عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

Like Tree47Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 05-12-2013, 02:41 PM
 
متابعة
__________________
ليلى
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-12-2013, 07:57 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسمة قلب
متابعة




اهلا ومرحبا:rose:
نسمة قلب likes this.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05-12-2013, 09:20 PM
 
[frame="2 10"]
السَلام عَليكم ورحمةُ الله وبركاتة

* اللقيطة
* مصطفى لطفي المنفلوطي


مر عظيم من عظماء هذه المدينة في زقاق من أزقة الأحياء الوطنية في ليلة من ليالي الشتاء ضرير نجمها حالك ظلامها فرأى تحت جدار متداع فتاة صغيرة في الرابعة عشرة من عمرها جالسة القرفصاء وقد وضعت رأسها بين ركبتيْها اتقاء للبرد الذي كان يعْبث بها عبث النكْباء بالعود وليس في يدها ما تتقيه به إلا أسمال تتراءى مزقها (قطعها) . في جسمها العاري كأنها آثار صياط المستبدين في أجسام المستعبدين. . وقف الرجل أمام هذا المشهد المحْزن المؤثّر وقْفة الكريم الذي تؤْلمه مناظر البؤس وتزْعج نفسه مواقف الشقاء ثم تقدّم نحوها ووضع يده على عاتقها فرفعت رأسها مرتاعة مذعورة وهمّت بالفرار وهي تصيح . لا أعود لا أعود . فلم يزل يمسحها ويروّضها حتى هدأ روعها وعاد إليها رشدها وعلمت أنها ليست بين يديْ الرجل الذي تخافه فنظرت إليه نظرة لو أنها اتصلت بلسان ناطق وفم لحدثت عما وراءها من لواعج الأحزان وكوامن الأشجان..

ما اسمك أيتها الفتاة ؟ ؟ .

لا أعلمْ يا سيدي..

بماذا ينادونك؟؟.

يدعونني اللقيطة..

وهل أنت لقيطة كما يقولون؟؟.

نعم يا سيدي لأنني لم أعرف لي أبا ولا أمّا في الأحياء ولا في الأموات سوى رجل يتولى شأني ويأويني في منزله وكنت أحسبه أبي فيمتلئ قلبي سرورا به وعطفا عليه فلما رأيت أنه يعذبني عذابا أليما ويحمّلني من أثقال الحياة وأعبائها ما لا يحمّله الآباء أبناءهم علمت أنني وحيدة في هذا العالم وفهمت معنى الكلمة التي يناديني بها فألمّ بنفسي من الحزن والألم ما الله عالم به وكنت كلما مشيت في الطريق ورأيت فتاة صغيرة سألْتها ألك أمّ؟ ؟ . فتجيبني نعم ثم تقصّ عليّ من قصص نعمتها ورفاهيتها وعطْف أمّها عليها ورأفتها بها ما يزيدني همّا ويملأ قلبي يأسا حتى كان يخيّل إليّ أنني أذنبت قبل وجودي في هذا العالم ذنبا عاقبني الله عليه بهذا الوجود . بيد أني صبرت على هذا الرجل وعلى ما كان يكلفني به من التسوّل على قارعة الطريق إبقاء على نفسي وضنّا بحياتي أن تغتالها غوائل الدهر وكان كلما رأى حاجتي إليه وإلى مأواه اشتطّ في ظلْمي ولؤم في معاملتي حتى صار يضربني ضربا مبرّحا كلما عدت إليه عشاء بأقل من المبلغ الذي فرض عليّ تقديمه في كلّ يوم ولم أزلْ أصابر وأتحمل منه ما يعجز عن احتماله مثْلي برهة من الزمان حتى جاءني الليلة بداهية الدواهي ومصيبة المصائب فقد حاول أن يسْلب من بين جنْبيْ جوهرة العفاف التي لم يبق في يدي ما يعزّيني عما فقدْته من هناءة الحياة ونعيمها سواها فلم أر بدّا من أن أفرّ من بين يديْه متسللة تحت جنْح الظّلام من حيث لا يراني وما زلت أمشي على غير هدى لا أعرف لي مذهبا ولا مضطربا حتى آويت إلى هذا الزّقاق كما تراني فهل لك يا سيدي أن تحسن إليّ مما أحسن الله إليك؟ ؟ . وأنْ تبتاع لي رغيفا من الخبز أتبلّغ بها فقد مرّ بي يومان لم أذقْ فيهما طعاما ولا شرابا؟؟.

لم يسمع الرجل من الفتاة هذه القصة المحْزنة حتى استقبلها بدموع حارة تنحدر على خديْه انحدار العقْد وهى سلْكه فانتثر . ثم أخذ بيدها ومشى بها صامتا واجما يكاد لا يهتدي إلى سبيله حتى بلغ قصْره وهناك صنع بها صنْع الكريم باهله وأبلغها من دهْرها ما لم تكنْ تمنّي نفسها بالنزر اليسير منه وما هي إلا أيام قلائل حتى ظهرتْ في ذلك القصْر العظيم فتاة جديدة من أجمل الفتيات وجها وأرقّهن شمائل وأكرمهن أخلاقا وأكملهن آدابا لا يعرف عنها الناس سوى أنها ابنة قريب لصاحب القصْر مات عنها فخلّفها يتيمة فكان إلى هذا القصْر مصيرها. .

وكان لصاحب القصْر فتاة من الفتيات اللاتي ربّين التربية الحديثة التي يسمونها التربية العصرية ويريدون منها التربية الإفرنجية فكان كلما حصلت عليه من العلوم والمعارف والفنون الآتية . الرطانة الأعجمية حتى مع خادمها الزنجي وكلبها الرومي ، الولوع بقراءة الروايات الغرامية الفاسدة ، البراعة في معرفة أي الأزياء أعلق بالقلوب والأجذب للنفوس ، الكبرياء والعظمة واحتقار كل مخلوق سواها حتى أبوها ، الأثْرة وحبّ الذات حبّا يملأ قلبها غيرة وحسدا حتى أنها لا تستطيع أن تسمع وصفا من الأوصاف الحسنة يوصف به غيرها . وقد رأتْ الفتاة اللقيطة أصبحت تقاسمها قلب أبيها وقلوب زائراتها من النساء بما وهبها الله من جمال الخلْق وحلاوة في الطبع وعذوبة في النفس فأضمرت لها في قلبها من البغض ما يضْمره أمثالها من اللاتي ربّين تربيتها ونهجن في الحياة منهْجها فكانت تتعمد الإساءة إليها وازدراءها وتأنيبها والفتاة لا تبالي بشيء من هذا وفاء لسيدها ووليّ نعمتها وذهابا بنفسها عن النزول إلى منزلة من يغْضب لمثل هذه الهنّات حتى حدثتْ ذات يوم الحادثة التالية

دخل صاحب القصْر قصْره ذات ليلة من الليالي فبينما هو صاعد في السّلّم إذ عثر بورقة ملْقاة فتناولها فقرأ فيها هذه الكلمات . سيدتي أنا منتظرك عند منتصف الليل في بستان القصْر تحت شجرة السرو المعهودة.حبيبك.. .

فما أتمّ الرجل قراءة الورقة حتى دارت به الأرض الفضاء وحتى لمس قلبه بيمينه ليعلم هل طار من مكانه أم لا يزال باقيا ثم كأنه أراد أن يخفّف ما ألمّ بنفسه من الحزن والقلق فقال .

ليت ذلك الموعد مع تلك الفتاة اللقيطة ومن الظلم أن أتعجل باتهام ابنتي قبل أن أقف على الحقيقة فنظر في ساعته فإذا الساعة قريبة .

فرجع أدراجه وما زال يترفق في مشيته وينتقل في الحديقة من شجرة إلى شجرة حتى وصل إلى شجرة اللقاء فكمن وراءها ينتظر ما خبّأ له الدهر من حدثانها وما أضمر له الغيب في طيّاته. . لم تكنْ الرسالة رسالة الفتاة الوضيعة بل رسالة السيدة الشريفة . وبينما كانت الثانية واقفة في غرفتها أمام مرآتها تختار لنفسها أجمل الأزياء وأليقها بموقف اللقاء كانت الأولى نائمة في غرفتها نوْما هادئا مطْمئنّا لا تزعجه زوْرة الطيْف ولا تروّعه أحلام الشباب . لقد تنبهتْ من نومها على صوت وقع أقدام سيدها على سلّم القصْر فأشرفت عليه من حيث لا يشعر بمكانها فعرفت كلّ شيء وعرفتْ أنّ سيدها سيقف على سرّ ابنته الذي كانت تعالج كتمانه زمنا طويلا وإنه لا بدّ قاتل نفسه في ذلك الموقف حزنا ويأسا فعناها من أمره ما عناها ثم أطرقتْ برأسها لحظة تتلمس وجْه الحيلة في سبيل دفْع هذه النازلة وتتطلب المخْرج منها ثم رفعتْ رأسها وقد قررتْ في نفسها أمرا..

نزلت مسْرعة من سلّم القصْر فرأتْ الفتاة قد خرجت من باب القصْر إلى ذلك الموعد فأدركتها وأمسكت بطرف ثوْبها فارتاعت الفتاة والتفتتْ إليها وقالت لها . ماذا تريدين مني أتتجسسين عليّ.

قالت لها . لا يا سيدتي . وأفْضتْ لها بالقصة من مبدئها إلى منتهاها فسقط في يدها وعلمت أنّ أباها قد وقف على سرّها فقالت لها . لا تزْعجي نفسك فإنّ أباك لا يعلم أيّتنا صاحبة الرسالة فعودي إلى غرفتك وسأذهب إلى الموعد مكانك حتى إذا رآني هناك ذهب من نفسه ما كان يخالجها من الشكّ في أمرك . ثم استمرتْ أدراجها حتى وصلتْ تلك الشجرة وهنالك برز الرجل من مكمنه واقترب منها حتى عرفها فحمد الله على سلامة شرفه وشرف ابنته . ثم قال لها أيتها الفتاة إنني أحسنت إليك واستنقذتك من يد البؤس والشّقاء فأسأت إليّ بما فعلت حتى كدت الليلة أهلك حزنا وكمدا إذ تصورْتها ابنتي ولكنه عارك وذنبك فاخرجي من منزلي فاللئيم ليس أهلا للإحسان . فخرجتْ خائبة تتعثر في أذيالها حتى وصلت إلى شاطئ النهر وهناك أخرجت مذكراتها من محْفظتها وكتبتْ فيها آخر كلمة خطّتْها أناملها. . أحمد الله أني قدرْت على مكافأة ذلك الرجل الذي أحسن إليّ بأنْ سترت عاره وأزلت همّه وحزنه ..

ثم ألقتْ بنفسها في النهر وما هي إلا دورة أو دورتان حتى افترق ذلك الصديقان الوفيّان جسمها وروحها فطفا منها ما طفا ورسب منها ما رسب . وفي صباح تلك الليلة عثر رجال الشرطة بجثة الفتاة الشهيدة فعرفوها وعادوا بها إلى منزل سيدها فبكاها بكاء كثيرا وندم على ما أساء به إليها من طردها وإزعاجها ثم أمر بدفنها ولم يبق في يده من آثارها غير حقيبتها فحفظها في صندوقه تذكارا لها..

مرت الأيام تلو والأيام وجاءت الحوادث إثْر الحوادث وظهر للرجل من أخلاق ابنته وطباعها وتهتكها واستهتارها ما لم يكن يعرفه من قبل حتى ضاق بأمرها ذرعا وجلس في غرفته في إحدى الليالي يفكّر فيما ساق إليه الدهر من خطوبه ورزاياه ثم ألمّ به الضجر فقام إلى صندوقه يفتش فيه عن شيء يتلهى به فعثر بتلك الحقيبة ولم يكن فتحها قبل اليوم ليقرأ ما في مذكّراتها إذ عثر بتلك الكلمات الأخيرة التي كتبتْها الفتاة على شاطئ النهر قبل موتها فما أتى على آخرها حتى عرف كلّ شيء فسقط مغشيا عليه يعالج من الحزن والألم ما يعالج المحتضر من سكرات الموت وما استفاق من غشيته حتى صار يهذي هذيان المحموم ولبث على هذه الحال بضعة أشهر يمرض ثم يتعافى ثم يمرض ثم يتعافى حتى أدركته رحمة الله فمرض مرضا لم ينقض إلا بانقضاء أجله..



يا أيها الوالد المجهول الذي قذف بتلك الفتاة البائسة في بحر هذا الوجود الزاخر أَعلمْت قبل أن تفعل فعلتك التي فعلْت أنك ستُبرز إلى هذا العالم فتاة تلاقي من شقائه وآلامه ما لا قبل لها باحتماله. .



ويا أيها الآباء العظماء إنْ كنتم تريدون أن تسْلموا بناتكم إلى هذه المدنية الغربية تتولى شأنهن وتكفل لكم تربيتهن فانتزعوا من جنوبكم قبل ذلك غرائز الشهامة والعزة والإباء والأنفة حتى إذا رزأكم الدهر فيهن وفجعكم في أعراضهن وقفتم أمام ذلك المشهد هادئين مطمئنين لا تتعذبون ولا تتألمون. .



ويا أيها الناس جميعا لا تحْفلوا بعد اليوم بالأنساب والأحساب ولا تفرقوا بين تربية الأكواخ وتربية القصور ولا تعتقدوا أنّ الفضيلة وقف على الأغنياء وحبائس العظماء فقد علمتم ما أضمر الدهر في طيات أحداثه من رذائل الشرفاء وفضائل اللقطاء ...



[/frame]
نسمة قلب likes this.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-14-2013, 02:59 PM
 
[frame="2 90"]
أنا لا أقول إلا ما أعتقد، ولا أعتقد إلاَّ ما أسمع صداه من جوانب نفسي؛ فربما خالفت الناس في أشياء يعلمون منها غير ما أعلم ، ومعذرتي إليهم في ذلك أن الحق أولى بالمجاملة منهم، وأن في رأسي عقلاً أُجِلُّه عن أن أنزل به إلى أن أكون سيقة للعقول، وريشة في مهاب الأغراض، والأهواء.
فهل يجمل بعد ذلك بأحد من الناس أن يرميني بجارحة من القول، أو صاعقة من الغضب؛ لأني خالفت رأيه، أو ذهبت غير مذهبه، أو أن يرى أن له من الحق في حملي على مذهبه، أكثر مما يكون لي من الحق في حمله على مذهبي؟
لا بأس أن يُؤَيِّد الإنسان مذهبه بالحجة والبرهان، ولا بأس أن ينقض أدلة خصمه، ويزيفها مما يعتقد أنه مبطل لها، ولا ملامة عليه في أن يتذرع بكل ما يعرف من الوسائل إلى نشر الحقيقة التي يعتقدها إلا وسيلة واحدة لا أحبها له، ولا أعتقد أنها تنفعه، أو تغني عنه شيئاً، وهي وسيلة الشتم والسباب.
إن لإخلاص المتكلم تأثيراً عظيماً في قوة حجته، وحُلول كلامه المحلَّ الأعظم في القلوب والأفهام.
والشاتم يعلم عنه الناس جميعاً أنه غير مختص فيما يقول؛ فعبثاً يحاول أن يحمل الناس على رأيه، أو يقنعهم بصدقه، وإن كان أصدق الصادقين.
أتدري لِمَ يَسُبُّ الإنسانُ مناظرَه؟ لأنه جاهل وعاجز معاً، أما جهله؛ فلأنه يذهب في وادٍ غير وادي مُناظِرِه، وهو يظن أنه في واديه ولأنه ينتقل من موضوع
المناظرة إلى البحث في شؤون المناظر، وأطواره وصفاته وطبائعه، كأن كل مبحث عنده مبحث =فسيولوجي+.
وأما عجزه فلأنه لو عرف إلى مناظره سبيلاً غير هذا السبيل لسلكه، وكفى نفسه مئونة ازدراء الناس إياه، وحماها الدخول في مأزق هو فيه من الخاسرين، محقاً كان أم مبطلاً.
لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون الغرض من
المناظرة شيئاً غير خدمة الحقيقة وتأييدها، وأحسب أن لو سلك الكُتَّاب هذا المسلك في مباحثهم لاتفقوا على مسائل كثيرة هم لا يزالون مختلفين فيها حتى اليوم، وما اختلفوا فيها إلا لأنهم فيما بينهم مختلفون، يسمع أحدهم الكلمة من صاحبه، ويعتقد أنها كلمة لا ريب فيها، ولكنه يبغضه؛ فيبغض الحق من أجله؛ فينهض للرد عليه بحجج واهية، وأساليب ضعيفة، وإن كان هو قوياً في ذاته؛لأن القلم لا يقوى إلا إذا استمد قوته من القلب، فإذا جيء بالحجج والبراهين لجأ إلى المراوغة والمهاترة،فيقول لمناظره مثلاً: إنك جاهل لا يعتد برأيك، أو إنك مضطرب الرأي لا ثبات لك، تقول اليوم غير ما قلت بالأمس، وهناك يقول له الناس: رويداً، لا تخلط في كلامك، ولا ترواغ في مناظرتك، ولا شأن لك بعلم صاحبك أو جهله؛ فإنه يقول شيئاً، فإن كان صحيحاً فسلم به، أو باطلاً فبين لنا وجه بطلانه.
وهبه قولاً لا تعلم قائله، ولا شأن لك باضطراب صاحبه وثباته، فربما كان بالأمس على رأي تبين له خطؤه اليوم، والمرء يخطئ مرة ويصيب.
فإذا ضاق بمناظره وبالناس ذرعاً فرَّ إلى أضعف الوسائل وأوهنها، فَسَبَّ مناظره، وشتمه، وذهب في التمثيل به كل مذهب، فيسجل على نفسه الفرار من تلك المعركة، والخذلان في ذلك الميدان.
على أن أكثر الناس متفقون على ما يظنون أنهم مختلفون فيه، فإنَّ لكل شيء جهتين: جهةَ مدحٍ، وجهة ذم، فإما أن تتساويا، أو تكبر إحداهما الأخرى، فإنْ كان الأول فلا معنى للاختلاف، وإن كان الثاني وجب على المختلفين أن يعترف كل منهما لصاحبه ببعض الحق، لا أن يكون كل منهما من سلسلة الخلاف في طرفها الأخير.
كان يقع بين ملك من الملوك ووزيره خلاف في مسائل كثيرة حتى يشتد النزاع بينهما، وحتى لا يسلس أحدهما لصاحبه في طرف مما يخالفه فيه؛ فحضر حوارهما أحد الحكماء في إحدى الليالي وهما يتناظران في المرأة، يعلو بها الملك إلى مصاف الملائكة، ويهبط بها الوزير إلى منزلة الشياطين، ويسرد كل منهما على مذهبه أدلته، فلما علا صوتهما، واشتد لجاجهما خرج ذلك الحكيم، وغاب عن المجلس ساعة، ثم عاد وبين أثوابه لوحٌ على أحد وجهيه صورة فتاة حسناء، وعلى الآخر صورة عجوز شوهاء، فقطع عليهما حديثهما وقال لهما: أحب أن أعرض عليكما هذه الصورة؛ ليعطيني كل منكما رأيه فيها،ثم عرض على الملك صورة الفتاة الحسناء فامتدحها ورجع إلى مكان الوزير، وقد قَلَّبَ اللوح خِلْسَةً من حيث لا يشعر واحد منهما بما يفعل، وعرض عليه صورة العجوز الشمطاء؛ فاستعاذ بالله من رؤيتها، وأخذ يذمها ذماً قبيحاً، فهاج الملك على الوزير، وأخذ يرميه بالجهل وفساد الذوق، وقد ظن أنه يذم الصورة التي رآها هو، فلما عادا إلى مثل ما كانا عليه من الخلاف الشديد استوقفهما الحكيم، وأراهما اللوح من جهتيه فسكن ثائرهما، وضحكا ضحكاً كثيراً، ثم قال لهما: هذا ما أنتما فيه منذ الليلة، وما أحضرت إليكما هذا اللوح إلا لأضربه لكما مثلاً؛ لتعلما أنكما متفقان في جميع ما كنتما تختلفان فيه لو أنكما تنظران إلى المسائل التي تختلفان فيها من جهتيها، فشكرا له همته، وأثنيا على فضله وحكمته، وانتفعا بحيلته انتفاعاً كثيراً، فما كانا يختلفان بعد ذلك إلا قليلاً .


[/frame]
نسمة قلب likes this.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-16-2013, 12:12 AM
 
من مصطفى لطفي المنفلوطي إلى أبطال الإسلام في العراق





مصطفى لطفي المنفلوطي



ان الله وعدكم النصر ، ووعدتموه الصبر ، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده .أبطال ( العراق ) ..

و ليوث ( الرافدين ) ..

وحماة الثغور وذادة المعاقل والحصون ..

صبرا قليلا في مجال الموت ، فهاهي نجمة النصر تلمع في آفاق السماء ، فاستنيروا بنورها ، واهتدوا بهديها حتى يفتح الله عليكم .

إن الله وعدكم النصر ، ووعدتموه الصبر ، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده .

لا تحدثوا أنفسكم بالفرار ، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عرض لا يجد له حاميا ، وشرف لا يجد له ذائدا ، ودين يشكوا إلى الله قوما أضاعوه ، وأنصارا خذلوه .

إنكم لا تحاربون رجالا أشداء ، بل أشباحا تتراءى في ظلال الأساطيل ، وخيالات تلوذ بأكناف الأسوار والجدران ، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير بما بقي من ألبابها ، فلا يجدون لبنادقهم كفا ، ولا لأسيافهم ساعدا.

إنهم يطلبون الحياة ، وانتم تطلبون الموت ، ويطلبون القوت ، وتطلبون الشرف ، ويطلبون غنيمة يملأون بها فراغ بطونهم ، وتطلبون جنة عرضها السموات والأرض ، فلا تجزعوا من لقائهم ، فالموت لا يكون مر المذاق في أفواه المؤمنين .

إنكم تعتمدون على الله ، وتثقون بعدله ورحمته ، فتقدموا إلى الموت غير شاكين ولا مرتابين ، فما كان الله ليخذلكم ، ويكلكم إلى أنفسكم ، وأنتم من القوم الصادقين .

إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل غدا إلى شهب نارية حمراء تهوي فوق رؤوس أعدائكم فتحرقهم ، وان هذه الأنات المتصاعدة من صدوركم ليست إلا أنفاس الدماء صاعدة إلى إله السماء أن يأخذ لكم بحقكم ويعديكم على عدوكم ، والله سميع الدعاء .

إن أعداءكم قتلوا أطفالكم ، وبقروا بطون نسائكم ، وأخذوا بلحى شيوخكم الأجلاء فساقوهم إلى حفائر الموت سوقا ، فما ذا تنتظرون بأنفسكم ؟

اجلبوا عليهم بخيلكم ورجلكم، واصدقوا حملتكم عليهم ، وجعجعوا بهم ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، واطلبوهم بكل سبيل ، وفوق كل أرض ، وتحت كل سماء ، وأزعجوهم حتى عن طعامهم وشرابهم ، ويقظتهم ومنامهم ، فما أعذب الموت في سبيل تنغيص الظالمين !

احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورا ، فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر النار .

لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين ، ولا الواسطة بين الطرفين ، ولا العيش الذي هو الموت أشبه منه بالحياة ، بل اطلبوا إما الحياة أبدا ، وإما الموت أبدا .

غدا ينتهك أعداؤكم حرمة أرضكم ودياركم ، ويملكون عليكم نسائكم وأولادكم ، ويطأون يحوافر خيولهم مساجدكم ومعابدكم ، وينظمون في ثقوب أنافكم مقاود يقودونكم بها إلى مواقف الذل والهوان كما تقاد الإبل المخشومة إلى معاطنها ، فافتدوا أنفسكم من هذا المصير المهين بجولة تجولونها في سبيل الله ثم تموتون موت الجبان في حياته ، وحياة الشجاع في موته ، فموتوا لتعيشوا ، فو الله ما عاش ذليل ولا مات كريم .

إن هذه الأساطيل الرابضة على شواطئكم ، والمدافع الفاغرة أفواهها إليكم ، والبنادق المسددة إلى صدوركم ونحوركم ، لا يمكن أن يتألف منها سور منيع يعترض سبيلكم في رحلتكم من هذه الدار إلى تلك الدار ، فسيروا في طريقكم إلى آخرتكم ، فإن الأعداء إن ملكوا عليكم طريق الحياة لا يملكون عليكم طريق الموت.

المستميت لا يموت ، والمستقتل لا يقتل ، ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن يهلك في الإقدام ، فإن كنتم لا بد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين ماضغي الموت .

إن كتاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم ، ووضعوا صحائفهم بين أيديهم ، وانتظروا ما تملون عليهم من حسنات أو سيئات ، فأملوا عليهم من أعمالكم ما يترك في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تركته في نفوسكم تلك الصحائف البيضاء التي سجلها التاريخ لأولئك الأبطال العظام .

موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدا أذلاء .. !

موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم ، وتنشدوه فيعجزكم.. !

موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب ، تكفنكم ثيابكم ، وتغسلكم دماؤكم ، وتصلي عليكم ملائكة الرحمن قبل أن يسبق قضاء الله إليكم فيموت أحدكم فلا يجد بجانبه مسلما يصلي عليه صلاة الجنازة ثم يمشي وراء نعشه إلى قبره حتى يودعه حفرته ، ويخلي بينه وبين ربه .

إن الشيخين أبا بكر وعمر ، والفارسين خالدا وعليا ، والأسدين حمزة والزبير ، والفاتحين سعدا وأبا عبيدة ، والبطلين طارق بن زياد وعقبة بن نافع وجميع حماة الإسلام وذادته من السابقين الأولين والمهاجرين الصابرين ، يشرفون عليكم اليوم من علياء السماء ، لينظروا ما ذا تصنعون بميراثهم الذي تركوه في أيديكم ، فامضوا لسبيلكم ، واهتكوا بأسيافكم حجاب الموت القائم بينكم وبينهم ، وقولوا لهم إنا بكم لاحقون ، وإنا على آثاركم لمهتدون .

إن هذا اليوم له ما بعده ، فلا تسلموا أعناقكم إلى أعدائكم ، فإنكم إن فعلتم فلن يعبد الله بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا.

المصدر: النظرات 3/184

نسمة قلب likes this.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من روائع البيان(متجدد) يحي مسلم نور الإسلام - 19 12-21-2013 04:51 PM
من روائع الكلام (متجدد) يحي مسلم مواضيع عامة 0 08-03-2012 12:50 AM
موضوع متجدد:من روائع القصص لاخذ الدروس و العبر..... أبورفيق نور الإسلام - 0 09-22-2010 10:11 PM
اكبرموسوعة صور انمي للاولاد >> من روائع وابداعات اليابانيين>> متجدد ŖανëŇ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 12 08-23-2010 06:29 AM


الساعة الآن 10:29 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011