عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-11-2010, 03:21 PM
 
Thumbs up كل ما تريد معرفته عن سيدنا إدريس(ع)- المبحث الثاني


المبحث الثاني :


إدريس صلوات ربي و سلامه عليه

كان الناس في بداية الأمر(أي في الزمن الذي ما بين ءادم إلى إدريس إلى نوح) في بداية الحياة و أول طريقها ،و بالتالي فهُم البشر الأول الذي سكن الأرض و يحاول الإنتشار بها ،و بالتالي هُم لا يملكون معلومات و لا أشياء تساعدهم على العيش ،فأحتاجوا بذلك لمعرفة الأدوات التي يحتاجونها في حياتهم و المعارف العلمية التي ستنمي عقولهم و تساعدهم في تلبية إحتياجات أجسادهم و طعامهم و مسكنهم و عقولهم التي تريد كيفية العلم ،و أيديهم التي تريد كيفية العمل .....

ثم إننا نسأل سؤال : لماذا الله تعالى لم ينزل هؤلاء البشر الأول العلم بكيفية العيش و وسائله ؟
ج : لأنه خلقك أصلا بسبب أن (تسعى في الأرض) للعمل و العيش و حتى لجنى راحة النفس !! لأنه لولا تعب و تدوير على اكتشاف الحياة و معرفة العلوم و المعارف بنفسي .....إلخ لــلــَــم يكن هنالك اصلا شئ يسمى دنيا ،فالذي يتكاسل و لا يقدر على صعوبات السعي في الحياة فهو لن يستطيع العيش في الدنيا بشكل صحيح ،لان هذه الدنيا(دار تعب و مشقة)و يجب على كل من اراد العيش بها ان يتعب ليكون له كل ما اراد فعله ...

و لذلك فنحن نرى الأنبياء صلوات ربي عليهم ،يفعلون ذلك ليكونوا قدوتنا و نحن جميعا نفعل مثلهم
فلذلك تسمع : إدريس أول من خط بالقلم و أول من خاط الثياب و اشتغل بالخياطة و أول من تعلّم و علّم علوم الفلك و الحساب
و داوُد أول من سرد الدروع ،و زكريا كان نجاراً ...إلخ
و في نفس الوقت لو تلاحظ ،أن كل أهل تلك الأزمنة البدائية كانوا صالحين لا يشوبهم ضلالات و لا كفر،حتى ورد ببعض الأخبار أن الملائكة كانت تظهر عيانا أمام أهل تلك الأزمنة و تسلّم عليهم ...أما في زمن نوح عليه السلام فَـلـم تظهر الملائكة أمام أعين الناس مرة أخرى ،لأن في زمن نوح كانت بداية ظهور عبادة الأوثان ...فلم يعد هنالك خير مثل الأزمنة التي قبل نوح ....فبدأت الملائكة بدورها بعدم الظهور أمام الناس ،بسبب قلة الصالحين و كثرة الفاسقين في زمن نوح ..أما في زمن مَن كان قبله فكان العكس صحيح ....و بالتالي بما أن هذه الأقوام الأوليّة صالحين في عليين، فإنهم لا يشوبهم أوثان و لا إنحرافات عن جادة الصواب و بالتالي لا يحتاجون لمن يدعوهم لترك الأوثان لأنه لم يوجد أوثان آنذاك و لم تُعرف وقتئذٍ أصلا ..و الدليل على أن الأزمنة التي قبل نوح كانت كلها عُبّاد و علماء و صالحين بكثرة و عدم وجود كفار أصلا ....هو أن في الأزمنة التي قبل نوح(أي زمن إدريس و شيث)كان مجتمعهم ملئ بالصالحين ،و كان أشهر و أعظم و أكبر صالحيهم كانوا خمس : ود سواع يغوث يعوق نسر ....و لما مات هؤلاء الصالحين(قُرابة زمن إدريس)حزن الناس عليهم ...ففكروا ببناء التماثيل لتجسيد صورهم و تخليد ذكراهم ....فنهاهم إدريس عن ذلك ...لأن التصوير كما نعلم(حرام)في شرعنا و التمثيل عندما نشكل بمواد البناء أجساما لأشياء فيها روح كما فعل قوم إدريس فإنهم جسّدوا صالحيهم بالطين فكانوا قد مثلوا أجساد فيها أرواح و هذا حرام كما في شرعنا ...و هؤلاء كانوا بنو قابيل فنهاهم إدريس عن ذلك خشية أن يعبدوهم بعد حين ،و الدليل الذي يثبت أنهم سيعبدوا هذه التماثيل في المستقبل .....أنهم بنوا التماثيل أصلا حبّا لصالحيهم و كانت الخطوة الأولى ...و الخطوة الثانية كانت تساهلا في الحب في الشخص فبالتالي غالوا فيه فعبدوا تمثاله .....للذلك دعاهم إدريس لترك المحرمات من تمثيل الأجساد التي بها روح لأن ذلك حراما ...فما بالك و سيؤديهم ذلك لحرام أكبر ،بل أكبر حرام بعد ذلك و هو (الشرك) !!

و نستنتج من هذا أن في زمن إدريس إرتُكبت المحرمات فقط ،لكن لم تُعبَد الأوثان ....أما في زمن نوح ،فكانت بداية عبادة الأوثان على وجه الكرة الأرضية ..و كان قوم إدريس الذين دعاهم إلى الله و دعاهم لهدم ما فعلوه من محرمات هم بنو قابيل ....أما بنو شيث فكانوا من قومه أيضا و لكن كانوا مميزين عن غيرهم بأنهم هم الصفوة المختارة من قومه لأنهم الوحيدون الذين آمنوا من قومه و كان عددهم 1000 إنسان فقط كما قلنا سابقا ....


و كانت في نفس الوقت نبوة شيث و إدريس عليهما السلام كالمهمة الوعظية و المجتمعية و الشرائعية(البدائية لأنها في بدايات الحياة) ،التي يُعلّم فيها النبي قومه أوليّات الحكم و العلوم و أوليات الشريعة و كذلك أوليّات الإستخدامات الأدواتية و المعرفية الإجتماعية التي أكتشفها الإنسان منذ القديم ليمارسها في حياته اليومية و يعتمد عليها لمعيشته ،فكانت كالشئ المشهور المتعارف عليه الذي عُرف بين المجتمعات و الأوساط و صارت تستخدمه في حياتها ...

و كما قلنا أن تلك المجتمعات البدائية كانت لها شريعة كمثل أي شرائع أخرى كانت بعدها ...إلا أن الفارق بها هو أنها لا تحوي نهي عن الشرك و عبادة الأوثان أو بالأصح تشديد و تكثير من ذكر الشرك و التحذير منه لأنه لم يوجد شرك أيامها أصلا كما قلنا منذ قليل ...

و بما أن هؤلاء الأنبياء في العهود الأوليّة (ءادم شيث إدريس) التي ليس بها دعوة بشكل أكبر كما كان بعد زمن نوح ......فإن المعلومات عنهم قليلة غير معروفة كثيرا ،و السبب يعود لــ(همّة) النبي .....فكلما كان النبي منهم أكثر دعوة و إخلاصا في رسالته كلما ذُكر في القراءن كثيرا ،أو ذكر النبي"ص" له عن حياته أو طرفا عن خبره ...

و ءادم و شيث كانوا في البدايات و كانت همتهم عالية لدعوة و تعليم قومهم دين الله ...و إدريس أكثر و أكبر دعوة منهم ، لأن الله لم يذكر دعوة ءادم و شيث مطلقا ...و لكن على الأقل ذكر إدريس مرتين فقط .....و بناءا على ما قلناه أنه : كلما كانت حياة نبي من الأنبياء مهمة لنعرفها كلما ذكرها ربي بالقرآن ....فلذلك قد ذكر الله لنا أهم الأحداث التي في حياة إدريس و أكتفى بها عن سواها من أحداث حياته و هما : آيتين بمريم و آية بالأنبياء ..أما لو كان تعالى ذكر عن حياته أكثر من هذا بالقرآن، فإنها ستكون آيات إسهابية بلا فائدة ،و تعالى الله عن الإسهاب بل هو الكامل العليم .و لأنه يعلم أنه لن يفيدنا من حياة إدريس إلا ما جاء ذكره بهاتين الآيتين ،فلذلك جل و على لم يذكر غيرهما و لم يذكر غير الذي بالآيتين ،و لو كان هنالك ما يفيدنا و نحتاجه لأنفسنا من حياته عليه السلام لذكره الله تعالى ....إلا أننا نحن الناس يحتوينا الفضول الدائم لمعرفة ما يُعرف بـــ(علمٌ لا ينفع و جهل لا يضر) .....و لو أننا أستخدمنا أنفسنا لمعرفة المغازي الحقيقية للقصة القُرآنية أو الفوائد التي بها لوجدناها والله ألذ و أمتع من البحث عن (علم لا ينفع و جهل لا يضر) !!! كمثلا أين توفي النبي كذا و كم كان عمره ؟فقل لي إذا (ماذا استفدنا)؟؟
ربما لو توفر لدينا معلومات ثابتة عن حياته فإنه لا مانع بمعرفتها و الإقرار بها كحياة سيدنا محمد"ص" مثلا 63سنة و عدد أبناءه"ص" ، و حياة داود"ع"100سنة ..فهذه معلومات ثابتة لا خلاف بها .....أما الغير ثابت عمر لوط و قبر سليمان و مقام الحُسين !! فلا داعي للبحث عنه لأنه غير معروف ،و بما أنه غير معروف فقد أُختلف عليه ،و الآراء في هذا الشئ كلها مجرد ظنون او اقتراحات و اعتقاد غير واثق ...فهل نصدق أو نهتم بأشياء تعتمد على الظنون ؟؟ !!

و بناءا على ما قلناه سابقا ،فإن إدريس أكتشف لقومه و لمن سيأتي بعده من أجيال ،أشياء تفيدهم كثيرا في حياتهم اليومية .....و لذلك نقرأ في الكتب أنه أول من أكتشف الخياطة و تعلم كيف يخيط و علّم قومه ،و أول من يتعلم الكتابة و بماذا يكتب و يعلم قومه ،و أول من أكتشف علم الحسابات و الأفلاك و النجوم و أول من صنع الادوات و الآلات و أول من أستخدم الدواب أو الخيول للهجرة بها و قيل للجهاد ...إلخ
و كلها تسمى أوليات إدريس .......و نسأل سؤال : لماذا لم نسمع عن أنبياء كانوا بعد الأزمنة الأوليّة بأنهم فعلوا أوليات و لكن كان من حظ الأوليات أن لم تكن إلا في بدايات الزمان أي بزمن إدريس و شيث ؟ ج: هو أنه كما قلنا سابقا و فصّلنا ،هو أن الأولي دائما يكتشف الأشياء لتنفع كل من بعده ،و كان الأولي الأبرز هو(إدريس)فكانت سنّته تفعلها الاجيال بعده و لا تستغنى عنها أبدا كالخياطة مثلا و الكتابة ...فبدون الخياطة فمن أين سيكتسي الناس و من غير الكتابة فمن أين كانت الحضارات القديمة سجلت أحداثها و كيف سنعرف تاريخها بدون تدوينها بالقلم ؟ !


و أما عن خبر (القــلم) الذي كان إدريس أول من خط به ...

فإننا كما نعلم أنه إن جاء أحد الناس فأكتشف شيئا لم يكن مكتشفا قبل ذلك في إحدى المجتمعات او الحضارات(و يكون ايضا غير مكتشف في غيره من الحضارات) ،فإن مجتمعه هذا يعمل بهذا الشئ المكتشف أو المخترع لأنهم رأوا ان هذا الشئ مناسب لهم كما ذكرنا سابقا و شرحنا .....و بالمرة يؤدي ذلك الإكتشاف أو الإختراع أو الفعل العظيم الإنجاز ، لشهرة الشخص الذي فعل ذلك و مشيعة الحب له في كل مكان سُمِعَ عنه به ....و بالمرة دل هذا الأكتشاف او الإختراع على عبقرية أو ذكاء و صلاح هذا الشخص ...

فلذلك : إدريس أول من خط بالقلم و لم يكن القلم معروفا قبله ،فتعلمه منه قومه و كانت سنّة مستنة منه في سائر الشعوب بعد ذلك .....كما الحال مع إبراهيم فإنه أول من ضاف الضيف و أظهر الكرم ...و كان ذلك غير معروف قبل زمنه ،لكن بعدما فعل ذلك أستن قومه في أرض الجزيرة و العراق صفته هذه(الكرم و الضيافة)عنه ،و كان أهالي تلك الأراضي محتفظين بهذه المكارم حتى الآن ،لذلك يشتهر أهل العراق حاليــا بالكرم كثيرا ،و كذلك أرض الجزيرة العربية ....فكان بذلك ملايين الملاين هنا و هناك يفعلون فعلا مُعيّـنا أستـنّـوه عن شخص واحد (إبراهيم)

أي ان إبراهيم فعل الحسنة الخيّرة و علّمها غيره ،و غيره علموها غيرهم و هكذا ..إلخ .....و في ذلك يقول (ص) : من سن سنّة حسنة في الإسلام فله بها حسنة و بعدد من عملها من الناس .

فتخيل جزاء إبراهيم عليه الصلاة و السلام ،لمّا سن سنة حسنة(الكرم و الضيافة) في مجتمعه ،فقد اخذ جزائها و جزاء كل من عملها غيره و بعده ...فمثلا تخيل أن من تعلمها منه و فعلها في زمانه 50 شخص ...ثم مات إبراهيم ففعل ذلك أيضا غيرهم 300 شخص ،ثم جاء بعدهم ناس قد انتشروا اكثر في الأماكن ،فكان1000 شخص يكرموا الناس و يضيفوهم في كل مكان هم فيه(لأنهم بعد ذلك انتشروا بعلمهم بالضيافة) ...فماتوا و هكذا نفس التدريج
فتخيل ....من أيام إبراهيم من 3000سنة إلى الآن .....كم حسنة أخذها إبراهيم على فعله و بعدد من فعل مثله في كل زمان بعده ؟؟ !!!

ج : حسنات لا تعد و لا تحصى ....

لذلك قال الله تعالى عن إبراهيم (خير البرية) و (لقد كان لكم في إبراهيم أسوة حسنة) ..إلخ الآيات
و لا نريد الدخول في موضوع آخر غير إدريس الآن
.

او مثل مثلا إسماعيل عليه السلام الذي كان يعيش في أرض الجزيرة ،و هو اول من روض الخيل و اول من ركبها بعد أن كانت مستوحشة ،فكان إسماعيل أول من أئتلفها و ائتلفها قومه من بعده ...و لذلك تجد أن الخيل يحتل مكانة مهمة جدا بين أهل الجزيرة سالفا و حتى الآن ....لذلك يقول النبي (ص) : أركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل .

تدبّر قوله : فإنها ميراث ....أي أن إسماعيل أول من ركب الخيل و توارث عنه أهل بلده هذه العادة إلى يومنا هذا في أرض الجزيرة .

فكذلك إدريس هو أول من خاط الثياب و خط بالقلم ....إلخ فتوارث قومه عنه هذه العادة و الصفة ،و كل زمن يأتي تتعلم أجياله هذه الحِرَف و حتى اليوم ...



و هنالك شئ آخر ...و هو كما نعلم أن أول من خط بالقلم إدريس ....و كما نعلم أنه ترتب على ذلك إقتداء كل قومه في زمانه به فخطّوا بالقلم بناءا على القواعد التي ذكرناها سابقا ......و إدريس و قومه أو الناس الذين عايشوا إدريس يعيشون جميعا في بلد معين و هما (العراق و مصر) كما في الأخبار التاريخية أن إدريس كان بالعراق عائشا ثم اكمل باقي حياته بمصر ...إلخ
و من هنا نستنتج أنه بما أن إدريس اول من خط بالقلم و كان يعيش بمكان كذا و كذا ....

إذا فإن قومه أو حضارته التي يعيش فيها هي أول من خطت بالقلم و أول من دوّنت أحداثها بالخط بالقلم على الصحف و الجدران و المعابد ...إلخ
و سبحان الله ....كما قالت تماما الأخبار التاريخية في الكتب الإسلامية ....جاءت الآثار مصداقا لها و قالت : إن أقدم حضارتين عاشتا على الأرض هما الفرعونية(مصر) و السومرية(العراق) .

و لذلك لا تجد آثار أقدم من الآثار التي بالعراق و مصر .

فلولا إدريس عليه السلام ،لكانت هاتين الحضارتين لم تخط بالقلم على جدرانها و لكان الناس حتى الآن لم يعرفوا أنهما اقدم الحضارات !!!

لأنهم لم يتعلموا الكتابة إلا من مكتشفه الأول : إدريس ..و لولاه فمن اين سيعرفوا الخط بالقلم ؟
كما أنه لدي تسأؤل آخر : لماذا آثار أقدم حضارتين تختلفان عن بعضهما في الشكل ،لكن تأتــلــفان في المحتوى ؟
ج : أما عن الإختلاف في الطريقة و الشكل و اداة الكتابة ...فإننا كما سبق قلنا ان إدريس كان يخط بالحجارة أو المسمار و كان يخط بعد ذلك أيضا بالقلم بعدما طوّر أداة كتابته ...

فلذلك تجد آثار العراق(مكان إدريس الأول) آثاره محفورة بكتابات مسمارية أو نحتية حفرية
أما آثار مصر(مكان إدريس الثاني) آثارها مكتوبة بخطوط القلم المعروف بألوانه و أشكال كتابته المتعددة على الجدران المصرية كما نراها اليوم في نقوش الآثار المصرية من كتابات قد أُستخـدِم فيها الكتابة بالألوان السائلة الـشبه الحبرية ،كما أن في مصر أيضا آثار بها نقوش نحتية بالحجارة كما بالعراق .

و قد قال المسعودي :

ما بال هذه الكتابة التي على الاهرام و البرابي لا تقرأ ؟: دَثـَـرَ العلماء و اهل العصر الذين كان هذا قلمهم و تداول ارض مصر الأمم أي إختلاف و تعدد الأمم و الحضارات على أرضها- فغلب على اهلها القلم الرومي و اشكال الاحرف للروم و القبط تقرؤه على حسب تعارفها اياه و خلطها لاحرف الروم باحرفها على حسب ما ولدوا من الكتابة بين الرومي و القبطي الاول فذهبت عنهم كتابة ابائهم .
*****

و أما عن تشابه آثار مصر و العراق مع بعضهما في محتوى الكلام ...فإنه بنفس السبب ،و هو أن إدريس كما قلنا : أول من نظر في علم النجوم و الحساب ،و كان أولا بالعراق فأخذ قومه عنه هذه العلوم الحسابية و الفلكية ،ثم انتقل لمصر بعد ذلك فتعلم المصريون من إدريس هذا العلم .....فكانت بذلك الحضارتين فيهم شبه قريب جدا من بعضهما .


ثم إن إدريس لمّا أنبأه الله بحلول الطوفان في زمن سيأتي بعده ...خاف إدريس على علومه و حكمه الفريدة ،ففكّر في ماذا يصنع ليحمي صناعاته و اقواله هذه من الغرق و المحيان في الطوفان ؟
فطبعا لو أنه أعتمد على أصحابه الذين اتبعوا سنته و هديه ...فربما أقواله أي نعم يحفظوها عنه بعد وفاته ...و لكن ربما بعد وفاة صحابته الكِرام ،أن يغير أخلافهم كلام إدريس و يحرفوه عن كلمه فيكذبوا على سيدنا إدريس أقوال لم يقلها ...

ففكّر ببناء مصنوعات عديدة من المباني الأهراميّة و التماثيلية و المعابد و الأماكن التي تكون بعيدة عن الطوفان و تكون في مأمن من الغرق و المحو و الإندثار و هي في أماكن الأهرام و البرابي ....فبناها و خط بيده على جدرانها علومه و حكمه و اقواله لكي لا تندثر و تضيع ،كما كتب علومه و أقواله على الورق و طرائق عـِدّة مختلفة ،و قال المسعودي :

ما بال هذه الكتابة التي على الاهرام و البرابي لا تقرأ ؟: دثر العلماء و اهل العصر الذين كان هذا قلمهم و تداول ارض مصر الأمم أي إختلاف و تعدد الأمم و الحضارات على أرضها- ...و قد كان أول من خط بالقلم و أقام اول من أقام الأمم الأولى على أرض مصر هو سيدنا إدريس عليه الصلاة و السلام .

...
و أمر إدريس أصحابه بالتمسّك بسنته و هديه حتى اخر لحظة في الحياة ...و اوصى ابنه متوشالخ ...ثم رفع للسماء كما قالت الأخبار و سنورد تلك الأخبار لاحقا .


كان يقسم إدريس أيامه حسب الأسبوع : ثلاثة أيام يدعو قومه"أبناء قابيل" إلى الله و نبذ الشرك و الاوثان ،و يدعو في نفس الوقت قومه المؤمنين صحابته "بنو شيث" و كان عددهم ألف إنسان فقط و هُم الذين أطاعوا إدريس في دعوته و صدقوه ...فكان إدريس يدعو بنو شيث ليثبتهم على الدين و يعلمهم شرائع الله و فعلها .

و أربعة أيام يتعبد لله تعالى و يتقرب إليه بالطاعات و الأذكار و التسابيح الكثيرة ...حتى أنه كان ليسبح الله في اليوم وحده بقدر ما يسبح جميع أهل زمانه في نفس اليوم !!! فما بالك لو كان كذلك كل يوم !! لذلك فهو أعلاهم منزلة ((و رفعناه مكانا عليّا)) .



قال الإمام أبي البركات النسفي
:

((...
و أذكر في الكتاب إدريس ...

هو أخنوخ أول مرسل بعد ءادم عليه السلام و أول من خط بالقلم و خاط اللباس و نظر في علم النجوم و الحساب و اتخذ الموازين و المكاييل و الأسلحة فقاتل بني قابيل .و قولهم(أنه)سمي بــ(إدريس)لكثرة دراسته كتب الله لا يصح . لأنه لو كان إفعيلا من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد ،و هو العلميّة و كان منصرفا ،فأمتناعه من الصرف دليل العجمة .
...
إنه كان صدّيقا نبيّا ...

أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة .
...
و رفعناه مكانا عليّا ...

هو شرف النبوة و الزلفى عند الله .و قيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة . و قد رآه النبي"ص"ليلة المعراج فيها .و عن الحسن: إلى الجنة ،(لأنه)لا شئ أعلى من الجنة ...))




قال ابن إياس الحنفي في بدائع الزهور
:
(( ...
فكان(إدريس)يدعو(قومه)في الجمعة ثلاثة أيام
و كان ادريس عنده شدة و صلابة في امره و نهيه
و هو اول من خط بالقلم و اول من كتب الصحف و اول من نظر في علم النجوم و الحساب و هو اول من خاط الثياب و لبس المخيط و كان اذا خاط يسبح الله عند كل غرزة من الابرة فاذا غفل و خاط يفتق ما خاطهبغير تسبيح
و كان لا ياكل الا من كسب يده و كان يخيط للناس بالاجرة و هو اول من صنع المكيال
قيل قبل زمن ادريس كان الناس يلبسون الاردية بغير خياطة فلما صنع ادريس الخياطة و خاط استحسن الناس ذلك و لبسوا المخيط
ثم انزل الله على ادريس ثلاثين صحيفة فكان لا يفتر عن قرائتها ليلا و لا نهارا
و كانت الملائكة تاتي لمصافحة ادريس و كان يرفع كل يوم لادريس من العبادة بقدر ما يرفع لغيره من كل الناس حتى تعجبت منه الملائكة و حسده إبليس اللعين و لم ير له عليه سبيلا
...
قال وهب بن منبه: رفع ادريس الى السماء و هو ابن 365 سنة
...
و قيل لما رفع ادريس عليه السلام الى السماء تولى بعده ابنه متوشالخ فحكم بين الناس بالحق. و لما توفي متوشالخ سلم التابوت و الصحف الى ابنه لامـك ... ))



قال المسعودي
:
((....
و هو الذي اخبر الله عز و جل في كتابه انه رفعه مكانا عليا ،و هو أول من درز الدروز و خاط بالإبرة و انزل عليه ثلاثون صحيفة و كان قد نزل قبل ذلك على ادم واحد و عشرون صحيفة و انزل على شيث تسعة و عشرون صحيفة فيها تهليل و تسبيح )) .

و قال أيضا :
((
و قام(بالأمر) بعده (أبنه) متوشالخ بن أخنوخ(إدريس) ،فعمّر البلاد و النور في جبينه و ولد له اولاد
و ان البلغر و الروس و الصقالبة من(نسل)ولده
و كانت حياته تسعمائة و ستين سنة و مات في أيلول )) .


و قال الثعلبي
:
((....
قال أهل العلم بأخبار الماضين و قصص النبيين : هو ادريس بن برد و قيل(ياريد)بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن ادم ،و اسمه اخنوخ
و سمي ادريس لكثرة درسه الكتب و صحف ادم و شيث ،و امه اشوت
و كان ادريس اول من خط بالقلم و اول من خاط الثياب و لبس المخيط و اول من نظر في علم النجوم و الحساب
بعثه الله الى ولد قابيل ثم رفعه الى السماء ....)) .


قال ابن الجوزي في المدهش ص292
:
((..
صعد إلى السمآء مِـنـا إدريس و عيسى و جال في مجالهم محمد ..))

و قال ايضا :
((
إن ادريس و عيسى ابن مريم حيان في السماء ،إدريس في السماء الرابعة تارة يعبد الله في السماء و تارة يتنعم في الجنة)) .

و لا مانع أن يتعبد النبي من الأنبياء في قبره أو في حال موته، و الذي يثبت ذلك : حديث النبي"ص" لما رأى في إسرائه الشريف، سيدنا موسى"ع" في قبره يصلي عند الكثيب الأحمر ...إلخ

و قال الإمام أبي الليث السمرقندي
:
((....
إدريس النبي عليه السلام و كان نبيا مرسلا و اسمه أخنوخ
و إنما سمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتاب الله تعالى و سنن الإسلام ،و هو أول من خط بالقلم و أول من خاط الثياب و لبسها يعني ثياب القطن ،و(الناس)كانوا من قبله يلبسون الجلود و الصوف
و أجاب له ألف إنسان مِمّن يدعوهم(إدريس إلى دين الإسلام) و هو جد أبي نوح و رفع إلى السماء و هو ابن 365سنة ،كما قال الله تعالى"و رفعناه مكانا عليا"س.مريم ،آية57 ، و أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة ثم(أرسل الله)بعده نوح النبي عليه السلام ....)) .




و كما ذكر ابن أياس كما قلنا سابقا- أن إدريس كان يسبح الله في يومه بمفرده بعدد تسابيح كل أهل زمانه في اليوم الواحد..... بل و كان لا ينسى الله تعالى حتى و هو يخيط الثياب في عمله-لأنه كان خياطا-بل و كان مع كل غرزة إبرة يسبح الله بتسبيحة .....فإن كان و هو مشغول في عمله يسبح الله بعدد تسابيح كل الناس في اليوم الواحد ....فما بالك لو كان غير مشغول و كان متفرغا للتعبُّد فقط !! فماذا سيكون قدر تسابيحه !!

و هنا سؤال : ما هي تسابيح إدريس التي كان يقولها حتى يأخذ مكانا عليّا- بهذه الرفعة و الدرجة العالية ؟
لقد كان يسبح الله بأفضل التسابيح (أفضل الكلام)و(أشد الأعمال) : (سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر)و تارة كان يقول (سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم و بحمده)

و كانت تلك الكلمات ..لو قالها الرجل مرة واحدة تكون(ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن) ...فما بالك لو كان الرجل يُكثر منها بكثر هائلا ليس كمثلها كثرة ....فبأي قدر ستزن في الميزان !! و إلى أي درجة سيحبه الرحمن حتى يرفعه أعلى الدرجات !!

ما بالك بفضل هذه التسابيح و هي (أفضل من الجهاد)!!؟؟ ما بالك بها و هي (خير اعمالكم و ازكاها عند مليككم و ارفعها في درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم و يضربوا اعناقكم) !! ؟؟ .

حتى أنه قد(مات و لسانه رطب بذكر الله)فـــ(ــنال بذلك أفضل الأعمال) و نــ(ــال أفضل الثناء : و رفعناه مكانا عليا) و مَــ(ــن أحسن من الله قيـلاً !! ؟) .




و قد وردت أحاديث كثيرة جدا في فضائل الذكر و التسبيح ،منها ما سنذكره ها هُنا و قد أقتبسنا منه في سابق كلامنا :

قال أبي الليث السمرقندي :
((
و حدثني الثقة بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : جاء إسرافيل(ع) إلى النبي(ص) و قال له :

(
قل يا محمد سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،عدد ما علم الله تعالى و زِنَة ما علم الله تعالى و ملئ ما علم الله تعالى ،فمن قالها مرة كتب الله له خمس خصال:
_
كتب من الذاكرين الله كثيرا

_
و كان أفضل من ذكره بالليل و النهار
_
و كان له غرسا في الجنة
_
و تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات ورق الشجر اليابس
_
و نظر الله اليه و من نظر الله اليه لم يعذبه
)

))

_
و في رواية عن سمرة بن جندب عنه"ص" : (( أفضل الكلام أربع: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ،لا يضرك بأيهن بدأت ))
_
و عن أبي زرعة عن أبي هريرة عنه"ص" : (( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم و بحمده )) .
_
و عن ابي الدرداء عنه"ص" : (( الا انبئكم بخير اعمالكم و ازكاها عند مليككم و ارفعها في درجاتكم و خير لكم من انفاق الذهب و الورق و خير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم و يضربوا اعناقكم؟ ذكر الله )) .
_
و عن ابي جعفر عنه"ص" : (( اشد الاعمال ثلاثة : ... منها: و ذكر الله تعالى )) .
_
و عن معاذ بن جبل : ما عمل ابن ادم عملا انجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله ...فقالوا له: يا معاذ، و لا الجهاد في سبيل الله؟ فقال معاذ : و لا الجهاد في سبيل الله ،لان الله تعالى يقول ((و لذكر الله اكبر)) س العنكبوت45 .
_
و قال الحسن البصري: قيل للنبي"ص" يا رسول الله اي العمل افضل؟ فقال"ص" : أن تموت و لسانك رطب بذكر الله .



رفــعــه عليه الصلاة و السلام :

قال النسفي :
((...
و(السبب في رفع إدريس)ذلك أنه حُـبــِبَ لكثرة عبادته الى الملائكة. فقال(إدريس)لملك الموت : اذقني الموت يهن عليّ .ففعل ذلك باذن الله فحي.

و قال(إدريس لملك الموت) : ادخلني النار ازدد رهبة ..ففعل .

ثم قال(إدريس للملك أيضا) : ادخلني الجنة ازدد رغبة .

ثم قال(ملك الموت)له : اخرج ،فقال(إدريس) : قد ذقت الموت و وردت النار فما انا بخارج من الجنة .

فقال الله عز و جل : بإذني فعل و بإذني دخل ،فدعه(يا مَلَك الموت) ...)) .


و قال الثعلبي :
((...
قال وهب بن منبه: كان يرفع لــ(إدريس) كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لأهل الارض جميعهم في زمانه فتعجبت منه الملائكة و اشتاق اليه ملك الموت فاستاذن(ملك الموت)الله في زيارة(إدريس)فأذن الله له
فاتى الملك الى ادريس في صورة بني آدمي ،و كان ادريس يصوم الدهر فلما كان وقت افطاره دعاه الى طعاهم فأبى ان يأكل و فعل ذلك ثلاث ليال فانكره و قال له في الليلة الثالثة: اني اريد ان اعلم من انت؟
فقال الملك: انا ملك الموت استاذنت ربي ان ازورك و اصاحبك فاذن لي في ذلك
فقال له ادريس: لي اليك حاجة
قال الملك : و ما هي؟
فاجاب ادريس: اقبض روحي
فاوحى الله تعالى الى هذا الملك(و هو نفسه ملك الموت)ان اقبض روح إدريس
فقبض الملك روح ادريس ثم ردها الله عليه بعد ساعة
فقال له ملك الموت: فما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟
فقال ادريس: لأذوق كرب الموت و غمه فاكون له اشد استعدادا ......ثم قال ادريس للملك: لي اليك حاجة اخرى .

قال الملك : و ما هي؟
قال ادريس: ترفعني الى السماء لانظر اليها و الى الجنة
فأذن له في ذلك
فلما قرب من النار ،قال : لي اليك حاجة
قال الملك : و ما تريد؟
فأجابه ادريس: أريدك أن تسأل لي مالكا(خازن النار)يفتح لي ابواب النار حتى اراها
ففعل ذلك ثم قال: فكما اريتني النار فارني الجنة
فذهب الملك بإدريس الى الجنة
فأسـتـفـتحها فـفـتحت له ابوابـهـا
فـدخلها ،فقال له ملك الموت : اخرج لتعود الى مقرك
فتعلق ادريس بشجرة و قال : لا اخرج منها
فبعث الله ملكا حكما بينهما
فقال له الملك : ما لك يا ادريس لا تخرج؟
فقال ادريس : لأن الله تعالى قال"كل نفس ذائقة الموت" و قد ذقته
و قال تعالى"و ان منكم الا واردها" و قد وردتها
و قال تعالى"و ما هم منها بمخرجين" فلست اخرج
فقال الله تعالى لملك الموت : دعه....فإنه بإذني دخل الجنة و بأمري لا يخرج
فإدريس حي هناك ،فتارة يعبد الله في السماء الرابعة و تارة يتنعم في الجنة
و الله أعلم)) .

رد مع اقتباس