عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 02-01-2017, 07:01 PM
 
الفصل السادس عشر



القط والفأر


أصر محمود على أن تلازم نانسي السرير حتى تشفى تماما من جراحها .. مانعت في البداية .. ولكنها أذعنت عندما فكرت ببشاعة ذهابها إلى الجامعة بوجه مكدوم .. واستسلمت تماما إلى رعاية حنان التي أصدر لها محمود أوامر صارمة بالعناية بها .. في اليوم التالي للحادث .. فاجئها محمود بهاتف جديد أعطاها إياه قائلا :- يجب ألا يفرقك هذا الهاتف حتى أجدك أينما كنت
كانت تقدر أسباب قلقه الشديد .. فقد عرفت من حنان كيف جن جنونه عندما غابت لساعات طويلة خارج البيت دون ان يعرف طريقا لها .. ولكن ما إن خفت كدماتها حتى أصرت على العودة للمواظبة على الدوام في الكلية رغم اعتراضات محمود الشديدة ..
منذ شجارهما وهي بالكاد تتبادل معه الحديث .. عندما يطرح عليها سؤالا تجيبه بقرف بأقل كلمات ممكنة .. وفي الليل تسبقه إلى السرير متظاهرة بالنوم .. وعندما كان يلحق بها كان ينام بدوره فور وضع رأسه على الوسادة دون أن يلقي عليها نظرة
هي لم تسامحه على الإطلاق على صفعه لها .. حتى لو كان معذورا بعد صفعها له أولا .. إلا أن أي شيء لا يمنحه العذر لتوجيه تلك الكلمات القاسية التي قالها ذلك اليوم
لقد أظهر لها بوضوح مقدار ازدراءه لها .. وتفضيله لريم عنها .. بحق الله إنه حتى لم يسألها عن سبب شجارها مع ريم .. بعرفها .. لقد استحق تلك الصفعة .. وكانت لتكررها مجددا لو عاد بها الزمن
لن تسمح لأحد .. أي أحد بالحديث عن والدها بسوء .. بالذات محمود الذي يظن بأنه قد اشتراها ..
كانت قد نوت من قبل على الانتقام منه ومعاقبته على معاملته السيئة لها .. ولتفعل هذا .. كان عليها أن تكتشف نقطة ضعف لديه تساعدها في مهمتها .. وقد اكتشفت بأن نقطة ضعفه تلك كانت جسدها
لقد سبق ودخل عليها فجاة اثناء ارتدائها ملابسها .. لاحظت إجفاله .. وفقدانه لتماسكه وهو ينظر عبر أزرار قميصها المحلولة .. ومتابعته لها بعينيه وهي تترك الغرفة إلى الحمام دون ان تنطق بحرف
لقد وجدت سلاحها .. ستفقد عقله و وقاره الذين لطالما ميزاه .. ستنتقم منه أشد انتقام .. في الأيام التي تلت كانت تتعمد ارتداء الملابس المثيرة .. أسلوبها كان يعتمد على الملابس ذات الحشمة الخادعة .. التي تظهر بما تستره كل ما تخفيه .. كان ينظر إليها واجما كلما تبخترت امامه .. فتلاحظ هي انقباض أصابعه وكأنه يمنع نفسه بصعوبة على ضربها علة استفزازها له .. بينما كانت هي تتجاهله راسمة على وجهها علامات البراءة التامة .. وكأنها لا تفهم سبب غضب زوجها العزيز
رغم سعادتها بإزعاجها له .. فقد كانت تعرف بأنها ستدفع الثمن على ما تفعله قريبا .. محمود ليس من النوع الذي قد يسكت على مشاكسة زوجته له .. لقد حولت الأمر بينهما إلى حرب بتجاهلها له واستفزازها العلني له
كانت تفكر بهذا كله وهي تقف أمام خزانة ملابسها في محاولة لاختيار ما ترتديه .. فاختارت كنزة صوفية ناعمة .. وتنورة قصيرة حمراء اللون .. ارتدت تحتها جوارب سوداء سميكة أظهرت طول وجمال ساقيها .. أكملت مظهرها بحذاء عالي الرقبة وتسريحة شعر طفولية .. ثم تناولت حقيبة ظهر صغيرة وخرجت
عندما رآها ماهر في الجامعة أطلق صفيرا طويلا وهو يقول حائرا :- تبدين رائعة
قالت بحدة :- أنا دائما رائعة
:- بالتأكيد .. ولكنك ما عدت ترتدين ملابسك بهذه الطريقة منذ فترة طويلة .. ألا يغضب مظهرك الدكتور محمود ؟
قالت بانزعاج :- لا علاقة بمحمود بما أرتديه .. أنا ألبس بهذه الطريقة من قبل زواجه بي .. ولن أغير طريقتي لأجل أي أحد كان
هز كتفيه قائلا :- كما تشائين .. هل تشربين كوبا من الشاي قبل بدء المحاضرة ؟
ابتسمت قائلة :- بالتأكيد .. أرغب بأكل شيء أيضا فأنا لم أتناول إفطارا اليوم
في الكافيتريا .. جلسا في مكانهما المعتاد .. وطلبا بعض الشطائر .. وأخذا يتناولانها وهما يتبادلان الحديث والضحك . توقفت عن الأكل عندما دخل محمود برفقة أستاذين آخرين .. عندما رآها .. عقد حلجبيه وقد أطل من عينيه غضب شديد .. ثم تابع طريقه ليجلس مع زميليه حول طاولة مخصصة للأساتذة .. قال ماهر بقلق :- نانسي .. أنا أشعر بأن الدكتور محمود لا يحب تواجدنا معا .. أرى هذا في نظراته كلما رآنا معا
قالت بحزم :- لا تهتم .. علاقتنا ليست من شأنه
إلا أن ماهر قال بحدة :- لا أريد أن أكون سببا للمشاكل بينكما يا نانسي
قالت بانزعاج :- هلا توقفت عن الولولة كالنساء .. أخبرتك بألا تهتم .. أي مشاكل قد تحدث بيني وبين محمود لن تكون بسببك
راقبت محمود وهو يغادر معتذرا ليلحق بمحاضرته .. المحاضرة التي سيكون عليها حضورها مع ماهر بعد دقائق
ألقى المحاضرة بهدوء وجفاف على غير عادته .. استطاعت هي أن تلاحظ الغضب المبطن داخل صوته .. وعندما أنهى المحاضرة .. اجتمع الطلاب حوله كالعادة .. وعندما أرادت الخروج من القاعة برفقة ماهر .. فاجأها صوته يقول بصرامة :- نانسي .. أرجو أن تنتظريني في مكتبي
استدارت نحوه بحدة لتجده قد عاد يجيب عن أسئلة الطلاب الكثيفة .. فقال ماهر مترددا :- إذن .. لن نراك قبل الغد
قالت بحدة :- بل ما زلنا على موعدنا
صعدت إلى مكتب محمود .. وألقت نفسها على الأريكة الجلدية الصغيرة وهي تزفر بقوة .. ما الذي يريده منها ؟ .. كانت تعرف بأن شجارا جديدا في انتظارها .. لقد نجحت بكسر برود محمود اتجاهها والذي استمر لأيام منذ شجارهما الأخير ..
والآن .. هي خائفة من نتيجة تصرفاتها .. من الواضح أن صبر محمود قد بلغ نهايته
اعتدلت عندما دخل إلى المكتب .. ألقى أوراقه على المكتب .. واستدار نحوها قائلا بصرامة :- قفي
وقفت بحيرة .. فنظر إليها من رأسها وحتى أخمص قدميها ببرود شديد وهو يقول :- ما هذا الذي ترتدينه ؟
قالت ببساطة :- هذه ملابس
لمعت عيناه بغضب وهو يقول :- أعرف بأنها ملابس .. منذ متى ترتدين ملابس تظهر جسدك كاملا يا نانسي ؟ انظري إلى نفسك جيدا .. أهذا مظهر طالبة جامعة محترمة ؟ تبدين وكأنك لا ترتدين شيئا
قالت بعناد :- إن ملابسي محتشمة يا دكتور محمود ولا تظهر سنتيمترا من جسدي .. كما أنني كنت دائما أرتدي ملابسي بهذه الطريقة
قال بعنف :- كان هذا قبل أن أتزوج بك .. أنا أرفض أن يراك الناس بهذا المظهر السخيف .. هيا بنا .. سنعود إلى البيت
قالت رافعة رأسها بتحدي :- أنا لن أعود معك
ساد صمت ثقيل تخلله التوتر بكثافة شديدة قبل أن يقول محمود ببرود :- ماذا قلت ؟
قالت بعصبية :- لقد قلت بأنني لن أعود معك إلى البيت .. لدي موعد مع أصدقائي .. سنحضر المسرحية التي تقيمها فرقة الكلية مساء هذا اليوم في قاعة المؤتمرات
قال ببرود :- وأصدقاءك هؤلاء هم ماهر بالطبع
هزت كتفيها بلا مبالاة وهو تقول :- طبعا ماهر من ضمنهم
أمسك ذراعها بقوة وهو يقول بلهجة مخيفة :- هل تتحدينني يا نانسي ؟ تجوبين الكلية مع حبيبك القديم .. وترتدين ملابس مبتذلة ناسية أن زوجك أستاذ في هذه الكلية .. هل تحاولين السخرية مني ؟ أنت لن تذهبي إلى المسرحية .. بل ستعودين معي إلى البيت .. ومن الآن فصاعدا .. لا أريد أن أراك مع ذلك الفتى ماهر .. أتفهمينني ؟
صاحت بحدة :- بالطبع لا أفهم
نظرت إلى عينيه وهو تقول :- ما لا تعرفه يا دكتور محمود هو أنك لا تمتلكني .. ولن تجعل مني أبدا أحد مقتنياتك .. أنا حرة في تصرفاتي .. أصاحب من أريد .. وأعود إلى البيت متى أريد .. لم يكن ضمن اتفاقية زواجنا أن أغير من نمط حياتي لأجلك
كانت تعرف بأنها تلعب بالنار .. قال ببرود مخيف :- إن لم تفعلي ما آمرك به يا نانسي فستندمين
قالت بتحدي :- أنا لست خائفة منك
سحبت ذراعها من بين أصابعه .. ودلكت مكانها وهي تقول بجفاف :- لقد أخبرت مأمون أين ومتى يجدني
غادرت المكان مسرعة قبل أن تسمح له بإضافة أي كلمة قد تثنيها عن قرارها .. قابلت ماهر عند باب الكلية برفقة بعض زملاءهما .. وانطلقوا معا
في تمام الساعة الثامنة مساءا .. خرجت نانسي مع زملاءها وهم يضحكون تحت تأثير المشهد الختامي من المسرحية .. همست إحدى زميلاتها في أذنها قائلة :- تريدين الصدق .. لم أتوقع أن يسمح لك الدكتور محمود بالحضور .. فالأساتذة يكرهون هذا النوع من ال مسرحيات لاعتقادهم بأنه نوع من الفن السطحي والمبتذل ..
قالت نانسي بهدوء ك- محمود يقدر اختلاف الأذواق بين أفراد جيله وأفراد جيلنا
تمتمت صديقتها بحسد :- تبدين سعيدة بزواجك يا نانسي .. لابد أن تكون سعيدة من تتزوج برجل كالدكتور محمود
منحتها نانسي ابتسامة باردة وهي تفكر بأن المظاهر خادعة .. إن علمت أي من زميلاتها بما تعانيه في حياتها مع محمود فإنها لن تصدق .. بدأت الأمطار تهطل فجأة بغزارة مما جعل الفتيات تصرخن بذعر .. والفتيان يضحكون بسرور .. ضحكت نانسي التي أغرقها المطر قائلة :- من حسن حظي بأن السائق قد وصل .. أراكم غدا يا رفاق
أطلت نظرات الحسد والغيرة من أعين زميلاتها .. بينما لوح لها ماهر مودعا .. ركبت السيارة مسرعة ممتنة للدفء الشديد داخلها .. إلا أنها عندما وصلت إلى البيت كانت ترتجف من البرد .. فكان أول ما خطر ببالها هو أخذ حمام ساخن تدفئ به عظامها ..
وبالفعل .. أمضت وقتا طويلا داخل الحمام تقف تحت سيول المياه الساخنة بامتنان .. حتى أحست باسترخاء كل خلية في جسدها .. أجبرت نفسها على الخروج أخيرا .. وأحاطت جسدها بمنشفة كبيرة وخرجت بعد أن جففت شعرها بقوة .. بالرغم من دفء الغرفة .. فقد بدت لها باردة بعد حرارة الحمام .. جلست أمام منضدة الزينة تمشط شعرها الرطب .. وتنظر إلى وجهها المتورد بفعل أبخرة الحمام .. استغرقت ثواني كي تتبين بأنها ليست وحيدة في الغرفة .. وأن شبحا يقف مستندا إلى الجدار إلى جانب باب الحمام بحيث لم تلمحه عند خروجها .. أطلقت شهقة ذعر وهي تستدير نحو محمود الذي عقد ساعديه أمام صدره الذي ظهر عبر قميصه المفتوح .. وأطلت من عينيه نظرة أخافتها .. تشبثت بالمنشفة وهي تقول باضطراب :- محمود .. لم أدرك أنك هنا .. متى عدت ؟
قال بهدوء :- منذ دقائق .. لا تبدين مسرورة برؤيتي .. هل كنت تفضلين رفقة ماهر عوضا عني ؟
نهضت واقفة وهي تقول متوترة ك- لم أتوقع عودتك الآن .. هذا كل شيء
كانت نظراته تمسح جسدها ببطء ما جعل خوفها واضطرابها يزدادان .. سارت بخطوات سريعة نحو الحمام.. فوقف في طريقها قائلا :- إلى أين تذهبين ؟
قالت بتوتر :- سأرتدي ملابسي في الحمام
:- أفضلك هكذا
احمر وجهها بشدة وهي تقول متظاهرة بالنزق :- محمود .. ابتعد عن طريقي
لوى فمه وهو يقول متهكما :- أظنك ستقولين لي الآن بأنك لست إحدى مقتنياتي .. وأن أتركك وشأنك
صاحت بعصبية مخفية خوفها الشديد :- بالتأكيد
حاولت تجاوزه .. ولكنه أمسك بذراعها بشدة .. وجذبها نحوه مما جعلها تطلق شهقة عنيفة عندما وجدت نفسها ملتصقة بصدره القوي .. كان وجهه قريبا للغاية من وجهها عندما قال بصوت جمد الدماء في عروقها :- دعيني أصحح لك معلوماتك يا عزيزتي .. أنت ملكي .. منذ وقعت على وثيقة زواجنا التي تثبت بأنك زوجتي .. ونعم .. إن شئت فأنت إحدى مقتنياتي
صاحت بغضب :- لن أكون كذلك ولا في أحلامك
قال بصوت أجش :- أنت زوجتي يا نانسي .. وقد تركتك خلال الأيام السابقة لأنني رجل يعرف كيف يتسلى .. كيف يجعل طعامه أكثر شهية كلما تأخر في أكله .. كنت ألعب معك لعبة القط والفأر مستمتع بكل مرة تظنين فيها بأنك قد نجوت من قبضتي .. أما الآن .. فقد مل القط .. وحان الوقت ليستمتع بفريسته
قاومته بشراسة وهي تصيح :- إياك أن تقترب مني يا محمود فاضل .. وإلا فإنني سأصرخ عاليا وأتسبب لك بفضيحة
شهقت بقوة عندما دار حول نفسه فجأة ساحبا إياها معه ليلصقها بالجدار ويحاصرها بجسده مثبتا إحدى يديها إلى الجدار .. بينما تشبثت يدها الثانية بمنشفتها خوفا من سقوطها .. قرب وجهه منها حتى أحست بأنفاسه تلفحها وهو يقول:- اصرخي يا نانسي .. لن يجرؤ أي فرد في هذا البيت على دخول هذه الغرفة ما دمنا فيها معا
شعرت بأنفاسه الحارة تحوم حول وجهها .. وبيده الكبيرة الدافئة تتحسس عنقها الرقيق بلطف .. انحنى يطبع قبلة ناعمة على بشرتها .. فارتعدت وهي تغمض عينيها مقاومة المشاعر الغريبة التي أخذت تعتريها .. عاد يقبل عنقها .. إلا أن قبلاته كانت تزداد حرارة .. وهي تصعد ببطء نحو وجنتها .. همست لاهثة :- توقف .. أرجوك
كان جسدها يرتعش في كل مرة تلمس فيها شفتاه بشرتها .. أخذ قلبها يخفق بجنون عندما أمسك ذقنها ورفعها لتنظر إليه ترقرقت الدموع في عينيها وهي تهمس :- أرجوك
ولكن عينيه كانتا تنظران إلى شفتيها المنفرجتين رتوق شديد .. ارتعشت شفتاه باضطراب .. إنه يريدها .. بل هو يرغب بها إلى حد الجنون .. وما كان ليتركها لتفلت من بين يديه هذه المرة
بدون إنذار .. قطع المسافة الصغيرة الفاصلة بينهما .. وتناول شفتيها بقبلة عنيفة جعلت جسدها ينتفض بقوة .. ترك يدها ليتمكن من احتضانها جيدا بين ذراعيه فتشبثت به بقوة مصدومة من ذلك الكم الهائل من المشاعر الذي اجتاح جسدها .. مشاعر غريبة وجديدة من التوق والحاجة واللهفة .. لم تعرفها من قبل .. لقد أشعل محمود نارا داخلها .. وشوقا إلى هذا الرجل الذي ضمها إليه بقوة كادت تسحقها وهو يمطرها بقبلاته المحمومة .. توقفت للحظات عن مقاومته ووجدت نفسها تبادله تلك القبلات .. وتتقبل يديه اللتين أخذتا تلمسان جسدها من فوق المنشفة الرطبة في اكتشاف مثير لمعالمه الأنثوية .. همس في أذنها لاهثا :- أنت لي يا نانسي .. لي وحدي
ارتعدت وقد أصابها خوف كبير .. دوت همساته في أذنها .. بينما تذكرت فجأة ريم .. وهديل .. ونسرين .. وغيرهن من النساء اللاتي ينتظرن أن يمل منها محمود بعد أن يأخذ منها ما يريد .. وبعدها .. سيبعدها عنه .. ويبحث عن أخرى تمنحه المزيد من الإثارة
لا .. هي لا تريده أن يبعدها .. بل لا تريده أن يكون لغيرها ..
أبعدته عنها وهي تصيح بين دموعها :- توقف .. توقف
تراجعت حتى التصقت بالجدار .. وأخذ جسدها يرتعش بقوة وهي تنظر إلى مظهره المشوش والمتوتر .. لقد كان يبدو مثيرا بشعره الذي تشعث بفوضوية .. وقميصه المفتوح الأزرار .. وذلك الوميض الجائع إليها في عينيه .. صاحت بحرقة :- إياك أن تلمسني .. أنا أكرهك .. أكرهك
زمجر صائحا :- أنت لا تكرهينني يا نانسي .. بل ترغبينني كما أرغبك
انكمشت عندما سحبها نحوه مجددا بوحشية وهو يقول بخشونة :- كبرياءك هذا لم يقف حائلا أمامي يا نانسي .. أنا أريدك .. وأريدك الآن
صرخت بذعر عندما حملها بين ذراعيه واتجه بها نحو السرير ليرميها فوقه بقسوة .. قبل أن حتى أن تفكر بالهرب .. كان قد كبل حركتها بجسده الضخم .. وأسكت صراخها بقبلة وحشية .. فأدركت مذعورة بأن أي صراخ منها لن يأت بنتيجة .. لقد قرر القط بأن الوقت قد حان ليستمتع بفريسته
وما على الفريسة إلا أن تبكي بصمت مستسلمة لمصيرها


__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
  #17  
قديم 02-01-2017, 07:06 PM
 
الفصل السابع عشر

حب أم كراهية


دخلت نانسي إلى الحمام بسرعة وهي تقفل الباب خلفها بإحكام بيدين مرتعشتين .. واستندت إليه وهي ترتجف بقوة .. سمعت طرقات قوية عليه وصوت محمود يصيح :- نانسي .. افتحي الباب
صرخت بذعر :- لا .. لا .. اذهب من هنا .. اتركني .. أنا لا أريد أن أراك
تفجرت دموعها بغزارة .. بينما عاد صوته يقول بنبرة أهدأ إنما أكثر توترا :- نانسي .. أرجوك افتحي الباب
صاحت وهي تبكي :- ارحل .. ارحل .. أنا أكرهك .. أكرهك
جثت على الأرض وهي تبكي بحرقة .. دون أن يتوقف جسدها عن الارتعاش .. توقف فجأة عن الاصرار عليها .. ولم تعد تسمع صوته .. لم تدر كم بقيت على هذه الحالة .. ولكنها في النهاية وجدت نفسها تغفو جالسة على أرض الحمام .. ولم تشعر إلا بصوت حنان يوقظها وهي تطرق الباب قائلة بقلق :- نانسي .. هل أنت بخير ؟
هتفت بلهفة :- حنان
نهضت .. ووضعت عليها روب حمام مان معلقا وراء الباب .. فتحته فذعرت حنان من مظهرها المشوش .. وعينيها المنتفختين من البكاء :- يا إلهي نانسي .. ما الذي حدث ؟
ألقت نانسي بنفسها بين ذراعي حنان وهي تبكي بحرقة .. حنان هي الوحيدة التي تستطيع نانسي أن تبوح لها بآلامها ومشاكلها
بعد قليل كانت نانسي قد اخذت حماما وتركت حنان تمشط شعرها بينما هما جالستان على السرير .. لم تستطع نانسي منع دموعها من الانسياب وهي تكرر :- انا أكرهه .. أكرهه .. وسأكرهه إلى الأبد
منعت حنان نفسها من الابتسام بصعوبة وهي تقول :- اهدئي يا عزيزتي .. لو ان كل امرأة كرهت زوجها لهذا السبب لما بقي حب بين زوجين على وجه الأرض
صاحت نانسي وهي ترتعش :- ولكنه مختلف .. إنه قاسي ومتوحش .. أنا واثقة بان أبي لم يكن يعامل امي بهذه الطريقة
تنهدت حنان قائلة :- ما حدث كان متوقعا يا نانسي .. لقد تمنعت كثيرا .. ويصعب على الرجل أن يعيش كل هذه الفترة تحت سقف واحد مع زوجته دون أن يلمسها .. لقد كان نبلا منه أن ترك لك بعض الوقت كي تتخطي ازماتك .. ولكن الأمر قد زاد عن حده .. إن لكل رجل احتياجاته .. وإن لم يجدها عند زوجته فسيبحث عنها خارجا
هتفت نانسي بخشونة :- هل أنت في صفه أم في صفي ؟
ابتسمت حنان قائلة :- طبعا في صفك .. ولكن كل امرأة ينتابها هذا الشعور في البداية .. خاصة وهي لم تتعود بعد على زوجها .. تشعر بالصدمة والكراهية نحوه .. ثم يتحول إحساسها إلى المودة والألفة فلا تستطيع العيش من دونه
قالت نانسي ساخرة :- إن كان الأمر كذلك فلماذا طلبت الطلاق من زوجك ؟
صمتت حنان للحظات وكأن السؤال قد آلمها .. ثم قالت بهدوء :- هل تظنين بأنني قد طلبت الطلاق من نبيل لأنني كنت أكرهه ؟ العكس هو الصحيح يا نانسي .. لقد تركته لأنني أحببته بجنون
بدت الدهشة على وجه نانسي فأكملت حنان :- لقد كان حبي الاول والأكبر .. هو أيضا أحبني منذ الطفولة .. سنوات زواجنا الاولى كانت كالجنة ..كادت حياتنا تكون كاملة لولا ان نبيل كانت له عادة سيئة .. وهي إقامة العلاقات الغرامية العابرة .. لقد كان يفعل هذا قبل زواجنا .. واستمر بعده .. يعلم الله أنني حاولت تغييره .. وأنه حاول بدوره ان يتغير .. ولكن رفقاء السوء وقفوا حائلا دون هذا ..وهو لم يستطع التخلي عن أصدقائه فكان الثمن ان تركته
سالت دمعة ساخنة من عين حنان فهتفت نانسي بتعاطف :- أنا آسفة يا حنان .. لو كنت أعرف لما سألتك
لم تتخيل أبدا أن يحمل القلب الطيب لحنان كل هذا الألم .. حنان التي أفنت عمرها في خدمة عائلة نانسي دون أن تجلب معها مشاكلها الشخصية .. قالت نانسي :- إن كنت تحبينه إلى هذا الحد فلماذا تركته ؟
مسحت حنان الدمعة الفارة وهي تقول :- لأنني أحبه تركته .. ما كنت أستطيع العيش معه وانا اعرف بأن الكثيرات تشاركنني به .. لو أنني لم احبه كل هذا الحب .. لربما تمكنت من البقاء معه .. ولكن لا تقلقي .. مضت سنوات طويلة على هذه القصة .. ولم تعد تؤثر بي كالسابق
ربتت على كتف نانسي قائلة :- أرجوك يا نانسي أن تمنحي الدكتور محمود فرصة .. أنا واثقة تماما بانه يحبك .. أتمنى أن تتمكنا من العيش بسعادة دون مشاكل
ومض بريق عنيف في عيني نانسي وهي تتذكر الليلة السابقة .. ثم صاحت بحدة :- لا .. لن أسمح له بلمسي مجددا حتى لو كانت حياتي على المحك
تنهدت حنان قائلة :- لا فائدة .. لن تتعلمي أبدا .. هل أحضر لك الافطار إلى هنا .. أم تتناولينه في الأسفل مع العائلة ؟
تمتمت :- سأتناوله هنا .. لست جاهزة بعد لمواجهة أي احد
خرجت حنان فتمددت نانسي على السرير تبكي بمرارة .. كانت تعرف بان اليوم الذي سينفذ فيه صبر محمود قادم لا محالة .. ولكنها لم تتخيل أبدا ان يكون الأمر بهذه الطريقة .. لقد كان قاسيا معها .. عنيفا .. ربما لانها لم تتوقف عن مقاومته لحظة واحدة .. كانت كالقطة الشرسة وهي تدفعه عنها .. هل كان عليها ان تكون أكثر خضوعا ؟ أكثر تعاونا ؟ ولكنها ما كانت لتمنحه نفسها بهذه البساطة .. إن كبريائها يمنعها من ان تقدم له نفسها وكأنها حقا كما قال .. أحد ممتلكاته .. ولكن ماذا كانت النتيجة ؟ ما شعرت به الليلة السابقة كان الإذلال والإهانة .. وعندما تركها اخيرا هربت إلى الحمام كارهة أن ترى وجهه بعد الآن .. تمنت أن تفتح باب الحمام لتجده قد اختفى .. وهذا بالضبط ما حصل .. فكما عرفت من حنان .. غادر محمود في وقت مبكر للغاية .. هي لا تعرف وقت عودته ولكنها ترفض ان تراه .. تتمنى ان تموت قبل ان يلمسها مجددا .. طرق الباب ودخلت لينا التي قالت وهي تنظر إلى وجهها الباكي :- ما الامر يا نانسي ؟ لماذا تبكين ؟ .. هل تشاجرت مع محمود ؟
كذبت قائلة :- لا تقلقي يا عزيزتي .. لقد تذكرت امي فحسب
عانقتها لينا بقوة وهي تقول :- أتعلمين ؟ لقد أرسلت صباح اليوم رسالة جديدة لخالي في فرنسا
تمتمت نانسي :- أما زلت تأملين بان نجده .؟
قالت لينا :- انا متأكدة بانه مسافر إلى مكان ما .. يجب أن يعرف بما حصل .. فهو منذ الآن عائلتنا الوحيدة
تمتمت نانسي ك- انت محقة .. كيف تسير امورك هذه الأيام ؟
مطت لينا شفتيها قائلة :- أشعر بملل كبير .. امارس الرسم .. استمع إلى الموسيقى .. كل يوم أقوم بنفس النشاطات ولا اعرف كيف أضيع وقتي
قالت نانسي بهدوء :- ألا تفكرين بالعودة إلى المدرسة ؟
صاحت لينا بحدة :- لا
عبست نانسي وفتحت فمها لتناقشها .. إلا ان لينا نهضت وهي تقول بعناد :- لا أريد مناقشة الموضوع الآن ..
تركت الغرفة قبل ان تنطق نانس يحرف واحد .. شعرت بالغضب الشديد وكأن مشاكل لينا هي ما ينقصها الآن .. يجب ان تتحدثا في الموضوع ذات يوم .. لا يمكن أن تستمر لينا على هذه الحالة
لم يأت محمود ذلك المساء .. تجرأت ونزلت لتناول العشاء خشية أن يشك أحد أفراد المنزل بشيء . تناولت العشاء صامتة فحدثها السيد طلال قائلا :- أرجو ألا يزعجك غياب محمود هذه الليلة .. لديه عمل كثير يتطلب منه البقاء في المدينة
توقفت عن الاكل .. إذن .. محمود لن يأت الليلة .. وعمه يظن بانها تعرف هذا .. قالت بهدوء ك- لقد أخبرني بالأمر .. وانا أعذره
أشعرها غياب محمود بالراحة .. بالرغم من هذا كانت تشعر بتحفز تام اثناء تمددها فوق سريرها في محاولة منها للنوم ...ماذا إن عاد ؟ ماذا لو أراد الحصول عليها مجددا ؟ تقلبن فوق السرير بتوتر .. كانت مع كل حركة تصدر تنتفض وتنهض ظنا منها انه محمود .. ولكنه لم يأت .. لا هذه الليلة .. ولا الليلتين التاليتين .. وبدأت هي تشعر بالقلق .. خاصة عندما امسكتها ريم فجأة في صباح أحد الأيام وهي تقول ساخرة :- ما الأمر ؟ هل بدأ محمود يمل منك ويشرد بعيدا ؟ لم اتوقع أن يحدث هذا بهذه السرعة .. ألا تتساءلين عما يفعله وحده في المدينة .. في تلك الشقة الواسعة والخالية ؟
ردت نانسي بهدوء :- طبعا لا أتساءل .. فهو يكلمني يوميا عدة مرات .. ونقضي الليل بطوله ونحن نتحدث عبر الهاتف .. فهو لا يستطيع ان ينام دون ان يسمع صوتي
رفعت ريم رأسها قائلة :- هل تظنين بانك تخدعينني ؟ لقد سمعتكما تتشاجران قبل يومين ..
ضحكت نانسي بدلال وه يتقول :- هل ظننت باننا كنا نتشاجر ؟ كنت لأخبرك بما كنا حقا نفعله لولا خوفي على حيائك .. فانت فتاة غير متزوجة .. وأخشى عليك من الصدمة .. إنما أخبريني .. هل تمضين جل وقتك خلف باب غرفتنا تحاولين معرفة ما يدور بيننا ؟ لم لا تجدين لنفسك عملا أفضل ..كالبحث عن عريس مناسب قبل ان يفوتك القطار ؟
تركتها واقفة وانسحبت إلى غرفتها .. كانت غاضبة وقلقة .. ماذا لو كانت ريم محقة ..وأن محمود يسلي نفسه مع امراة اخرى أكثر تعاونا ... احمر وجهها وهي تجوب الغرفة بعصبية .. ما الذي اصابها ؟ هبل تشعر بالغيرة ؟ هل تفتقد إلى محمود ؟ بالتأكيد ثمة رفض قاطع داخلها من فكرة تواجده مع امراة اخرى .. فما الذي يعنيه هذا ؟
رمت نفسها على الأريكة بإرهاق ..إنها لا تعرف حقيقة مشاعرها اتجاه محمود .. أهي تكرهه ؟ .. ام تفتقده ؟ تمتمت بمرارة :- آه لو أعرف حقيقة مشاعري
تلك الليلة .. نامت وهي تحارب صراعا داخلها .. وأسئلة كثيرة لا اجوبة لها .. شعرت بلمسة دافئة على كتفها .. فتحت عينيها بنعاس لتنتفض بعدها وهي ترى محمود يجلس غلى جانبها .. يكسو وجهه شحوب غريب .. وفي عينيه تعبير آسر لم تفهمه .. بدا كئيبا وهو يحاول تهدئتها .. قالت وهي تتراجع مبتعدة عنه :- ابتعد عني .. لا تلمسني
قال متوترا :- اهدئي يا نانسي .. انا لن أؤذيك
سالت دموعها وهي ترى يديه تمتدان إليها :- أرجوك ابتعد عني
امسكها وسحبها إليه فقاومته بضعف في البداية عندما ضمها إلى صدره بقوة .. وسرعان ما استسلمت لعناقه وهي تجهش بالبكاء بين طيات قميصه .. ربت على ظهرها بحنان وهو يقول :- انا آسف يا نانسي .. لم أرد أن أسبب لك الأذى .. لم أرغب بهذا أبدا
رفع وجهها المغطى بالدموع إليه .. وقال بصوت أجش :- لن أؤذيك مجددا يا نانسي .. أعدك
عاد يضمها إليه بقوة .. فاستكانت بين ذراعيه شاعرة بحنان غريب يلفها .. بالأمان والراحة .. أي تناقض هذا .. فتارة تراه وحشا كاسرا تخاف منه حتى الموت .. وتارة تشعر بانه ملجأها الوحيد .. وأن احدا لن يصل إليها بين ذراعيه وتحت حمايته .. تمتمت بين خصلات شعرها الذهبية :- لم أستطع مواجهتك بعد ما حدث .. كان علي ان اغيب لفترة كي أحاسب نفسي .. ولكنني لم استطع ان اغيب اكثر .. لا أستطيع الابتعاد عنك يا نانسي
مددها على السرير .. وتمدد إلى جوارها دون أن يتركها أو يتوقف عن ترديد عبارات مهدئة في أذنها كان عليها أكبر تأثير .. إذ استرخت حواسها .. وهدأت نفسها
ووجدت نفسها تغرق بين ذراعيه في نوم عميق






الفصل الثامن عشر


منقذي أنت



شحب وجه لينا وهي تقول :- لقد سبق وأخبرتك بانني لست جاهزة بعد
قالت نانسي بحدة :- انا أظنك قد أصبحت جاهزة تماما للعودة إلى المدرسة .. لقد مرت فترة طويلة منذ وفاة والدنا .. لم يعد احد يذكر اسمه .. أنامتأكدة بانك لن تواجهي المشاكل خاصة في المدرسة الجديدة التي اخترتها لك
وقفت لينا وهي تهتف بعنف :- انت لا تفهمين .. لن ينسى احد على الإطلاق اسم سلمان راشد .. سيظل الجميع يعايرنا ..
قاطعتها نانسي وهي تقف بحزم :- لقد اتخذت القرار يا لينا .. ستبدأين بالذهاب إلى المدرسة منذ الصباح .. لن أسمح لك بالتسكع اكثر وقضاء الوقت بلا فعل أي شيء سوى مصاحبة فراس .. لقد حان الوقت للنظر في أفعالك
اتسعت عينا لينا الزرقاوان فبدا الذعر فيهما وهي تجد نفسها عالقة بلا مخرج .. دوى صوت محمود الهادئ يقول :- ما الذي يحدث هنا ؟ أصواتكما تملأ البيت
كان يبدو قد عاد لتوه من عمله وقد ظهر الإرهاق جليا عليه وهو يضع حقيبة أوراقه فوق المكتب فأسرعت لينا نحوه وهي تقول شاكية :- تريدني نانسي ان اعود إلى المدرسة
شعرت نانسي بالغيظ من تصرف لينا التي نسيت بأن نانسي هي المسؤولة عنها .. وهاهي تشتكيها إلى محمود وكأنه والدهما البديل
منذ تلك الليلة التي عاد فيها محمود معتذرا من نانسي بعد غيابه لأيام عن البيت .. عندما نامت بين ذراعيه باكية كالبلهاء .. وهما يتعاملان مع بعضهما بأسلوب التجاهل التام ..
يتحدثان أمام الآخرين بشكل طبيعي .. ووحدهما كالغرباء تماما .. كما كانا يتصرفان سابقا .. تتظاهر هي بالنوم .. وينام هو دون ان يوجه لها أي كلمة لينهض صباحا ويغادر قبل استيقاظها .. مع فرق بسيط وهو انها لم تعد تستفزه كالسابق .. وكأنها باتت تخشى أن تثير غضبه مجددا وقد عرفت ما الذي يعنيه غضب محمود
سمعته يقول للينا بهدوء :- وأين المشكلة ؟ نانسي تفكر بمصلحتك ليس إلا
ارتد وجه لينا إلى الوراء وهي تقول مصدومة :- ماذا ؟ . ولكن .. أنا ...
أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول بلطف :- ليس هناك داعي لقلقك يا لينا .. لقد سبق وأخبرتك بأنني سأمحي كل من يوجه نحوك كلمة مزعجة واحدة .. المدرسة الجديدة ممتازة وقد تحدثت بنفسي إلى ...
أكمل إقناعه السحري للينا وهو يقودها إلى الأريكة الجلدية بينما توجهت نانسي نحو نافذة غرفة المكتب المطلة على الحديقة وأخذت تنظر عبرها إلى الشمس الغاربة بكآبة
تكره الاعتراف بهذا .. ولكن لمحمود تأثير كبير على لينا .. إنه الوحيد القادر على إقناعها بالأمر .. لقد أصبحت شقيقتها تعتمد عليه تماما في كل شيء
سمعت لينا تقول باضطراب :- ولكن ماذا لو .. ماذا ..
صمتت وهي تعض على شفتها السفلى فربت على شعرها الناعم وهو يقول :- أعرف بالضبط ما يخيفك .. الحادث الذي تعرضت له نانسي لا يمكن ان يتكرر معك .. حياة نانسي فيها الكثير من التعقيدات .. وبالتالي لديها الكثير من الاعداء في الجامعة .. أما أنت فلا أظن احدا بقادر على أذيتك أو حتى كرهك
التفتت نانسي نحوهما مصدومة وكأنها قد تلقت صفعة قوية .. لم يشعر أحدهما بشحوب وجهها وارتعاشها وهي تحدق بهما .. بل لم يشعرا بها وهي تترك المكتب وتجري كالمجنونة بين أروقة البيت حتى وصلت إلى المطبخ .. دخلت وهي تقول لاهثة :- أين حنان ؟
تبادلت الطاهية نظرات الحيرة مع نجوى التي قالت :- لقد كانت تنفض الغبار في غرفة الجلوس
أسرعت نانس إلى هناك لتجد حنان منهمكة فعلا في مسح الغبار عن الأسطح الزجاجية .. ولكنها توقفت فور أن لمحت نانسي .. قالت بقلق :- ما الامر يا نانسي ؟ هل انت بخير ؟
حاولت نانسي تهدئة أنفاسها المبهورة ثم قالت :- حنان .. أنت كنت موجودة في كل مرة انفرد فيها محمود مع والدتي ولينا في منزل الشاطئ .. صحيح ؟
قالت حنان بحيرة :- صحيح
قالت نانسي باضطراب :- هل سبق واخبرته أمي عن الحادث الذي تعرضت له .. ذلك الاعتداء أثناء عودتي من الجامعة ؟
قالت حنان :- لا يا نانسي .. والدتك رحمها الله كانت تعرف مدى حساسيتك من الموضوع .. وكانت تعرف بأنك ما كنت ترتاحين للدكتور محمود في ذلك الوقت .. وما كانت لتخبره بسر كهذا
أغمضت نانسي عينيها وهي تقول :- ماذا عن لينا ؟
:- لقد كرهت لينا دائما الاستماع إلى القصة .. فكيف بالتحدث عنها ؟ هل نسيت بانها كانت ترى الكوابيس بسببها ؟
انهارت نانسي جالسة على المقعد وكل عضلة في جسدها ترتعش وهي تقول :- كيف عرف محمود به إذن ؟ كيف عرف بحادث لم يعرف به سوى أربع أشخاص ؟
أمسكت حنان بكتفها قائلة :- نانسي .. أين المشكلة في معرفة الدكتور محمود بالقصة ؟ إنه زوجك الىن .. ومن حقه أن يعرف دقائق حياتك
لكم تكن نانسي تستمع إلى ما تقوله حنان .. بل كان عقلها يفكر كالمجنون .. ولم يهدا عن التفكير لحظة واحدة حتى أثناء تناولها العشاء مع العائلة .. الكل كان يتحدث وكأن شيئا لا يشغله لإلا هي .. كانت تتناول طعامها بصمت وهي ترمق زوجها بنظرات مختلسة وهو يتحدث إلى عمه .. تأملت وجهه الرجولي الوسيم .. نظراته القوية .. كتفيه العريضتين .. يديه الخشنتين وهو يلوح بهما أثناء حديثه فارتجفت عندما تذكرت ملمسهما عليها .. ما الذي يخفيه عنها محمود يا ترى ؟ متى ستفك غموضه وتعرف ما يفكر به عقله المعقد ؟ .. أحس بنظراتها فالتفت إليها متعجبا .. فعادت تغوص في طبقها الذي أنهته دون ان تحس بطعمه ..وبعد العشاء .. اعتذرت على الفور وصعدت إلى غرفتها متعللة بالصداع ..
وعندما أغلقت الباب على نفسها .. بدلت ملابسها .. وأحكمت إغلاق روبها فوق بيجامتها الحريرية .. وانتظرت وهي جالسة باستقامة فوق الأريكة الصغيرة .. تحدق امامها بجمود .. حتى دخل محمود ليفاجئ برؤيتها صاحية على غير العادة .. أقفل الباب وراءه بهدوء قائلا :- ظننتك مصابة بالصداع
وقفت وهي تقول بتوتر :- لقد كنت كذلك
:- لماذا لم تخلدي إلى النوم إذن
خلع حذائيه .. ثم بدأ يحل أزرار قميصه عندما تتبعت ما يقوم به وهي تقول :- لقد كنت في انتظارك
التفت نحوها .. ولاحظ وجهها الشاحب وعينيها القلقتين .. قال بقلق :- ما الأمر ؟ .. هل من مشكلة ؟ هل هي لينا مجدا ؟
أغمضت عينيها بقوة للحظات ثم فتحتهما قائلة :- كيف عرفت ؟
رمش بعينه مستغربا وهو يقول :- عرفت بماذا ؟
قالت بعصبية :- تعرف بالضبط ما أقصده .. لقد سمعتك تتحدث إلى لينا .. كيف عرفت بأمر الحادث الذي تعرضت له قبل أشهر ؟ أعرف بأن أمي لم تخبرك .. هل هي لينا ؟
صمت للحظات طويلة وهو ينظر إليها دون تعبير على وجهه قبل أن يقول بهدوء :- لا .. لينا لم تخبرني
ازداد وجهها شحوبا .. وتسارعت نبضات قلبها وهي تقول :- كيف عرفت إذن ؟ من أخبرك بالأمر ؟
استدار نحوها و واجهها تماما وهو يقول :- كيف تظنينني عرفت يا نانسي ؟
ارتدت إلى الخلف ..واتسعت عيناها وقد هبط الإدراك عليها مرة واحدة .. وعرفت ما كان قلبها يعرفه منذ البداية .. قالت بصوت مختنق :- لقد كنت أنت .. أنت من أنقذني ذلك اليوم من بين براثن جابر ورفيقه .. صحيح ؟
صمت للحظات ثم قال :- هذا صحيح ..
أحاطت نفسها بذراعيها وهي تقول باضطراب :- ولكن كيف ... كيف كنت هناك في الوقت المناسب ؟ أنت من بين جميع الناس .. كيف ؟
توتر فمه وهو يقول :- لقد صارحني ماهر قبل الحادث بأيام بقلقه من تهديد جابر الذي لم يطلق يوما تهديدا لم يعنه حقا .. نهار الحادث كنت قد أمسكت ذلة على أحد رفاق جابر المقربين .. وابتززته بها مقابل إخباري بنوايا جابر .. فعرفت بأنه كان من المفترض به أن يعترض طريقك في تلك اللحظة ..
عنما وصلت .. كان الوقت قد تأخر على منعه من إلحاق أي ضرر بك .. فكرت بأنني لو كنت قد تأخرت قليلا بعد ...
ظهر غضب عنيف في عينيه وهو يتذكر مظهرها .. ملقاة على الأرض .. مضرجة بالدماء وممزقة الثياب .. وذلك الحقير يهم باغتصابها .. ارتجفت نانسي وقد انتابتها نفس الذكرى .. إلا أنها كانت تفكر بشيء مختلف تماما .. تمتمت بصعوبة :- وبالطبع .. كنت انت من حملني إلى المستشفى ودفع جميع تكاليف العلاج .. ورفض ذكر اسمه كي لا أعرف من يكون
قال بقلق :- علاقتنا كانت حساسة في تلك الفترة يا نانسي .. معرفتك بالحقيقة كانت لتؤذيك أكثر مما قد تساعدك
بدت وكأنها لم تسمعه وهي تكمل :- ثم قمت بطرد جابر من الجامعة عقابا له على فعلته
أشتدت قبضتاه غضبا وهو يقول :- لولا خوفي من معرفة الناس بما حدث لتسببت بدخوله السجن لفترة طويلة للغاية
أغمضت عينيها وهي تقول بصوت بدأ يفقد تماسكه :- وهذا كله لم يكن كافيا لتتخلص من إحساسك بالذنب لأنك لم تستطع إنقاذي تماما .. فلحقتني وعائلتي إلى منزل الشاطئ .. صحيح ؟ وجودك هناك لم يكن صدفة على الإطلاق
ساد صمت ثقيل بينهما .. نظر خلاله محمود إلى نانسي وكأنه يتمنى أن يتوقف هذا الحديث عند هذا الحد .. ولكن مرأى حالتها المضطربة جعلته يدرك بأنها لن تهدأ حتى تعرف الحقيقة .. اعترف قائلا :- لا .. لم يكن وجودي هناك صدفة على الإطلاق .. لقد وضعت من يراقبكن بعد الحادث مباشرة خوفا من عودة جابر ومحاولته أذيتك مجددا .. عرفت من خلاله بأنكن قد غادرتن المدينة وتوجهتن إلى منزل الشاطئ العائد إلى خالك
همست :- لماذا فعلت هذا ؟ لماذا لحقت بنا إلى هناك ؟
مرر يده عبر شعره الكثيف وهو يقول بانفعال :- لماذا تظنينني فعلت هذا يا نانسي ؟ لقد كاد الرجل يغتصبك بحق الله .. ولو أنني لم أتأخر في الحضور لما أذاك بذلك الشكل .. لقد كنت ضعيفة للغاية رغم تظاهرك بالقوة .. ما كنت بقادرة على مواجهة الواقع أنت أو عائلتك دون مساعدة .. كان علي اللحاق بك لأتأكد بأنكن بخير
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تحس بطعنة قوية من الألم في صدرها .. تراجعت وهي تقول بمرارة :- نعم .. هذا صحيح .. وكم كانت صدمة قوية أن تمرض أمي وتموت .. وتجد أنت الفتاتين اليتيمتين قد أصبحتا بلا حماية هل حملت نفسك مسؤولية مرض أمي أيضا يا محمود ؟ هل فكرت بأن الزواج بي كان الطريقة المثلى لإسكات ضميرك المتعب .. الوسيلة الوحيدة لمنحي أنا وأختي المسكينة سقفا يأوينا ؟ .. أظن بأن اعمالك الخيرية قد تخطت الحدود هذه المرة يا محمود .. إذ تخلين عن حريتك بسببها
قطع المسافة بينهما فورا وقد أغضبه تهكمها .. أمسك بكتفيها يهزها بقوة قائلا :- لا تتحدثي بهذه الطريقة يا نانسي .. أنا لم أتزوجك شفقة أو رأفة بك .. أنت تعرفين جيدا لماذا تزوجتك
ابتعدت عنه وهي تنظر إليه قائلة بمرارة :- نعم .. أعرف جيدا بأنها كانت الطريقة الوحيدة التي تجعلني أقبل المال اللازم لعلاج والدتي .. كما أنني حسنة الشكل لحسن حظك مما يجعلني زوجة مرغوبة منك .. مع أنني متأكدة بانك كنت لتتزوجني حتى لو كنت قبيحة أو بدينة
قال بحدة :- نانسي
أمسكت أذنيها وهي تهز رأسها قائلة بألم :- أرجوك يا محمود .. لا أريد أن أسمع المزيد .. أرجوك
تركت الغرفة مسرعة .. نزلت إلى المطبخ لتجد حنان جالسة برفقة نجوى تحتسي معها كوبا من الشاي .. نهضتا فور أن رأتاها عند الباب .. وجهها مغطى بالدموع .. وشهقاتها تتوالى بشكل طفولي .. أسرعت نجوى تصب لها كوبا من الشاي
بينما وقفت حنان وهي تقول بقلق :- يا إلهي .. ما الذي حدث يا عزيزتي ؟
ضمتها بسرعة بين ذراعيها وهي تقول بين شهقاتها :- لقد كان هو يا حنان .. لقد كان هو
أجلستها حنان برفق بينما وضعت نجوى كوب الشاي الساخن أمامها وغادرت المطبخ تاركة للفتاتين حرية الحديث .. قالت نانسي مرتعشة :- لقد كان محمود .. هو من أنقذني ذلك المساء .. هو من حملني إلى المستشفى ودفع التكاليف .. لقد كان محمود
قالت حنان وهي تمسك بيدها ..:- اهدئي يا نانسي .. لطالما أردت معرفة الشخص الذي أنقذك وقد عرفته الآن .. يجب أن يكون هذا خبرا جيدا
هزت نانسي رأسها قائلة :- أنت لا تفهمين خقيقة الأمر يا حنان.. عندما استيقظت في المستشفى .. كان أول ما خطر على بالي هو أن أعرف اسم الشخص الذي أنقذني من مصير أبشع من الموت .. لفترة طويلة لم أفكر إلا بذلك الشخص الغامض .. تمنيت دائما أن أجده في يوم من الأيام لأتمكن من رد جميله .. كنت مستعدة لمنحه حياتي مكافئة له على ما فعله .. وفي النهاية .. أكتشف بأن منقذي هو الرجل الذي تزوجته
تمتمت حنان :- نانسي
هتفت حنان :- انت لا تفهمين مأزقي الحال يا حنان .. مشكلتي الكبرى هي انني اكتشفت لتوي بأنني أحب محمود .. أحبه بجنون
قالت حنان ببهجة :- هذا رائع يا نانسي .. لقد ظننت دائما بأنك تكرهينه
وقفت نانسي وأخذت تتحرك في المطبخ بلا توقف وهي تتكلم كمن يخاطب نفسه :- نعم .. لقد ظننت نفسي أكرهه .. إلا أن الحقيقة هي أنني قد أكون وقعت في حبه منذ البداية دون أن أدري .. لقد بدأ بكسب احترامي بازدرائه لي وطرده لي من مكتبه رافضا رشوتي .. ثم الطريقة التي أشعرني فيها دائما بالعجز أمامه .. الطريقة التي أذاب فيها كبريائي كلما تواجهنا .. محمود هو الشخص الوحيد الذي أجدني عاجزة عن التبجح أمامه والاعتداد بنفسي
ثم الطريقة التي عامل فيها أمي قبل وفاتها .. لقد جعلها تحس بالراحة والأمان لوجوده إلى جانبنا وقد حرمنا أبي من هذا الإحساس .. لقد كان للينا الناصح الأمين والأخ الأكبر والوالد البديل عن جدارة .. لقد وقف إلى جانبنا عند مرض أمي ولم يتردد لحظة واحدة قبل أن يتكفل هو بكل شيء .. لقد احتواني بكرمه وصبره وحنانه .. ومعرفتي بأنه هو من أنقذني حطمني تماما
وقفت حنان قائلة بقلق :- هذا جيد يا نانسي .. أنت تحبين زوجك ..
هتفت نانسي بمرارة :- لا .. ليس جيدا على الإطلاق عندما أعرف بأنه قد تزوجني شفقة علي و إسكاتا لضميره .. ليس جيدا عندما أجهل عنه كل شيء ولا أتوقف عن التفكير بما يخفيه عني بعد
فكرت بألم .. عندما أفكر بريم وهديل ونسرين وغيرهن من النساء اللاتي تجهل حقيقة مكانتهن في حياة محمود
أسرعت حنان تقول بلهفة :- لا يا نانسي .. محمود يحبك .. وأنا متأكدة من هذا .. وأنت أيضا تحبينه فلا تعذبي نفسك بدون داعي حقيقي
هزت نانسي رأسها قائلة :- لا .. أنا لا أحب محمود .. سأظل أردد هذه العبارة حتى تتحول إلى حقيقة .. لن أحبه حقيقة حتى أتأكد بأنه لي .. لي وحدي بقلبه وجسده ومشاعره
وقفت حنان وهي تنظر إلى نانسي الحزينة بيأس من تغيير رأيها .. تمتمت نانسي :- آسفة لأنني أزعجتك يا حنان .. انسي كل ما قلته لك .. أنا سأنساه أيضا ولن أفكر به مجددا
عندما عادت إلى غرفة النوم .. كانت تأمل بأن تجد محمود نائما كي تتجنب مواجهته .. ولكنه اعتدل فزق السرير فور دخولها وقد علا وجهه الوسيم القلق وهو يقول :- هل أنت بخير ؟
حاولت ألا تنظر إلى صدره العاري القوي العضلات وهي تقول بفتور :- طبعا بخير .. ولك لا أكون كذلك ؟
دارت حول السرير .. ودست نفسها في جانبها منه وهي تمنح محمود ظهرها .. فقال بتوتر :- يجب أن نتحدث يا نانسي .. لقد عرفت بأن معرفتك بهذا ستزعجك .. لهذا فقط أخفيته عنك
تمتمت دون أن تنظر إليه :- ولماذا تزعجني .. كان علي أن أعرف كي أشكرك على إنقاذك لي.. وعلى ما فعلته وتفعله لأجلي ولعائلتي .. سأتذكر هذا دائما عندما تعايرني بأنك قد اشتريتني .. لن أجرؤ عندها على فتح فمي بكلمة
صاح بحدة :- نانسي
أمسك بكتفها وأدارها إليه بقوة .. فرأى وجهها المغطى بالدموع .. وفمها المطبق بقوة وكأنها تمنع نفسها من البكاء .. عرف بأنها قد تنهار عند أقل ضغط منه .. فاكتفى بأن قال بإصرار :- أنا لم أتزوجك شفقة عليك يا نانسي
نظرت إلى عينيه الداكنتين لفترة طويلة وهي تتمنى أن تعرف حقا ما يختبئ خلفهما .. ثم أشاحت ببصرها هامسة :- تصبح على خير
تركها هذه المرة تبتعد عنه دون اعتراض .. للحظات لم تشعر بأي حركة منه وكأنه ينظر إلى ظهرها متأملا .. ثم وأخيرا .. أطفأ نور الأباجورة المجاورة للسرير .. وخلد إلى النوم


__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
  #18  
قديم 02-01-2017, 11:29 PM
 
منقولة من منتدى غرام~ عندما تنحني الجبال~

الفصل التاسع عشر


نكبة أخرى


عادت نانسي من الجامعة مع انتصاف اليوم .. لم تكن في مزاج جيد لقضاء الوقت برفقة زملائها المبتهجين .. كانت قلقة على لينا التي ذهبت إلى المدرسة أخيرا هذا الصباح لأول مرة .. ورغبت بشدة في أن تكون موجودة لحظة وصولها
.. سألت نجوى فور دخولها المنزل عن لينا فقال :- لقد وصلت منذ دقائق .. إنها في غرفتها
أسرعت نانسي تقفز فوق الدرج وصولا إلى غرفة لينا الصغيرة .. فوجدتها جالسة على الأريكة دون أن تغير زي المدرسة الرسمي الأنيق .. وقد بدا عليها التعب والاكتئاب .. قالت بمرح مصطنع :- لقد نسيت كم تبدين فاتنة في الزي المدرسي .. هيا تكلمي وأخبريني عن نهارك في المدرسة الجديدة
جلست إلى جانبها بينما قالت لينا وهي تجذب رباط شعرها لتحرره قائلة بملل :- لقد كان جيدا .. المدرسة جميلة والمعلمات طيبات كما يبدو .. وقد عقدت صحبة على الفور مع بعض الفتيات
نظرت نانسي إلى وجهها الملول بحيرة .. ثم قالت بقلق :- ما الذي يزعجك إذن ؟ تبدين تعيسة .. هل وجه أحدهم أي كلمة مزعجة نحوك ؟
نظرت لينا إلى أختها بتأنيب ضمير :- لا .. لم يتحدث أحد عن أبي .. بل لم يذكر اسمي أي أحد به .. أنا آسفة لأنني أقلقتك
قالت نانسي :- ما الأمر إذن ؟
ابتسمت لينا بحرج قائلة :- لقد نسيت مدى كرهي لأداء الواجبات المنزلية .. وقد حملتني المعلمة كومة منها بسبب تأخري عن التلميذات
تنهدت نانسي بارتياح وهي تجذب شعر أختها الذهبي بغيظ :- أيتها الكسولة .. تستحقين عقابا على الرعب الذي أشعرتني به
ضحكت الفتاتان في اللحظة التي دخلت فيها نجوى قائلة وهي تبتسم لمرأى الضحكات على وجهي الفتاتين :- لقد وصل الدكتور محمود .. ويطلب منكما موافاته في غرفة الاستقبال
أومأت لها نانسي برأسها ثم نظرت إلى لينا وهي تقول مازحة :- لابد أن بابا الجديد يريد أن يطمئن على نهار صغيرته في المدرسة
ضحكت عندما احمر وجه لينا بخجل .. ثم سارتا معا نحو غرفة الاستقبال فور أن غيرت لينا ملابسها .. عندما دخلتا توقعتا ان تجدا محمود وحيدا .. إلا أن نظرهما تعلق فورا بالرجل الجالس إلى جواره .. الرجل الأربعيني الأشقر الوسيم الذي بدا الحزن واضحا في وجهه وهو يقف فور رؤيته لهما
تجمدتا للحظات طويلة وهما تنقلان بصرهما بين محمود الواقف إلى جواره جامد الملامح .. وبين الرجل الذي نظر إليهما بلهفة .. لينا كانت أول من كسر الجمود .. إذ انهمرت دموعها وهي تصيح بلهفة :- خالي فوزي
ركضت نحوه ورمت نفسها في حجره فورا .. ثم تبعتها نانسي فاحتوى الفتاتان بين ذراعيه وهما تبكيان .. بينما سالت دموع ساخنة من عينيه وهو يقول بألم :- أنا آسف يا صغيرتي .. آسف لأنني لم أكن موجودا خلال مرض أمكما وعند وفاتها .. آسف لأنني لم أقف إلى جواركما في محنتكما
كان اللقاء مفعما بالمشاعر والانفعالات .. وعندما انتهت العاصفة .. جلس الخال على الأريكة وقد جلست الفتاتان حوله وهو يحكي لهما عن رحلته المفاجئة مع زوجته حول أوروبا .. وفقدانه لهاتفه وعجزه عن الاتصال بهن .. حتى أنه لم يعرف بفضيحة والدهما حتى اتصل به محمود قبل أيام وقد تمكن بوسائله الخاصة من العثور عليه .. وأخبره بكل شيء فترك ما وراءه وعاد فورا
سالت دموعه مجددا وهو يقول :- ليتني كنت موجودا .. ليتني تمكنت من وداعها على الأقل
ضم الفتاتين إليه وهو يقول :- من حسن الحظ أن الدكتور محمود كان موجودا لأجلكما .. لا أعرف كيف أشكرك يا دكتور على كل ما فعلته للفتاتين .. ووقوفك إلى جانب مريم قبل وفاتها .. أنا أشكرك من كل قلبي
قال محمود بوجوم :- لا داعي لشكرك يا سيدي .. نانسي هي زوجتي .. وعائلتها عائلتي .. لقد قمت بواجبي ليس أكثر
لم تستطع نانسي النظر إليه وقد طعنتها الكلمة في قلبها .. نعم .. لقد فعل ما فعله باسم الواجب .. حتى زواجه منها كان واجبا فرض عليه
أصر محمود على أن يبقى السيد فوزي في ضيافته خلال وجوده في البلاد رغم اعتراض الأخير .. إلا أنه أذعن في النهاية عندما ألحت عليه الفتاتين
تناولت العائلة العشاء برفقة الضيف وقد بذلت الطاهية جهدا كبيرا في صنع ما لذ وطاب على شرف الضيف .. الذي أثار جوا مرحا على المائدة وهو يحكي مغامراته والأحداث الشيقة التي صادفته هو وزوجته أثناء سفرهما المتواصل
حتى أن ريم النادرة الابتسام كانت تضحك بتقدير للضيف الوسيم والمرح
قادت نانسي خالها إلى غرفته حيث كانت حنان تضع الملاءات الجديدة .. حياها فوزي وقد تذكرها منذ كانت تلهو مع نانسي وهما طفلتان صغيرتان .. وعندما انصرفت التفت إلى نانسي وفتح لها ذراعيه فأسرعت ترمي نفسها بينهما وهي تقول :- مممم ما أروع الرجوع إلى البيت
ضحك وهو يقول :- لا أصدق خروج كلام كهذا من سيدة منزل بهذه الضخامة
قالت بانزعاج :- تعرف جيدا ما قصدته
أبعدها عنه .. ونظر إليها قائلا بقلق :- هل أنت سعيدة يا نانسي ؟
ابتسمت باضطراب قائلة :- ما الذي تظنه ؟ طبعا أنا سعيدة ..
قال :- الدكتور محمود رجل رائع .. إنه قوي الشخصية ومثقف ونبيل .. وهو أيضا رجل أعمال مرموق ومعروف .. أنا متأكد بأنك ستكونين بخير تحت رعايته .. ولكنني أريد أن أسمعها منك .. هل يعاملك بشكل جيد ؟
تمتمت :- بالتأكيد ..
لم ترغب بإثارة قلق خالها بإظهار مخاوفها وشكوكها اتجاه محمود .. أو بالمشاكل التي لا تتوقف بينهما .. ولكنها لم تتوقع أن يقول أبدا :- إذن .. سأكون مطمئنا عندما أعود إلى فرنسا الأسبوع القادم برفقة لينا
شحب وجهها وهي تتراجع إلى الخلف قائلة بارتباك :- ماذا ؟
:- تعرفين بأنني لا أستطيع ترك لينا هنا يا نانسي .. إنها مسؤوليتي الآن .. أنت لديك زوجك وبيتك .. وهي ما تزال طفلة صغيرة بحاجة إلى الرعاية .. أنا وزوجتي سنكون في غاية السعادة لوجودها معنا بعد أن حرمنا الله من الأطفال
قالت بانفعال :- ولكن لينا سعيدة هنا .. إنها تحصل على كل ما تحتاجه وأكثر .. فلماذا تأخذها بعيدا .. أنا أعتني بها كما يجب
نظر إليها بطريقة ذات معنى وهو يقول :- مهما كانت رعايتك لها كبيرة يا نانسي .. فهي لا يمكن أن تعيش تحت رعاية زوج شقيقتها في وجود خالها .. كما أنها ما كانت لتوافق على الذهاب معي لو كانت سعيدة حقا
قالت بصوت مختنق :- هل .. هل تكلمت معها في الموضوع ؟
:- نعم .. عندما كنت تشرفين على إعداد العشاء .. وقد أبدت حماسا كبيرا للفكرة
أمسك بكتفيها ونظر إلى عينيها قائلا :- انظري إلى نفسك يا نانسي .. أنت ما عدت طفلة صغيرة .. لقد أصبحت امرأة .. مسؤولة عن زوج وبيت وأطفال سرعان ما سيأتون إلى الحياة .. أنا الآن مطمئن عليك .. ولكنني لن أرتاح حتى أتأكد بأن لينا أيضا بخير .. وهذا لن يحدث إلا إن كانت تحت رعايتي
فور أن خرجت من غرفة خالها ذهبت نانسي إلى غرفة لينا لتجدها ترسم بشرود وهي جالسة على الأريكة .. أقفلت نانسي الباب ورائها وهي تقول محاولة إجبار نفسها على التزام الهدوء :- ماذا ترسمين ؟
نظرت إليها لينا من فوق دفتر الرسم قائلة :- أحاول رسم أمي .. ولكنني لا أستطيع تجسيد ابتسامتها .. أخشى بأنها لم تبتسم كثيرا في أيامها الأخيرة فنسيت كيف تبدو
جلست نانسي إلى جوارها صامتة للحظات ثم قالت :- لقد تحدث إلي خالنا منذ قليل
اعتدلت لينا قائلة بقلق :- هل حدثك عن سفري معه ؟
اغرورقت عينا نانسي في الدموع وهي تقول :- لماذا يا لينا ؟ .. لماذا تريدين تركي وحدي ؟
أسرعت لينا تقول :- لن أتركك وحدك .. فمحمود معك .. هو سيحميك ويرعاك .. أنت لست بحاجة إلي
قالت نانسي بخشونة :- بل أنا أحتاج إليك .. فقط أخبريني بما يدفعك للرحيل .. لماذا لست سعيدة هنا ؟
نظرت لينا حولها وهي تقول بحزن :- أنا سعيدة بوجودي معك يا نانسي .. ولكنني لا أستطيع منع إحساسي بأنني دخيلة في هذا البيت .. دائما أحس بأنني غريبة في منزل لا يحبني سكانه .. وأنني عالة على محمود مهما كان طيبا وكريما ..
الأمر مختلف معك فأنت زوجته .. وسيدة هذا البيت .. هو دائما سيكون إلى جوارك عند الحاجة .. وأنا لن أشعر بأنني في بيتي حقا إلا إن أقمت مع خالي ..
ابتسمت قائلة :- هل تتخيلين ذهابي إلى هناك .. وزيارتي لمتحف اللوفر .. وتعلمي الرسم في باريس مدينة الفن والجمال .. لقد قال محمود بأنه سيحضرك لزيارتي بين الحين والآخر وأننا لن نشعر أبدا بأننا بعيدتان عن بعضنا
تجمدت نانسي وهي تقول :- هل يعرف محمود بهذا ؟
:- نعم .. لقد أخبرته منذ دقائق .. كنت أخشى أن يغضب .. ولكنه أكد لي بأن هذا البيت سيظل مفتوحا لي دائما إن رغبت بالعودة .. وأنكما ستكونان دائما إلى جانبي عند الحاجة .. أنت محظوظة به يا نانسي .. محمود رجل رائع .. بعد رحيلي ستتمكنين من إصلاح الأمور بينكما .. ولن يشكل وجودي بعد الآن أي ضغط عليك .. وستدركين بأنك تحبين محمود وتعيشين معه لأنك تريدين ذلك .. وليس لأن أختك الصغرى بحاجة إلى مأوى
صمتت نانسي للحظات طويلة قبل أن تقول :- أنت أكثر نضوجا مما ظننت يا لينا
قالت لينا بتهكم وكأنها تؤكد نظرية نانسي :- من يستطيع مقاومة النضوج في ظروف كظروفنا
عانقتها نانسي وهي تقول دامعة :- سأشتاق إليك
تمتمت لينا وهي تبكي :- أنا أيضا سأفتقدك .. وسأفتقد محمود وحنان .. عديني بأنك ستنجبين لي أبناء أخت قريبا
ضحكت نانسي بين دموعها وهي تلكز رأس شقيقتها مداعبة .. إلا أنها وفور خروجها من الغرفة .. تركت العنان لمشاعرها .. وسمحت للدموع بالانهمار فوق وجهها بلا توقف .. اندفعت إلى غرفة المكتب حيث عرفت بأنها ستجد محمود .. واقتحمت المكان قائلة بعنف :- أنت خططت لهذا .. أليس كذلك ؟
وقف محمود تاركا عمله على الحاسوب قائلا بتوتر :- ما الذي تتحدثين عنه ؟
هتفت به :- لقد عرفت بأن خالي سيفكر بأخذ لينا معه .. لهذا بحثت عنه وأحضرته إلى هنا .. تريد أن تحرمني من الفرد الوحيد الذي تبقى من عائلتي .. لماذا .. لماذا تريد أن تكسرني .؟ ما الذي فعلته لك ؟
كانت الهستيريا تتخلل صوتها بينما دار هو حول المكتب متجها نحوها ليمسكها بقوة ويهزها قائلا :- هل جننت يا نانسي .. لماذا قد أرغب بأذيتك ؟ هل تظنين بأن رحيل لينا لا يحزنني أنا أيضا ؟ .. لا تستطيعين منعها من فعل ما تريد .. لو أنني عرفت بأنها ستتخذ قرارا كهذا لما ....
تنهد وهو ينظر إلى وجه نانسي الباكي قائلا :- لقد بحثت عن خالك وأحضرته لك كي تشعري بأنك لست وحيدة يا نانسي .. هناك من يحبك ومستعد للوقوف إلى جوارك ودعمك عند الحاجة .. لقد فعلت هذا لأجلك .. وليس لأحرمك من لينا
أجهشت بالبكاء فسحبها نحوه يضمها بقوة إلى صدره أحست بيديه تربتان على ظهرها وشعرها بحنان وعنما رفعت رأسها ونظرت إليه .. توقف بكائها .. وأجفلت للنيران المشتعلة التي أطلت من عينيه وهو ينظر إلى ملامح وجهها الطفولية .. والدموع التي ملأت عينيها الحزينتين .. أحست برجفة تسري في جسدها وهي تدرك مدى قرب كل منهما من الآخر .. فابتعدت مسرعة وهي تمسح دموعها قائلة :- أنا ذاهبة لأنام
وخرجت مسرعة قبل أن يقول ما يدفعها للبقاء .. وهو ما كانت كل ذرة في جسدها تصرخ متوسلة لها به


__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
  #19  
قديم 02-01-2017, 11:35 PM
 
الفصل العشرون

ألم لا ينتهي

تركت نانسي أوراقها عندما دوى رنين هاتفها المحمول المرمي إلى جوارها على الأريكة حيث كانت تحاول جاهدة ان تدرس في غرفتها .. ابتسمت عندما لمحت اسم ماهر وأجابت عن المكالمة قائلة :- لا .. لست ندى .. لقد اخطأت الرقم
ساد الصمت للحظات طويلة كادت خلالها تنفجر ضاحكة .. قبل ان تسمع نحنحته المحرجة وهو يقول :- لا .. لم أخطئ الرقم .. كيف حالك يا نانسي .. لقد أصبحت كسولة هذه الأيام بغيابك المتكرر عن الجامعة
كانت تحب إغاظته منذ بدأت الخيوط الوردية تلف علاقته بندى زميلتهما الحسناء الخجول .. ولمعرفتها بأن ماهر أكثر خجلا في هذه الأمور من صديقته تجاهلت الموضوع قائلة :- لا أشعر برغبة في رؤية أحد .. أو حتى الخروج من غرفتي
قال بتعاطف :- أمازلت حزينة بسبب سفر لينا ؟
ابتلعت غصة وهي تتذكر سفر لينا قبل أسبوع .. لقد منعت نفسها بصعوبة من البكاء وهي تودعها في المطار .. لم تبك حتى بعد أن عادت إلى البيت .. اكتفت بحبس نفسها في غرفتها في عزلة عن العالم الخارجي تفكر بمسار حياتها الغريب .. لم تفكر قبل أشهر قليلة بأن الأمر سينتهي بها يتيمة الأبوين ... بلا أخت تؤنس وحدتها وتمنحها الدعم .. متزوجة من رجل لا تعرف مشاعره او نواياه اتجاهها
ما الذي منعها بالضبط من مصارحة خالها بعدم سعادتها في هذا البيت .. والسفر برفقته وبرفقة لينا ؟ .. لا تعرف .. ولكنها حتما لم ترغب بالابتعاد عن محمود وتركه للفتيات المستعدات دائما للحلول مكانها .. الحالة الوحيدة التي ستدفعها للرحيل هي يقينها التام من عدم حبه لها .. أو خيانته لها .. وهو ما لم يحدث حتى الآن .. وهي لن تتحرك من هنا حتى تعرف ما يخفيه عقل زوجها الغامض عنها
تمتمت :- لقد بدأت أعتاد على الامر
:- هل سأراك صباح الغد إذن ؟ الامتحانات على الأبواب .. وعليك تعويض ما فاتك .. سأصور لك محاضرات الأسبوع الماضي طبعا وسأحضرها معي غدا
ابتسمت وهي تتخيل الاخلاص في عينيه البنيتين من الطرف الآخر وقالت ممتنة :- شكرا لك يا ماهر .. لا أعرف حقا ما كنت لأفعله من دونك
انتفضت عندما دوى صوت انصفاق باب الغرفة .. والتفتت نحو محمود الجامد الملامح مما ناقض نيران الغضب المستعرة في عينيه .. تعمدت أن تقول وهي تلاقي نظرات محمود بتحدي :- اتطلع بشوق لرؤيتك صباح الغد يا ماهر .. إلى اللقاء
أنهت المكالمة ونظرت إلى محمود الذي خلع معطفه الثقيل ورماه على السرير بإهمال فقالت بلا مبالاة :- لقد عدت باكرا
قال بجفاف :- نعم فعلت .. لقد ظننت بأن زوجتي الحزينة لفراق شقيقتها بحاجة إلى مواساتي .. لأجد بأن حبيب القلب قد قام بهذه المهمة
وقفت قائلة بحدة :- لا تقل هذا عن ماهر .. لقد سبق وأخبرتك بأننا صديقين فقط
تقدم نحوها وهو يصيح غاضبا :- وقد سبق وأخبرتك بأنني أرفض مصاحبتك له والتسكع معه
قالت بعناد :- لا تستطيع منعي .. أنا حرة وأستطيع فعل ما أريد
قبض على ذراعها فجأة وشدها إليه قائلا من بين أسنانه :- هل تتحدينني يا نانسي ؟
كبتت صيحة ألم سببته لها أصابعه القاسية .. ورفعت عينيها الخضراوين نحوه لتصدم بقربه الشديد منها .. تمكنت من استنشاق رائحة عطره .. بينما تجولت عيناه الغاضبتان فوق صفحة وجهها قبل أن تتوقفا عند فمها الناعم .. لم تخطئ فهم اللهيب الذي حل محل الغضب في نظراته .. المشكلة هي أن اضطرابا غير مرغوبا به بدأ يسري في كيانها .. إذ أخذت نبضات قلبها تتسارع وهي تشعر بحرارة أنفاسه تلفحها ..لا .. لن تسمح لنفسها أبدا بالضعف أمامه
رفعت ذقنها وهي تقول بوقاحة :- ما الأمر ؟ هل ستغتصبني مجددا
توتر فمه وعاد الغضب يكتسح الرغبة في أعماق عينيه الداكنتين .. قست أصابعه حول ذراعها حتى كادت صيحة الألم تفلت من بين شفتيها .. قال ببرود :- حصول ا لرجل على ما هو له لا يسمى اغتصابا
قالت بغيظ :- أنا لم ولن أكون لك أبدا
شدها إليها حتى التصقت به وهو يقول بخشونة :- هل تراهنين ؟
ارتجفت وهي تشعر بقوة عضلات صدره تعانقها .. وذراعيه المحكمتين حولها .. أحست بخدر غريب يلفها وقد سيطرت عليها جاذبيته فلم تستطع دفعه بعيدا .. أما هو .. فقد نظر بقسوة إلى اضطرابها الشبيه باضطراب الفأر العالق في المصيدة .. ثم مط شفتيه بازدراء وهو يقول :- للأسف الشديد .. لا مزاج لدي اليوم لتناول وجبة باردة لا حياة فيها
عندما تركها كانت وجنتاها قد احمرتا غيظا وهي تغمغم بحقد :- أكرهك
ابتعد وهو يقول ببرود :- وكأن مشاعرك نحوي تهمني بأي طريقة .. أظن بأن العمة منار قد أخبرتك عن الحفل الذي يقيمه السيد رفيق محجوب
دلكت ذراعها حيث كان يمسك بها وهي تقول :- طبعا أخبرتني
:- هذا جيد .. اشتري لنفسك ثوبا جديدا ملائما للمناسبة .. فهذا سيكون ظهورنا الأول أمام الناس والمجتمع
غاظتها طريقة كلامه الباردة وكأنه يتحدث إلى مستخدم لا قيمة له لديه .. قالت بتهكم :- أه .. تذكرت بأنك تزوجتني لأشرفك أمام الناس .. أمرك سيدي .. سأشتري ثوبا جديدا وأبدو في أروع مظهر ممكن يليق بسيادتك .. سيدي .. هل من أوامر أخرى ؟
كان قد فتح باب الغرفة بنية الخروج وكأنه لم يعد يحتمل البقاء معها في مكان واحد .. التفت إليها ونظر إليها ببرود شديد وهو يقول :- لا تراهني كثيرا على حسن حظك يا نانسي .. مهما كان صبري طويلا فإنه سينفذ في النهاية
ثم غادر تاركا إياها تفكر بكلماته بقلق .. هي لا تتعمد ابدا إثارة غضبه .. ولكنها تفعل هذا كوسيلة دفاع كلما أحست بنفسها ضعيفة أمامه .. زفرت بقوة وهي تتجه نحو النافذة .. لا مزاج لها لحضور ذلك الحفل .. وأين المتعة في لقاء أشخاص لا تعرفهم يحدقون بها وهو يفكرون بوالدها وبما دفع محمود للزواج منها ؟
رفيق محجوب هو رجل أعمال مرموق .. وصديق قديم للعائلة .. الكل مدعو لحضور الحفل.. العم طلال وزوجته .. ريم وفراس .. وهذا يعني أنها يجب أن تبذل مجهودا مضاعفا في الاهتمام بنفسها كي تثير غيرة ريم وغيرها من الفتيات بينما هي ترافق محمود
على غير عادتها لم تثر فيها الفكرة الحماس .. وتمنت لو تجد عذرا يمنعها من الذهاب .. ولكنها لا تظن محمود قد يمنحها أي عذر خاصة بعد الطريقة التي أغضبته فيها
اختارت للمناسبة ثوبا بلون التوت .. بدا رائعا على بشرتها القمحية الناعمة .. والتف حولها ملفتا النظر إلى جمال وتناسق جسدها النحيل .. كان محتشما بشكل خادع .. فالذراعين وأعلى الصدر والظهر كاملا كان مغطى بالدانتيل الشفاف المطرز بنعومة .. بينما أظهرت التنورة الضيقة والواسعة من الأسفل كالسمكة انسيابية جسدها .. تحلت بالعقد الماسي الذي أعطاها إياه محمود صباح اليوم بلا مقدمات وهو يقول بجفاف بأن الناس ستنظر فورا نحو عنقها وأذنيها ليقيموا حليها وإن كانت ملائمة لزوجة محمود فاضل أم لا
زينت أذنيها بالقرط الماسي الذي تدلى ملفتا النظر إلى عنقها الطويل الرشيق .. ثم تبرجت ببراعة وصففت شعرها على شكل تاج صغير تدلت منه خصلات ناعمة التفت حول وجهها
بدت رائعة .. بل مذهلة الجمال .. تاقت لتعرف رأي محمود بها .. ولكنها تعمدت أن ترتدي ملابسها في الحمام وتتأخر حتى تتأكد من خروجه كي تجعل مظهرها مفاجأة له
ارتدت معطفها الجميل المحلى بالفراء .. وخرجت من غرفتها وهي تتهادى فوق حذاء مذهل عالي الكعبين
كان محمود في انتظارها في البهو برفقة عمه وفراس وقد ارتدى كل منهم حلة كاملة شديدة الأناقة فبدا الثلاثة بهجة للنظر .. اما محمود فقد بدا رائعا وشديد الوسامة وهو ينظر إليها خلال نزولها الدرج ببطء .. لم ير شيئا من فستانها بعد .. إلا ان عيناه تعلقتا بوجهها الجميل المتورد مما جعلها ترتعش خجلا
السيدة منار كانت جاهزة أيضا بفستان كلاسيكي أسود في غاية الاناقة .. نظرت إلى الساعة قائلة بنزق .. ستؤخرنا ريم كالعادة
دوى صوت ريم من الأعلى يقول :- انا جاهزة .. لا داعي لمزيد من التذمر
إن كانت نانسي تخبئ تأثير مظهرها حتى وصولها إلى الحفلة .. فإن ريم كانت بالعكس منها .. تمسك بمعطفها بيدها .. وتسير متمايلة بفستان رائع الجمال .. بزرقة داكنة .. عاري الصدر والذراعين .. أظهرت تنورته القصيرة جمال ساقيها الطويلتين
نظرت إلى محمود بدلال وهي تخاطب والدها :- انا جاهزة يا أبي .. لنذهب قبل أن نتأخر
ثم نظرت إلى نانسي مبتسمة بلؤم :- لا اطيق صبرا للوصول إلى الحفلة .. لدي إحساس بانها ستكون حفلة الموسم
رفعت نانسي رأسها وبادلتها نظرات التحدي وهي تتأبط ذراع محمود قائلة بنعومة :- هل نذهب ؟؟؟
قال بحزم :- هيا بنا
طبعا استعملت العائلة سيارتين .. واتجهت نحو مكان إقامة الحفلة في أحد أكبر فنادق المدينة .. صالة الاحتفال كانت واسعة للغاية وفي غاية الفخامة .. وقد زينت باحترافية من قبل خبير .. فور أن خلعت معطفها انصبت نظرات الآخرين عليها .. لم يستطع محمود إزاحة عينيه عن جسدها الملفوف في القماش ذي اللون المثير .. وقد أطلت من عينيه نظرة قالت الكثير رغم صمته الثقيل .. لفتا الأنظار فور دخولهما الصالة حيث أسرع السيد رفيق يحييهما برفقة زوجته الجميلة ذات الشعر المصبوغ .. التي رحبت بمنار وريم بحرارة .. بينما حيت نانسي بتحفظ وهي تهنئها على الزواج وتتأملها بفضول شديد .. كان على نانسي أن ترسم على شفتيها ابتسامة باردة وهي تتلقى نظرات الناس التي لاحقتها أينما ذهبت .. الرجال لم يتوقفوا عن التحديق في جمالها الغريب .. والنساء في تقييمها بالنظرات والهمسات .. بل أنها سمعت اسم والدها أكثر من مرة .. قالت زوجة السيد محجوب وهي تهنئ محمود :- مبارك يا محمود .. ليت والدتك كانت موجودة لتقابل عروسك الجميلة .. نسرين هنا في مكان ما وسترغب في رؤيتك بالتأكيد .. هي أيضا متحمسة للقاء عروسك
تجمدت نانسي وأحست بالهواء يقل من حولها .. نسرين هنا .. لماذا ؟ هل هي ابنتهما ؟ لماذا لم يخبرها محمود ؟.. ولماذا يخبرها إن كان لا يعرف بأنها قد أخذت فكرة مسبقة من ريم عن علاقته بها ؟
لم يظهر أي رد فعل عليه وهو يقول باسما :- سأراها لاحقا بالتأكيد
أما ريم فقد ابتسمت بتشفي مما جعل نانسي تعرف سبب تشوقها لحضور الحفلة .. أمسك محمود بمرفقها وجذبها إلى داخل القاعة قائلا :- ما الأمر ؟ تبدين شاحبة ؟
تمتمت بتوتر :- أنا قلقة فحسب .. فأنا لا أعرف أحدا بينما يعرفك الجميع ويسرع للترحيب بك بينما يجبرون أنفسهم حتى على النظر إلي
نظر إليها متفحصا وهو يقول :- أنت زوجتي .. ومن يعرفني يجب أن يعرفك شاء أم أبى .. أنا متأكد بأنك واهمة .. لقد وصلنا للتو وها أنت تسمحين لشبح فضيحة والدك بإفساد وقتك
منعت نفسها بصعوبة من اطلاعه على السبب الحقيقي لتوترها .. فهي ستقابل الفتاة التي كان من المفترض بمحمود أن يتزوجها .. إن كانت خطيبته كما قالت ريم وقد أخلف بوعده بالزواج من أخرى فلم يظهر الغضب أو الانزعاج على والديها وهما يرحبان به .. نفورهما كان موجها نحوها فقط
سرعان ما بدأ معارف محمود بالتوافد لتهنئته والتحدث إليه حول العمل والسياسة كعادة الرجال .. بينما بدأت النساء بتقبلها والاندماج مع خلفيتها الارستقراطية التي جعلتها واحدة منهن رغم سمعة والدها .. العقد الماسي المحيط بعنقها قد قام بفعله وأسال لعابهن وجعل الاحترام يقفز فورا ليغلف معاملتهن لها .. لقد كان محمود محقا في فهمه للمجتمع
كانت تتحدث إلى سيدة مسنة .. تومئ لها بصبر متظاهرة بالاستماع حتى أحست بأنها أصبحت بعيدة عن محمود .. اعتذرت للسيدة وقد وجدت أخيرا عذرا يمكنها من الفرار .. ثم أخذت تبحث بعينيها هنا وهناك عن زوجها حتى وجدته واقفا برفقة صاحب الدعوة ورجل آخر .. يتبادلون حديثا جديا فأخذت تراقبه وتتأمله بشغف من بعيد .. متعجبة من نفسها .. كيف غفلت يوما عن وسامته الشديدة وجاذبيته الفياضة .. كيف تتلمذت على يديه لسنوات دون أن أقع في حبه ؟ هل كنت عمياء وأنانية إلى حد العجز عن رؤية أي شيء غير نفسي في تلك الفترة ؟
اقتحمت فتاة الجمع الرجالي فجأة وهي تقول شيئا وهي تضحك أثار ضحك الرجال .. نظرت إلى محمود وكلمته بحرارة وكأنها تعرفه منذ فترة طويلة .. بينما رد عليها هو بعفوية جعلتها تتأبط ذراعه بدلال وهي تحدث السيد رفيق
خفق قلب نانسي بقوة .. أحست بأطرافها باردة للغاية وهي تحدق في الفتاة الحسناء .. كانت شديدة الجمال ببشرة سمراء ناعمة لا شائبة فيها .. وشعر شديد السواد انسدل خلف ظهرها بحرية .. كانت ترتدي ثوبا أبيضا احتضن قوامها الأنثوي بإحكام مظهرا تفاصيله .. من تكون هذه المرأة ؟ هل هي .. ؟
لم تكن بحاجة إلى مزيد من التساؤل .. فقد سمعت صوت ريم يقول من خلفها .. :- لماذا تقفين وحيدة يا عزيزتي ؟
تلقائيا نظرت إلى حيث تحدق نانسي المتوترة .. ثم ابتسمت بخبث قائلة :- رأيت نسرين إذن .. ما رأيك بها ؟ جميلة .. صحيح ؟.. تعتبر نسرين من أشهر فتيات المجتمع الراقي وأكثرهن جمالا وثراءا .. أرجو ألا تشعري بالتهديد منها
قالت نانسي بتوتر :- ولماذا علي أن أفعل ؟
تجاهلت ريم سؤالها .. ونظرت إلى محمود ونسرين الذين أصبحا وحيدين فجأة وقالت :- ألا يبدوان جميلين معا ؟ .. يليق كل منهما بالآخر وكأنه قد خلق له
ثم نظرت إلى نانسي قائلة بتشفي :- ألم تدركي يا عزيزتي حتى الآن بأنك سخرية الحفل ؟ الكل يعقد المقارنات بينك وبين نسرين .. الكل يتساءل عما أصاب محمود ليتزوج بفتاة مثلك ويترك امرأة حقيقية مثلها .. لا أستطيع أن أحسدك بعد الآن ...فكل ما أشعر به اتجاهك هو الشفقة يا نانسي
تركتها وفي عينيها بريق الانتصار .. وعادت إلى مجموعة من الفتيات انفجرن في الضحك فور بدأت ريم بالكلام وهن ينظرن إلى نانسي المجروحة .. كالعادة كان غضبها هو وقود قوتها .. فوجدت نفسها تسير نحو محمود ورفيقته التي كانت تقول له شيئا وفي عينيها نظرة عتاب مغناج .. قطع رده الهادئ فور أن رأى نانسي القادمة نحوهما .. لاحظ على الفور نظرة عينيها التين امتلأتا بدموع الغضب .. فأسرع يقول وهو يمد لها ذراعه :- أين كنت يا نانسي ؟ لقد بحثت عنك طويلا ..
آه .. نعم .. وأنا أستطيع الطيران .. :- أقدم لك نسرين .. إنها ابنة السيد رفيق
قالت نسرين وهي تبتسم لنانسي ببشاشة :- سررت لمعرفتك يا نانسي .. لقد سمعت عنك الكثير .. ليس من محمود بالطبع فهو شديد التكتم لابد وأنك قد عرفت هذا بنفسك بعد أشهر من الزواج
العبارات المبتهجة لم تخدعها .. والمعنى الخفي لم يفتها كما لم يفتها توتر محمود عنما قالت نسرين بدلال :- ابنة السيد رفيق !! تقولها وكأننا غريبين يا محمود .. وكأننا لا نعرف بعضنا جيدا منذ فترة طويلة
ثم عادت تنظر إلى نانسي التي يكاد الغيظ يأكلها ..وقالت :- لقد كنت أعاتب محمود لتوي على إخفائه إياك عن الجميع .. لا أعرف حقا سبب إقدامه على هذا .. فأنت حلوة للغاية .. وأظن بأننا سنكون صديقتين
في أحلامك .. ابتسمت نانسي وهي تقول ببرود :- بالتأكيد
أمسكت نسرين بذراع محمود وهي تقول لنانسي :- سأسرق منك محمود قليلا .. فأخي يبحث عنه منذ فترة لبحث موضوع معين معه .. أنت لا تمانعين .. صحيح
قالت نانسي مبتسمة ببرود :- على الإطلاق ..
لاحظ محمود الغضب البارد تحت القشرة الهادئة لنانسي .. فخاطب نسرين قائلا :- سألحق بك بعد قليل
رفرفت الفتاة له بعينيها قبل أن تبتعد وهي تتمايل بدلال جعل دماء نانسي تفور .. قال لها :- هل من مشكلة ؟ تبدين غاضبة ؟
لا والله لن تفرحه بإظهار الغيرة القاتلة التي تشعر بها .. ابتسمت قائلة بفتور :- ولماذا أغضب ؟ أنا أشعر بالملل فقط
بدا الاعتذار على وجهه وهو يقول :- أنا آسف لأنني قد تركتك وحيدة .. لدي الكثير من المعارف والشركاء بين الحضور .. أعدك بأن أتفرغ تماما لك بعد دقائق
قالت بابتسامة جامدة :- لا تقلق .. سأكون بخير .. كما أن ريم تقوم بواجبها في تسليتي كما يجب
عبس قائلا :- ماذا تقصدين ؟
قالت بابتسامة حلوة :- أقصد ما فهمته يا زوجي العزيز .. من الواضح أنك تعرف ابنة عمك جيدا لتقدر مدى استمتاعها بهذا الحفل .. إنها ترغب بمشاركتي في متعتها فقط
ارتفع صوت نسرين ينادي محمود عبر القاعة المزدحمة .. فنظر إليها بنفاذ صبر وهو يقول لنانسي :- سنتحدث لاحقا .. وستفسرين لي كلامك
ابتعد تاركا إياها .. فانزوت في مكان بعيد وهي تحتسي كوبا من العصير قدمه لها أحد المضيفين .. كانت تشعر بالحزن والاكتئاب في مكان ممتلئ بأشخاص يكرهونها .. أحست بالصغر وانعدام الثقة بالنفس وهي تفكر بنسرين .. تلقائيا بحثت عنها بعينيها لتجدها كما توقعت تكاد تلتصق بزوجها المنهمك في الحديث مع شاب يشبه نسرين قليلا .. تأملت الفتاة مليا وهي تتذكر كلمات ريم .. (الكل يتساءل عما أصاب محمود ليتزوج بفتاة مثلك ويترك امرأة حقيقية مثلها)
ما الذي يميزها عنها .. فنانسي لا تقل عنها جمالا .. إنها تفتقر فقط لامتلاك جسد ناضج الأنوثة كجسد نسرين .. جسد امتلأ بالمنحنيات والارتفاعات الواضحة عبر الفستان الضيق .. والمحملة بدعوة صريحة لأي رجل
كزت على أسنانها بغضب وقد أعمتها الغيرة .. لا .. محمود لا يهتم لهذا النوع من الجمال وإلا ما كان تزوج بها هي .. ولكنه أيضا تزوج بها ليساعدها في تخطي مشاكلها وليس لأنه مغرم بها
.. انصرف الشاب تاركا محمود ونسرين وحدهما .. التفتت نسرين نحوه وأخذت تتحدث إليه وهي تمرر أصابعها ذات الأظافر المطلية فوق سترته السوداء الأنيقة وهي تقول شيئا .. بينما تتبع هو لمستها بعينيه ثم عاد ينظر إليها
أحست نانسي وكأن يدا ثقيلة تهوي على وجهها .. بالكاد لاحظت نظرات الناس إليها .. وقهقهة ريم وصديقاتها وهي تندفع كالعمياء نحو أقرب مخرج أوصلها إلى الشرفة .. كان البرد شديدا ولكنها بالكاد أحست به
تفجرت دموعها وسالت كالأنهار فوق وجنتيها وشهقاتها تتعالى بانهيار .. أحست بأنها تختنق .. وبرغبة عارمة بأن تموت الآن عل شيئا من ألمها يزول ويختفي .. علها تنسى ما رأته قبل لحظات
لقد كانت نسرين تقف إلى جوار محمود على بعد مسافة منه .. مظهرهما ما كان ليوحي بأي شيء لولا أن نانسي رأت بوضوح النظرة التي ارتسمت في عيني محمود وهو ينظر إلى نسرين
لقد كانت نظرة مفعمة بالرغبة .. الرغبة الخالصة ..
تلك النظرة التي رأتها ليلة حصل محمود عليها .. أحست وهي تتذكرها بطعنة نجلاء تشق قلبها إلى نصفين ... لماذا .. لماذا ؟
تعالى نشيجها وهي تشعر بالألم ينخر في صدرها بلا رحمة .. لقد قتلتها تلك النظرة .. فهي لم تكن مجرد نظرة .. لقد كانت اعترافا .. اعترافا بحقيقة العلاقة التي ربطت بين محمود ونسرين فيما مضى .. اعترافا بأن في قلب محمود مشاعر جياشة نحو نسرين .. اعترافا بأنه لم يحبها يوما .. وإلا ما كان انجذب لغيرها بهذه السهولة
أحست بالغضب الشديد .. بالقهر والإذلال .. عاد إليها ذلك الشعور يوم عرفت بأن محمود هو من أنقذها .. الشعور بأنها واجب حمله محمود فوق ظهره دون أن يرغب ..
ارتفع رنين هاتفها من داخل حقيبتها الصغيرة .. أهملته إلا أنه عاد للرنين بإصرار .. فأخرجته بيد مرتعشة مدركة تماما هوية المتصل .. فور ردها كان صوته يهتف بغضب :- أين أنت يا نانسي بحق الله ؟ أبحث عنك منذ نصف ساعة
هتفت بعنف :- ما الذي تريده مني ؟ لا أريد أن أراك أبدا
.. في ظروف أخرى كان ليرد على ثورتها بعنف .. إلا أنه لاحظ البكاء في صوته.. قال بتوتر :- هل أنت تبكين ؟ ما الذي حدث ؟
وكأنها كانت في انتظار سؤاله لتجهش في البكاء فقال بحدة :- أين أنت ؟ أخبريني الآن أين أنت بالضبط ؟
وجدت نفسها تخبره تحت إلحاحه .. وإذ به ينهي المكالمة فورا .. حاولت تمالك نفسها كي تستعيد شيئا من قوتها أمامه ولكنها لم تستطع .. نظرة عينيه وهو يلتهم منحنيات جسد نسرين الفاتنة كانت تذبحها في الصميم
وعندما سمعت صوت زجاج الباب يزاح .. وصوته يقول :- البرد قارص أيتها المجنونة .. هل تنوين قتل نفسك ؟
ضغطت أصابعها على زجاج الكأس بقوة جعلتها تتحطم في يدها فأسرع نحوها ليمسك بمعصمها وهو يشتم ويحاول إبعاد الشظايا عن يدها الدامية ثم يخرج منديلا من جيبه ليحيط جرحها به وهو يقول :- متهورة كالعادة وبحاجة إلى وصي يلاحقك كظلك
عندما نظر إلى وجهها لاحظ انهيارها وارتعاش جسدها الشديد فهتف من بين أنفاسه :- رباه .. ما الذي حدث لك يا نانسي؟
عادت تبكي بنفس الحرقة فأسرع يخلع سترته ويضعها حول كتفيها المرتعشين وهو يقول بوجوم :- سأتحدث إلى السيد رفيق كي نرحل حالا دون ضجة أو لفت للأنظار .. انتظريني هنا لأحضر لك معطفك
عندما تركها فكرت بألم .. كيف يمكنه أن يكون بهذا البرود .. كيف يتظاهر بالقلق علي والحزن لبكائي في الوقت الذي يكن فيه المشاعر لامرأة أخرى ؟ .. المنافق الحقير
الغضب نجح في السيطرة على إحساسها بالحزن .. ومنحها القوة اللازمة لتمسح دموعها وتستعيد شيئا من هدوئها مع عودة محمود بمعطفها.. سرعان ما كانا قد خرجا من الفندق وانطلقا بعيدا في سيارة محمود .. انزوت فوق مقعدها والتصقت بالنافذة وهي تتأمل الشوارع المظلمة وهي تشعر بتعاسة لم تعرفها يوما .. تعاسة لا تشبه أبدا إحساسها بالألم والعار بعد وفاة والدها .. أو إحساسها بالحزن واليتم بعد وفاة والدتها .. أو بالوحدة عند رحيل لينا ..
لقد كان إحساسا قاتلا لم تعرفه من قبل .. لقد كانت الغيرة .. الغيرة على رجل اكتشفت لتوها بأنه لم يكن لها يوما ولن يكون .. هل يمكن لألمها هذا أن يزول يوما أو أن يخف
سألها محمود وهو ينظر إليها بشكل عابر:- هل أنت مستعدة الآن للكلام والتحدث عما تسبب ببكائك في الحفلة ؟ هل وجه إليك أحدهم كلاما مسيئا أو ذكرك بوالدك ؟
لم ترد بكلمة .. بل عادت دموعها تسيل بغزارة جعلته يقول بتوتر :- نانسي
قالت بألم :- أرجوك يا محمود .. لا أستطيع الكلام الآن .. لا أستطيع
أتبعت كلماتها بشهقة جعلت أصابعه تنقبض فوق المقود وكأنه يحاول كبت عاصفة هائجة تدور داخله .. فور وقوف السيارة أمام المنزل أسرعت تنزل منها وتسير مسرعة إلى الداخل .. دخلت إلى غرفتها فلحق بها إلى هناك عندما خلعت معطفها وقال بصرامة :- هلا تكلمت الآن وأخبرتني عما حدث
قالت من بين أسنانها :- لا .. لن أتحدث إليك .. بل أنا لا أريد أن أراك على الإطلاق
قال بحدة :- نانسي .. راقبي ما تقولين
أدارت ظهرها له وهي تقول بضحكة مرة :- ماذا ستفعل يا محمود ؟ هل ستضربني ؟ لو تعرف كم أتوق لأن تفعل
أمسك ذراعها وأدارها إليه فأبعدته وهي تصيح بانفعال :- لا تلمسني .. إياك أن تلمسني .. أنا أكرهك .. هل سمعتني جيدا ..أكرهك
اندفعت نحو الحمام وأقفلته ورائها ثم انهارت على الأرض باكية بعنف غير مبالية بسماعه لها .. كانت قد وصلت إلى حالة لم تعد معها قادرة على التماسك أكثر .. لقد عرفت اليوم وهي تراقب محمود المحاط بالنساء بأنها تعشقه بجنون .. وأنها لن تستطيع العيش بدونه
وعندما شاهدت بأم عينها نظراته إلى نسرين أحست وكأن روحها تسحب من بين أضلعها .. هل يعرف محمود إلى أي حد جرحها ؟ هل يعرف كم أهانها وأذلها وطعنها في الصميم ؟
لم تعرف كم طال بها الزمن وهي حبيسة الحمام .. إلا أنها وبعد أن استنزفت دموعها كلها .. وأحست بأنها قد تحولت إلى جسد بلا روح .. أدركت بأنها يجب أن تخرج عاجلا أم آجلا .. تخلصت من الفستان الثمين ولفت نفسها بروب الحمام .. استجمعت شجاعتها وعادت إلى الغرفة مجددا لتجد محمود ما يزال مرتديا ملابسه باستثناء سترته وربطة عنقه
كان واقفا أمام النافذة ينظر بشرود عبرها إلى عائلة عمه التي وصلت لتوها .. اعتدل فور أن رآها .. ونظر إليها بطريقة جعلتها تدرك بأنه قد سمعها تبكي في الحمام
نظر إلى وجهها الأحمر وعينيها المنتفختين .. وفمها المتوتر .. وقال :- يجب أن تتحدثي إلى في النهاية يا نانسي .. يجب أن تخبريني بما حدث .. إن كان هناك من سبب لك الألم في الحفلة
قالت بجفاف :- وكأنك تهتم حقا بما يؤلمني .. لقد كدت تخدعني للحظة
توجهت إلى الخزانة لتخرج قميص نوم ترتديه ففوجئت به يقف ورائها ويديرها إليه قائلا بحدة :- لقد طفح الكيل يا نانسي .. لن أقبل بأن تقللي من احترامي .. كما لن أقبل بأن أرى زوجتي منهارة في مكان عام دون أن أعرف السبب .. أنت ستخبرينني حالا بما حدث
قاومت يديه قائلة بعنف :- أبعد يدك عني .. أنا أكرهك .. هل سمعت ..أكرهك ولا أحتمل لمستك .. أنت تقرفني وتثير اشمئزازي
برقت عيناه بغضب وهو يقول :- هل تقرفك حقا ؟ لم لا أختبر هذا بنفسي ؟
دفعها لتسقط فوق السرير وأمسك يديها قبل أن تضربه بهما .. وجثم فوقها يكتم فمها الصارخ بفمه .. قاومته بشراسة وكأنها قطة برية .. وكل جزء منها كان يصرخ رافضا له .. ابعد وجهه عنها ينظر إلى وجهها اللاهث .. إلى عينيها اللامعتين ووجنتيها المحمرتين من حرارة عراكهما .. نظر إلى شفتيها المتورمتين من فعل قبلاته .. ثم إلى الجزء المفتوح من روبها والذي كشف عن بعض جسدها .. وبلمح البصر كان غضبه قد انحسر بعيدا .. وحلت محله الرغبة العمياء وهو ينظر إلى وجهها مجددا ويقول هامسا :- لا تحاربيني يا نانسي .. أريدك .. أريد قلبك وجسدك .. أريدك راضية وسعيدة بين ذراعي ولو لمرة
همساته الحارة جعلت الدماء تفور في عروقها .. جعلت الجانب الضعيف فيها والمغرم به يتحرق شوقا لمنحه ما يريد .. تاقت إليه .. وإلى حنانه .. وإلى حبه الخالص .. وكأنه رأى بوادر الاستسلام في عينيها عاد يقبلها مجددا برقة وعاطفة جعلتها تذوب وترفع يديها لتمسك بكتفيه بقوة في تجاوب معه .. لقد كانت على وشك الاستسلام التام له ولحبه لو لم تسمع ذلك الصوت يشمت بها قائلا :- وهل أنت متأكدة بأنك أنت من يمارس الحب معها في هذه اللحظة ؟
كان هذا كافيا لها كي تستعيد صوابها .. وتتذكر بالضبط ما يجب ان تكرهه لأجله ..دفعته عنها بكل مل تملك من قوة وإرادة وهي تهتف بعنف :- اتركني أذهب أيها المنافق الكريه .. أنا أكرهك .. ولن أسمح لك بلمسي أبدا بإرادتي الحرة
زمجر غاضبا من تمردها المتأخر .. وقال بغضب :- فليكن بدونها إذن ..
أمسك طرفي روبها وأزاحهما عن بعضهما فوجدت نفسها تصيح بجنون :- ما الأمر يا محمود ؟ هل أثارتك نسرين الليلة إلى حد ما عدت معه بقادر على كبت رغباتك
أجفل محمود وهو ينظر إلى وجهها العنيف فقال متوترا :- ما الذي تقولينه ؟
لم تتردد أكثر وقد طفح بها الكيل .. صرخت به بانفعال :- هل كان إغرائها لك كبيرا لدرجة تدفعك لاغتصاب الزوجة المتاحة لك وقتما أحببت يا محمود ؟ .. هل وصل تأثيرها بك إلى هذا الحد ؟..
تراجع عنها منزعجا وهو يقول :- ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ؟
جلست وقد سالت دموعها مجددا وهي تقول :- إياك أن تنكر .. لقد رأيتك تنظر إليها في الحفل .. لقد كنت تلتهمها بعينيك .. لم يغفل أحد عن الطريقة التي كنت تضاجعها فيها بنظراتك
مرر يده عبر شعره الكثيف وقد تلون وجهه وهو يقول بانزعاج :- أنت تتوهمين يا نانسي
وقفت تواجهه وهي تقول بوحشية :- انظر إلي يا محمود ..وإياك أن تكذب علي .. هل تنكر بأنكما كنتما تتغازلان علنا في ذلك الحفل ..هل تنكر بأنك كدت تأكلها بعينيك على بعد أمتار من زوجتك ؟ هل تنكر بأنك كنت تحدق بها برغبة جامحة دون اعتبار لما يقوله الناس عنك
ابتعد محمود عنها تماما وقد بدا عليه التوتر .. نظر إلى وجهها الثائر وأدرك بأن أعصابها على المحك .. ولكنه لم يستطع إلا أن يغمغم :- نسرين امرأة جميلة جدا يا نانسي .. وما أنا إلا رجل
اتسعت عيناها وقد ذهلت للحظات من اعترافه .. ثم بدون أن تفكر اندفعت نحوه تضربه بقبضتيها بعنف وهي تصرخ به باكية :- أيها الحقير المنافق الكريه .. ألم تفكر بي ..ألم تفكر بكلام الناس وسخريتهم بي .. أنا أكرهك ولن أسامحك أبدا على ما فعلته
أمسك بيديها ليوقفها عن ضربه وهو يقول :- اسمعيني يا نانسي .. دعيني أشرح لك
أفلتت يديها من قبضتيه وسدت أذنيها رافضة الاستماع إليه وهي تبكي مصدرة أصواتا كي لا تصلها كلمة مما يقول رافضة أي عذر منه .. فما كان منه إلا أن أبعد يديها مجددا وهو يقول بغضب :- لن تكبري أبدا يا نانسي .. لنرى إلى أين سيأخذك كبريائك
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
  #20  
قديم 02-05-2017, 05:09 PM
 
الفصل الحادي والعشرون


عطشي إليك



قضت نانسي يومها في الجامعة شاردة تماما وغير واعية لضجيج زملائها من حولها خرجت من المحاضرة برفقة ماهر وندى دون أن تفهم حرفا مما قال المحاضر .. سألها ماهر :- هل ترافقيننا إلى الكافتيريا ..سنتناول غداءا خفيفا
تمتمت بكآبة :- لست جائعة .. أظنني سأعود إلى البيت فأنا أشعر بالتعب .. أراكم قريبا
اتصلت بمأمون الذي كان يقف بالسيارة أمام البوابة خلال دقائق.. ركبت بصمت وهي تفكر بعمق وحزن كما كانت تفعل منذ ليلة الحفل المشؤومة .. لقد مرت أيام على تلك الليلة .. ومازالت نانسي ترى تلك النظرة كل ليلة في كوابيسها .. تصحو باكية ومبللة في العرق .. وتنظر إلى محمود النائم إلى جوارها غير شاعر بما تحس به من ألم
لم يعد يتكلم إليها مطلقا منذ رفضها الاستماع إليه وإلى دفاعه عن نفسه .. هي أيضا بالكاد كانت تخرج من غرفتها أو تأكل أو حتى تتحدث إلى أحد .. لقد كانت غارقة في أفكارها وكآبتها .. وتحليلها المضني لما حدث .. لقد فكرت مليا .. وأدركت بأنها لا تحتاج إلى سماع دفاع محمود كي تعرفه وحدها .. فهو متزوج بها منذ أشهر عديدة .. وهي تبعده عنها بشراسة امرأة عجوز سليطة اللسان .. لقد سبق وحذرتها حنان بأن الرجل إن لم يحظى بما يحتاج إليه في بيته فهو سيبحث عنه خارجا .. وها هو محمود يبحث دون أن ينوي هذا حقا عن متعته لدى نساء أخريات .. لا تستطيع لوم محمود على شرود نظره لأنها المسؤولة الأولى عما حدث .. هي من أبعد محمود عنها .. هي من تنفره منها بدلا من السعي لكسب حبه .. لو كانت تستحق محمود حقا لما منحته أبدا سببا ليشتهي امرأة أخرى
قالت فجأة لمأمون :- لنعد أدراجنا إلى المدينة يا مأمون .. سنمر على السوق قليلا
ذلك المساء وقفت نانسي أمام المرآة الكبيرة في غرفتها .. ونظرت إلى انعكاس صورتها في المرآة بتوتر وتأملت نفسها بغلالة النوم الشفافة التي ابتاعتها من أحد أرقى متاجر المدينة .. ترى .. هل تجرؤ على اتخاذ تلك الخطوة ؟ هل تجرؤ على الظهور أمام محمود بهذه الهيئة والتقرب إليه ومحاولة إغواءه ؟
كان القميص الرقيق أسود اللون .. بحمالات رفيعة حمراء بالكاد ثبتت القماش الشفاف إلى جسدها .. أشرطة حمراء كانت تحد من اتساع فتحة الصدر الكبيرة التي حددت معالم أنوثتها بوضوح .. بالكاد كان طول القماش يغطي فخذيها فأظهر جمال ساقيها الطويلتين الرشيقتين الذهبيتي اللون ..
كانت قد تركت شعرها الناعم منسدلا خلف ظهرها بحرية .. واقتصرت على وضع القليل من الزينة خشية تشويه جمالها الطبيعي أو حتى إظهار تلهفها إليه ..بدت رائعة لعينيها وهي تتفحص نفسها بانتقاد عبر المرآة .. أي رجل يجب أن يفقد تماسكه ومقاومته عندما يراها .. ولكن .. هل تجرؤ على السماح لمحمود برؤيتها هكذا ؟
كانت قد قررت بعد تفكير طويل بأن تحارب لكسب حب زوجها ومنع مثيلات نسرين وريم من سرقته منها .. والخطوة الأولى كانت بمنحه ما يحتاج إليه منها قبل أن يسعى إليه خارجا
تصميمها على القتال بدأ يضعف وهي تفكر كالمحمومة بمحمود يلمسها .. أحست بوجهها يتورد وبتوترها يتصاعد وهي تنظر إلى نفسها مرة أخرى متسائلة إن كان سيتقبل مبادرتها بعد كل ما حصل بينهما .. وإن كان سيرفضها انتقاما لنفسه من كل مرة رفضته فيها .. كم ستشعر بنفسها رخيصة وسخيفة بمظهرها هذا
أسرعت تلف نفسها بروبها وتحكم إغلاق الحزام حول خصرها .. لا .. لن تستقبل محمود بذلك المظهر .. لن تحتمل رؤية الرفض والازدراء في عينيه .. فهي حتى الآن لا تعرف كيف ستتمكن من الإفصاح له برغبتها في مصالحته .. بخبرتها الضعيفة في إغواء الرجال .. كيف ستصارح محمود بما تريد
الساعة لم تتم التاسعة بعد .. ومحمود لم يعد .. فقد اعتاد ألا يعود حتى وقت متأخر من الليل تكون فيه نائمة .. وكأنه يتحاشى الاحتكاك بها بأي طريقة
ولكنها ستنتظره .. حتى لو تطلب الأمر منها البقاء مستيقظة حتى الصباح .. تكومت فوق الأريكة محاولة كبح توترها .. وسرعان ما غرقت خلال انتظارها في النوم دون أن تدري .. ولم تستيقظ إلا عندما سمعت صوت الباب يفتح .. فتحت عينيها بنعاس لتجد محمود يدخل إلى الغرفة حاملا بين يديه سترته وقد بدا عليه الإرهاق الشديد .. أجفل لرؤيتها تعتدل فوق الأريكة فقال بوجوم :- لماذا ما زلت مستيقظة ؟
مررت يدها عبر شعرها محاولة ترتيبه .. ورمشت بعينيها لتطرد النعاس غاضبة من نفسها لاستسلامها للنوم .. راقبته وهو يغلق الباب خلفه قائلة بارتباك :- لم أستطع أن أنام ففكرت في انتظارك
قال ساخرا وهو يسحب ربطة عنقه من مكانها :- هل أصابك الملل وقررت الشجار معي مجددا على سبيل التسلية .. آسف يا عزيزتي .. لا مزاج لي اليوم لتبادل الاهانات
قالت بتوتر :- لا أرغب في الشجار معك
جلس على طرف السرير وهو يخلع حذائه فلاحظت الظلال المحيطة بعينيه فقالت بقلق :- تبدو مرهقا هذا المساء
قال بتهكم :- بالله عليك لا تتظاهري بالاهتمام .. فأنا أكره النفاق
أحست بغصة بسبب ما سببته من نفور في نفسه منها .. لقد صدق حقا بأنها لا تهتم لأمره ولا تعبأ به .. كيف ستقنعه بأنه كان دائما مخطئا
عيثت أصابعها بعقدة روبها وهي تغمغم :- طبعا أهتم .. فأنت زوجي في النهاية صحيح ؟
خلع قميصه فحبست أنفاسها لمرأى عضلات صدره القوية وذراعيه المفتولتين .. وراته وهو يفتح الخزانة بحثا عن منامته فقالت باضطراب :- هل أنت جائع ؟ هل أعد لك ما تأكله ؟
صفق باب الخزانة فجأة واستدار نحوها قائلا بنفاذ صبر :- ما الأمر يا نانسي ؟ توقفي عن خلق المقدمات وأخبريني مباشرة بآخر ما سمعته عني .. وما سبب غضبك هذه المرة .. هيا .. كلي آذان صاغية .. فقط توقفي عن تمثيل دور الزوجة الحنون وتكلمي
تجمعت الدموع في عينيها وهي تحاول كبت ألمها الشديد .. لقد خسرت محمود .. أليس كذلك ؟ لقد فات الأوان على محاولتها إنقاذ زواجها وكسب حبه بعد كل ما فعلته بالرجل الذي تحب
همست بضعف :- لا شيء .. أنا آسفة .. أعدك بألا أزعجك مجددا
تحركت لتترك الغرفة قبل أن تسيل دموعها .. وإذ بعقدة الروب تحل تحت ضغط أصابعها .. وينزاح طرفي الروب ليكشف عن قميصها القصير والمثير .. نظرت نانسي إلى محمود بذعر لترى عينيه معلقتان بما ظهر تحت الروب وقد بدا عليه الذهول وعدم التصديق .. فهتفت مذعورة :- أنا عطشى .. سأذهب لأشرب شيئا
وقبل أن تصل إلى الباب كان محمود قد سبقها وأطبق يده على الباب مانعا إياها من فتحه .. رفعت عينيها إليه لتجد نارا ملتهبة تشتعل في عينيه العسليتين .. كان قريبا منها للغاية وقد تسارعت أنفاسه اللاهثة وهو ينظر إلى ما ظهر من الروب الذي أسرعت نانسي تغلقه بيدين مرتعشتين .. همس قريبا منها :- بل أنا العطشان دائما إليك يا نانسي
ارتجفت وهي تستند إلى الباب بظهرها وتتركه يحاصرها بذراعيه ويميل برأسه نحوها قائلا دون أن يصدق حقا ما يحصل :- أخبريني بأنني لا أحلم يا نانسي .. وأنك قد ارتديت هذا القميص لأجلي .. أخبريني بأنك قد أتيت حقا إلي بإرادتك الحرة
احمر وجهها وهي تخفض عينيها عنه وقد بدأ قلبها يخفق بقوة وكل ذرة من كيانها ترتجف خوفا وترقبا .. أمسك بذقنها ورفعها نحوه لينظر إلى وجنتيها المتوردتين وإلى عينيها المتضرعتين فارتجف جسده الضخم وهو يقول بصوت أجش :- أخيرا يا نانسي .. أخيرا يا حبيبتي .. لو تعلمين كم انتظرت هذه اللحظة .. وكم صبرت لأراك أمامي تنظرين إلي بهذه الطريقة .. تجاهرين برغبتك بي المماثلة لرغبتي بك
همست بضعف :- أنا .. أنا خائفة يا محمود
أمسك بها وقربها منه برفق .. وأزاح شعرها الكثيف عن وجهها وهو يهمس بحنان :- لا داعي للخوف يا عزيزتي .. سأهتم أنا بك .. سأرعاك وأحبك كما تستحقين بالضبط
دغدغت كلماته الحنون كيانها وجعلتها تزيد اقترابا منه تلقائيا .. بيدين مرتعشتين أزاح الروب عن كتفيها وتركه يسقط على الأرض .. حبس أنفاسه وهو ينظر إلى جسدها الجميل الذي تلألأت بشرته الناعمة تحت أنوار الغرفة الخافتة ..
رفع وجهها إليه واقترب منها قائلا بصوت أثقلته العاطفة :- أنت لي يا نانسي .. أنت لي وحدي
أحنى رأسه .. وتناول شفتيها بقبلة جائعة ومتلهفة .. بينما جذبتها يداه إلى صدره بقوة وأحاطتها ذراعيه بإحكام .. أحاطت عنقه بذراعيها وسالت دموع العاطفة من عينيها وهي تهمس في قلبها .. أنا لك .. كلي لك ..ولن أكون لغيرك أبدا

استيقظت نانسي صباحا لتجد نفسها وحيدة على السرير الواسع .. وكانت ممتنة لهذا كي تجد الفرصة لتحلل مشاعرها .. ما الذي ستحلله بالضبط .. لقد حصلت على ما أرادته تماما
ابتسمت برضا وهي تتمطى بسعادة .. ليلة الأمس منحها محمود ليلة لا تنسى من العاطفة الجياشة .. لا يمكن ألا يكن لها المشاعر بعد ما حصل بينهما .. تلك الكلمات الجميلة والهمسات الناعمة لن تصدر إلا عن رجل عاشق للمرأة التي يحب
قفزت من السرير إلى الحمام .. وخرجت من الغرفة بعد ساعة وهي تكاد تقفز في خطواتها من السعادة .. رأتها ريم في الممر وقد كانت نانسي تتحاشى لقائها في الأيام السابقة أتقاءا لشرها بعد ما حصل في الحفلة .. أما الآن فهي لا تبالي على الإطلاق .. محمود لها ولن تخشى أن تسلبه منها أنثى حاقدة كريم أو نسرين .. قالت ببشاشة :- صباح الخير يا ريم
عبست ريم غاضبة لسعادة نانسي الواضحة .. وقالت ببرود :- تبدين سعيدة
قالت نانسي بدلال :- ولم لا أكون سعيدة يا عزيزتي .. ألست امرأة عاشقة
قالت ريم بغيظ :- .. هل نسيت فورا ما حصل ليلة الحفلة ؟ لم أدرك كم أنت ساذجة إلا الآن
قالت نانسي متظاهرة بالبراءة :- وما الذي حصل ليلة الحفلة ؟
اقتربت من ريم قائلة بابتسامة قاسية على فمها وهي تقول :- أعرف بأن الفتيات اليائسات مثلك ومثل نسرين قد تتبعن الأساليب الرخيصة للفت نظر محمود إليهن يا ريم .. إلا أنه في النهاية زوجي أنا .. وقد اختارني أنا من بين العوانس المنتظرات في الدور بحثا عن عريس يحملهن فوق كاهله .. وأنصحك وغيرك بالبحث بعيدا عن زوجي وإلا فإنني لن أتردد في القتال لأجله بكل جهدي
تركت ريم واقفة تتميز غضبا .. ونزلت الدرج بخفة لترى حنان المذهولة من البريق المميز المطل من عينيها .. والتورد الذي كسا وجنتيها .. قالت بحيرة :- صباح الخير يا نانسي .. تبدين سعيدة على عكس حالك في الأيام السابقة
منحتها نانسي ابتسامة مشرقة وهي تقول :- ولم لا أكون سعيدة .. إنه نهار جميل .. وأنا جائعة وأتوق غلى فطور ضخم
اقتربت نجوى قائلة :- سيدة نانسي .. هناك مفاجأة لك في غرفة الجلوس ..
اسرعت نانسي تتبعها حنان إلى غرفة الجلوس لتفاجأ بالفعل بباقات الازهار الرائعة الجمال والمتعددة الالوان التي توزعت في الغرفة .. عشرات الباقات ذات النوع النادر التي ملأت الغرفة برائحتها الزكية وجعلت قلب نانسي يخفق بقوة ووجنتيها تتوردان سعادة ..تناولت البطاقة المرسلة مع الأزهار وقرأت التوقيع الانيق المألوف عليها وخط محمود يقول باختصار ( إلى امرأة حياتي .. شكرا للسعادة التي تغمرينني بها )
اغرورقت عيناها بالدموع تأثرا بلفتته الرومانسية .. وتساءلت بحزن .. أي حمقاء كانت لتبعد عنها رجلا رائعا كمحمود ؟ أكل ما كان عليها فعله منذ البداية هو الاستسلام لمشاعرها فقط كي تحظى بكل هذه السعادة ؟
قالت حنان من خلفها بخبث :- أظنني عرفت سبب سعادتك الاستثنائية ..
استدارت نانسي نحو حنان قائلة بحزم مصطنع :- وما الذي تفعلينه هنا ؟ عودي إلى عملك
ضحكت حنان وهي تقول :- امرك سيدتي المخيفة
دخلت السيدة منار لتعرف سبب الضجيج .. فعطست على الفور تأثرا برائحة الأزهار ثم قالت بانزعاج :- ما كل هذه الازهار ؟
قالت نانسي بهدوء :- لقد أرسلها لي محمود يا عمتي
ظهر الغيظ في عيني المرأة الاكبر سنا والتي قالت :- سأكون ممتنة لك إن أبعدتها عن الطريق .. او ربما احتفظت بها في غرفتك .. فانا لدي حساسية اتجاه رائحة الازهار
قالت نانسي بحزم :- انا آسفة يا عمتي .. الأزهار ستبقى كما هي .. ستضطرين لاستعمال غرفة اخرى خلال وجودها
شحب وجه العمة امام وقاحة نانسي التي حملت اصغر الباقات وصعدت بها إلى غرفتها حيث كان هاتفها يرن منذ فترة طويلة .. ابتسمت عندما خمنت هوية المتصل .. وأجابت لتسمع صوته يقول :- صباح الخير يا عروسي الحسناء
تمتمت بخجل :- صباح الخير
:- لماذا لم تجيبي على اتصالي فورا
:- لقد كنت أنظر إلى الأزهار التي أرسلتها .. شكرا لك .. لم تكن مضطرا لفعل هذا
قال بحنان :- بل أنا مضطر لفعل ماهو اكثر لأعبر عن سعادتي بزوجتي الغالية
احمر وجهها فقال بصوت جعل انفاسها تتلاحق :- هل تتوردين مجددا ؟ .. ظننت الخجل بيننا قد انتهى بعد ليلة الأمس
:- آآآآ .. مممم.. أنا
أطلق محمود ضحكة عالية أمام تلعثمها وارتباكها ثم قال بصوت شغوف :- لقد اشتقت لك
قالت بخجل :- وأنا أيضا .. متى ستعود إلى البيت
:- مع موعد العشاء فلدي محاضرات مهمة .. وعمل في الشركة .. مما يذكرني بشيء ..ما الذي تفعلينه في البيت أيتها الكسولة .. لماذا لست في الجامعة ؟
قالت بجرأة :- لقد فكرت بأنني لم أحظ بشهر عسل مناسب .. فمنحت نفسي اليوم إجازة على أمل ألا يشعر أستاذي اليوم بغيابي
:- ألن يشعر بغيابك ؟ سيلقي المحاضرة أخيرا بذهن واضح بدون أن يشوش وجودك تركيزه كالعادة
قالت بدلال :- لن يفتقدني على الإطلاق إذن
صمت للحظات قبل أن يقول بعمق :- سيثبت لك لاحقا إلى أي حد يفتقدك خلال بعده عنك
صمتت عاجزة عن الرد على وعيده الحار فقال برقة :- هل ستنتظرينني الليلة ؟
همست :- أنت تعرف بأنني سأفعل
:- وستكونين عاقلة وتتوقفين عن إثارة جنون عمتي وريم في غيابي ؟
ضحكت بانطلاق وقالت :- لا أعدك .. ولكنني سأحاول
:- ممم .. أظنك تستحقين عقابا شديدا على قلة أدبك
عندما انتهت المكالمة كانت دموع نانسي قد سالت أنهارا من فرط سعادتها .. ضمت الهاتف إلى صدرها وهي تهمس بيأس :- لو تعرف إلى أي حد أحبك
عندما عاد في المساء وجدها في المكتبة تبحث عن كتاب ما .. عندما التفتت إليه فاجأها بقبلة حارة تملصت منها ضاحكة وهي تقول :- محمود .. نحن لسنا وحيدين
نظر إلى ابنة عمه التي كانت ممددة على الأريكة تتصفح مجلة والغضب الأعمى يطل من عينيها فقال باسما :- سامحيني يا ريم .. لم أستطع مقاومة جمال زوجتي
أقفلت مجلتها قائلة ببرود :- بالإذن
خرجت من الغرفة فنظر إلى نانسي قائلا :- لقد اشتقت إليك
قالت متهكمة :- لقد عرف سكان البيت جميعا بهذا
ضمها إليه قائلا وهو ينظر إلى وجهها :- هل تتذمرين ؟
:- لا .. يبدو الوضع غريبا علي قليلا فحسب
داعب وجنتها الناعمة قائلا :- لن يكون كذلك بعد الآن .. أنت زوجتي .. ومن الطبيعي أن أظهر لك مشاعري دائما .. وأنت أيضا ستظهرين للجميع كم تحبينني وكم اشتقت إلي
رفعت وجهها إليه وهي تقول بوقاحة :- أنا لم أقل بأنني قد اشتقت إليك
نظر إلى فمها قائلا :- لا .. لأنك ستخبرينني بالفعل لا بالقول
أحنى رأسه ليقبلها في اللحظة التي ارتفعت طرقات الباب ودخلت نجوى قائلة بحرج :- العشاء جاهز يا سيدي .. والكل في الانتظار
اسودت عينا محمود وهو ينظر إلى الباب حيث توارت نجوى المحرجة .. فضحكت نانسي وهي تبعده عنها قائلة :- من الأفضل أن نوافي العائلة إلى غرفة الطعام قبل أن يرسلوا شخصا آخر للبحث عنا
زمجر قائلة :- تستطيعين النجاة بنفسك الآن .. ولكن ليس طويلا
خلال العشاء لاحظ الجميع تغير العلاقة بين كل من محمود ونانسي .. لم يغفل أحد عن النظرات التي كانا يتبادلانها .. أو الطريقة التي كان يطعمها فيها بيده كأي زوج مغرم .. بينما تمنحه هي ابتساماتها الواعدة
كسا الوجوم أفراد العائلة المحيطين بهما باستثناء فراس الذي بدا غافلا عما حوله وهو يتناول طعامه دون أن يتوقف عن الكلام عن آخر إنجازاته في معهده ..بعد العشاء أصرت نانسي على الجلوس مع العائلة في الصالة ( لعجز العمة عن دخول غرفة الجلوس بسبب الأزهار التي امتلأت بها ).. ولاحظت بدقة نظرات محمود التي كانت ترسل لها الرسائل المتتالية دون أن تعيره اهتماما وقد استلذت بهجة أن يطاردها رجل كمحمود ويسعى لكسب ودها وهو ما لم تعرفه من قبل
اعتذر محمود من الجميع متعللا برغبته في النوم باكرا .. ثم نظر إلى نانسي بطريقة ذات معنى قبل أن يسبقها .. فابتسمت متجاهلة إياها وهي تفكر .. هل يظن بأنها ستركض لتلبية رغباته فور أن يشير إليها ؟ يجب أن يتعلم أن يحترم رغباتها وإرادتها هو الآخر .. بعد ساعة كاملة .. أدركت نانسي بأنها كانت أكثر شوقا إلى زوجها مما ظنت .. فتسللت إلى الأعلى .. ودخلت إلى الغرفة لتفاجئ بالظلام الدامس المخيم عليها .. عقدت حاجبيها بقلق .. هل يعقل أن يكون قد نام ؟
ما إن أغلقت الباب ورائها حتى التفت ذراع قوية حول خصرها ورفعتها عن الأرض وكأنها لا تزن شيئا مما جعلها تصرخ بذعر انقلب إلى ضحك مجنون وهي تصيح :- ما الذي تفعله ؟
زمجر وهو يضمها إليه بقسوة قائلا :- أعاقبك أيتها الماكرة الصغيرة ذات العينين الخضراوين .. لماذا لم تلحقي بي على الفور ؟
قالت له وهي ترتعش لملمس شفتيه على عنقها ووجنتها :- لأنني لست جاريتك كما لست سيدي لأهب نحوك فور إشارتك إلي ..
كانت تحاول أن تصبغ الصرامة على لهجتها إلا أنها لم تنجح وقد بدأت يداه بحل أزرار قميصها .. إذ بدأت على الفور تضعف أمام حبها له وشعورها نحوه .. حملها بين ذراعيه إلى السرير العريض ووضعها فوقه منضما إليها .. ونظر إلى وجهها عبر الظلام الشديد حيث تمكنت من سماع صوت أنفاسه واضحا .. وتمكن هو من الإحساس بخفقات قلبها تدوي بقوة كالطبل .. قال بصوت جعل كل خلية في جسدها ترتعش شوقا .. :- بل أنا سيدك يا عزيزتي .. وسأثبت لك الآن وحالا كيف تعاقب المرأة حين تخالف أوامر سيدها
لم تعترض نانسي أبدا على عقابه لها .. في الواقع .. لقد كان ألذ عقاب عرفته في حياتها كلها .. حياتها التي لم يكن لها أي معنى قبل أن يدخلها محمود

__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بودنج الشوكلاتة مقادير بودنج الشوكلاتة2013 حلى بودنج الشوكلاتة2013 هبه العمر أطباق شهية 0 04-04-2012 10:48 PM
تورتة بودنج الشكولاتة entsaar أطباق شهية 4 04-18-2007 04:35 PM


الساعة الآن 04:55 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011