عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات الأنيمي المكتملة

Like Tree632Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 9 تصويتات, المعدل 4.56. انواع عرض الموضوع
  #301  
قديم 08-26-2016, 01:24 PM
 
ايوة... جلطة قوية بعد
Mygrace and ۿـﺎلـﮧَ- like this.
رد مع اقتباس
  #302  
قديم 08-26-2016, 01:34 PM
 
هههه
لازم نهرب قبل ما تجي :heee:
__________________

رد مع اقتباس
  #303  
قديم 08-27-2016, 03:27 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اميرة ماساكي مشاهدة المشاركة
السلام عليكم عزيزتي
واااااااو البارتات حمـــــاس و مشوق
و رااااائع
أعجبني الجزء عندما كاد آلويس يتراجع عن قتل
مورفان لكن سماع صوت خاله إدمون و عائلته حقاً رائع
و بالتأكيد لن ننسى شكل مورفان المضحك و نزع قناع
السخرية و المكر عندما اختاره آلويس على إنقاذ لونا
ههههههه موقف لا يحسد عليه
و المفاجئة الكبرى ان جيمس العدو اللدود الذي يمقت
آلويس اشد القمت هو رونالد لالالا لا رونالد المفجر
هذا كثير يا عزيزتي من اين تأتين بهذه "المفاجئات "
انا متأكدة أني قبل إكمال الرواية سأصاب بسكتة قلبية
ههههههه لكن انتظري قليلا هذا يعني ان رون كان يعمل
مع مورفان و مع ويليام ههه تناقض
و الأشد صدمة من بين كل هذا ان : سامويل مورفان
انتـــــــــــــحـــــــر وااااااو
شكرا جزيلا على البارت و أتمنى لك تمام الصحة
و العافية بسبب " الصداع" و بالنسبة بالنشر فإذا كان
تمديد المدة يريحك فلن نعترض على ذلك أبدا
و أظن ان الرواية قاربت على الانتهاء أليس كذلك؟؟؟
للأسف لن استطيع قراءة رواياتك و إبداعاتك 😢😢
لقد قرأت رواية "ناري" على الواتباد مثلما نصحتني
و قد أعجبتني لذا ارجوا منك ان تكمليها بعد نهاية
المدارس بالتأكيد ههههه
وشكرا جزيلااااااا ثانية
في أمان الله 💐


و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته يا هلا و مرحبا

ياااااه لقد أبهجتني جدا جدا حب5 أشكرك من كل قلبي حب4 لا شيء يسعدني أكثر من أن أجدكم مستمتعين بالرواية (:6

ههههههههههه نعم انقلب السحر على الساحر :3

اسمه جاستن و ليس جيمس عزيزتي (جيمس شخصية أخرى ثانوية) (:5

ههههههههههههه لا سلامتك إن شاء الله :33: المفاجآت تجري في عروقي ماذا عساي أفعل ؟! :3

تقصدين أنه كان عميلا مزدوجا ؟! لا لم يكن كذلك ، هو كان يعمل -مكرها- مع وليام كل الوقت حتى كسر الأخير نظاراته عن غير قصد فأصبح بذلك متحررا من شخصية رون و يستطيع التصرف -تقريبا- على طبيعته ، و هو لم ينضم إلى مورفان إلا حينذاك !

ههههههههه نعم لقد خلصكم هذا الشرير من نفسه أخيرا :3

تسلمييييييي حبيبتي أسأل الله لك المثل و أكثر

هذا صحيح الرواية دخلت آخر فصولها و لم يتبق إلا القليل..

بخصوص ناري .. لا أدري حقا .. لا أعرف إذا ما كنت سأكملها أم لا .. لن أعطيك وعدا قد لا أفي به ، فتوقفي كانت له أسباب عدة ذكرتها في صفحتي على الواتباد ، لكني ما أزال أفكر في الرواية و أنقب عن رغبة قوية في مواصلتها و حالما يتم لي ذلك لن أتأخر في إخبارك


كل شكري و امتناني و محبتي لك





اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة haq! مشاهدة المشاركة

مرحباً خيتا


كيفك؟


يا هلا و غلا
الحمد لله تمام (:5

أول شي، ألف سلامة عليكِ
والحمد لله إنه صحتك رجعت منيحة
لأنّه بتعرفي انتِ غالية وما بنفرّط فيكِ


تسلمـــــي حبيبتي حب5

ثاني شي،
طلعتِ من عمري يا بنتي،
يمكن أنا أكبر شوية بس مو كتير فرق :heee:


حقا ؟!! شيء رائع *-* من النادر أن أجد قراء في مثل عمري .. تعبت و أنا أحس نفسي عجوزة هههههههههههه

اممم نيجي لموضوعنا..


الفصل 55 (نصل ثانٍ)


أوّل شي انتِ بتعرفي تختاري عناوين الفصول باحتراف
يعني مو حيّا الله شي
وأنا أولي العنوان لفصولك أهميّة
لأنّه له دور كبير في التشويق


أتشرف حقا بهذا الإطراء الطيف عزيزتي شكرا لك (:6 أنا أهتم بعناوين الفصول فعلا ، رغم أن معظمها قد لا تكون مثيرة لأني أحاول قدر المستطاع أن لا يكون فيها حرق أو أي مؤشر واضح له

وذكائي المحدود ما أسعفني إنّي أعرف إنه شكل المعيّن هو الماسة
أبهرتيني فيها ^^
وطبعاً مورفان، كل تصرفاته بتعكس كم هو واطي
ياخي النّذالة مصبوبة صب بدمّه


المسألة هنا لا تتعلق بالذكاء بقدر للانتباه للتفاصيل ، لم يكتشف أي من القراء الأمر ، لأن الجميع تقريبا لم يهتموا لاسم القصر و ربما لم يتذكروه إلا حين وصول الكونت إليه.

ههههههههههههه أجدتِ وصفه حقا :33:

المهم..


طريقة وصفك للماسة الرمادية بعد الدّمار اللي حل فيها كانت حلوة


أنت الأحلى

وأتباعه ما أزكاهم
وراه متل الصيصان هههه
بس والله معهم حق.. هاد ما لازم ينترك وحده
أولاً لأنّه ما فيه منّه تنين اللي نقول بتروح نسخة وبضلّ التانية
وثانيّاً لأنه هداك الواطي مو مضمون أبداً وممكن يئذيه بخديعته مو بشجاعته أو ذكائه.


هههههههههههههه مثل الصيصان طارت الهيبة يا آوتنبورغ

وخير ما عمل إنزو إنّه معطيه سماعة وساعة وهالشغلات
بتساعد بالأزمة :heee:


و لهذا إنزو موجود cool1

أمّا بالنّسبة للأصوات التي كان مورفان يتخيلها
فبالتّأكيد ستفعل
يعني كل هالأرواح ساخطة عليه وغضبانة منّه ومن شروره
(حتى الجدران لو استطاعت نطقاً للعنته)
لأنّه عملته مو عملة
أخ بس
ويا عيني الوحيد اللي عاش عشان يتعذّب هو آلويس
يا ضنايا


هههههههههههههههه احم .. آسفة .. بس ضحكتني "يا ضنايا" حسيت كأنه ولد صغير :7ayaty:

وعجبتني فكرة ليليان اللي ضلت محافظة على ابتسامتها لإبنها
بنقاء رغم التعكير اللي مسببه مورفان بالأجواء
أحسنت بهاي النقطة عزيزتي


شكرا (:5

حسناً..
اللي ضل من الفصل هو كلام مورفان المستفز
وغضب آلويس عليه


هممم بالنسبة لمورفان فغنتِ صورتِ الشخصيّة الشريرة بدقّة
وحبيت هذا الوصف جدّاً.. كنت بحس إنّه كل حركاته مألوفة
وقادرة أتخيلها.. وكنت مستمتِعة بردود أفعاله


أما آلويس برضه كنتِ مصورة ردود أفعاله بطريقة ممتازة


يسعدني ذلك جدا جدا (:6

لكن..!


أنا لمته لسرعة غضبه وتأثّره بكلام مورفان
يعني يا عيني انتا جايي وعارف إنه رح يسم بدنك بالكلام ورح يحكي إشيا
مالها داعي
والأكيد إنّه ما كان راح ياخدك بالأحضان


يعني من المفترض يكون متحسّب لأي كلام بده يقوله مورفان
ويحافظ على هدوءه طوال المحادثة
متل ما تعوّدنا عليه

لكنّه عصّب بزيادة وصار عم يصيح و...

هو صحيح كلام مورفان مستفز.. بس هاد هو المتوقّع يعني!


بالنسبة لهذه النقطة فهذا هو التصرف الطبيعي من الكونت في ذلك الموقف . صحيح أنه ذكي ، رزين و هادئ الأعصاب ، لكن هذا لا يعني أنه لا يغضب أبدا أو لا يمر به وقت يفقد التحكم فيه بعواطفه . البارد يشعر أيضا ، و القوي يأتيه وقت يضعف فيه ، و القاسي قد يرق ، دوام الحال من المحال كما يقال.
كما أن مورفان يختلف عن جميع الخصوم الذين واجههم ، إنه والده ، يفهمه و يعرف عنه كل شيء ، بما في ذلك الطريق إلى مخاوفه و نقاط ضعفه ، هي لم تكن معركة بين زعيمين أكثر من مواجهة بين أب و ابنه !


الفصل 56 (مُحاصر باليأس)


جاستين!
الوضع كان ناقصه


أنا من لمّا قالوا الولد اختفى قلت هيرجع ومعاه مصيبة
أخ
الله يعينه آلويس!


ههههههههه فعلا :3

بس ما فهمت كأنّه أو قصدي أكيد فيه سر!
كعادتك عزيزتي قنابلك مدوّية


شكرا 😁

يعني الكونت رح يطمّن عليه وهيك..
ما بعرف شو صار مع جاستين بعد ما طلع من المدرسة
لهيك ما عندي توقّع للموضوع
يلا الله يخفف أضراره..
عندي إحساس إنّه ما هيشكّل خطر كبير
أو ما هيشكل خطر من مرّة
إن شاء الله :heee:


هههههههههه إن شاء الله :3




يا عين سيّدك انتا

جاي بوقتك

جاي بلحظة الكونت فكّر نفسه وحيد

والجملة هاي نشلته من حفرة الظلام اللي وقع فيها

ظلام نفسه وظلام أكتر من اللي عنده


الصديق وقت الضيق 😉

ومع كل التعقيد بموقف آلويس
تساءلت شو ممكن يكون الشّي اللي رح يعطيه القوّة
ويطلعه من الغضب ويرجّع له هدوء أعصابه!


حسناً، ما رح يكون فيه أفضل من "آيون"
لهاي المهمّة
فإن كانت أطيافهم السّاخطة تلعن مورفان
(رغم أنّها لم تكن كذلك والدليل ليليان،
أو ممكن لأنه كان آلويس موجود فما قدرت تبين إلّا كل الحب)
فإن أطيافهم الرّاضية ستحنو على آلويس..


خخخخ شي فصحى وشي عامّي
يلّا في شي ما بعبّر عنه إلّا الفصحى :heee:
وأنا بيعنيني التعبير أكتر من طريقة الكلام أو الصياغة!


هههههههههه نعم خليط ، لكن من النوع الرائع أحسنت *-*

.........

الفصل 57 (وليد الدّمار)



مأزكاك

عامل متل الأب لآلويس
لكن آلويس ما برد ع أبوه x.x1


هههههههههههههههه

هههههههههههه
لا وأحلى شي لمّن كانوا مورفان وجاستين يتقاتلو
ههههه
متل الأولاد الصغار
حسيت الكونت هيموت ضحك عليهم ومرّة يطلع ع هاد ومرّة ع حاد كأنه بحضر مسرحيّة
ههههه
"يا لك من غبي ! هو خصمك و ليس أنا !"


ههههههه.. مش حافظ منيح.. شكله مش دارس الخطّة هههه


يلّا من حظّك يا الكونت


ههههههههههههههههههههه يا ربي سأموت من الضحك 😂😂

....


همممممم

رونالد كاتر!!

من هذا؟


إنه المفجر ، ذلك القاتل المتسلسل الذي يعمل مع وليام و قام بتدريب ويندي !

وما قدرت أعرف مين الشخص اللي كلم جاستين بالمستشفى

يعني ممكن يكون أي حد ترا ما حدا ممكن يتنبّأ باللي براسك :heee:


أظنك ستعرفينه بسرعة ، فهو شخصية متفردة :3

شكلك هتصيري تنشري فصلين كل يومين؟!
هنضل ملحوقين يعني هههه
والواحد ما هيقدر يقرأ ويهرب هههه


نعم لكي أنهيها بسرعة (:5
هههههههههههههههههه يب لم يعد هناك مفر :3

ايييه..
كالعادة استمتعت.. واستمتعت جدّاً


من دواعي سروووووووووري (:6 (:6 حب4

لا تحرمينا من إبداعك
وإزا كان قلقك من عدم نشر شي جديد هو موضوع المتابعة للرواية
فلا تقلقي أنا احسبيني عشر متابعين ههه
القصد إنه الرواية اللي لسّا مو مكملتيها
كمليها
حاولي
وما تخلي حد يثبط من عزيمتك
أنا بآمن فيكِ وبذكائك


فثاااابري


في أمان الله





شكرا جزيلا على كل هذا التحفيز و الدعم السخي من قبلك عزيزتي الرائعة
و بالنسبة لناري (الرواية التي أوقفتها) فلم يكن سبب إيقافها يتعلق لا بالتفاعل و لا نضب الأفكار و لا أي شيء من الأعذار المعتادة .. كان عندي دافع مختلف ذكرته بالتفصيل في الواتباد حيث نشرت الرواية..


أشكرك مجددا و مجددا و أرجو لك وقتا مليئا بالمتعة مع فصلي اليوم (:5





رد مع اقتباس
  #304  
قديم 08-27-2016, 03:33 PM
 



الفصل الثامن و الخمسون
*صناعة الوحش*





وجد مدينته على الحال التي تركها فيها ، كبيرة ، مزدحمة ، تعج بالبشر من مختلف الأصول و الألوان ، تعلو سماءها الأبراج الشاهقة ، و تتجاور في ضواحيها الأبنية القديمة المتهالكة بالحديثة النظيفة زاهية اللون.
كانت المشاعر التي يحملها لهذا المكان في قلبه لا تتعدى الاشمئزاز و النفور ، و لم يحب مطلقا العودة إليه . إنه يذكره بكل ما يكره .. ماضيه ، و أصله ، و عقدة النقص المتأصلة في ذاته.

على خلاف ما توقع لم ينزلوا في أحد الفنادق الراقية ، بل في شقة عتيقة بشعة تطل من الجنوب على موقع للبناء لا ينقطع ضجيجه طيلة النهار ، و من الشمال على زقاق ضيق ما إن يرخي الليل سدوله حتى يعج بالمشردين و السكارى.

استهجن بشدة هذا البخل الفظيع من رجل فاحش الثراء كفرديناند و عندما استفسر منه عن السبب رد مبتسما :

"لقد اشتريتها من أجلك أنت !"


من أجله ؟! هكذا إذن .. هذا يفسر عدم اكتراثه برثاثة الشقة و رداءة موقعها ، فهي لن تكون مسكنا لرجل بمثل مكانته الرفيعة ، بل لطفل عديم القيمة لا يملك من الدنيا شيئا . كتم غيظه بصعوبة و بجهد مضن قمع رغبته الجامحة في ضربه . إنه لا يكره شيئا في الوجود بقدر أن يهان كبرياؤه.


و بينما يجلس إلى المائدة يقلب غداءه بلا شهية و يحرص على تجنب النظر إلى فرديناند كيلا يعود إليه غضبه بادر بالقول :

"متى سيكون موعد العملية ؟!"

"هذا ما سيحدده الجراح . لقد حجزت لك موعدا في الثالثة مساء من يوم غد !"

"حسنا.."

ثم دفع كرسيه للخلف و ترك مائدة الطعام متجها إلى الشرفة بوجه لا يكاد يحمل أي تعبير.

لاحقه فرديناند بقوله :

"أنت لم تأكل شيئا !"

و رد جاستن ببرود دون لحظة توقف أو التفاتة :

"لست جائعا.."

و حالما وطئت قدماه أرض الشرفة هبت نسمات عذبة تخللت برودتها خصلات شعره الأشقر ، و أنعشت حيوية جسمه و نشاطه الفاتر ، و ظل الهواء العليل يلاطفه كما لو أنه يبغي مواساته و فك العقدة العنيدة بين حاجبيه.

كان جاستن على وشك القبول بهذا الصلح المؤقت لولا أن سبب تكدره و انزعاجه قد عاد ، فعاد مزاجه يعتل مرة أخرى.

وقف فرديناند و يداه متشابكتان خلف ظهره إلى جوار جاستن الذي انزاح جانبا بضع خطوات و أرسل نظراته الساخطة بعيدا عن الآخر إلى البناء الضخم غير المكتمل الذي ينتصب أمامه بثبات.


"هل تعرف من صاحب هذا المشروع ؟!"

رد جاستن ببرود و عدم اكتراث :

"لا.. "

"إنه لرجل أعمال كبير يدعى باتريك مور . لقد دخل مجال التجارة قبل عدة سنوات و أحرز العديد من النجاحات . يملك مصنعا للأنسجة و ثمان مجمعات تجارية في نيويورك وحدها !"

ظل بصر جاستن معلقا بملل على الرافعة الضخمة التي تتحرك يمينا و يسارا ، ترتفع و تهبط ، حاملة أكوام من الرمال أو الاسمنت أو مجموعة من السندانات الحديدية.


"لكن أتدري ؟! إنه ليس المالك الشرعي لهذه الثروة !"

التفت جاستن نحو محدثه ببطء دون أن تخف علامات الضجر و اللامبالاة على وجهه.

"حقا ؟!"

"نعم ! وريثها المستحق ليس مور ... بل أنت !"


كان يتحدث بحماس و ثقة بالغين ، لكن جاستن ما كان ليصدق لحظة واحدة كذبة غير معقولة كهذه لا تنطلي حتى على الأطفال الصغار . رفع حاجبيه متصنعا الدهشة بأسلوب لا يضاهى في سخريته و قال ببرود شديد :

"حقا ؟! هذا مثير .. "


فما كان من الآخر غير أن ضحك و قال :

"من الطبيعي ألا تصدق . انتظرني لحظة.. "

و عاد للداخل في حين التفت جاستن أمامه و تابع بغير استمتاع مراقبة عملية البناء المملة.

و إثر دقائق من الصمت أتاه هتاف فرديناند :

"تعال إلى هنا يا جاستن !"


أطلق المعني زفرة انزعاج و جر ساقيه عائدا إلى غرفة المعيشة الصغيرة .
كان فرديناند مسترخ على الاريكة الرثة يحمل بيده كتابا ما ، و حالما وقعت عيناه على جاستن أشار له بالجلوس قربه.

امتثل الأخير لطلبه على مضض ، و نقر الأول بأصابعه على مغلف الكتاب السميك و هو يقول :

"هذا هو الدليل !"

ثم مد يده بالكتاب لجاستن الذي عقد حاجبيه في مزيج من الشك و الاستياء و تردد بضع لحظات قبل أن يأخذه في الأخير.

قلبه بين يديه بتململ و قلة اهتمام . لم يكن في الواقع كتابا بل دفتر مذكرات نقش على طرفه السفلي اسم "هيلين سكوت"

و عاد فرديناند يقول فجأة :

"ماذا تعرف عن والديك يا جاستن ؟!"


التفت المعني نحو سائله و قد خانته عواطفه و استرجعت نظراته عدائيتها و سحنته غلظتها المعتادة . حدق في وجه رفيقه الهادئ بمزيج عنيف من الغضب و الكره و التمرد و في لحظة مرت سنين حياته السابقة أمام ناظريه.

قبل التحاقه بالنجوم المضيئة كان يعيش في إحدى دور الأيتام في ضواحي نيويورك الفقيرة . وجد نفسه هناك منذ أن فتح عينيه على الدنيا . لم يعرف أبا و لا أما و لا أي قريب ، و لم يملك من الدنيا شيئا سوى الاسم الذي أطلقته عليه مديرة الميتم.
الشيء الوحيد الذي عرفه عن أمه - و كان عن طريق استراق السمع لحديث جرى بين المديرة و المربية - هو أنها تخلت عنه و رمته عند باب الميتم في إحدى ليال ديسمبر المثلجة.

و لم يستدع الأمر الكثير من التفكير ليدرك أنه كان ابنا لا مرغوب فيه وفد إلى الدنيا بطريقة غير شرعية ، فاقتضت الضرورة و مخافة العار التخلص منه بسرية.
لم يكن الوحيد بين أقرانه على هذه الحال ، لكن ذلك لم يشكل له أي عزاء ، على العكس كانت كثرة وجود حالات مشابهة تزيده غضبا و احتقارا تجاه مجتمعه ، و شيئا فشيئاً فاضت الكراهية - و التي هي كل ما يكنه لأمه و أبيه من مشاعر - لتغمر كل من حوله و ما يحيط به.

ذلك الفتى الذي لم يحبه أحد و لم يرغب بوجوده حتى أبواه كبر لا يحب غير نفسه و لا يرى في الكون سواها و لا يشغله شيء بقدر إثبات تميزه و تفوقه عمن دونه من البشر.

و عندما انتقل لمدرسته الجديدة في ستراسبورغ اضطرمت عدوانيته و تعاظمت أنانيته و رغبته المتغطرسة في أن يجعل من نفسه نجما عظيما ساطعا يتوهج وحيدا بلا منازع في سماء المجد حتى أصبح لا يرى في زملائه غير خصوم يجب سحقهم .. خاصة آلويس . ذاك المغرور نقيض جاستن الذي ولد بين أحضان عائلة محبة تفخر به و تحيطه بكل الحنان ، و رغم أنه فقد تلك الأسرة في حادث مفجع إلا أن ذلك - من وجهة نظر جاستن - لا يقلل من وفرة حظه ، فهو على الأقل يعرف عن يقين أن أسرته تحبه و ظلت تحبه إلى آخر لحظة.



زوى ما بين عينيه و رد بحدة زائدة :

"سبق و أجبتك !"

بهدوء لم يتعكر انحنى فرديناند للأمام و شبك أصابعه ببعضها و شبه ابتسامة تعلو شفتيه.

"أنت تظن أنك طفل غير شرعي تخلى عنه والداه .. أليس كذلك ؟!"

لم يصدر جاستن ردا و اكتفى بتصويب محدثه بنظراته اللاسعة.


"إذن فدعني أخبرك أنك مخطئ .. أنت طفل شرعي تماما ! لكنك من جهة أخرى مصيب بشأن تنكر والديك لك !"

انفكت عقدة حاجبيه بعض الشيء جراء دفقة من الذهول الجامح احتلت قسمات وجهه في أقل من لحظة.

"ما الذي.. تتحدث عنه ؟!"

أطلق المعني تنهيدة خفيفة و استرخى على ظهر الاريكة متابعا حديثه بهدوء :

"افتح الدفتر و انظر لثالث صفحة !"

تلكأ جاستن لبرهة و بدت عليه سمات الشك ، لكنه انصاع في الأخير و قلب صفحتين اكتظت سطورهما بكلام كثير لم يسعفه الوقت لتمييزه ، ثم توقف عند للصفحة المطلوبة.
لم يكن في الصفحة الثالثة أي كتابة و إنما صورة يشغلها رجل مهيب الطلعة ، حازم النظرات ، عابس الوجه ، قد ناهز الخمسين من عمره - حسبما استنتج جاستن من تجاعيد وجهه - بيد أن شعره الكثيف المسرح بأناقة و صرامة في آن معا لم يفارق لونه الذهبي الفاقع.

و لم تواته الحاجة لسؤال فرديناند عن هوية صاحب الصورة إذ كان اسمه مكتوبا بخط يدوي جميل تحت الصورة بسطرين :
"آرثر سكوت .. والدي الحبيب !"


"آرثر سكوت ؟!" قال جاستن بلهجة مفعمة بالاستغراب و التفت إلى رفيقه متسائلا : "من يكون هذا ؟! و ما علاقته بي ؟!"


ألقى المعني ابتسامة صغيرة و رفع ساقه فوق الأخرى قبل أن يجيب :

"جدك !"

"جدي ؟!"

تمتم جاستن بلهجة مشبعة بالشك و عاد يتطلع إلى الرجل في الصورة بتركيز أكبر . هناك بعض التشابه بالفعل بينه و بين جاستن .. لون الشعر ، و العينان الزرقاوان داكنتي اللون ثاقبتي النظر ، و الوجه العبوس الصارم .. لكن أيا من تلك الأوصاف لم تكن من القوة و الوضوح بحيث تثبت صلة الدم من عدمها.


و فيما جاستن يحملق في صورة جده المزعوم فرد فرديناند ذراعيه فوق ظهر الأريكة و شرع يتحدث بهدوء و روية :

"آرثر سكوت كان رجلاً جلفا ، صارما ، حاد الطباع و غير محبوب من أحد تقريبا ، لكنه في الآن ذاته داهية لا يقهر في عالم المال . رغم أنه ولد لأسرة فقيرة إلا أن الفقر لم يعكر صفو حياته طويلا ، فقد استغل ما وهب من عبقرية في التجارة و أسس مشروعا خاصا به ، كان محلا صغيرا يدر عليه دخلا ضئيلا في البداية ، لكنه ما لبث أن أخذ يكبر و يتوسع بفضل حنكة سكوت و حسن تدبيره ، ثم ما فتئت المشاريع تتبع الأخرى و الثروة تزداد و الأموال تتكاثر حتى بلغ ما بلغ من غنى و ثراء !"


سكت برهة و أخذ يرقب عن كثب رد فعل جاستن ، لكن الأخير لم يقدم على أي تصرف أو كلام و اكتفى بإمعان النظر في وجه جده المتجهم و إسقاط ما زعم فرديناند له من صفات على محياه ، و قد أدهشه كمال التوافق بينهما.


"كان جدك قاسيا بخيلا على الجميع باستثناء أمك . ابنته الوحيدة هيلين !"

و تحرك بصر جاستن المشدوه ببطء نحو دفتر المذكرات بين يديه ، و توقف عند اسم صاحبتها المنقوش بلون الذهب.

"و لما كانت هي آخر من تبقى من أهله ، فقد أغدق عليها حبه و رعايته و دلاله ، و لم يكن من الغريب أن يوصي لها بكل ثروته عند مماته ، و لم يكن من الغريب أيضا أن يتهافت الطامعون عليها من كل صوب بغية إصابة شيء من أموالها الطائلة ، لكن أيا منهم أثناء حياة جدك لم يستطع بلوغ مراده و عاد أدراجه خائبا ، فقد كان له من الفراسة بحيث يميز دون عناء يذكر الكاذب من الصادق ، و المحتال من النزيه ، و الغادر من الوفي . و كثيرا ما عنف هيلين على سذاجتها ، و سهولة انخداعها ، و سرعة تصديقها لما تسمع ، لكن تحذيراته المتكررة لها لم تكن بالفائدة المرجوة ، فهيلين مجبولة بفطرتها على الطيبة البلهاء و صفاء النية الأخرق . و بعد وفاة والدها بأقل من سنتين تزوجت من أسوأ خاطب تقدم لها و أشد النصابين خبثا و خداعا .. باتريك مور ! والدك !"

بدا الانشداه مطبقا على جاستن .. ضاقت عيناه ، و تقارب حاجباه حتى كادا يلتحمان ، و تبدد صوته في حلقه.

"و لشبه انعدام خبرتها في شؤون التجارة أوكلت إلى زوجها الإشراف على أعمالها و إدارة ثروتها على النحو الذي يراه مناسبا ، و اكتفت هي بالتوقيع على ما يطلب من أوراق و ملفات دون مطالعة فحواها حتى . كانت تعطيه ثقة عمياء صماء ، و كان هذا أغبى ما أقدمت عليه في حياتها ، فهو لم يكن بالحب الذي توهمت ، و لا بالنزاهة التي توقعت ، و لم يتورع عن اغتنام أي فرصة تواتيه لسلب ثروتها و الاستحواذ على ممتلكاتها.
و لم تدرك هيلين المؤامرة التي يحيكها ضدها إلا بعد فوات الأوان . حدث ذلك أول حملها بك ، حين جاء إليها خادم أبيها المخلص - الذي حذرها مرارا من خبث مور و خيانته و حاول ثنيها عن الزواج به دون فائدة - و أبلغها بمخطط مور للاستيلاء على أموالها ، و كما تفعل في كل مرة لم تصدقه ، و عنفته أقسى تعنيف ، فما كان منه إلا أن يطلب منها أن تحاول - على سبيل التجربة فقط - بيع المركز التجاري وسط المدينة و الذي من المفترض أن يكون ملكا لها ، و نتيجة لإلحاحه الشديد وافقت على مضض و اتصلت بمحاميها .. ثم وقعت الصدمة على رأسها كالصاعقة . لم تخسر ذاك المركز فقط بل كل ممتلكاتها . نقلت ملكيتها برضاها و موافقتها الكاملة إلى زوجها و لم يتبق في حوزتها أي شيء !
أسرعت إلى مور و صارحته بما اكتشفت آملة أن يكون مجرد خطأ غير مقصود ، لكن رد فعله البارد و نظرته المتعالية نحوها أحالا كابوسها واقعا لا يقبل الشك . أخذت تبكي ، و تذكره بعهده لها و الحب الذي يجمع بينهما ، و تستفسر عن الأسباب التي دفعته لخيانة ثقتها ، و حين أطالت الصراخ و العويل و ضاق صبره بها أمر الخدم - الذين عينهم بنفسه - بطردها خارج القصر الذي دخل بدوره حيز أملاكه ، و كمحاولة أخيرة ذكرته بك ، و حاولت إثارة عاطفته نحوها عن طريقك أنت .. ابنهما ، لكنه لم يتأثر بمحاولاتها و قال أنه سيتنازل عن حقه الأبوي و يعطيها إياك و أنها يجب أن تكون ممتنة لأجل ذلك .. ثم رماها خارجا .
فجأة وجدت نفسها في العراء .. لا تملك من المال بنسا واحدا و لا تحمل من المتاع سوى الملابس التي تسترها . كانت لتقضي ليلتها في الشارع مع المشردين لولا أن خادمها العجوز استضافها في منزله ، و بما أنه خسر وظيفته ، فقد اضطر للعمل في أحد المطاعم و كذلك أمك ، فهو لم يملك من الدخل ما يمكنه من إعالتها و الإنفاق عليها فترة طويلة.
انقلبت حياتها جحيما لا يطاق ، و تبدلت طباعها كليا ، تحولت الفتاة الباسمة الثرية المدللة لامرأة كئيبة فقيرة ترمق كل من حولها بالحقد ، و لا يكاد يمر يوم دون أن تحاول قتل نفسها .. أو قتلك ! لكن خادمها لم يزل يقف لها بالمرصاد و يحول بينها و بين كل محاولاتها لإيقاع الأذى بنفسها أو بك .. حتى حانت ولادتك . و في اليوم الذي دخلت فيه الدنيا رحلت أمك عنها حزينة مكروبة !"



و أتبع آخر كلماته بالتفاتة نحو جاستن .. كان هذا يحدجه بنظرة شديدة الحدة و لم يتريث قبل أن يصيح غاضبا :

"هل تظنني سأصدق مثل هذا الهراء ؟! أبي محتال قذر و أمي طفلة خرقاء ؟!"

و كاد يرمي الرجل بالمذكرات في منتصف جبهته لولا أن الأخير التقطها بيده الرشيقة في اللحظة المناسبة و أضاف فيما يلقيها على الاريكة بهدوء :

"هذه المذكرات أمامك فتأكد بنفسك ! أظن تملك من الذكاء ما يؤهلك لكشف الكذب حال وجوده ، أليس كذلك ؟!"

"هذا أكيد و لهذا أنا أعرف جيدا أنك برمتك شكلك و اسمك و حتى منزلتك مجرد كذبة سخيفة ! فكيف يمكنني تصديق شخص وجوده بحد ذاته كذبة ؟!"


لم يظهر على فرديناند شيء من الغضب أو الانزعاج و إنما تبسم ابتسامة أقرب للضحكة و قال :

"قد أكون كذبة كما تقول ، لكن كل ما أخبرتك به حقيقي !"


بحركة عنيفة نهض جاستن و تطلع إلى الآخر و كل خلية في جسمه ترتعش من فرط الغضب و الخوف في آن معا :

"لا أصدقك . لم و لن أصدق كلمة واحدة من كلامك التافه . أنا لا أملك أي ثروة ، و لا أنتمي لأي أسرة . ليس لدي أبوان ! لست أكثر من طفل غير شرعي رمي مخافة الفضيحة ! هذه هي الحقيقة !"


قبل دقائق فقط كان هذا الاحتمال هو الأسوأ بالنسبة له و مجرد التفكير به يجعله يثور و يفقد السيطرة على أعصابه ، لكنه الآن يتشبث به كما لو كان حبل نجاته الوحيد و أمل حياته الأخير ، فهو على الرغم من قسوته و بشاعته يبدو رحيما مبررا إذا ما قورن بالحكاية التي رواها فرديناند.

لم يعد يريد عائلة ، لم يعد يهمه الأصل و النسب ، لم تعد تغريه الألقاب البراقة التي تمنحها الثروة و المكانة الاجتماعية الرفيعة . لم يعد يرغب في شيء غير أن يعود لما كان عليه قبل لحظات .. طفل معدم مجهول الانتماء.


أراد أن يصيح بصوت أعلى و يواصل مجادلة فرديناند حتى يغلبه و يدحض إدعاءه الباطل ، لكنه لم يقو على الكلام أكثر ، فقد بح صوته و تورمت حنجرته لشدة ما صرخ.

فوقف يلتقط أنفاسه المتلاحقة و عيناه الزرقاوان تبدوان بتموضعهما أعلى وجهه المحمر أشبه ببحيرتين صغيرتين وسط بحر من الحمم البركانية.

و كان الهدوء و الرزانة الذين حافظ عليهما رفيقه أكثر ما ساعد على إخماد نار الفتى الثائر ، فقد أوحى سكوته عن شيء من السيطرة لهذا الأخير و إن لم يكن هذا الإيحاء حقيقيا.

ألقى نظرة سريعة على ساعته ، ثم عدل ياقة قميصه و تفحص ربطة عنقه بهدوء يثير العجب قبل أن ينتصب واقفا و يقول :

"أنت حر فيما تؤمن به ، سواء صدقتني أم لا هذا الأمر عائد إليك ، و يمكنك أن تبحث و تستكشف عن الحقيقة بنفسك إن كنت تجدني غير أهل للثقة !"

التقط حقيبة عمله و اتجه صوب الباب و هو يضيف : "ستقضي بقية الوقت وحدك ، فجدول أعمالي ممتلء اليوم ، لكني سأعود في الغد لاصطحابك إلى المشفى !"


و بات جاستن وحيدا بين جدران أربعة تردد صدى أفكاره الموجعة و تعيد على مسمع وجدانه سرد حكايته المأساوية بكل تفاصيلها القاسية.

تهالك على الاريكة بعدما عجزت قدماه عن حمل أثقال هواجسه السوداء . شرد بصره في الفراغ ، و امتدت ذراعاه إلى جواره ، فإذا بأصابعه فجأة تلامس غلاف الدفتر المشؤوم ، و إذا به يشد يده إليه فزعا ناقما كما لو أن ألسنة نار لسعتها.


انعقد حاجباه و نظر شزرا إلى المذكرات الملقاة بجانبه و التي لدهشته كانت مفتوحة على إحدى الصور . شغلته لهفة الفضول عن غضبه لفترة ، و التقط الدفتر و تمعن في الصورة التي احتلت صفحة بأكملها تقريبا .. صورة زفاف والديه.

سرت رعشة خلال يديه و هو ينظر إلى وجهيهما الباسمين . لم يكن يشبه أيا منهما ، لا والدته ذات الشعر البندقي الاملس ، و العينين البنيتين ، و تعبير العنزة الخنوع -كما سماه جاستن- السائد على سحنتها ، و لا والده بوجهه الطويل كوجه الحصان ، و لون شعره الشاحب ، و عينيه الخضراوين الصغيرتين.

إن كان ما ادعاه فرديناند عن انتمائه لهذه الأسرة صحيحا ، فإن كل ما ورثه من هيئته و خصال شخصيته جاء من جانب جده آرثر سكوت فقط.


أغلق الصفحة ثم فتح المذكرات على بدايتها .. يجب أن يعرف ، يطلع ، و يجمع كل ما يمكنه من معلومات إن أراد الوصول للحقيقة . سيتفحص و يتحقق من كل شيء قبل أن يقبل الإقرار به.

و أخذ يقرأ ما دونته هيلين - فهو لم يتحقق بعد من رواية فرديناند بشأن كونها أمه - عن أحداث و أشخاص و ظروف مرت بحياتها . عرف عن والدتها المريضة التي توفيت قبل بلوغها سن المراهقة ، و مدعيات الصداقة اللاتي التصقن بها لا لشيء سوى ثروتها ، و عدد الخطاب الذين تقدموا لها و رفضهم والدها بكلمة واحدة ، و كيف التقت أثناء دراستها الجامعية بباتريك مور و خدعت بحبه ، و كم كان هذا الرجل خبيثا بحيث ظل متواريا عن أعين أبيها و لم يتقدم لطلب يدها حتى بلغ الأخير نحبه.
و الأهم من كل ذلك عرف كم كانت هيلين نفسها غرة ، غضة المشاعر ، سريعة التأثر ، تحكم عاطفتها في جميع شؤونها و لا تستشير عقلها إلا أيام الامتحانات.


ظلت حياتها تسير على وتيرة حسنة - حسب وصفها هي - تزوجت من مور و كان حفل زفافهما من أضخم الحفلات التي مرت على نيويورك منذ سنوات . كانت ترى نفسها ذلك الوقت المرأة الأسعد في الكون‘

تبسم جاستن بسخرية مريرة ، و بعد قراءة عشرات من الصفحات المليئة بالثرثرة ، الفارغة من الفائدة .. وصل إلى اليوم الذي علمت فيه بقدومه ، و خفق قلبه رغم عنه و هو يستشعر حجم فرحتها عبر تعرجات خطها و أحرفها الكبيرة . كانت تخطط لإقامة حفل كبير احتفاء بهذه المناسبة ، لكنه حين قلب الصفحة التالية لم يجد شيئا . كذلك التي بعدها .. و بعدها .. و بعدها كلها فارغة . توقفت عن التدوين فجأة و كليا.

استغرب أول الأمر ، لكنه سرعان ما استوعب السبب . لا شك أن هذه هي الفترة التي تكشفت فيها على حقيقة مور.

تنهد و فيما يطبق الدفتر .. لمح بين آخر الصفحات خطوط سوداء .. ففتح المذكرات من نهايتها ، و وجد ثلاث صفحات لا تشبه سابقتها سوى بكثرة ما تداخل بين سطورها من كلام.

كانت تلخيصا لما حصل مع هيلين فترة انقطاعها عن الكتابة . تروي حكايتها الأليمة بقلم باك و خط مضطرب ، و كل حرف من حروفها يفشي وجعا مكتوما كما لو كان مخطوطا بحبر دموعها .


كان قلب جاستن ينقبض مع كل سطر يمر به ، و حالما أصبح محور الحديث يدور حوله .. غدا صدره أجوف فارغا لا قلب يبعث فيه الدفء و لا نبض يبدد وحشته .

"..أما هذا الطفل .. فلست أريده ! إنه ابن ذاك الحقير و أنا لا أحتمل وجود جزء منه في أحشائي . إنه لوثة ، بل سم . و لولا العجوز لامب لكنت تخلصت منه و من نفسي.
خير له أن يموت ! و إلا فليأخذ بثأره !
فليأخذ بثأره من أبيه الخائن و كل الأوغاد من أمثاله !"



كان يحس بكلماتها تصرخ في أذنيه كأنها استبقت فيها شيئا من روحها الحاقدة .. يسمع أنينها ، و يرى قطرات دموعها المتجمدة على رموش عينيها كما لو كانت ماثلة أمامه تخط عباراتها في هذه اللحظة.


"هذا لا يمكن .. " تمتم جاستن و عيناه مسمرتان على وصية هيلين "أن يكون حقيقة !"

و شدت قبضتاه المرتجفتاه على غلافي الدفتر.

"إنها ليست أمي .. و ذلك ليس أبي .. لا يوجد أي دليل يثبت انتمائي إليهما . أجل ! إنه فقط.. "

و تحركت عيناه في تلك اللحظة نحو التاريخ المدون فوق الصفحة الأخيرة .. التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول 1987
قبل ميلاده بيوم واحد !

لا .. هذا ليس دليلا . لكنه يشعر فعلا أن الكلام موجه إليه .. ذلك لأن فرديناند حشر هذه الفكرة في رأسه ، فلينظر إليه ! من يكون هذا الرجل حتى يصدق ما يقوله ؟!
لكنه لا يبدو كاذبا بهذا الشأن و لم يكذب من الأصل ؟! ما الفائدة التي قد يجنيها من تلفيق حكاية طويلة ، دقيقة التفاصيل ، متعددة الشخوص كهذه التي قصها على جاستن ؟!
كون القصة حقيقية لا يعني بالضرورة أن يكون جاستن الطفل المعني بها . لا يوجد في الحكاية أيما مؤشر يضيق دائرة الاختيار عليه دون باقي الأطفال مجهولي النسب.
لا يوجد أي دليل ! و لا حتى طرف خيط يقود إليه !


و عاد يتطلع - بصورة تلقائية - إلى المذكرات بين يديه . عندها جذبت انتباهه كلمة معينة كان تدفق عواطفه و صراع أفكاره قد شغلاه عن الالتفات إليها قبلا.

رفع عينيه و نظر أمامه بحزم .. ها هو الآن يعرف كيف سيتثبت من هذه الحكاية.











رد مع اقتباس
  #305  
قديم 08-27-2016, 03:36 PM
 



الفصل التاسع و الخمسون
*شيطان أم ضحية*





كان الوقت ضحى حيث الشمس بقرصها الدائري المتوهج نورا و حرارة تعلو كبد السماء الصافية عندما غادر جاستن شقته وحيدا و هبط إلى الشارع المزدحم للمرة الأولى بوجهه المكشوف الخالي من الضمادات.

لقد مضى أسبوعان على وصوله إلى نيويورك و خلال هذه المدة خضع للجراحة التجميلية الموعودة . كان من المخطط أن يتم إصلاح التشوهات فقط ، لكن بطلب لحوح من جاستن نفسه و موافقة من فرديناند قام الجراح بإجراء بعض التعديلات على ملامحه ، و التي على الرغم من اعتبارها سطحية ضئيلة إلا أنها تجعل من التعرف عليه مهمة غير يسيرة حتى بالنسبة لمن سبق لهم الالتقاء به.

و لأجل هذه النقطة الأخيرة بالذات جاء إصرار جاستن . أراد أن يمحو صورته القديمة ، و يدخل خضم الحياة هنا بوجه جديد و اسم مختلف .. كي يتسنى لهدفه المنشود حديث النشوء أن يتحقق.

مرت فترة طويلة منذ اطلع لأول مرة على مذكرات هيلين ، و رغم أنه لم يفتحها مجددا إلا أنها لم تبرح ذهنه يوما واحدا ، و لم تنفك عبارات المرأة الراحلة تتردد في عقله و تعكر سكون ذهنه صباحاً و مساء ، في النوم و اليقظة على حد سواء.

و كان عليه أن يتحمل أياما من الرقاد المضجر في تلك الغرفة الكئيبة المثيرة للأعصاب قبل أن يأذن له الطبيب أخيرا بمغادرة المشفى و إزالة كامل الضمادات عن وجهه.

لم يكن الشعور الذي انتابه و هو يطالع وجهه الجديد في المرآة حسنا بأي شكل . لم يستطع أن يبتسم ، و لا أن يرغم نفسه على حب هذا التغيير رغم بساطته النسبية . كان يشعر أن ذلك الوجه المنعكس على المرآة لا يعود إليه بل إلى شخص آخر ، و كأنما حلت روحه بجسد ثان لا يمت له بصلة.

لكنه أجبر نفسه على تقبله و القبول به و مع مرور الوقت و تكرار المشاهدة أخذت عيناه تألفان هذا الوجه ، و بدأ التفكير به يتضاءل و ينسحب من ذهنه تدريجيا حتى انقطع بشكل كلي ، و عاد تركيزه ينصب على مواصلة خطته التي تخمرت في رأسه قبل عهد قريب.


أخذ نفسا عميقا و حث خطاه بين أفواج البشر متفاديا قدر الإمكان الاحتكاك بهم أو تبادل النظر مع أي منهم إلى أن بلغ وجهته المتمثلة بمحطة المترو الأقرب إليه.

لم يكن المترو قد وصل بعد ، فقطع تذكرة و انتقى لنفسه مقعدا منفردا في الزاوية و جلس ينتظر.
و في تلك الأثناء أخذ يراجع في عقله ما جهز آنفا من كلام ، و يدقق النظر في ما اختار من أساليب و حجج قد تتيح له - إن سارت الخطة كما يجب - الوصول لمبتغاه.

و ما كاد يفرغ من ذلك حتى لمح أضواء المترو تنير النفق .. فنهض و في اللحظة التي تقدم إلى الرصيف كان الثعبان المعدني الضخم قد انسل برشاقة فوق السكة و توقف أمام الوافدين فاتحا أبوابه.


و لما كان الزحام شديدا و المقاعد مشغولة عن آخرها لم يجد الفتى بدا من قضاء رحلته واقفا متمسكا بإحدى القبضات المتدلية من السقف.
و حينما وصل أخيرا للمحطة المطلوبة و جر قدميه خارج المترو شعر بوخز مزعج في ساقيه ، و كيف لا بعد خمس عشرة دقيقة من الوقوف المتصلب غير المريح وسط ذاك الحشد اللعين.



كان يعرف هذه المنطقة أكثر من غيرها فقد ولد و ترعرع فيها ، و كان ليتجنب قدر استطاعته العودة إليها لو لم تدعه الضرورة لذلك ، فهي لم تكن يوما مكانا محببا إليه ، و ما قضاه من أوقات فيها لا يمكن وصفها بالسعيدة.

أخرج دفتر ملاحظاته و تأكد من العنوان المدون قبل أن يستقل سيارة أجرة و يتجه إلى المتنزه الوحيد في هذا الحي.

لقد سبق له أن زاره مرات و مرات في طفولته ، فقد كانت إدارة الميتم تنظم للأطفال نزهة أسبوعية كل يوم أحد ، و كان ذلك المتنزه غير الفريد محلها الدائم.

دس يديه في جيوبه و أخذ يسير متمهلا عبر الطرقات المعبدة غير عابئ بالمنظر الخلاب الذي يحيطه من الجانبين ، كان العشب نضرا نديا و الأشجار المثقلة بالثمار داكنة الخضرة ، و الأزهار بمختلف أنواعها و ألوانها تتفتح و تنتشر بسخاء فوق بساط الطبيعة المزدهرة.

لم يهمه شيء من ذلك ، كان كل انتباهه و اهتمامه منصبا على الوجوه و الأجساد المتحركة . يجيل طرفه بتركيز بينهم مرددا في ذهنه أوصاف هيلين : (عجوز أصلع ، محدودب الظهر بدرجة يسيرة ، ضعيف البصر لا يفارق نظارته المستديرة)

واصلت قدماه الخطو و عيناه التنقيب بلا كلل أو ملل ، لكن بحثه الدؤوب لم يسفر عن نتيجة .. العجوز لامب غير موجود.

ألقى بجسده المنهك فوق مقعد خشبي و أطلق زفرة ضيق . لقد مضت ثلاث عشرة سنة تقريبا على عادة ذلك الرجل بزيارة هذا المكان و ربما توقفت منذ زمن . مع أن جاستن قد رجح استمراره على ذاك الروتين ، فكبار السن في العادة يميلون إلى المحافظة على انتظام جداولهم اليومية ، فذلك يجعل حياتهم أكثر سهولة و راحة و هدوء.

ثم خطرت بباله فكرة مفاجئة : هل يعقل أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الخروج من منزله ؟! سقيما .. أو حتى ميتا ؟! لن يندهش إن كان الاحتمال الثاني صحيحا فهو..


ثم انقطع تدفق أفكاره عند هذا الحد إثر ضربة تلقاها على رأسه من الخلف . لم تكن ضربة موجعة ، فالكرة - التي قذفت نحوه عن طريق الخطأ - كانت مطاطية خفيفة إلى حد ما ، لكن هذا لا ينفي كونها مزعجة.

التفت نحو الأطفال بغضب و على الرغم من أنهم كانوا يعتذرون إلا أنه التقط الكرة و كاد يلقيها في سلة القمامة لولا أن شخصا خطفها من يده برفق.

"ليس هكذا يا جاستن !"


و هو يسمع اسمه ينطق انحصرت كل توقعاته على فرديناند ، فمن غيره سيتعرف عليه بعد الجراحة التجميلية ؟!
و قد فوجئ حتى الذهول حين أبصر ذلك الوجه العجوز الباسم و النظارة المستديرة اللامعة.

لم يستطع الكلام لبرهة و بقي يتطلع إلى العجوز مشدوها ، في حين تحرك الأخير و سلم الكرة لأصحابها الصغار قبل أن يعود أدراجه مرة أخرى.

حدق الفتى إليه عاقدا حاجبيه .. لقد سار الأمر على غير ما توقع و ذهبت كل خططه و تجهيزاته لهذا اللقاء هباء.

"كيف تعرفني ؟!"

أراح العجوز جسده الممتلئ فوق المقعد و اتسعت ابتسامته الدمثة و هو ينظر نحو جاستن و يقول مصححا :

"تعني كيف تعرفت عليك رغم هذا التحوير في ملامحك ؟!"

ضاقت عينا جاستن في مزيد من الشك و العجب بينما تابع الآخر :
"ذلك لم يكن صعبا في الحقيقة ، فإن طباعك -بخلاف شكلك- لم تتغير !"

"تتحدث كما لو كنت تعرفني جيدا .."

"حسنا أنا لا أدعي ذلك .. كل ما في الأمر أني اعتدت على مراقبتك عندما كنت تأتي إلى هنا في صغرك !"

"تراقبني ؟!"

فرفع العجوز عينيه الرقيقتين المحفوفتين بالتجاعيد و قال بثقة :

"نعم .. كان علي التأكد من أنك على ما يرام !"


لم يعد من مجال للشك .. ما رواه فرديناند كان حقيقة . إنه ابن هيلين سكوت و باتريك مور ، طفل ولد من حب زائف و طمع مقنع بالنزاهة ، و عوقب بالرفض و النكران على خطيئة لم يرتكبها.

على عكس المرة الأولى لم يشعر بأي حزن أو تحسر ، بل ارتخت عضلات وجهه في برود و لامبالاة ، فذلك الجزء في صدره الذي تتدفق منه أوجاعه لم يعد موجودا.
و لم تعد تلك المضغة الحمراء المسماة بالقلب أكثر من مضخة آلية تدفع الدماء إلى شرايينه . لقد اختفى الألم ، و الأسى ، و الخوف و انسلخ الإحساس عن روحه.


استدار بهدوء و جلس إلى جوار المسن قبل أن يقول ببرود :

"لم أتوقع أن تعترف بهذه السرعة !"

و ذلك لأنه حسب الصورة التي رسمها لشخصية لامب مستعينا بمذكرات أمه كان من المتوقع أن ينكر معرفته بجاستن و أصله كيلا يجرح مشاعره برواية الحقيقة المؤلمة و يحرضه على عداء أبيه.


أجاب لامب مبتسما : "لقد رأيتك من بعيد و أنت تتلفت حولك بحثا عن شخص ما ، و لسبب غير واضح -أو ربما كان مجرد حدس- لم يخطر ببالي أن يكون ضالتك أحد سواي . راودني إحساس قوي بأنك تعرفني و تدرك الصلة بيني و بينك و قد تأكدت من ذلك حين رأيت دهشتك لرؤيتي !"

تنهد بعمق و تضاءلت ابتسامته و تشربت شيء من الهم و الأسى.

"لكن كيف علمت بالحقيقة ؟!"

لم يرد جاستن.

"هل كان عن طريق مذكرات السيدة ؟!"

نظر المعني نحوه دون أن ينطق ، فهز العجوز رأسه و قال دون ابتسام :

"هكذا إذن .. لقد لاحظت اختفاءها قبل ثلاث أسابيع تقريبا و لم يخطر ببالي أن تكون سرقت ، فهي ليست ذات قيمة أو أهمية.. " ثم أدار وجهه نحو جاستن و أضاف و القلق يلتمع في عينيه : "لكن أيا يكن الشخص الذي أوصلها إليك ، فهو حتما لا يريد لك خيرا يا بني !"

ظل الفتى متمسكا بصمته دون أن يطال تعابيره أي تغيير ، و لم يرتح العجوز لرد فعله الغامض . كان هذا السكوت المريب من جانبه يثير في نفسه عدم الارتياح و الخوف.

فمد يده و أسقطها بلطف على كتف جاستن و قال بشيء من التوسل :

"اسمعني يا جاستن.. "

لكن المعني أزاح يده بحركة سريعة و انتصب واقفا و هو يقول :

"فلتسمعني أنت يا لامب ! لقد جئت لأطلب منك شيئا واحدا لا غير.. "

أنصت العجوز بقلق و تحلت ملامح جاستن بالقسوة و الصرامة و هو يضيف :

"لا تتحدث لأي أحد عني ، أنكر كل ما تعرفه بشأني ، امح وجودي من ذاكرتك و انسني إلى الأبد !"

"جاستن !"

"لست جاستن ! لا تدعني بهذا الاسم مجددا !"

"لكنه اسـ.. "

"ليس اسمي ! من تكون مديرة الميتم تلك حتى تنتقي لي أي اسم يعجبها ؟! لا حق لها و لا لأي شخص في تقرير شيء يتعلق بي !"

لم ينبس لامب عندها بحرف ، تنهد و أطرق إلى الأرض و قد غشيت وجهه سحابة قاتمة من الغم و التعاسة.

"أنا آسف .. حقا آسف .. "

"على ماذا تعتذر ؟! أنت لا شأن لك بما حدث و يحدث !"

فالتمعت العبرات غزيزة في عينيه الصغيرتين.

"لقد أردت .. تمنيت و سعيت بكل ما استطعت لتعيش حياة هانئة .. لكنني .. "

و حبس صوته كيلا تفيض دموعه المحتشدة على أطراف رموشه.

"أنا لم يقدر لي أن أحيا بسعادة لا في الماض و لا الحاضر و لا حتى المستقبل .."

قال ذلك بهدوء خال من الشعور و أدار ظهره ليرحل ، فوقف لامب و قد خانته دموع كثيرة و قال برجاء :

"سأنفذ ما أمرتني به ، لكن هل يمكنني أن أطلب شيئا في المقابل ؟!"

التفت المعني نحوه متسائلا فأردف :

"أرجوك .. لا تؤذ نفسك !"

فما كان من جاستن غير أن يحدق فيه بدهشة ، ما هذا الطلب العجيب ؟!

"بالطبع لن أفعل !"

"لم تفهمني . إني لا أقصد الأذى الجسدي ، بل المعنوي الذي يترتب على الأفعال السيئة !"


فتلاشى عندها الذهول من وجهه و استدار للأمام مواصلا مسيره فيما يردف ببرود :

"لن أفعل شيئا سيئا .. من وجهة نظري !"


و مع كل خطوة يخطوها في طريق عودته يوطد العزم أكثر على تنفيذ مخططاته التي لو قدر للامب الإطلاع عليها لوقع مغشيا عليه من هول فجاعتها.


****


كان ما وضعه من خطته الكبيرة أثناء فترة نقاهته ليس أكثر من خطوط عريضة ، لذلك و بعد تأكده من الحقيقة تحتم عليه تحديد أدق التفاصيل و تمحيصها و الإتيان بخطط بديلة في حال فشل الأولى.

و قد طلب من فرديناند بعض المواد الأولية اللازمة لصنع أسلحته و التي لا يسع طفلا بمثل سنه الحصول عليها بسهولة ، و كما توقع لم يعترض الرجل و لم يستفسر عن السبب حتى ، و لم يكتف بأن أحضر له ما أراد ، بل أعطاه رقم التاجر الذي سيجلب له المزيد حال طلبه.
ثم عاد إلى فرنسا بعدما وعد جاستن بأن يرسل له مصروفا كل شهر.


تمكن جاستن خلال يومين و نصف من تجهيز معداته و باشر الشروع في المرحلة المنتظرة من خطته .. قتل باتريك مور !

لم يكن ذلك بالعمل سهلا مطلقا حتى على القتلة المحترفين ، فذلك الرجل لا يفترق عن حراسه المدججين بالسلاح في أيما وقت.

إلا أن جاستن استطاع أن يتوصل عن طريق مذكرات هيلين إلى بعض المعلومات الهامة عن مور ، منها أنه رجل منظم ، دقيق المواعيد ، يميل إلى الالتزام بروتين معين في أيام العمل لا يكاد يخرج عنه ، و حتى في العطل تنحصر رحلاته في أماكن محددة.

سجل قائمة بهذه المواقع ، ثم بدأ بتفحصها واحدا واحدا ، و بعد عشرة أيام من الجولات المتعبة قام بشطب أكثر من نصف القائمة ، فيبدو أن مور -كما خشي أن يكون- ليس بذلك الولع بروتينه حتى يثبت عليه ثلاث عشرة سنة.

لكنه في المقابل وجد مواقع لم تخسر - رغم مرور الزمن - أثيريتها عند مور ، من بينها مطعم إيطالي فاخر رائع الاطلالة كان مور شغوفا بارتياده و دعوة شركائه من كبار رجال الأعمال إلى تناول العشاء فيه.


و قد رآه جاستن في ثان زيارة له لهذا المطعم من حيث لم يره هو ! كانت حياة الثراء و الرفاهية قد غيرت شكله فأصبح أكثر بدانة ، و قلبت هندامه فغدا أكثر أناقة و إشراقا.

و لحظة رؤيته له من تلك الطاولة البعيدة واتته رغبة جديدة مفاجئة . إنه يريد الحديث معه ! لا يمكنه أن يشرع في قتل شخص لم يسبق له أن التقاه ، ثم ما الذي يثبت صحة ما ذكرته هيلين في مذكراتها ؟! ربما لم تخبره بحملها و كذبت لتحرض ابنه على الانتقام منه ، و حتى لو كان ما قالته حقيقيا .. لا يستطيع أن يقتل أباه دون أن يحاول التكلم معه على الأقل.


إنه يتناول عشاءه مع مجموعة من أصدقائه الأثرياء و حراسه يقفون عند الباب البعيد .. هذه هي فرصته.

استجمع كل جرأته و قام من مقعده و حث خطاه نحو الطاولة الصاخبة التي أصابها الخرس حالما رآه الجالسون يقترب منهم .
أخذوا يرشقونه بنظراتهم المغرقة في الاحتقار ، لكنه لم يكترث لهم و تابع خطوه حتى توقف أمام والده.

نظر إليه الأخير بمزيج عجيب من الكبر و السخرية و الاستياء ، و قالت المرأة الشقراء بجواره قبل أن ينطق جاستن :

"من يكون هذا ؟!"

لم يلتفت لمدى الاستهزاء في نبرتها ، و لم ينظر نحوها من الأساس بل تحدث بثقة مخاطبا والده :

"أريد التكلم معك .. على انفراد !"

رفعت المرأة حاجبها و ألقت عليه نظرة فاحصة مشبعة بالاستخفاف ، و تهامس الباقون فيما بينهم ، و كتم بعضهم ضحكة ساخرة.
أما والده فرمقه بنظرة باردة طويلة قبل أن يستدير نحو رفاقه و يقول ببرود أشد :

"لا مال عندي أعطيك إياه .. "

"لست في حاجة لصدقاتك !"

هدر جاستن بقوة ، فما كان من الجالسين ألا أن تبادلوا نظرات دهشة مستنكرة.

و التفت باتريك مور بذات الوجه البارد و قال ببطء مركزا على كلماته :

"اسمع أيها الفتى إنني مشغول الآن ، و لا وقت لدي أضعيه معك ، فانصرف قبل أن أستدعي .. "

"لا داعي لاستدعاء أحد ، سأنصرف !"


قال جاستن بهدوء شديد و غادر المطعم.


لم يشعر بالغضب أو الانزعاج ، على العكس كان الرضا يغمره . كان الوحش القابع بأعماقه يبتسم بسرور للفكرة الدامية التي تجول بالحاح في ذهنه و تنزع عن فؤاده أي شعور بالضعف أو الهوان.

لقد أعطى مور فرصة للدفاع عن نفسه و قد أضاعها بمنتهى الحماقة و اللامبالاة .. هو وحده الخاسر.


آخذا في اعتباره المقابلة غير الحميمة بوالده المزعوم ، فقد أجرى تعديلا على خطته ، فبدلا من استهدافه و هو في المطعم سينتقل إلى ملعب الغولف حيث يمضي أولى ساعات النهار من يوم عطلته.

لم يكن عليه الولوج إلى أعماق الملعب ، فقد تسلل ليلة يوم الأحد و زرع القنبلة في موقف السيارات.

ثم تسلق في الصباح تلة عالية و أخذ يراقب السيارات الوافدة إلى الملعب . كان قد سجل رقم سيارة أبيه أثناء زيارته للمطعم ، فلم يصعب عليه تمييزها ، و عندما أبصرها تدخل الموقف المظلل .. ضغط زر التفجير !


****


كم كان مسرورا لأن يرى أخبار جريمته تحتل الصفحات الاولى للصحف المحلية ! مات أربعة من حراس مور و اثنين من أصدقائه و أصيب تسعة آخرون من بينهم مور بجراح كبيرة.
و بالطبع لم يسعد الفتى بذلك ، فضربته رغم قوتها لم تصب هدفها.


و لما كان من الحمق و التهور استهدافه مرة ثانية على التوالي -فذلك سيجعل مور يأخذ حذره و ربما سيكف عن مغادرة قصره - وجب أن يخلق هدفا آخر بغية التضليل على هدفه الحقيقي.

و قد وقع اختياره على المباني الفخمة العائدة ملكيتها إلى أؤلئك الأثرياء البغيضين من أمثال أبيه.


و دك الانفجار الثاني مكتب عقارات شهير ، و الثالث شركة تأمين ، و عند الرابع قرر إضافة شيء من الإثارة و المتعة للعبته ، فأرسل رسائل مشفرة للشرطة تنبؤهم - إن استطاعوا فك رموزها - بالأماكن التي يخطط لاستهدافها في الوقت المحدد ، لكن رجال الشرطة ما كانوا ليقدروا على فهم رسالته قبل موعد التفجير . ليس لأنهم أغبياء ، بل لأن أحجيات جاستن كانت شبه مستحيلة الحل و تحتاج عقلا عبقريا شيطانيا غير طبيعي التفكير لإدراك مضمونها . لم يكن هدفه من تلك الرسائل إعطاء الشرطة فرصة بقدر ما كان لأجل السخرية و الاستهزاء بهم.

و رغم أن رجال الأمن قاموا بتشديد الحراسة أمام المبان و داخلها إلا أن جاستن كان ينجح على الدوام بابتكار خطط مضادة تتيح له النفاذ من تحت أنوفهم و دس قنابله في المكان الذي يريده.

هو لم يكن طفلا عاديا ، و ذكاؤه لم يكن طبيعيا ، و قد ساعدته رغباته الشرير اللامحدودة بأي حواجز أخلاقية ، دينية ، أو إنسانية على تطوير ملكاته و قدراته الفذة و تسخيرها في سبيل أهدافه غير النبيلة.

كان مستمتعا كل المتعة بما يصنع ، و يجد كل الرضا في مشاهدة صنائع "المفجر" - و هو الاسم الذي أطلقته وسائل الإعلام عليه و وجده جاستن رائعا - تتصدر أخبار الصحف و القنوات الفضائية ، المحلية منها و الدولية على حد سواء.

و ظلت أهواؤه الشريرة تستبد به حتى صرفته عن هدفه الأصلي . لقد نسي والده و غابت عن عقله فكرة الانتقام . لم يعد يهتم بهوية الضحية أو ماضيها ، أصبح كل ما يهمه أن يفجر و يفجر و يفجر !

و بقي يلهث خلف ملذاته الوحشية و ينفق في سبيلها كل وقت و جهد و مال حتى كاد يبلغ الهلاك.

كان المرض قد ألم به إثر سيره في ليلة غزيرة المطر بغية شراء عدد من الأسلاك لقنبلته الجديدة ، و لما كان يعيش وحيدا و مصروفه الشهري قد نفذ تماما ، فقد ظل طريح الفراش ليومين دون لقمة طعام واحدة.

و حين وجد نفسه على شفير الموت .. لم يجد خيارا غير الاستسلام .. مؤقتا !

كان يعرف أنهم سيحاسبونه على أنه طفل ، و لن يرسلوه إلى السجن بل إلى مركز إصلاحي سيقضي فيه بضع سنين ، ثم ينال حريته من جديد و يواصل انتقامه.

عند اقتناعه كليا بهذه الفكرة استجمع البقايا الضئيلة من قواه الخائرة و زحف على ركبتيه في اتجاه الهاتف .. و طلب رقم الشرطة.


****


أجرو معه تحقيقا طويلا مستفيضا قبل أن يقرروا إرساله إلى مركز إصلاحي .
كانوا قد جمعوا كل المعلومات عنه . ليس عن جاستن بل الطفل المشوه الذي قدم إلى المشفى لإجراء عملية تجميلية و الذي أعطاه فرديناند لحسن الحظ اسما و هوية مزيفين.

قاموا بسؤاله عن فرديناند أيضا و عن علاقته به و السبب الذي دفعه لإيوائه ، فأجابهم بأنه -أي جاستن- فتى مشرد قضى حياته في الشوارع ، و قد تشاجر مع عصابة من الشباب المروجين للمخدرات ، فقاموا بضربه بالركلات و اللكمات أولا ، و حين لم يرضهم ذلك قاموا بتشويه وجهه بالزجاج المكسر ، و قد وجده فرديناند على تلك الحال ، فأشفق عليه و تعهد برعايته و التكفل بنفقات الجراحة التجميلية لأجله.

لكنه لم يكذب في وصف هيئته و سنه و جوانب شخصيته ، فقد فكر أن قول الكذب مع بعض الحقيقة سيجعله أكثر تقبلا و واقعية مما لو اقتصر على الكذب وحده‘
كما أنه وجد فكرة توريط شريكه .. شيئا مسليا !


لم يغفلوا أيضا عن سؤاله عن مدى معرفته بباتريك مور و السبب الذي دعاه لطلب الحديث إليه منفردا.
و كان رده أن ذلك الرجل البخيل قد نهر رفيق له و طرده بقسوة حين طلب بعض النقود ليشتري رغيف خبزه يسكت به جوعه ، فطلب الاختلاء به كي يقتله لكنه فشل في ذلك ، فعمد إلى استهدافه في ملعب الغولف.

أما جرائمه الأخرى فكان صادقا جزئيا حين قال بأن دافعه لارتكابها لم يكن أكثر من التسلية.



و بعد الانتهاء من التحقيق الذي دام ثلاثة أيام كاملة تم نقله إلى المركز الإصلاحي.

قضى هناك سنوات عدة مليئة بالمحاضرات الخاوية ، و النصائح غير المجدية ، و الابتسامات السمجة ، و كان جاستن بارعا في إقناع الأخصائيين بتحسنه ، و الإيحاء لهم برغبته الصادقة في الصلاح و التكفير عن ذنوبه.

فلم يكن من الغريب أن يطلقوا سراحه و هم على أتم ثقة بأنه سيسلك الطريق القويم و يستأنف حياته كمواطن صالح.


و مع أول شبر يقطعه تحت سماء الحرية عادت رغبته القاهرة في التدمير تستحوذ عليه.

لكنه استقبل في يومه الأول خبرا غير سار جعل نفسه تضطرب و أفكاره تتصدع.

لقد مات أبوه .. مات باتريك مور قبل عودته بأسبوع واحد !











رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:35 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011