عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2010, 12:09 PM
 
Lightbulb كل ما تريد معرفته عن سيدنا إدريس(ع) - بحث مفصل

يتكون هذا الموضوع من أربع مباحث :

المبحث الأول :

الصدّيق النبي إدريس صلوات الله عليه و سلامه

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
(و أذكر في الكتاب إدريس أنه كان صدّيقا نبيا * و رفعناه مكانا عليا)
(و إسماعيل و إدريس و ذا الكفل كلٌ من الصابرين * و أدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين)
وصفه الله بالصدّيق و هو ما يصدق بكل ما اتى به الله و مخلصا بكل ما امر الله به (و يسلموا تسليما) ....لذلك كان أبو بكر يُلقب بالصدّيق ...لأنه كان مصدقا لما جاء من عند الله و مخلصا في تأديته ....و لو تُلاحظ انه كل واحد يُسمى بالصدّيق ..يكون فريد زمانه ...ليس احد مثله في زمانه ..فكان ابو بكر الصديق افضل الناس بعد الأنبياء في زمانه ...و كانت مريم الصدّيقة افضل اهل زمانها ...و كان يوسف الصدّيق افضل اهل زمانه ...و كان إبراهيم الصدّيق افضل أهل زمانه ...إلخ ..فإدريس أيضا كان افضل الناس نبوة و إخلاصا و صديقية في زمانه ...أي أنه صادقا في إيمانه صادقا في إسلامه و أخذ أمر الله من شرائع و عبادات ...مُصدّقا لما جاء به الله في الأخذ و التبليغ في سبيل الله ....
هو ثالث نبي بعد ءادم و شيث عليهما السلام ....أنزل الله عليه30صحيفة في الشرائع و العبادات و المحللات و المحرمات ...و كذلك انزل الله على غيره من الأنبياء كأدم و شيث و إبراهيم ....إلخ و لكنها حُرفت من قِبَل من خلفهم .....لذلك بعد ان ذكر الله في سورة مريم عدد من الأنبياء ك(عيسى و زكريا و يحيى و موسى و إبراهيم و إسماعيل و إدريس) ...حدد تعالى منازلهم و مراتبهم و فضائلهم ...و بعد ذلك قال (فخلف من بعدهم خلفٌ اضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) إلا من تاب و امن و عمل صالحا يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا ....و كذلك حدث بعد وفاة سيدنا محمد(ص) إلا ان كتابه القران العظيم حفظه الله من ايدي المحرفين و المشوهين ...خلافا لما وقعت فيه الكُتُب السابقة ...

لا يُعرف على وجه الصحة نسب سيدنا إدريس عليه السلام ...فقد روت الإسرائيليات ان اسمه (خنوخ بن يرد -او جراد- بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن ءادم)عليه السلام فإدريس هو من الجيل السابع بعد ءادم ....كذلك قالت الإسرائيليات أنه رُفع للسماء و عمره(365) و قيل عاش تتمة الألف سنة و مات في السماء و لم يرجع إلى الأرض و كتب وصيته لأبنه قبل رفعه ....كذلك قالت الإسرائيليات أنه وُلد له ابنه (متوشالخ) و الكثير غيره من الأبناء و البنات ....و قال في شأن ذلك ابن أياس في كتابه(بدائع الزهور) : ((..و تزوج -أي إدريس- بإمرأة حملت منه بولد ذكر فلما وضعته سمّاه (متوشالخ) و أنتقل النور الذي بجبهة إدريس إلى جبهة متوشالخ ،فلما كبر متوشالخ عهد إليه إدريس و سلمه السمط و التابوت و صحفه الإدريسية و صحف أبيه شيث و ءادم السماوية ،و أوصاه بقرأءة كتاب الله و كلامه في هذه الصحف و أن يحفظه في صدره و يأخذ الكتاب بقوة نو أوصاه بلزوم الصلاة و قال له :يا بني إني صاعد إلى السماء و لا اعلم هل أرجع أم لا فأقبل ما أوصيتك به ...))
و قالت التوراة (و عاش أخنوخ خمساً و ستين سنة و ولد له متوشالخ-22-و سلك أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالخ ثلاثمائة سنة ولد فيها بنين و بنات-23-فكانت كل أيام أخنوخ ثلاثمائة سنة و خمساً و ستين سنة-24-و سلك أخنوخ مع الله و لم يوجد بعد لأن الله أخذه-25-)) من سفر التكوين الإصحاح الخامس
و قالت الإسرائيليات أنه أدرك 308سنين من حياة ابيه ءادم قبل وفاته ..و قالت ايضا عن وفاة إدريس أنه سأل ملك الموت فقال: كم بقي من عمري؟فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر ،قال الشيخ عبد الوهاب النجار بعد سرد وفاة إدريس هذه : الأسلم تفويض علم ذلك إلى الله تعالى و قال ابن كثير عنها : و هذا من الإسرائيليات و في بعضه نكارة......و الله أعلم بهذه الإسرائيليات فقد قال عنها النبي (ص) (لا تصدقوهم و لا تكذبوهم) و قال(ص) (حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج و من كذب عليّ متعمدا فاليتبوأ مقعده من النار) ...
فمن الممكن لنا الأخذ من الإسرائيليات المفيدة إن كانت لا تخالف القُرآن أو السنة و يمكننا أخذ المسلتذ منها (جهل لا يضر و علم لا ينفع) مثل عمر فلان و مكان وفاته و صفته ...إلخ ،فإن ذلك يذوق الكلام و يُحليه على المسامع ،لكن لا نهتم بذلك كثيرا فنجعله أهم من المغزى..فهذا الجهل بعينه لكن الأخذ منها على سبيل المعرفة السريعة بدون الأهتمام الذي يزيد عن الحد فجائز .
فعند اليهود إدريس يُسمى (حنوك)أو(خنوخ)و يُعرب للعربية إلى (أخنوخ) و يقولون بأن الله رفعه للسمآء و قد بلغ من عمره (365) سنة و لم يعُد للأرض ،بنص التوراة(و سلك أخنوخ مع الله و لم يوجد بعد لأن الله أخذه) .
و عند اليونان إدريس يُسمى (طرميس)أو(أرميس)و يُعرب للعربية إلى (هُرمس) و مات و عمر(82) سنة بعد أن جاب كل مكان بالأض ، ثم رفعه الله إليه إلى السمآء .
إلى غير ذلك من مسميات و أعمار أطلقته شعوب عديدة على إدريس ...فربما كان ذلك لأنه سافر مثلا إلى اليونان فعاش هناك 83سنة ليعلم أهلها العلم و الحكمة .. أو مثلا سافر لشعب آخر بعد اليونان فسكن وسط ذاك الشعب فعاش وسطهم 365سنة ....ثم همّ بالسفر إلى شعب آخر و هكذا ..إلخ فكل مكان يسافر إليه و تنتهي مدته بها فيقول كل اهل من اهاليها :عاش معنى كذا او كذا او كذا من السنين ثم سار مع الله و ذهب ...فكل شعب يعرف كم عاش معهم لكن لا يعلم كم عاش طيلة حياته ....فربما لذلك تختلف الأقوال في سنه و جنسيته ،و حتى إن كل شعب من مبالغته في حب إدريس جعله من جنسه فالذي يقول :هو فارسي مثلنا و الذي يقول :هو مصري مثلنا إلخ...و الله أعلم

و قيل أن النبي إدريس (عليه السلام)هو نفسه النبي إلياس(عليه السلام) ...و لكن هذا خطأ لأن إدريس كان في زمن و إلياس في كان زمن غيره و في مكان غيره ....فإلياس كان يدعو أهل الشام ...اما إدريس فإنه كان يدعو في العراق و مصر و كان يعظ و يدعو من يأتيه من بلاد أُخرى ...إلخ ....كما انه هناك تشابهات بين إدريس و إلياس مثل الرفع للسماء و غير ذلك الكثير ...و إلياس كان بالشام ..و إدريس مرّ بالشام خلال رحلته فربما دعا الناس هناك ،فأشتبه لذلك على بعض المفسرين بانه هو إلياس ....و قيل ان إدريس لم يكن في عمود نسب النبي(ص) فأستدل العلماء على انه عندما سلم على النبي(ص) قال : مرحبا بالأخ و النبي الصالح ...و لم يقل بالأبن الصالح كما قال أدم و إبراهيم لأنهم في عمود نسب النبي ...و الله اعلم ....و لكن هذه أخطاء إجتهادية من العلماء و المجتهد له أجران .....فإن إدريس نبي و إلياس نبي أخر غيره ..فسواءا كان إدريس في عمود نسب النبي او غيره او كان إلياس هو إدريس أو لا ..فنحن مأمورون بالتصديق بالنبيين و الإيمان برسالتهم و الإثناء عليهم كي يثني الله علينا في ملأئه الاعلى .

أما عن مكان ولادته فيقال في مصر ب(منف) و قيل في العراق ب(بابل) ..فيقول الذين يستندون إلى أنه ولد بمصر ما معناه : أن أبناء شيث أنتشروا و هاجر الكثير منهم سواء من ذرية شيث او ذرية قابيل ،إلى آسيا و أوروبا و مرت جماعة منهم إلى إفريقيا حيث ظهر النبي إدريس عليه السلام بمصر ...الذي ربما يكون هو نفسه الحكيم (أسكليبوس) الذي أبهر المصريين و ألهوه في ثالوث (منف) برمز (أمحتب) ...فليس شرطا أن يكون أسكليبوس ولد بمصر فربما جاء من بابل لمصر و حدث ما حدث ..و الله اعلم
ولد سيدنا إدريس عليه الصلاة و السلام في بابل بالعراق على الأرجح ...نشأ و ترعرع بها ...و تلقى العلم من جدوده ءادم و شيث عليهما السلام و تلقى الحكمة و العلم و الشرائع و العبادات منهم ....و اخذ بعلم و حكم و شرائع ابيه شيث و ادم و شد عليها بالنواجذ فأخذ كتاب الله و سنة أنبيائه السابقين بقوة و عزم بالإقبال على الله ....و جمع صحف ادم و شيث مع صحفه ليدعو الناس بالتمسك بدين الله الذي يدعو به و بدين من قبله ادم و شيث ...و أن ءادم و شيث و إدريس أنبياء ابناء علات -أي أنهم كثيرون متفرقين من انساب مختلفة لكن من أم واحدة- لا نفرق بين واحد منهم و نحن لربنا مسلمون ....و كان الشرك و المعاصي في ايام إدريس قد ظهرت و عبادة الاوثان ....فظل يدعو ‘إدريس الناس للعبادة و التوحيد و ترك الحنث العظيم و الأوثان التي لا تضر و لا تنفع ،و أن نتفكّر في خلق الله لنستدل بها عليه و لينبذوا الأصنام التي لا تُجيب داعيها و لا تدعو من لم يناديها .....فأستجاب له قليلٌ من الناس و هجره كثير ....و كان من هجره بنو قابيل ...و الذين اتبعوه بنو شيث ....لأنهما كانتا السلالتين الوحيدة الموجودة انذاك ....فبنو شيث القلّة المؤمنين ...و بنو قابيل الكُثرة الفاجرين .....و كانت أنذاك العراق او بابل قليلة الرطوبة خالية قليلا من منابع الخير و الجو و المناخ ....فضاق بإدريس و قومه ذرعا بالعيش فيها ....فقال إدريس لمن معه ان غضب الله قد حل بقومهم الأشرار بنو قابيل و سيحل بهم عذاب شديد من ربهم و سينزل عليهم عذابا من السماء يملأ الارض طوفاناً بماء السمآء و الأرض -و كان إدريس أول من تنبأ بطوفان نوح الذي سيعيش بنو قابيل حتى يتكاثروا حتى يدركوا زمن نوح و يكفروا برسالته فينزل الله عليهم هذا العذاب الشديد المذكور- ...فأخذ إدريس يدعو من معه من المؤمنين بأن يرحلوا عن أرض بابل فقال لهم ((إن الله عز و جل سيعذب ولد قابيل و من خالطهم من الكُفّار و من مال إليهم من الفُجّار بعذاب أرضي و سماوي)) ،و الذين ذكروا هرمس قالوا أنه(قد تنبأ بحدوث الطوفان و رأى أن آفة سماوية ستلحق بالأرض من الماء أو النار) .
و كانت ساعة وداع الأرض و المكان قاسية على الجميع خاصة على إدريس و هو يودع أباه قبل الرحيل ...فعندما أتى يودعه قال له أباه : لما تشدّون رحالكم أهو الرحيل يا إدريس؟ فقال إدريس :نعم ..إنه الرحيل إنقاذا لخلق الله سبحانه و تعالى و تثبيتهم على سلوك الحق و الصواب و العدل و عدم الحياد عن الطريق المستقيم...إن هذا الرحيل يا ابي إنقاذا للصالحين حتى لا تفتنهم فتنة ذرية قابيل .
فقال له أبوه : فليرعكم الله في حلكم و ترحالكم رافقتكم السلامة في رحيلكم و لتحل بركة الله عز و جل عليكم في كل منزل تنزلونه .
فدعا إدريس ربه بأن ينصره على قومه و يثبت اقدامه على الحق و يفرج همهم الذين هم فيه ....فشد رحاله هو و قومه و رحلوا بدوابهم و اكلهم و زادهم ....فمروا عشوائيا ببلاد الشام ...حتى وصلوا إلى مصر ....فهُنا كانت المُفاجأة ....






هنا كانت ارض المُستقر لهم بمناخها الطيب و اكلها و زرعها الطيب و اثمارها ....و ساعتها قال إدريس و قومه الجملة المشهورة (بابليون) و معناها : بابل يون ..اي مكان و مُستقَر خيرٌ من بابل ...و نهرها النيل و مهبطها خيرٌ من بابل او خيرٌ من المكان الذي كنتم فيه سابقا ....و نيلها خيرٌ من فراتكم ....إلخ ...و أصبح الناس من شتى البلاد في مصر و العراق و غيرها ياتون على إدريس في منف(مصر القديمة الأن) و يتعلمون منه الحكم و العلوم ...فكل من يتعلم تلك العلوم يذهب لبلده و ينشرها لأهله الذي جاء من الهند و الذي جاء من بلاد الروم و الذي جاء من بلاد فارس ...و هكذا كلٌ جاء يتعلم على يدي إدريس عليه السلام ....و من كثرة شغفهم بحب إدريس بالغوا فيه لدرجة أن كلهم قال إنه مولود عندنا و هو منا ..و منهم من يقول نصفه إله و نصفه إنسان ..و غير ذلك من المبالغات التي إن وقع الإنسان في فخّها وقع في الشرك و التأليه على الله تعالى .. معاذ الله ..تماما حدث لإدريس من مزاعم و تأليه من قومه من بعده ..كما حدث لأصنام قوم نوح ..كما حدث مع النصارى من تأليه ..كما حدث مع الشيعة اليزيدية ..كما حدث مع اليهود ....إلخ من أقوام ضآلين كلهم بالنار إلا من تاب و ءامن و عمل صالحا ..اللهم اجعلنا من التوّابين

فأنظروا هنا حكمة لطيفة جميلة ....ألا و هي ما ذُكرت في الأية (إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ..فهذا تماما ما فعله إدريس و حث عليه قومه و دعاهم إليه ....و كان صادقا مع ربه ...صادقا في رسالته للناس ...مؤدي حق الرسالة و التبليغ حقها الكامل و تبليغها المجاهد في سبيل الله حق جهاده ....لذلك قال عنه تعالى (إنه كان صديقا نبيا) فعُد من الصديقين النبيين ....بل من اوائلهم و افضلهم ....لذلك (و رفعناه مكانا عليا) ....و إلى جانب ذلك كله ......نجاه و قومه من ارض بابل و من شرار خلقها و قدر لهم الهداية و الإرشاد و الخير بأن الهمهم و دلهم على مكان الخير و المستقر لهم ....مصر ...لماذا ؟؟ لأنهم اعتمدوا على التوكل على الله و الأخذ بالأسباب ......فبدل الله سيئاتهم حسنات ....و جعلهم من خيار اهل الأرض انذاك و احبهم إلى الله .... و لأنهم فعلوا كما يشبه قول النبي ص (إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه) و أن ان الله لا يتقبل من العمل إلا خالصه ..فهكذا كان إدريس و قومه


و لقد نقلت من موقع (أهل السُنة و الجماعة)هذا الخبر عن إدريس عليه السلام : (فعاش سيدنا إدريس عليه السلام يعلّم الناس شريعة الإسلام وأحكام دين الله، مع أن الناس الذين كانوا في زمانه كانوا مسلمين مؤمنين يعبدون اللهَ تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا، واستمرّ الأمر على هذه الحال إلى أن ظهر إبليس اللعين للناس في صورة إنسان ليفتنهم عن دين الإسلام، وأمرهم أن يعملوا صورًا وتماثيل لخمسة من الصالحين كانوا معروفين بين قومهم بالمنزلة والقدْر والصلاح، وكان في شرع إدريس جواز عمل تماثيل للأشخاص ثم نسخ ذلك، فأطاعوه وعملوا لهم صورًا وتماثيل، ثم لما طالت الأيام ظهر لهم مرة أخرى في وقت كثر فيه الجهل والفساد في الأرض، وأمرهم أن يعبدوا هذه التماثيل والأصنام الخمسة فأطاعوه وعبدوهم واتخذوهم ءالهةً من دون الله فصاروا كافرين مشركين، وكان ذلك بعد وفاة نبي الله إدريس عليه السلام بمدة ولم يكن في ذلك الوقت نبيّ، قال الله تعالى حكاية عن هؤلاء الذين عبدوا هؤلاء التماثيل التي كانت صورًا لخمسة من الصالحين: {وقالوا لا تذرُنَّ ءالهتُكم ولا تذرُنَّ وَدًّا ولا سُواعًا ولا يغوثَ ويَعوقَ ونسرًا} (سورة نوح/33). فسيدنا إدريس عليه الصلاة والسلام عاش تتمة الألف سنة بعد سيدنا ءادم على الإسلام هو ومن اتبعه ومن كان معه، يدعو المسلمين الذين كانوا في زمانه إلى تطبيق شريعة الله وأداء الواجبات واجتناب المحرمات، وأخذ ينهى عن مخالفة شريعة الإسلام، فأطاعه بعضهم وخالفه بعض، فنوى أن يرحل فأمر من معه أن يرحلوا معه عن وطنهم العراق فثقل على هؤلاء الرحيل عن وطنهم، فقالوا له: وأين نجد مثل بابل إذا رحلنا؟ وبابل بالسريانية النهر، كأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال لهم: إذا هاجرنا لله رزقنا غيره (أي بلدًا غيره) فلما خرج سيدنا إدريس عليه السلام ومن معه من العراق ساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذي يسمى بابليون فرأوا النيل ورأوا واديًا خاليًا فوقف سيدنا إدريس على النيل وأخذ يتفكر في عظيم قدرة الله سبحانه ويسبح الله سبحانه و تعالى .فقد دعا سيدنا إدريس عليه السلام إلى دين الله وإخلاص العبادة له، وإلى الالتزام بالشريعة وإلى تخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح، وحضّ على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة والعمل بالعدل وعدم الظلم، وأمرهم بالصلاة وبينها لهم وأمرهم بصيام أيام معينة من كل شهر، وأمرهم بزكاة الأموال معونة للفقراء، وشدّد عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرّم عليهم الخمر والمسكر من كل شىء من المشروبات وشدد فيه تشديدًا عظيمًا، وقيل جعل لقومه أعيادًا كثيرة في أوقات معروفة، وقيل كان في زمانه 72 لغة يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى لغاتهم جميعها ليعلم كل فرقة من قومه بلغتهم كما قال الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} (سورة إبراهيم/4) .

***************


كانت ارض مصر هي مُستقر و مكان سكن سيدنا إدريس عليه السلام ....فسكن في منف(مصر القديمة)حاليا ،فأقام في وادي خصب التراب طيب المناخ مع قومه و صحابته الكرام يدعوهم للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و عبادة الله و عدم الخروج على طاعته .....و هناك قصر أثري قيل ان إدريس سكنه و قد أكتُشف صحف كثيرة يُقال انها منسوبة إليه في مصر و إثيوبيا و غيرها ...و الله اعلم ......اما في العراق في مسجد (السهلة) يوجد مقام يسمى (مقام إدريس)يقال إنه ينسب إليه أيضا و انه كان يعمل هناك خياطا و قيل انه اقام هناك و الله اعلم .....



مقام النبي ادريس- من مسجد السهلة المعظم (أحد أكبر المساجد التي شيدت في الكوفة خلال القرن الأول الهجري)

***************

و قد ورد ان سيدنا إدريس هو اول ن خط بالقلم و تعلم الكتابة ...فإلى جانب انه نبي ...فهو إنسان مُبدع مخترع ما ينفع الناس و ما يساعدهم في حياتهم ..و لكن ليس مخترعا لما يدمر الناس بالأسلحة و نحو ذلك!!! كان يستعمل عقله في الاستفادة و افادة الناس و ليس لإضرارهم .......فكان اول من كتب و خط بالقلم ....و تدرج بها ...فكان اولا يكتب بالحجر و العظم و الرمل ...حتى كتب بالقلم ...و هو اول من يخيط الثياب و لبسها و كانت قبل ان يخترعها كان الناس يلبسون من جلود الضأن و الحيوانات ....فأبتكر إدريس القماش و خاطه و هو اول من لبسه ......وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم ، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين . وقد قال طائفة من الناس : إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال : " إنه كان نبي يخط به فمن وافق خطه فذاك " .
و كان إدريس عليه السلام يعمل خياطا و يكسب من عمل يديه .....فهذا يحث الصناع و اصحاب المهن على الإبتكار و التطوير دائما (إذا عمل احدكم عملا فليتقنه) و ان يأكل من المال الحلال....و كان إدريس عليه السلام مع كل غرزة إبرة في الثوب يقول (سبحان الله )او (سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم) ....فلو نسي ان يقول (سبحان الله)في غرزة واحدة فقط من غرزات الأبرة ....يفتق ما خاطه ، لأنه ربما لا تكون ثمرة العمل و فضله إلا في تلك الغرزة الصغيرة ...،و لأن العمل لا يُكمّل إلا بذكر الله عليه و التوكل عليه في فعل اي عمل......و كان إدريس من كثرة تسابيحه و عمله الجليل و القيام و السهر بالطاعات و كثرة العبادة .....كان الله لا يرفع عملا لأحد من الناس في زمانه في كل يوم بقدر ما يُرفع لإدريس من عمل ....فكان كل يوم يُرفع له عملا بقدر عمل جميع اهل الأرض (إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) اي انه كما يقولون (رجل واحد بألف رجل)فما بالك إن كان ذلك كل يوم !!!!!!سبحان الله فذلك قوله تعالى (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب) فكما رايت كيف احسن الله حال إدريس و قومه بعد أن كانوا في بابل أرض القحط و الكفر ...فمن عليهم بأرض الخصب و الإيمان و جعل إدريس افضل الناس عملا عنده و كان يرزقه بعمله لأنه كان يراعي حقوق الله فيه حق رعايته ....
و روي ان سيدنا إدريس عليه السلام ..كان يخيط في بيته ..فجاءه ذات مرة إبليس اللعين في صورة إنسان ...فكان إدريس يغرز و يخيط ...فقال له إبليس : إن الله قادر أن يجعل الدنيا في هذه ..و أشار إلى قشرة صغيرة جدا ...فقال له إدريس إن الله قادر ان يجعل الدنيا في سم هذه الأبرة .....و غرزها في عين إبليس اللعين ...ومعنى قول ادريس عليه السلام الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الابرة، أراد به أن الله تبارك وتعالى قادرٌ أن يصور الدنيا أصغر من سم الابرة ويجعلها فيها، أو يجعل سم الابرة أكبر من الدنيا فيجعلها أي الدنيا في سم الابرة، لأن الله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، وانّما لم يفصل له سيدنا ادريس عليه الصلاة والسلام الجواب لأنه معاند، ولهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين. ذكر هذه القصة الأستاذ أبو اسحاق الاسفرايني في كتابه الترتيب في أصول الفقه وهذا ليس ثابتا من حيث الاسناد ....
وقد روى الإمام ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي (ص) قال: (يا أبا ذر أربعة سريانيون: ءادم، وشيث، وأخنوخ وهو ادريس وهو اول من خط بالقلم، ونوح) .اي ان إدريس كان غير عربي بل سرياني اللُغة و هي لُغة كانت قبل ظهور العربية ،و لم يكن على الأرض عرب في ذلك الوقت .....بل ظهر العرب فيما بعد الطوفان و تكاثرت الذرية بعدها ....و كانت العرب من ذرية سام بن نوح....و قد جاء منهم قومي عاد و ثمود اصحاب صالح و هود ....و كانوا عرب و لكن كانت لغتهم تختلف عن العربية .

و ذكر صاحب كتاب (بحار الانوار) -ج11- :
ما روي عن ابن عبّاس أن إدريس كا يسبح النهار و يصومه ويبيت حيث ما جنه الليل و يأتيه رزقه حيث أفطر و كان يصعد له من العمل الصالح مثل ما يصعد لأهل الأرض كلهم في كل يوم .. فسأل ملك من الملائكة ربه بزيارة إدريس عليه السلام و أن يسلم عليه فأذن له ،فنزل الملك إليه و أتاه فقال له إدريس : إني أريد أن أصحبك و اكون معك .فصحبه
و كانا يسيران في النهار و يصومانه فإذا جنهما الليل يفطر إدريس بعد صيامه و يدعو ملك الموت للأكل فيقول : لا حاجة لي فيه ...ثم يقومان يصليان ،و إدريس يصوم و يفتر و ينام ،و ملك الموت يصلي و لا ينام و لا يفتر ...فمكثا على ذلك أياما .
ثم إنهما مرا بقطيع غنم و عنب قد اينع فقال ملك الموت : هل لك أن تأخذ من ذلك حملا او من هذا الأعناب عناقيد لتفطر عليه؟
فقال إدريس متعجبا : سبحان الله أدعوك إلى مالي فتأبى ،فكيف تدعوني إلى مال غيري؟؟ !!
ثم قال إدريس للرجل : فقد صحبتني و احسنت فيما بيني و بينك ..من أنت؟
قال : أنا ملك الموت
فقال : لي إليك حاجة
قال : ما هي ؟
فقال : تصعد بي إلى السماء
فأستأذن ملك الموت ربه في ذلك فأذن له فحمله على جناحه فصعد به إلى السماء ..ثم قال له إدريس : إن لي إليك حاجة أخرى .
قال : و ماهي ؟
فقال : بلغني ان في الموت شدة فاحب ان يذيقني منه طرفا فانظر هو كما بلغني .
فأستاذن ملك الموت ربه فاذن له فاخذ بنفسه ساعة ثم خلّى عنه .
قال ملك الموت : كيف رأيت يا إدريس؟
فقال إدريس : بلغني عنه شدة و أنه لأشد مما بلغني ..ثم قال لملك الموت : أريد منك حاجة اخرى ،أن تريني النار .
فأستأذن ملك الموت خازن النار فأستأذن خازن النار ربه فأذن له ،ففتح له فلما رآها إدريس سقط مغشيا عليه .
ثم قال : لي إليك حاجة اخرى ،أن تريني الجنة .
فأستأذن ملك الموت صاحب الجنة فاستأذن صاحب الجنة ربه فأذن له ،فلما رآها إدريس قال لملك الموت : ما كنت لاخرج منها فالله يقول (كل نفس ذآئقة الموت) و قد ذقته ،و يقول (و إن منكم إلا واردها) و قد رأيتها -أي النار- ،و يقول (و ما هم منها بمخرجين) و لست أخرج من الجنة بعد دخولها .
فأوحى الله لملك الموت : خصمك عبدي فأتركه و لا تتعرض له . فبقى بالجنة .

و كان هذا الملك الذي ذكرناه خليل سيدنا إدريس و صاحبه لا يفارقه أبدا ....و هذا من خصائص سيدنا إدريس التي اختص بها ....
و ذكر صاحب كتاب(بدائع الزهور في وقائع الدهور) : (( و يُروى أن ملك الموت أستأذن ربه بأن يزور إدريس فأذن له في زيارته ، فأتى إليه في صورة رجل ..
فقال إدريس له : من أنت أيها الرجل؟
فقال الملك : أنا ملك الموت أستأذنت ربي في زيارتك فأذن لي في ذلك .
فقال إدريس: إن لي إليك حاجة . قال الملك :و ما هي؟ فأجاب إدريس :أن تقبض روحي في هذه الساعة ،فقال ملك الموت :إن ربي لم ياذن لي بذلك . فأوحى الله الى ملك الموت :إني أعلم ما في نفس عبدي إدريس فأقبض روحه ..فقبضها في الحال .
ثم إن الله احياه في الحال فقال إدريس :يا ملك الموت بقى لي حاجة اخرى . فقال الملك: و ما هي؟ قال إدريس :أن تمضي بي لجهنم لأنظر أهوالها ...فأذن الله له بذلك فحمله ملك الموت و اتى به لمالك خازن النار فاوحى الله الى مالك خازن النار بأن :اوقف عبدي ادريس على شفير جهنم لينظر ما فيها ،فلما وقف ادريس و نظر اليها أُغشي عليه من اهوالها المفزعة المميتة خوفا ..فجاء اليه ملك الموت و احتمله لمكانه الذي اخذه منه .
..فصار ادريس منذ ذلك اليوم لا تكتحل عيناه بمنام و لا يهنا بمطعم و لا بمشرب و لا يقر له قرار من هول جهنم الذي رآه فأنعكف إدريس عليه السلام على عبادة الله و مرت عليه الأوقات و السنين .. فتزوج و انجب ...
حتى حان الوقت أن يأتيه خبر رفعه للسماء مرة أخرى ....فقد دخل إدريس على محرابه و سأل الله أن يريه الجنة كما أراه النار ،فاوحى الله إلى رضوان خازن الجنان بأن يدلي لإدريس غصناً من أغصان الجنة ،فأدلى رضوان لإدريس غصن من أغصان شجرة طوبى الكريمة ،فتعلق به إدريس و صعد إلى السماء فأدخله رضوان الجنة ..فلما أطال إدريس الجلوس بالجنة قال رضوان له :أخرج فقد نظرت إلى الجنة و ما فيها ،فقال إدريس :ما أنا بخارج منها ...و قد قال تعالى (كل نفس ذآئقة الموت) و قد ذقته ،و قال تعالى (و إن منكم إلا واردها)و قد وردتها ،و قال تعالى (و ما هم منها بمخرجين) إذا فما أنا بخارج منها ...فأوحى الله تعالى إلى رضوان : (قل لعبدي إدريس لا يخرج منها أبدا ).

...و في خبر آخر رواه أبن أبي حاتم : أنه لمّا سأل سيدنا ابن عباس كعب الأحبار عن قوله تعالى (و رفعناه مكانا عليا) فقال : أما إدريس فإن الله اوحى اليه : اني رافع لك كل يوم مثل جميع عمل بني ءادم من اهل زمانك فأحب ان يزداد عملا ..حتى جائه صاحبه الملك فقال له إدريس : إن الله أوحى إلي أن ازيد من عملي و أني لأرجو أن اكون خير أهل الأارض..فصار الملك مع إدريس حتى أزداد عمله فرفع الملك إدريس على ظهره بين جناحيه حتى وصلوا للسماء الرابعة ....و إدريس بينما كان على ظهر المَلَك بعد أن صعدوا للسمآء من الأرض ...فكانوا في السماء الرابعة تلقاهما ملك الموت منحدرا،فقال ملك الموت : و اين إدريس؟ ...فقال الملك صاحب إدريس : ها هو ذا على ظهري ...فقال ملك الموت متعجبا مندهشا : بعثني الله و قال لي :اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ....فكيف اقبض روحه في السماء الرابعة و هو على الأرض -أي في ظن المَلَك أن إدريس على الارض فتعجب من أنه أُمر بقبض روحه بالسماء الرابعة و فعلا مفاجئتا من غير توقع أنه وجده بالسماء الرابعة فهو لم يقبض روح أحد قبل ذلك بالسماء الرابعة- ..فقبض روحه هنالك ،فذلك قوله(و رفعناه مكانا عليا) ..

...و هذه الروايات من الإسرائيليات و في بعضها نكارة كما قال ابن كثير في التفسير ....و قيل إدريس رفع للسماء الرابعة و ليس الجنة ...و قيل الجنة لأنها في عليين لذلك(مكانا عليا) كما ذكرنا ....لذلك تجد المفسرين يقولون معنى(و رفعناه مكانا عليا) اي إلى الجنةو قيل السماء الرابعة و قيل السادسة .....و ارجح الأقوال انه موجود في السماء الرابعة كما ورد في رحلة معراج سيدنا محمد (ص) ...حيث عندما جاء دخول سيدنا محمد(ص) السماء مع جبريل ...قيل لجبريل : من انت؟ قال : جبريل . قال القائل : و من معك قال جبريل : محمد ....فدخلا فإذا بإدريس فسلم عليه فقال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ، اي ان إدريس في السماء الرابعة ...و الله اعلم


********************




نسخة نادرة من الصحائف المنسوبة إلى إدريس النبى الذى عرف عند المصريين القدماء باسم (اخنوخ) وعند اليونان باسم (هرمس) وهذه المخطوطة النادرة محفوظة حالياً بمكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت
*
كانت لإدريس شريعة سماوية مثلها كمثل كل شريعة في أنها من عند الله ،و أن نفس بنود الشريعة في كل الشرائع كالصلاة و الزكاة إلخ ...لكن تختلف كيفيتها ..و كانت شريعة إدريس كالتالي :
1- الدعوة للصلوات فحدد طقوسها لكل أمة من امم الأرض ال72 .
2- أمر بالزكاة فيساعد الغني الفقير و يُعين القوي الضعيف .
3- امر بالصيام و حدد لها -بأمر من الله- شهرا أو أياما معروفة .
4- دعا الناس إلى الطهارة و النظافة و الوضوء التي لا تتقبل الصلاة إلا بها .
5- شدد على تجنب المشروبات المسكرة مثل الخمر لأنها تُذهب العقل الذي لا كرامة للإنسان إلا به ...و أمر بإجتناب كل فسق و إثم و فجور و إفساد بين الناس .
6- حثّ على الجهاد في سبيل الله ..و لقد كان لنا فيه أسوةٌ حسنة حينما جاهد بنفسه ولد قابيل قبل هجرته لوادي النيل .
7- أمر بالعدل بين الناس و حضّ على الزهد و فعل الخير و الإحسان إلى الفقراء و المساكين .
8- القيام بالأعمال الصالحة و اداء النوافل لرضا الرب و تقبل العمل من الإنسان ليخفف عنه العذاب يوم الدين ...و الدعوة لطلب العلم و التفكر في خلق الله .
9- الدعوة لدين الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و توحيده و عبادته دون سواه فلا يشوب العمل رياء و لا نفاق و لا تعظيم لمخلوق على الله .
10- جعل للناس أعيادا يحتفلون بها و يقدمون القرابين و ذلك في أيام ثابتة من كل سنة ...مثله كمثل عيد الفطر المبارك في شريعة محمد (ص) لكن مع أختلاف كيفيته أو وقته .
فهذه كانت أيضا وصايا إدريس ..و هي10 وصايا ،كما كانت وصايا سيدنا محمد(ص) 10وصايا ،و وصايا سيدنا يحيى(ع) 5وصايا ..و وصايا سيدنا موسى 10 ...إلخ



************************



ورد في صفة (أرميس) انه كان ضخم الجسد ..طويل القامة ...عريض المنكبين ..اسمر اللون مع حلاوة مثل لون سيدنا موسى عليهما السلام ... كث اللحية كبيرها ...اصلع قد اجتمع شعره على جانبي رأسه ...عابسٌ وجهه من كثرة التفكير و الإبداع و الإختراع ...ينظر كثيرا للأرض يداوم على التفكير في الآخرة و مكان دفنه و قبره بالأرض فكان يبكي بشدة كلما تذكر وعد الله الحق ...يحرك سبّابته إذا تكلم -و هي من طرق الحكماء العارفين بالله لما ينطقوا بشئ- ....كبير إحدى العينين صغير الأخرى ..فلو كان حقا و فعلا أن أرميس هو إدريس لكانت هذه نفسها صفات إدريس ..فإن أرميس و إدريس بينهما تشابه كبير لدرجة أنها تكاد أن تكون شخصيات واحدة....و الله اعلم بهذه الصفات ...و روي عن سمرة بن جندب في مستدرك الحاكم ان إدريس (كان ابيض اللون ،ضخم البطن ، كثير شعر الرأس ،قليل شعر الجسد ،عريض الصدر ،في صدره او بطنه نكتة بيضاء كأنها مثل البَرَص)و الله اعلم

***********************

و عُرف إدريس بالعلم الذي نشره سواءا في الطب العشبي أو الفلك و ربما كان له الفضل في أختراع العجلة و السواقي و المصابيح الزجاجية و انشأ المُدن ..فرفعت مكانته عاليا في كتب الحكمة و سمّوه ب(هرمس) و هم (الصابئة) الذين عبدوا الأجرام السماوية و أمنوا بنظرية الحلولية في التماثيل و الطواطم ،كذلك سمته اليونان بأسم (أرميس) الذي يعرب للعربية ل(هرمس)
و كان إديس كما ذكرنا اول من خط بالقلم و اول من خاط الثياب ،فأوجد الآت الخياطة و الحياكة و عمم صناعة النسيج على شعبه بحيث كانوا يغزلون الصوف و يصنعون النسيج و يخيطون الثياب ..


و أول من جاهد في سبيل الله و قيل اول من ركب الخيل و الدواب و جاهد بها و قيل اول من استعملها في الركوب و الجهاد و التنقل و السير و الترحال و الحمل ..فقد سخّر إدريس الحيوانات في خدمته و خدمة الإنسان ،فأستعمل البغال و الحمير و الجمال التي استعملها للنقل و التواصل بين الناس و كانت هي وسيلة إدريس في إنتقاله و سفره لمصر :


....و اول من يرسم لقومه قواعد تمدين المدن و تبعا لانتشار الامم في الارض فقد انتشرت المدن الخاصة بكل جماعة منهم فاكب ادريس على تنظيم مجتمعه الساكن في وادي النيل فتناول كل شؤون حياته ...فعلى الصعيد العمراني خطط المدن و شق الطرقات و أوصل المياه بواسطة الأقنية لري المزروعات و تزويد البيوت بها..فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة ..و على الصعيد الزراعي فقد أوجد أدوات الفلاحة و الحصاد و القطاف و زرع المواسم و أختار كل نوع من أنواع الحبوب و زرعه في قوته المناسب ،و فلح في الأرض بواسطة الثيران و الأبقار .
و أنتشر الناس في أيامه بكل أصقاع الأرض و اخذوا يتآلفون بعضهم مع بعض حسب ميولهم و معتقداتهم و أوجدت في كل جماعة منهم لغة خاصة بها ،حتى قيل إنه تكلم الناس في أيامه بإثنين و سبعين لغة ..لذلك علمه الله كل هذه اللغات ليدعوهم إلى الله و العمل بأحكامه العُليا .
و اقام للأمم في زمانه سُننا ففي كل إقليم سنة تليق باهلها ،و وضع لكل إقليم في الأرض ملك يسوس أمرها و كانت أربع أقاليم فساسها أربعة ملوك....و قيل انه اول من وضع الأوزان و الكيول .


و اول من تعلم الحساب و مبادئ الرياضيات و علوم النجوم (فكان اول من يهتدي بالنجوم في الليل) و يستعملها في معرفة عدد السنين و الحساب ....و أول من ينظر و يتعلم علم الفلك و النجوم ...فكان يتعلم علم الفلك و الرياضيات فيستخدمها في طاعة الله فيستخدم مثلا الرياضيات الهندسية في بناء أماكن محكمة البناء شديدة الصلابة لكي يحفظ بها علوم الله التي وهبها لإدريس و كان علما نافعا و كان يبني الدور للعبادة و التقديس و التمجيد و تلقى العلم و فعل العمل الصالح ....و ذلك قوله تعالى -فيما معناه- افمن أسس بنيانه على التقوى خير أم من أسس بنياه على شفا حفرة من النار ..فقد بنى إدريس البناء للخير و الطاعة و أستعمل علم الرياضيات في فعله لرضا الله ...فجازاه الله خيرُ الجزآء و رفعه مكانا عليا و هو مصداقا لقول النبي ص : أنه من بنى مسجدا لله خالصا ،بنى الله له بيتا في الجنة ..فما بالك لو كان إدريس قد بنى عشرات العشرات من دور العبادات و الصلوات ..فما بالك لو كان ذلك الحال كل يوم فيبني في كل يوم عشرات البيوت العبادية ..لذلك قال (و رفعناه مكانا عليا) بعمله الذي لا ينقطع عنه ليلا و لا نهارا عن فعله بأن بنى له جزاءا لذلك ما لا يعد و لا يحصى من البيوت و القصور بالجنة التي لم تخطر على قلب بشر ....فكما مجّد أسم الله بذكره و حسن الثناء عليه مجّد الله ذكره عنده و أثنى عليه بحسن فقال في كتابه..ليس في اي كتاب ..بل في أشرف كتبه ..القُرآن : (و أذكر في الكتاب إدريس)كما ذكرنا نذكره ،و لماذا أثنينا عليه و ذكرناه؟ لأنه (إنه كان صديقا نبيا) و فوق ذلك كله أكرمناه أيضا ب(و رفعناه مكانا عليا)كما مجدنا و رفع من مكانة أسمنا و كانت كلمة الله هي العُليا ...
فقد كان إدريس على درجة عالية من الذكاء و الفهم و التخطيط فقد أوصاه الله سبحانه بتعلم كل العلوم و أسرارها و ظواهرها و خوافيها ..فقد علمه الله علم الكواكب و أفهمه عدد السنين و الحساب و الأشهر و الأيام فنظم شؤون الحياة و قسّم الأوقات بما يتفق و دورات الكواكب .
و قيل انه اول من بنى الأهرام و استعمل الحساب و الهندسة و علم النجوم في بنائها و صناعة الألات و المعدات ...فقيل انه بنى اول الأهرام في صعيد مصر الأعلى و وضع بها علمه و كتب حكمه خشية الضياع ...لأن الله اعلمه ان طوفان نوح سيقع في الأرض ...و هو اول من يُنذِر و يُنذَر بالطوفان ....فخشى على حكمه و علومه من الضياع ...فبنى الأهرامات في الصعيد و كتب بها علومه و فلكه و حكمه ...و لكن الدنيا استدلت عليها الستار بالرمال و غطتها ....و يقال ان إدريس هو جاء بفكرة هندسة و بناء اهرامات الجيزة و الله اعلم ....لذلك قيل عن بعض الناس ان الطوفان مع انه وقع ..فإنه لم يحطم الأهرام و لم يهدمها مع ان الطوفان لو جاء على بناء غيره لهدمه ...لماذا؟؟ لأن لكل بناء و له صانع و فكر الصانع ....أما إدريس فهو الذي بنى الأهرام و فكره اعجب و اكبر من اي صانع ...لذلك اصبحت الأهرامات إحدى عجائب الدنيا ..إلى وقتنا هذا!!!!!
و كل هذه الأشياء و الاوليات كما قال الإمام الشعراوي ( أوليات إدريس )


**********************


...بقت وصايا سيدنا إدريس و صحفه و نجد آثارها في كتاب الموتى بالأهرامات حيث نرى فيها : الإيمان بالله و اليوم الاخر و الغيب و القدر و الروح و الملائكة و الجن و القرين ...كان الإيمان في عهده يتّبع طور (التوحيد) الذي خلف طوري التعدد و الترجيح
و له حكم و فوائد عديدة ظلت حتى الان بعطرها الندى و كلامها المُسطّر بالحُليّ ، و اذكر منها :
الجاهل صغير وإن كان شيخا ،و العالم كبير و إن كان حدثا .
الدنيا تهين من كانت تكرمه ، و الارض تأكل من كانت تطعمه .
الناس إثنان : طالب لا يجد و واجد لا يكتفي .
غضب الجاهل في قوله ،و غضب العاقل في فعله .
عوّدوا نفسكم إكرام الأخيار من أجل خيرهم ،و اما الأشرار فالأستكفاف شرهم .
روّضوا اولادكم بالتعليم من الصغر .
من كظم غيظه و قيد لفظه و طهر نفسه ،فقد غلب الشر كله .
من جاد بالعلم و الحكمة فهو كمن جاد بالمال ،و المال يفني و العلم يبقى .
المال يفنى و اعمال البر و الخير تبقى .
ساووا بين باطنكم و ظاهركم و لا تكن السنتكم مخالفة لضمائركم .
إجمعوا بين محبة الديانة و الحكمة و اوقفوا انفسكم على تعاليمه .
لا يمكن ان يكون الإنسان عادلا و هو غير خائف من الله عز و جل .
زَلّة العالم تكسر السفينة فتغرق .
قابل غضبك بحلمك ،و جهلك بعلمك ،و نسيانك بذكرك .
الجود هو ان تجود بمالك ،و تصون نفسك عن مال غيرك .
أحتشموا المكاسب الدنيئة فإنها و إن ملات اكياسكم من المال ،فإنها تفرغ قلوبكم من الإيمان .
و غير ذلك من الحكم و الأقوال كثيرة الجمّة الجميلة المأثورة عنه عليه الصلاة و السلام ...

و كما قلنا أن إدريس قسّم الأرض إلى أربع أجزاء و جعل لكل جزء منها والي يسوس أمرها ..فأسماء الولاة هُم : إيلاوس - زوس - إسقلابيوس - بسيلوخس آمون ...و كان آمون هذا قد ملك مصر و ما حولها ...فأوصاه إدريس بوصايا عجيبة مفيدة تدل على حكمة إدريس و حسن تدبيره و عقله العبقري الباهر ..أوصاه فقال له كما في كتاب (أخبار العلماء )للقفطي :


((أول ما اوصيك به تقوى الله عز و جل و ايثار طاعته ،و من تولى أمور الناس فيجب عليه ان يكون ذاكرا ثلاثة اشياء 1-ان يده تكون على قوم كثير 2-ان الذين يده مطلقة عليهم احرار لا عبيد 3-ان سلطانه لا يلبث
و إياك أن تهمل الحرب و الجهاد لمن لا يؤمن بالله جل اسمه و لا يتبع سنتي و شريعتي .
و اعلم أن الرعية تسكن إلى من احسن إليها و تنفر ممن أساء و السلطان برعيته ،فإذا نفروا عنه كان سلطانه نفسه.
أصلح آخرتك تصلح هي دنياك.
اكتم السر و استيقظ في الامور و جد في الطلب و اذا هممت فأفعل .
و عليك بحفظ اهل الكيمياء العظمى-أي أهل الإجتهاد و الفطنة و العمل- و هم الفلاحون فإن الجند بهم يكثرون و بيوت المال تعمر.
و أكرم أهل العلم و قدمهم لئلا تجهل الرعية حقهم .من طلب العلم أكرمه ليصفو ذهنه .
من قدح في الملك اضرب عنقه و شهره ليحذر سواه فإن الملك إذا فسد فسدت الرعية .
و من سرق فاقطع يده ..و من قطع الطريق أضرب عنقه-اي اقطع رأسه بمعنى اقتله- ..و من وجدته مع ذكر مثله فحرّقه بالنار .
تعهد أمر المحبوسين في كل شهر تأمن سجن المظلوم .
شاور من علمته عاقلا تأمن ضلال الإنفراد .
لا تعاجل صغار الذنوب بالعقوبة و أجعل بينهما للإعتذار طريقاً .
سبيل الملك أن يبتدي بسلطانه على نفسه ليستقيم له سلطانه على غيره)) .


************************


سُمي إدريس عند اليونان بأسم (أرميس )او هرمس ...يلقب طريسميجيسطيس ،و يسمى عند الإغريق و اليونان انه(ثلاثي التعليم) لأنه عندما دعا للوحدانية و الإسلام ....وصف ربه بثلاث صفات (الوجود . الحكمة . الحياة) ، و يُسمى في التوراة السامرية ب(حنوك) .
و قيل سُمي إدريس على وزن صيغة (إفعيل)و هي صيغة مُبالغة تدل على الإكثار و المبالغة في فعل الشئ ...اي انها تدل على انه إدريس (إفعيل)من كثرة دراسته و تدريسه لعلوم الله و تعليمها و تدريسها لغيره ....لذلك جائت الأية (و رفعناه مكانا عليا) اي لمكانته عند الله تعالى و عمله و علمه و كثرة دراسته لكتب الله تعالى ....و في حديث النبي عليه الصلاة و السلام :
"إن الله وملائكته والنمله فى جحرها والحوت فى بحره يصلون على معلم الناس الخير".

و قيل إدريس اسم مُعرب إلى العربية و اصله مثلا (خنوخ) و (ارميس) و (اوزوريس) و غير ذلك ...و قد نقلت من أحد المواقع هذه الكلمة : وأما اشتقاق اسمه فلم نقف عليه من وجه ثابت، والأصل في الأعلام الارتجال وعدم الاشتقاق كما يقول علماء اللغة ....و الله تعالى أعلى و أعلم

وفاته :

يُذكر انه رفع للسماء ... و هذه الروايات صحيحة سندا لقائلها ... لكن ليست صحيحة متنا لما تحتويه ... فلم يصح ذلك مثلا عن رسول الله ص الذي لا ينطق عن الهوى
و لو كانت الروايات التي تقول برفعه صحيحة فصدقنا بها ... و لكنها للأسف ليست ثابتة
فهذا الخبر يحتمل الصدق و الكذب ... فلا اقدر على ان اقول شئ إلا "لا تصدقوهم و لا تكذبوهم" اي اهل الكتاب لأن هذا الخبر من عندهم
و لا مانع في رفعه عليه السلام ... فهو نبي من الأنبياء له ما لا لغيره مِن مَن دون الأنبياء ...
فالله اعلم هل رفع ثم هبط للا{ض و دفن
او رفع و لم يرجع و مات بالسماء ..فالله على كل شئ قدير
او لم يرفع اصلا
كل هذه اقوال لا تصدق و لا تكذب .... ليس لأنها غير معقولة !! ... بل لأنها ليست ثابتة سندا و لو صحت لأخذنا بها

و الصحيح في وفاته انه مات و دفن في الارض (منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى) لأن الحق قال (كما بدأنا اول خلق نعيده) و قال (سنعيدها سيرتها الأولى) لأن اي شئ مخلوق محكم خلقه لا يمكن ان يختل شئ منه لأنه بناء هندسي مُنظم مُحكم مرتبط.....فإننا يمكن ان نقول ان إدريس رفع إلى السماء و هي معجزة لأن الأنبياء لهم المعجزات الخاصة بهم ...مع ان هذه الروايات التي تقول برفع إدريس ضعيفة ..و لكننا نقول لا يمكن ان يموت او يدفن إدريس إلا في الارض ...فهذا شئ لا يفر احد من الخلق منه ابدا ...و الله اعلم كيف مات عليه السلام و لا اين و اين دفن ..فالكلام و الأخبار تتعدد عن مكان دفنه ...و الله اعلم




التعديل الأخير تم بواسطة أحمد1122334455 ; 04-11-2010 الساعة 12:19 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-11-2010, 03:21 PM
 
Thumbs up كل ما تريد معرفته عن سيدنا إدريس(ع)- المبحث الثاني


المبحث الثاني :


إدريس صلوات ربي و سلامه عليه

كان الناس في بداية الأمر(أي في الزمن الذي ما بين ءادم إلى إدريس إلى نوح) في بداية الحياة و أول طريقها ،و بالتالي فهُم البشر الأول الذي سكن الأرض و يحاول الإنتشار بها ،و بالتالي هُم لا يملكون معلومات و لا أشياء تساعدهم على العيش ،فأحتاجوا بذلك لمعرفة الأدوات التي يحتاجونها في حياتهم و المعارف العلمية التي ستنمي عقولهم و تساعدهم في تلبية إحتياجات أجسادهم و طعامهم و مسكنهم و عقولهم التي تريد كيفية العلم ،و أيديهم التي تريد كيفية العمل .....

ثم إننا نسأل سؤال : لماذا الله تعالى لم ينزل هؤلاء البشر الأول العلم بكيفية العيش و وسائله ؟
ج : لأنه خلقك أصلا بسبب أن (تسعى في الأرض) للعمل و العيش و حتى لجنى راحة النفس !! لأنه لولا تعب و تدوير على اكتشاف الحياة و معرفة العلوم و المعارف بنفسي .....إلخ لــلــَــم يكن هنالك اصلا شئ يسمى دنيا ،فالذي يتكاسل و لا يقدر على صعوبات السعي في الحياة فهو لن يستطيع العيش في الدنيا بشكل صحيح ،لان هذه الدنيا(دار تعب و مشقة)و يجب على كل من اراد العيش بها ان يتعب ليكون له كل ما اراد فعله ...

و لذلك فنحن نرى الأنبياء صلوات ربي عليهم ،يفعلون ذلك ليكونوا قدوتنا و نحن جميعا نفعل مثلهم
فلذلك تسمع : إدريس أول من خط بالقلم و أول من خاط الثياب و اشتغل بالخياطة و أول من تعلّم و علّم علوم الفلك و الحساب
و داوُد أول من سرد الدروع ،و زكريا كان نجاراً ...إلخ
و في نفس الوقت لو تلاحظ ،أن كل أهل تلك الأزمنة البدائية كانوا صالحين لا يشوبهم ضلالات و لا كفر،حتى ورد ببعض الأخبار أن الملائكة كانت تظهر عيانا أمام أهل تلك الأزمنة و تسلّم عليهم ...أما في زمن نوح عليه السلام فَـلـم تظهر الملائكة أمام أعين الناس مرة أخرى ،لأن في زمن نوح كانت بداية ظهور عبادة الأوثان ...فلم يعد هنالك خير مثل الأزمنة التي قبل نوح ....فبدأت الملائكة بدورها بعدم الظهور أمام الناس ،بسبب قلة الصالحين و كثرة الفاسقين في زمن نوح ..أما في زمن مَن كان قبله فكان العكس صحيح ....و بالتالي بما أن هذه الأقوام الأوليّة صالحين في عليين، فإنهم لا يشوبهم أوثان و لا إنحرافات عن جادة الصواب و بالتالي لا يحتاجون لمن يدعوهم لترك الأوثان لأنه لم يوجد أوثان آنذاك و لم تُعرف وقتئذٍ أصلا ..و الدليل على أن الأزمنة التي قبل نوح كانت كلها عُبّاد و علماء و صالحين بكثرة و عدم وجود كفار أصلا ....هو أن في الأزمنة التي قبل نوح(أي زمن إدريس و شيث)كان مجتمعهم ملئ بالصالحين ،و كان أشهر و أعظم و أكبر صالحيهم كانوا خمس : ود سواع يغوث يعوق نسر ....و لما مات هؤلاء الصالحين(قُرابة زمن إدريس)حزن الناس عليهم ...ففكروا ببناء التماثيل لتجسيد صورهم و تخليد ذكراهم ....فنهاهم إدريس عن ذلك ...لأن التصوير كما نعلم(حرام)في شرعنا و التمثيل عندما نشكل بمواد البناء أجساما لأشياء فيها روح كما فعل قوم إدريس فإنهم جسّدوا صالحيهم بالطين فكانوا قد مثلوا أجساد فيها أرواح و هذا حرام كما في شرعنا ...و هؤلاء كانوا بنو قابيل فنهاهم إدريس عن ذلك خشية أن يعبدوهم بعد حين ،و الدليل الذي يثبت أنهم سيعبدوا هذه التماثيل في المستقبل .....أنهم بنوا التماثيل أصلا حبّا لصالحيهم و كانت الخطوة الأولى ...و الخطوة الثانية كانت تساهلا في الحب في الشخص فبالتالي غالوا فيه فعبدوا تمثاله .....للذلك دعاهم إدريس لترك المحرمات من تمثيل الأجساد التي بها روح لأن ذلك حراما ...فما بالك و سيؤديهم ذلك لحرام أكبر ،بل أكبر حرام بعد ذلك و هو (الشرك) !!

و نستنتج من هذا أن في زمن إدريس إرتُكبت المحرمات فقط ،لكن لم تُعبَد الأوثان ....أما في زمن نوح ،فكانت بداية عبادة الأوثان على وجه الكرة الأرضية ..و كان قوم إدريس الذين دعاهم إلى الله و دعاهم لهدم ما فعلوه من محرمات هم بنو قابيل ....أما بنو شيث فكانوا من قومه أيضا و لكن كانوا مميزين عن غيرهم بأنهم هم الصفوة المختارة من قومه لأنهم الوحيدون الذين آمنوا من قومه و كان عددهم 1000 إنسان فقط كما قلنا سابقا ....


و كانت في نفس الوقت نبوة شيث و إدريس عليهما السلام كالمهمة الوعظية و المجتمعية و الشرائعية(البدائية لأنها في بدايات الحياة) ،التي يُعلّم فيها النبي قومه أوليّات الحكم و العلوم و أوليات الشريعة و كذلك أوليّات الإستخدامات الأدواتية و المعرفية الإجتماعية التي أكتشفها الإنسان منذ القديم ليمارسها في حياته اليومية و يعتمد عليها لمعيشته ،فكانت كالشئ المشهور المتعارف عليه الذي عُرف بين المجتمعات و الأوساط و صارت تستخدمه في حياتها ...

و كما قلنا أن تلك المجتمعات البدائية كانت لها شريعة كمثل أي شرائع أخرى كانت بعدها ...إلا أن الفارق بها هو أنها لا تحوي نهي عن الشرك و عبادة الأوثان أو بالأصح تشديد و تكثير من ذكر الشرك و التحذير منه لأنه لم يوجد شرك أيامها أصلا كما قلنا منذ قليل ...

و بما أن هؤلاء الأنبياء في العهود الأوليّة (ءادم شيث إدريس) التي ليس بها دعوة بشكل أكبر كما كان بعد زمن نوح ......فإن المعلومات عنهم قليلة غير معروفة كثيرا ،و السبب يعود لــ(همّة) النبي .....فكلما كان النبي منهم أكثر دعوة و إخلاصا في رسالته كلما ذُكر في القراءن كثيرا ،أو ذكر النبي"ص" له عن حياته أو طرفا عن خبره ...

و ءادم و شيث كانوا في البدايات و كانت همتهم عالية لدعوة و تعليم قومهم دين الله ...و إدريس أكثر و أكبر دعوة منهم ، لأن الله لم يذكر دعوة ءادم و شيث مطلقا ...و لكن على الأقل ذكر إدريس مرتين فقط .....و بناءا على ما قلناه أنه : كلما كانت حياة نبي من الأنبياء مهمة لنعرفها كلما ذكرها ربي بالقرآن ....فلذلك قد ذكر الله لنا أهم الأحداث التي في حياة إدريس و أكتفى بها عن سواها من أحداث حياته و هما : آيتين بمريم و آية بالأنبياء ..أما لو كان تعالى ذكر عن حياته أكثر من هذا بالقرآن، فإنها ستكون آيات إسهابية بلا فائدة ،و تعالى الله عن الإسهاب بل هو الكامل العليم .و لأنه يعلم أنه لن يفيدنا من حياة إدريس إلا ما جاء ذكره بهاتين الآيتين ،فلذلك جل و على لم يذكر غيرهما و لم يذكر غير الذي بالآيتين ،و لو كان هنالك ما يفيدنا و نحتاجه لأنفسنا من حياته عليه السلام لذكره الله تعالى ....إلا أننا نحن الناس يحتوينا الفضول الدائم لمعرفة ما يُعرف بـــ(علمٌ لا ينفع و جهل لا يضر) .....و لو أننا أستخدمنا أنفسنا لمعرفة المغازي الحقيقية للقصة القُرآنية أو الفوائد التي بها لوجدناها والله ألذ و أمتع من البحث عن (علم لا ينفع و جهل لا يضر) !!! كمثلا أين توفي النبي كذا و كم كان عمره ؟فقل لي إذا (ماذا استفدنا)؟؟
ربما لو توفر لدينا معلومات ثابتة عن حياته فإنه لا مانع بمعرفتها و الإقرار بها كحياة سيدنا محمد"ص" مثلا 63سنة و عدد أبناءه"ص" ، و حياة داود"ع"100سنة ..فهذه معلومات ثابتة لا خلاف بها .....أما الغير ثابت عمر لوط و قبر سليمان و مقام الحُسين !! فلا داعي للبحث عنه لأنه غير معروف ،و بما أنه غير معروف فقد أُختلف عليه ،و الآراء في هذا الشئ كلها مجرد ظنون او اقتراحات و اعتقاد غير واثق ...فهل نصدق أو نهتم بأشياء تعتمد على الظنون ؟؟ !!

و بناءا على ما قلناه سابقا ،فإن إدريس أكتشف لقومه و لمن سيأتي بعده من أجيال ،أشياء تفيدهم كثيرا في حياتهم اليومية .....و لذلك نقرأ في الكتب أنه أول من أكتشف الخياطة و تعلم كيف يخيط و علّم قومه ،و أول من يتعلم الكتابة و بماذا يكتب و يعلم قومه ،و أول من أكتشف علم الحسابات و الأفلاك و النجوم و أول من صنع الادوات و الآلات و أول من أستخدم الدواب أو الخيول للهجرة بها و قيل للجهاد ...إلخ
و كلها تسمى أوليات إدريس .......و نسأل سؤال : لماذا لم نسمع عن أنبياء كانوا بعد الأزمنة الأوليّة بأنهم فعلوا أوليات و لكن كان من حظ الأوليات أن لم تكن إلا في بدايات الزمان أي بزمن إدريس و شيث ؟ ج: هو أنه كما قلنا سابقا و فصّلنا ،هو أن الأولي دائما يكتشف الأشياء لتنفع كل من بعده ،و كان الأولي الأبرز هو(إدريس)فكانت سنّته تفعلها الاجيال بعده و لا تستغنى عنها أبدا كالخياطة مثلا و الكتابة ...فبدون الخياطة فمن أين سيكتسي الناس و من غير الكتابة فمن أين كانت الحضارات القديمة سجلت أحداثها و كيف سنعرف تاريخها بدون تدوينها بالقلم ؟ !


و أما عن خبر (القــلم) الذي كان إدريس أول من خط به ...

فإننا كما نعلم أنه إن جاء أحد الناس فأكتشف شيئا لم يكن مكتشفا قبل ذلك في إحدى المجتمعات او الحضارات(و يكون ايضا غير مكتشف في غيره من الحضارات) ،فإن مجتمعه هذا يعمل بهذا الشئ المكتشف أو المخترع لأنهم رأوا ان هذا الشئ مناسب لهم كما ذكرنا سابقا و شرحنا .....و بالمرة يؤدي ذلك الإكتشاف أو الإختراع أو الفعل العظيم الإنجاز ، لشهرة الشخص الذي فعل ذلك و مشيعة الحب له في كل مكان سُمِعَ عنه به ....و بالمرة دل هذا الأكتشاف او الإختراع على عبقرية أو ذكاء و صلاح هذا الشخص ...

فلذلك : إدريس أول من خط بالقلم و لم يكن القلم معروفا قبله ،فتعلمه منه قومه و كانت سنّة مستنة منه في سائر الشعوب بعد ذلك .....كما الحال مع إبراهيم فإنه أول من ضاف الضيف و أظهر الكرم ...و كان ذلك غير معروف قبل زمنه ،لكن بعدما فعل ذلك أستن قومه في أرض الجزيرة و العراق صفته هذه(الكرم و الضيافة)عنه ،و كان أهالي تلك الأراضي محتفظين بهذه المكارم حتى الآن ،لذلك يشتهر أهل العراق حاليــا بالكرم كثيرا ،و كذلك أرض الجزيرة العربية ....فكان بذلك ملايين الملاين هنا و هناك يفعلون فعلا مُعيّـنا أستـنّـوه عن شخص واحد (إبراهيم)

أي ان إبراهيم فعل الحسنة الخيّرة و علّمها غيره ،و غيره علموها غيرهم و هكذا ..إلخ .....و في ذلك يقول (ص) : من سن سنّة حسنة في الإسلام فله بها حسنة و بعدد من عملها من الناس .

فتخيل جزاء إبراهيم عليه الصلاة و السلام ،لمّا سن سنة حسنة(الكرم و الضيافة) في مجتمعه ،فقد اخذ جزائها و جزاء كل من عملها غيره و بعده ...فمثلا تخيل أن من تعلمها منه و فعلها في زمانه 50 شخص ...ثم مات إبراهيم ففعل ذلك أيضا غيرهم 300 شخص ،ثم جاء بعدهم ناس قد انتشروا اكثر في الأماكن ،فكان1000 شخص يكرموا الناس و يضيفوهم في كل مكان هم فيه(لأنهم بعد ذلك انتشروا بعلمهم بالضيافة) ...فماتوا و هكذا نفس التدريج
فتخيل ....من أيام إبراهيم من 3000سنة إلى الآن .....كم حسنة أخذها إبراهيم على فعله و بعدد من فعل مثله في كل زمان بعده ؟؟ !!!

ج : حسنات لا تعد و لا تحصى ....

لذلك قال الله تعالى عن إبراهيم (خير البرية) و (لقد كان لكم في إبراهيم أسوة حسنة) ..إلخ الآيات
و لا نريد الدخول في موضوع آخر غير إدريس الآن
.

او مثل مثلا إسماعيل عليه السلام الذي كان يعيش في أرض الجزيرة ،و هو اول من روض الخيل و اول من ركبها بعد أن كانت مستوحشة ،فكان إسماعيل أول من أئتلفها و ائتلفها قومه من بعده ...و لذلك تجد أن الخيل يحتل مكانة مهمة جدا بين أهل الجزيرة سالفا و حتى الآن ....لذلك يقول النبي (ص) : أركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل .

تدبّر قوله : فإنها ميراث ....أي أن إسماعيل أول من ركب الخيل و توارث عنه أهل بلده هذه العادة إلى يومنا هذا في أرض الجزيرة .

فكذلك إدريس هو أول من خاط الثياب و خط بالقلم ....إلخ فتوارث قومه عنه هذه العادة و الصفة ،و كل زمن يأتي تتعلم أجياله هذه الحِرَف و حتى اليوم ...



و هنالك شئ آخر ...و هو كما نعلم أن أول من خط بالقلم إدريس ....و كما نعلم أنه ترتب على ذلك إقتداء كل قومه في زمانه به فخطّوا بالقلم بناءا على القواعد التي ذكرناها سابقا ......و إدريس و قومه أو الناس الذين عايشوا إدريس يعيشون جميعا في بلد معين و هما (العراق و مصر) كما في الأخبار التاريخية أن إدريس كان بالعراق عائشا ثم اكمل باقي حياته بمصر ...إلخ
و من هنا نستنتج أنه بما أن إدريس اول من خط بالقلم و كان يعيش بمكان كذا و كذا ....

إذا فإن قومه أو حضارته التي يعيش فيها هي أول من خطت بالقلم و أول من دوّنت أحداثها بالخط بالقلم على الصحف و الجدران و المعابد ...إلخ
و سبحان الله ....كما قالت تماما الأخبار التاريخية في الكتب الإسلامية ....جاءت الآثار مصداقا لها و قالت : إن أقدم حضارتين عاشتا على الأرض هما الفرعونية(مصر) و السومرية(العراق) .

و لذلك لا تجد آثار أقدم من الآثار التي بالعراق و مصر .

فلولا إدريس عليه السلام ،لكانت هاتين الحضارتين لم تخط بالقلم على جدرانها و لكان الناس حتى الآن لم يعرفوا أنهما اقدم الحضارات !!!

لأنهم لم يتعلموا الكتابة إلا من مكتشفه الأول : إدريس ..و لولاه فمن اين سيعرفوا الخط بالقلم ؟
كما أنه لدي تسأؤل آخر : لماذا آثار أقدم حضارتين تختلفان عن بعضهما في الشكل ،لكن تأتــلــفان في المحتوى ؟
ج : أما عن الإختلاف في الطريقة و الشكل و اداة الكتابة ...فإننا كما سبق قلنا ان إدريس كان يخط بالحجارة أو المسمار و كان يخط بعد ذلك أيضا بالقلم بعدما طوّر أداة كتابته ...

فلذلك تجد آثار العراق(مكان إدريس الأول) آثاره محفورة بكتابات مسمارية أو نحتية حفرية
أما آثار مصر(مكان إدريس الثاني) آثارها مكتوبة بخطوط القلم المعروف بألوانه و أشكال كتابته المتعددة على الجدران المصرية كما نراها اليوم في نقوش الآثار المصرية من كتابات قد أُستخـدِم فيها الكتابة بالألوان السائلة الـشبه الحبرية ،كما أن في مصر أيضا آثار بها نقوش نحتية بالحجارة كما بالعراق .

و قد قال المسعودي :

ما بال هذه الكتابة التي على الاهرام و البرابي لا تقرأ ؟: دَثـَـرَ العلماء و اهل العصر الذين كان هذا قلمهم و تداول ارض مصر الأمم أي إختلاف و تعدد الأمم و الحضارات على أرضها- فغلب على اهلها القلم الرومي و اشكال الاحرف للروم و القبط تقرؤه على حسب تعارفها اياه و خلطها لاحرف الروم باحرفها على حسب ما ولدوا من الكتابة بين الرومي و القبطي الاول فذهبت عنهم كتابة ابائهم .
*****

و أما عن تشابه آثار مصر و العراق مع بعضهما في محتوى الكلام ...فإنه بنفس السبب ،و هو أن إدريس كما قلنا : أول من نظر في علم النجوم و الحساب ،و كان أولا بالعراق فأخذ قومه عنه هذه العلوم الحسابية و الفلكية ،ثم انتقل لمصر بعد ذلك فتعلم المصريون من إدريس هذا العلم .....فكانت بذلك الحضارتين فيهم شبه قريب جدا من بعضهما .


ثم إن إدريس لمّا أنبأه الله بحلول الطوفان في زمن سيأتي بعده ...خاف إدريس على علومه و حكمه الفريدة ،ففكّر في ماذا يصنع ليحمي صناعاته و اقواله هذه من الغرق و المحيان في الطوفان ؟
فطبعا لو أنه أعتمد على أصحابه الذين اتبعوا سنته و هديه ...فربما أقواله أي نعم يحفظوها عنه بعد وفاته ...و لكن ربما بعد وفاة صحابته الكِرام ،أن يغير أخلافهم كلام إدريس و يحرفوه عن كلمه فيكذبوا على سيدنا إدريس أقوال لم يقلها ...

ففكّر ببناء مصنوعات عديدة من المباني الأهراميّة و التماثيلية و المعابد و الأماكن التي تكون بعيدة عن الطوفان و تكون في مأمن من الغرق و المحو و الإندثار و هي في أماكن الأهرام و البرابي ....فبناها و خط بيده على جدرانها علومه و حكمه و اقواله لكي لا تندثر و تضيع ،كما كتب علومه و أقواله على الورق و طرائق عـِدّة مختلفة ،و قال المسعودي :

ما بال هذه الكتابة التي على الاهرام و البرابي لا تقرأ ؟: دثر العلماء و اهل العصر الذين كان هذا قلمهم و تداول ارض مصر الأمم أي إختلاف و تعدد الأمم و الحضارات على أرضها- ...و قد كان أول من خط بالقلم و أقام اول من أقام الأمم الأولى على أرض مصر هو سيدنا إدريس عليه الصلاة و السلام .

...
و أمر إدريس أصحابه بالتمسّك بسنته و هديه حتى اخر لحظة في الحياة ...و اوصى ابنه متوشالخ ...ثم رفع للسماء كما قالت الأخبار و سنورد تلك الأخبار لاحقا .


كان يقسم إدريس أيامه حسب الأسبوع : ثلاثة أيام يدعو قومه"أبناء قابيل" إلى الله و نبذ الشرك و الاوثان ،و يدعو في نفس الوقت قومه المؤمنين صحابته "بنو شيث" و كان عددهم ألف إنسان فقط و هُم الذين أطاعوا إدريس في دعوته و صدقوه ...فكان إدريس يدعو بنو شيث ليثبتهم على الدين و يعلمهم شرائع الله و فعلها .

و أربعة أيام يتعبد لله تعالى و يتقرب إليه بالطاعات و الأذكار و التسابيح الكثيرة ...حتى أنه كان ليسبح الله في اليوم وحده بقدر ما يسبح جميع أهل زمانه في نفس اليوم !!! فما بالك لو كان كذلك كل يوم !! لذلك فهو أعلاهم منزلة ((و رفعناه مكانا عليّا)) .



قال الإمام أبي البركات النسفي
:

((...
و أذكر في الكتاب إدريس ...

هو أخنوخ أول مرسل بعد ءادم عليه السلام و أول من خط بالقلم و خاط اللباس و نظر في علم النجوم و الحساب و اتخذ الموازين و المكاييل و الأسلحة فقاتل بني قابيل .و قولهم(أنه)سمي بــ(إدريس)لكثرة دراسته كتب الله لا يصح . لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد ،و هو العلميّة و كان منصرفا ،فأمتناعه من الصرف دليل العجمة .
...
إنه كان صدّيقا نبيّا ...

أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة .
...
و رفعناه مكانا عليّا ...

هو شرف النبوة و الزلفى عند الله .و قيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة . و قد رآه النبي"ص"ليلة المعراج فيها .و عن الحسن: إلى الجنة ،(لأنه)لا شئ أعلى من الجنة ...))




قال ابن إياس الحنفي في بدائع الزهور
:
(( ...
فكان(إدريس)يدعو(قومه)في الجمعة ثلاثة أيام
و كان ادريس عنده شدة و صلابة في امره و نهيه
و هو اول من خط بالقلم و اول من كتب الصحف و اول من نظر في علم النجوم و الحساب و هو اول من خاط الثياب و لبس المخيط و كان اذا خاط يسبح الله عند كل غرزة من الابرة فاذا غفل و خاط يفتق ما خاطهبغير تسبيح
و كان لا ياكل الا من كسب يده و كان يخيط للناس بالاجرة و هو اول من صنع المكيال
قيل قبل زمن ادريس كان الناس يلبسون الاردية بغير خياطة فلما صنع ادريس الخياطة و خاط استحسن الناس ذلك و لبسوا المخيط
ثم انزل الله على ادريس ثلاثين صحيفة فكان لا يفتر عن قرائتها ليلا و لا نهارا
و كانت الملائكة تاتي لمصافحة ادريس و كان يرفع كل يوم لادريس من العبادة بقدر ما يرفع لغيره من كل الناس حتى تعجبت منه الملائكة و حسده إبليس اللعين و لم ير له عليه سبيلا
...
قال وهب بن منبه: رفع ادريس الى السماء و هو ابن 365 سنة
...
و قيل لما رفع ادريس عليه السلام الى السماء تولى بعده ابنه متوشالخ فحكم بين الناس بالحق. و لما توفي متوشالخ سلم التابوت و الصحف الى ابنه لامـك ... ))



قال المسعودي
:
((....
و هو الذي اخبر الله عز و جل في كتابه انه رفعه مكانا عليا ،و هو أول من درز الدروز و خاط بالإبرة و انزل عليه ثلاثون صحيفة و كان قد نزل قبل ذلك على ادم واحد و عشرون صحيفة و انزل على شيث تسعة و عشرون صحيفة فيها تهليل و تسبيح )) .

و قال أيضا :
((
و قام(بالأمر) بعده (أبنه) متوشالخ بن أخنوخ(إدريس) ،فعمّر البلاد و النور في جبينه و ولد له اولاد
و ان البلغر و الروس و الصقالبة من(نسل)ولده
و كانت حياته تسعمائة و ستين سنة و مات في أيلول )) .


و قال الثعلبي
:
((....
قال أهل العلم بأخبار الماضين و قصص النبيين : هو ادريس بن برد و قيل(ياريد)بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن ادم ،و اسمه اخنوخ
و سمي ادريس لكثرة درسه الكتب و صحف ادم و شيث ،و امه اشوت
و كان ادريس اول من خط بالقلم و اول من خاط الثياب و لبس المخيط و اول من نظر في علم النجوم و الحساب
بعثه الله الى ولد قابيل ثم رفعه الى السماء ....)) .


قال ابن الجوزي في المدهش ص292
:
((..
صعد إلى السمآء مِـنـا إدريس و عيسى و جال في مجالهم محمد ..))

و قال ايضا :
((
إن ادريس و عيسى ابن مريم حيان في السماء ،إدريس في السماء الرابعة تارة يعبد الله في السماء و تارة يتنعم في الجنة)) .

و لا مانع أن يتعبد النبي من الأنبياء في قبره أو في حال موته، و الذي يثبت ذلك : حديث النبي"ص" لما رأى في إسرائه الشريف، سيدنا موسى"ع" في قبره يصلي عند الكثيب الأحمر ...إلخ

و قال الإمام أبي الليث السمرقندي
:
((....
إدريس النبي عليه السلام و كان نبيا مرسلا و اسمه أخنوخ
و إنما سمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتاب الله تعالى و سنن الإسلام ،و هو أول من خط بالقلم و أول من خاط الثياب و لبسها يعني ثياب القطن ،و(الناس)كانوا من قبله يلبسون الجلود و الصوف
و أجاب له ألف إنسان مِمّن يدعوهم(إدريس إلى دين الإسلام) و هو جد أبي نوح و رفع إلى السماء و هو ابن 365سنة ،كما قال الله تعالى"و رفعناه مكانا عليا"س.مريم ،آية57 ، و أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم(أرسل الله)بعده نوح النبي عليه السلام ....)) .




و كما ذكر ابن أياس كما قلنا سابقا- أن إدريس كان يسبح الله في يومه بمفرده بعدد تسابيح كل أهل زمانه في اليوم الواحد..... بل و كان لا ينسى الله تعالى حتى و هو يخيط الثياب في عمله-لأنه كان خياطا-بل و كان مع كل غرزة إبرة يسبح الله بتسبيحة .....فإن كان و هو مشغول في عمله يسبح الله بعدد تسابيح كل الناس في اليوم الواحد ....فما بالك لو كان غير مشغول و كان متفرغا للتعبُّد فقط !! فماذا سيكون قدر تسابيحه !!

و هنا سؤال : ما هي تسابيح إدريس التي كان يقولها حتى يأخذ مكانا عليّا- بهذه الرفعة و الدرجة العالية ؟
لقد كان يسبح الله بأفضل التسابيح (أفضل الكلام)و(أشد الأعمال) : (سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر)و تارة كان يقول (سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم و بحمده)

و كانت تلك الكلمات ..لو قالها الرجل مرة واحدة تكون(ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن) ...فما بالك لو كان الرجل يُكثر منها بكثر هائلا ليس كمثلها كثرة ....فبأي قدر ستزن في الميزان !! و إلى أي درجة سيحبه الرحمن حتى يرفعه أعلى الدرجات !!

ما بالك بفضل هذه التسابيح و هي (أفضل من الجهاد)!!؟؟ ما بالك بها و هي (خير اعمالكم و ازكاها عند مليككم و ارفعها في درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم و يضربوا اعناقكم) !! ؟؟ .

حتى أنه قد(مات و لسانه رطب بذكر الله)فـــ(ــنال بذلك أفضل الأعمال) و نــ(ــال أفضل الثناء : و رفعناه مكانا عليا) و مَــ(ــن أحسن من الله قيـلاً !! ؟) .




و قد وردت أحاديث كثيرة جدا في فضائل الذكر و التسبيح ،منها ما سنذكره ها هُنا و قد أقتبسنا منه في سابق كلامنا :

قال أبي الليث السمرقندي :
((
و حدثني الثقة بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : جاء إسرافيل(ع) إلى النبي(ص) و قال له :

(
قل يا محمد سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،عدد ما علم الله تعالى و زِنَة ما علم الله تعالى و ملئ ما علم الله تعالى ،فمن قالها مرة كتب الله له خمس خصال:
_
كتب من الذاكرين الله كثيرا

_
و كان أفضل من ذكره بالليل و النهار
_
و كان له غرسا في الجنة
_
و تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات ورق الشجر اليابس
_
و نظر الله اليه و من نظر الله اليه لم يعذبه
)

))

_
و في رواية عن سمرة بن جندب عنه"ص" : (( أفضل الكلام أربع: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ،لا يضرك بأيهن بدأت ))
_
و عن أبي زرعة عن أبي هريرة عنه"ص" : (( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم و بحمده )) .
_
و عن ابي الدرداء عنه"ص" : (( الا انبئكم بخير اعمالكم و ازكاها عند مليككم و ارفعها في درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم و يضربوا اعناقكم؟ ذكر الله )) .
_
و عن ابي جعفر عنه"ص" : (( اشد الاعمال ثلاثة : ... منها: و ذكر الله تعالى )) .
_
و عن معاذ بن جبل : ما عمل ابن ادم عملا انجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله ...فقالوا له: يا معاذ، و لا الجهاد في سبيل الله؟ فقال معاذ : و لا الجهاد في سبيل الله ،لان الله تعالى يقول ((و لذكر الله اكبر)) س العنكبوت45 .
_
و قال الحسن البصري: قيل للنبي"ص" يا رسول الله اي العمل افضل؟ فقال"ص" : أن تموت و لسانك رطب بذكر الله .



رفــعــه عليه الصلاة و السلام :

قال النسفي :
((...
و(السبب في رفع إدريس)ذلك أنه حُـبــِبَ لكثرة عبادته الى الملائكة. فقال(إدريس)لملك الموت : اذقني الموت يهن عليّ .ففعل ذلك باذن الله فحي.

و قال(إدريس لملك الموت) : ادخلني النار ازدد رهبة ..ففعل .

ثم قال(إدريس للملك أيضا) : ادخلني الجنة ازدد رغبة .

ثم قال(ملك الموت)له : اخرج ،فقال(إدريس) : قد ذقت الموت و وردت النار فما انا بخارج من الجنة .

فقال الله عز و جل : بإذني فعل و بإذني دخل ،فدعه(يا مَلَك الموت) ...)) .


و قال الثعلبي :
((...
قال وهب بن منبه: كان يرفع لــ(إدريس) كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الارض جميعهم في زمانه فتعجبت منه الملائكة و اشتاق اليه ملك الموت فاستاذن(ملك الموت)الله في زيارة(إدريس)فأذن الله له
فاتى الملك الى ادريس في صورة بني آدمي ،و كان ادريس يصوم الدهر فلما كان وقت افطاره دعاه الى طعاهم فأبى ان يأكل و فعل ذلك ثلاث ليال فانكره و قال له في الليلة الثالثة: اني اريد ان اعلم من انت؟
فقال الملك: انا ملك الموت استاذنت ربي ان ازورك و اصاحبك فاذن لي في ذلك
فقال له ادريس: لي اليك حاجة
قال الملك : و ما هي؟
فاجاب ادريس: اقبض روحي
فاوحى الله تعالى الى هذا الملك(و هو نفسه ملك الموت)ان اقبض روح إدريس
فقبض الملك روح ادريس ثم ردها الله عليه بعد ساعة
فقال له ملك الموت: فما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟
فقال ادريس: لأذوق كرب الموت و غمه فاكون له اشد استعدادا ......ثم قال ادريس للملك: لي اليك حاجة اخرى .

قال الملك : و ما هي؟
قال ادريس: ترفعني الى السماء لانظر اليها و الى الجنة
فأذن له في ذلك
فلما قرب من النار ،قال : لي اليك حاجة
قال الملك : و ما تريد؟
فأجابه ادريس: أريدك أن تسأل لي مالكا(خازن النار)يفتح لي ابواب النار حتى اراها
ففعل ذلك ثم قال: فكما اريتني النار فارني الجنة
فذهب الملك بإدريس الى الجنة
فأسـتـفـتحها فـفـتحت له ابوابـهـا
فـدخلها ،فقال له ملك الموت : اخرج لتعود الى مقرك
فتعلق ادريس بشجرة و قال : لا اخرج منها
فبعث الله ملكا حكما بينهما
فقال له الملك : ما لك يا ادريس لا تخرج؟
فقال ادريس : لأن الله تعالى قال"كل نفس ذائقة الموت" و قد ذقته
و قال تعالى"و ان منكم الا واردها" و قد وردتها
و قال تعالى"و ما هم منها بمخرجين" فلست اخرج
فقال الله تعالى لملك الموت : دعه....فإنه بإذني دخل الجنة و بأمري لا يخرج
فإدريس حي هناك ،فتارة يعبد الله في السماء الرابعة و تارة يتنعم في الجنة
و الله أعلم)) .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-13-2010, 02:17 PM
 
Thumbs up

المبحث الثالث :

إدريس في الحديث الشريف :


عن عبد الله بن عباس قال : قال صل الله عليه و سلم :
من صام يوم عاشوراء كتبت له عبادة ستين سنة , بصيامها وقيامها , ومن صام يوم عاشوراء , أعطي ثواب عشرة آلاف ملك ...إلخ
قال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله , لقد فضلنا الله عز وجل في يوم عاشوراء ؟ قال : نعم , خلق الله السموات في يوم عاشوراء ....إلى أن قال :
ورفع إدريس عليه السلام في يوم عاشوراء ....إلخ الحديث
المحدث: البيهقي
المصدر: فضائل الأوقات - الصفحة أو الرقم: 105
خلاصة حكم المحدث: منكر وإسناده ضعيف بمرة , وفي متنه ما لا يستقيم

*****

و في حديث عن ابي هريرة عن النبي صل الله عليه و سلم :
إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم السنة يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من المحرم ، فصوموه ووسعوا على أهاليكم فيه ، فإنه من وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ، فصوموه فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم ، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا ...إلخ الحديث
المحدث: ابن الجوزي
المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/568
خلاصة حكم المحدث: لا يشك عاقل في وضعه


*****

و في جزء حديث طويل عن ابن عباس عنه ص :
...ورفع إدريس يوم عاشوراء ، وولد في يوم عاشوراء ...إلخ
المحدث: ابن الجوزي
المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/570
خلاصة حكم المحدث: موضوع بلا شك

*****

و في جزء من حديث طويل عن ابن عباس عنه ص :
...ورفع إدريس يوم عاشوراء ...إلخ
المحدث: ابن عراق الكناني
المصدر: تنزيه الشريعة - الصفحة أو الرقم: 2/149
خلاصة حكم المحدث: لا يصح


*****

و في رواية عن الضحاك بن مزاحم قال :
عن ابن عباس قال يوم عاشوراء يوم جعل الله فيه خيرا كثيرا فيه تاب الله على آدم وفيه رفع إدريس إلى السماء ...إلخ
المحدث: ابن عراق الكناني
المصدر: تنزيه الشريعة - الصفحة أو الرقم: 2/149
خلاصة حكم المحدث: لا يصح

*****

و عن ابن عمر :
...واحتجموا يوم الخميس فإنه يوم أنيس وفيه رفع إدريس ...إلخ
المحدث: ابن الملقن
المصدر: شرح البخاري لابن الملقن - الصفحة أو الرقم: 27/382
خلاصة حكم المحدث: فيه ضعف

*****

قال ابي ذر الغفاري :
قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟
قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا
قلت : كم الرسل من ذلك ؟
قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير
قلت : كثير طيب قلت : من كان أولهم ؟
قال : آدم
قلت : أنبي مرسل ؟
قال نعم خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قبلا ثم قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون : آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بقلم ونوح وأربعة من العرب : هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل : موسى وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم : محمد
قلت : يا رسول الله كم كتاب أنزله الله ؟
قال مائة وأربعة كتب أنزل على شيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزلت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وذكر الحديث بطوله
المحدث: ابن كثير
المصدر: إرشاد الفقيه - الصفحة أو الرقم: 2/336
خلاصة حكم المحدث: غريب جداً ومن وجه آخر عن أبي ذر بإسناد لا بأس به

*****



روى هلال بن يساف :
سأل ابن عباس كعبا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله عز وجل لإدريس { ورفعناه مكانا عليا } ؟ فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه إني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم فأحب أن يزداد عملا ، فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إلي كذا وكذا ، فكلم لي ملك الموت ، فليؤخرني حتى أزداد عملا . فحمله بين حنانيه ، ثم صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدرا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس فقال : هو ذا على ظهري : قال ملك الموت فالعجب ! بعثت وقيل لي : اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة ، وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله : (ورفعناه مكانا عليا)
المحدث: ابن كثير
المصدر: تفسير القرآن - الصفحة أو الرقم: 5/236

خلاصة حكم المحدث: من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة



*****




فقال [ أي إدريس ] لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري فسأله وهو معه كم بقي من عمره فقال لا أدري حتى أنظر فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس إذا هو قد قبض وهو لا يشعر


المحدث: ابن كثير
المصدر: البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 1/93



خلاصة حكم المحدث: من الإسرائيليات وفي بعضه نكارة





*****




أن كعبا قال لابن عباس في قوله تعالى : { ورفعناه مكانا عليا } أن إدريس سأل صديقا له من الملائكة فحمله بين جناحيه ثم صعد به ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت فقال له أريد أن تعلمني كم بقي من أجل إدريس ؟ قال : وأين إدريس ؟ قال : هو معي ، فقال : إن هذا لشيء عجيب ، أمرت بأن أقبض روحه في السماء الرابعة فقلت : كيف ذلك وهو في الأرض ؟ فقبض روحه ، فذلك قوله تعالى : { ورفعناه مكانا عليا}


المحدث: ابن حجر العسقلاني
المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 433/6

خلاصة حكم المحدث: هذا من الإسرائيليات




*****



عن أبي ذر قال :
قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا .
قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير .
قلت يا رسول الله من كان أولهم قال آدم .
قلت يا رسول الله نبي مرسل؟
قال نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا ثم قال يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول النبيين آدم وآخرهم نبيك

المحدث: ابن كثير
المصدر: البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 2/140
خلاصة حكم المحدث: [فيه] محمد الغساني الشامي تكلموا فيه



*****




و روي عن أم سلمة :
إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان صديقا لملك الموت فسأله أن يريه الجنة والنار فصعد بإدريس فأراه النار ففزع منها وكاد يغشى عليه فالتف عليه ملك الموت بجناحه فقال ملك الموت أليس قد رأيتها قال بلى ولم أر كاليوم قط ثم انطلق به حتى أراه الجنة فدخلها فقال ملك الموت انطلق قد رأيتها قال إلى أين قال ملك الموت حيث كنت قال إدريس لا والله لا أخرج منها بعد أن دخلتها فقيل لملك الموت أليس أنت أدخلته إياها وأنه ليس لأحد دخلها أن يخرج منها

المحدث: الهيثمي
المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 8/202
خلاصة حكم المحدث: فيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي وهو متروك




*****




و عن عبد الله بن عباس :
كان داود زرادا وكان آدم حراثا وكان نوح نجارا وكان إدريس خياطا وكان موسى راعيا
المحدث: ابن حجر العسقلاني
المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 4/358


خلاصة حكم المحدث: إسناده واهٍ



*****



و عن ابن عباس :
أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الخامسة – أي إدريس -


المحدث: ابن حجر العسقلاني
المصدر: تحفة النبلاء - الصفحة أو الرقم: 150
خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف



*****



و روى الضحاك بن سفيان الكلابي عن ابن عباس :
أن إلياس هو إدريس

المحدث: ابن حجر العسقلاني
المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 430/6
خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف



*****



عن ابن عباس في قوله { ورفعناه مكانا عليا } : رفع إلى السماء السادسة ومات بها - أي إدريس -


المحدث: ابن حجر العسقلاني
المصدر: تحفة النبلاء - الصفحة أو الرقم: 150
خلاصة حكم المحدث: [فيه] العوفي وهو ضعيف





*****



و عن أنس بن مالك عنه ص :
لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة


المحدث: الترمذي
المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3157
خلاصة حكم المحدث: حسن



*****



من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بزكريا وكذب به وبيحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وموسى وهارون وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وإدريس وبعدد من دعا لله ولدا وبعدد من لم يدع لله تعالى ولدا


المحدث: القاوقجي
المصدر: اللؤلؤ المرصوع - الصفحة أو الرقم: 196



خلاصة حكم المحدث: موضوع


*****



و عن أبي ذر الغفاري عنه ص :
أول الرسل آدم ، و آخرهم محمد ، و أول أنبياء بني إسرائيل موسى ، و آخرهم عيسى ، و أول من خط بالقلم إدريس


المحدث: الألباني
المصدر: ضعيف الجامع - الصفحة أو الرقم: 2127
خلاصة حكم المحدث: ضعيف جداً


*****



و عن أبي سعيد الخدري عنه صل الله عليه و سلم :
آدم في السماء الدنيا ، تعرض عليه أعمال ذريته ، و يوسف في السماء الثانية ، و ابنا الخالة : يحيى ، و عيسى في السماء الثالثة ، و إدريس في السماء الرابعة ، و هارون في السماء الخامسة ، و موسى في السماء السادسة ، و إبراهيم في السماء السابعة

المحدث: الألباني
المصدر: ضعيف الجامع - الصفحة أو الرقم: 7
خلاصة حكم المحدث: ضعيف


*****


و عن أم سلمة هند بنت أبي أمية قالت :
إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان صديقا لملك الموت ، فسأله أن يريه الجنة و النار فصعد بإدريس فأراه النار ففزغ منها ، و كاد أن يغشى عليه ، فالتف عليه ملك الموت بجناحه فقال ملك الموت أليس قد رأيتها قال : بلى و لم أر كاليوم قط ، ثم انطلق به حتى أراه الجنة ، فدخلها ، فقال ملك الموت : انطلق قد رأيتها . قال : إلى أين ؟ قال ملك الموت : حيث كنت قال إدريس : لا و الله لا أخرج منها بعد أن دخلتها فقيل لملك الموت : أليس أنت أدخلته إياها ، و إنه ليس لأحد دخلها أن يخرج منها


المحدث: الألباني
المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 339
خلاصة حكم المحدث: موضوع


*****



و عن أبي سعيد الخدري عنه صل الله عليه و سلم :
آدم في السماء الدنيا ، تعرض عليه أعمال ذريته ، و يوسف في السماء الثانية ، و ابنا الخالة يحيى و عيسى في السماء الثالثة ، و إدريس في السماء الرابعة ، و هارون في السماء الخامسة ، و موسى في السماء السادسة ، و إبراهيم في السماء السابعة
المحدث: الألباني
المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 1485

خلاصة حكم المحدث: منكر



*****



روى نافع مولى ابن عمر فقال :

أن عبد الله بن عمر أرسل رسولا فقال : ادع لي حجاما ، ولا تدعه شيخا ولا صبيا ، وقال . . . احتجموا باسم الله على الريق فإنه يزيد الحافظ حفظا ...إلى أن قال : واحتجموا يوم الخميس ، فإنه يوم أنيس ، وفيه رفع إدريس ..إلخ
المحدث: الألباني
المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 6780
خلاصة حكم المحدث: باطل




التعديل الأخير تم بواسطة أحمد1122334455 ; 04-13-2010 الساعة 02:41 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-14-2010, 02:43 PM
 
Thumbs up

المبحث الرابع :


إدريس في كتب التفسير :


من تفسير خواطر إيمانية للإمام محمد متولي الشعراوي الدقادوسي :
{

ما زال القرآن يعطينا لقطاتٍ من موكب الرسالات والنبوات. وإدريس عليه السلام أوّل نبي بعد آدم عليه السلام، فهو إدريس بن شيث بن آدم. وبعد إدريس جاء نوح ثم إبراهيم، ومنه جاءت سلسلة النبوات المختلفة
.

وقوله: { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } [مريم: 56].

تحدثنا عن معنى الصِّدِّيق في الكلام عن إبراهيم عليه السلام، والصِّدِّيق هو الذي يبالغ في تصديق ما جاءه من الحق، فيجعل الله له بذلك فُرْقاناً وإشراقاً يُميّز به الحق فلا يتصادم معه شيطان؛ لأن الشيطان قد ينفذ إلى عقلي وعقلك.

أما الوارد من الحق سبحانه وتعالى فلا يستطيع الشيطان أن يعارضه أو يدخل فيه، لذلك فالصِّدِّيق وإن لم يكُنْ نبياً فهو مُلْحقِ بالأنبياء والشهداء، كما قال تعالى:
{
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً }
[
النساء: 69].

وكذلك كان إدريس عليه السلام (نبياً) ولم يقُلْ: رسولاً نبياً، لأن بينه وبين آدم عليه السلام جيلين، فكانت الرسالة لآدم ما زالت قائمة.

ثم يقول الحق سبحانه: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

{

مكاناً عالياً في السماء، رِفْعه معنوية، أو رِفْعة حِسّية، خُذْها كما شئتَ، لكن إياك أنْ تجادل: كيف رفعه؟ لأن الرِّفْعة من الله تعالى، والذي خلقه هو الذي رفعه
.

ثم يقول الحق سبحانه: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم }

{

قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ } [مريم: 58] أي: الذين تقدَّموا وسبق الحديث عنهم من الأنبياء والرسل { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } [مريم: 58] أي: مباشرة مثل إدريس عليه السلام { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [مريم: 58] الذين جاءوا بعد إدريس مباشرة { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ } [مريم: 58] أي: الذين جاءوا بعد نوح
.

وقد انقسموا إلى فرعين من ذرية إبراهيم.

الأول: فرع إسحق الذي جاء منه جمهرة النبوة، بداية من يعقوب، ثم يوسف، ثم موسى وهارون، ثم داود وسليمان، ثم زكريا ويحيى، ثم ذو الكفل، ثم أيوب، ثم النون.

والفرع الآخر: فرع إسماعيل عليه السلام الذي جاء منه جماع جواهر النبوة، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.


من تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي :
{
و { إدريس } هو جد أبي نوح وهو أخنوخ، وهو أول من نظر في النجوم والحساب، وجعله الله من معجزاته وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط، وكان خياطاً وكانوا قبل يلبسون الجلود، وأول مرسل بعد آدم وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل. وقال ابن مسعود: هو إلياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلاّ الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا. و { إدريس } اسم أعجمي منع من الصرف للعلمية والعجمة، ولا جائز أن يكون إفعيلاً من الدرس كما قال بعضهم لأنه كان يجب صرفه إذ ليس فيه إلاّ سبب واحد وهو العلمية
.

قال الزمخشري: ويجوز أن يكون معنى { إدريس } في تلك اللغة قريباً من ذلك أي من معنى الدرس، فحسبه القائل مشتقاً من الدرس. والمكان العلي شرف النبوة والزلفى عند الله، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة انتهى. وقاله جماعة وهو رفع النبوة والتشريف والمنزلة في السماء كسائر الأنبياء. وقيل: بل رفع إلى السماء. قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة، فلقي هنالك ملك الموت فقال له: إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إدريس وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد: هذا إدريس معي فقبض روحه. وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس. وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة وأنس يقتضي أنه في السماء الرابعة.

وعن الحسن: إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة. وقال قتادة: يعبد الله مع الملائكة في السماء السابعة، وتارة يرفع في الجنة حيث شاء. وقال مقاتل: هو ميت في السماء
.

{
أولئك } إشارة إلى من تقدم ذكره في هذه السورة من الأنبياء و { من } في { من النبيين } للبيان، لأن جميع الأنبياء منعم عليهم و { من } الثانية للتبعيض، وكان إدريس { من ذرية آدم } لقربه منه لأنه جد أبي نوح وإبراهيم من ذرية من حمل من نوح، لأنه من ولد سام بن نوح .



من تفسير التحرير و التنوير لأبن عاشور التونسي :
{

إدريس: اسم جعل علماً على جد أبي نوح، وهو المسمى في التوراة (أُخنُوخ). فنوح هو ابن لامك بن متُوشالح بن أُخنوخ، فلعل اسمه عند نسّابي العرب إدريس، أو أن القرآن سماه بذلك اسماً مشتقاً من الدرس لما سيأتي قريباً. واسمه (هرمس) عند اليونان، ويُزعم أنه كذلك يسمى عند المصريين القدماء، والصحيح أن اسمه عند المصريين (تُوت) أو (تحُوتي) أو (تهوتي) لهجات في النطق باسمه
.

وذكر ابن العِبْري في «تاريخه»: «أن إدريس كان يلقب عند قدماء اليونان (طريسمجيسطيس)، ومعناه بلسانهم ثلاثي التعليم، لأنه كان يصف الله تعالى بثلاث صفات ذاتية وهي الوجود والحكمة والحياة» اهــــ.

ولا يخفى قرب الحروف الأولى في هذا الاسم من حروف إدريس، فلعل العرب اختصروا الاسم لطوله فاقتصروا على أوله مع تغيير.

وكان إدريس نبيئاً، ففي الإصحاح الخامس من سفر التكوين «وسار أُخنوخ مع الله». قيل: هو أول من وضع للبشر عمارة المدن، وقواعد العلم، وقواعد التربية، وأول من وضع الخط، وعلّم الحساب بالنجوم وقواعدَ سير الكواكب، وتركيب البسائط بالنّار فلذلك كان علم الكيمياء ينسب إليه، وأوّل من علم الناس الخياطة. فكان هو مبدأ من وضع العلوم، والحضارة، والنظم العقليّة.

فوجه تسميته في القرآن بإدريس أنّه اشتق له اسم من الفرس على وزن مناسب للأعلام العجميّة، فلذلك منع من الصرف مع كون حروفه من مادة عربية، كما منع إبليس من الصرف، وكما منع طالوت من الصرف.

وتقدّم اختلاف القراء في لفظ { نبياً } عند ذكر إبراهيم.

وقوله { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } قال جماعة من المفسرين هو رفع مجازي. والمراد: رفع المنزلة، لما أوتيه من العلم الذي فاق به على من سلفه. ونقل هذا عن الحسن. وقال به أبو مسلم الأصفهاني. وقال جماعة: هو رفع حقيقي إلى السماء، وفي الإصحاح الخامس من سفر التكوين «وسار أخنوخ مع الله ولم يُوجد لأنّ الله أخذه»، وعلى هذا فرفعه مثل رفع عيسى - عليه السلام -. والأظهر أن ذلك بعد نزع روحه وروْحنة جثته. ومما يذكر عنه أنّه بقي ثلاث عشرة سنة لا ينام ولا يأكل حتى تَرَوْحَن، فرفع. وأما حديث الإسراء فلا حجة فيه لهذا القول لأنه ذكر فيه عدة أنبياء غيره وجدوا في السماوات. ووقع في حديث مالك بن صعصعة عن الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات أنه وجد إدريس - عليه السلام - في السماء وأنه لمّا سلّم عليه قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. فأخذ منه أنّ إدريس - عليه السلام - لم تكن له ولادةٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنّه لم يقل له والابن الصالح، ولا دليل في ذلك لأنه قد يكون قال ذلك اعتباراً بأخوّة التوحيد فرجحها على صلة النسب فكان ذلك من حكمته.

على أنّه يجوز أن يكون ذلك سهواً من الراوي فإن تلك الكلمة لم تثبت في حديث جابر بن عبدالله في «صحيح البخاري». وقد جزم البخاري في أحاديث الأنبياء بأن إدريس جد نوح أو جدّ أبيه. وذلك يدلّ على أنّه لم ير في قوله «مرحباً بالأخ الصالح» ما يُنافي أن يكون أباً للنبي - صلى الله عليه وسلم -.


من التفسير الكبير للطبراني :
{

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً }؛ اسمُ ادريسَ أخْنُوخَ، وهو جدُّ أبي نوحٍ، وسُمي إدريس لكثرةِ دَرْسِهِ الكتبَ، وكان خَيَّاطاً وهو أولُ من خطَّ بالقلمِ، وهو أولُ من خاطَ الثيابَ ولبس المخيطَ، وأولُ من نَظرَ في علمِ النُّجوم والحساب
.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } أنزلت عليه ثلاثونَ صحيفةً، وهو أولُ من لَبسَ القطنَ، وكانوا قَبْلَ ذلك يلبسونَ جلود الضَّأْنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } رُوي عن أنسِ بن مالك، وأبي سعيدٍ الخدريِّ ومجاهد: (أنَّهُ رُفِعَ إلَى السَّمَاءِ الرَّابعَةِ)، وقال ابنُ عبَّاس والضحَّاك: (إلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ). وَقِيْلَ: معناهُ: ورفعناهُ في العلمِ والنبوَّة إلى درجةٍ عالية. وروي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " لَمَّا عُرِجَ بي رَأيْتُ إدْريْسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابعَةِ ".

وكان سببُ رفعهِ على قولِ ابنِ عبَّاس: (أنهُ سارَ ذات يومٍ في حاجتهِ فأصابَهُ وَهَجُ الشمسِ، فقال: يا رب إنِّي مشيتُ يوماً واحداً، فكيفَ بمن حملَها خمسمائةَ عامٍ في يوم واحد، اللَّهُمَّ خَفِّفْ عنهُ مِن ثقلِها واحمِلْ عنهُ حرَّها، فلما أصبحَ الملكُ الْمُوَكَّلُ بها وجدَ خِفَّةً في حرِّها بخلافِ ما يعرفُ، فقالَ: يا رب ما الذي قضيتَ؟ فقال: إنَّ عبدي إدريسَ سألَني أن أخفِّفَ عنكَ حملَها وحرَّها فأجبتهُ، فقال: يا رب اجْمَعْ بيني وبينَهُ صبحةً فأذِنَ له حتى أتَى إلى إدريسَ، فسألَهُ عن ذلك فأخبرَهُ أنه دعا له شفقةً عليهِ، ثُم حملَهُ مَلَكُ الشمسِ على جناحهِ، ورفعه إلى السَّماء بإذنِ الله تعالى).


{

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ }؛ معناهُ: إن الذينَ ذكرتُهم هم الذينَ أكرَمَهم اللهُ بالنبوَّة والإسلام من ذريَّة آدمَ، وإنَّما قَرَنَ ذكرَ نَسَبهِمْ مع أنَّ كلَّهم كانوا لآدمَ لِيُبَيِّنَ مراتبَهم في شرفِ النسب، فإنهُ كان لإدريسَ شرفُ القُرْب من آدمَ، وكان إبراهيمُ من ذريَّة نوحٍ، وكان إسماعيل واسحاقُ من ذريَّة إبراهيمَ، وكان موسى وهارون وزكريَّا ويحيى وعيسَى من ذريَّة إسرائيلَ، فقولهُ: { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } يعني إدريسَ ونوح، { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ }؛ في السفينةِ يعني إبراهيمَ؛ لأنه من ولدِ سَامِ بن نوحٍ، { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ }؛ يعني إسماعيلَ وإسحاق ويعقوبَ، وقوله، { وَإِسْرَائِيلَ }؛ يعني أنَّ من ذريَّة إسرائيل: موسَى وهارون ومَن ذكرناهُ
.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ }؛ أي هؤلاء كانوا مِمَّن أرشدنا واصطفينا لإداءِ الرِّسالة، { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ }؛ التي أُنزلت عليهم، { خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }؛ أي وَقَعُوا يسجدونَ للهِ تعالى، ويبكونَ من مخافةِ الله، والسُّجَّدُ: جمعُ ساجدٍ، والبُكِيُّ جمعُ بَاكٍ.


من تفسير في ظلال القرآن للمرحوم سيد قطب :

{

{
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبيا. ورفعناه مكاناً عليا }.

ولا نملك نحن تحديد زمان إدريس. ولكن الأرجح أنه سابق على إبراهيم وليس من أنبياء بني إسرائيل فلم يرد ذكره في كتبهم. والقرآن يصفه بأنه كان صديقاً نبياً ويسجل له أن الله رفعه مكاناً عليا. فأعلى قدره ورفع ذكره..

وهناك رأي نذكره لمجرد الاستئناس به ولا نقرره أو ننفيه، ويقول به بعض الباحثين في الآثار المصرية، وهو أن إدريس تعريب لكلمة " أوزريس " المصرية القديمة. كما أن يحيى تعريب لكلمة يوحنا. وكلمة اليسع تعريب لكلمة إليشع.. وأنه هو الذي صيغت حوله أساطير كثيرة. فهم يعتقدون أنه صعد إلى السماء وصار له فيها عرش عظيم. وكل من وزنت أعماله بعد الموت فوجدت حسناته ترجح سيئاته فإنه يلحق بأوزريس الذي جعلوه إلهاً لهم. وقد علمهم العلوم والمعارف قبل صعوده إلى السماء.

وعلى أية حال فنحن نكتفي بما جاء عنه في القرآن الكريم؛ ونرجح أنه سابق على أنبياء بني إسرائيل.


من تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري :
{

يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد فـي كتابنا هذا إدريس { إنَّهُ كانَ صِدّيقاً } لا يقول الكذب، { نَبِـيًّا } نوحي إلـيه من أمرنا ما نشاء { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا } ذكر أن الله رفعه وهو حيّ إلـى السماء الرابعة، فذلك معنى قوله: { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا } يعنـي به إلـى مكان ذي علوّ وارتفـاع. وقال بعضهم: رُفع إلـى السماء السادسة. وقال آخرون: الرابعة. ذكر الرواية بذلك
:

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي جرير بن حازم، عن سلـيـمان الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عبـاس كعبـاً وأنا حاضر، فقال له: ما قول الله تعالـى لإدريس { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا } قال كعب: أما إدريس، فإن الله أوحى إلـيه: إنـي رافع لك كلّ يوم مثل عمل جميع بنـي آدم، فأحبّ أن تزداد عملاً، فأتاه خـلـيـل له من الـملائكة، فقال: إن الله أوحى إلـيّ كذا وكذا، فكلـمْ لـي ملك الـموت، فلـيؤخرنـي حتـى أزداد عملاً، فحمله بـين جناحيه، ثم صعد به إلـى السماء فلـما كان فـي السماء الرابعة، تلقاهم ملك الـموت منـحدراً، فكلـم ملك الـموت فـي الذي كلـمه فـيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ فقال: هوذا علـى ظهري، قال ملك الـموت: فـالعجب بعثت أقبض روح إدريس فـي السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه فـي السماء الرابعة وهو فـي الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول الله تبـارك وتعالـى: { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا }.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا } قال: إدريس رُفع فلـم يـمت، كما رُفع عيسى.

حدثنا القاسم، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: ولـم يـمت.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس { وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِـيًّا } قال: رفع إلـى السماء السادسة، فمات فـيها.

حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَرَفَعْناهُ مكاناًعلـياً } إدريس أدركه الـموت فـي السماء السادسة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد { ورفعناه مكاناً علـياً } قال: السماء الرابعة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي هارون العبدي، عن أبـي سعيد الـخدري { ورفعناه مكاناً علـياً } قال: فـي السماء الرابعة.

حدثنا علـيّ بن سهيـل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية الرياحي، عن أبـي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازي» قال: لـما أسري بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم صعد به جبريـل إلـى السماء الرابعة، فـاستفتـح فقـيـل: من هذا؟ قال: جبرائيـل، قالوا: ومن معه؟ قال: مـحمد، قالوا: أوقد أرسل إلـيه؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خـلـيفة، فنعم الأخ ونعم الـخـلـيفة، ونعم الـمـجيء جاء، قال: فدخـل فإذا هو برجل، قال: هذا إدريس رفعه الله مكاناً علـياً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله { ورفعناه مكاناً علـياً } قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبـيّ الله حدث أنه لـما عرج به إلـى السماء قال: أتـيت علـى إدريس فـي السماء الرابعة
.

{

يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصتُ علـيك أنبـاءهم فـي هذه السورة يا مـحمد، الذين أنعم الله علـيهم بتوفـيقه، فهداهم لطريق الرشد من الأنبـياء من ذريه آدم، ومن ذرية من حملنا مع نوح فـي الفُلك، ومن ذرية إبراهيـم خـلـيـل الرحمن، ومن ذرية إسرائيـل، ومـمن هدينا للإيـمان بـالله والعمل بطاعته واجتبـينا: يقول: ومـمن اصطفـينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فـالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيـم، والذي عنى به من ذرية إبراهيـم إسحاق ويعقوب وإسماعيـل، والذي عنى به من ذرية إسرائيـل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريـم، ولذلك فرق تعالـى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فـيهم من لـيس من ولد من كان مع نوح فـي السفـينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح
.

وقوله تعالـى ذكره: { إذَا تُتلـى عَلَـيهِمْ آياتُ الرَّحمنِ } يقول: إذا تتلـى علـى هؤلاء الذين أنعم الله علـيهم من النبـيـين أدلة الله وحججه التـي أنزلها علـيهم فـي كتبه، خرّوا لله سجداً، استكانة له وتذللاً وخضوعاً لأمره وانقـياداً، { وَبُكِيًّا } يقول: خرّوا سجداً وهم بـاكون، والبُكِيّ: جمع بـاك، كما العُتِـيّ جمع عات والـجُثِـيّ: جمع جاث، فجمع وهو فـاعل علـى فعول، كما يجمع القاعد قعوداً، والـجالس جلوسا، وكان القـياس أن يكون: وبُكوّا وعتوّا، ولكن كرهت الواو بعد الضمة فقلبت ياء، كما قـيـل فـي جمع دلو أدل. وفـي جمع البهو أبه، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو، فقلبت الواو ياء لـمـجيئها بعد الضمة استثقالاً، وفـي ذلك لغتان مستفـيضتان، قد قرأ بكلّ واحدة علـماء من القرّاء بـالقرآن بكياً وعتوّا بـالضمّ، وبكياَ وعتـياً بـالكسر. وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه. وقد:

حدثنا ابن بشاء، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: قرأ عمر بن الـخطاب سورة مريـم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكيّ؟ يريد: فأين البكاء.

من تفسير زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي :
* {
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }
قوله تعالى: { ورفعناه مكاناً عَلِيّاً } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه في السماء الرابعة، روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: أنه رأى إِدريس في السماء الرابعة، وبهذا قال أبو سعيد الخدريّ، ومجاهد، وأبو العالية.

والثاني: أنه في السماء السادسة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والثالث: أنه في الجنة، قاله زيد بن أسلم، وهذا يرجع إِلى الأول، لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة.

والرابع: أنه في السماء السابعة، حكاه أبو سليمان الدمشقي.

وفي سبب صعوده إِلى السماء ثلاثة أقوال.

أحدها:

أنه كان يصعد له من العمل مِثْلُ ما يصعد لجميع بني آدم، فأحبَّه مَلَك الموت، فاستأذن اللهَ في خُلَّته، فأذن له، فهبط إِليه في صورة آدمي، وكان يصحبه فلما عرفه، قال إِنِّي أسألك حاجة، قال: ما هي؟ قال: تذيقني الموت، فلعلِّي أعلم ما شدَّته فأكون له أشدّ استعداداً؛ فأوحى الله إِليه أن اقبض روحه ساعةً ثم أَرْسِله، ففعل، ثم قال: كيف رأيتَ؟ قال: كان أشدَّ مما بلغني عنه، وإِني أُحب أن تريَني النار، قال: فحمله، فأراه إِيّاها؛ قال: إِني أُحِبُّ أن تريَني الجنة، فأراه إِياها، فلما دخلها وطاف فيها، قال له ملك الموت: اخرج، فقال: والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يُخرجني؛ فبعث الله مَلَكاً فحكم بينهما، فقال: ما تقول يا مَلَك الموت؟ فقصَّ عليه ما جرى؛ فقال: ما تقول يا إِدريس؟ قال: إِن الله تعالى قال
:
{
كُلُّ نَفْس ذائقة الموت }
[
آل عمران: 185]، وقد ذُقْتُه، وقال:
{
وإِن منكم إِلا واردها }
[
مريم: 71]، وقد وردتُها، وقال لأهل الجنة:
{
وما هم منها بمُخْرَجِين }
[
الحجر: 48]، فوالله لا أخرج حتى يكون الله يُخرجني؛ فسمع هاتفاً من فوقه يقول: باذني دخل، وبأمري فعل، فخلِّ سبيله؛ هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن سأل سائل فقال: من أين لإِدريس هذه الآيات، وهي في كتابنا؟! فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء، قال: كان الله تعالى قد أعلم إِدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود، وامتناع الخروج من الجنة، وغير ذلك، فقال ما قاله بعلم
.

والثاني:

أن ملَكاً من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إِلى إِدريس، فأذن له، فلما عرفه إِدريس، قال: هل بينك وبين ملك الموت قرابة؟ قال: ذاك أخي من الملائكة، قال: هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت؟ قال سأكلِّمه فيك، فيرفق بك، اركب ببن جناحيّ، فركب إِدريس، فصعد به إِلى السماء، فلقي ملك الموت، فقال: إِن لي إِليك حاجة، قال: أعلم ما حاجتك، تكلِّمني في إِدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أَجَله إِلا نصف طرفة عين؟! فمات إِدريس بين جناحي الملَك، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو صالح عن ابن عباس: فقبض ملك الموت روح إِدريس في السماء السادسة
.

والثالث:

أن إِدريس مشى يوماً في الشمس، فأصابه وهجها، فقال: اللهم خفِّف ثقلها عمَّن يحملها، يعني به الملك الموكَّل بالشمس، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرِّها مالا يعرف، فسأل الله عز وجل عن ذلك، فقال: إِن عبدي إِدريس سألني أن أُخفِّف عنكَ حِملها وحرَّها، فأجبْتُه، فقال: يا رب اجمع بيني وبينه، واجعل بيننا خُلَّة، فأَذِن له، [فأتاه]، فكان مما قال له إِدريس: اشفع لي إِلى ملك الموت ليؤخِّر أجَلي، فقال: إِن الله لا يؤخِّر نفساً إِذا جاء أَجَلُها، ولكن أُكلِّمه فيك، فما كان مستطيعاً أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك، ثم حمله الملك على جناحه، فرفعه إِلى السماء، فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملكَ الموت فقال: إِن لي إِليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفَّعَ بي إِليك لتؤخِّر أجَلَه، قال: ليس ذاك إِليَّ، ولكن إِن أحببتَ أعلمتُه متى يموت، فنظر في ديوانه، فقال: إِنك كلمتني في إِنسان ما أراه يموت أبداً، ولا أجده يموت إِلا عند مطلع الشمس، فقال: إِني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق، فما أراك تجده إِلا ميتاً، فوالله ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتاً. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين. فهذا القول والذي قبله يدلاّن على أنه ميت، والقول الأول يدل على أنه حيّ
.

من تفسير النكت و العيون للماوردي :
{

قوله تعالى: {.... وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } فيه قولان
:

أحدهما: أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع، وأبي سعيد الخدري، وكعب، ومجاهد.

الثاني: رفعه إلى السماء السادسة، قاله ابن عباس، والضحاك، وهو مرفوع في السماء.

واختلفوا في موته فيها على قولين:

أحدهما: أنه ميت فيها، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة.

الثاني: أنه حيّ فيها لم يمت مثل عيسى. روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم. وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود، وأول من وضع الأوزان والكيول، وأقام علم النجوم، والله أعلم.

{

قوله تعالى: {... خَرّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } أي سُجّداً لله، وبكياً جمع باك، ليكون السجود رغبة والبكاء رهبة. وقد روي في الحديث:
" فَهذَا السُّجُودُ فَأَينَ البُكَاءُ؟ " يعني هذه الرغبة فأين الرهبة؟ لأن الطاعة لا تخلص إلا بالرغبة والرهبة.



من تفسير لباب الـاويل في معاني التنزيل للخازن :
{

قوله عز وجل { واذكر في الكتاب إدريس } هو جد أبي نوح واسمه أخنوخ، سمي إدريس لكثرة دراسة الكتب وكان خياطاً وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب وليس المخيط وكانوا من قبل يلبسون الجلود وهو أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر في علم الحساب
.

{
إنه كان صديقاً نبياً } وذلك أن الله تعالى شرفه بالنبوة وأنزل عليه ثلاثين صحيفة { ورفعناه مكاناً علياً } قيل هي الرفعة بعلو المرتبة في الدنيا، وقيل إنه رفع إلى السماء. وهو الأصح يدل عليه ما روى أنس بن مالك بن صعصعة " عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج " متفق عليه وكان سبب رفع إدريس إلى السماء الرابعة على ما قاله كعب الأحبار وغيره: أنه سار يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب إني مشيت يوماً فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال يا رب خلقتني لحر الشمس فما الذي قضيت فيه؟ قال إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها، فأجبته قال يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة فأذن له حتى أتى إدريس، فكان إدريس يسأله ما سأله أن قال إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي لعلي ازداد شكراً وعبادة فقال الملك

{
ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها }
[
المنافقون: 11] وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال له إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، فقال ملك الموت ليس لي ذلك ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيقدم لنفسه قال نعم فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً.

قال وكيف ذلك فقال لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس. قال إني أتيتك وتركته هناك قال انطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من عمر إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتاً وقال وهب: كان يرفع لإدريس فاستأذن ربه في زيارته فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى الطعام فأبى أن يأكل معه ففعل ذلك ثلاث ليال، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة: إني أريد أن أعلم من أنت قال: أنا ملك الموت، استأذنت ربي أن أصحبك فقال لي إليك حاجة قال وما هي قال تقبض روحي. فأوحى الله إليه أن أقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة فقال له ملك الموت ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه فأكون أشد استعداداً له. ثم قال له إدريس لي إليك حاجة أخرى. قال وما هي قال ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار فأذن الله له فرفعه فلما قرب من النار قال لي إليك حاجة قال وما هي قال أريد أن أسأل مالكاً أن يرفع أبوابها فأراها.

ففعل قال فكما أريتني النار فأرني الجنة. فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها فأدخله الجنة ثم قال له ملك الموت اخرج لتعود إلى مقرك فتعلق بشجرة، وقال ما أخرج منها فبعث الله إليه ملكاً حكماً بينهما قال له الملك ما لك لا تخرج؟ قال لأن الله تعالى قال
{
كل نفس ذائقة الموت }
[
الأَنبياء: 35] وقد ذقته ثم قال
{
وإن منكم إلا واردها }
[
مريم: 71] فأنا وردتها وقال
{
وما هم منها بمخرجين }
[
الحجر: 48] فلست أخرج فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك فذلك قوله تعالى { ورفعناه مكاناً علياً } واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت. فقال قوم هو ميت واستدل بالأول. وقال قوم هو حي واستدل بهذا. وقالوا أربعة من الأنبياء احياء اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس. واثنان في السماء وهما إدريس وعيسى.


من تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبن عطية :
{
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً }
* {
وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } *
{
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }

{
إدريس } عليه السلام هو من أجداد نوح عليه السلام، وهو أول نبي بعث الى أهل الأرض، فيما روي، من بعد آدم، وهو أول من خط بالقلم وكان خياطاً، ووصفه الله بـ " الصدق " والوجه أن يحمل ذلك على العموم في الأحاديث والأعمال. قال ابن مسعود هو الياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلا الله. ويعملوا ما شاؤوا فأبوا فأهلكوا، والأشهر أنه لم يبعث بإهلاك أمة وإنما نبىء فقط واختلف الناس في قوله { ورفعناه مكاناً علياً }.

فقال جماعة من العلماء هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة وهو في السماء كما سائر الأنبياء، وقالت فرقة: بل رفع الى السماء، قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى وهنالك مات، وقال مجاهد إلا أنه قال: ولم يمت، وكذلك قال وهب وقال كعب الأحبار لابن عباس كان له خليل من الملائكة فحمله على على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة فلقي هنالك ملك الموت فقال له إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح { إدريس } وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد هذا { إدريس } معي فقبض روحه وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات وحديث أنس بن مالك وأبي هريرة في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة. وقوله تعالى: { أولئك الذين أنعم الله عليهم } الإشارة بـ { أولئك } إلى من تقدم ذكره، وقوله { من ذرية آدم } يريد { إدريس } ونوحاً وممن حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام، { ومن ذرية إبراهيم } وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية { إسرائيل } موسى وهارون وزكرياء ويحيى ومريم. وقوله { وممن هدينا } معناه وأولئك ممن هدينا، لأن هدى الله قد ناله غير هؤلاء. { واجتبينا } معناه اصطفينا واخترنا وكأنه من جبيت المال إذا جمعته ومنه جباية المال وكأن جابيه يصطفيه، وقرأ الجمهور " إذا تتلى " بالتاء من فوق وقرأ نافع وشيبة، وأبو جعفر " إذا يتلى " بالياء، و " الآيات " هنا الكتب المنزلة، و { سجداً } نصب على الحال لأن مبدأ السجود سجود، وقرأ عمر بن الخطاب والجمهور " بكياً " قالت فرقة: هو جمع باك كما يجمع عاث وجاث على عثيّ وجثي، وقال فرقة: هو مصدر بمعنى البكاء التقدير وبكوا { بكياً } واحتج الطبري ومكي لهذا القول بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روي أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال " هذا السجود فأين البكي " يعني البكاء، واحتجاجهم بهذا فاسد لأنه يحتمل أن يريد عمر رضي الله عنه " فأين الباكون " ، فلا حجة فيه لهذا وهذا الذي ذكروه عن عمر ذكره أبو حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن مسعود ويحيى والأعمش " وبكياً " بكسر الباء وهو مصدر على هذه القراءة لا يحتمل غير ذلك.

من تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للإمام البقاعي :
{
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } *
{
وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } *
{
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }
* {
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً }

ولما كان إسماعيل عليه السلام قد رفع بالسكنى حياً إلى أعلى مكان في الأرض رتبة، وكان أول نبي رمى بالسهام، وكان إدريس عليه السلام - مع رفعته إلى المكان العلي - أول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر في علم النجوم والحساب، وخط بالقلم، وخاط الثياب ولبس الجبة وكان أغربهم قصة، وأعجبهم أمراً، وأقدمهم زمناً، ختم به هذه القصص تأييداً لهذا النبي الكريم، بما بين له من القصص التي هي أغرب مما أمر اليهود بالتعنت فيه، وإشارة إلى أن الله تعالى يؤتي أتباعه من علوم إدريس الأرضية والسماوية مما يستحق أن يحفظ بالخط ويودع بطون الكتب لضيق الصدور عن حفظه ما لم يؤته أمة من الأمم، وأنه يجمع شملهم، وترهيباً للمتعنتين بأنهم إن لم ينتهوا وضع فيهم السلاح كما فعل إدريس عليه السلام بكفار زمانه فقال: { واذكر في الكتاب } أي الجامع لكل ما يحتاج إليه من القصص المتقدمين والمتأخرين { إدريس } أي الذي هو أبعد ممن تعنت بهم اليهود زماناً، وأخفى منهم شأناً، وهو جد أبي نوح عليه السلام واسمه حنوخ بمهملة ونون وآخره معجمة { إنه كان صديقاً } أي صادقاً في أقواله وأفعاله، ومصدقاً بما أتاه عن الله من آياته على ألسنة الملائكة { نبياً * } ينبئه الله تعالى بما يوحيه إليه من الأمر العظيم، رفعة لقدره، فينبىء به الناس الذين أرسل إليهم { ورفعناه } جزاء منا له على تقواه وإحسانه، رفعة تليق بعظمتنا، فأحللناه { مكاناً علياً * } أي الجنة أو السماء الرابعة، وهي التي رآه النبي صلى الله عليه وسلم بها ليلة الإسراء؛ قال ابن قتيبة في المعارف: وفي التوراة أن أخنوخ أحسن قدام الله فرفعه إليه - انتهى. وفي نسخة ترجمه التوراة وهي قديمة جداً وقابلتها مع بعض فضلاء الربانيين من اليهود وعلى ترجمة سعيد الفيومي بالمعنى وكان هو القارىء ما نصه: وكانت جميع حياة حنوخ ثلاثمائة وخمساً وستين سنة، فأرضى حنوخ الله ففقد لأن الله غيبه، وفي نسخة أخرى: لأن الله قبله، وفي أخرى: لأن الله أخذه. وهو قريب مما قال ابن قتيبة، لأن أصل الكلام عبراني، وإنما نقله إلى العربي المترجمون، فكل ترجم على قدر فهمه من ذلك اللسان، ويؤيد أن المراد الجنة
ما في مجمع الزوائد للحافظ نور الدين الهيثمي عن معجمي الطبراني - الأوسط والأصغر إن لم يكن موضوعاً: حدثنا محمد بن واسط ثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي ثنا حجاج بن محمد بن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد ابن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"
إن إدريس عليه السلام كان صديقاً لملك الموت فسأله أن يريه الجنة والنار، فصعد بإدريس فأراه النار ففزع منها، وكاد يغشى عليه فالتف عليه ملك الموت بجناحه، فقال ملك الموت: أليس قد رأيتها؟ قال: بلى! ولم أر كاليوم قط، ثم انطلق به حتى أراه الجنة فدخلها فقال له ملك الموت: انطلق! قد رأيتها، قال: إلى أين؟ قال ملك الموت: حيث كنت، قال إدريس: لا والله! لا أخرج منها بعد إذ دخلتها، فقيل لملك الموت: أليس أنت أدخلته إياها وأنه ليس لأحد دخلها أن يخرج منها".

وقال: لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد، وقال الحافظ نور الدين: إبراهيم المصيصي متروك. قلت وفي لسان الميزان لتلميذه شيخنا حافظ العصر ابن حجر عن الذهبي أنه كذاب، وعن ابن حبان أنه كان يسوي الحديث، أي يدلس تدليس التسوية.
وفي تفسير البغوي عن وهب قريب من هذا، وفيه أنه سأل ملك الموت أن يقبض روحه ويردها إليه بعد ساعة، فأوحى الله إليه أن يفعل، وفيه أنه احتج في امتناعه من الخروج بأن كل نفس ذائقة الموت وقد ذاقه، وأنه لا بد من ورود النار وقد وردها، وأنه ليس أحد يخرج من الجنة، فأوحى الله إلى ملك الموت: بإذني دخل الجنة - يعني: فخلِّ سبيله - فهو حي هناك.

وفي تفسير البغوي أيضاً عن كعب وغيره أن إدريس عليه السلام مشى ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب! فكيف بمن يحملها؟ اللهم! خفف عنه من ثقلها، فخفف عنه فسأل ربه عن السبب فأخبره فسأل أن يكون بينهما خلة، فأتاه فسأله إدريس عليه السلام أن يسأل ملك الموت أن يؤخر أجله، فقال: لا يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، وأنا مكلمه، فرفع إدريس عليه السلام فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت وكلمه فقال: ليس ذلك إليّ، ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيتقدم في نفسه، قال: نعم! فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبداً، قال: وكيف ذلك؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، قال: فإني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات، فوالله ما بقي من أجل إدريس - عليه السلام - شيء، فرجع الملك فوجده ميتاً.
ومن جيد المناسبات أن إسماعيل وإدريس عليهما الصلاة والسلام اشتركا في البيان بالعلم واللسان، فإسماعيل عليه السلام أول من أجاد البيان باللسان، وإدريس عليه السلام أول من أعرب الخطاب بالكتاب، فقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أول من فتق لسانه بهذه العربية إسماعيل عليه السلام "

ولأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام ".

ولما انقضى كشف هذه الأخبار، العلية المقدار، الجليلة الأسرار، شرع سبحانه ينسب أهلها بأشرف نسبهم، ويذكر أمتن سببهم هزاً لمن وافقهم في النسب إلى الموافقة في السبب فقال: { أولئك } أي العالو الرتب، الشرفاء النسب { الذين أنعم الله } بما له من صفات الكمال التي بها أقام آدم عليه السلام وهم في ظهره، مع ما طبعه عليه من الأمور المتضادة حتى نجاه من مكر إبليس، ونجى بها نوحاً عليه السلام وهم في صلبه من ذلك الكرب العظيم، وإبراهيم عليه السلام وهم في قواه مع اضطرام النار وإطفاء السن وإصلاد العظم، وأعلى بها إسرائيل عليه السلام وبنيه في سوط الفراق وامتهان العبودية وانتهاك الاتهام حتى كان أبناؤه معدن الملوك والأنبياء، ومحل الأتقياء والأصفياء، إلى غير ذلك من جليل الأنبياء وعظيم الأصطفاء والاجتباء { عليهم } بما خصهم به من مزيد القرب إليه، وعظيم المنزلة لديه؛ وبين الموصول بقوله: { من النبيين } أي المصطفين للنبوة الذين أبنأهم الله بدقائق الحكم، ورفع محالهم بين الأمم، وأنبؤوا الناس بجلائل الكلم، وأمروهم بطاهر الشيم.

ولما كانوا بعض بني آدم الذين تقدم أنا كرمناهم، قال إشارة إلى ما في ذلك من النعمة عليهم وهم يرونها: { من ذرية ءادم } صفينا أبي البشر الذي خلقه الله من التراب بيده، وأسجد له ملائكته، وإدريس أحقهم بذلك.

ولما كان في إنجاء نوح عليه السلام وإغراق قومه من القدرة الباهرة ما لا يخفى، نبه عليه بنون العظمة في قوله مشيراً إلى أعظم النعمة عليهم بالتبعيض، وإلى أن نبيهم من ذريته كما كان هو من ذرية إدريس عليه السلام الذي هو من ذرية آدم، فكما كان كل منهم رسولاً فكذلك هو وإبراهيم أقربهم إلى ذلك: { وممن حملنا مع نوح } صفينا أول رسول أرسلناه بعد افتراق أهل الأرض وإشراكهم، من خلص العباد، وأهل الرشاد، وجعلناه شكوراً، وإبراهيم أقربهم إلى ذلك { ومن ذرية إبراهيم } خليلنا الذي كان له في إعدام الأنداد ما اشتهر به من فضله بين العباد، وإسماعيل وإسحاق أولاهم بذلك، ثم يعقوب { وإسراءيل } صفينا، وهم الباقون: موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم بنت داود - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام - فكما كان هؤلاء رسلاً وهم من ذرية إبراهيم الذي هو من ذرية نوح فكذا نبيكم الذي هو من ذرية إسماعيل الذي هو من إبراهيم لصلبه وهو أول أولاده كما كان إسرائيل من ذريته، فالإرسال من ذرية من هو ابنه لصلبه أولى من الإرسال من ذرية من بينه وبينه واسطة، وإلا كان بنو إسرائيل أشرف منكم وأبوهم أشرف من أبيكم، فلا تردوا الكرامة، يا من يتنافسون في المفاخرة والزعامة { وممن هدينا } إلى أقوم الطرق { واجتبينا } أي فعلنا بهم فعل من يتخير الشيء وينتقيه بأن أسبغنا عليهم من النعم ما يجل عن الوصف؛ وعطف الأوصاف بالواو إشارة إلى التمكن فيها
إلخ التفسير
.



من تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان للقمي النيسابوري :
{


والصديق من أبنية المبالغة فهي إما مبالغة صادق لأن ملاك أمر النبوة الصدق، وإما مبالغة مصدق وذلك لكثرة تصديقه الحق وهذا أيضاً بالحقيقة يعود إلى الأول، لأن مصدق الحق لا يعتبر تصديقه. إلا إذا كان صادقاً جداً في أقواله مصدقاً لجميع من تقدم من الأنبياء والكتب، وكان نبياً في نفسه رفيع القدر عند الله وعند الناس بحيث جعل واسطة بينه وبين عباده. وقيل: إن " كان " بمعنى " صار " والأصح أنه بمعنى الثبوت والاستمرار أي إنه لم يزل موصوفاً بالصدق والنبوة في الأوقات الممكن له ذلك فيها
وأما إدريس فالأصح أنه اسم عجمي بدليل منع الصرف كما مر مراراً في آدم ويعقوب وغيرهما. وقيل: " افعيل " من الدرس لكثرة دراسته كتاب الله، ولعل معناه بالأعجمية قريب من الدراسة فظنه القائل مشتقاً منها
.

وفي رفعته أقوال منها: أن المكان العليّ شرف النبوة والزلفى عند الله، وقد أنزل عليه ثلاثون صحيفة، وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب، وأول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود، واسمه أخنوخ من أجداد نوح لأنه نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وأهل التنجيم بعضهم يسمونه هرمس ولهم نوادر في استخراج طوالع المواليد ينسبونه إليه. وقيل: إن الله تعالى رفعه إلى السماء وإلى الجنة وهو حي لم يمت. وقال آخرون: رفع إلى السماء وقبض روحه. عن ابن عباس أنه سأل كعباً عن قوله: { ورفعناه مكاناً علياً } قال: جاء خليل من الملائكة فسأله أن يكلم ملك الموت حتى يؤخر قبض روحه، فحمله ذلك الملك بين جناحيه فصعد به، فلما كان في السماء الرابعة إذ بملك الموت يقول: بعثت لأقبض روح إدريس في السماء الرابعة وأنا أقول: كيف ذلك وهو في الأرض؟ فالتفت إدريس فرأى ملك الموت فقبض روحه هناك. وعن ابن عباس أنه رفع إلى السماء السادسة. وعن الحسن: المراد أنه رفع إلى الجنة ولا شيء أعلى منها. { أولئك } المذكورون من لدن زكريا إلى إدريس هم { الذين أنعم الله عليهم من النبيين } " من " للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم { من ذرية آدم } هي للتبعيض وكذا في قوله: { وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } والمراد بمن هو من ذرية آدم إدريس لقربه منه، وبذرية من حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام لأنه من ولد سام بن نوح، وبذرية إبراهيم وإسماعيل، وبذرية إسرائيل موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم لأن مريم من ذريته.



من تفسير القرآن لأبن العربي :
{

{
ورفعناه مكاناً عليّاً } إن كان بمعنى المكانة فهو قربه من الله ورتبته في مقام الولاية من عين الجمع، وإن كان بمعنى المكان فهو الفلك الرابع الذي هو مقرّ عيسى عليه السلام لما ذكر من كونه مركز روحه في الأصل والمبدأ الأول لفيضانه إذا فاض عن محرك فلك الشمس ومعشوقه { إذا تُتْلى عليهم آيات الرحمن } سمعوا بالنفس من كل آية ظاهرها، وبالقلب باطنها، وفهموا بالسرّ حدّها، وصعدوا بالروح مطلعها، فشاهدوا المتكلم موصوفاً بالصفة التي تجلى بها في الآية فـ { خرّوا سُجداً } فنوا في ذلك الاسم الذي تجلى به عند ظهوره بتلك الصفة الكاشفة عنها تلك الآية، وبكوا اشتياقاً إلى مشاهدته بسائر الصفات المشتمل عليه الرحمن أو الله وهو بكاء القلب إن لم يكن مستلزماً لبقاء النفس من خوف البعد، كما قال الشاعر:
و يبكي إن نأوا شوقا إليهم ***و يبكي إن دنوا خوف الفراقٍ

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-14-2010, 02:56 PM
 
من تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للطوسي :


{
وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً }
* { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }
يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) { اذكر في الكتاب } الذي هو القرآن { إدريس } واخبر انه كان كثير التصديق بالحق، وكان { نبياً } معظماً مبجلا مؤيداً بالمعجزات الباهرة. ثم أخبر تعالى أنه رفعه مكاناً علياً. قال انس بن مالك: رفعه الله الى السماء الرابعة. وروى ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وبه قال كعب ومجاهد: وابو سعيد الخدري. وقال ابن عباس والضحاك: رفعه الله الى السماء السادسة.

واصل الرفع جعل الشيء في جهة العلو، وهي نقيض السفل، يقال: رفعه يرفعه رفعاً، فهو رافع وذاك مرفوع. والعلي العظيم العلوّ والعالي العظيم فيما يقدر به على الأمور، فلذلك وصف تعالى بأنه علي. والفرق بين العليّ والرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وعلو المكان. و (الرفيع) من رفع المكان لا غير. ولذلك لا يوصف تعالى بأنه رفيع. وقوله

{ رفيع الدرجات }
انما وصف الدرجات بأنها رفعية. وانما أخذ من علو معنى الصفة بالاقتدار، لأنها بمنزلة العالي المكان.


من تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي :


{

اللغة: العلي العظيم العلو والعلي العظيم فيما يقدر به على الأُمور ومنه يوصف الله تعالى بأنه علي والفرق بين العلي والرفيع أن العلي قد يكون بمعنى الاقتدار وبمعنى علو المكان والرفيع من رفع المكان لا غير ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه رفيع وأما رفيع الدرجات فإنه وصف للدرجات بالرفعة وبكى وزنه فعول وهو جمع باك ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى البكاء والخلف بفتح اللام يستعمل في الصالح وبسكون اللام في الطالح وقد يستعمل كل واحد في الآخر قال لبيد
:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** و بقيت في خلف كجلد الأجربٍ

الإعراب: سجداً وبكياً نصب على الحال وتقديره خروا ساجدين وباكين. قال الزجاج: وهي حال مقدورة المعنى خروا مقدرين السجود لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجداً إلاَّ من تاب في موضع نصب أي فسوف يلقون العذاب إلاَّ التائبين فيكون الاستثناء متصلاً ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً من غير الأول ويكون المعنى لكن من تاب وآمن فأُولئك يدخلون الجنة
.

المعنى: ثم ذكر سبحانه حديث إدريس فقال: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } الذي هو القرآن { إدريس } وهو جد أب نوح (ع) واسمه في التوراة أخنوخ. وقيل: إنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب وهو أول من خط بالقلم وكان خياطاً وأول من خاط الثياب. وقيل: إن الله تعالى علَّمه النجوم والحساب وعلمه الهيأة وكان ذلك معجزة له { إنه كان صديقاً نبياً } مرَّ معناه
.

{ ورفعناه مكاناً علياً } أي عالياً رفيعاً. وقيل: إنه رفع إلى السماء الرابعة عن أنس وأبي سعيد الخدري وكعب ومجاهد. وقيل: إلى السماء السادسة عن ابن عباس والضحاك قال مجاهد رفع إدريس (ع) كما رفع عيسى (ع) وهو حيُّ لم يمت, وقال آخرون: إنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة. وروي ذلك عن أبي جعفر. وقيل: أن معناه ورفعنا محله ومرتبته بالرسالة كقوله تعالى
:
{ ورفعنا لك ذكرك }
[الشرح: 4] ولم يرد به رفعة عن الحسن والجبائي وأبي مسلم
.

ولما فصل سبحانه ذكر النبيين ووصف كلاً منهم بصفة تخصّه جمعهم في المدح والثناء فقال: { أولئك } تقدَّم ذكرهم { الذين أنعم الله عليهم } بالنبوة. وقيل: بالثواب وبسائر النعم الدينية والدنيوية { من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل } إنما فرَّق سبحانه ذكر نسبهم مع أن كلهم كانوا من ذرية آدم (ع) لتبيان مراتبهم في شرف النسب فكان لإدريس شرف القرب لآدم لأنه جد نوح (ع) وكان إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ولد سام بن نوح وكان إسماعيل وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم لما تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم وكان موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل
.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كل ما تريد معرفته عن الجوال الخاص بك mody2trade أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 01-19-2008 07:52 PM
أكتب أسمك و أسم عائلتك و اعرف أي شى تريد معرفته قاهر الأعداء93 نكت و ضحك و خنبقة 4 10-31-2007 05:23 AM
كل ما تريد معرفته عن عالم الانمى ( هام جدا ) AminoLoLo أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 7 05-09-2007 03:13 AM


الساعة الآن 09:10 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011