ذكر ابن كثير أثراً طويلاً في هذا الصدد، ثم قال معقباً عليه: هذا أثر غريب جداً، قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له؛ ليكون سياقه أتم وأكمل.



والمهم في هذا المقام ما قاله الطبري رحمه الله: "وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول؛ وجائز أن يكون كان سمكاً وخبزاً، وجائز أن يكون كان ثمراً من ثمر الجنة، وغير نافع العلم به، ولا ضار الجهل به، إذا أقر تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل".



ويشار هنا إلى قول مقابل لرأي الجمهور، وهو قول الحسن ومجاهد أن المائدة لم تنزل، وقد روى الطبري عنهما ما يفيد عدم نزولها، لكن المعول عليه قول الجمهور المتقدم؛ لأن ظاهر الآيات تؤيده، وكذلك الآثار الصحيحة التي وردت في ذلك.



خامساً: قوله سبحانه: {إني متوفيك ورافعك إلي} (آل عمران:55).



ذكرنا ضمن الحديث عن قصة عيسى أن الصواب من القول في قوله تعالى: {إني متوفيك ورافعك إلي}: قابضك من الأرض، ورافعك إلى السماء بجسدك وروحك معاً. قال القرطبي: "الصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة ولا نوم، كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس". وذهب فريق من أهل العلم إلى أن معنى {متوفيك ورافعك}، أي: مميتك، ورافع منزلتك وروحك إلى محل كرامتي. فـ (الرفع) بحسب هذا القول رفع معنوي فحسب.



بيد أن بعض المفسرين ذكر أقوالاً أخرى للعلماء في معنى قوله سبحانه: {متوفيك ورافعك إلي}، فقد ذكر الآلوسي ثمانية أوجه للمراد من قوله تعالى: {متوفيك ورافعك إلي}، كالقول: إن الله سبحانه توفى عيسى عليه السلام ثلاث ساعات من نهار، ثم رفعه إلى السماء. والقول: إن المراد بـ (التوفي) النوم، على حد قوله سبحانه: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} (الأنعام:60). والقول: إن المراد بـ (الوفاة) موت القوى الشهوانية. وغير ذلك من الأقوال. ثم عقب الآلوسي على ذلك بقوله: "ولا يخلو أكثر هذه الأوجه عن بُعْد". وقال أيضاً: "وحكاية أن الله تعالى توفاه سبع ساعات، ذكر ابن إسحق أنها من زعم النصارى. ولهم في هذا المقام كلام تقشعر منه الجلود، ويزعمون أنه في الإنجيل، وحاشا الله ما هو إلا افتراء وبهتان عظيم".



والصواب أن الخوض في المراد من (التوفي) في الآية على غير المعنى الذي ذكره الجمهور، لا طائل من ورائه، ولا ينبغي إطالة الوقوف عنده؛ لضعف مستنده.



سادساً: قوله تعالى: {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} (آل عمران:63).



قد يرد سؤال يتعلق بهذه الآية حاصله: لماذا قال لهم عيسى عليه السلام: {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه}، وهلا بين لهم كل الذي يختلفون فيه؟ أجاب الزمخشري عن ذلك فقال: "كانوا يختلفون في الديانات وما يتعلق بالتكليف وفيما سوى ذلك مما لم يتعبدوا بمعرفته والسؤال عنه، وإنما بُعث ليبين لهم ما اختلفوا فيه مما يعنيهم من أمر دينهم". وأجاب الرازي عن هذا فقال: "إن الناس قد يختلفون في أشياء لا حاجة بهم إلى معرفتها، فلا يجب على الرسول بيانها". وقال الآلوسي: "وهو أمر الديانات وما يتعلق بالتكليف، دون الأمور التي لم يتعبدوا بمعرفتها، ككيفية نضد الأفلاك، وأسباب اختلاف تشكلات القمر مثلاً، فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيان ما يختلف فيه من ذلك. ومثلها ما يتعلق بأمر الدنيا، ككيفية الزراعة، وما يصلح الزرع وما يفسده مثلاً، فإن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا لبيانه أيضاً، كما يشير إليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة تأبير النخل: (أنتم أعلم بأمر دنياكم)، رواه مسلم".


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
da ra and sara125 like this.
__________________
ليلى
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-22-2013, 01:00 AM
 
شكرا
نسمة قلب and da ra like this.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-22-2013, 11:13 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://vb.arabseyes.com/backgrounds/19.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]







حديث القرآن الكريم عن رفع الله لعبده ورسوله عيسى عليه السلام ورد في آيتين كريمتين، الأولى: قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} (آل عمران:55)، وللعلماء قولان في المراد من قوله سبحانه: {متوفيك ورافعك}:

الذي عليه جمهور أهل العلم أن المراد: قابضك من الأرض، ورافعك إلى السماء بجسدك وروحك، لتستوفي حظك من الحياة هناك.



وذهب فريق من أهل العلم إلى أن المراد بـ {متوفيك ورافعك} أي: مميتك، ورافع منزلتك وروحك إلى محل كرامتي، ومقر ملائكتي، كما ترفع أراوح الأنبياء.



والآية الكريمة تخبر عن جانب من فضائل عيسى عليه السلام، وتبين للناس جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين يوم القيامة؛ ليثوبوا إلى رشدهم، ويسلكوا الطريق الذي يوصلهم إلى ربهم.



والآية الثانية التي أكدت حقيقة رفع عيسى عليه السلام، قوله عز وجل: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} (النساء:156-157)، وهذه الآية تحدثت عن جانب من الرذائل التي وصف الله تعالى بها الظالمين من بني إسرائيل، ومن بينها كذبهم على مريم أم عيسى عليها السلام، وزعمهم قتلهم عيسى عليه السلام، وقولهم هذا وإن كان يخالف الحقيقة والواقع، إلا أنه يدل على أنهم أرادوا قتله فعلاً، وسلكوا كل السبل لبلوغ غايتهم الدنيئة، فدسوا عليه عند الرومان، ووصفوه بالدجل والشعوذة، وحاولوا أن يسلموه لأعدائه ليصلبوه، وأسلموه فعلاً لهم، ولكن الله خيب سعيهم، وأبطل مكرهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، حيث نجى عيسى من شرورهم، ورفعه إليه دون أن يمسه سوء منهم.



وقد نقل الآلوسي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أراد ملك بني إسرائيل قتل عيسى عليه السلام، دخل خوخة - مدخل بين دارين لم ينصب عليه باب - وفيها كوة، فرفعه جبريل عليه السلام من الكوة إلى السماء، فقال الملك لرجل منهم خبيث: ادخل عليه فاقتله، فدخل الخوخة، فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى عليه السلام، فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت، فقتلوه وصلبوه، وظنوا أنه عيسى.



ونقل الآلوسي عن وهب قوله: أسروه ونصبوا خشبة ليصلبوه، فأظلمت الأرض، فأرسل الله الملائكة، فحالوا بينه وبينهم، فأخذوا رجلاً يقال له: يهودا، وهو الذي دلهم على عيسى، وذلك أن عيسى جمع الحواريين تلك الليلة، وأوصاهم، ثم قال: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، فيبيعني بدراهم يسيرة، فخرجوا وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريين إليهم، وقال: ما تجعلون لي إن دللتكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهماً، فأخذها ودلهم عليه، فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى، فأدخل البيت ورفع، وقال: أنا الذي دللتكم عليه، فلم يلتفتوا إلى قوله، وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى...



وروى ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج على أصحابه - وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين - يعني: فخرج عليهم من عين في البيت، ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن بي. ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي، فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب، فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام الشاب، فقال: أنا. فقال: أنت هو ذاك. فألقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة - كوة - في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا الشبه فقتلوه، ثم صلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء، ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس.



واختلف أهل الكتاب في شأن عيسى عليه السلام اختلافاً كبيراً؛ فمنهم من زعم أنه ابن الله، وادعى أن في عيسى عنصراً إلهيًّا مع العنصر الإنساني، وأن الذي ولدته مريم هو العنصر الإنساني، ثم أفاض عليه بعد ذلك العنصر الإلهي. ومنهم من قال: إن مريم ولدت العنصرين معاً، وكلا القولين أبطلهما القرآن الكريم، وقرر أن عيسى عبد الله ورسوله.



ثم اختلفوا في أمر قتله؛ فقال بعض اليهود: إنه كان كاذباً، فقتلناه قتلاً حقيقيًّا، وتردد آخرون، فقالوا: إذا كان المقتول عيسى، فأين صاحبنا؟ وإن كان المقتول صاحبنا، فأين عيسى؟ وقد زعم اليهود أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، وزعمهم هذا أبعد ما يكون عن الحق والصواب؛ لأن الحق المتيقن في هذه المسألة أنهم لم يقتلوه، فقد نجاه الله من مكرهم، ورفع عيسى عليه السلام إليه. وهذا الذي يجب اعتقاده بنص القرآن، وهو أن عيسى عليه السلام لم يُقتل، ولم يُصلب، وإنما رفعه الله إليه، ونجاه من مكر أعدائه، أما الذي قُتل وصُلب فهو شخص سواه.



وقد ورد في سياق الآيات التي تتحدث عن رفع عيسى عليه السلام قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا} (النساء:159)، وقد اختلف المفسرون في عود الضمير في قوله سبحانه: {قبل موته}:



فقال بعضهم: الضمير يعود إلى عيسى عليه السلام، والمعنى: إن من أهل الكتاب من يؤمن بعيسى قبل موته. وقد انتصر لهذا الاتجاه شيخ المفسرين الإمام الطبري، حيث قال: "وأولى الأقوال بالصحة والصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى". وعلق ابن كثير على قول الطبري بقوله: "ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير - رحمه الله - هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شُبِّه لهم، فقتلوا الشبيه، وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة".



وقال فريق: الضمير يعود إلى الكتابي المدلول عليه بقوله سبحانه: {وإن من أهل الكتاب}، والمعنى: وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت هذا الكتابي؛ لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق، ويتبين صحة ما كان ينكره ويجحده، فيؤمن بعيسى، ويشهد بأنه عبد الله ورسوله، وأن الله واحد لا شريك له، ولكن هذا الإيمان لا ينفعه؛ لأنه جاء في وقت الغرغرة، وهو وقت لا ينفع فيه نفس إيمانها، لم تكن آمنت من قبل.



وهكذا، يبين حديث القرآن الكريم عن رفع عيسى عليه السلام المنزلة التي حباه الله بها، فقد رفعه سبحانه إليه تشريفاً وتكريماً.


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
da ra likes this.
__________________
ليلى
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-27-2013, 11:25 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:80%;background-image:url('http://vb.arabseyes.com/backgrounds/19.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]












قصة حواري عيسى عليه السلام




أرسل الله سبحانه رسوله عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل داعياً إلى الحق المبين، وهادياً إلى صراط مستقيم، غير أنه لم يجد منهم آذاناً صاغية، ولا قلوباً واعية، ولما علم أن أكثرهم عن الحق معرضون، وعن الصراط صادون، خاطبهم بقوله: {من أنصاري إلى الله} (آل عمران:52). ويحكي القرآن الكريم أن فئة قليلة كانت قد آمنت بما جاء به عيسى عليه السلام من الحق، فلم تتردد في قبول ما جاء به، ولم تتقاعس عن تلبية نداء دعوته، بل إجابته بقولها: {نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52)، وفي آية أخرى: {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} (المائدة:111).

وقد سمى سبحانه أنصار عيسى بالحواريين؛ لأنهم أخلصوا لله تعالى نياتهم، وطهروا سرائرهم من النفاق والغش، فصاروا في نقائهم وصفائهم كالشيء الأبيض الخالص البياض، النقي من الشوائب. فهم لقوة إيمانهم وصفاء نفوسهم، قد لبوا نداء الحق، وتركوا الباطل ورائهم ظهريًّا، ولم يخشوا في ذلك لومة لائم، دافعهم إلى ذلك نصرة دين الله، والدفاع عن الحق الذي جاءهم به عيسى عليه السلام. يشهد لذلك قولهم: {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}، فهم أقروا بالإيمان بالله وحده، وعلموا علم اليقين أن ما جاءهم به عيسى هو الحق المبين، وطلبوا منه أن يشهد لهم بهذا الموقف الإيماني عند الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.



وقولهم الآنف الذكر يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من قوة الإيمان، وصدق اليقين، ونقاء السريرة، والخضوع لدعوة الحق. وفوق ذلك، فقد أخبر القرآن عنهم أنهم أعلنوا اعترافهم بربوبيته الكاملة سبحانه، وسلموا تسليماً تاماً بما أنزله الله على أنبيائه من قبل، وأكدوا امتثالهم للحق الذي جاءهم به عيسى عليه السلام، ثم التمسوا منه سبحانه أن يجعلهم من عباده الأخيار، وهو ما أخبر عنه سبحانه بقوله: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} (آل عمران:53).



ثم أخبر القرآن الكريم ما كان من بني إسرائيل، فقال سبحانه: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} (آل عمران:54). وقد كان اليهود الذين علم منهم عيسى عليه السلام الكفر، قد دبروا له حيلة لقتله، واتخذوا الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه الجريمة النكراء، بيد أن الله سبحانه أحبط مكرهم، وأبطل تدبيرهم، بأن نجى نبيه عليه السلام.



ويحكي القرآن الكريم في شأن الحوارين أنهم طلبوا من عيسى عليه السلام أن يُنْزِل عليهم مائدة من السماء، ودار بينهم وبين عيسى عليه السلام الحوار التالي: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة:112)، روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان القوم أعلم بالله عز وجل من أن يقولوا: {هل يستطيع ربك}، قالت: ولكن (هل تستطيع ربَّك). وروي عنها أيضاً أنها قالت: كان الحواريون لا يشكون أن الله يقدر على إنزال مائدة، ولكن قالوا: (هل تستطيع ربَّك). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: أقرأنا النبي - صلى الله عليه وسلم- : (هل تستطيع ربَّك)، قال معاذ: وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - مراراً يقرأ بالتاء: (هل تستطيع ربَّك).



وقد كان جواب عيسى على طلب الحواريين بأن أمرهم بتقوى الله سبحانه، والوقوف عند حدوده، والخوف والخشية منه، وترك مطالبته بأمور تؤدي بالمؤمن إلى الفتنة، فقال لهم: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}.



ثم حكى القرآن الكريم ما ردَّ به الحواريون على عيسى عليه السلام، وذلك قولهم: {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} (المائدة:113)، فقد بينوا في جوابهم أنه طلبوا نزول المائدة رغبة في أن ينالوا البركة، ولحاجتهم إلى الطعام بعد أن ضيق عليهم بنو إسرائيل في الرزق، وأيضاً لتزداد قلوبهم إيماناً بالله وتصديقاً بما جاءهم من الحق، وأيضاً ليكونوا شهوداً على صدق المعجزات التي جاءهم بها عيسى عليه السلام عند الذين لم يشهدوها.



والحواريون بينوا لعيسى عليه السلام - كما حكى القرآن الكريم - أنهم لم يطلبوا نزول المائدة من السماء؛ لأنهم يشكون في قدرة الله، أو نبوة عيسى عليه السلام، بل طلبوا ذلك زيادة في الإيمان، وطلباً لليقين. قال أهل العلم: "كان الحواريون خلصان الأنبياء، ودخلاؤهم وأنصارهم...وقد كانوا عالمين باستطاعة الله لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر، فأرادوا علم معاينة كذلك، كما قال إبراهيم عليه السلام: {ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة:260)، وقد كان إبراهيم علم ذلك علم خبر ونظر، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب، ولا شبهة؛ لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك، ولذلك قال الحواريون: {وتطمئن قلوبنا}، كما قال إبراهيم: {ولكن ليطمئن قلبي}.



ثم أخبرنا القرآن الكريم بما تضرع به عيسى عليه السلام بعد أن سمع من الحواريين ما قالوه في سبب طلبهم لنزول المائدة من السماء، كما بين ذلك سبحانه بقوله: {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين} (المائدة:114)، فقد طلب عيسى عليه السلام من ربه سبحانه أن ينزل على أنصاره رزقاً من السماء، يكون يوم نزوله عيداً يحتفلون به، ويبتهجون، ويتقربون به إلى الله عز وجل على ما رزقهم من الطيبات، ويكون أيضاً عيداً لمن يأتي من بعدهم، ممن لم يشهد هذه الآية المعجزة الربانية. قال السدي: أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيداً، نعظمه نحن ومن بعدنا. وقال سفيان الثوري: يعني يوماً نصلي فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم. وعن سلمان الفارسي: عظة لنا ولمن بعدنا.



ثم ختم سبحانه حديثه عن هذه المائدة وما جرى بشأنها بين عيسى عليه السلام والحواريين بقوله: {قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}، فأخبرهم سبحانه أنه منزل هذه المائدة عليهم؛ إجابة لدعاء رسوله عيسى عليه السلام، وأخبرهم أن من يكفر بعد نزولها، فإنه سوف يعذبه عذاباً شديداً.



وفي ختام سورة الصف مدح سبحانه الحواريين، ودعا المؤمنين إلى التشبه والاقتداء بهم، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} (الصف:14)، فالآية هنا تأكيد لما جاء في آية آل عمران من دعوة عيسى المؤمنين من بني إسرائيل إلى نصرته، والالتزام بما جاء به، بقوله على سبيل الامتحان؛ لقوة إيمانهم: مَنْ الجند المخلصون، الذين أعتمد عليهم بعد الله سبحانه في نصرة دينه، وفي التوجه إليه بالعبادة والطاعة وتبليغ رسالته؟ فأجابوه بقولهم: نحن أنصار دين الله تعالى، ونحن الذين على استعداد أن نبذل نفوسنا وأموالنا في سبيل تبليغ دعوته عز وجل، ومن أجل إعلاء كلمته سبحانه.



وكان جواب الحواريين لعيسى عليه السلام عندما دعاهم إلى اتباع الحق - كما تقدم -: نحن أنصار دين الله، ونحن الذين سنثبت على العهد، أما بقية بني إسرائيل، فقد افترقوا إلى فرقتين: فرقة آمنت بما جاء به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى، وفرقة أخرى كفرت به وبرسالته، وقد أيد سبحانه الفئة المؤمنة من بني إسرائيل، ونصرها على الفئة الكافرة منهم.



وقد تحدث القرآن الكريم في سورة الحديد عن ثلاث طوائف من أتباع عيسى عليه السلام؛ طائفة ابتدعت في دين الله ما ليس منه، وطائفة أخرى استمرت على الإيمان الحق، الخالي من البدع والأهواء، وطائفة ثالثة انحرفت عن الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام انحرافاً شديداً، وقد أخبر سبحانه عن هذه الطوائف الثلاث بقوله: {وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد:27)، فالطائفة الأولى جعل سبحانه في قلوبها {رأفة ورحمة} غير أنها ابتدعت عبادة اختارتها لنفسها {ورهبانية ابتدعوها}؛ زهداً في متاع الدنيا، وتقرباً إلى الله تعالى، والله سبحانه لم يأمرها بها، بيد أنها مع مرور الأيام لم تحافظ على ما اختارته من عبادة، وما ابتدعته من بدعة، بل صار أمرها إلى طقوس خالية من العبادة الصحيحة، لم يصبر على تكاليفها ومشاقها إلا القليل منهم. والطائفة الثانية استمرت على اتباعها لعيسى عليه السلام وعلى الإيمان به إيماناً صحيحاً خالياً مما يفسده، ويعكر صفوه، فأعطاها سبحانه أجورها طيبة كاملة، {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم}. وأما الطائفة الثالثة فقد بدلت نعمة الله كفراً، وقالت: {إن الله ثالث ثلاثة} (المائدة:73)، وقالت: {إن الله هو المسيح ابن مريم} (المائدة:17)، وقالت: {المسيح ابن الله} (التوبة:30)، فسوف تلقى من العقاب والعذاب ما تستحقه.



وقد قال سبحانه في ختام الآية: {وكثير منهم فاسقون} ليدل على أن الذين خرجوا عن الدين الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام، وفسقوا عن أمر ربهم أكثر من الذين آمنوا به واتبعوا النور الذي أنزل معه.



وفي سورة الزخرف ورد قوله تعالى بخصوص دعوة عيسى عليه السلام قومه: {ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} (الزخرف:63-65). فقد أرسل سبحانه عيسى عليه السلام إلى قومه، فخاطبهم ناصحاً ومرشداً: يا قوم! لقد جئتكم بالمعجزات البينات الواضحات، التي تشهد بصدق ما جئتكم به من الإنجيل، المشتمل على ما تقتضيه الحكمة الإلهية من آداب وتشريعات ومواعظ. ثم طلب منهم أن يسمعوا لما جاءهم به، ويطيعوا ما أمرهم به؛ لأن في ذلك نجاة لهم. بيد أن قوم عيسى عليه السلام اختلفوا في أمره اختلافاً شديداً.



و{الأحزاب} الذين اختلفوا في أمر عيسى هم اليهود والنصارى؛ لأنهم أمة دعوته، وقيل: المراد النصارى، وهم أمة إجابته، وقد اختلفوا في أمره شيعاً وأحزاباً، فمنهم الملكانية، ومنهم النسطورية، ومنهم اليعقوبية. وقالوا في أمره أقوالاً باطلة. وقد توعد سبحانه الذين اختلفوا في أمره بالعذاب الأليم؛ بسبب اختلافهم وبغيهم، ونسبتهم إلى عيسى عليه السلام ما هو بريء منه.



هذا حاصل ما ورد بشأن قصة حواريِّ عيسى عليه السلام في القرآن وأتباعه وأهل دعوته. والحديث عن عيسى عليه السلام له بقية.

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
ليلى
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لۈ حيَـآتڪ قصـَۂ ، ، فمَـآذآ سيَڪۈن عنۈآنهَـآ . .!* الدلع كلو حوارات و نقاشات جاده 4 09-09-2010 07:02 AM
مـن قصـص ملــوك الفراعنــة نبيل المجهول أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 02-10-2007 04:26 PM


الساعة الآن 07:23 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011