عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام - > أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016

أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016 أرشيف مغلق للأستفادة من مواضيعه

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2010, 07:15 PM
 
Thumbs up كيف ننتفع بالقرآن ؟

كيف ننتفع بالقرآن ؟
مما لا شك فيه أن من يُقبِل على القرآنمستشعرًا أنه خِطابٌ من الله عزوجل مُوَجَّهٌ إليه يحمل في طياته مفاتيح سعادتهفي الدنيا والآخرة وأنه القادربإذن الله على تغييره مهما كان حاله... لا شك أنهذا الشخص لا يحتاج إلى من يَدُلُّه على وسائل تعينه على الانتفاع بالقرآن لأنهبهذا الشعور قد أصبح مُهَيّئًا للتغيير الذي يقوم به القرآنأما وإنه من الصعب علينا في البداية أننكون كذلك بسبب ما ورثناه من أشكال التعامل الخاطئ مع القرآن مما جعل هناك حاجزًانفسيًا بيننا وبينه يمنعنا من الانتفاع الحقيقي به... أما والأمر كذلك فإن عودتنا إلىالقرآن تحتاج إلى وسائل سهلةٍ وعمليةٍ ومحددةٍ تعين صاحبَها على إدارة وجهِهِللقرآن والإقبال على مأدبته والدخول إلى عالمه ومصنعه بصورة متدرجة... ومِن أهمالوسائل التي تحقق هذا الغرض :
1- تصحيح النية (الإخلاص) :
والإخلاص معناه تصفية العمل من شوائب الشرك كبيره وصغيره وهو مطلوب من المسلم في كل أعماله (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكه10) ونعني بذلك أن نقبلبصدق وأن نستمع وأن نتلو وأن نتعلق بالقرآن في كل أحواله وأحوالنا معه بنيةخالصة.. بنية نبتغي بها وجه الله بنية نتلمس بها علاج أدواء قلوبنا وبرء عللنفوسنا وذلك ما نحتاج إليه .. نحتاج إلى هذه النية الخالصة حتى تتحقق لنا النتائجالمثمرة فإننا نعلم أن كل أمر وعمل بلا إخلاص لا ثمرة له .
يقول ابن القيم رحمهالله : (العمل بلا إخلاص كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه... يحمل حملاًكثيراً لكنه تراب ليس له منه إلا ثقل الوزن دون النفع والفائدة) ومن كلام ابن تيمية: ( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين لهطريق الحق والله عزوجل قد وعد من أقبل.. أقبل الله عليه ومن صدق وأخلص أثاب اللهعليه ومن تجرد لله عزوجل أعطاه الله عز وجل بقدر إخلاصه(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا( لذايجب تصحيح النية في قراءة القرآن وابتغاء وجه الله عزوجل ومحاسبة النفس على العمل بالقرآن والدعوة إليه والحكم به والتحاكم إليه والرضى بحكمه .
2- تطهير أدوات التلاوة :
يجب تطهير أدوات التلاوة التي يتعامل مع القرآن من خلالها وتنظيفها مما علق بها من معاصي وذنوب ومنكرات ..لأن نظافة وطهارة الوعاء شرط للإنتفاع بالمضمون ..فكيف يحسن تلاوة القرآن وتدبره وفهمه بعين لوثتها النظرات المحرمة؟ ..أوبأذن دنستها الأصوات المنكرة ومزامير الشيطان؟ أو بلسان نجسته الغيبة والنميمة والكذب والإفتراء والسخرية والإستهزاء ؟ وكيف يعي القرآن ويتفاعل معه قلب عليه أكنة وأغطية وحجب وموانع الشبهات والشهوات والرغبة في المعاصي والمنكرات والإقبال علي الرذائل والمحرمات ..وقد أفسدته الأمراض والآفات من الرياء والعجب والكبر ؟
إن القرآن كالمطر ..فكما أن المطر لايؤثر في الجماد والصخر ولايتفاعل معه إلا التربة المهيأة ..فكذلك القرآن لابد أن ينزل علي بيئة صالحة ليتفاعل معها وهذه البيئة هي الحواس والقلوب التي تقبل عليه .
3- التهيئة الذهنية والقلبية :
لكي يقوم القرآنُ بعمله في التغيير لابد من تهيئة الظروف المناسبة لإستقباله ومن ذلك وجودُ مكانٍ هادئ بعيد عن الضوضاء يتِمُّ فيه لقاؤنا به فلا يصح أن نلتقي به في مكان تملؤه الشواغل والضوضاء مما يشوش علي الذهن ولايجمع القلب مع القراءة .
فالمكان الهادئ يعين على التركيز وحسن الفهم وسرعةالتجاوب مع القراءة ويسمح لنا كذلك بالتعبير عن مشاعرنا إذا ما اسْتُثيرت بالبكاء والدعاء... ومع وجود المكان الهادئ علينا أن يكون لقاؤنا بالقرآن في وقت النشاطوالتركيز لا في وقت التعب والرغبة في النوم ...هذا بالنسبة للتهيئة الذهنية .
أما بالنسبة للتهيئة القلبية فالمقصد منها تهيئة المشاعر لإستقبال القرآن ومن ثم سرعة الوصول إلي التأثر والإنفعال ..وأفضل وسيلة لتهيئة المشاعر تذكر الموت وما وراءه من أهوال( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) (5) .
إن القلب الخائف الوجل من الله عزوجل هو المؤهل للإنتفاع بالقرآن...فالخوف بصفة عامة يجعل الإنسان مرهف الحس تجاه كل ما من شأنه تخفيف مسببات خوفه.. فيستقبل أي موعظة أونصيحة استقبال الباحث عن طوق النجاة فيتعلق بها ولايتركها إلا إذا استفاد منها استفادة كاملة..أما الآمن فهو علي عكس ذلك لأنه لايستشعر بأن هناك خطرا قريبا منه (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) (النازعات 26) .
4 - حسن التلاوة :
يجب علينا ونحن نقرأ القرآن أن تكون قراءتنامتأنية.. هادئة.. مُتَرَسِّلة وهذا يستدعي مِنا سلامة النطق وحسن الترتيل( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) (المزمل4)
والترتيل المطلوب شرعا هو التحسين بالصوت الباعث علي تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والإنقياد للطاعة ...يقولابن مسعود رضي الله عنه عن تلاوة القرآن (لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذّوه (لا تسرعوا به) هذّ الشعر وقفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة).
إن تلاوة القرآن حق تلاوته..هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب..فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل ..وحظ العقل تفسير المعاني..وحظ القلب التأثر والإتعاظ
فاللسان يرتل.. والعقل يترجم .. والقلب يتعظ .
ولعلنانستعين على ذلك بأمرين اثنين :
أولا: استحضار عظمة المتكلم سبحانه وتعالى :
القرآن كلام رب الأرباب وملك الملوك جبارالسماوات والأرض ..خالق الخلق وواهب الرزق ...ليسكلاماً له مثيل في الحياة كلها ...ليس له نظير فيما تسمعه وتقرؤه من كلام الدنيا وأهلهاكلهم ...إنه نداء الرب سبحانه وتعالى إلى عبادهالمؤمنين بل إلى الخلق والبشرية والناس كلهم أجمعين ....فاذا استحضرت ذلك كان له أثر.

فعلي قدر معرفة الله تعالي تكون الخشية منه .. وعلي قدر الخشية تكون المراقبة والمبادرة إلي الخيرات وترك المنهيات .
انظر إلي قوله تعالي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران190-191)
فبينت تلك الآيات أن التفكر في خلق السماوات والأرض قاد هؤلاء المؤمنين إلي المعرفة(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً) ..وأن المعرفة قادتهم إلي الخشية (فَقِنَا عَذَابَ النَّار) .
إن القرآن رسالة الله إلىالبشرية... نحن نعلم أن الإنسان إذا جاءته رسالة من شخصٍ يُعظمه أو يُقدره أو من إنسانٍ له عليه حقوق عظيمة وكثيرة أو له عليه حق الطاعة والاستجابة كما تأتيالرسالة من مدير الدائرة تعميماً أوتوجيهاً فإنها تُقرأ مرة بعد مرة وإنهاتوضع نصب الأعين وإنها تُتخذ منهاجاً لابد من العمل به وإن الإنسان إذا جاءتهمثل هذه الرسائل أولاها اهتماماً فأنزله من قلبه منزلة عظيمة وأودعها في عقلهتفكيراً وتأملاً وتدبراً وأنزلها في حياته سلوكاً وتطبيقاً وعملاً .. والقرآنرسالة الله إلينا وكلامه لنا وتوجيهه وإرشاده وحكمه فينا سبحانه .
ثانيا : استحضار عظمة الخطاب :
إن القرآن كلام الله سبحانه ...فهو عظيم لعظمة من تكلم به .. وعظيم لمكانة من نزل به وعظيم لمقام وشأن من أنزل عليه .. وعظيم في مقاصده الحقة .. وعظيم في تأثيره وأثره..وعظيم في لغته وأسلوبه .
فالقرآن العظيم روح يبعث الحياة ويحركها وينميها في القلب (أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (الأنعام122)...والقرآن نور يشرق في قلب المؤمن فيزهر بالإيمان ويشرق في حياته فينيرها له ...ويشرق في سماء الأمة فيكون ضياء وسعادة وهدي وخير ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة15-16) .

والقرآن بلغ من شأنه وعظمته وشدة تأثيره أنه لو أُنزل على جبل من الجبال وجُعل له عقل كما جُعل للبشرلرأيت الجبل مع كونه في غاية القسوة والصلابة خاشعًا متصدعًا من خشية الله كما قال تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحش1) ...والقرآن موعظة حكيمة محكمة هي سياط القلوب وفي الوقت نفسه فرحها واستبشارها ..أمرت بكل خير ونهت عن كل شر...والقرآن هو الفرقان بين الحق والباطل .. بين الهدي والضلال.. بين النور والظلمات (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان1) .
وهكذا عرف الصحابة رضوان الله عليهم خطاب القرآن فرأوها رسائل من ربهم كانوا يتفكرون بها ويتدبرونها بالليلوينفذونها ويعملون بها في النهار.. فيا هناء من تدبر ... وياتعس وخسارة من هجر.
ملحوظة : أنصح إخواني القراء بضرورة الإطلاع علي كتاب (الهدي والبيان في أسماء القرآن) للشيخ صالح بن إبراهيم البليهي لما فيه من عظيم الفائدة فهو يتحدث عن أسماء القرآن وصفاته .


5- الإنشغال بالقرآن :
بمعنى أن يصبح القرآنُ هو شغلنا الشاغل ومحور اهتمامنا وأولى أولوياتنا ولكي يكون القرآن كذلك لا بد من المداومة اليوميةعلى تلاوته مهما تكن الظروف وأن نعمل على تفريغ أكبر وقت له.. فالتغيير القرآنيتغييرٌ بطيءٌ.. هادئٌ.. متدرجٌ ولكي يؤتي ثماره لا بد من استمرارية التعامل معهوألا نسمح بمرور يومٍ دون أن يكون هناك لقاءٌ به ولْنعلَم جميعًا أنه على قدر ما سنعطي القرآنَ سيعطينا.
لابد أن تأخذ آيات القرآن وقتها الكافي مع القلب لتستقر الأحوال التي تثمرها فيه فتنتج هذه الأحوال عبادات قلبية ..هذه العبادات ستدفع صاحبها للقيام بالأعمال الصالحة التي تعبر عنها..وهذا ماكان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يأخذون عشر آيات فقط من النبي عليه الصلاة والسلام فيعيشون معها بكل جوارحهم فتحدت لهم أبلغ الأثر من تغيير في عقولهم وتعبيد قلوبهم لله عزوجل وتدفعهم لسرعة الإستجابة والمبادرة للقيام بأي عمل صالح يعبر عن عبوديتهم التامة لربهم ..ثم ينتقلون بعد ذلك إلي غيرها .
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ( كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشرا من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعلم ما نزل في هذه من العمل )
لقد ظن بعضنا أن مفهوم الإنشغال بالقرآن هو الإنشغال بحفظه ومراجعة حروفه فقط دون التفقه فيه وفهم مراد الله منه .. إن الإنشغال الحقيقي بالقرآن يعني أول مايعني الإنشغال بمعانيه ومواعظه وجوانب هدايته وامتلاء القلب بها وتمكنها من العقل الباطن واللاشعور فينعكس ذلك علي خواطر العبد واهتماماته .

6- ضرورة تدبر القرآن وفهمه وتحريك القلب به :
إن العبرة ليست بكم القراءة بقدر ماكانت بالتأمُّل في المعاني المستخرجة منها والتي تحرك القلوب وتدفع للعمل والتفكر فيالمواعظ والنظر في العواقب والعلم بتأويل كلامه ومراميه والتزامه ظاهرًا وباطنًا والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه فليس المقصود من القرآن مجرد التلاوة أوالتماس البركة وهو مبارك حقًا ولكن بركته الكبرى في تدبره وتفهم معانيه ومقاصده ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء .
وتدبر القرآن يزيل الغشاوة ويفتح النوافذ ويسكب النور ويحرك المشاعر ويستجيش القلوب ويخلص الضمير وينشيءحياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير.
يقول الحسن البصري رحمه الله : (والله ماتدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتَّى إنَّ أحدهم ليقول قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفا وقد والله أسقطه كله ما ترى القرآن له في خلق ولا عمل)
أخي الحبيب : إنك لتجد عشرات الملايين في رمضان بين أيديهم المصاحف يقرءون القرآن ويسعون في ختمه مرة بعد مرة ...لكن هل تجد عشرهم أو نصف العشر منهم يفهمون ما يقرؤون أو يتدبرون في ما يؤمرون؟ ... ولو حدث وأن أعطيت رجلا جريدة يقرؤها ثم طلبت منه بعد ساعة أن يخبرك بأهم عناوين الأخبار فقال : لاأدري..هل تراه قد قرأ أم تظنه كاذبا في دعواه ؟ ...وهل قراءة القرآن هي تحريك الألسنة بالأحرف والكلمات أم أنها فهم ما توصي به الأحرف والكلمات ؟
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( أخوف ما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة: يا عويمر أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت: علمت لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها الآمرة هل ائتمرت؟ والزاجرة هل ازدجرت؟ وأعوذ بالله من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (إذا سمعت الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأصغ لها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تصرف عنه ) .

7- التركيز مع القراءة :
لابد أن نقرأ القرآنَ بحضور ذهنٍ... فإذا ما سرحنا في وقتٍ من الأوقات علينا أن نعيدالآيات التي شرد فيها ذهننا ..ألم يقل الله تعالي (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعرا04) ...يقول وهب بن منبه رحمه الله : ( من أدبالاستماع سكون الجوارح وحضور القلب والعزم علىالعمل ... يعزم علي أن يفهم فيعمل بما فهم) .... لذا ينبغي قبل الإقبال علي القراءة تفريغ النفس من شواغلها وقضاء حاجاتها... فلا يكون قارئ القرآن أثناء قراءته جائعا أوعطشا أوقلقا مضطربا أوجالسا في مكان عام ينظر فيه للغادين والرائحين فينشغل بهم أوجالسا أمام التلفاز عينه في القرآن وأذنه تسمع التلفاز.

8 -التجاوب مع الآيات :
القرآنُ خِطابٌ مباشِر من الله عز وجللجميع البشر.. لي ولك ولغيرنا.. هذا الخطاب يشمل ضمن ما يشمل : أسئلةً وأجوبةًووعدًا ووعيدًا... وأوامرَ ونواهٍ فعلينا أن نتجاوب مع الخطاب القرآني بالرد علىأسئلته وتنفيذ أوامره بالتسبيح أوالحمد أوالاستغفار والسجود عند مواضع السجودوالتأمين على الدعاء والاستعاذة من النار وسؤال الجنة...لابد من الشعور بأن القاريء نفسه هوالمخاطب بالآيات وهو الذي وجهت إليه التكليفات ..ثم يعيش هذه الشعور ويدرك نتائجه وآثاره علي نفسه وكيانه كله..وبذلك يقف طويلا أمام الآية ويعرف ماذا تطلبه منه وماذا تنهاه عنه..وتستوقفه آيات التكاليف المبدوءة بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)..و(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) و( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ) ..ويفتح لها كل منافذ التلقي والإنفعال والإستجابة لأن مابعدها إما أمر للتنفيذ أو نهي عن محظور أوعتاب وتذكير أو توجيه إلي خير وهدي .

إن مما يؤسف له في صلة المسلمين بقرآنهم أنهم يفعلون عكس هذه القاعدة
إن الواحد منهم لا يشعر أنه هو المقصود أساسا بالأمر أوالتوجيه وأنه المطالب به ولكنه يشعر أن الخطاب لفلان أوعلان ..إنه يلقي المسئولية عنه ويلغي خصوصيته إلي غيره ..إنه يوزع الواجبات علي غيره ولهذا لم يتفاعل معها ولم يسع لكي يلتزم هو بها...فإذا قرأ آيات القصص قصرها علي السابقين .. وإذا قرأ آيات الخطاب والتكليف للرسول عليه الصلاة والسلام خصه هو بها.. وإذا قرأ حادثة زمن الصحابة فهي لهم فقط .. وإذا سمع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهي تخاطب الصحابة أومؤمنين في عوالم أخري..آيات الزكاة والصدقة للأغنياء فقط .. آيات الحكم والإلتزام والطاعة للحكام فقط .. آيات الجهاد والحرب للعسكريين فقط .. آيات الدعوة والبلاغ للشيوخ والعلماء فقط ..وهكذا.. وإذ بهذا المسلم لم توجه له آية ولم يطالب بحكم ولم يكلف بواجب..فإذا ما وصلت الآيات للآخرين فإنهم سيفعلون مثل هذه ويحرصون علي أن يوجهوها لغيرهم..فنري القرآن موجها لأكوان أخري ولأقوام يوجدون في عالم الأحلام والخيالات والأوهام .
لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على ألا تكون قراءة القرآن بالألسنة والحناجر فقط.. فلكي يتم الوصال بين القلب والقرآن وينعكس ذلك على السلوك لا بد من التفهم والتأثر والتجاوب مع الآيات.. فإن لم يحدث ذلك واكتفى المرء بالقراءة التي لا تتجاوز حنجرته فإن هذه القراءة ستكون في واد بينما يكون عمله وسلوكه في واد آخر.
أخي الحبيب ... انظر إلي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وقد قرأ عنده رجل (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً) (الفرقان13) فبكي عمر حتى غلبه البكاء وعلا نشيجه فقام من مجلسه ودخل بيته ... واسأل نفسك : لماذا بكي عمر حتى علا نشيجه ؟ والجواب : لأنه استشعر أن المخاطب عمر ..والملقي في النار عمر والداعي في ثبور عمر ..والباكي في جهنم عمر..وهذا المكان الضيق المذكور في الآية محجوز بإسم عمر ... فواعجباه ...هذا أمير المؤمنين وأحد الأئمة الذين عرفوا بالورع والتقوى والفضل يبكي من آية ما أبكت أكثرنا ولوتدبرها المرء منا لتحول الضحك إلي بكاء وامتلأت عينه دمعا من دماء
ألا ما أشد مصيبة غير المتدبرين ..يحسبون أن الله يخاطب غيرهم ولعل الله لايعني بهذه الآية غيرهم .
9- معرفة جوانب الهداية في القرآن :
إن الله عزوجل عندما امتن علي هذه الأمة وفضلها بتنزل القرآن علي نبيها محمد عليه الصلاة والسلام ..أكرمها بنعمة أخري وهي أنه جعل هدايتها في هذا الكتاب الكريم
إن هداية القرآن شاملة كاملة ..يهدي للتي هي أقوم في كل شيء ..في العقيدة والعبادة..في ظاهر الإنسان وباطنه ..في خاصة نفسه وفي علاقته بغيره..في شئون الحياة كلها يهدي ويرشد في عدل واعتدال .
إن هداية القرآن لنا لإصلاح حاضرنا ومستقبلنا ..لدنيانا وآخرانا ..لسرنا وعلننا لسرائنا وضرائنا .. ليسرنا وعسرنا ..لكل شأن من شئوننا للقرآن هدايته وتبصرته وصدق الله العظيم (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء 9)
وإذا أردنا أن نذكر جوانب الهداية في القرآن علي سبيل الإجمال فنقول :
1- التعرف علي الله عزوجل وواجبنا تجاهه وذلك عن طريق معرفة أسمائه وصفاته وهنا أنصح إخواني القراء بضرورة دراسة أسماء الله الحسني وصفاته فهي الطريق الوحيد إلي معرفة الله وقدره وعظمته ..
2- التعريف بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالرسالة التي حملها إلي البشر وبيان واجبنا تجاهه من طاعته واتباع سنته وتوقيره وحبه .
3- التعريف بالإنسان ..عقلا وقلبا وجوارحا .
4- التعريف بالشيطان ..وذكر مداخله ومخططاته والتحذير من اتباعه وكشف عداوته.
5- قصة الوجود ويوم الحساب ..وبيان الغاية الكبري من هذه الحياة وتصوير ما يحدث بعد الموت وعرض مشاهد القيامة ووصف الجنة والنار.

6- معرفة السنن والقوانين الحاكمة للكون والحياة ..والسنن نوعان :
· سنن كونية : وهي التي تنظم حركة الكون ..كتبدل الليل والنهار والفصول الأربعة والأطوار التي يمر بها الجنين في بطن أمه .
· سنن إجتماعية : وهي التي تنظم حياة الناس وينتج عنها سعادتهم أو شقائهم وهي علي سبيل المثال : سنن الله في الهداية والضلال .. سنن الله في الشدة والرخاء.. سنن الله في الإبتلاء.. سنن الله في التغيير .. سنن الله في اظهار الحق وازهاق الباطل.. سنن الله في النصر والهزيمة .
7- لتعرف علي الكون المحيط ..هذا الكون المسخر لنا أودع الله فيه الكثير من آثار أسمائه وصفاته وجعلها تدل عليه سبحانه ودعانا للسير في الأرض والتأمل في مخلوقاته .
8- حقوق العباد بعضهم علي بعض..وذلك بالحديث عن فضل العدل والإحسان والتحذير من الظلم .
9- الدعوة إلي الله ..وبيان كيفية التعامل مع الناس والصبر علي تكذيبهم ومعاندتهم .
10- العبرة من قصص السابقين .. وذلك لأجل تثبيت المؤمنين وبيان سنةالله في نصر أوليائه واهلاك أعدائه .

ملحوظة : لقد ذكرت هذه الجوانب العشرة علي سبيل الإجمال بما يتفق مع طبيعة البحث ...وفي النية إن شاء الله الحديث عنها بشيء من التفصيل في بحث آخر..أسأل الله تعالي أن يعين علي ذلك .
10- ترديد أو تكرار الآية التي تؤثر في القلب :
وهذه من أهم الوسائل المعينة على سرعةالانتفاع بالقرآن فالوسائل السابقة مع أهميتها القصوى إلا أنها في النهاية تخاطب العقلَ الذي يُعَدُّ محلاً للعلم والمعرفة أما الإيمان فمحله القلب والقلب هومجموع العواطف والمشاعر داخل الإنسان وعلى قَدْر الإيمان فيه تكون الأعمال الصالحةالتي تقوم بها الجوارح... معنى ذلك أنّ الإيمان عاطفةٌ ومشاعر وأنَّ لحظات التجاوب والانفعال التي نشعر بها في دعائنا أو صلاتنا أو قراءتنا للقرآن تؤدي إلى زيادةالإيمان في قلوبناإن الهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني التي تفهم من النص ...والتكرار أيضا قد يحصل لا إراديا تعظيما أوإعجابا بما قرأ وهذا مشاهد في واقع الناس حينما يعجب أحدهم بجملة أو قصة فإنه يكثر من تكرارها على نفسه أوغيره ... يقول ابن مسعود رضي الله عنه : (لاتهذوه هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة) (الدقل = رديء التمر)
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:)ولو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها فإذا قرأه بتفكر حتى إذا مر بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ... فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاة القرآن)
يقول أبو ذررضي الله عنه قام النبي عليه الصلاة والسلامبآية حتى أصبح يرددها (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة 118) .

لقد كانت هذه عادة السلف يردد أحدهم الآية إلي الصبح ...(فعن عباد بن حمزة قال دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي تقرأ (من الله علينا ووقانا عذاب السموم) قال فوقفت عليها فجعلت تستعيذ وتدعو.. قال عباد: فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي فيها بعد تستعيذ وتدعو)... وعن القاسم بن أبي أيوب أن سعيد بن جبير ردد هذه الآية { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } بضعا وعشرين مرة.
وردد الحسن البصري ليلة(وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)(النحل 18)
حتى أصبح فقيل له في ذلك .. فقال : إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ولا نرده إلا وقع على نعمة وما لا نعلمه من نعم الله أكثر) .
وقام تميم الداري بآية حتى أصبح (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)(الجاثية 21)
يقول بشر بن السري رحمه لله إنما الآية مثل التمرة .. كلما مضغتها استخرجت حلاوتها ).

إخواني في الله .. إن داومنا على هذه الوسائل وثابرنا عليها فلنبشر جميعًا بقرب شروق شمس القرآن على قلوبنا لتبدأ معها حياة جديدة تكسوها السكينة والطمأنينة وروح جديدة وثابة تواقة لفعل الخير وأهم من هذا كله التجلبب بجلباب العبودية والرضا بالله ربا والاكتفاء به والاستغناء عن الناس .
  #2  
قديم 09-03-2010, 07:42 PM
 
موضوع رآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآئع جدا


بارك الله فيك أخوي


القرآن للأسف اصبح القليل من النآس يقرأه ..~ْ}{



القران هو السعاده والله على مأأقول شهيد .}
__________________
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تحمي نفسك بالقرأن special moon نور الإسلام - 69 10-20-2013 03:03 AM
لماذا لا ننتفع بالقرآن ؟ homeahmed أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016 0 08-31-2010 10:52 PM
العلاج بالقرآن والسُّنَّة المحتارة نور الإسلام - 1 03-17-2008 11:27 PM
أول صادح بالقرآن oays tamim شخصيات عربية و شخصيات عالمية 4 02-08-2008 11:39 PM
تفسير القرآن بالقرآن أمة الله نور الإسلام - 14 10-18-2007 05:02 PM


الساعة الآن 10:29 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011