عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree139Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #36  
قديم 06-09-2012, 02:37 PM
 
- 41 -

لم تعد
جبالاً
بعد اليوم



عدت من المدرسة منهكة..
رميت حقيبتي على الأرض.. وألقيت عباءتي على الكرسي..
ورميت بجسدي على السرير..
كانت كل عضلة من عضلات جسمي ترتعش من التعب..
يا الله ما أجمل السرير في غرفة مكيفة باردة..
الشرشف بارد ومنعش.. والوسادة لينة.. رحت في إغفاءة خفيفة.. وأنا أرخي جسمي كله..
تمنيت لو أستطيع النوم.. تمنيته بشدة.. كنت أحتاجه جداً..
جاءني صوت تهاني الحاد..
- بدرية! كيف تستطيعين أن تستلقي هكذا؟ اخلعي حذاءك على الأقل؟
بصوت ناعس أجبت..
- آآه.. أشعر أني سأموت من التعب.. يا الله.. زحمة.. حر.. شمس حارقة.. والباص طبعاً بلا تكييف..
- قومي.. يا الله.. غيري ملابسك واغسلي وجهك..
- إيه.. يحق لك تتدلعين علينا.. غايبة اليوم..!
- يا الله قومي بس.. ساعدي أمي على الغداء..
قمت بصعوبة وأنا بالكاد أسحب رأسي من على الوسادة الباردة المنعشة..
وأنا أسمع صراخ أمي من المطبخ..
- يا الله يا بنات.. بسرعة تعالوا حطوا الغداء..
في المطبخ.. اقتربت لأسلم على رأس أمي.. لكنها مدت يدها لي بمغرفة الطعام وهي غاضبة..
وخرجت..
كان الوضع مزرياً كالعادة بل مأساوياً!
الأواني متراكمة في المجلى.. وكل شيء يحتاج لتنظيف..
لا أعرف بم أبدأ..
بدأت في وضع الغداء في الصحون.. ونقلته أخواتي الصغيرات إلى السفرة في الصالة..
أما أنا فكان تفكيري مشغولاً بالأواني المتسخة وكم ساعة أحتاج لتنظيف المطبخ..
لم أستطع تناول الغداء.. أسرعت أنظف المطبخ وأغسل الصحون وأنا أمني نفسي بنصف ساعة قبل أذان العصر أغفو فيها.. كنت أسرع لكي أنتهي من التنظيف.. والنعاس يغلبني.. وكذلك الألم..
أطلت أمي لتصرخ علي وتنبهني للأرضية المتسخة.. سكت على مضض..
- إن شاء الله يمه..
ثم ذكرتني بإعداد الشاي ووضعه في البراد..
- إن شاء الله..
ثم ذكرتني بغسل وتعقيم رضاعات أخي الصغير..
- إن شاء الله يمه..
وخرجت.. بعد أن نبهتني لبطئي وسوء تنظيفي..
ففي بيتنا.. كنت أبتلع الألم كل يوم..
بل أتناوله كوجبة غذاء أساسية!
منذ رجوعي للمنزل منهكة.. تبدأ أوامر أمي وطلباتها.. وأستلم المطبخ بدلاً منها..
لا أمانع في ذلك فهي أمي..
لكن.. التذمر والشكوى هي ما يقتلني..
لا شيء يرضيها.. دائماً غاضبة علي.. دائماً تصرخ علي..
دائماً أنا مذنبة في نظرها..
مهما فعلت ومهما ضغطت على نفسي من أجلها..
كلمة واحدة منها تحرق كل ما قدمته.. وتنثر رماده في الهواء..
فأنا في نظرها دائماً مقصرة وعاقة و.. رغم أني لم أتفوه عليها في حياتي بكلمة واحدة.. وأحاول قدر المستطاع أن أحترمها وأجيب طلباتها..
أخذت أفكر وأنا أمسح الأرفف..
لماذا.. لماذا لم أسمع منها في حياتي كلمة شكر..
كلمة حب.. كلمة طيبة..
أحلم كثيراً أن أسمعها تناديني.. يا ابنتي.. يا حبيبتي.. يا قلبي!!
لكنها مجرد أحلام..
سأكون مستعدة حينها لأن أخدمها بكل ما تريد وأنا سعيدة..
أخذت أنظف سطح الفرن والدموع تنساب من عيني..
إلى متى هذه القسوة..
أنهيت التنظيف..
الحمد لله.. المطبخ يشع نظافة..
أعددت الشاي.. وها هو في الصينية..
رضاعات أخي نظيفة ومعقمة..
لابد وأنها ستفرح.. انتهيت اليوم مبكرة الحمد لله لن تقول أني بطيئة..
كنت ألهث من شدة التعب.. وبالكاد أقف من شدة النعاس والصداع.. لكني قررت أن أمسح الثلاجة أيضاً..
فجأة دخلت..
نظرت حولها ثم صرخت..
- أففف ما هذه الرائحة؟ ألم تغسلي الفوطة جيداً قبل المسح؟
- غسلتها يا أمي..
- رائحتها كريهة..
- لقد أعددت الشاي..
- دعيني أرى..
صبت القليل منه في كوب.. فتغير وجهها..
- ما هذا؟! لماذا هو غامق هكذا؟!.. لن يشربه والدك..
وأسرعت لتدلقه في المجلى بكل بساطة..
- قومي بعمل آخر.. بسرعة.. والرضاعات أين هي؟
- ها هي هنا.. غسلتها وعقمتها..
- أعطني واحدة..
وخرجت كما دخلت..
أخذت أستعيد شريط كلامها.. أبحث بين الكلمات والحروف عن كلمة شكر أو دعاء.. لكني لم أعثر على شيء منها..
انتهيت من إعداد الشاي.. وذهبت لغرفتي وأنا بالكاد أسحب أقدامي..


* * *

كانت المشرفة الاجتماعية قد طلبتني لغرفتها لكي أقوم بمساعدتها في كتابة سجلات أسماء الطالبات نظراً لحسن خطي.. كنت أجلس على الأرض.. وحولي السجلات.. وأوراق بالأسماء.. والمشرفة تتحدث بالهاتف أو تكتب..
وحين انتهيت من أحد السجلات ناولتها إياه..
- ما شاء الله خطك مرتب جميل.. تسلم يدك يا بدرية.. روووعة تبارك الله..
ابتسمت باستغراب.. لم أعرف ماذا أقول!
- شكراً..!
- أنا من يجب أن يشكرك.. تشكرينني على ماذا حبيبتي؟
أوف.. حبيبتي مرة واحدة!.. (قلت في نفسي)..
واحمر وجهي خجلاً..
- لا تحرجيني أستاذة نورة.. أنا ما عمري سمعت كلمة شكر.. ولا ثناء..
- معقولة؟ كيف؟
كان وجهي شاحباً.. وشفتاي جافتان.. كنت أشعر بإرهاق وتعب.. وبالكاد أتحدث..
- يعني.. أنا لست متفوقة.. ولا مميزة في المدرسة.. لم يمدحني أحد من المدرسات من قبل.. إلا مدرسة العلوم حين كنت في صف ثاني ابتدائي!.. أما في البيت.. فـ.. ههههه.. ولا عمري..
كنت أضحك على نفسي بسخرية.. وأكاد أبكي في نفس الوقت.. فسكت..
نظرت أبلة نورة إلى وجهي مباشرة..
- في البيت ماذا يا بدرية؟ تعالي اجلسي هنا.. تحدثي..
جلست على الكرسي.. وأنا أشعر بالخوف.. ماذا سأقول..
- ماذا يا أبلة نورة؟ لا شيء لدي.. كل ما أردت قوله.. أن أمي عصبية.. دائماً غاضبة.. لا يرضيها شيء.. قاسية في كلامها.. لم نسمع منها كلمة حب واحدة في حياتنا.. ومهما تعبنا معها لا نسمع كلمة شكر واحدة..
بدأت أبكي لا شعورياً.. فمسحت أنفي بمنديل..
- في حياتي.. لم أسمع كلمة مدح أو ثناء أو شكر منها.. صدقيني يا أستاذة.. أعود من المدرسة متعبة.. ولأني الكبيرة.. أستلم مسؤولية تنظيف المطبخ.. ثم مسؤولية أخوتي الصغار في العصر.. وكذلك إعداد العشاء.. ورغم هذا دائماً غاضبة مني..
ابتسمت أبلة نورة وقالت بهدوء..
- عااادي يا بدرية.. لا تأخذي الأمور على محمل الجد..
إن كل ما تقوم به أمك تجاهك لا يعني أبداً أنها لا تحبك.. أو لا تهتم بك.. صدقيني.. هي فقط.. لا تعرف كيف تعبر.. ولم تتعود على تغيير نمط كلامها وحديثها.. هذا هو الظاهر لك فقط.. لكن ما في قلبها من حب ومودة.. لا يمكن أن تعرفيه..
نظرت إلي ثم قالت..
- هل جربت مرة أن تقولي لها كم يضايقك أسلوبها؟ هل سبق ووضحت لها مشاعرك وآلامك؟
نظرت لها باستغراب ودهشة..
- لا..!
- إذاً كيف تريدينها أن تعرف أنك متضايقة؟
حاولي أن توضحي لها مشاعر ألمك وأنك تحتاجين لسماع كلمة شكر أو ثناء منها..
- لكن إذا لم تقلها من تلقاء ذاتها.. كيف أطلب منها ذلك.. سيبدو ذلك سخيفاً!
- كلا.. أمك تعودت على طريقة معينة في الكلام.. وهي تعتقد أنك لا تشعرين بأي ألم من جراء ذلك.. لذا فهي مستمرة في أسلوبها بكل بساطة!
- لا أعرف.. أستحي..
- ولماذا تخجلين؟ لماذا تصنعين هذا الحاجز..؟ إذا انتهيت من عمل ولاحظت أنها لم تمنحك الشكر والاهتمام الكافي.. قولي لها ما تريدين قوله.. أمي ألا أستحق شكراً؟ جزاني الله خيراً؟
وستتأقلم بإذن الله مع الأيام على هذا الأسلوب..
لكن.. ليس بسرعة.. فالمسألة تحتاج لصبر..
- يبدو ذلك صعباً.. لكني سأحاول..
-
نعم هكذا أريدك أن تفعليه يا عزيزتي.. لا تيأسي أو تعتقدي أنك وحدك من يعاني من هذا الأمر.. الكثير من الفتيات يعانين مثلك مع أمهاتهن.. لا تكوني حساسة، وتقبلي الأمر.. عيشي حياتك ببساطة ورضا.. ولا تقفي عند الآلام البسيطة لتصنعي منها جبالاً شاهقة.. وتذكري أنها أولاً وأخيراً والدتك.. وأنت مأجورة بإذن الله على صبرك عليها وبرك بها..
كان كلامها بسيطاً.. لكنه ولا أعرف كيف غير نظرتي كثيراً لأمي..
حين عدت من المدرسة.. ألقيت نظرة عليها في المطبخ.. وقفت عند بابه.. كانت تطبخ والبخار يعلو فوق القدور.. وأخي الصغير في كرسيه على الأرض وهو يصيح..
شعرت بعطف كبير عليها.. كيف لها أن تتحمل هذه المسؤوليات كلها.. ولا تتعب وتتضايق..
أحسست بأني كنت نوعاً ما أنانية..
اقتربت من أخي لأقبله وأداعبه..
- عدتِ؟
ابتسمت لها..
نظرت إلي.. وابتسمت ابتسامة لم أرها منذ مدة..
ربما شعرت بأن شيئاً ما في داخلي قد تغير!


__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
  #37  
قديم 06-15-2012, 12:50 AM
 
- 42 -

كليمات من القلب



حسناً..
اليوم... لن أبدأ برواية حكاية..
ولن أترك الفتاة تعترف قبلي.. لأني أريد أولاً أن أتحدث معكم قليلاً.. عن بعض القصص الأخيرة.. وعن ردود فعل بعضها..
وعندي كليمات دارت في عقلي وقلبي وأحببت أن تشاركوني بها..


يسألني الكثيرون دائماً هل هذه القصص التي تروينها حقيقية..؟

وأنا أقول.. كل قصصي هي من رحم الواقع.. من أرض الحياة الحقيقية.. لكنها ليست بالضرورة صوراً أصلية..
هذه الاعترافات هي لقطات من حياة حقيقية لطالبات وزميلات وصديقات.. قصص عايشت أطرافاً منها.. أو سمعتها شخصياً من أصحابها مباشرة.. ثم أضفت لها لمسة من خيال..
هي قصص ترتكز على جذع من الواقع.. وربما أضفت لها بعض الأوراق وشذبت لها بعض الأغصان..


أهدي قصصي لكل من تعني لها شيئاً.. وما أردت قوله دائماً هو.. أننا جميعاً عانينا ونعاني من الآلام في حياتنا..
ليس هناك من شخص يعيش السعادة الكاملة في هذه الدنيا..
السعادة الحقيقية هي في الإيمان بالله والرضا بواقعك مهما كان.. والأروع هو شكر الله وحمده بصدق على ذلك الواقع سواء أكان ابتلاء أم نعمة..


لن أطيل كثيراً..

فالحديث في غير القصة لا يروق لكن كثيراً.. أعرف ذلك.. لكن.. لا يزال هناك شيء هام أريد قوله اليوم..

قبل فترة.. كتبت قصتين عن حالات طلاق..
إحداهن.. (ذهبت ولن تعود)..
والأخرى.. (ليس ثمة بكاء تحت الباب)..
وقد تلقيت العديد من الرسائل حولهما..
الأولى عن زوج يشكو من سوء خلق زوجته وإهمالها.. يقول أنه كان على وشك طلاقها.. لكن قراءته للقصة الأولى جعلته يتخيل أن (منال) هي ابنته الصغيرة.. جعلته يتخيل ألمها ووحدتها وفراقها عن أمها حين تكبر..
ويقول أنه أبعد فكرة الطلاق عن رأسه تماماً بعدها.. وهو مستعد لتحمل كل شيء من أجل طفلته الصغيرة.. ويسأل الله أن يهدي زوجته العنيدة التي لا تحترم أحداً حسب قوله..


والرسالة الثانية.. هي من أب رحيم.. يتفطر قلبه على أبنائه الذين تركتهم أمهم لديه منذ عدة أشهر.. أشبه بالأيتام.. وهو لا يزال متردداً في اتخاذ قرار الطلاق حتى لا يهدم حياة أطفاله.. ويتمنى لو عادت أمهم إليهم.. لأنهم ضائعون دونها مهما حاول هو تعويضهم..
يقول.. بعد قراءتي للقصة أصبحت أنتبه حتى لطريقة تمشيطهم لشعورهم.. ولتعابير وجوههم.. وأخشى أن يتألموا كما تألمت (منال) في القصة دون أن أشعر بهم..


أما الحالة الثالثة فهي لفتاة يتفطر قلبها حزناً.. جاءتني وهي تبكي..
وتصف حال أختها كما هو في قصة (ليس ثمة بكاء تحت الباب).. والتي تركت بيتها وأولادها.. دون سبب يذكر.. وبتقصير كبير منها..
حيث إنها عنيدة ولا تقبل التفاوض في أي أمر.. وتريد تطبيق ما تريده دون نقاش..
تقول هذه الفتاة..
حين يأتي أبناء أختي كل أربعاء لزيارتنا نفرح بهم كثيراً.. لكن يوم الجمعة.. يصبح يوم البكاء والألم الأسبوعي.. الجميع يبكي.. أنا.. أمي.. أخواتي.. خاصة على الطفلة ذات الأعوام الخمس.. والتي تتشبث بأمها إلى آخر لحظة رافضة العودة لمنزل أبيها..
كلنا نبكي.. إلا أختي.. الأم..
تصوري!!..
إنها تبدي لا مبالاة عجيبة بأبنائها..
بل إنها تقول أنهم يذكرونها بوالدهم لذا فإنها لا تريد أن تتعاطف معهم!!
تخيلي أربعة أطفال يعيشون لوحدهم في البيت مع والدهم أكبرهم فتاة لم تجاوز الثالثة عشرة.. والصغيرة ذات خمس سنوات.. يعانون الألم والمسؤولية عن أنفسهم بلا أم.. ولا جدة ولا حتى خادمة..
ابنة أختي الصغيرة أصبح شعرها يتساقط بغزارة.. وحين نسألها لماذا يتساقط شعرك هكذا؟ تخيلي ماذا تجيب طفلة السنوات الخمس؟ إنها تقول.. شعري يتساقط من كثرة التفكير!!
طفلة لم تجاوز عامها الخامس تفكر؟
في ماذا يا حبيبتي تفكرين؟
فتجيب ببراءة.. أفكر في أمي.. وأبي.. ثم تبكي بكاء حاراً مثل الكبار..
والكل يبكي معها.. إلا أمها.. التي تجمدت مشاعرها تماماً.. ولم يعد يهمها سوى نفسها فقط.. ولا تريد تقديم أي تنازل أو تفاوض..


دعونا نتأمل قليلاً..

هذه الطفلة من يهتم بها؟ من يرحمها إن لم تفعل أمها؟
وأختها الكبرى.. هل ترحمها معلمتها القاسية.. هل تشفع لها إن لم تنجح بسبب سهرها مع أختها المريضة طوال الليل..؟
هل ترحمها مديرة المدرسة؟ هل تقدم لها خدمة معنوية أو لمسة حانية؟ بل هل تعرف بوضعها أصلاً؟


أربعة أطفال يعيشون الألم والوحدة وجفاف المشاعر من الأبوين.. من يقدم لهم لمسة حنان؟

أعرف أننا نقف عاجزين أمام الكثير من الآلام التي نراها في حياتنا..
لكن أيضاً أمامنا الكثير لنفعله..


يبدو أني انتقلت من موضوع لآخر.. لكني أدعو كل فتاة أن تفكر ملياً قبل اتخاذ قرار الزواج.. لأن هذا القرار مصيري.. وعليها تحمل نتائجه لأنه لا يرتبط بمصيرها فقط بل مصير أبنائها الأبرياء.. وأن تعلم أنها لا تدخل نزهة في حديقة وتقرر الخروج منها متى شاءت بكل بساطة..

أدعو كل أم أن تفكر ألف بل مليون مرة قبل اتخاذ قرار الطلاق.. وأن تجرب كل الطرق ووسائل الإصلاح والإقناع والتغيير قبل أن تقرر.. وأن تحسب سلبيات وإيجابيات القرار جيداً.. بما في ذلك ما ستسببه لحياة أبنائها من تدمير وآلام لن يمسحها الزمن..

أدعو كل أم أن تعلم بناتها قيمة الحياة الزوجية.. وكيفية احترامها وتقديرها.. وفن التغاضي عن العيوب والهفوات والبحث عن الإيجابيات في شخصية كل زوج بدلاً من النبش في سلبياته..

أدعو كل معلمة ومربية أن تجعل التربية والإصلاح همها الأول قبل دفتر التحضير وتقييم المشرفة.. أن تمنح طالباتها الحب والحنان قبل المعلومة.. أن تمنحهم الدفء والأمان قبل الدرجات.. وأن تحتسب الأجر في ذلك..

أدعو كل معلمة أن تنظر في وجوه طالباتها.. وتبحث عن المتألمة.. الكسيرة.. الحزينة.. المحتاجة لمسحة على الرأس أو الكتف.. فبينهن اليتيمة.. والوحيدة.. والمسؤولة.. والمتألمة..

لا أعرف ما الذي دفعني لكتابة هذا الكلام..
هي كلمات فقط أحببت أن أشارك قارئاتي الحبيبات بها..


دعونا نمنح الحب لمن حولنا.. لنكن أكثر اهتماماً.. ولنراعي مشاعر الآخرين.. لا أنفسنا فقط..

__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
  #38  
قديم 06-16-2012, 02:07 PM
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
جزاك الله الف خيرًا على هذه القصص المفيدة....
__________________
الى اللقاء
  #39  
قديم 06-30-2012, 02:51 PM
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يا قلبي لا تحزن مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
جزاك الله الف خيرًا على هذه القصص المفيدة....
ربنا يعزكِ
وشكرا علي مروركِ الطيب
kαtniS likes this.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
  #40  
قديم 06-30-2012, 02:54 PM
 
- 43 -

مشهد .. كل ليلة



كنت في السابعة أو ربما الثامنة من عمري.. نعم.. أتوقع في الثامنة - كنت قد أنهيت الصف الثاني الابتدائي- حين أجريت لأبي عملية خطيرة في القلب..
أصيب بعدها بمضاعفات.. وجلطة مفاجئة في جانب من الدماغ..

أذكر.. حين.. دخلت مع أمي لغرفته.. في العناية المركزة..
أذكر الأجهزة.. رائحة المعقمات..
الصوت المرعب لنبضات القلب على الجهاز..


وقفت مع أمي عند طرف السرير.. وهناك كان أبي ممدداً عاري الصدر ألصقت عليه المجسات والأسلاك، وثمة أنابيب مؤلمة في أنفه..
شعرت بالخوف منه.. لم يكن أبي الذي أعرفه..
نظر إلي بطرف عينيه بصعوبة.. هيئ إلي أنهما كانتا تدمعان.. حرك إصبعين من كفه الأيسر ليشير إلي
بالاقتراب..
شعرت بالخوف..
أمسكت عباءة أمي والتصقت بها..
- هذا أبوك.. حنين.. روحي بوسي إيده..
- أخااااف..!
لم تكن أمي قادرة على حملي ورفعي لأنها كانت حاملاً في شهرها الأخير.. سحبتني بقوة وهي تكتم عبراتها.. وحملتني بمشقة..
- هذا بابا حبيبتي.. شوفيه زين..
دفعتني عند رأسه لأراه جيداً.. لعلي أقبله..
نظرت إليه.. كانت عيناه تدمعان.. وهو ينظر إلي بشوق..
أفلت بقوة من يد أمي وأسرعت أختبئ خلفها.. وألتف بعباءتها.. وأخذت.. أبكي..
- أخااااف ما أبي..!
أخذت أمي تمسح على رأسي وتهدئني.. وصوتها يرتعش بالعبرات..
- خلاص حبيبتي ما يصير تصيحين.. هذا بابا.. شفيك؟
في تلك اللحظة.. كنت أحبه أكثر من أي لحظة مضت.. كنت أتمنى لو أقفز على صدره كما أفعل دائماً وأقبله..
أبي الحبيب..
لكني رأيت في عينيه شيئاً مخيفاً..
رأيت.. الموت.. فخفت منه..
لم أستطع أن أقترب من أبي وهو في لحظات ضعفه هذه..
كان شيئاً مخيفاً جداً لطفلة السنوات الثمانية.. أن ترى والدها بهذا الضعف..
قريباً من شيء مخيف.. كالموت.. هذا ما لم يفهمه أحد ممن كان حولي..


غضبت الممرضة وأمرتنا بالخروج حتى لا نؤثر على مشاعر أبي وقلبه الضعيف..

ارتعشت أمي.. اقتربت من أبي همست في أذنه بكلمات.. وقبلته على رأسه.. ومسحت على شعره..
وخرجنا..
كانت متماسكة نوعاً ما حتى خرجنا..
حين خرجنا من الغرفة وفي الممر مباشرة.. انهارت أمي.. أسندت أمي ظهرها إلى الجدار وأخذت تبكي بقوة..
كانت تنشج كما كنت أفعل حين أطلب شراء لعبة غالية..
فوجئت بالمنظر المؤلم.. أمي تهتز.. ببطنها الكبير... وهي تبكي بقوة.. وتتأوه بحسرة..
- ماما خلاص.. ماما حبيبتي..
طوقتها بطنها بذراعي..
لم تكن تسمعني.. فقط أمسكتني وحضنتني بشدة وهي تبكي...
وكأن بكاؤها يتردد صداه في أذني حتى هذه اللحظة.. ذكراه تحرق قلبي..


الآن فقط فهمت مشاعر امرأة شابة مع طفلين صغيرين.. وجنين في بطنها..
دون أب.. ولا أم..
ومع زوج على حافة الموت..


كان خالي ينتظرنا في البهو الكبير للمستشفى..
حين وصلنا إليه لم يكن يبدو على والدتي أي أثر غير طبيعي..
استطاعت أن تتماسك بسرعة وتبتلع ما بقي من دموعها..


ركبنا معه في السيارة.. وطوال الطريق كان يحاول إقناع أمي بأن تأتي لتسكن لديه ريثما يشفي أبي..
لكنها رفضت وأصرت على أن نبقى في بيتنا..
- لكنك حامل.. وقد تلدين في أي لحظة.. يجب أن يكون قربك رجل.. لا يصح هذا يا نهلة..
- لا تخف علي.. أستطيع أن أتصل عليك عندما أحتاج لذلك.. لا تخف يا أخي..


لم تغب صورة أبي بصدره العاري والأسلاك تغطي جسمه عن ناظري طوال الأيام التالية.. بل طوال أيام عمري الباقية كلها.. أصبحت روتيناً ليلياً..
فقد كانت آخر صورة له..
إذ لم أر أبي بعدها أبداً..
توفي خلال أيام..
غاب عنا..


نساء كثيرات جئن لبيتنا..
بكت أمي كثيراً.. بكت.. حتى خشيت أن تموت.. قلت لها ذلك..


وبقينا في بيتنا.. لم نذهب إلى أي مكان آخر كما أصر الجميع علينا..

* * *

ذات صباح.. استيقظت على صوت أمي وهي تطلب مني أن أغير ملابسي بسرعة..
كان هناك شيء غير طبيعي.. صوتها يرتعش بقلق..


أخذتني أنا وحمودي عند بيت خالي.. وقالت أنها ستذهب في مشوار مع خالي وتعود..

شعرت بالخوف في بيت خالي..
كنت أجلس وحدي أنا وأخي.. لا نفعل شيئاً..


فقد كانت زوجة خالي من النوع الغاضب دائماً.. صراخها الحاد على أبنائها وبناتها كفيل بجعلي – أنا وأخي - لا نغير أماكننا خوفاً من صرخة منها..
عرفت جيداً لماذا لم ترغب أمي في أن نسكن معهم..


شعرت بالملل طويلاً من الجلوس وحدي حتى نمت على الكنبة وأنا أشاهد التلفاز.. ونام حمودي قربي..
وبعد ذلك بمدة.. استيقظت.. وعلمت أن أمي أنجبت طفلاً صغيراً..
لم أفرح كثيراً.. كنت مهتمة بأمي قبل ذلك..
- وأمي أين هي؟ متى تعود؟
- أمك في المستشفى يا حنين..
شعرت بمغص في بطني.. كرهت المستشفى.. تذكرت شكل أبي.. لا.. لا أريدها أن تذهب هناك.. أخشى ألا تعود كما حصل مع أبي.. بكيت.. وبكيت.. ولا أحد يعرف سر بكائي..


عادت أمي تحمل جنينها..
وذهبنا مباشرة إلى بيتنا وأحمد الله أننا لم نجلس في بيت خالي كما حاول إقناعنا..


تعبت أمي بعد ذلك.. كانت مسؤولية البيت والأطفال لوحدها كبيرة عليها.. لكني كنت أساعدها قدر استطاعتي..

ربتنا أمي أفضل تربية.. تعبت علينا كثيراً.. وتعذبت كثيراً في تربية أخويّ..
لا أزال أذكر تلك الليالي التي كانت أمي تدور فيها بقلق في أرجاء البيت حين كان محمد يتأخر فيها في السهر..
ولا زلت أذكر الليلة التي بتنا فيها جميعاً نبكي حين غضب عبد الله وخرج من البيت آخر الليل.. لا نعرف إلى أين ذهب.. وبقينا نبكي بخوف أنا وأمي حتى ساعات الصباح ننتظر رجوعه..


كانت أمي تتحرج من الاتصال بخالي ليتدخل في كل صغيرة وكبيرة..
وكانت مسؤولية صعبة.. أن تواجه المشاكل وحدها..


أصيبت بالقولون.. ثم بالضغط.. ثم.. بالتهاب المفاصل..
أصبحت حركتها صعبة وهي لا تزال صغيرة..


كان أثر الهم والمسؤولية بادياً على جسدها النحيل ووجها الحزين..

ورغم آلامها ومرضها..
كانت حريصة على قيام الليل كل ليلة.. تدعو الله لنا أن يصلحنا ويهدينا - كما أسمعها كثيراً.. وتدعو الله أن يرحم والدي ويجمعها به في
الفردوس الأعلى..


* * *

رغم التعب والآلام.. والسنوات المتعبة التي عاشتها.. بدأت أمي تقطف ثمار جهدها يوماً بعد يوم..
تغير حال أخوي بعد أن كبرا بفضل الله..
رزقهما الله الهداية وصلاح الخلق..
تخرجا.. عملا..
تزوج كل منهما..
وأنا لا زلت أنتظر نصيبي.. مع أني مستمتعة بالحياة مع أمي الحبيبة.. ولا أتخيل نفسي بدونها..


* * *

الليلة.. وكل ليلة..
كلما وضعت رأسي على الوسادة.. أرى مشهد أبي الأخير على سريره.. عاري الصدر.. بالأسلاك والأجهزة.. وصوت نبضات القلب..
أتذكر حركة إصبعيه وهو يشير إلي أن أقترب..
عيناه الدامعتان..
أتذكر بكاء الأم الشابة..
فأدعو الله له بالمغفرة والرحمة من كل قلبي..
وأن يجمعه الله بأمي في جنات
النعيم..



**
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلسله اعترافات فتــــــــــاه (اربعة اجزاء ) مؤمن الرشيدي روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 155 12-22-2015 02:15 PM
(قصه فتاه)(سلسله متجدده) مؤمن الرشيدي مواضيع عامة 2 10-12-2011 08:44 PM


الساعة الآن 05:36 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011