عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-23-2009, 12:48 PM
 
البعث الاسلامي

كيف تبدأ عملية البعث الإسلامي ..؟
1- ( انه لابد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق في خضم الجاهلية الضاربة الاطناب في أرجاء الأرض جميعها . ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من معالم في الطريق ، معالم تعرف منها طبيعة دورها ، وحقيقة وظيفتها وصلب غايتها ، ونقطة البدء في الرحلة الطويلة ...كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة بإطنابها في الأرض جميعا . أين تلتقي مع الناس وأين تفترق ...؟ ثم تعرف من أين تلتقي في هذا كله وكيف تلتقي ؟ هذه المعالم لابد أن تقام من المصدر الأول لهذه العقيدة .. القران ...ومن توجيهاته الأساسية – ومن التصور الذي أنشأه القران الكريم في نفوس الصفوة المختارة التي صنع الله بها في الأرض ما شاء أن يصنع والتي حولت خط سير التاريخ مرة إلي حيث شاء الله أن يسير )83.
2- وعلى الرغم من استشراف المسلمين في حاضرنا إلي الدولة الإسلامية وقليل من الجهد المبذول في سبيله من قادة الأمة إلا أن طليعة هذه الدولة وعين الطريق الموصل إليها حقيقته يكتنفها غموض كثيف بسبب تأثيرات الحضارة الغربية وكيد أهلها وكلما فكر مفكر أو قام داعية يبحث عن الطريق الموصل إليها إلا وظن أن تلك المنهاج التي اختارتها أمم العالم عامة لتحقيق مطالبها السياسية ديمقراطيةً كافرة أو قوة عسكرية غاشمة أو تحالفات متناقضة غاية ما تحققه دولة قومية تدين برأي الأغلبية المتألهة المعبودة من دون الله سبحانه وتعالى (( إن الأمة التي تبغي نظاما للدولة خاصا ثم رايتها متناقضة في زعامتها وسيرتها الفردية والجماعية وفي المناهج والسبل التي تختارها لنفسها ومع ذلك ترجو أن تظفر ببغيتها وتبلغ قصدها فلا شك أنها امة بلهاء لا حظ لها من ثقوب الفكر وسداد الرأي ) 84 كما يقول الأستاذ المودودي رحمه الله.

وعلى هذه الطلائع البدء في دعوة البشرية من جديد إلي الدخول في الإسلام كرة أخرى والخروج من هذه الجاهلية النكدة التي ارتدت إليها على أن تحدد للبشرية مدلول الإسلام الأساس وهو : أ- الاعتقاد بربوبية الله وألوهيته وحده . ب- تقديم الشعائر التعبدية لله وحده ج- والدينونة والإتباع والطاعة والخضوع في أمور الحياة كلها لله وحده . ولا فرق في هذا بين الكفار الأصليين والمرتدين من أبناء المسلمين ولا الذين ضلت بهم الطرق وتنكبوا الصراط بل و حتى الذين قتلتهم الحيرة وأصابهم الضعف .

إن هذا التوحيد الذي من اجله أرسلت الرسل وبذل من اجله كل تلك الجهود هو :
توحيد الألوهية – توحيد القوامة والحاكمية – توحيد مصدر التشريع – توحيد منهج الحياة توحيد الجهة التي يُدان لها بالدينونة الشاملة . إن قضية الدينونة و الإتباع و الحاكمية التي يعبر عنها القران ب( العبادة) هي قضية عقيدة وإيمان وإسلام وليست قضية فقه أو سياسة أو نظام ! أنها قضية عقيدة تقوم أول لا تقوم قضية إيمان يوجد أو لا يوجد – وقضية إسلام يتحقق آو لا يتحقق ثم بعد ذلك لا قبله منهج للحياة الواقعية تتمثل في شريعة وفي أوضاع وتجمعات تتفق فيها الشريعة والنظام وتنفذ فيها الأحكام .
3- والدولة الإسلامية المبتغاة لها منهاجا ربانياً خالصاً كما لها سبيلها المتميز بالإتباع المطلق و واجب الطليعة المؤمنة المرجوة أن تصطبغ بصبغة منهجها الرباني وان لا تلتفت إلي شئٍ سواه وان تجعل رائدها وقدوتها النبي r وتكفر بما سوى ذلك من المناهج والسبل ] َومَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [.
4- ومعلوم أن هذا الطريق وبهذه الصفة يتطلب علماً شرعياً سنياً راسخاً وإرادة قوية وعزماً ماضياً ومن ثمَ تضحيات جسام وأهوال عظام وبذل كل عزيزٍ وغالٍ ولكنه هو الطريق وهذه من أعظم معالمه بل من أول إرهاصاته وبشرياته ] وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [.
5- انه من أفحش الأخطاء أن يبذل الدعاة عظيم التضحيات ويخوضوا أشرس المعارك ويبذلوا غاليَ ألاثمان ثم يذهب كل هذا أدراج الرياح من الناحية العملية المتعلقة بتحقيق المقاصد وبلوغ الغايات إذا كان في المناهج مشاقة لسبيل المؤمنين وتنكباً للصراط المستقيم ( فكم من مريدٍ للخير لا يبلغه ) كما يقول ابن مسعود رضي الله عنه .
6- فللدولة الإسلامية طبيعةً خاصة كما أن لنشأتها منهج خاص وهي ذات أهداف محددة وغايات تنفرد بها عما سواها من الدول والنظم فمن اغفل طبيعتها وتجاوز مناهجها في النشأة والتكوين ولم يضع أهدافها نصب عينيه فأنه قد يصل إلي شئ لكنه لن يصل ألي الدولة الإسلامية .


معالم الطريق إلي التمكين :
بناءً على الموجهات السابقة الذكر يمكن القول أن الخطة العامة للتنفيذ تبرز معالمها وتبدو ملامحها ويتحدد إطارها الكلي في الاهتداء بما هو آت ٍ.
1- جماعة صالحة:
سبق أن قلنا إننا نسعى و نعمل لجماعة المسلمين والتي غابت منذ أمدٍ بعيد وكيف أن هذا الغياب كان له أسوء الأثر في واقع المسلمين والدنيا بأسرها ذلك مع بقاء الطائفة المنصورة هي المنوط بها إعادة صرح الدين وإحياء جماعة المسلمين . وهذه الطائفة مع اليقين بوجودها لا شك ، ظلت على شكل أفراد ومجموعات متناثرة يجمعها منهج ولكن لا يضمها صف ولا يظلها لواء ، وحاجة الأمة اليوم ماسة إلي صفوف متراصة يتقدمها لواء
84 نظرية الإسلام السياسية – المودودي
معقود . وجماعة مثل هذه اليوم من أعظم واجبات المسلمين عموماً والعلماء والدعاة على وجه الخصوص، وبجهد مثل هذه الجماعة وجهادها وبصدقها مع الله وتعالى وصبرها ومصابرتها يتحقق إحياء جماعة المسلمين وتمكينها عندما يـأذن الله بذلك إن شاء الله تعالى.

ومن واجب الجماعة التي تسعى لإقامة هذا الدين لتكون من الطائفة المنصورة أن تضرب بسهم وافر من صفاتها والاضطلاع بواجباتها ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم [1 فهذه الآية الكريمة وما بعدها تحدد وبوضوح صفات جيل إعادة التمكين وهو الوعد الحق الذي بشر الله به عباده الصالحين ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ 2

وظاهر من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وواقع السيرة الشريفة انه من السنن الماضية أن الخير والشر في الأرض تحدثه جماعات ; لان الأفراد مهما كانوا فان أثرهم ضعيف ونصوص الآيات أعلاه خير شاهد فان الله جل شأنه جعل جيل النصر والتمكين ( قوم) كما كان وعده بالاستخلاف ( للذين امنوا وعملوا الصالحات ) وقول الله تعالى نص في الأمر ، فمناط الأمر للأقوام ولا أثر للأقوام إذا لم تضمهم جماعة ] إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم [ وبأشتدات عود مثل هذه الجماعة ونموها مع علوها الفكري والمنهجي والخلقي وارتقائها العقلي ثم مكافتحها ومقاومتها ومصادماتها للنظم الجاهلية الباطلة السائدة تبدأ المعركة القاسية من الكفاح والصدام والمراغمة ومن ثم الابتلاءات العظيمة والبلوى الشديدة للقائمين بالدعوة وتكون المعاناة والإيذاء والقتل والتشريد وهنالك يكون الفوز الأول والمعلم البارز عندما تخرج الجماعة المسلمة من تلك الفتن كالذهب الصافي وأعظم ، وقد بذلوا المهج واجتازوا الابتلاء بكل صبر وجلد وعزم ومضاء متمثلين في كل الأحوال الدعوة التي قاموا بها .

2 - إن التفوق الحقيقي للجماعة المسلمة على المجتمعات الجاهلية حولها هو تفوقها في البناء العقدي والروحي والخلقي والاجتماعي والتنظيمي بفضل المنهج الرباني القرآني قبل أن يكون تفوقاً عسكرياً أو مادياً وأعداء الإسلام والجماعة المسلمة دائماً أكثر عدداً وأغنى مالاً وأوفر قدرات مادية على العموم . ومن ثم التفوق السياسي والقيادي الذي يؤسسه الإسلام بمنهجه الرباني فيجتاح به الجاهلية دائماً إن شاء الله .

وعندها يقع انقلاب عظيم في أفكار العامة بعد الخاصة وتتهيأ الحياة لذلك النظام الخاص من الحكم وهنالك لا يستطيع أن يحي في هذا المجتمع الثائر نظام آخر غير النظام الذي يؤمن به ويموت دونه .

وهنا يحتدم الصدام والمواجهة بين الجماعة المؤمنة والطواغيت المستبدة بأمر الناس والمتحكمة في جميع شئون حياتهم لأسباب موضوعية هي طبيعة تلك المرحلة ولوازمها بالقطع والضرورة . ذلك أن مقتضى العبودية الحقة والكاملة وإخلاص الدين لله لا يمكن الوفاء به إلا بالمواجهة وإزهاق الباطل حتى يتمكن الحق . كما انه يستحيل على المؤمنين شرعاً وعقلاً وتجربةً أن يتمكنوا من العيش بدينهم وتنشأة أبنائهم على ذلك وهم يعيشون في بلاد تدين لقانون غير الشريعة – وقد علم شرعاً – واستبان تجربةً أن الطواغيت المستبدين بالأمر هم العقبة الكبرى في سبيل تمكين دين الله و إقامة الشرع وإخراج العباد من عبادتهم إلي عبادة الله تبارك وتعالى.

على يد هذه الطائفة المؤمنة والمجاهدة وعبر جهادها الطويل القاصد واستصحاب الأمة وحشدها معها في المعركة المصيرية يتحقق وعد الله لعباده كما تقدم في السياق ومن المجازفة القول متى يكن ذلك وكيف ولكن حينما يأذن الله بذلك ، وكيف ذلك والله جل شأنه يوجه رسوله r] قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِين [ ونصر الله للحق وأهله آتٍ لا ريب فيه إلا أن هذا النصر إنما يأتي في موعده الذي قدره الله ووفق علمه وحكمته و الايات الصريحة والاحاديث الصحيحة الناطقة بان المستقبل لهذا الدين معلومة مشهورة وقد اشار الشيخ الالباني رحمه الله الي شئ من ذلك في كتابه الاحاديث الصحيحة.

ثم إن الأمة التي تسعى إلي هذه الغاية والطليعة التي تعمل لها لابد من التحقق بصفات خاصة وخبرات متفردة ومن بديع كلمات الأستاذ البنا رحمه الله ( إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول ذلك أو من الفئة التي تدعوا أليه على الأقل إلي قوة نفسية تتمثل في عدة أمور :

* إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف.
* و وفاء ثابت لا يعدو عليه نكوص ولا غدر .
* تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل .
* معرفة بالمبدأ وإيمان به يعصم من الخطأ فيه و الانحراف عنه و المساومة عليه و الخديعة بغيره .

على هذه الأركان التي هي من خصائص النفوس وحدها ومع هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ وتتربى وتتكون الشعوب الفتية وتتجدد الحياة في من حرموا منها زمناً طويلاً ، وكل شعب فقد هذه الصفات الأربع أو على الأقل فقدها قادته ودعاة الإصلاح فيه فهو شعب عابث مستكين ولا يصل إلي الخير ولا يحقق املاً وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام ] إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [ ولهذه الجماعة الرائدة القائمة بواجب الطائفة المنصورة بأذن الله تعالى معالم تعرفها وتعرف بها طريقها فيعصمها الله بذلك من مفارقة الطريق والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره كما تقدم وتحفظها من التبعية وتحملها على الصراط المستقيم ومن اجل هذا كان الميثاق الذي بين يدي القارئ الكريم.

1- الارتقاء الطبيعي:
] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [ إن الناظر إلي المنهج النبوي الكريم والذي كان على مقتضى الوحي يرى كيف بدأت نشأة الجماعة المسلمة وعلى ماذا قامت كما يرى الصورة المثلى التي كانت ثمرتها الدولة الإسلامية المثالية وعلى منوال ذلك يجب أن يكون منهاج الدعوة الراشدة لقد أنشأ رسول اللهr، الجماعة المسلمة الأولى في محضن القران والسنة عقيدة وتزكية وإخاء ومجاهدة حتى مكّن بأذن الله الدين في نفوسهم ثم دفع بهم يحملون مشاعل الدعوة ويقدمون للأمة أخلاق القران وقيمه ، وعندها كان الارتقاء والتمكين ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [ ومن سنن الله الكونية حاجة البشر إلي قيادة ونظام وإدارة تسوس شئون الناس سواء كانت صالحة أو فاسدة ولكن عندما تتهيأ جماعة صالحة بمقومات الريادة والزعامة تزاحم المفسدين أهليةً وقدرات من الأسباب المادية والخلقية والإدارية ثم يتفوقون على المفسدين ديناً وخلقاً وهم لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً عند ذلك فان الظن بالله أعظم من أن يُؤثر المفسدين على الصالحين . و عندما تستقر حقيقة الإيمان في النفوس وتتمثل في واقع حياتهم منهجاً للحياة ونظاماً للحكم وتجرداً لله في كل خاطرة وعبادة لله في الصغيرة والكبيرة فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ، هذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحد تخالفها إلا أن تكون هنالك ثغرة في حقيقة الإيمان أما في الشعور وإما في العمل .
وبقدر تلك الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر للمؤمنين ، حين يوجدون!من المعالم بتصرف .
يقول الإمام المودودي رحمه لله ( دعوتنا لجميع أهل الأرض أن يحدثوا انقلاباً عاماً في أصول الحكم الحاضر الذي استبد به الطواغيت والفجرة الذين ملئوا الأرض فساداً وان ينتزعوا هذه الأمانة الفكرية والعملية من أيديهم حتى يأخذها رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ويدينون دين الحق ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً )1

2 – دولة الفكرة :
إن من خصائص الدولة الإسلامية أنها دولة فكرة قوامها القرآن وجنسيتها العقيدة ووطنها حيث كان النداء بلا اله إلا الله وليس فيها للعنصر والجنس حظ أبداً ، وهذه الفكرة - الدولة الإسلامية على هذه الخصوصية - ظلت عاطفةً وأشواقاً غير متصورة على حقيقتها حتى عند الكثير من المسلمين في عصرنا هذا حيث لا علم قاصد ولا مثال قائم ، كيف وقد سادت علوم مختلفة وشاعت ثقافات مضللة وقامت فوق الرقاب نظم وحكومات كافرة تسوغ لها طوائف شتى من أصحاب الهواء والغافلين وفرق من المبدلين والمخذلين والي الله المشتكى من ( عجز الثقات وجلد الفجار).
فالداعية – داعية إلي الله ] وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ [ لا إلي دنيا ولا إلي مجد وعزة وقومية ولا إلي عصبية و جاهلية ولا إلي مغنم ولا سلطان أو جاه ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [ . وان من أعظم العقبات واخطر المعوقات في طريق التمكين لدين الله في بلاد المسلمين الدولة القومية التي قوامها الجنس والتراب حيث غرست الحدود القومية لكل قوم وصارت العقيدة الباطلة الجديدة ( المواطنة) هي مصدر الحقوق والواجبات – وقد تقرر في إطار الدعوة القومية أن الدين هو سبب التفرق ومعول الهدم للدولة القومية القائمة على شرائع باطلة وجمع عقائد الضلال وتسويتها بعقيدة الحق والهدى. إن عقيدة التوحيد ليست بعقيدة دينية فحسب ، بل إنما تقضي هذه العقيدة على نظام الحياة المبنى على أساس استقلال الإنسان بأمره أو حاكميته لغير الله وألوهيته ، وتنقلع بها هذه الشجرة الخبيثة الملعونة من جذورها وينهدم هذا البنيان من أساسه ويقوم وينهض بنيان جديد على غير هذا الأساس كما قال احد الدعاة الصادقين ) . وعندما تحس الجاهلية بالخطر الذي يتهدها من دعوة أن لا اله إلا الله و أن محمداً رسول الله وما تمثله من ثورة على كل سلطان لا يستمد من سلطان الله ، والتمرد على كل طاغوت في الأرض والفرار منه إلي الله – ومن ثم بالخطر الجدي من التجمع الحركي العضوي الذي أنشأته الدعوة – وعندها تنتفض الجاهلية وتجمعها الجاهلي ليدفع عن نفسه الخطر الذي يتهدد وجوده بكل ما يدفع به الكائن الحي خطر الموت عن نفسه . هذا هو الشأن الطبيعي الذي لا مفر منه كلما قامت دعوة ربانية وتمثلت في تجمع حركي جديد يدفع في حركته قيادة جديدة ويواجه التجمع الجاهلي القديم مواجهة النقيض للنقيض ، وكما هو معلوم فان النقيضين لا يجتمعان ولا ينتفيان ، وعندها تكون العاقبة للمؤمنين ولو بعد حين إن شاء الله.
ومن الإيمان بالله اخذ العدة وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله تحت الراية المرضية واللواء المعقود) ] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [ 1 ] وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ 2 والتمحيص بالمراوحة بين النصر والهزيمة حتى يستحقوا النصر من الله فأنه مدخر لمن يستحقه ،ولن يستحقه إلا الذين صبروا وثبتوا حتى النهاية فالثبات هو بدء الطريق إلي النصر فأثبت الفريقين اغلبهما. ,ولا يتحقق الثباتإلا بكثرة ذكر الله والتوكل عليه والاستعانة به ] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [ ( وقد يبطئ النصر لأسباب متعددة ، وقد يتحقق على صورة لا يدركها البشر والمؤمن يتعامل مع وعد الله على انه حقيقة واقعة) [1]

نحن و الديمقراطية
مصطلح ذاع وانتشر منذ نحو قرنٍ في ديار الإسلام ، فوجد له دعاةً يروجون له ويدعون إليه ، وأصبح الناس حيال هذا المصطلح الغريب أصنافاً ، فمنهم صنف ماكر يعلم مدلول ما يدعوا إليه ومرماه ، فيعمل لإقراره في واقع المسلمين بل في عقولهم وأفئدتهم ؛ تبديلاً لدينهم وشرعهم ، وصنف ساذجٌ منخدع لا تنقصه حسن النية إلاَّ أنه جاهل بما يُرَوّج له جهلاً مركباً ، فهو يدعو إلى الديمقراطية باعتبارها مفهوماً لغير الذي وُضِعَ له ، فتارة يراها نظاماً غير مخالفٍ للإسلام وشرعه ، وتارة يدَّعي أن الإسلام دعا إليها ، وثالثة الفواجع أن يزعم أن الإسلام هو الديمقراطية نفسها . وفي ذلك تلبيس على الأمة وتبديل لدينها ، بين مكر الماكرين ، وتأويلات الجاهلين . وأما الصنف الثالث الذي يعلم حقيقة هذا المصطلح وحكم الشرع فيه فعزيز نادر .

وفي هذه السطور نُبيِّن بعون الله تعالى حقيقة هذا النظام – الديمقراطية – بالتعرف على هذا المصطلح وِفْقَ ما وضعه له أهله ، ثم نُبيِّن حكم الشرع فيه ، إذْ لا يجوز الإقدام على الحكم على الألفاظ إلا بعد تحريرها ، والوقوف على عُرفِ أهلها والناطقين بها ، فإن ذلك ركن في الفتوى وهو ما يعرف بتحقيق المناط . قال الإمام ابن القيم : ( لا يجوز لهُ – أي المفتي – أن يفتي في الإقرار والإيمان والوصايا وغير ذلك مما يتعلق باللفظ ، بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عُرف أهلها والمتكلمين بها فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه ، وإن كان مخالفاً لحقائقها الأصلية ، فمتى لم يفعل ذلك ضلَّ وأضلَّ )) [2]

وبُعداً عن التلبيس والضلال وروماً للحق ، نتعرف على الديمقراطية ومراد أهلها بها ، ومفهومها وأساسها الذي تقوم عليه .

والذي نريد بيانه أن الديمقراطية سلطة وحكم وقضاء وسيادة وطاعة ، فهي دين يُدان به ، ويُدعى إليه ويوالي عليه ويُعادي ، بل انتهى الأمر بأمم الكفر قاطبة ، وطوائف ممن ينتسب إلى الإسلام إلى أنها أعدل الأديان في هذه الأزمان .

تعريف الديمقراطية :
يرجع أصلها إلى عهد اليونان القديم ، وهي مركبة تركيباً مزجياً من لفظين ديموس “ Demos “ أي الشعب ، وكلمة كراتوس “ Cratas “ أىْ السلطة : ومعناهما " سلطة شعب " [3]
* مفهومها : المذهب الديمقراطي هو الذي يرجع أصل السلطة أو مصدرها إلى الإرادة العامة للأمة ، كما يقرر بأن السلطة لا تكون شرعية إلا حين تكون وليدة الإرادة العامة للأمة [4]
* جاء في إعلان الحقوق الفرنسي الصادر 1789 في المادة الثالثة : " الأمة مصدر السيادة ومستودعها وكل هيئة وكل شخص يتولى الحكم إنما يستمد سلطته منها " والديمقراطية إصطلاح " يُستعمل في الغرب في أغلب الأحوال بالمعنى الذي أعطته إياه الثورة الفرنسية ، ويشمل المضمون الواسع لهذا المصطلح حق الشعب المطلق في أن يُشَرِّع لجميع الأمور العامة ، بأغلبية أصوات نوابه ، وعلى هذا فإن إرادة الشعب التي انبثقت عن النظام الديمقراطي تعني – من الوجهة النظرية على الأقل – أن هذه الإرادة ذاتٌ حرةٌ لا تتقيَّد مطلقاً بقيود خارجية ، فهي سيدة نفسها ، ولا تُسأل أمام سلطة غير سلطتها " [5]
* ومعلوم ضرورةً في دين الإسلام أنه لا سلطان إلا للشرع وأن التشريع إنما هو حق خالص لله تعالى فلا حاكم إلا هو قصراً وحصراً }... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {[6] فالاحتكام إليه عبادة له سبحانه. وإسناد التشريع إلى غيره شرك به ، وعبادة لذلك الغير ، ووصف الشعب بالسيادة والذات الحرة التي لا تتقيد بقيد ، ولا تسأل أمام أحد ، خَلعٌ لخصائص الألوهية والربوبية على المخلوقين ، فالله تعالى خالق الخلق وآمرهم } ... أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ...{[7]} ...وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {[8]} لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {[9] ولا يشاركه في ذلك أحد ، فهو الملك الحكم المهيمن شرعه على كل أحد ، لا كما يقول أحد طواغيت السيادة وهو البروفيسور آيسمن الفرنسي ، في سلطة السيادة " سلطة أصلية مطلقة عامة غير محدودة تُهيمن على الأفراد والجماعات " [10] والسيادة المطلقة بهذا الوصف ليست إلا لله تعالى وحده .
* والأساس الذي قامت عليه الديمقراطية هو " سيادة الشعب " وهي سلطة أصلية كما تقدم عُليا لا توجد إرادة أخرى تساميها أو تعلو عليها ، فهي تعلو جميع الإرادات .
* وصاحب السيادة علاقته بغيره علاقة المتبوع بالتابع ، فعليه تنفيذ ما يصدر عنه من أوامر ليس بسبب مضمونها أو فحواها ولكن لأنها صادرة عن إرادة هي بطبيعتها أعلى من إرادتهم ، فيقول " روسو " وهو أحد فلاسفة السيادة في شأن العلو والتفرد : " إنه لا يتفق مع طبيعة النظام السياسي نفسه أن يفرض على صاحب السيادة قانون لا يستطيع أن يخالفه أو ينقضه " [11] فهو الآمر بما يشاء والحاكم بما يريد وعلى غيره الطاعة والإذعان ، لأن ما يأمر به وما يصدر عنه لا يكون إلا حقاً وعدلاً ، يقول " إبراهام لنكولن " : لماذا لا نثق ثقةً كاملةً في العدالة القصوى لحكم الشعوب ، هل هناك آمال أحسن وأبعد من هذه العدالة أو حتى مساوية لها في حياتنا الدنيا " [12]
ورأي الأغلبية هو المعيار الصادق المعبر عن الحقيقة الصادقة ، وأن العقل هو الذي يمثل المرجع الوحيد لِسنَّ القوانين والحكم على الأشياء والأفعال وهو طليق من كل قيد سابق على صدور الحكم أولا حق له ، فلا تتقدم عليه جهة بالحكم ولا تتعقبه فلا يجوز التقديم بين رأي الأغلبية ، ولا معقب لحكمه ، والإرادة العامة للجماهير هي تملك التعبير القانوني لإصدار الحكم على الأشياء والأفعال لِسَنِّ القوانين والدستور وِفق ما توصي به عقول الأغلبية المنتخبة في مجلس الأمة الممارس للحياة السياسية .[13] هذه هي السيادة كما صورها الكُتَّاب الفِرنسيون ، وكما نصت عليها القوانين الفرنسية المتعاقبة ، وكما انتقلت بعد ذلك إلى معظم الدساتير في كثير من بلدان العالم : سلطة عليا آمرة :

تفردت بالحكم فلا تشرك في حكمها أحداً ، إرادتها هي القانون ، وتوجيهاتها هي الشريعة الملزمة ، وتفردت بالعلو فلا سلطة تعلو عليها أو تساويها ، قائمة بذاتها ، فلم تكتسب سلطانها من إرادة أخرى ، وحقوقها مقدسة لا تقبل التنازل ولا يسقطها التقادم ، ومعصومة من الخطأ ، فكل ما يصدر عنها هو الحق والعدل : فهي السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال ، أو المتعلق بأفعال المواطنين على سبيل التكليف أو الوضع " [14]

وبالتأمل في هذه الخصائص للسيادة ، أمكننا أن نقول هي الألوهية والإلهية ، والتي هي العبادة أو التأليه وهو التعبيد ، كما في لسان العرب ، والعبادة الخضوع والطاعة والدينونة .

فالعلو المطلق والتفرد بالحكم على الأشياء والأفعال ، والتسليم لهذا الحكم وعدم التعقيب عليه والعصمة والعدالة في هذا الحكم ، هذه الأوصاف من خصائص الإله المعبود .

وقد تقرر في عقيدة المسلمين أن هذه الخصائص لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى المعبود الحق } ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {[15]} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ {[16]} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ {[17] فهو صاحب العلو المطلق. وهو المتفرد بالحكم والتشريع للعباد كما تفرد بالخلق فهو المطاع لذاته سبحانه ، ولحكمه يستسلم العبد ويخضع وطاعة غيره تبع لطاعته } قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) {[18] فمن صرف شيئاً من خصائص الألوهية لغيره سبحانه كان مشركاً ، فالحكم على الأشياء والأفعال من خصائصه سبحانه فما حَسَّنه شرعه فهو حسن ، وما قبَّحه فهو القبيح ، وفي الحديث أن أعرابياً من بني تميم قال للنبي r إن حمدي زين وذمي شين ! قال له : ذاك الله ) أي ليس من خصوصياتك ولا سائر البشر إنما هو من خصوصيات الله تعالى وحده ، فقد يكون زينك عنده شين وشينك عنده زين ) [19] والتحليل والتحريم من خصائص ألوهيته سبحانه وتعالى } قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ {[20] والحكم والقضاء بين الخلق في الدنيا والآخرة ، خاص به سبحانه } ...وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا {[21] قال الطبري : ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحداً سواه شريكاً بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحب )[22]

والألوهية والربوبية كذلك في النظام الديمقراطي ، تُخلَعُ على الشعب ، فهو صاحب السيادة المطلقة التي تحكم وتشرع بما تشاء ، ثم هذا الشعب يصرف هذه الألوهية إلى أشخاص معدودة هي المجلس الذي يمثله ، فهو الذي تتمثل فيه مظاهر السيادة في السلطة التشريعية والتنفيذية والسلطة القضائية ، فالحياة النيابية القائمة على الانتخاب ، وتمثيل الأمة مرآة لسطان الشعب ، وينظمها قبول حكم الأغلبية واعتبار القانون الذي يسير إرادة الحكم . واعتُبر القانون الذي يصدر عن إرادة الأمة للأغلبية المنتخبة قانوناً عادلاً يحقق الآمال التي تستهدفها وهذا القانون الذي يعبر عن سيادة الأمة يمثل الحقائق التي لا بد من التسليم بها ) [23] .
وفلسفة الديمقراطية تقوم أساساً على الإيمان بالطبيعة الإنسانية ، والثقة في استعداد الأفراد الطبيعي للإيمان بالحقائق والنزول عند حكمها متى عُرضت عليهم عرضـاً سليماً مقنعاً ) [24] .

وبهذا تكون السيادة قد رُدَّت إلى ملإٍ من الناس هم الذين يمثلون الشعب ، وعلى الشعب بعد ذلك الخضوع لسلطانهم والإحتكام إلى تشريعهم والتخاصم إلى قضائهم ، فهم مشرعوا القوانين وحراسهُ القائمون على القضاء والحكم به وعلى الشعب التسليم فـ ( حينما يتكلم القانون يجب أن يصمت الضمير ) [25] وبهذا الصنيع صار الشعب عابداً معبوداً .

ولعمر الحق إنها لأبشع صورة للشرك لم تعرف لها البشرية مثيلاً في التاريخ قبل الديمقراطية ، وهي أشنع من تلك الصورة التي دمغ الله تعالى بسببها أهل الكتاب بالشرك ، ذلك أنهم اتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً ينزلون عند حكمهم في التحليل والتحريم ، قال تعالى : } اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {[26] عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ، في سبب نزول هذه الآية أنه أتى النبي r قال فلما انتهيت إليه وهو يقرأ } اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ { حتى فرغ منها ، قلت أنا لسنا نعبدهم ، فقال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه قال : قلت : بلى ، قال فتلك عبادتهم )) قال البغوي : فإن قيل إنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان بمعنى الركوع والسجود – قلنا : معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلَّوا وحرموا ما حرموا فاتخذوهم كالأرباب ) [27]

فالمعبود في هذه الصورة هم الأحبار فقط ، والناس لهم عابدون ، أما في صورة الديمقراطية فالمعبود هو الشعب يصير في ذات الوقت عابداً للملإ الذين يحكمونهم . فمن أدّعى حق التشريع والقضاء بين العباد ، منازع لله تعالى في ألوهيته وربوبيته شخصاً كان أو هيئة أو مجلساً ، ومن صرف هذا الحق لغير الله تعالى وأسنده إليه ، فقد اتخذه رباً وإلهاً ومعبوداً ، وهو كافر بالله مشرك في عبادته .

أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله .. )[28] وقال تعالى في استحلال أكل الميتة بعدما حرمها الله } وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ {[29]

وما يُشرعه هؤلاء الملأ من قانون ودستور إنما هو دين يدينونه لأن الدين الذي عناه الله تعالى في قوله : } لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {[30] و قوله تعالى[31]} ... لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ..{[32] إنما هو ما عليه أهل الشرك والكفر من العادات والأحكام والشرائع والحدود والطرائق ، والنظام الفكري والعملي الذي يتقيد به الإنسان في حياته يصدق عليه إسم الدين في اللغة والشرع .

فإذا كانت السلطة التي يستند إليها لإتباعه قانوناً أو نظاماً لشرع الله تعالى فالمرء لا شك في دين الله عز وجل ، وإما إن كانت تلك السلطة سلطة ملك من الملوك فهو في دين الملك ، وإن كانت سلطة المشايخ والقسوس فهو في دينهم وإن كانت للعشيرة أو جماهير الأمة أو الشعب أو البرلمان فالمرء لا جَرَم في دين هؤلاء .. وهذا الذي أراده فرعون حينما قال } وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ {[33]

ولصاحب السيادة في النظام الديمقراطي سلطات ثلاث : السلطة التشريعية : ودورها سنَّ القوانين التي يُتحاكم إليها في الدماء والأموال والأعراض وفي كل شئون الحياة، والسلطة التنفيذية :وهي التي تحافظ على النظام العام والسهر على حماية هذه القوانين، والسلطة القضائية:ووظيفتها حل المنازعات والفصل في الخصوصات وفقاً للقوانين الصادرة من السلطة التشريعية ) [34]

ولا تخفى مصادمتها لدين الله الذي لا يكون حق التشريع فيه إلا لكتاب الله وسنة رسوله r في الدماء والأعراض والأموال وفي كل شيء نصاً أو استنباطاً } وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {[35]} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {[36] فلا تُرَدُّ المنازعات والخصومات إلاَّ إلى الكتاب والسنة وإلاَّ إلى من يقضي بهما ، وأن ذلك شرط في صحة الإيمان ، بل هو ركن فيه .

فمن يُشرِّعُ للناس ، ويفصل بينهم في المنازعات بغير شرع الله ، فهو طاغوت يجب الكفر به } أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {[37] قال ابن تيمية : والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله ، أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت ، ولهذا سُمِىَ من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت ، وسمى فرعون وعاداً طغاة ) [38]

والمنفذون أصحاب السلطة التنفيذية الذين يحافظون على النظام العام لهذه الأنظمة و التشريعات الطاغوتية ويسهرون على حمايتها وينافحون عنها ، فهم أولياء للطاغوت وعبدة له ، فالمؤسسات العسكرية التي تقاتل من أجل الإبقاء على سيادة القانون وحماية أنظمته ، مؤسسات طاغوتية معبَّدة للقانون وسدنته وطواغيته } الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {[39]} اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {[40] ومما يدخل في السلطة التنفيذية الأجهزة الإعلامية بأنواعها التي تدافع عن النظام بتحسين وجهه والترويج له ولأفكاره ومناهجه ، فأصحاب هذه الأجهزة طواغيت يعبدون الطاغوت و ( الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله ، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه ويشمل كل من نَصَّبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله .. ) [41]

وقال الشيخ محمد حامد الفقي في معنى الطاغوت ( ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال ، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك ، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها ، والقوانين نفسها طواغيت ، وواضعوها ومروجوها طواغيت .. ) [42]

وقال المودودي : ومعنى الطاغوت في إصطلاح القرآن ، كل دولة أو سلطة ، وكل إمامة أو قيادة تبغى على الله وتتمرد ، ثم تنفذ حكمها في أرضه ، وتحمل عِبادَهُ على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد ، فاستسلام المرء لمثل تلك السلطة وتلك الأمامة والزعامة ، وتعبَّده لها ثم طاعته إياها ، كل ذلك منه عبادة – ولا شك – للطاغوت ) [43]

فالديمقراطية سلطة طاغوتيه تستمد سلطانها من أهواء البشر وضلالالتهم : يقول سيد قطب : إن الطاغوت هو كل سلطان لا يُستمد من سلطان الله ، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله ، وكل عدوان يتجاوز الحق ، والعدوان على سلطان الله وألوهيته ، وحاكميته هو أشنع العدوان ، وأشده طغياناً وأدخله في معنى الطاغوت لفظاً ومعنىً ، .. وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان ، ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبَّاداً لهم وسمَّاهم مشركين .. وهم لم يعبدوهمْ بمعنى السجود والركوع ، لكنهم عبدوهمْ بمعنى الإتباع والطاعة وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله ) [44]
واتفق المسلمون على أن العقل ليس بشارع وأن الحكم والسيادة للشرع لا للعقل ( وأنه لا حكم للعقل ) [45]
ولا خلاف في كون الحاكم هو الشرع بعد البعثة وبلوغ الدعوة ) [46]
وحكى الإمام الإسنوي الإجماع على ( أن الحاكم حقيقة هو الشرع ) [47]
وقال الإمام الشاطبي : ( الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية أو معينة في طريقها ، أو محققة لمناطها ، أو ما أشبه ذلك ، لا مستقلة بالدلالة ، لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي والعقل ليس بشارع ) [48]
وجعل العقل مصدراً للتشريع في الديمقراطية تأليه للعقل وعبادة له .

ونخلص من هذا البيان أن النظام الديمقراطي دين واعتقاد ، له فلسفته الخاصة للكون والحياة والإنسان ، وهو التطبيق العملي للعلمانية القائمة على إقصاء الدين الحق عن حياة الناس ، وحمل الناس على الخروج منه بحجة حرية الاعتقاد ، والتسوية بين المسلم والكافر في الحقوق والواجبات على أساس عقيدة الوطنية ؛ فهي التي تجمع وتفرق .

فإذا كان من معاني الدين في اللغة والشرع : التعبد والتذلل ، ومنه الكيِّس من دان نفسه .. ) أي أذلها واستعبدها ، ودانه ديناً : أَيْ أذله واستعبده ويقال دِنته فدان ودانَ فلانٌ فلاناً ، إذا عبده وإطاعه ، فإن الديمقراطية تقوم على السيادة التي تقضي سيد ومسود ، ومتبوع وتابع خاضع ، وآمِر ومطيع ، لذلك قالوا : والقانون الذي يعبر عن سيادة الأمة يمثل الحقائق التي لا بد من التسليم بها والنزول عند حكمها )

وإذا كان من معاني الدين : القهر والسلطان من قولهم دان الناس إذا قهرهم على الطاعة ، يقال دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا ، ودِنتُ الرجل حملته على ما يكره . فإن نظام الديمقراطية يقهر الناس ويتسلط عليهم بالإرادة العامة التي تتمثل في تشريعات الملإ الحاكم باسم الشعب ، كما تقدم كلامهم في ذلك ، سلطة أصلية مطلقة عامة غير محدودة تهمين على الأفراد والجماعات .[49]

وإذا كان من معاني الدين السياسة والملك : دِنته أدينه ديناً سُسته ، ودِنته مَلكْتُه ، ودَيَّنْتُه القوم وَلَّيتهُ سياستهم . [50]
والقضاء والشرع : } ... مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ...{[51] قال قتادة في قضاء الملك .

فإن النظام الديمقراطي يملك أمر الناس ويسوسهم ويقضي بينهم بما اخترعه طواغيت النظام ونَحَتُوه من زُبالات أذهانهم ، وضلالات أهوائهم ، فذلك دينهم الذي يعتقدون وإليه يدعون وعليه يوالون ويعادون ويقاتلون ، فمن اعتقد هذا الدين الديمقراطي وهذا المذهب الجاهلي ، ورأى صلاحية أحكامه للفصل بها بين البشر ، فقد اعتقد غير الإسلام وأتى ناقضاً من نواقض الإيمان ، فدين الإسلام غير دين الديمقراطية ( فالدين الذي انزله الله هو الإسلام، والإسلام : التحاكم إلى كتاب الله ، وإطاعته وأتباعه ، فمن لم يفعل فليس له دين وليس مسلماً وإن ادَّعى الإسلام ، وادَّعى أنه على دين الله . فدين الله يحدده ويقرره ويفسره الله ، وليس خاضعاً في تعريفه وتحديده لأهواء البشر ، كل يحدده أو يعرفه كما يشاء ) [52]

} فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {[53]

ولما كان كل دين سوى الإسلام هو دين الطاغوت ، والداعي إليه طاغوت ، فالواجب معرفة أنه لا يصح إيمان العبد إلا بالكفر بالطاغوت ولذلك قدمه الله تعالى في قوله : } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {[54]

وذلك ركن الإيمان الذي لا يقوم ولا يصح إلا به ، فمن صرف شيئاً من معاني الدين المتقدمة لغير الله تعالى وشرعه لم يحقق الإيمان ولا الكفر بالطاغوت ، حتى يكون الدين كله لله ( والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله ) [55] مما تقدم اتضح أن الديمقراطية طاغوت يجب الكفر به ] فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (البقرة:256)
ويكون الكفر بدين الديمقراطية بأمور :
* إعتقاد بطلانه وبغضه وبغض أهله وتكفيرهم والبراءة منهم وعداوتهم ، وهجر مجالسهم الشركية التي ينازعون الله فيها ، } قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {[56] وبَدَا أيْ ظهر وبان فلا بد من ظهور العداوة والبغضاء ، فهذه ملة إبراهيم التي أُمر نبيَّنا r بإتباعها ، والأسوة الحسنة التي دعينا إليها ، ولا يرغب عنها ويتنكبها إلا سفيه متلاعب بدينه ، } وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {[57]} وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْـرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {[58] واجتناب الطواغيت واعتزالهم واجب } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {[59]} وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْـرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {[60] .
* قطع موالاتهم والتحالف والتناصر معهم ، فإن ذلك مجلبة لسخط الله تعالى وعقوبته في الدنيا والآخرة } وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَآء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {[61] وقال بعض السلف : الركون الميل اليسير ، وقال ابن عباس : ولا تميلوا [62] وقال تعالى : } لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {[63]} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا {[64]} وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {[65] فما من مجلس يجلسه هؤلاء الديمقراطيون إلا ويكفرون فيه بشيء مما أنزل الله تعالى أو يهزأون به ، وموقفهم من شريعة الله تعالى واضح جليٌّ وهو الرد والرفض ، فالواجب على الحريص على دينه مزايلتهم ومراغمتهم والغلظة عليهم } ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) {[66] وكراهيتم لما أنزل الله من الاحكام والشرائع ظاهرة لا يخفونها } وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) {[67] ومما يجب إيضاحه أن الاتفاق مع العلمانيين الديمقراطيين في شيء من دينهم وأفكارهم ومناهجهم ، كالاتفاق معهم في التعايـش ، أو المواطنة ، أو مناصرتهم ، أن ذلك ردة عن الإسلام وإتباع الضلال بعد الهدى و إحباط للأعمال } إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) {[68]
* ويتحقق الكفر بالديمقراطية بمجاهدة أهلها باليد واللسان والقلب بغاية الطاقة و الوسع : } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {[69] قال ابن مسعود: ] جاهد الكفار والمنافقين[ قال بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، ولْيَلْقَهُ بوجهٍ مُكْفَهِرٍّ ، أيْ عابس متغير من الغيظ والبغض [70] وواجب الجماعات العاملة للإسلام في زمن الاستضعاف بيان حال هؤلاء القوم لا الدخول في أحلافهم ، وذلك حتى لا تختلط سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين ، والإعتصام بالكتاب والسُّنة وإتباع هدى السلف في التعامل مع أهل البدع والأهواء لا سيما إذا كانت بِدعاً مكفرةً كبدعة الديمقراطية ، وعدم الصدع ببيان مناهج العلمانيين و تعريف المسلمين بأديانهم وعقائدهم ، يجعل المسلمين في أمرٍ مريجٍ منهم ، وتنطلي عليهم شبهات المروجين ، فيختلط دين الله بدين الديمقراطية ويقعون فرائس لألوان من العبودية للعبيد : خاصة مع الغَبش الذي اعترى مفاهيم المسلمين بحقيقة الإيمان ومدلول شهادة التوحيد ، ومعرفة ما يضاد ذلك من الكفر والإشراك والجاهلية ، وهذا كما يقول سيد قطب : ( أشق ما تواجهه حركات الإسلام الحقيقية في هذه الأوطان مع هذه الأقوام .. أشق ما تُعانيه هذه الحركات هو عدم استبانة طريق المسلمين الصالحين ، وطريق المشركين ، واختلاط الشارات والعناوين ، والتباس الأسماء والصفات ، والتيه الذي لا تتحدد فيه مفارق الطريق ، ويعرف أعداء الحركات الإسلامية هذه الثغرة ، فيعكفون عليها بالنواصي والأقدام ؟تهمة تكفير المسلمين ، ويصبح الحكم في أمر الإسلام والكفر مسألة المرجع فيها لعرف الناس واصطلاحاتهم ، لا إلى قول الله ولا إلى قول رسولهr .

إن الإسلام ليس بهذا التميع الذي يظنه المخدوعون ، إن الإسلام بَيِّنٌ والكفر بَيِّن . الإسلام شهادة ألا إله إلا الله بذلك المدلول ، فمن لم يشهدها على هذا النحو . فحكم الله ورسوله فيه أنه من الكافرين الظالمين الفاسقين المجرمين ) [71]

حكم العمل في المؤسسات العسكرية
المؤسسات العسكرية التي تشكل الجيوش والشُرَط في ديار الإسلام ، مؤسسات قانونية ، قائمة على مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، وقد خَلَفَتْ هذه المؤسسات الكفار الأصليين بعد خروجهم ، وساست البلاد والعباد على أحسن ما يريده أولئك الكفرة .

وكان الهدف من إنشائها : حماية الحدود الجغرافية التي نصَّت عليها اتفاقية "سايكس – بيكو " البريطانية الفرنسية عام 1916م والتي كانت إمعاناً في إضعاف المسلمين وإذلالهم وإبقائهم ضعفاء ممزقين أو شركاء متشاكسين ، في خطوط وهمية : وأتربة وطنية " كانت هي البديل عن الدين الذي ربط المسلمين قروناً عديدة من المحيط إلى المحيط .

فلا يبيح القانون لهذه المؤسسات أن تقاتل خارج الحدود الوطنية أو لغير ذلك الغرض وهو حماية " الوطن العزيز "

و حماية القانون والدفاع عنه ، وحماية النظام القائم ديمقراطياً كان ، أو شمولياً عسكرياً ، فأجهزة المباحث والأمن الداخلي والشُرَط مهمتها الحفاظ على النظام وتثبيت أركانه .
ومهما تبدلت الأنظمة والحكومات ، وتغايرت أهدافها ومبادؤها ، فإن المؤسسة العسكرية تبقى كما هي ، فهي قائمة على سيادة القانون ، فلا يعتريها تغيير ، وربما انقلبت على النظام نفسه إذا لم يتماشى معها ، وتعدُّ في الأنظمة الديمقراطية صاحبة السيادة التنفيذية أما في الأنظمة العسكرية فتجتمع عندها كل السلطات .

والمتتبع لأحوال هذه المؤسسات ونظمها يظهر له جلياً مدى تعمق القوانين الكفرية في نفوس العساكر ، وتعظيمهم لها وتأليههم إياها ويظهر ذلك في :

* عدم إشراكهم في إعتناق المبادئ العسكرية ، فلا يعظمون غيرها ولا يعتقدون سواها " إذ لا يبيح لهم هذا القانون الطاغوتي الإشتراك في أي حزب أو جماعة ذات أفكار ومبادئ خارج تلك المؤسسة إلاَّ الدوائر الماسونية العالمية السرية .
* منع آحاد المسلمين وجماعاتهم من اقتناء السلاح ، واستحلال دماء من يفعل ذلك صوناً للقانون وحماية له
* الولاء التام للقانون ولأفراد المؤسسة والإقسام على ذلك وتقديسه .
* الطاعة المطلقة للأعلى رتبة على الأدنى ، ويتمثل ذلك في تنفيذ أمره والقنوت له .
* تعظيم الرُّتُب والدرجات والشارات والأزياء والأعياد المستمدة من الطقوس الوثنية والشرائع الشركية كالنجوم والنسور ، والذئاب ،والسباع ، وتمثال الجندي المجهول والعَلَم والقنوت له والوطن وغير ذلك من الأوثان . ويطلب هذا التعظيم كذلك من عامة الناس غير العسكر .
* إتباع النظم الغربية الكفرية في بث هذه المبادئ في نفوس الجنود ، بالقهر والقسوة والإذلال ، والألفاظ البذيئة النابية وإبعاد تأثير الدين في سلوكه ، فينسى ما كان عليه من كرامة وديانة وتعظيم للمحرمات ، فيصير حقيراً تافهاً أمام من هو أعلى منه رتبةً ،فينفذ ما يُطَلَبُ منه ولو كان مما حرمه الله تعالى ، فلا يعقب ولا يعترض إذْ القاعدة عندهم ؛ وهي بمثابة الآية وقداستها " نَفَّذ ثم اعترض " ولو كان في ذلك الخروج على شريعة الله وحدودها ، وتلف النفوس والأموال وفواتها . ولا تبقى حينئذ في نفسه روح تحمل الحق أو تعرف العدل ، أو عقل يقف عند حدود الشرع ، إلاَّ ما يحمله من دين الجيش وعقائده المعظمة عنده ، فيوالي على ذلك ويعادي .
* ولا شك أن ذلك هو الشرك الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {[72]
* فالعمل بالقوانين شرك بالله تعالى في ألوهيته كما تقدم تقريره .
* والدفاع عنها كفر فوق كفر وهو دفاع عن الطاغوت } الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {[73]
* والطاعة المطلقة هي دين ، وعبادة ، ولا تكون إلا لله تعالى ، وصَرْفُها لغير الله عبادة لغيره ، ولو كانوا أولى الأمر من المسلمين علماء وأمراء } اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {[74] فكيف إذا كان المطاع إماماً للكفر وسادناً للطاغوت ، فهذا بالقطع مناط مستقل لتكفير هذه الجيوش . } وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{[75]

وَلِمَا تقدم بيانه من حال هذه المؤسسات العسكرية ، لا يجوز لمسلم العمل فيها والدخول في سلكها إذْ هي في دين يناقض دين الله تعالى . ولا يجوز الاحتجاج بالضرورة في مثل ذلك فالدخول في الشرك محرم في جميع الأحوال ، وليس هو كالمحرمات التي تباح في حال دون حال كأكل الميتة للضرورة ونحوها .

ولا يجوز كذلك الإحتجاج بقاعدة " المصالح والمفاسد " إذْ لا يتأتى إعمالها إلاَّ إذا تساوت المصالح والمفاسد ، وأين تلك المصالح المحققة أو المتوهمة ، من مفسدة الشرك بالله بالدخول في قوانين الكفر ودين الطاغوت .


حكم العمل في مجالات القانون (التشريع - القضاء – الدفاع)
من مقتضى الإيمان بالله ورسوله الحكم بما أنزل الله قال تعالى : } وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) {[76]

وليس لمؤمنٍ خيار في أن يقبل حكم الله أو يرفضه – حكماً أو احتكاماً – وإلاَّ انتفى عنه الإيمان وإن زعمه } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا {[77]} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {[78] والنصوص المحكمة واضحة وضوح الشمس في ضاحية النهار في وجوب إلتزام شرعه وتحريم الخروج عليه ، والمقصود من وضع القوانين إحلالها محل شريعة الله تعالى وتلك محادة لله ورسوله r .

فالمتشرع هو الذي يضع الأحكام ويقنن القوانين ، وهو صاحب سيادة بسلطته التشريعية . والقاضي الذي يقضي بين الناس بهذه القوانين وينفذها هو صاحب سيادة بسلطته التنفيذية ، كما هو مُقَررٌ في القوانين ، وهو الذي يحل المنازعات ويفصل في الخصومات وفقاً للقوانين الصادرة من السلطة التشريعية . ورجل الدفاع – المحامي – يدافع وفق هذه القوانين الجاهلية الطاغوتية ويرى أصحيتها ، وإليها يستند في إبطال الباطل ، وإحقاق الحق كما تقرره تلك القوانين وتراه ، لا كما قررته شريعة أحكم الحاكمين .

وهذا المتشرع المنازع لله في إلهيته مهما وضع من قوانين توافق أحكام الله تعالى وشريعته أحياناً ، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه طاغوتاً يحكم بين الناس بالطاغوت . قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على مسند الإمام أحمد رحمه الله [79] : نرى في بعض بلاد المسلمين قوانين ضُربت عليها نقلت عن أوروبا الوثنية الملحدة ، وهي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها ، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه ، وذلك أمر واضح بدهي ، لا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه ، ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر . وهي في كثير من أحكامها أيضاً توافق التشريع الإسلامي ، أو لا تنافيه على الأقل .

وإن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز ، حتى فيما وافق التشريع الإسلامي ، لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها ، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين أوروبا أو لمبادئها وقواعدها ، وجعلها هي الأصل الذي يرجع إليه ، فهو آثم مرتد بهذا ، سواء أَوَضَعَ حكماً موافقاً للإسلام أم مخالفاً .

وقد وضع الإمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا ، ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية ، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك بريئة من هذا العار ، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين ، الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح ، فقال في كتاب ( الرسالة ) رقم 178 بشرحنا وتحقيقنا : ( ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب ، إن وافقه من حيث لا يعرفه ، غير محمودة ، والله أعلم ، وكان بخطئه غير معذور ، إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه )

ومعنى هذا واضح : أن المجتهد في الفقه الإسلامي ، على قواعد الإسلام ، لا يكون معذوراً إذا ما كان اجتهاده على غير أساس من معرفة ، وعن غير تثبت في البحث عن الأدلة من الكتاب والسنة ، حتى لو أصاب في الحكم ، إذ تكون إصابته مصادفة ، لم تبن على دليل ، ولم تبن على يقين ، ولم تبن على إجتهاد صحيح .
أما الذي يجتهد ويتشرع على قواعد خارجة عن قواعد الإسلام ، فإنه لا يكون مجتهداً ، ولا يكون مسلماً ، إذ قصد إلى وضع ما يراه من الأحكام ، وافقت الإسلام أم خالفته . فكانت موافقته للصواب ، إن وافقه من حيث لا يعرفه ، بل من حيث لا يقصده ، غير محمودة ، بل كانوا بها لا يقلون عنهم كفراً حين يخالفون . وهذا بدهي . ) أهـ

وكل من القاضي والمحامي يحمي هذا القانون أن يُخْتَرقَ ، ويتبارون في طاعة ذلك المشرع بإنفاذ ما شرع لهم وتعظيمه واحترامه وتقديسه ، فيوردون نصوصه ويتجادلون في دلالاته ، ولا شك أن هذا تأليه له واتخاذه رباً من دون الله ، يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي : ( فلا شك أن كل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرع الله فقد أشرك به مع الله كما يدل لذلك قوله تعالى } وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ.. {[80] فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد ) [81] وقال في قوله تعالى } وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ {[82] : ( فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله . ) [83]

وهؤلاء القانونيون حريصون غاية الحرص على التقيد التام ، والالتزام الصارم بذلك التشريع الباطل ، والقانون اللعين الذي أنشأت له الكليات والمؤسسات ، التي من شأنها صبغ الدارسين بها والعاملين عليها بصبغة القانون في حياتهم وأحوالهم ( فإذا مارسوا صناعتهم في القضاء أو التشريع أو الدفاع – كما يقول الشيخ أحمد شاكر – لبستهم هذه القوانين ، وجرت منهم كالشيطان مجرى الدم فيتعصبون لها أشد العصبية ، ويحرِصُون على تطبيق قواعدها والدفاع عنها ، كأشد ما يحرص الرجل العاقل المؤمن الموقن بشيء يرى أنه هو الصواب ولا صواب غيره ، وينسون إذ ذاك كل شيء يتعلق بالإسلام في هذا التشريع ، إلا ما يخدع به بعضهم أنفسهم أن الفقه الإسلامي يصلح أن يكون مصدراً من مصادر التشريع ، فيما لم يرد فيه نص في قوانينهم ، ويحرصون كل الحرص على أن يكون تشريعهم ، تبعاً لما صدر إليهم من أمر أوروبا في معاهدة" منترو" ، مطابقاً لمبادئ التشريع الحديث ، وكما قلت مراراً في مواضع من كتبي وكتاباتي : وتبَّاً لمبادئ التشريع الحديث )

فهؤلاء الثلاثة الأنواع : المتشرع والمدافع والحاكم ، يجتمعون في بعض هذا المعنى ويفترقون ، والمآل واحد . أما المتشرع فإنه يضع هذه القوانين وهو يعتقد صحتها وصحة ما يعمل ، فهذا أمره بين ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ، وأما المدافع فإنه يدافع بالحق وبالباطل المخالف للإسلام معتقداً صحته ، فهو كزميله المتشرع ، وإن كان غير ذلك كان منافقاً خالصاً ، مهما يعتذر بأنه يؤدي واجب الدفاع ) أهـ .[84]

وعليه فلا يجوز العمل في هذه المجالات الجاهلية الطاغوتية ، المعاندة لشريعة رب البرية ، فالأدلة القطعية قاضية بإنتفاء الإيمان عمن يباشر هذه الأعمال .

ولا وجه للترخص بحجة الضرورة ، أو أن هناك قضايا لا تقع تحت طائلة الشريعة كالمسائل الإدارية وبعض القضايا المدنية .

وهذا إدعاء باطل لا يسنده عقل ولا شرع ، فإن قيل الضرورة رفع الظلم أو تخفيفه عن بعض المظلومين ولا يترك المجال للظلمة والفجرة ، يقال ما من عمل وإن كان محرماً قطعاً إلا وفيه منفعة } يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ..{[85] وذلك في الخمر والميسر .

والظلم الواقع والضرر الحاصل سببه غياب شريعة الله تعالى ، فلا يتحقق رفعه إلاَّ بتحكيمها ، ولا شك أن مضرة تطبيق القوانين الوضعية المنافي للإيمان ، أربى من مجرد ضياع الحقوق والأموال وغيرها ، لأن في الأول ذهاب الدين وضياع أصل الإيمان الذي هو أعلى مرتبة في الضرورات . أما القضايا التي قيل أنها خارجة عن إطار أحكام الشرع كالقضايا الإدارية ، وبعض المسائل المدنية فليس بصواب ، فما من أمر إلا ولله فيه حكمٌ نصاً أو استنباطاً .
وأما الصورة التي يتخيلها البعض وهي أن القاضي له أن يحكم بشرع الله تعالى وبترك نصوص القوانين المدونة عنده ، فهذه لا وجود لها في الواقع المعاصر ، وإن وقعت واقعة من هذا القبيل يُعدُّ فيها هذا القاضي من الخارجين عن القانون المتمردين على الشرعية الدستورية ، وعرض نفسه للعقوبة والفصل والإقصاء . وفي قصة "عبد الحميد غراب" عبرة وعظة . راجع كتاب نظرية السيادة لصلاح الصاوي .
ومعلوم ضرورة أن التحاكم إلى الطاغوت كفر بالله تعالى ، فكيف بالمطالبة بتحكيمه والأستناد إليه في موضع النقض والإحتجاج والدفاع .

التعامل مع البنوك والمؤسسات الربوية
ثبت تحريم الربا بالكتاب والسنة والإجماع وهو من المحرمات القطعية التي يُعدُّ فاعلها محارباً لله ورسوله } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {[86]

وفي الصحيح : (( إجتنبوا السبع الموبقات ... وذكر منها أكل الربا ))[87]
وأجمع المسلمون على تحريمه على مر العصور . حتى تسلطت عليهم القوانين الكفرية والشرائع الجاهلية فأباحته بضروب من الحيل ، وأنشأت عليه بيوت الأموال " البنوك " التي تتحايل في التعامل به فتدخله في المرابحات وفوائد الإيداعات وغيرها .

فالعمل في البنوك التي تتعامل بالربا محرم ، لأنَّ الموظف فيها إما كاتب حساب الربويات أو مستلم النقود التي يتعامل فيها بالربا ، أو مُسلِّم لها ، أو حاملها أو ناقل أوراقها ، من مكتب إلى آخر ، أو مكان إلى آخر ، أو مساعد لهؤلاء على أعمالهم بقضاء مصالحهم في البنك ونحوه ، فهم في عمل محرم بطريق مباشر أو غير مباشر وما يتقاضاه المكلف بذلك على القيام بعمل محرم من الأجر حرام )[88]

والتعاون مع البنك الذي يتعامل بالربا بعمولة مقابل إحضار عملاء يودعون فيه نقودهم في نظير نسبة مئوية من رؤوس أموالهم – مثلاً – حرام صريح .. ) [89]

وكذلك لا تجوز كفالة من يتعامل مع هذه البنوك الربوية ( وكفالة المرابي لا تجوز لأن فيها إعانة على إرتكاب المحرم ومساعدة على الإثم وقد نهى الله عن التعاون على الإثم فقال } وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {[90] ) [91]

( والمساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز ) [92]
ويحرم كذلك إيداع النقود في مثل تلك البنوك سواء كان بالفائدة أو بدونها .

( وإيداع نقود في البنوك ونحوها تحت الطلب ، أو لأَجَلٍ - مثلاً – بفائدة مقابل النقود التي أودعها حرام ، وإيداعها بدون فائدة في بنوك تتعامل بالربا فيما لديها من أموال محرم لما في ذلك من إعانتها على التعامل بالربا والتمكين لها من التوسع في ذلك . اللهم إلا إذا كان مضطراً لإيداعها خِشية ضياعها أو سرقتها ولم يجد وسيلة لحفظها إلا الإيداع في البنوك الربوية فربما كان له في إيداعها رخصة من أجل الضرورة ) [93]

لأِن في ذلك من توعدهم الله بالحرب واللعن ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله r لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه و قال هم سواء )[94]


[1] طريق الدعوة – لأحمد فائز

[2] إعلام الموقعين ص 4/228 .

[3] القانون الدستوري .د.عثمان خليل .وهو من المروجين لها في العالم الإسلامي / نقض النظام الديمقراطي . د. محمود الخالدي ص 17

[4] الخالدي / عن الوسيط في القانون الدستوري . عبد الحميد متولى .

[5] محمد أسد منهاج الإسلام في الحكم عن الخالدي / ص 17 .

[6] سورة يوسف الآية 40 .

[7] سورة الأعراف الآية 54 .

[8] سورة الرعد الآية 41 .

[9] سورة الأنبياء الآية 23 .

[10] أصول الحقوق الدستورية ترجمة عادل زعيتر ص 30 .

[11] انظر السيادة للصاوي ص 121 .

[12] السياسة والحكم / د. العمري ص 136.

[13] أنظر الخالدي ص 20 - 21

[14] عن السيادة للصاوي بتصرف ص 14 – 15 .

[15] سورة الحج الآية 6 .

[16] سورة الحج الآية 62 .

[17] سورة لقمان الآية 30 .

[18] سورة الأنعام الآيات 162 – 163 .

[19] عن كتاب الطاغوت ص 58

[20] سورة يونس الآية 59 .

[21] سورة الكهف الآية 26 .

[22] 8 /212 .

[23] الخالدي ص 19 .

[24] الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة ، أحمد كمال أبو المجد .

[25] الإسلام ومبادئ الحكم متولي 6 .

[26] سورة التوبة الآية 31 .

[27] 3 ص 285 .

[28]

[29] سورة الأنعام الآية 121 .

[30] سورة الكافرون الآية 6 .

[31] سورة الشورى الآية 13 .

[32] سورة التوبة الآية 33 .

[33] سورة غافر الآية 26 .

[34] نظرية السيادة للصاوي ص 28 .

[35] سورة الشورى الآية 10 .

[36] سورة النساء الآية 59 .

[37] سورة النساء الآية 60 .

[38] الفتاوى 28/200 .

[39] سورة النساء الآية 76 .

[40] سورة البقرة الآية 257 .

[41] الدرر السنية 2/103 .

[42] فتح المجيد ص 254 .

[43] المصطلحات الأربعة للمودودي.

[44] طريق الدعوة 1/30.

[45] أحكام القرآن لابن العربي.

[46] الشوكاني في إرشاد الفحول ص 8

[47] عن الخالدي ص 119 .

[48] الموفقات 1/25.

[49] تقدم ص

[50]

[51] سورة يوسف الآية 76 .

[52] طريق الدعوة ص 59 .

[53] سورة القصص الآية 50 .

[54] سورة البقرة الآية 256 .

[55] الفتاوى ابن تيمية ج 28 ص 544 .

[56] سورة الممتحنة الآية 4 .

[57] سورة البقرة الآية 130 .

[58] سورة الأنعام الآية 68 .

[59] سورة النحل الآية 36 .

[60] سورة الزمر الآية 17 .

[61] سورة هود الآية 113 .

[62]

[63] سورة المجادلة الآية 22 .

[64] سورة النساء الآية 144 .

[65] سورة النساء الآية 140 .

[66] سورة الجاثية الآيات 18 - 19 .

[67] سورة محمد الآيات 8 – 9 .

[68] سورة محمد الآية 25- 28 .

[69] سورة التوبة الآية 73 ، سورة التحريم الآية 9 .

[70] كتاب أوثق عرى الإيمان .

[71] ظلال القرآن.

[72] سورة النحل الآية 36 .

[73] سورة النساء الآية 76 .

[74] سورة التوبة الآية 31 .

[75] سورة الأنعام الآية 121 .

[76] سورة المائدة الآيات 48 – 50 .

[77] سورة الأحزاب الآية 36 .

[78] سورة النساء الآية 60 .

[79] ج6 / 303 - 304 .

[80] سورة الأنعام الآية 137 .

[81] أضواء البيان ج7/173 .

[82] سورة الأنعام الآية 121 .

[83] أضواء البيان ج7/170.

[84] المسند ج6 / 304-305 .

[85] سورة البقرة الآية 219 .

[86] سورة البقرة278- 279 .

[87]

[88] فتاوى اللجنة الدائمة ج13 ص 344 – 345 .

[89] فتاوى اللجنة الدائمة ج13 / 446 .

[90] سورة المائدة الآية 2 .

[91] فتاوى اللجنة الدائمة ص 297 .

[92] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/508.

[93] أنظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/345 .

[94] صحيح مسلم كتاب البيوع – باب لعن آكل الربا وموكله .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-23-2009, 12:50 PM
 
جزاك الله كل خير
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعضاء محرومين من دخول القسم الاسلامي ...؟ احمد اطيوبه نور الإسلام - 47 07-21-2010 04:50 PM
الحجاج بن يوسف الثقفي البؤساء شخصيات عربية و شخصيات عالمية 12 10-23-2009 08:36 PM
الشاعر عبدالله الكدادي الله يرحمه ابو اليمامه أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 10-01-2005 09:57 AM
الشاعر عبدالله الكدادي شعر يمني ابو اليمامه أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 10-01-2005 06:15 AM


الساعة الآن 08:36 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011