عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

Like Tree97Likes
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #231  
قديم 03-21-2010, 08:21 PM
 
الجزء الخامس والثلاثون
"ذكريات"


( هيا اركل الكرة يا كمال.. ماذا تنتظر؟)
قالها ذلك الفتى الذي تجاوز عمره الثلاث عشرة ربيعا وهو يتحدث الى اخيه الذي يقف امامه بكل استعداد ويقول بصوت عالي: هل انت جاهز لصد الكرة يا مازن؟..
قال مازن بضيق: اجل يا كمال.. اركلها..بسرعة فقد بدأت اشعر بالحر..
تراجع كمال الفتى ذا الاحد عشرة عاما .. ومن ثم لم يلبث ان تقدم في سرعة وركل الكرة بكل مالديه من قوة ..لتنطلق الكرة وتشق الهواء في سرعة.. ومازن الذي تابعها بعينه استطاع ان يصدها ويلتقطها بين كفيه بكل مهارة.. فقال كمال باستنكار وهو يراه قد امسك الكرة: هكذا لن تخسر ابدا..
قال مازن مبتسما بغرور: بكل تأكيد لن اخسر.. فلا يمكن لركلة سهلة كركلتك ان تدخل في مرماي..
قال كمال بسخرية: من تظن نفسك؟..
هم مازن بقول شيء ما.. لولا ان لمح في تلك اللحظة تلك الطفلة الجالسة على مقعد متحرك.. وتتطلع الى الحديقة حولها بتوتر وخوف.. فالتفت الى كمال ليقول له: لحظة واحدة.. سأذهب وارى من تكون هذه الطفلة؟..
قال كمال وهو يلتفت الى حيث ينظر مازن: وما شأننا بها؟..
لم يجبه مازن .. بل اسرع الخطى الى حيث تجلس تلك الطفلة..وقال مبتسما وهو يراها تمسك دميتها بكل قوة وكأنها تخشى ان يأخذها احدهم من بين يديها: من انت؟..
انتفض جسد الطفلة بخوف..وسقطت الدمية من بين يديها.. فتطلع اليها مازن باشفاق والتقط الدمية التي سقطت على الارض ليمنحها اياها قائلا: خذي دميتك..
تطلعت له الطفلة بعينين متوترتين وقالت: شكرا لك..
قال مازن وهو يضع الكرة على الارض: لكن لم تخبريني بعد.. من انت؟..
قالت الطفلة ببراءة: انا اسمي ملاك..
قال مازن مبتسما: وانا مازن.. هل جئت الى هنا وحدك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا جئت مع ابي..
قال مازن متسائلا: واين هو الآن؟..
اشارت ملاك الى المنزل وقالت: لقد دخل الى المنزل.. وقد طلبت منه ان يتركني في هذه الحديقة الجميلة..
قال مازن بابتسامة: اليس لديكم حديقة مماثلة؟..
قالت ملاك وهي تتطلع حولها بلهفة طفلة قد وجدت مكانا كانت تتمناه: لدينا حديقة ولكن ليست جميلة كهذه.. او كبيرة كهذه..
قال مازن وهو يتطلع اليها: اذا تعالي العبي معنا..
قالت ملاك بحيرة: العب ماذا؟..
عاود مازن امساكه للكرة وقال مبتسما: كرة القدم..
فاجأه صوت كمال الذي جاء من خلفه وهو يقول: مازن تعال لنكمل اللعب..
قال مازن وهو يبتسم لملاك: انتظر فربما ملاك تريد ان تلعب معنا ايضا..
رمقها كمال بنظرة ضيق ومن ثم قال: لا نحتاج لأن تشاركنا اللعب طفلة مثلها..
تطلعت له ملاك وقالت بغضب طفولي: انا لست طفلة..
قال مازن مهدئا الوضع: كمال دعها وشأنها..
ومن ثم لمح عمه خالد الذي خرج من المنزل فقال : يبدوا انك ستغادرين الآن.. فأظن ان اباك قد خرج..
التفت ملاك الى والدها وابتسمت له بكل حب .. وبادلها هو ابتسامة حانية ومحبة .. قبل ان يقترب منها ويقول وهو يربت على رأسها: سنذهب الآن يا ملاكي..
ولم يهتم بمازن الذي ابتعد عن ملاك قليلا ليفسح المجال لوالدها بدفع مقعدها.. وان لاحقها مازن بنظراته ورآها تلتفت له قبل ان تغادر وتبتسم له.. فابتسم مازن بدوره وهو يلوح لها بكفه مودعا.. وكان آخر ما رآه هو ابتعاد تلك الطفلة الصغيرة مع والدها خارج المنزل.. دون ان يعلم ان تلك الطفلة الصغيرة.. ستكبر وستعود الى المنزل في يوم ..لتضطره الظروف وتجبره على الزواج بها.. ومن ثم تجد نفسها وقد احتلت اهم مكان لدى مازن.. قلبه...

فتح مازن عينيه وهو يشعر بتعب في ظهره من نومه المتواصل على المقعد.. وتطلع الى ملاك التي تنام بهدوء على الفراش المجاور .. قبل ان يمدد ذراعيه قليلا وهو يشعر بتعب في ارجاء جسمه .. وفي تلك اللحظة فقط انتبه الى ضوء الشمس الذي تسلل من بين الستائر.. واسرع يتطلع الى ساعة يده .. ومن ثم قال وهو يهمس لنفسه بقلق: لقد قالت لي نادين ان امنحها الدواء بعد اربع ساعات.. والآن قد مرت خمس ساعات.. يالي من احمق.. كيف سمحت للنوم بالسيطرة علي.. وتركت نفسي اغط في نوم عميق.. دون انتبه الى موعد دواء ملاك..
ما لا يعرفه مازن ان ملاك لم تكن نائمة بل كانت تتظاهر بالنوم.. فقد استيقظت قبل نصف ساعة..وتطلعت حولها بتوتر وارهاق وهي تشعر بأن قطرات العرق قد انتشرت في جسدها كله ..فكادت ان تعتدل في جلستها لتنهض من فراشها وتذهب الى دورة المياه لتستحم.. لولا ان لمحت مازن في تلك اللحظة .. وهذا الاخير ينام على المقعد المجاور لفراشها وسترته على كتفيه ويعقد ساعديه امام صدره كوسيلة لتدفئة نفسه..
وتبخرت أي رغبة من ذهنها.. واحداث الامس تمر امام عينيها كشريط سينمائي..لماذا جاء اليها؟.. لماذا يجلس الى جوارها؟ .. اليعيد اليها ذكرى الامس؟.. ذكرى الخناجر التي طعن بها قلبها ..ام ذكرى الدموع التي سكبتها على كذبه وخداعه وخيانته لحبها؟..
قلبها الذي لم يحب شابا سواه ولم ينجذب الى شخص كما انجذب اليه.. خدعها باهتمامه وحنانه الزائفين ليجعلها تقع اسيرة حبه.. ومن ثم تكون كالكثيرات اللاتي عرفهن .. يرميها اذا شعر بالملل والضجر منها..
واشاحت بوجهها بعيدا لتغمض عينيها بألم وتتظاهر بالنوم.. فاذا استيقظ ورآها نائمة.. سيغادر الغرفة بالتأكيد حتى لا يسبب أي ازعاج..
وبعكس توقعات ملاك.. كان مازن يشعر بالقلق عليها .. وخصوصا وانه اهمل موعد دوائها.. فاقترب منها ليتحسس جبينها ويتأكد من درجة حرارتها.. وفي تلك اللحظة لم تحتمل ملاك قربه منها.. فابعدت يده عن جبينها واشاحت بوجهها بعيدا عنه.. فقال مازن بدهشة: ملاك.. أأنت مستيقظة؟..
صمتت ملاك واغمضت عينيها في قهر.. فقال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: اعذريني .. فقد نسيت موعد دوائك..فقد كان يجب...
قاطعته ملاك قائلة بحدة: اخرج.. لا اريد ان اراك..
قال مازن بابتسامة شاحبة: فليكن يا عزيزتي سأخرج..
قالها ونهض من مكانه ليلقي عليها نظرة اخيرة.. ويبتسم لها بكل حنان.. واستغربت ملاك من نهوضه وخروجه بهذه السرعة وهو بالامس قد رفض الخروج متجاهلا صراخها وبكاءها ..
لكنها لم تهتم كثيرا.. ونهضت معتدلة في جلستها.. كانت تريد ان تجلس على مقعدها المتحرك.. لكنه كان بعيدا نسبيا عنها.. فحاولت تقريب جسدها منه.. وبينما هي كذلك سمعت صوت طرقات على الباب.. وصوت نادين وهي تقول: آنسة ملاك .. هل يمكنني الدخول؟..
تنهدت ملاك وشعرت بالراحة لان نادين ستساعدها على الجلوس على مقعدها .. وقالت في سرعة: ادخلي يا نادين..
فتحت نادين الباب ودلفت الى الغرفة وهي تقول: لقد طلب مني السيد مازن البقاء معك ريثما...
قاطعتها ملاك قائلة بحدة: لا اريد سماع شيء عن مازن.. فقط ادفعي المقعد قليلا..
استجابت نادين لطلب ملاك وتوجهت لتدفع المقعد وتقربه منها.. فرفعت ملاك جسدها بكل ما تملك من قوة.. ورمته بكل ارهاق على المقعد.. فقالت نادين بقلق: آنستي.. انت متعبة.. هل تناولت دوائك؟..
تذكرت ملاك كلمات مازن.. وهزت رأسها نفيا.. فقالت نادين في سرعة: سأحضر لك شيء لتتناوليه ومن ثم ستتناولين دوائك..
( لا داعي لذلك يا نادين)
التفتت نادين الى مصدر الصوت ورأت مازن وهو يحمل صينية تحوي على بعض اطباق الطعام وكأس من العصير وقال بابتسامة تحمل بعض الارتباك وهو يضع الصينية على طاولة الغرفة: لقد استغربت الخادمات دخولي الى المطبخ عندما ذهبت لاحضار افطار لملاك.. لانها المرة الاولى التي افكر فيها ان ادخل اليه..
واردف وهو يلتفت الى ملاك ويغمز لهابعينه: وكل هذا من اجل ملاك.. ارأيت كيف يدللك مازن؟.. لقد خاطر ودخل المطبخ من اجلك..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا وقالت بغضب: لا اريد شيئا منك.. غادر الغرفة الآن..
قال مازن وهو يقترب منها وبلهجة حانية: عزيزتي.. دعيني افهمك كل شيء.. الرسائل التي رأيتها في هاتفي المحمول كانت قبل فترة طويلة..وقبل ان اعقد قراني عليك حتى..
قالت ملاك بسخرية مريرة: وتركتها في هاتفك للذكرى .. لكي تتذكر كل فتاة ارسلت لك رسالة في يوم.. اليس كذلك؟..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: ابدا.. لكني لم اعتد على مسح الرسائل.. ولو بحثت في هاتفي اكثر لوجدت ان هناك العديد من الرسائل التي لا معنى لها في هاتفي ..ولأني لست معتاد على حذفها..
التفتت له ملاك وقالت بنظرة قاسية: كرسائل الحب والغرام التي رأيتها في هاتفك ..
قال مازن بلهجة اقرب الى الرجاء: ملاك.. صدقيني.. علاقاتي تلك كانت بالماضي فقط.. اما الحاضر فهو معك انت..
التفتت له ملاك وقالت بجفاء: لم اعد تلك الساذجة التي تحسبها يا مازن.. لقد فهمت ان البشر من حولي ليسوا سوى مخادعين.. كاذبين .. جميعكم كذلك.. ترتدون اقنعة لتخفوا حقيقتكم عن بعضكم البعض.. اقنعة تحمل معاني الطيبة والصدق والاخلاص .. لكن عندما تسقط تلك الاقنعة تتضح الحقيقة المرة.. بأنكم لستم سوى مخادعون.. تخدعون في اعمالكم .. تخدعون في مناسباتكم.. وتخدعون الناس من حولكم .. وحتى انفسكم تخدعونها بعلمكم او بدون علم منكم..
تطلع لها مازن بدهشة ومن ثم قال بقوة: ابدا يا ملاك.. الناس ليسوا هكذا والدليل ان والدك ليس كذلك.. ومها ايضا.. ربما اكون انا المخطئ لأني لم الغِ الماضي من حياتي.. ولكنه يظل ماضي لا شأن لي به.. صدقيني يا...
قاطعته ملاك وهر تحرك عجلات مقعدها وتتحدث الى نادين: جهزي لي ملابس لكي استحم..
اومأت نادين برأسها واتجهت الى الخزانة.. فقال مازن وهو يقترب منها اكثر..ويمد كفه ليتحسس جبينها..امام نظرات ملاك المستنكرة.. ومن ثم قال مبتسما: اقلقتني عليك بالامس.. حمدلله لقد انخفضت درجة حرارتك اليوم..
قالت ملاك بحدة: وماذا يهمك انت؟.. ان كانت شفقة منك .. فاعلم اني لست احتاج الى شفقة من احد..
اشار مازن الى صدره ومن ثم قال بهدوء: ملاك انا زوجك ومن واجبي الاهتمام بك و...
قاطعته ملاك مرة اخرى هاتفة بصوت منفعل: لا اريد سماع شيء.. فقط اخرج.. لقد ذقت ذرعا بكذبك..
التفت مازن الى نادين وتنهد قائلا: نادين انا سأغادر الآن.. ولكن اخبريني ان رفضت ملاك تناول طعامها او دوائها..
قالت لماك بعصبية بالرغم منها: اهتم بنفسك فقط.. فلست طفلة امامك..
قال مازن بابتسامة حانية: بل انت طفلة.. وستظلين كذلك.. صغيرتي التي آذيتها بيدي دون ان اشعر.. فأعذري احمق مثلي يا ملاك..
قالها واستدار عنها.. كادت ملاك ان تهتف به لتسأله عن معنى عبارته.. لكنها آثرت الصمت.. في حين قالت نادين باشفاق ما ان غادر: اعلم انه ليس من حقي التدخل في مشاكلك مع السيد مازن .. ولكنه حقا كان خائفا عليك بالامس.. لقد طلب مني ان اذهب لانام.. وهو ظل معك طوال الليل ..حتى انه لم يحظى بالراحة حتى الآن..
قالت ملاك ببرود: لقد كان نائما عندما استيقظت من نومي..
واردفت قائلة: ولا يهمني مازن ابدا.. فلا تحدثيني عنه.. اريد ان انسى ولو لوقت قصير ما اصابني منه..
واختنق صوتها وهي تنطق بعبارتها الاخيرة.. واحترمت نادين رغبتها.. فاقتربت منها لتمنحها ملابسها.. في حين حركت ملاك عجلات مقعدها وقالت بحزن: ولو طلب رؤيتي فلا تسمحي له.. لا اريد ان اراه بعد الآن ابدا..
صمتت نادين وهي تراقب ملاك .. ومن ثم تنهدت في قوة .. وهي تشعر ان ملاك قد تغيرت.. اصبحت انسانة عدائية.. لم يكن من عادتها الصراخ في وجه احد.. او حتى تجاهل احد..لم يكن من عادتها ان تحمل لهجتها كل هذه القسوة.. او كلماتها كل هذا الحقد.. االى هذه الدرجة قد اثر عليها خلافها مع السيد مازن؟.. وجعلها تأخذ موقف من جميع الناس.. ترى ما الذي فعله حتى يجعلها تتغير الى هذه الدرجة وتصبح فتاة عدائية مع الجميع؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فتحت مها عينيها لتشعر بصداع عنيف يكتنف رأسها ويسبب لها آلام شديدة.. وشعرت بحرقة في عينها.. وآثار الدموع الجافة لا تزال على وجنتيها.. كيف لا وهي قد امضت الليل بطوله تتذكر كل موقف جمعها بحسام.. وتتذكر اخيرا موقف والدها معه وكيف انه اصبح بعيد المنال عنها..
احلامها.. امنياتها.. طموحتها.. كلها رسمتها مع حسام.. وكيف سيجمع القدر بين قلبيهما عندما يتزوجان؟ .. لكن كل هذا ذهب ادراج الرياح.. كحبات رمل ذهبت مع الرياح بكل خفة لتتلاشى من الوجود.. ولا يعرف احد موقعا لها.. فهل سيكون لحبها المصير ذاته؟.. سيتلاشى امام المشاكل التي تواجهه ام سيصمد كجبل شامخ.. وشعرت بالقهر وهي تتذكر كيف ان والدها قد طرد حسام ووالده من المنزل امام عينيهاو...
تنهدت بقوة وهي تنهض من مكانها وتعتدل في جلستها.. ومن ثم تضم ركبتيها الى صدرها لتقول بصوت متحشرج: ماذا علي ان افعل الآن؟.. استسلم لرغبة والدي.. وادفن الحب الذي عشته مع حسام لسنوات طوال.. ام ارفض كل شيء واواجه والدي لأخبره بأن حسام هو كل شيء في حياتي.. وانه لو ابتعد عني فهذا معناه موتي الاكيد.. سأخبره كذلك اني لو لم اتزوج حسام فلن اكون لسواه.. اليس هذا هو الوعد الذي قطعته لك يا حسام؟.. وها انذا سأنفذه.. ولكن...
اسرعت تنهض من مكانها وتوجهت الى دورة المياه.. وتطلعت الى وجهها في مرآتها ومن ثم ابتسمت لنفسها بسخرية مريرة: يبدوا ان الهموم تجعل الانسان يتقدم في العمر حقا..
وغسلت وجهها على عجل.. قبل ان تتوجه الى حيث هاتفها المحمول وتقول بصوت مبحوح من كثرة البكاء: علي ان اطمئن على حسام اولا.. وما هي احواله؟..
وضغطت ازرار الهاتف باصابع مرتجفة.. ومن ثم وضعت الهاتف على اذنها لتدرك انه اغلق هاتفه.. مانعا أي اتصال بينه وبين العالم من حوله..وعضت على شفتيها بالم ودموعها تعود لتتجمع في عينيها.. وقالت بصوت مختنق وهي تبعد الهاتف عن اذنها: اتحملني انت الآخر ذنب لم ارتبكه يا حسام؟..
وضغطت على هاتفها بقوة وهي تردف وغصة مرارة والم بحلقها: ليتني لم اكن ابنة امجد.. ليتني لم اكن ابنته..
وسمعت في تلك اللحظة صوت طرقات على الباب فقالت بعصبية: اذهبوا بعيدا.. لا اريد رؤية احد..
قال مازن الذي يقف خلف الباب: مها.. افتحي الباب.. اريد الحديث اليك لدقائق فقط.. انه امر يتعلق بملاك وبك ايضا..
رفعت مها رأسها الى الباب.. وتطلعت اليه لوهلة. . قبل ان تسمح دموعها وتتجه اليه..وتفتحه ببطء قائلة: ماذا تريد؟..
قال مازن وهو ينظر لها من فرجة الباب الضيقة باشفاق: هل يمكنني الدخول؟..
تركت له الباب مفتوحا ودخلت الى الغرفة.. فخطا مازن بخطوات متوترة بعض الشيء وقال وهو يتطلع اليها: مها .. كل شيء سيحل.. فقط لا تفعلي بنفسك هكذا..
كورت مها قبضتيها في الم واطرقت برأسها لتقول بحزن: كيف سيحل؟.. اخبرني كيف؟..
وضع كفه على كتفها وقال وهو يتنهد: فقط لا تفقدي الامل.. سأحاول انا مع والدي.. وكمال كذلك.. وانت كذلك حاولي معه..
رفعت رأسها اليه وقالت بمرارة: على من تكذب؟.. والدي لا يستمع الى احد سوى نفسه..
قال مازن برجاء: قد يستمع الى احدنا لو حاولنا معه.. لا تيأسي يا مها.. وليكن املك بالله كبيرا..
قالت مها وهي تزفر بحدة: ونعم بالله..
واردفت قائلة: صحيح.. ما اخبار ملاك؟..
قال مازن وهو يبعد كفه عن كتفها: لقد استيقظت ولكن...
قالت مها بقلق: ولكن ماذا؟..
قال مازن بسخرية مريرة: ترفض رؤيتي.. ولا تريد ان اتحدث اليها او ابقى معها.. لقد اصبحت بالنسبة لها شخصا لا يطاق.. شخصا مخادعا وخائنا..
قالت مها بابتسامة شاحبة: سأحدثها لأجلك واخبرها بالحقيقة كلها..
قال مازن بلهفة: حقا؟..
اومأت مها برأسها وقالت: لكن بشرط..ان لا تكرر افعالك هذه مرة اخرى.. وان ترمي هاتفك هذا في القمامة وتشتري هاتفا جديدا لتبدأ به حياتك الجديدة..
قال مازن بابتسامة واسعة: دون ان تقولي ذلك كنت سأفعل.. وعندما تذهبين الى ملاك اخبريها اني قد تغيرت.. اخبريها اني بحاجة اليها لتكون الى جواري الى الابد.. اخبريها اني لم اعد ارى فتاة سواها واني...
قاطعته مها لتقول بابتسامة حانية: وانك غارق في حبها حتى النخاع.. اليس كذلك؟..
ارتبك مازن بشدة.. وبغثر نظراته بعيدا.. حب؟.. احقا عرف الحب طريقه الى قلبه؟..وحب من؟.. ملاك؟.. مشاعره تجاهها لايعرف تفسيرا لها.. اعجاب.. حنان واهتمام .. حاجة الى وجودها معه.. وافتقادها اذا ابتعدت عنه.. اهذا هو الحب يا ترى؟..
ولم يعلق مازن في حين قالت مها وهي تتطلع اليه: سأذهب اليها بعد قليل وسأحدثها بكل...
في هذه المرة قاطع حديث مها صوت رنين هاتف مازن المحمول..فالتقطه هذا الاخير من جيبه.. وما ان رأى اسم المتصل حتى قال بضيق وهو يبتعد خارجا من غرفة مها: عن اذنك ..
قالها وغادر الغرفة ليتوجه الى غرفته.. واستغربت مها هذا الاتصال الذي رسم ملامح الضيق على وجه مازن.. لكنها قررت سؤاله عنه بعد قليل.. وتحركت الى خزانتها لتأخذ لها ملابس تستبدل بها التي ترتديها.. وتطلعت الى نفسها بمرارة.. هذا الفستان التي كانت ترتديه من اجل حسام.. وليوم خطبتها ..لم يعد كذلك..لقد اصبح فستان مثقل بالهموم والآلام.. كان شاهدا على كل ما حدث وشاهدا على دموعها التي ذرفتها بكل مرارة بالامس.. حتى انها لم تأبه باستبادله وغطت في النوم بعد معاناة و تعب نفسي شديد..
واستبدلت ملابسها على عجل.. لتغادر بعدها الغرفة.. وتهبط الى الطابق الاسفل حيث ملاك.. وعلى الطرف الآخر كان مازن يتحدث عبر الهاتف قائلا بضيق: بخير يا عمي..اخبرني ما سر اتصالك؟..
قال فؤاد عبر الهاتف وهو يلتقط مفتاح سيارة بين يديه بانتصار: لم تتصل بي حتى الآن لهذا اردت ان استعجل ردك..
قال مازن متعمدا ببرود: بشأن؟..
قال فؤاد بمكر: لا اظن انك نسيت بهذه السرعة.. وظيفة احلامك.. ومبلغ ضخم في البنك.. والسيارة التي تمنيت الحصول عليها..
قال مازن بهدوء شديد: في الحقيقة ارى انه من الافضل لك ان توفر نقودك يا عمي.. فربما يحتاجها غيري..
شعر فؤاد بالصدمة من عبارته.. وقال متسائلا بحدة: ماذا تعني؟ ..
قال مازن بحزم: اعني انني ارفض.. ارفض عرضك هذا..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه: لا تتسرع يا مازن.. انت بهذا تضع احلامك وطموحاتك كلها بكفة.. وملاك بعجزها في كفة اخرى..
قال مازن وهو يتطلع الى نقطة وهمية: اتعلم يا عمي ما هي مشكلة كل انسان في هذه الدنيا؟.. انه يضعف امام مغريات الحياة بكل سهولة.. ويتخلى عن الكثير من الاشياء لاجلها.. ولكن من لديه عزيمة وقوة على تحدي تلك المغريات يستطيع ان يتخطاها دون ان يلتفت لها حتى..
عمه فؤاد وهو يحاول ان يتظاهر بالبرود: افهم من كلامك هذا انك ترفض عرضي من اجل ملاك..
قال مازن بصدق: اجل من اجلها.. فلا يمكن لكل نقود العالم ان تعوضني عن هذا الملاك الطاهر..
قال فؤاد بسخرية واستهزاء: لقد اختلف حديثك يا مازن.. في آخر مرة كنت مترددا .. وقلت انك ستفكر في الامر.. اما الآن فأراك واثقا مما تقول.. قل لي ما السبب يا ترى؟.. اهو الطمع في شركة خالد؟.. اوربما اني اتخيل وارى قلب مازن قد بدأ يخفق لحب فتاة عاجزة..
قال مازن بعصبية: ربما تكون ملاك عاجزة.. ولكن تذكر يا عمي ان لكل منا نواقصه.. فصحيح ان ملاك قد حرمت من نعمة السير.. ولكنها افضل من آلاف الفتيات اللاتي ينعمن بهذه النعمة.. ملاك فتاة رائعة بقلبها الابيض .. باخلاقها العالية.. بشخصيتها البريئة.. برقتها وحبها للناس.. ملاك فتاة قلما تراها في هذا العالم.. بل ارى نفسي محظوظا لاني ارتبطت بفتاة مثلها.. ولن اسمح لمخلوق ان يفرقنا.. وخصوصا احمد ذاك الذي لا يفكر الا بالمال والثروة.. يريد ان يتزوجها ليحطمها ويجعل قلب ذلك الملاك يتألم .. ونراها جميعا تذبل يوما بعد يوم ..لا يا عمي .. مستحيل ان افكر بهذه الطريقة.. مستحيل ان اتركها لكم او لأحمد لتكونون سببا في مضايقتها حتى ..
قال فؤاد وهو يحاول التحكم باعصابه: وايضا تعرف بكل شيء.. حسنا اذا لقد اردنا ان ينتهي الامر كله بشكل ودي.. لكن يبدوا وانك محب للمشاكل.. ليكن اذا.. فلتهنئ انت مع ملاك..وانتظر نتيجة ما جنته يداك..
قالها واغلق الهاتف .. فقال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بعصبية: لست انا الذي يتخلى عن ملاك.. لست انا.. فليفعلوا بي ما يفعلوه.. ولكني لن اترك ملاك لتتضايق بكلمة واحدة منهم.. انا المسئول عن ملاك وانا من سيدافع عنها.. ولو تطلب الامر ان أفديها بروحي..
ربما تستغربون طريقة حديث مازن.. وكلماته التي اصبحت مليئة بالمشاعر والعاطفة تجاه ملاك.. ولكن استطيع ان اخبركم بأن لم يكن مازن الذي يتحدث في تلك اللحظة.. بل قلبه.. قلبه الذي ظل مغلقا لفترة طويلة.. وعاد ليفتحه لملاك عندما شعر انه من الممكن ان يفقدها في يوم.. و اتخذ عهدا على نفسه ان يحميها بحياته ورحه ان تطلب الامر..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل فترة من الوقت.. وبالتحديد حين كانت مها تهبط درجات السلم وتتجه الى غرفة ملاك..طرقت باب غرفة هذه الاخيرة بهدوء.. وجاءها صوت نادين من الداخل وهي تقول: من؟..
اجابتها مها قائلة: انها انا مها.. هل يمكنني الدخول؟..
التفتت نادين الى ملاك وقالت لها : انها مها..
صمتت ملاك لبرهة ومن ثم قالت: دعيها تدخل..
اتجهت نادين الى الباب لتفتحه قائلة: تفضلي بالدخول آنسة مها..
دخلت مها الى الغرفة ومن ثم قالت بابتسامة مصطنعة: ما هذا يا ملاك؟.. منذ متى كنت تغلقين الباب على نفسك؟..
قالت ملاك ببرود: منذ هذه اللحظة..
جذبت مها مقعدا لها لتجلس بجوار ملاك التي تجلس بجوار الطاولة الصغيرة الموجودة بالغرفة: اخبريني كيف حالك الآن؟..
قالت ملاك وهي تلتقط قطعة من الكعك وتتناولها: بخير..
قالت مها وهي تتنهد: حمدلله لقد قلقت عليك بالامس ولم اتركك الا عندما...
بترت عبارتها ولمعت نظرة الحزن في عينيها وهي تطرق برأسها.. فتساءلت ملاك قائلة: عندما ماذا؟..
قالت مها وهي ترفع رأسها بشحوب: الا عندما جاء خالي مع حسام لخطبتي..
قالت ملاك بلهفة: صحيح لم تخبريني .. متى سيتم اعلان خطوبتكما بشكل رسمي او ...
قاطعتها مها قائلة وهي تهز رأسها نفيا وغصة مرارة تملأ حلقها: لن يكون هناك خطوبة يا ملاك..لقد رفض والدي حسام..
سقطت قطعة الكعك من يد ملاك وقالت بذهول وعيناها متسعتان: رفض؟؟.. ولم رفض؟؟..
قالت مها بشحوب وبصوت حاولت ان تجعله طبيعيا قدر الامكان: انها قصة طويلة.. سأخبرك بها فيما بعد..
واردفت في سرعة قبل ان تسألها ملاك عن المزيد وتعيد لها آلام الامس : ملاك.. اريد ان اتحدث معك بهدوء في أمر يخص مازن.. وسأخبرك بكل الحقيقة دون ان اخفي عنك شيئا..
تطلعت لها ملاك بنظرة تحمل الالم والعتاب ومن ثم قالت: الم تخفي عني الحقيقة بالماضي؟.. فما الذي يدعوك لاخباري بها الآن؟ ..
قالت مها بحزن: ربما اكون قد اشتركت في كوني سببا للصدمة التي مررت بها.. لكني كنت اخشى عليك في ذلك الوقت وانا ارى السعادة ترتسم في عينيك.. وينبض بها قلبك المحب لحنان مازن واهتمامه..كنت اخشى عليك ان تعلمي بالحقيقة وان اطفئ السعادة التي رأيتها في عينيك والتي ينبض بها قلبك.. لم اكن اريد لك ان تصدمي بمن...
قاطعتها ملاك قائلة والدموع تترقرق في عينيها: وها انذا صدمت الآن .. فما الذي استفدته ؟.. لو كنت اخبرتني بما حدث سابقا فعندها سيكون وقع الخبر ابسط علي.. صحيح اني سأصدم لكن لن تكون صدمتي بهذا الشكل وانا اجد مازن قد اصبح زوجي الآن وان ما فعله يعد خيانة لهذا الزواج .. على الاقل كنت سأشعر حينها بالمرارة لأنه لم يلتفت لي وسيكون الحزن هو رفيقي الدائم كما اعتدت..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: دعك من الماضي يا ملاك.. انت الآن زوجة لمازن.. وعلي ان اوضح لك الحقيقة واشرحها لك حتى لا تظلمي مازن..
قالت ملاك بتهكم ومرارة: اظلمه؟.. من يظلم من يا مها؟.. هو من ظلمني بخداعه وخيانته ام انا التي فعلت؟..
قالت مها بهدوء: نحن لا نتحاسب الآن يا ملاك.. ودعيني اخبرك بكل شيء منذ البداية..لقد كان مازن انسانا ذو علاقات متعددة لا استطيع انكار هذا.. وقد كان يود دائما التعرف على فتاة جديدة تملأ وقته وحياته.. ولكن لم يحاول في حياته ان يعد أي واحدة منهن بوعد خاص.. لقد كانت هناك حدود لعلاقته بهن.. ولم تحرك أي منهن شعرة منه.. الى ان رآك..
واردفت وهي تبتسم لملاك بحنان: لقد كنت الوحيدة الذي اجبرت مازن على ان يعبر عن مشاعره بكل صدق دون تكلف او مجاملة.. لقد كان يسأل عنك بشكل دائم وكانت ملامح اللهفة والصدق في عينيه.. كان اهتمامه وحنانه بك صادقين.. انت الوحيدة التي استطعت ان تذيبي جليد قلبه الذي لم يعرف الحب في يوم.. انت الوحيدة التي اختارك يا ملاك لتكوني شريكة حياته..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بألم: لقد قالت انه لم يتزوجني الا شفقة بي.. وانه سيرميني بعد ان يشعر بالملل ..
قالت مها في سرعة: لا تصدقيها.. انه لم يتزوجك شفقة بك.. والا لمحت ذلك بنفسك في تصرفاته معك.. فمازن كالكتاب المفتوح الذي تستطيعين ان تقرئيه بكل سهولة لتعرفي ما به..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: لكنت قد علمت اذا بعلاقاته المتعددة مع المئات غيري..
قالت مها وهي تتطلع اليها وتبتسم ابتسامة باهتة: لو كنت قد بحثت في هاتفه بشكل جيد.. لاكتشفت انه لم يرسل أي رسالة لاي فتاة بعد عقد قرانك عليه.. وان كان هناك من يرسل فهن رفيقاته..مازن لم يعتد على مسح أي رسالة من هاتفه.. وحتى الرسائل التي تحوي كلمات اعتيادية كـ "نعم" و"حسنا".. ستجدينها بين الرسائل..صدقيني يا ملاك.. مازن قد تغير بسببك انت وحدك..
قالت ملاك وهي وهي تفتح قفل قلادتها التي يحتلها حرف m"":لا يمكن لانسان ان يتغير بين ليلة وضحاها..
واردفت وهي تخلع القلادة من حول رقبتها وتمد يدها لتقول لمها بألم: سلميها له..
هزت مها رأسها نفيا وقلبها يكاد ينفطر من الحزن الذي تراه في عيني ملاك.. وكأن لم يكفيها حزنها هي لتتحمل آلام غيرها.. ودفعت يد ملاك بهدوء وهي تجعلها تطبق على القلادة قائلة: كلا يا ملاك.. مازن سيتضايق ويتألم ان رآك قد خلعت القلادة التي جمعت بينكما..
قالت ملاك بحدة ومرارة: ولم انا وحدي من يجب عليها ان تتألم؟ .. فليتألم هو ايضا ان كان سيشعر بالحزن حقا ان رآني لم اعد ارتديها..
تطلعت مها الى عينيها مباشرة وقالت: ملاك ان كنت قد صدقت كلمات حنان وان مازن قد تزوجك شفقة بك.. فما الذي يجبره على الشعور بكل هذا الخوف من اجلك وهو يراك بالامس مصابة بالحمى وطريحة الفراش؟.. ما الذي يجبره على قضاء الليل بطوله الى جوارك؟.. لو كان يشفق عليك كما تقولين لترك هذه المهمة لنادين.. ولم يهتم هو الا بسؤالها عن احوالك..
قالت ملاك وهي تتنهد بمرارة: احساسه بالذنب لانه كان سببا في كل ما اصابني..
صمتت مها باستسلام.. ومن ثم قالت: حسنا لن احاول اقناعك اكثر من هذا.. لكن على الاقل سأطلب منك ان تسمحي لمازن بشرح موقفه لك.. فربما حينها تعلمين ان شعوره تجاهك ليس شفقة .. وان علاقاته قد انتهت..
قالت ملاك وهي تكور قبضتيها والتي تطبق احداهما على القلادة: لا اريد ان اراه.. يكفيني ما اصابني بسببه..
قالت مها وهي تتطلع اليها بحيرة: لم اعهدك قاسية القلب يا ملاك.. لقد كنت دائما بالنسبة لي رمزا للتسامح والقلب الابيض..
قالت ملاك بسخرية مريرة: وكان مازن بالنسبة لي رمزا للصدق والوفاء والحب والحنان.. ولكن هذا الرمز تحطم .. ومعه قد تحطمت انا.. واختفى من حياتي ما يسمى بالطيبة والتسامح ..
ابتسمت لها مها وقالت بحنان: ابدا.. من قال ان الطيبة والتسامح قد اختفتا من حياتك.. والا حينها لن ارى ملاك امامي.. بنظرتها البريئة وقلبها المحب لجميع الناس..
صمتت ملاك ولم تعلق وزفرت بحرارة وهي تشعر ان هذه الزفرة قد حملت آلامها ومعاناتها كلها..فنهضت مها من مكانها وقالت بهدوء: ملاك .. سامحي مازن وامنحيه الفرصة ليعبر بها عن مشاعره تجاهك.. فحينها كلاكما ستشعران بالراحة والسعادة..
والتفتت عنها لتتجه الى الباب.. وفجأة توقفت لتلتفت الى ملاك وتقول بابتسامة: صحيح لقد نسيت.. لقد اوصاني مازن على ايصال رسالة اليك..
التفتت لها ملاك وانصتت لها باهتمام.. فقالت مها وهي تحاول تقليد طريقة مازن في الحديث: لقد قال لي ..عندما تذهبين الى ملاك اخبريها اني قد تغيرت و اني بحاجة اليها لتكون الى جواري واني لم اعد ارى فتاة سواها في حياتي..
واردفت قائلة: هذا ما قاله لي وطلب مني ان اوصله لك.. واتمنى ان تفكري جيدا وتمنحيه فرصة ليشرح لك موقفه..
والتفتت عن ملاك لتغادر الغرفة.. تاركة هذه الاخيرة.. في حيرة من امرها..غارقة في تفكير عميق بكل كلمة نطقتها مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هل شعرت ذات مرة باحساس فقد اغلى الناس على قلبك -لاقدر الله-؟.. هل شعرت حينها بأنك قد اصبحت شخصا تائها لا هدف له بالحياة؟.. هل شعرت بأن لم تعد لك رغبة في العيش وانك اصبحت تتمنى الموت لعله يكون راحة لك من كل هذا العذاب؟..
هذا كان شعور حسام بكل اختصار وهو يجلس على طرف فراشه ويدفن وجهه بين كفيه بكل الم.. ولم تذق عيناه النوم الليل بطوله وكلمات امجد تتكرر في ذهنه.. جعلته يشعر بمرارة لا حدود لها وبحزن يكاد يسيل الدمع من عينيه ..وتنهد بكل معاناة في داخله.. وهو يرى ان احلامه قد انتهت منذ هذه اللحظة.. وان سبب بقائه على قيد الحياة قد تلاشى.. لقد كان يرى مها سببا لسعادته .. سببا لنجاحه في الدراسة.. كانت هي الدافع الذي يجعله يدرس بكل جد حتى يحصل على وظيفة بعدها.. ويكون اهلا للزواج بها .. لكن.. بعد ماذا؟.. هي لن تكون له..وهو لن يكون لها.. ما الذي يدعوه لرسم الابتسامة على شفتيه ومصدر السعادة لم يعد له وجود؟..ما الذي يدعوه للنجاح في الدراسة ومن كانت تدفعه لذلك لن تكون له؟..
وتنهد بكل حزن وهو ينهض من مكانه ويحاول تبديد جو الحزن الذي اصبح يتذكره كلما خطرت مها على ذهنه.. وتوجه الى دورة المياه الملحقة بغرفته لكن قبل هذا سمع صوت طرقات على الباب.. جعلته يقول بصوت يعبر عن كل الالم الذي يشعر به: من؟
جاءه صوت والدته وهي تقول برجاء: حسام .. بني.. افتح الباب ارجوك..
قال حسام بصوت حزين: امي.. دعيني وحدي ارجوك..
قالت والدته برجاء: اريد ان اطمأن عليك يا حسام.. ارجوك افتح الباب..
صمت حسام ولم يجب.. وصمتت والدته كذلك وكأنها لم تعد تقف خلف الباب.. فعلم حسام انها قد غادرت بعد ان يأست من انه سيفتح الباب لها.. وزفر بحدة وهو يمسح جبينه بارهاق.. وفجأة عادت الطرقات الى الباب من جديد وصوت والدته تقول بنبرة مختلفة هذه المرة لم يستطع حسام تفسيرها: حسام .. افتح الباب..
قال حسام برجاء: امي ارجوك.. اريد ان ابقى لوحدي قليلا ..
قالت والدته في سرعة: مها على الهاتف.. تريد الحديث اليك بأمر هام كما تقول..
مها!!.. تتصل به الآن؟.. لماذا؟.. لا يريد ان يزداد الامر صعوبة عليه يريد ان يتراجع وينسحب من حياتها.. لكن هل هذا ممكن وهي تعيش بداخلك يا حسام؟.. بين نبضات قلبك وروحك..انك تشعر بأن مها باتت تجري في عروقك مجرى الدم.. وانها اصبحت كالانفاس التي بها تحيا.. فهل من الممكن ان تنسحب من حياتها الآن بعد كل تلك السنوات التي قضيتماها معا؟.. بحلوها ومرها وا...
بتر افكاره صوت والدته وهي تعود لتطرق الباب قائلة: مها تقول ان الموضوع يتعلق بمصير حياتكما.. ارجوك افتح وتحدث اليها.. فربما يكون والدها قد تراجع في قراره..
عاد الامل لينبض في قلب حسام..وكأن الحياة قد عادت اليه بعد موت مؤكد.. وتسارعت نبضات قلبه وهو ينطلق مسرعا الى الباب ليفتحه ويهتف بوالدته بكل اللهفة التي في اعماقه: احقا يا امي؟ ..
ارتبكت والدته امام نظرات حسام التي تحمل الامل واللهفة وقالت بتردد: لست اعلم.. لكن ربما يحدث ما لا يخطر على ذهننا.. تحدث اليها.. واعلم ماذا تريد منك..
وكأن كلمات والدته قد لمست وترا حساسا لديه.. فقد حركت فيه الامل على ان ما قالته قد يتحقق وان من الممكن ان تكون الليلة الماضية بكل ما شعر بها من عذاب ومعاناة مجرد كابوس وسيستيقظ منه قريبا .. فانطلق الى الردهة الى حيث هاتف المنزل.. ليلتقط سماعته ويجيبه قائلا بكل اللهفة والامل التي يخفق بهما قلبه: مها.. انا حسام.. اخبريني ما الذي جرى؟ .. اخبريني يا مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
?Đō ũ bεĪεīνε īή Ļύν
Ļīķε Ĩ bεĪεīνε Ĩή ρaīή
  #232  
قديم 03-21-2010, 08:22 PM
 
الجزء السادس والثلاثون
" اعترافات "

عاد الامل لينبض في قلب حسام..وكأن الحياة قد عادت اليه بعد موت مؤكد.. وتسارعت نبضات قلبه وهو ينطلق مسرعا الى الباب ليفتحه ويهتف بوالدته: احقا يا امي؟..
ارتبكت والدته امام نظرات حسام التي تحمل الامل واللهفة وقالت بتردد: لست اعلم.. لكن ربما يحدث ما لا يخطر على ذهننا.. تحدث اليها.. واعلم ماذا تريد منك..
وكأن كلمات والدته قد حركت فيه الامل على ان ما قالته قد يكون صحيحا.. فانطلق الى الردهة الى حيث هاتف المنزل.. ليلتقط سماعته ويجيبه قائلا بكل اللهفة والامل التي يخفق لهما قلبه: مها.. انه انا حسام.. اخبرني ما الذي جرى؟ .. اخبريني يا مها..
ارتبكت مها امام اندفاعه وكأنه كان ينتظر منها ان تخبره بأن ما حدث بالامس لم يكن حقيقة..وقالت ببعض الارتباك: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال حسام في سرعة: بخير.. بخير.. اخبريني انت ما سر اتصالك بي؟..
قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: للاطمئنان عليك..
ارتفع حاجبا حسام بدهشة ومن ثم لم يلبث ان قال باحباط: فقط؟؟.. اأتصلت بي من اجل الاطمئنان علي فحسب؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا هناك سبب آخر ايضا..لقد اتصلت لاعتذر لك عن تصرف والدي معك بالامس اولا.. ولكي اطمئن عليك ثانيا.. وكذلك لكي اخبرك باقتراح اقترحه علي مازن..
قال حسام بدون اهتمام خصوصا بعد ان علم ان مها لم تتصل له لتخبره ان والدها قد تراجع عن قراره .. لهذا لم يعد أي شيء يهمه بعد الآن: وما الذي اقترحه مازن؟..
داعبت مها خصلات شعرها بتوتر ومن ثم قالت: لقد اقترح علي ان يحاول اقناع والدي من اجلي.. سيحاول معه هو وكمال.. وانا ايضا سأحاول ان افعل المستحيل ليتراجع عن قراره..
قال حسام بسخرية مريرة: واتظنين ان والدك من السهل اقناعه؟ .. بما انه قد قرر امرا ما فمن المستحيل ان يتراجع عن قراره هذا ولو على قطع رقبته..
قالت مها في سرعة واضطراب: لكني ابنته.. والقرار الذي اتخذه يحدد مصيري انا واهم من أي قرار آخر اتخذه في حياته .. لهذا .. قد يغير رأيه..
زفر حسام وقال وهو يمسك جبينه بتعب: ربما يا مها.. لكن لا يوجد شيء مؤكد..
قالت مها والدمع يترقرق في عينيها: وماذا عساني ان افعل يا حسام؟.. ليس بيدي سوى المحاولة على تغيير رأيه..
مرت لحظة صمت بينهما .. سرعان ما قاطعها حسام وهو يقول متسائلا وقبضة باردة تعتصر قلبه : والدك لم رفضني يا مها؟.. اخبريني لماذا؟..الأن مستوى عائلتنا ليست في مستوى عائلتكم حقا؟..
بارتباك شديد قالت مها وهي تكاد تبكي: لأنك ابن سامي وانا ابنة امجد..
قال حسام بحيرة شديدة: ماذا تعنين يا مها؟.. اوضحي بالله عليك.. لا تتحدثي بالالغاز ارجوك..
مسحت مها دموعها التي خانتها وسالت على وجنتيها بحرقة: لأن والدتي كانت خالتك كما يقول.. وقد تركته وتركتنا جميعا لأجل ابن عمها.. لهذا لا يريد ان يتقرب من عائلة والدتي مرة اخرى..
قال حسام بصدمة وعيناه متسعتان على آخرهما: وماذنبي انا؟ .. ماذنبك انت؟.. ما ذنب حبنا ليموت ويدفن دون ان يرى النور؟.. هذا الحب الذي عاش معنا لعشر سنوات او ربما اكثر .. بهذه السهولة يريدنا ان نرميه خلف ظهورنا ونواصل حياتنا ؟.. بهذه السهولة؟..
لم تجب مها وهي تشعر انها لو نطقت كلمة اخرى فستبكي في الحال.. اما حسام فقد قال فجأة بشرود: اتعلمين يا مها ماذا اتمنى في هذه اللحظة؟..
ازدردت مها لعابها لعلها تبتلع غصة المرارة التي بحلقها وقالت بصوت مبحوح: ماذا؟..
قال حسام وهو يبتسم ابتسامة حالمة: اتمنى لو استطيع المجيء الى منزلكم لأخطفك على حصان ابيض كفصص الاساطير ..لنتزوج ونعيش بعيدا عن المشاكل .. بعيدا عن الناس.. ونحيا في سعادة الى الابد.. انا وانت فقط..
خفق قلب مها في عنف لكلماته.. وشعرت بالدموع تحجب الرؤية امام عينيها وقالت بصوت مختنق: انها امنيتي انا الاخرى يا حسام..لكننا نحيا في واقع.. علينا ان نتحدى تلك المشكلات التي تواجههنا بدلا من الهرب بعيدا عنها..
تنهد حسام وقال بمرارة: ليت في يدي ما افعله.. لكنت اول من يأتي الى والدك ويجبره على اتمام الزواج..
قالت مها برجاء: حاول معه يا حسام.. ارجوك.. وانا الاخرى سأحاول معه.. من اجل الحب الذي جمع بيننا..
قال حسام بهدوء: سأحاول يا مها.. اعدك اني سأحاول معه ..من اجلك ومن اجل الحب الذي يخفق به قلبينا..ولن استسلم امام رفضه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقات تكررت للمرة الثالثة هذا اليوم على باب غرفة ملاك .. وصوت صاحبها يقول: ملاك.. انا مازن.. هل يمكنني الدخول؟..
التفتت ملاك الى نادين وقالت لها بحنق: الم اطلب منك ان تخبريه بأن يذهب واني لا اريد رؤيته..
قالت نادين وهي تتطلع الى ملاك بتردد: لقد اخبرته.. لكنه يعود رغم هذا بين الحين والآخر.. يقول انه يريد الحديث اليك في امر مهم..
ومازن من خلف الباب الذي ثارت اعصابه بسبب ملاك التي تمنعه حتى من ان يشرح موقفه لها.. وطرق الباب بقوة اكبر ليقول: ملاك افتحي الباب..
جاءه صوت ملاك تقول بصوت عالي: لا اريد رؤيتك.. دعني وشأني..
قال مازن بعصبية: سأحطم الباب يا ملاك ان لم تفتحيه الآن..
قالت ملاك هاتفة بحدة: افعل ما تشاء .. لن افتح الباب..
عقد مازن حاجبيه بعصبية وقال: فليكن يا ملاك..
وابتعد عن باب غرفتها ليهتف بالخادمة التي اسرعت نحوه فقال في سرعة: الديك مفتاح احتياطي لباب غرفة ملاك؟..
قالت الخادمة وهي تومئ برأسها: اظن ذلك يا سيدي..
قال مازن بحدة: اذا اسرعي واحضريه..
غمغمت الخادمة قائلة: حاضر سيدي..
واسرعت تبتعد عن المكان.. في حين قال مازن وهو يمرر اصابعه بين شعره : فليكن يا ملاك.. ستسمعيني بالرغم منك .. لن اسمح لك بأن تبتعدي عني وترفضي ان اشرح موقفي لك حتى ..واكون في نظرك مجرد مخادع وكاذب.. يجب ان تدركي كل شيء.. وتسامحيني على ما اقترفته يداي.. اجل يجب ان تسامحيني.. لان حياتي بعيدا عنك لم تعد تعني لي أي شيء..
اما بداخل الغرفة..فقد امسكت ملاك بذراع نادين وهي تشعر بقلق ما يتسلل الى قلبها.. فقالت نادين وهي تلتفت الى ملاك بحيرة: مابك آنستي؟..
وقبل ان تهم ملاك بقول أي شيء.. سمعت صوت مفتاح يدور في ثقب الباب.. فشدت ملاك قبضتها على ذراع نادين التي استغربت هذا الشخص الذي يحاول فتح الباب..
وبعتة فتح الباب .. ليطل من خلفه مازن .. ونظراته مسلطة على ملاك.. وهذه الاخيرة شعرت بقلبها يخفق بقوة وعنف.. والتوتر قد بلغ منها مبلغه.. واخيرا قال مازن ببرود: نادين دعينا وحدنا ..
قالت نادين بهدوء وهي تنقل نظراتها بينهما: حسنا يا سيد مازن ..
تمسكت ملاك بذراع نادين وقالت: نادين لن تخرج.. اتفهم؟ ..
قال مازن وهو يزفر بحدة: اريد ان اتحدث معك لوحدنا يا ملاك .. ولا اظن اني في يوم قد سببت لك الخوف الذي يجعلك ترفضين ان نبقى لوحدنا بعض الوقت..
واشار لنادين بعينه.. فقالت نادين بارتباك: سأغادر آنستي.. وسأعود بعد دقائق فقط..
تركتها ملاك لتذهب وتغادر الغرفة.. فاقترب مازن من ملاك وقال وهو يهبط الى مستواها ويجلس على ركبة واحدة في مواجهتها: ملاك عزيزتي.. كل ما اطلبه منك هو ان تستمعي الي حتى النهاية ولا تتسرعي في حكمك علي..
اشاحت ملاك بوجهها عنه وقالت: لقد دخلت الى غرفتي دون رغبة مني .. فلا تظن اني سأستمع الى ما ستقوله برغبة مني..
قال مازن وهو يمسك بكفها: صدقيني يا ملاك .. لم ادخل الى الغرفة بالرغم منك الا بعد ان قطعت أي سبيل بيني وبينك للحديث معك.. انك حتى تتناولين طعام الغداء والعشاء في غرفتك ..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: لا اريد ان اراك.. اريد ان انساك.. اريد ان انسى الحزن والعذاب الذي سببته لي..
قال مازن وهو يضغط على كفها بحنان.. وهو يشعر بالراحة لأنها بدأت تتجاوب معه.. وان شعر بالندم لكونه كان سببا في معاناتها: سأخبرك بكل شيء.. واعلم انك حينها ستسامحيني لان قلبك يسع العالم كله بطيبته..
التفتت له ملاك وقالت بعينين تترقرق فيهما دموع الالم: وبم نفعتني هذه الطيبة سوى انها قد جعلتني ابدوا ساذجة امام الجميع؟.. واني مجرد حمقاء تخدع بسهولة..
مد مازن كفه ليمسح دموعها بحنان وقال: ابدا يا عزيزتي.. لست ساذجة او حمقاء.. الناس من حولك كذلك لانهم لا يقدرون طيبة قلبك ونقاءه..
التقطت ملاك نفسا عميقا.. دون ان تنبس ببنت شفة..فقال مازن وهو يخرج من جيبه هاتفا محمولا: انظري يا ملاكي..
تطلعت ملاك الى الهاتف المحمول ومن ثم قالت بالامبالاة: وماذا افعل بهاتفك؟..
قال مازن وهو يقتح قائمة الاسماء: انظري بنفسك.. لقد مسحت رقم كل فتاة لدي.. فيما عدى مها بالطبع..
قالها مبتسما.. في حين تطلعت ملاك الى هاتفه غير مصدقة.. ومن ثم لم تلبث ان عقدت حاجبيها قائلة: اسم ندى موجود ايضا ..
قال مازن بابتسامة: انها ابنة عمي.. ولهذا تركت رقمها في هاتفي وليس لسبب آخر..
قالت ملاك بصوت مختنق: لقد قرأت رسائلها.. كانت تبثك اشواقها ومشاعرها في رسائلها لك..
تطلع لها مازن بحنان ومن ثم قال: فليكن..
وضغط زر مسح اسم ندى من هاتفه.. واردف قائلا وهو يفتح قائمة الرسائل بهاتفه: وهاهي ذي الرسائل الموجودة بهاتفي..
تطلعت ملاك باستغراب الى شاشة هاتفه الذي كتب عليها (فارغ) .. فقال مازن بابتسامة مرحة: لقد تخلصت منها جميعا ..وكذلك قمت بشراء رقما جديدا لي..
واردف وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: وكل هذا لاجلك وحدك يا ملاكي..
ارتبكت ملاك امام نظراته.. وعاد قلبها ليخفق في قوة.. وامتدت كف مازن لتمسح على شعرها وهو يقول : ملاك سامحيني ارجوك.. اغفري لي حتى يعود كل شيء بيننا كما كان ..
تطلعت له ملاك بابتسامة باهتة.. وكادت في تلك اللحظة ان تغفر له كل ما مضى .. ان تبدا معه من جديد.. ما دام قد ادرك خطأه وقرر ان يصلح ما اقترفته يداه.. ورفعت رأسها له.. ولكن هذه المرة لم ترى في عيناه نظرات الحنان التي كانت تراها فيها منذ قليل.. بل كانت تحمل نظرات الغضب وهو يتطلع الى رقبتها ويقول بعصبية: اين القلادة؟..
لوهلة استغربت ملاك من حديثه ومن ثم فهمت انه يعني القلادة التي اهداها لها .. فقالت بتردد: لقد خلعتها..
قال مازن متسائلا بحدة: ولم؟..
قالت ملاك وهي تتنهد: لان كل ما بيننا قد انتهى..
نهض مازن من مكانه واقفا وقال بغضب: لا لم ينتهي شيء ..ليس من حقك ان تنهي أي شيء من بيننا.. انا زوجك.. اتفهمين؟ .. زوجك..
قالت ملاك وهي ترفع له رأسها وغمغمت بمرارة: زوجي الذي خدعني واستغل طيبتي.. زوجي الذي يعرف مئات الفتيات غيري.. زوجي الذي خان هذا الزواج الذي يربطنا..
قال مازن بحنق: اخبرتك مائة مرة وسأعيدها على مسامعك مرة اخرى.. لم يكن يربطني شيء بأولئك الفتيات.. لم تكن الا صداقة او زمالة في النادي.. واقسم على هذا..
قالت ملاك وهي تهتف بصوت عالي بعض الشيء: والرسائل؟..
قال بحدة: لا ذنب لي فيما يرسلونه.. لقد مسحت كل الرسائل وغيرت رقم هاتفي لاجلك.. وقررت ان ابدأ بداية جديدة معك.. وانت تقولين بعد هذا ان كل شيء قد انتهى من بيننا.. لا يا ملاك.. لم ينتهي شيء.. ولن ينتهي..
قالها وغادر الغرفة بخطوات غاضبة..في حين تنهدت ملاك وهي تحرك عجلات مقعدها قليلا.. وتتجه الى الادراج وتفتح احدها.. لتلتقط منه قلادة من الماس يحتلها الحرف "m".. وقالت: لقد انتبه لعدم وجودها حقا وانا التي ظننت انه لن يتذكرها اساسا.. يبدوا ان الامر يهمه حقا.. وربما اعني له شيء في حياته.. ربما يبادلني مشاعري ..مشاعري؟؟ .. الا زلت تحبينه يا ملاك على الرغم من كل ما فعله بك؟.. لست اعلم.. كل ما اعرفه هو اني لا اريد الابتعاد عن مازن ابدا..
وتطلعت قلادتها ذات القلب المتأرجح والتي تختل رقبتها وقالت وهي تداعبها: اخبريني ماذا افعل يا ابي؟.. ااسامح مازن؟..
سمعت صوت تغريد الطائر في تلك اللحظة فقالت بابتسامة باهتة: اترى انه يجب علي ان امنحه فرصة حقا يا مازن؟..
عاد الطائر ليغرد.. وينشر الحانه العذبة في كل ارجاء الغرفة.. فخفق قلب ملاك بالرغم منها وهي تقول: فليكن يا مازن.. سأمنحه فرصة.. ولكنها ستكون الاخيرة ..
وتطلعت الى القلادة التي جلبها لها مازن.. وفتحت قفلها لترتديها من جديد.. وقلبها يخفق بقوة وخوف من اتخاذها لهذا القرار.. بفتح صفحة جديدة مع مازن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
حاول مازن السيطرة على اعصابه طوال الطريق من منزله.. كان يفكر في أي شيء ليبعد عن ذهنه تلك القلادة الوحيدة ذات القلب المتأرجح التي تحتل رقبتها.. بكل سهولة تقول ان كل شيء قد انتهى بينهما.. لهذا خلعت القلادة التي اهديتها لها.. لكن القلاد ة الاخرى لم تفارقها قط.. لم؟.. ممن هي؟..
وزفر بعصبية وهو يتوقف بالسيارة في احد المواقف.. بعد ان اكتشف انه قد جاء الى النادي دون شعور منه..وخرج من السيارة ليسير بخطوات هادئة ويدخل الى النادي لعله يغير من جو الهموم الذي يعيشه هذه الايام..
وسار بين اقسام النادي بخطوات هادئة وبذهن مشوش سيطرت عليه الافكار.. وصورة ملاك لا تكاد تفارق مخيلته.. والموقف الاخير يتكرر في ذهنه.. وركل حجرا بقهر وهو يتطلع الى قسم الفروسية التي قادته قدماه اليه.. وتنهد بقوة وهو يمسك بالسورالذي يحيط بحلبة السباق.. قبل ان يبتسم بشرود وهو يتذكر الموقف الذي جمعه مع ملاك هنا.. يتذكر ركوبها الى جواره على ظهر الجواد.. وحديثهما معا.. تورد وجنتيها بخجل من كلماته.. برائتها التي تطغى على ملامحها و...
( مازن؟.. لا اصدق عيناي.. واخيرا تواضعت وجئت الى النادي) ..
التفت مازن الى مصدر الصوت وتطلع بهدوء الى رشا التي تسير بدلال مبالغ فيه وهي تتقدم منه ومن ثم تقول بابتسامة مردفة: لم ارك منذ ايام .. ما الذي جرى؟.. حتى هاتفك لم يعد يستقبل أي مكالمات خلال اليومين السابقين..
قال مازن وهو يلتفت عنها: اعلم فهو مفصول عن الخدمة..
قالت رشا وهي تقترب منه : وسبب عدم مجيئك الى النادي؟..
تطلع مازن الى حلبة سباق الخيل وقال: لقد كانت ملاك مريضة فظللت الى جوارها بالمنزل..
جلس الى جوار تلك العاجزة ولهذا لم يأتي الى النادي.. ايترك النادي من اجلها؟..ياله من سبب!.. والتفتت اليه قائلة : وماذا عن هاتفك؟..
قال وهو يهم بالابتعاد عنها: ربما افكر في اعادة الخط اليه قريبا..
ومضى في طريقه مبتعدا.. وعينا رشا تتابعانه في دهشة.. ابدا ليس هذا هو مازن.. ربما يكون شخص ما يشبه.. لكن ليس هو مازن الذي تعرفه.. ليس هو..
ومازن الذي انطلق الى الاسطبل ليخرج جواده منه ويمتطيه.. وبنطلق به شاقا الرياح .. غير آبه لكل ما حوله.. كل ما يهمه ان يحاول ان ينسى همومه.. احزانه.. ينسى مافعله هو بملاك وكان سببا فيما اصابها.. ينسى انه كان سببا في معاناتها .. وينسى كذلك ما فعلته هي به.. ينسى كلماتها القاسية التي وجهتها له.. كلماتها الجارحة.. وخلعها للقلادة التي جمعت بينهما يوم عقد القران.. اكان يستحق منها كل ذلك حقا؟..
واوقف جواده فجأة.. ليهبط من على ظهره.. وهو يفكر في القلادة ذات القلب المتأرجح من جديد.. ممن هي؟.. اكان لملاك اقرباء غيرهم؟..لقد قالت انه شخص غالي على قلبها.. ربما يكون ابن خالها مثلا.. لكن لم يسمع من والده ان لوالدة ملاك اشقاء او شقيقات..
ربما كان تفكير مازن سطحيا بعض الشيء.. فقد فكر في جميع من يعرفهم او لا يعرفهم.. فكر في شخص في سنها او اكبر منها بقليل قد يكون اهدى لها هذه القلاة.. ونسي اغلى الناس على قلبها.. والدها!..
وسار وهو يمسك لجام الجواد ليدخله الاسطبل.. لكنه توقف بغتة على باب الاسطبل عندما سمع احد ما يتحدث وميز صوته في سرعة.. كان شقيقه كمال يتحدث الى جواده وهو يعلم جيدا انه يتحدث الى نفسه .. لكنه كان يبجث عن أي وسيلة ليفضفض بها عن كل ما بداخله.. وارهف مازن سمعه .. وهو يسمع كمال يقول في تلك اللحظة: اعلم ان ما فعلته يعد خطأ وان مازن هو شقيقي الاكبر.. لكن يداي هما اللتان تحركتا حينها لتنقض عليه.. بعد ان علمت ان ما اصاب ملاك كان بسببه.. وبسبب علاقاته..
وتنهد وهو يردف: كنت اعلم ان امرا كهذا سيحدث في يوم.. كنت اعلم ان ملاك ستصدم بسبب علاقاته يوما ما لكونها جاهلة لما يدور حولها.. تجهل كل شرور العالم.. فقد اجتمع في قلبها معاني الخير والطيبة ..الحب والنقاء..
وربت على عنق جواده وهو يستطرد: اتصدق؟.. عندما رأيتها اول مرة في منزلنا كنت اشعر انها مجرد دخيلة عليه .. مجرد فتاة كغيرها.. لكن مع الوقت عرفت حقا من تكون .. وانها اسم على مسمى .. وبدأت نظراتي تجاهها تتغير.. بدأت اراقب حركاتها .. استمع الى كلماتها التي تحمل كل براءة الدنيا..ولكن اتعلم ما الذي كان يحدث حينهاوكان يجعل النار تشتغل بصدري بكل غضب؟..
وزفر بحدة قائلا بألم: لم تكن تراني هي او تفكر بي.. لم تكن حتى تلمح نظراتي المسلطة عليها.. فقد كانت تتطلع الى مازن طوال الوقت.. تبتسم اذا وجدته يبتسم.. تعبس اذا وجدته قد غضب.. تتطلع اليه بحنان كلما التفت لها وتطلع اليها.. وانا الذي كنت اتمنى نظرة واحدة من عينيها لم تكن تراني او تأبه بي حتى .. وانا من كان يجلس على مقربة منها طوال الوقت ..
كل هذا ومازن يستمع الى كل هذه الاعترافات مبهوتا عند باب الاسطبل.. هذه الاعترافات التي اخذت تتدفق من بين شفتي كمال.. اعترافات قد كتمها هذا الاخير في صدره ولم يسمح لأحد ان يعرف عنها شيئا..
وداعب كمال رقبة جواده من جديد وهو يقول بابتسامة باهتة: قد تقول لي انك ما دمت تشعر بكل هذا تجاهها..فلم لم تعترف لها؟.. لم ظللت صامتا طوال تلك المدة؟.. والآن فقط استطيع ان اخبرك السبب.. فكما قلت لك هي لم تكن تراني ابدا.. لم تكن تنظر الي.. وصدقني مازن هو الذي تربع في قلبها لوحده دون ان يسمح لأي شخص آخر ان يشاركه مكانه.. حتى في قلب ملاك قد فرض أنانيته !..
واكمل قائلا وهو يتنهد: وجدت نفسي اشعر بغيرة من شقيقي .. اشعر انه قد حصل على كل شيء.. وحتى الفتاة الوحيدة التي احببتها استطاع ان يختطف قلبها ويستحوذ عليه.. ربما باهتمامه المبالغ فيه لها.. وربما لاني انا الذي لم يحاول ان احسن صورتي تجاه ملاك حتى .. لكن صدقني.. كلما كنت اراها مع مازن او تتحدث عنه.. لا استطيع الا ان ارمقها بتلك النظرات القاسية.. مع اني اريد ان اهتف بها انها قد ملكت قلبي وكياني وروحي.. اريد ان اهتف بها ان تنسى مازن.. وتلتفت الي انا.. انا الذي احببها بصدق.. وكنت افكر بالتقدم لخطبتها حقا من والدها .. لولا ما حدث..
والتقط نفسا عميقا ومن ثم ازدرد لعابه وهو يواصل في اعترافاته: لم اكن اتوقع ان يحاول والدي حل المشكلة بزواجها من احدنا.. ولم اكن اتوقع ان يختار مازن لانه الاكبر فقط.. لقد كرهت ان اكون الاصغر حينها وتمنيت لو ان والدتي قد انجبتني قبله لتكون ملاك لي انا..وعندما ثرت واخبرته اني اريدها زوجة لي .. اخبرني ان شقيقي احق بها مني لانه انهى دراسته ولديه وظيفة فقط.. وشقيقي الاكبر اتهمني اني طامع في اموالها.. وانا الذي كنت طامع في حبها لا اكثر ولا اقل.. لكني كنت اعلم انها ستختاره هو عندما خيرها والدي بيننا .. لهذا انسحبت من حياته وحياتها.. لكن.. لم اكن استطيع ان اقف متفرجا وانا ارى ملاك تتألم بسببه.. لم اكن استطيع..
(لماذا لم تخبرني؟)
التفت كمال الى مصدر الصوت في قوة .. وكأننه لم يتوقع ان يتواجد احد معه في تفس المكان او يستمع الى ما يقوله.. ومازن الذي قال عبارته السابقة.. لم يحتمل الصمت اكثر من هذا.. وقرر ان يتحدث الى شقيقه الذي كان سببا في احزانه ذات يوم دون ان يعلم.. يا ترى يا مازن كم شخص تسببت في احزانه دون ان تعلم؟!..
وتطلع له كمال ببرود شديد قبل ان يقول: منذ متى وانت واقف هنا؟..
قال مازن وهو يتقدم منه: لا يهم .. المهم اني علمت بكل شيء.. اخبرني .. لماذا لم تخبرني بذلك من قبل؟.. لماذا لم تخبرني بأنك تـ...؟
وتوقفت الكلمات على الشفاه دون ان يستطع مازن ان يخرجها من بينها.. فقال كمال مكملا لعبارته: انني احب ملاك .. اليس كذلك؟..
وترك جواده ليتقدم من مازن قائلا: ومن قال اني لم اخبرك؟.. الم اعترف لك اني احبها في اليوم الذي علمت به انك ستتزوجها لحماية ملاك من عمي عادل وابنه؟.. وماذا فعلت انت حينها سوى انك قد سخرت مني واستهزأت بما قلته؟.. واتهمتني بأني طامع في ما تملكه لا غير..
عقد مازن حاجبيه وقال بحزم: لو كنت قد اعترفت لي بصدق لما كذبتك.. لكن انا من دفعك لذلك الاعتراف يومها ..ولهذا شككت بالامر.. لقد ظننت انك تحاول التمثيل علينا حتى نوافق ان ترتبط بملاك.. كمال لو كنت تحبها حقا.. لكنت قد اخبرتني وحاربت الجميع لأجلها..
قال كمال وهو يبتسم بزاوية فمه بمرارة: ولماذا احارب من اجل فتاة لا تحمل لي أي ذرة مشاعر؟.. لو كانت تبادلني المشاعر لما تأخرت في ذلك.. لكنها تحب شخصا آخر.. ولم اعد اعني لها أي شيء الآن..
قال مازن متسائلا: من تعني بالشخص الآخر الذي تحبه؟..
قال كمال بسخرية: اانت اعمى يا مازن؟.. طوال هذا الوقت لم ترى أي شيء او تشعر بشيء..
صمت مازن وهو يتذكر كلمات كمال التي قالها منذ قليل بأن ملاك كانت تراقبه هو طوال الوقت..وانها قد حصل على قلبها.. املاك تحبه حقا؟؟.. ام ان هذا مجرد احساس من كمال؟..
في حين سار كمال وهو يخرج من الاسطبل وتوقف بحوار مازن ليقول: ثم من قال اني لو اعترفت لك بحبي لها كنت ستسمح لي بالزواج بها؟.. لقد شعرت بالغضب وانفعلت لمجرد انك شعرت انها من الممكن ان تكون لسواك.. فتفكيرك الاناني هذا كان ينص على ان ملاك اما ان تكون لك اوانها لن تكون لأحد لآخر ..ربما تكون مغرورا او ربما لكبريائك لا تريد ان تعترف بالحقيقة التي تخفيها عن نفسك ذاتها .. بأن ملاك قد احتلت هذا المكان..
قالها واشار الى صدر مازن في موضع قلبه تماما.. وابتسم له بهدوء.. قبل ان يمضي في طريقه.. تاركا مازن يقف كالتمثال الجامد وهو لا يستطيع الحركة او حتى التفكير بشيء من شدة صدمته...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
غرق امجد في اعماله والملفات المكومة امامه حتى انه لم ينتبه الى صوت طرق الباب..والى صوت سكرتيره وهو يدلف الى مكتبه ويقول بهدوء: سيد امجد. هناك من يريد مقابلتك.. ويقول انه من العائلة..
رفع امجد رأسه بحدة الى سكرتيره وقال بحدة: كيف تدخل دون ان تطرق الباب؟..
قال السكرتير بارتباك: لقد طرقته يا سيدي.. لكن يبدوا انك كنت مشغولا ولم تنتبه لـ...
قاطعه امجد قائلا وهو يشير له بالصمت: قل ما تريد بسرعة.. فلدي عمل كثير..
قال سكرتيره بهدوء وقد اعتاد شخصية امجد: هناك شخص ما ينتظرك بالخارج.. ويقول انه قريبك..
عقد امجد حاجبيه وقال: وما اسمه؟..
صمت السكرتير لبرهة ومن ثم قال: حسام.. حسام سامي ..
اتسعت عينا امجد في دهشة واستغراب شديدين وقال مستفسرا: أأنت متأكد؟..
قال السكرتير مجيبا: هو من اخبرني بأسمه وسلمني بطاقته ايضا..
عقد امجد حاجبيه بتفكير.. واطرق رأسه لثواني.. قبل ان يرفعه للسكرتير ويقول ببرود: دعه يدخل..
اومأ السكرتير برأسه.. قبل ان ينصرف ويغادر المكتب .. ولم تمض لحظات حتى كان الباب يفتح من جديد ويدلف منه حسام.. الذي تقدم بخطوات متوترة الى حيث مكتب امجد ورأى هذا الاخير يقف ويبتسم ابتسامة نستطيع القول عنها انها باردة الى ابعد حد..
ومد حسام كفه الى امجد بيقول وهو يصافحه: كيف حالك يا عمي؟..
قال امجد وهو يشير له على المقعد: بخير .. اجلس..
اتخذ حسام مجلسه والتفت الى امجد ليقول بهدوء: ربما تكون تعلم بسبب مجيئي لك المكتب..
تطلع له امجد منتظرا تفسيرا.. فاردف هو قائلا بابتسامة باهتة: سأدخل في الموضوع مباشرة..انه يتعلق بي انا ومها..فقد كنا لبعضنا منذ الصغر.. وكنت ترانا معا دائما في المناسبات ولم تعارض.. ولقد كنت تقول لي دائما انني ابنك الرابع ..والوحيد الذي يمكن ان يفهم مها اكثر من شقيقيها الآخرين.. فلم رفضت زواجي بها الآن؟..
قال امجد وهو يعقد اصابع كفيه امامه: لقد كنت اراك شقيفا لهم.. ولم اتوقع ان يتطور الامر لأكثر من ذلك.. واما سبب رفضي.. فأظن ان مها قد سبقتني واخبرتك به..
قال حسام بحيرة شديدة: لكنه سبب غير مقنع.. الأني ابن خالها فقط.. عمي لا يمكن للانسان ان يحكم على الناس لقرابتهم من شخص ما.. ويمنع ان يتقرب لهم .. لمجرد انهم اقرباء لذلك الشخص..
عقد امجد حاجبيه وقال: اشعرت يوما ما بشعور الخيانة؟..
بهت حسام من السؤال وتطلع الى امجد الذي اردف: ان شعرت به فستعرف حينها لم رفضت ان اتقرب من هذه العائلة اكثر..
- لكني كنت ابنك دائما..
- ولا زلت.. لكن انزع زواجك من مها من رأسك ان كنت تريد ان تظل علاقتك بأسرتي كما كانت..
قال حسام ببعض العصبية: ولم كل هذا؟.. لم تحرمني انا ومها من ان نتوج حبنا بالزواج ؟.. لم؟.. وقد اصبحت تعني لي كل شيء..
واردف قائلا وهو يشعر بغصة في حلقه: صدقني يا عمي.. ان فرقتنا انا ومها.. فلن يكون مصير كلينا الا العذاب والالم والحزن اللانهائي.. سترى مها تتعذب امام ناظريك.. بسبب قرارك هذا الذي اتخذته..
قال امجد بهدوء شديد: مها ابنتي وانا الذي قمت بتربيتها.. اعرف انها سترضخ لما اقوله..ومن ثم يمكنها ان تنساك مع الوقت..
قال حسام وهو يهز رأسه نفيا: ابدا.. لن يمكنها ذلك.. اتعرف لم؟ .. لأن حبنا قد حفر في قلوبنا وكبر معنا .. اصبح جزءا منا ويجري في عروقنا مجرى الدم..
قال امجد بحدة: يكفي لا احتاج لان تخبرني عن مشاعرك تجاه ابنتي .. كل ما احتاجه هو ان تبعد ابنتي عن ذهنك وتتركها وشأنها..
تطلع له حسام قوال بحزم: ان استطعت انت نسيان زوجتك ومافعلته بك..فحينها ربما استطيع ان انسى مها للحظات فقط.. لكن ستظل في قلبي الى الابد..
قال امجد وهو يكور قبضته: قراري لن اتراجع عنه.. مهما حدث..
قال حسام بحدة وانفعال: انت بهذا تقتل مها يا عمي.. تقتل ابنتك وتقتلني معها..
قال امجد بعصبية: يكفي ما قلته وغادر الآن.. لا اريد سماع كلمة أخرى منك..
نهض حسام من مكانه وقال وهو يرمق امجد بنظرة اخيرة تحمل معنى الغضب .. الظلم والقهر: تذكر يا عمي ان بيديك قد قتلت ابنتك.. وان بيديك هاتين قد قتلت ابنا كان لك في يوم ..
واسرع يغادر المكان ويغلق الباب خلفه في قوة.. وزفر امجد بحرارة وهو يستند الى مسند مقعده..وتدور في رأسه افكار عديدة .. جعلته يغرق في حيرة واضطراب ويتناقض مع نفسه.. واخيرا سمع صوت رنين هاتف المكتب الذي جعله يرفع سماعته ويقول ببرود: من المتحدث؟..
سمع صوت المتحدث للحظات ومن ثم اردف قائلا بابتسامة باهتة: اوصلتك الاخبار بهذه السرعة؟.. اجل لقد زارني منذ قليل وطلب مني ان اغير رأيي..
صمت مرة اخرى وهو يستمع الى محدثه ومن ثم اكمل بتوتر: لا تقلق.. كما وعدتك.. مها لن تكون الا لابنك يا عادل ..
وكشف القدر عن لعبة غريبة اخذ يلعبها بأبطالنا..ما بين حب تحول الى كره وبين شفقة تحولت الى حب.. وما بين ابوة تحولت الى ظلم وقرابة تحولت الى حب المال والذات .. ولكن يبقى القدر عاجزا عن حل هذه المعضلة الصعبة او تفسيرها حتى..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
?Đō ũ bεĪεīνε īή Ļύν
Ļīķε Ĩ bεĪεīνε Ĩή ρaīή
  #233  
قديم 03-21-2010, 08:23 PM
 
الجزء السابع والثلاثون
"أمل"

ابتسمت مها وهي تتطلع الى ملاك من عند الباب..التي ارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيها وهي تتطلع الى طائرها.. واقتربت من ملاك بخطوات هادئة وقالت وهي تضع يدها على كتفها: فيم تفكرين؟..
التفتت لها ملاك وقالت بابتسامة شاحبة: افكر في ابي.. لم اذهب له منذ ثلاثة ايام بسبب ماحدث لي..
قالت مها وهي تتطلع اليها بحنان: سآخذك اليه اليوم ان شئت..
قالت ملاك بلهفة :حقا ستفعلين؟.. ومتى سيكون ذلك؟..
ابتسمت مها وهي تتطلع الى فرحتها وقالت وهي تصطنع التفكير: ربما.. عند الساعة الـ...
( انا سآخذك الى هناك)
التفتت كلاتهما الى مصدر الصوت.. وشعرت مها بالقلق وهي ترى مازن يتقدم وعلى وجهه علامات الجمود.. في حين خفق قلب ملاك في توتر.. وهي تتطلع الى نظرة التأنيب التي يرمقها بها ..
وظلت ملاك صامتة وهي تراه يقترب منها ويقول بلهجة تحمل الكثير من الغضب: بشرط واحد..
تطلعت له مها باستغراب من طريقة حديثه هذه.. في حين استطرد هو قائلا وهو يمسك بالقلادة ذات القلب المتأرجح الذي تحتل رقبتها على حين غرة منها: ان تخبريني من يكون الشخص الذي اهداك هذه القلادة..
تطلعت له ملاك بعينين تحملان الاستنكار وقالت بتأنيب: ومن تظنه يكون؟..
قال مازن بحدة: انه كمال .. اليس كذلك؟..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة .. وتطلعت اليه بصدمة.. فقالت مها بحدة: أي قول تقوله؟.. أي كمال هذا الذي سيهدي...
اشار لها مازن بالصمت .. وقال بلهجة منفعلة: اجيبي .. انه كمال .. صحيح؟..
ابعدت ملاك يده عن القلادة وقالت بابتسامة ساخرة و مريرة: لقد انقلبت الادوار اذا؟.. اصبحت انت تشك في تصرفاتي .. وانا التي يجب ان تفعل بعد ان رأت الدليل القاطع على خيانتك بعينيها .. ومع هذا قد قررت ان ابدأ صفحة جديدة معك وارمي الماضي خلفي..
في تلك اللحظة فقط قد انتبه مازن الى قلادته التي اهداها لها في يوم عقد القران.. والتي عاودت ارتدائها من جديد بعد كل ماحدث بينهما.. وشعر بقلبه يرق تجاهها..في حين اردفت هي قائلة وهي ترفع رأسها اليه بكل ثقة: وليس ذنبي ان كنت اعمى او سريع النسيان.. فمنذ اول يوم جئت فيه الى هنا كنت ارتدي هذه القلادة.. قبل ان ارى كمال او اراك او ارى سور منزلكم حتى..
قال مازن متسائلا في صوت اقرب الى الرجاء: اذا ممن هي؟.. لم استطع التركيز وانا اقود السيارة الى هنا..وكل تفكيري مع الشخص الغالي على قلبك كما اخبرتني مسبقا والذي اهداك هذه القلادة..
تطلعت مها للموقف بتعجب.. فبعد ان كان مازن هو الذي يمسك زمام الامور .. اصبحت ملاك الآن كذلك.. تتحدث بكل ثقة.. مدافعة عن نفسها وعن حقها بكل قوة.. حقا لقد تغيرت يا ملاك..
ارتجفت شفتا ملاك وقالت بصوت اقرب الى الهمس: اجل هو كذلك.. احب الناس على قلبي.. اقربهم الى نفسي.. حياتي كلها.. هو الماضي والحاضر والمستقبل.. احن الناس علي.. والوحيد الذي احبني بصدق..
واردفت ودمعة حزينة تسيل على وجنتيها: انه ابي...
أي موقف الا هذا الموقف.. أي مكان الا هذا المكان.. هذا الموقف السخيف الذي اضع نفسي فيه لمجرد شكوك لا محل لها.. لمجرد الغيرة التي اعمت عيني.. وجعلتني اشك في هذا الملاك الطاهر.. وانا الذي يجب ان احاسب نفسي على كل ما فعلته.. احاسبها هي على لاشيء.. يالي من احمق.. كلما حاولت ان احسن صورتي امامها.. ارى نفسي اسقط من عينيها اكثر واكثر .. حقا انا لا استحق ملاكا بريئا مثلها..
وقال بعد دقيقة صمت رانت على المكان: ملاك..انا.. آسف.. سامحيني ارجوك..اعلم اني مجرد احمق.. يرى عيوب الناس وينسى عيوبه هو..ملاك صدقيني انها الغيرة التي جعلت اشك بك.. انا حقا آسف..
مسحت ملاك دموعها وقالت بصوت مختنق: اريد ان اعود الى منزلي .. الى ابي.. الى الهدوء الذي كنت اعيشه.. لا اريد ان ابقى هنا معك.. انت.. لا تحب سوى نفسك.. تشك بي انا .. وانا التي قررت ان ابدأ معك حياة جديدة بعد كل ما فعلته بي .. كنت مجرد ساذجة حمقاء عندما اتخذت ذلك القرار ..
اقتربت منها مها وقالت وهي تهبط الى مستواها وتحيط كتفيها بذراعها: ملاك اهدئي.. ارجوك.. اهدئي .. مازن لم يقصد .. لقد اعمته الغيرة عن رؤية الحقيقة التي هو متأكد منها..
اما مازن فقد ابتسم بمرارة ومن ثم قال وهو يلقي نظرة حانية على ملاك: سآخذك الى والدك.. الآن اردت.. فقط اجهزي ..
قالت ملاك بصوت متقطع : لا اريد.. الذهاب معك الى ..أي مكان.. دعني وحدي..
تطلع مازن الى مها بنظرة رجاء على امل ان تقنعها.. فهزت مها كتفيها بمعنى انها ستحاول.. ومضى مازن مبتعدا تاركا الدمع يسيل على الخد بكل حرقة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم عادل وهو يغلق سماعة الهاتف ويلتفت الى فؤاد الذي يجلس على مقعد مواجه لمكتبه.. ويجلس في مواجهته احمد.. وقال بكل ثقة: كما اخبرتك.. لن يتمكن شخص من تغيير رأيه ابدا..
قال فؤاد بحدة: على الاقل حتى لا نلدغ من الجحر مرتين.. ففي المرة السابقة عندما تأخرنا تزوجت ملاك من مازن.. ولا اريد ان تتزوج مها من شخص آخر ايضا..
مال عادل نحوه قليلا وقال متسائلا: ولم تهتم بزواج مها من احمد الى هذا الحد؟..
قال فؤاد وهو يكور قبضته: حتى يكون احمد بجوار ملاك وعائلة امجد.. يفهم كل صغيرة وكبيرة تحدث.. وكل ما يدور من خلف ظهورنا ..وخصوصا تلك التي تعني ملاك وشركة خالد..
قال عادل مبتسما بمكر: لست سهلا يا فؤاد..
في حين قال احمد مبتسما بانتصار: ليس المهم السبب.. المهم ان اتزوج مها في اقرب فرصة..
والتفت الى والده مردفا: متى سنذهب لخطبتها يا والدي؟..
قال عادل وهو يمط شفتيه : غدا كما اخبرتك..
قال احمد بلهفة وسرعة: ولم ليس اليوم؟..
التفت عنه عادل وقال متجاهلا سؤاله: لم تخبرني يا فؤاد..بم اجابك مازن بعد العرض الذي قدمته له؟.. وافق بالتأكيد اليس كذلك؟ ..
تذكر فؤاد مادار بينه وبين مازن في المرة الاخيرة وقال ببعض العصبية: لقد كان مترددا آخر مرة.. وقد توقعت موافقته.. لقد رأيتها صريحة في عينيه وهو يجد ان الوظيفة التي حلم بها اصبحت بين يديه.. ولكن لم يستطع التصريح بها.. وتركته ليفكر قليلا لعله يمنحني موافقته.. لكن ما حدث انه قد رفض رفضا قاطعا..
اتسعت عينا عادل وردد بدهشة: رفض؟؟.. وكيف رفض عرضا مغريا كا الذي قدمته؟..
قال فؤاد بسخرية: ليس هذا فقط.. بل لقد دافع عن تلك العاجزة بكل قوة.. وكأن تلك الساذجة اصبحت شيء ثمين لا يمكنه الاستغناء عنه..
قال عادل باهتمام وتساؤل: وما الذي ستفعله الآن؟..
امسك فؤاد بذقنه وقال وقد تغضنت ملامحه: لست اعلم.. لكن .. صدقني سأجد الحل عما قريب.. ملاك لن تظل زوجة مازن هذا لوقت طويل..واقسم على هذا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
لم يكن اقناع ملاك بأن يصطحبها مازن الى والدها بالامر السهل .. لقد حاولت معها مها طويلا وكذلك مازن الذي حاول ان يوضح موقفه لها.. وبعد نقاش طويل رضخت ملاك على ان تكون مها معها طوال طريقها من والى المستشفى.. ولم يجد مازن او مها بديلا عن الموافقة.. وانطلقت بهما السيارة اخيرا الى المستشفى..
في هذه المرة جلست ملاك في المقعد الخلفي ولم يستطع مازن الاعتراض.. فهو يحمد الله انها قد وافقت على المجيء معه فحسب ..وتلفتت مها بينهما بتوتر..وهي ترى الجو المكهرب بينهما.. وتنهدت بحرارة بدورها.. وذهنها منشغل بحسام وما قد يكون قد فعله لو تحدث الى والدها..
واخيرا توقفت السيارة في احد مواقف المشفى.. وكان مازن هو اول من غادرها..ليتجه الى الصندوق الخلفي ويخرج المقعد المتحرك منه.. ومن ثم يفرد المقعد ويفتح الباب المجاور لملاك ويقول بابتسامة: هل يمكنني المساعدة؟..
قالها ومد كفه لها.. وتجاهلت ملاك يده الممدودة.. ورفعت ثقل جسدها والقت به على مقعدها المتحرك..فتطلع لها مازن باستغراب ومن ثم لم يلبث ان ابعد كفه الى جواره بألم ..واكتفى بأن يمسك بمقبضي مقعدها ليدفعها.. لكنها فاجأته عندما قالت: مها .. ادفعي انت المقعد من فضلك..
اقتربت مها منهما بعد ان غادرت السيارة.. وتطلعت الى مازن .. الذي شد على مقبضي المقعد بقبضتيه بكل قوة..ومن ثم لم يلبث ان ابتعد بكل عصبية.. فتقدمت مها ودفعت مقعد ملاك بدلا من مازن ..
ولم تمض دقائق حتى كانت ملاك قد وصلت الى غرفة والدها .. ورأت ممرضة تخرج منها قبل ان تدلف اليها هي..فأسرعت تهتف بها: لو سمحت .. كيف حال.. ابي اليوم؟..
قالت الممرضة بهدوء شديد: كما هو.. لا تطور في حالته ..
عتصر الالم قلب ملاك.. واطرقت رأسها في حزن ومرارة.. فاسرع مازن يقول لمها: فلندخل..
دفعت مها مقعد ملاك وفتح مازن الباب لهما ليدلفا الى الداخل.. وتبعهما هو..وحركت ملاك عجلات مقعدها في سرعة لتتجه الى ذلك السرير الذي يغرق والدها عليه في غيبوبة عميقة.. وابتسمت مها باشفاق وحنان.. وهي ترى لهفتها على والدها وهي تتجه اليه وتلتقط كفه بين كفيها لتقول بشوق وحب: ابي.. اشتقت اليك كثيرا..
جلست مها في المقاعد الموجودة بالغرفة وجلس مازن على المقعد المجاور لها وعيناه معلقتان على ملاك .. التي كانت تقول في تلك اللحظة وهي تقرب كف والدها من وجنتها: ابي انا بحاجة اليك.. اكثر من أي وقت مضى.. بحاجة الى حنانك وحبك.. لتعوضني عن كل ما فات.. لتنسيني احزاني وآلامي.. ارجوك .. عد الي.. لا اريد أي شيء آخر من هذه الدنيا سوى ان تعود الي من جديد.. ابي..انا احتاجك..
وترقرقت الدموع في عينيها وهي تقول بصوت هامس لا يسمعه كلاها: ابي لقد تزوجت قبل ايام من مازن..وانا وانا.. اقضي معه ايام جميلة و..لقد عوضني الكثير..ولكن...
مسحت دموعها التي سالت على خدها دون شعور ومن ثم اردفت بصوت باكي: ارجوك ابي عد الي .. انا احتاج اليك .. ارجوك..الست ملاكك التي تنفذ لها كل ما تريد.. ارجوك عد الي..ار...
بترت ملاك عبارتها بغتة وانتقل بصرها الى يد والدها لتتطلع اليها بدهشة وذهول..وانتفض جسدها بقوة لحظتها.. لا لشيء الا لأن اصابع والدها قد تحركت.. حركة بسيطة جدا لم يلاحظها سواها...
وخفق قلبها في قوة وهي تتمنى ان لا يكون ما رأته مجرد حلم.. وهتفت قائلة : مازن.. مازن..
نهض مازن من مكانه في سرعة وتوجه نحوها ليقول بقلق: ما الامر يا ملاك؟..
قالت ملاك وهي ترفع رأسها له وبصوت بالكاد خرج من حلقها: ابي..
قال مازن وقد بلغ منه الخوف مبلغه: ما به؟..
قالت ملاك بكلمات مرتجفة: لقد تحرك.. اعني .. لقد تحركت اصابعه..
اتسعت عينا مازن بدهشة ونقل بصره بين يد والد ملاك وبينها وقال مستغربا: ربما انت تتوهمين..
اما مها فقد قالت بلهفة وهي تتجه الى ملاك في سرعة: اانت متأكدة؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت لها وتزدرد لعابها بتوتر: اجل.. لقد شعرت به .. اقسم على هذا..
قال مازن بتردد: فليكن .. سأنادي الطبيب ليرى الامر..
قالها وغادر الغرفة بخطوات متوترة بعض الشيء..اما ملاك فقد عادت بأنظارها الى جسد والدها الممدعلى الفراش وقالت وابتسامة تتراقص على شفتيها: ابي لقد تحركت اناملك .. اليس كذلك؟.. انا لم اكن اتخيل.. وانت استجبت لندائي وعدت الي ..اخبرهم ان هذا صحيح وحرك اناملك من جديد .. ارجوك ..
ولكن انامل والدها ظلت مفرودة دون ادني حركة.. فربتت مها على كتفها وقالت: عندما يحضر الطبيب سيخبرنا بحالته.. لا تقلقي..
ران الصمت عليهم لدقائق.. وفجأة وسط هذا الصمت.. تعالى رنين هاتف مها المحمول ليبدد جو الصمت الذي سيطر على المكان.. واسرعت مها تلتقط هاتفها من حقيبتها.. وتبتعد مغادرة الغرفة..وتوقعت ان يكون حسام المتصل.. لكن توقعها هذا قد خاب عندما رأت شاشتها تضيء باسم احمد.. شعرت بالحقد تجاهه.. والشيء الوحيد الذي فعلته هو انها رفضت هذه المكالمة.. ولكن الرنين عاد من جديد بكل اصرار.. وللمرة الثانية عاودت رفض المكالمة وهي تضغط على الهاتف قائلة من بين اسنانها وبصوت يحمل كل الحقد الذي في قلبها: ماذا يريد مني هذا الحقير؟..بالتأكيد مخطط خبيث من مخططاته..
ولم تمض لحظات حتى عاد رنين الهاتف.. لكن هذه المرة كان رنينا يعلن وصول رسالة قصيرة..وشعرت مها بشعور ينبأها انها من احمد عندما فقد الامل في اجابتها عليه.. وفتحت الرسالة وقرأت سطورها التي كانت تقول (قريبا ستدفعين الثمن)..
شعرت مها بالصدمة من الكلمات التي ارسلها لها وماذا يعني بها.. وعن أي شيء يتحدث؟.. أيعني انني سأدفع ثمن ذلك اليوم عندما صفعته دون شعور مني؟.. ايحاول تهديدي هذا الحقير؟ ..
كادت ان تعاود دخولها للغرفة .. لكن خطر على ذهنها حسام بعتة.. جعلها تتخذ مجلسها على احد مقاعد الانتظار وتتصل به..وسمعت الرنين يستمر لنصف دقيقة ومن ثم ينقطع.. واستغربت ذلك.. ليجعلها تعاود الاتصال من جديد .. وفي هذه المرة اجاب حسام عليها قائلا بصوت لمحت فيه الانكسار: اهلا مها..
قالت مها بقلق: حسام.. ما بك؟.. لم لا تجيب على الهاتف؟..
التقط حسام نفسا عميقا ومن ثم قال: اجيبك لم؟.. وماذا استطيع ان اقول لك لو اني اجبتك؟..
قالت مها بدهشة: حسام.. ماذا تقول؟.. ما الذي تعنيه بقولك هذا؟..
تنهد حسام بألم وقال بغتة: لقد ذهبت اليوم الى الشركة حتى ارى والدك..
وعلى الرغم من ان مها قد لمحت في صوته رنة الالم الا انها قد تمنت ان تخيب كل توقعاتها وان يكون والدها قد غير رأيه ووافق على ارتباطهما.. فقالت بلهفة يشوبها بعض القلق: وماذا قال؟ ..
قال حسام وقلبه يعتصر الما كلما تذكر كلمات امجد له: قال انك ستنسيني مع الوقت.. لهذا علي ان ابعدك عن ذهني واتنحى عن طريقك.. فهو يعرف مصلحتك اكثر مني.. وقال ان قراره هذا لن يتراجع عنه مهما حدث.. لم يعلم حينها انه كان يقتلني بكلماته وهو يمنع هذا الارتباط بشتى السبل..
كان قلب مها يبكي بدموع الم تضاهي تلك التي تسيل على وجنتيها.. وقالت بصوت مختنق:انا لن انساك ابدا ما حييت.. الا لو اقتلعوا قلبي من صدري.. لكن حقا اريد ان اعرف.. لم يمنع والدي هذا الزواج؟.. لم؟.. لم اعهده قاسيا الى هذه الدرجة ..
قال حسام وهو يتنهد: لا يريد لعائلتنا ان تكون قريبة منه..
هتفت مها قائلة بصوت منفعل: هذا ليس سببا مقنعا ابدا..
وانتبهت لنفسها فجأة انها تجلس في المستشفى وبين مرضى واطباء.. فشعرت بالحرج من نفسها ومسحت دموعها وقالت بصوت منخفض: لكن صدقني يا حسام لن اصمت.. سأحاول انا معه وكذلك مازن وكمال حتى يغير رأيه .. لن اسمح له ان يتخذ قرار مصيري في حياتي كهذا.. لن اسمح له..
قال حسام وهو ويغمض عينيه بألم: لا اظنه سيتراجع عن قراره ..
قالت مها بحزم: عندها انا من سيقف في وجهه.. ولو تطلب الامر.. ان أترك المنزل بأكمله..
قال حسام بدهشة واستغراب: والى اين ستذهبين بعدها؟..
قالت مها بقهر: أي مكان.. المهم ان لا اكون مع ابي ولا يتحكم بمصيري كما يشاء..
واردفت قائلة: حسام.. انا مضطرة لانهاء المكالمة الآن.. فأنا في المشفى مع ملاك في زيارة لوالدها.. اهتم بنفسك جيدا..
قال حسام بحنان: وانت كذلك.. وطمأنيني على احوالك..
- سأفعل .. الى اللقاء..
انهت مها الاتصال بعد ان سمعت صوته يودعها.. وتوجهت الى غرفة والد ملاك وذهنه قد بدأ بالتفكير في طريقة لاقناع والدها.. وشاهدت بالداخل مازن وايضا الطبيب.. وملاك التي تتطلع الى الوضع بقلق شديد.. فقالت هامسة وهي تقترب من مازن: ماذا قال الطبيب؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لا شيء حتى الآن.. لا يزال يفحص حالته..
مرت دقائق والطبيب يفحص الاجهزة ومن ثم يعاود فحص جسد خالد الممد.. ومن ثم يمسك يده منتظرا منه ردة فعل.. واخيرا التفت الى ملاك وقال متسائلا: هل انت متأكدة انه قد حرك اصابع يده؟..
اومأت ملاك برأسها وقالت وهي لا تزال تحت تأثير لهفتها وفرحها بما حدث: اجل.. اجل.. لقد كنت اتحدث اليه .. وكنت امسك بيده حينها.. وشعرت فجأة باصابعه تضغط على يدي..
قال الطبيب وهو يهز رأسه بحيرة: لست اعلم ما الذي حدث.. فكل الاجهزة المتصلة بجسده لا تشير الى أي تطور في حالته ..
قالت ملاك وهي تهتف في سرعة: لكن اصابعه تحركت .. اقسم على هذا..
قال الطبيب بهدوء: ربما مجرد انقباض في عضلاته.. او ربما انت من حرك اصابعه بكفك دون ان تشعري..
عقدت ملاك حاجبيها وتقدمت بمقعدها من كف والدها لتمسكها بأحد كفيها ومن ثم تهمس لوالدها قائلة: ابي.. انا ملاك يا ابي.. اجب علي.. حرك اصابعك ان كنت تسمعني .. ارجوك..
لكن لا استجابة.. فقال الطبيب بابتسامة مشفقة: ارأيت؟ .. ربما مجرد انقباض في العضلات..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: لا ابدا.. ابي كان يشعر بوجودي الى جواره ولهذا حرك اصابعه ليمسك بكفي .. يريد ان يشعرني انه معي دائما وانني في امان..
تطلع لها الطبيب مشفقا ومن ثم قال: سنتابع نحن حالته .. لا تقلقي ..
واردف قائلا وهو يتوجه خارجا من الغرفة: بالاذن..
غادر الطبيب الغرفة دون ان يمنح قلب ملاك المتلهف أي امل في شفاء والدها.. وهي التي كانت تشعر بالسعادة لانه سيفيق قريبا.. ماتت السعادة في قلبها قبل ان تشعر بلذتها.. وتنهدت بقلب متألم يعتصر الحزن والخوف..
وشعرت بكف تربت على كتفها .. والتفتت الى صاحب اليد والذي كان مازن والذي يتطلع اليها بابتسامة حانية ..وقالت برجاء: لقد تحركت اصابعه..انا واثقة.. لقد رأيته يحرك اصابعه كما اراك امامي الآن.. صدقني.. صدقوني جميعا..
قال مازن وابتسامته الحانية لا تزال على شفتيه: انا اصدقك ..ومتأكد من كل كلمة نطقت بها..
قالت ملاك وهي مستمرة في رجاءها: اذا اخبر الطبيب بذلك .. اخبره ان يعاود فحص ابي.. ربما يكون هناك امل في نهوض والدي او...
بترت عبارتها دون ان تجد ما تكمله بها.. فقال مازن باشفاق: ملاك.. الطبيب لا يستطيع ان يمنحك معلومات هو غير واثق منها لانه يعتمد في ذلك على اشياء ملموسة.. أي على الاجهزة التي تلاحظ حالة والدك طوال 24 ساعة وما دام لم يرى أي تقدم منها .. فلن يصدق أي شيء آخر..
في حين قالت مها بابتسامة باهتة: لكنه نسي ان الله تعالى قادر على كل شيء.. وان من الممكن بقدرته ان ينهض والدك دون ان تدرك هذه الاجهزة الجامدة شيئا..
خفق قلب ملاك وعاد الامل ليتجدد في قلبها.. لترسم اعذب ابتسامة رآها مازن على شفتيها وتقول: ونعم بالله..
والتفتت لمها لتقول : اشكرك يا مها على ما قلتيه.. انا اشعر بقليل من الراحة الآن..
وعادت لتلتفت لمازن وتقول بتردد: واشكرك انت كذلك يا مازن ..
تطلع مازن الى عينيها مباشرة.. وابتسم ابتسامة واسعة حملت في قلبه من مشاعر.. وهم بقول شيءلكن...
((ملاك ستظل حبيسة مقعدها الى الابد؟))
((والدها هو المسئول عن هذا الامر وليس نحن))
(( اعلم.. وبكل تأكيد فوالدها مستعد لأن يدفع لها كل مايملك من مال لكي تشفى من عجزها هذا..وبما ان ملاك لازالت عاجزة .. فهذا يعني انه لم يجد وسيلة حتى تشفى من عجزها هذا حتى الآن))..
((معك حق..))
(( ما اريد معرفته يا والدي.. هو متى هي آخر مرة اخذها والدها من اجل ان يجد علاجا لحالتها هذه؟..))
((هذا السؤال ستجيبك عنه ملاك وحدها..ولكن لماذا تسأل سؤالا كهذا؟))..
(( الم تعرف بعد لماذا يا والدي؟.. ان العلم يتقدم باستمرار ومن يدري.. ربما وجدت املا يقود ملاك الى الشفاء..))
اتسعت عينا مازن في قوة .. من كل ما جال في ذهنه من ذكرى مضى عليها اكثر من شهر كامل.. كيف غاب عن ذهنه امرا كهذا؟.. وهو الذي يصف نفسه انه المسئول عن ملاك وكل ما يخصها.. ينسى امرا مهما كهذا..امرا قد يتعلق في شفاءها..
وتطلع الى ملاك ومها بنظرة غامضة قبل ان يقول في جدية: انتظراني قليلا عند مقاعد الانتظار.. سأذهب لدقائق واعود اليكم..
تطلعت له مها باستغراب وهو يسرع في خطواته مغادرا الغرفة .. وتطلعت مها الى ملاك متسائلة: تريدين البقاء لوقت اطول ام نغادر؟..
تطلعت ملاك الى والدها بنظرة طويلة عبرت عن معاني الحب والشوق والحرمان.. وخاطبته بحوار طويل لم يسمعه احد..والتفتت الى مها اخيرا لتقول وهي تتنهد: فلنغادر..
امسكت مها بمقبضي مقعد ملاك ودفعت المقعد بهدوء لتغادرا كلتاهما.. دون ان تنتبه اي منهما على كف خالد التي تحركت اناملها لمرة اخرى بوهن شديد…
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
صوت رنين مستمر بدد الهدوء الذي كان يسيطر على الغرفة منذ لحظات.. وجعل ذلك الشخص الغارق في النوم.. ينزعج منه ليفتح عينيه وبنهض من مكانه ويغلق المنبه بعينين نصف مفتوحتين..ومن ثم تعود به الذاكرة الى احداث الامس وعندما توجه الى احد اطباء المخ والاعصاب خاصة ..
كان حينها قد دخل الى مكتبه بعد ان طرق الباب.. وقال بهدوء: لو سمحت ايها الطبيب..هل يمكنني ان آخذ من وقتك دقائق ام انك مشغول الآن؟..
عقد الطبيب حاجبيه وقال بحيرة: لحظات فقط.. تفضل بالجلوس ..
احتل احد المقاعد.. ورأى الطبيب وهو ينادي احد الممرضات ويطلب منها ان لا تدخل عليه اي مريض لدقائق فقط.. ومن ثم عاد الى مكتبه وجلس خلفه ليقول بابتسامة هادئة: كيف اخدمك؟..
التقط نفسا عميقا ومن ثم قال: انا ادعى مازن ولدي ابنة عم مصابة بالشلل منذ الصغر اثر حادث سيارة..
عقد الطبيب حاجبيه وقال مستفسرا: حسنا يا سيد مازن.. اخبرني .. اين موقع الشلل بالضبط؟..
قال مازن وهو يحاول التذكر: حسبما اذكر انها اصيبت بالعمود الفقري.. وذلك حرمها من السير على قدميها مدى الحياة ..
قال الطبيب بهدوء: لو كنت تستطيع احضرها الى هذا القسم غدا..قسم المخ والاعصاب.. حتى استطيع اخذ فكرة شاملة عن طبيعة الاصابة ومدى الضرر..
واردف قائلا وهو يبتسم: ولا تقلق فهناك امل جديد لمرضى الشلل..قد اكتشفه العلماء حديثا..فقد توصلوا الى معرفة كيف تستعيد الفئران قدرتها على المشى بعد تعرضها للاصابة فى العمود الفقري .. واظهر البحث الذى نشر فى دورية نيتشر مديسين أن المخ والعمود الفقري لديهما القدرة على اعادة تنظيم وظائفهما بعد إصابة العمود الفقري لاستعادة الاتصال الضرورى بين الخلايا للمشي.. بصورة تدريجية خلال فترة من ثمانية إلى عشرة اسابيع..
استمع اليه مازن باهتمام شديد في حين التقط الطبيب نفسا عميقا وهو يستطرد: وقال العلماء إنه عقب التعرض إلى اصابة جزئية فى العمود الفقرى فإن المخ والعمود الفقرى يعيدان تلقائيا تركيب شبكة وصلات تسيطر على حركة المشي حتى فى ظل غياب الممرات السريعة والمباشرة للاعصاب التى تربط المخ عادة بمركز حركة المشي فى العمود الفقري السفلي في الشخص الطبيعي.. فإن الرسائل تستطيع ان تسلك طرقا جانبية اخرى حول الاصابة..كما قال الباحثون إنه يمكن نقل الرسائل عبر عدد من الوصلات الاقصر بدلا من استخدام الطرق العصبية الرئيسية لايصال اوامر المخ لتحريك الأرجل..
*( كل ما ذكر حقائق علمية.. ولمن يرد التأكد او الاطلاع..على هذا الموقع http://www.rtv.gov.sy/?d=23&id=30640 )*
خفق قلب مازن بقوة.. وارتسمت على شفتيه ابتسامة عبرت عن كل مافي قلبه من امل وسرور وقال بفرح: حقا؟.. اذا هناك امل في شفاء ملاك..
قال الطبيب بابتسامة وهو يرى فرحة مازن: اولا دعني ارى المصابة حتى اصل الى ممارسة النوع الصحيح من التدريب التأهيلي التي تحتاجه..وبعدها سأقرر..
قال مازن بابتسامة واسعة وسعيدة وقلبه يخفق بقوة: لا اعرف كيف اشكرك..
قال الطبيب بابتسامة: لم افعل ما يستحق الذكر في الوقت الحالي .. لكن اتمنى ان يكون لي دور في شفاء ابنة عمك باذن الله..
ابتسم مازن وهو ينهض من مكانه ويمد يده مصافحا للطبيب وهو يقول: يكفي الامل الذي قد تعيد فيه الابتسامة والسعادة الينا جميعا..
ابتسم له الطبيب وقال بهدوء: اراك غدا اذا..
اومأ مازن برأسه وهو يبتسم ومن ثم يقول مودعا: مع السلامة ..
قالها وغادر غرفة المكتب وقلبه ينبض بأمل وفرحة جديدة.. لم يتخيل ان يشعر بها في يوم من الايام..

افاق مازن من ذكرياته وقال مبتسما وهو يدس اصابعه بين شعره : ولكن من يستطيع اقناع ملاك الآن؟..من يستطيع اقناعها وهي تكاد تكون فاقدة الامل بكل تأكيد بعد ان اخذها والدها الى العديد من المستشفيات؟..
وهز كتفيه وقال وهو يتطلع الى المنبه الذي لم تتجاوز عقاربه الثامنة بعد: يا ترى هل تكون مستيقظة الآن؟..
دعونا نترك مازن قليلا.. ونبتعد عن غرفته لنتوجه الى الطابق الاسفل .. والى تلك الغرفة التي في آخر الممر تقريبا.. والذي راود ملاك الفضول لدخولها.. وخصوصا وانها الغرفة الوحيدة التي لم تدخل اليها او تراها حتى منذ مجيئها الى منزل عمها..
وامتدت كفها لتقبض على مقبض الباب وهي تتمنى بداخلها ان لا تكون مقفلة.. وابتسمت بهدوء وهي ترى امنيتها قد تحققت وان الباب كان مفتوحا.. وحركت عجلات مقعدها لتدخل الى الغرفة.. ومن ثم لم تلبث ان ارتفع حاجباها باعجاب وهي تتطلع الى الغرفة التي لم تكن تحوي بداخلها سوى طاولة مستديرة الشكل نقش عليها بعض الاشكال الهندسية وحولها مقعدين.. وساعة كبيرة الحجم وسجادة فاخرة في منتصف الغرفة..وبعض اللوحات الفنية التي احتلت احد جدران الغرفة .. واخيرا ذلك الشيء الذي ولد الاعجاب في قلب ملاك وهو ( البيانو)..
ابتسمت ملاك ابتسامة واسعة وهي تتقدم منه ومن ثم تفتح الغطاء الذي يخفي مفاتيحه.. وشعرت ببعض الغبار الذي لوث اصابعها.. واستغربت عدم تنظيف أي من الخادمات لهذا البيانو .. ونفضت يديها ومن ثم ضغطت على احد المفاتيح.. وابتسمت باستمتاع وهي تستمع الى الموسيقى العذبة.. وتذكرت لحن لـ (بتهوفن).. قام بتعليمها اياه والدها قبل عامين على آلة بسيطة وليست كهذه..
وبدات اناملها بالعزف.. وهي تحاول قدر الامكان ان تتذكر خطوات ضغطها للمفاتيح..وان لا تخطئ وتفسد هذا اللحن..وتملكت حواسها تلك الالحان حتى نسيت كل ما حولها ..
وعلى درجات السلم استغرب كمال تلك الالحان المنبعثة من البيانو والذي لم يحاول احد لمسه منذ خمس سنوات.. واستغرب هذا الشخص الذي تجرأ على الدخول الى تلك الغرفة التي تحتل نهاية الممر.. وهبط درجات السلم ليتوجه الى تلك الغرفة ومن ثم ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يلمح ملاك تعزف على البيانو بمهارة وبكل مشاعرها واحاسيسها..
واستمع اليها وهو يقف عند الباب وهو يشعر بمشاعره تتأجج بداخله .. وبالحانها تدغدغ قلبه.. وما ان توقفت ملاك عن العزف دون ان تدرك وجود احد معها في الغرفة.. حتى ارتفع صوت تصفيق من خلفها.. وشهقت بخوف وهي تلتفت الى هذا الشخص .. ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت ابتسامة باهتة وهي ترى كمال يقترب منها ويقول: لقد كان عزفك رائعا..
قالت ملاك ببعض الارتباك: اشكرك..
سألها قائلا: ومن اين تعلمت العزف؟..
اغلقت ملاك غطاء البيانو وقالت بابتسامة شاردة: ابي.. لقد علمني هذا اللحن ولحن آخر ايضا فقط..
قال كمال بهدوء وهو يتلفت في ارجاء الغرفة: اتعلمين لم يجرأ احدنا على دخول هذه الغرفة منذ خمس سنوات.. وحتى الخدم يكتفون بتنظيفها مرة واحدة كل اسبوعين وحسب..
تساءلت ملاك وهي تلتفت له قائلة: ولماذا؟..
قال كمال وهو يدخل كلتا كفيه في جيبي سترته: لانها كانت الغرفة التي تقضي فيها والدتي معظم وقتها.. وما ان غادرت المنزل حتى لم يعد احدنا يريد دخولها لتجديد الذكريات ..
قالت ملاك وهي تطلع اليه بنظرة الم: لكن والدتكم لا تزال على قيد الحياة..
هز كمال كتفيه وقال: اعلم ولكننا لا نراها ..
واردف قائلا وهو يبتسم: صحيح..كيف هي احوال والدك؟ ..
تنهدت ملاك وقالت: كما هو.. وبالامس فقط.. قد تحركت انامله بين يدي..لكن لم يصدقني الطبيب .. وظن اني اتهيأ..
تطلع لها كمال وقال : ربما لانه لم يرى ذلك بعينه.. فالاطباء ليس من عادتهم ان يثقوا بأي حديث ما دام لا يوجد لديهم دليل عليه..
اومأت ملاك برأسها وقالت: مازن قال هذا ايضا..
قال كمال فجأة: هل اطلب منك طلبا؟..
ابتسمت ملاك وقالت: بكل تأكيد..
قال مبتسما: اعزفي لي لحنا آخر و...
وماتت الابتسامة التي على شفتيهما وهما يتطلعان الى ذلك الشخص الواقف عند الباب ويتطلع اليهما بعينين غاضبتين.. شعر كلاهما بالدهشة من مازن ونظراته اليهما وكأنهما قد ارتكبا جرما ما..
اما مازن فقد شعر بشعور يجعل غضبه يتضاعف وهو يرى كمال امامه والذي اعترف له بالامس فقط انه يحب زوجته ..وكان من الممكن ان يفعل أي شيء لولم يتمالك اعصابه.. وظل واقف مكانه.. وهو ينقل بصره بينهما وشعور واحد اخذ يتضاعف في اعماقه.. شعور يطلق عليه اسم .. الغيرة..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
marwa_97 likes this.
__________________
?Đō ũ bεĪεīνε īή Ļύν
Ļīķε Ĩ bεĪεīνε Ĩή ρaīή
  #234  
قديم 03-21-2010, 08:26 PM
 
الجزء الثامن والثلاثون
"التضحية ام الانانية؟"


نقل مازن بصره بينهم لفترة دامت الدقيقة.. وهو يحاول ان يتمالك اعصابه قدر المستطاع.. ويحاول ان يبدوا هادئ الاعصاب وخصوصا امام ملاك.. واخيرا قال وهو يتقدم ويدلف الى الغرفة وعيناه تستقران على ملاك: هل يمكنني الحديث معك لوحدنا يا ملاك؟..
قالت ملاك بهدوء: تحدث.. لا احد غريب هنا..انه كمال شقيقك ..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه وبلهجة لمحت فيها ملاك العصبية: لكني اريد ان اتحدث معك لوحدنا .. دون مشاركة من احد ..
ارتفع حاجبا ملاك باستغراب.. في حين التفت له كمال وقال وهو يتطلع له بنظرة باردة: كان بامكانك ان تطلب مني الخروج بدلا من هذه المقدمة الطويلة ..
واردف قائلا وهو يلقي نظرة اخيرة على ملاك: بالاذن..
تمنى مازن لحظتها ان يكون بلا قلب او مشاعر حتى لا يشعر بكل هذه الغيرة التي بدأت تسيطر على كيانه كله وتجعله يتعذب بنارها وهو يرى كمال يلقي نظراته الاخيرة على ملاك ..
وقطعت ملاك افكاره لتقول متسائلة: والآن ما هو الشيء المهم الذي اردت قوله لي؟.. هل هو شك في ان تكون هناك علاقة بيني وبين كمال؟.. ام يا تراه يكون شخص آخر هذه المرة؟..
تطلع لها مازن بنظرة تأنيب وقال وهو يتنهد: لا هذا ولا ذاك.. لست احمقا لأشك بملاك مثلك..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بطرف عينها: لكنك فعلتها في المرة الماضية.. والآن ايضا كنت تتطلع الي بغضب لوجودي مع كمال ..
قال مازن في حدة: ذلك لأن كمال ...
وبتر عبارته عندما شعر بفداحة ما كاد ان يصرح به..ومرر اصابعه بين شعره لعله يخفف من توتره وعصبيته.. فقالت ملاك متسائلة : ما به كمال؟..
قال مازن بهدوء وهو يجذب له مقعدا ويجلس الى جوارها: دعينا من كمال ومن أي شخص آخر ..لقد جئت اليك لاتحدث معك في موضوع يعنيك وحدك..
قالت ملاك بلامبالاة: وما تراه يكون؟..
قال مازن متسائلا باهتمام: متى آخر مرة ذهبت فيها الى المشفى للسؤال عن .. علاج لحالة الشلل التي تعانين منها؟..
تطلعت له ملاك بنظرة حملت الكثير من اللوم والالم وقالت : ولم تسأل؟..
تطلع لها مازن وقال برجاء: اخبريني .. وسأخبرك بعدها لم قد سألتك هذا السؤال..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: قبل ثلاثة اعوام.. وحاول ابي معي ان يأخذني العام الماضي لكني رفضت بشدة لاني شعرت ان أي مشفى او عيادة سأذهب اليها سيجيبوني بالاجابة ذاتها (لا امل في شفاء العجز الذي تعانيه)..
شعر مازن بصعوبة موقفه بعد ما قالته.. لكنه اصر على ان يقنعها .. فمادام هناك امل ولو بنسبة ضئيلة.. لم لا تتمسك به وقد يكون سببا في شفاءها..وقال بحزم: بالامس عندما تركتك انت ومها وخرجت.. ذهبت حينها الى قسم المخ والاعصاب بالمشفى وسألت احد الاطباء عن حالتك.. وعندها اخبرني ان هناك امل لعلاجك..
قالت ملاك بصدمة: سألته عن حالتي؟.. ولم فعلت؟..
قال مازن وهو يبتسم ابتسامة شاحبة: لانك ابنة عمي وزوجتي .. ولانك كذلك غالية على قلبي..
اشاحت ملاك بوجهها عنه وقالت بألم: اهذه كذبة اخرى؟..
قال مازن وهو يمسك بكفها ويضغط عليها بحنان:ابدا.. ولست بحاجة لان اوضح انك انسانة غالية على قلبي ومهمة جدا في حياتي.. فأنت ترين ذلك بعينك في كل تصرفاتي..
لم تعلق ملاك وظلت مشيحة بوجهها.. فقال مازن وهو يبعد كفه عن كفها ويتطلع اليها: لا يهم الآن كل هذا.. ما يهمني هو ان تأتي معي الى المشفى حتى يراك الطبيب ويعلم مدى الضرر الذي اصاب العمود الفقري ومن ثم ...
قاطعته ملاك قائلة بلهجة قاطعة وهي تلتفت له : لا..
قال مازن بحيرة: ولم لا؟.. مادام الامل موجودا يا ملاك..
قالت ملاك بحزن وهي تطرق برأسها: لاني اعلم جيدا اني لو ذهبت الى هناك .. سيقول انه لا يوجد أي علاج لمن هم في مثل حالتي..لقد اخذني ابي الى مختلف المستشفيات واشهرها في العالم .. ولم يكن هناك أي امل في شفاءي.. فهل ستقنعني انت الآن اني سأجد الامل هنا؟..
قال مازن وهو يحاول اقناعها: لقد ذهبت الى هناك قبل ثلاث سنوات والعلم في تطور مستمر.. انظري حولك كم من مرض قد وجدوا علاجا له.. وكم من مرض استطاعوا ان يحصنوا البشر منه قبل ان يتضرروا منه.. فلم تيأسين الآن؟ .. تاركة خيبة الامل تسيطر عليك وتحرمك شعور ان تسيري على قدميك من جديد..
قالت ملاك بابتسامة ساخرة ومريرة: من قال اني سرت على قدمي قبلا حتى اشعر بهذا الشعور من جديد؟..
قال مازن وهو يشبك اصابعه وهو مستمر في محاولة اقناعها: ما اريد قوله هو ان تكوني كباقي الناس من حولك .. تسيرين كفتاة عادية .. وتتمتعين بكافة حريتك..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بألم: بالتأكيد .. فأنت تراني الآن فتاة ناقصة .. يعيبها عجزها ولا تستطيع ان تقبل بها كزوجة لك ..
تنهد مازن وقال وهو يميل باتجاهها قليلا: ملاك .. قلتها سابقا وسأعيدها الف مرة اخرى.. لا احد من البشر حولك لديه صفة الكمال.. لكل منا نواقصنا.. وان كنت انت قد فقدت نعمة السير على قدميك.. فغيرك قد فقد ماهو اسوأ..
قالت ملاك وغصة في حلقها: لم افقد نعمة السير وحسب.. بل فقدت امي اولا التي لم ارها الا منذ ان كنت في الثانية من عمري والتي لا اذكر شيئا من ملامحها سوى في الصور.. وابي الذي كان احن الناس على قلبي غارقا الآن في غيبوبة لا اعلم متى قد ينهض منها.. و...
بترت عبارتها واردفت وهي تتطلع اليه باتهام: وشخص آخر.. قد فقدته عندما كذب علي وخدعني.. وانا التي كنت اعتبره كل شيء في حياتي بعد ابي..
فهم مازن انها تقصده.. وشعر بالالم من نظرات الاتهام التي توجهها له وقال وهو يبتسم لها بحنان: انت لم تفقديني يا ملاك.. ولا يوجد شخص يفقد انسانا وهو معه في كل لحظة ويتمنى سعادته وراحته..
واردف وهو يمد كفه لها: لهذا ارجوك ان تضعي يدك في يدي وتتمسكي بالامل ..لتأتي معي الى الطبيب الذي قد يكون له دور في علاجك بعد الله تعالى..
تطلعت له ملاك والى كفه المدودة بتردد ومن ثم قالت: واذا لم يجد علاجا لمن هم مثلي؟..
قال مازن بابتسامة مطمأنة: لا تستبقي الامور..اريدك فقط ان توافقي على الذهاب معي اليوم الى المشفى وبعدها قد تجدين علاجا تبدئين فيه حياة جديدة..
وللمرة الثانية نقلت ملاك بصرها بينه وبين يده المدودة لها.. ولم تعلم لم في تلك اللحظة خطر على ذهنها الحلم الذي تراه في نومها.. وهي ترى مازن يطلب منها ان تأتي اليه ومن ثم يساعدها على الوقوف وهو يمسك بيدها.. ربما لتشابه الموقف بين يد مازن المدودة اليها بالحلم وبالواقع الذي تعيشه الآن..
وقالت بغتة وهي تتطلع الى مازن: سآتي معك يا مازن.. سأتمسك بالامل وسارى الحياة بعينين متفائلتين.. لعلي استطيع ان اسير على قدمي للمرة الاولى في حياتي واواصل حياتي كباقي البشر..
قالتها وامسكت بكفه المدودة اليها .. فابتسم لها مازن ابتسامة واسعة وهو يشعر ان هذه ستكون بداية.. بداية لامل جديد ستحيا ملاك على ان يتحقق.. وبداية لصفحة جديدة بيضاء سيبدأها مع ملاك منذ هذه اللحظة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تلألأ نصف القلب الذهبي تحت اضواء تلك الغرفة الهادئة.. على الرغم من بعض قطرات الدمع التي بللته ..والتي كانت تسقط من عيني تلك الفتاة وهي تتطلع اليه بكل لوعة وعذاب..
كانت تتذكر كل لحظة جمعتها بمن اهداها نصف القلب هذا.. تتذكر كل ذكرى عاشتها معه منذ اكثر من عشر سنوات.. تتذكر خيوط الحب التي ربطت بين قلبيهما .. وجعلتهما شخصا واحدا لا اثنين.. وازداد انهمار دموعها مع كل ذكرى تخطر على ذهنها..وكل ذكرى تعيد لها رفض والدها من ان تجتمع مع الانسان الذي احبته وتعلقت به منذ الصغر..
وزفرت بكل حرقة.. زفرة حملت كل ما قلبها من آلام .. ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تعيد نصف القلب الى العلبة: من قال اني سأترك والدي يختار مصيري وحياتي.. ويرغمني على ما يريده هو.. والدي لم يفكر سوى في مصلحته هو ونسي سعادة ابنته..لهذا يجب علي ان اقنعه بما اريد .. يجب ..
ومسحت دموعها بأنامل مرتجفة .. قبل ان تنهض من مكانها وتغادر غرفتها.. لتتوجه الى الغرفة التي تحتل احد زوايا الممر بالطابق الاعلى.. وطرقتهاعدة طرقات.. قبل ان تسمع صوت شقيقها يقول من الداخل : من؟..
اجابته قائلة وهي تتنهد: مها.. هل يمكنني الدخول يا كمال؟ ..
قال كمال وهو يسرع بفتح الباب لها: بالتأكيد.. ادخلي..
خطت مها الى الداخل بخطوات مترددة وقلقة.. فقال كمال متسائلا وهو يغلق باب الغرفة خلفها: ماذا بك يا مها؟..
قالت مها وهي تلتفت الى كمال وبرجاء شديد: اريدك ان تأتي معي الى والدي الآن.. وتخبره ان رفضه لزواجي من حسام سيتسبب في تعاستي لمدى الحياة..
ابتسم لها كمال ابتسامة باهتة ومن ثم قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: ومن قال اني لم احدثه؟.. حاولت معه مرارا.. ولكنه مصر على موقفه.. وكأن شيء قوي بداخله يمنعه من الموافقة على زواجك من حسام..
قالت مها وغصة مرارة تملأ حلقها وتكاد تسيل الدمع من عينيها من جديد: اذا ما العمل؟.. استسلم واصمت حتى اتركه يتحكم بحياتي كما يشاء.. ثم الا تهمه سعادة ابنته؟..
هز كمال كتفيه ومن ثم قال: لا استطيع الاجابة على سؤالك هذا يا مها.. فاحيانا ارى والدي يهتم بنا كابناء.. واحيانا اخرى اراه لا يأبه بأي مسئوليات تعنينا..
قالت مها باصرار: اذا لم يهتم هو بنا او بمصلحتنا وسعادتنا.. فكل منا سيهتم بمصلحته.. ولن يهدأ لنا بال الا اذا حققنا ما نريده نحن وليس والدنا..
واردفت قائلة بحزم وهي تلتفت له: ستأتي معي لأتحدث معه.. ام اذهب اليه بمفردي..
قال كمال بابتسامة هادئة: بالتأكيد سآتي معك.. وسأحاول اقناعه على اتمام هذا الزواج الذي هو حلمك وحلم حسام ..
واقترب منها ليضع يده على كتفها ويسير الى جوارها حتى هبطا درجات السلم ..متجهين الى غرفة المكتب التي يقضي فيها امجد اغلب وقته.. وطرق كمال الباب قائلا: والدي.. هل يمكنني الدخول؟..
قال امجد من خلف الباب بضيق: ادخل..
دخل كمال الى غرفة المكتب ومن خلفه مها التي تحلت بالشجاعة لكي تستطيع ان تقف في وجه والدها من اجل حبها وسعادتها..وقال امجد وهو ينقل بصره بينهما: قولا ما جئتما من اجله .. فأنا مشغول جدا هذه الايام..
قالت مها بهدوء: اظن ان العمل ليس اهم منا يا والدي..
قال امجد وقد شعر بالضيق مما قالته: ولمن اعمل؟.. اخبريني.. اليس لأجلكم انتم؟..
قالت مها بصوت اختنق بالبكاء: المال ليس كل شيء.. نحن نحتاج اليك.. الى التفكير بنا.. الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تخصنا.. والسعي الى سعادتنا..
ضيق والدها عينيه وقال : ما الذي تحاولين قوله يا مها؟..
التقطت مها نفسا عميقا ومن ثم قالت بثقة: انا موافقة على زواجي من حسام ..
قال امجد بحدة: اظن ان هذا الموضوع قد انتهى واخبرتك اني رافض زواجك من هذا الشاب..
قال كمال هذه المرة وهو يضع يده على كتف شقيقته ويحاول تهدئتها: ولم ترفضه؟.. اخبرني بسبب واحد يجعلك ترفض حسام كزوج لمها.. وان كان ما ذكرته عن والدتي.. فهو ليس بالسبب المقنع ابدا الذي يجعلك تمنع زواج مها من حسام وتقف في طريق سعادتها..
عقد امجد حاجبيه بقوة وقال بغضب: قلت لكما انا ارفض هذا الزواج ولن اتراجع عن قراري مهما حدث..
عضت مها على شفتها السفلى بمرارة ومن ثم قالت بعينان تملأها الدموع: لو حدث لي او لحسام أي شيء ستكون انت المسئول يا والدي.. ولو فكرت بأن اتزوج حسام دون علمك ستكون انت المسئول ايضا و...
قاطعها والدها بغضب وهو يضرب طاولة مكتبه بقبضته وينهض من مكانه واقفا: هذا لن يحدث.. لأن عمك قد خطبك لابنه وانا وافقت ..
تطلعت له مها بعدم فهم وقالت وخوف كبير بدأ يرجف قلبها: أي عم؟.. واي ابن الذي تتحدث عنه؟..
قال امجد بضيق: لا اظن ان لديك ابن عم سوى احمد..
تجمدت الدموع في عينيها تحت تأثير ما القاه والدها على مسامعها ورددت قائلة بذهول: احمد ابن عمي؟؟..
قال والدها بحنق: اجل هو.. لقد خطبك عادل لابنه مني وانا وافقت ..
تطلعت مها الى والدها في تلك اللحظة بصدمة وذهول.. لا تعرف بم تستطيع ان تصف شعورها في تلك اللحظة.. غضب وثورة .. خيبة امل واحباط.. حزن وعذاب.. دهشة وذهول ..او كل تلك المشاعر مجتمعة .. لسانها عاجز عن التعبير للرد على ما صرحه والدها لها منذ دقائق..
وتطلع كمال باشفاق الى شقيقته التي كانت الصدمة قد سيطرت على كيانها وجعلتها تكتفي بالنظر الى والدها بنظرات تجمع مابين الغضب والمعاناة.. فلم يكفيه ان يحرمها ممن تحب.. يزيد الجرعة اضعافا بتزويجها من شخص لا تطيفه ..
وقال بكل صرامة متحدثا الى والده: أي احمد هذا الذي وافقت عليه يا والدي؟.. احمد المستهتر الطائش.. ام احمد الذي لا يهمه في هذه الحياة شيء سوى حبه للمال والمظاهر.. انسيت تفكيره هو والده؟.. انسيت ما كان يود فعله بملاك؟..
قال امد بعصبية: انا لم انسى شيئا.. ولكن هذا لمصلحة العائلة اولا واخيرا.. مها ستتزوج من ابن عمها وستظل نقود العائلةلافرادها دون ان يدخل فيها أي شخص غريب..
- وحسام هو الغريب يا والدي.. اننا نعرف حسام اكثر مما نعرف احمد ذاته.. لقد عاش وسطنا وبيننا و...
(يكفي)
كانت هذه الكلمة من مها التي قالتها بغضب ودموعها تسيل على وجنتيها.. والتي لم تحتمل كل هذه الصدمات المتواصلة التي تتعرض لها..واكملت قائلة وقلبها يبكي الما: يكفي.. يكفي جميعكم.. يكفي تحكما بحياتي ومصيري.. انا بشر ومن حقي ان اختار حياتي.. من حقي ان اختار الانسان الذي سأشاركه حياتي الى الابد.. لم تفرض علي يا والدي انسان لا اريده.. لم ترفض انسان احبه بكل ذرة مشاعر في قلبي؟.. وتقبل بانسان اكرهه ولا اطيق رؤيته .. اتظن اني كقطع النقود؟.. تضعها اينما تشاء.. لا انا ابنتك .. وعليك ان تبحث عن السعادة لي اكثر من أي شخص آخر.. لا ان تقتلني للمرة الثانية دون ان تهتم.. انا اتعذب يا والدي .. لم لا تشعر بي؟.. انا لا ازال اصون العادات والتقاليد ولم افعل ما يمسها.. ولكن لو فعلت ذلك يوما.. فاعلم انك انت السبب..
ران الصمت على المكان الا من صوت شهقاتها وهي تدفن وجهها بين كفيها في مرارة.. وشعر كمال في هذه اللحظة انه انسان ضعيف جدا.. لم يتمكن من فعل شيء لشقيقته التي تتعذب امام عينيه وتعاني الامرين من كل ما يصيبها.. وحاول ان ينطق بأي كلمة قد تواسيها او تخفف عنها.. لكن ماذا عساه يقول؟.. كلمات العالم كلها مجتمعة قد لا تخفف عن ما تعانيه شقيقته في هذه اللحظة..
ووجد والده فجأة يترك مقعده خلف مكتبه ويتقدم من مها ليبعد كفيها عن وجهها ويقول بصوت هادئ: مها .. يكفيك بكاءا ..انا افكر بمصلحتك يا ابنتي..
قالت مها وهي تتطلع اليه بعتاب والم: لست اصدق هذا.. من يريد مصلحة شخص يفكر في سعادته.. لا تعاسته..
امسك بكفها بهدوء وسار الى جوارها حتى جلسا على الاريكة الطويلة الموجودة في آخر غرفة المكتب.. ومن ثم قال وهو يلتفت الى كمال: دعني مع مها قليلا.. سأتفاهم معها..
تطلع كمال الى والده للحظات ..ومن ثم لم يلبث ان التفت الى مها وقال بلهجة حانية: مها نحن اخوتك.. وسنكون معك دائما لتحقيق السعادة التي لطالما تمنينها..
واردف وهو يضغط على حروف كلماته: مهما كلفنا الامر ...
ومن ثم ادار ظهره وسار مغادرا غرفة المكتب..فقال امجد وهو يتطلع الى مها : امسحي دموعك .. فلا احب ان ارى ابنتي المدللة تبكي..
وكأن مها لم تسمعه فقد قالت برجاء: لا اريد احمد يا والدي .. لا اريده.. ارجوك.. افعل أي شيء بي .. الا ان تزوجني حمد ذاك..
قال امجد وهو يتنهد ويلتفت عنها: انا ايضا لا اريده ان يكون زوجا لابنتي الوحيدة .. لكن هذا لمصلحتنا جميعا..
قالت مها وهي تكور قبضتيها باألم: بل لمصلحتك انت فقط يا والدي..
قال امجد بحزم: بل لمصلحتكم انتم.. استمعي الى ما سأقوله لك .. وبعدها احكمي على الامر بنفسك.. لم ارد ان اخبرك بالسبب الرئيسي لرفضي حسام.. ولكن بما انك ترينني ابا ظالما فأنا مضطر لأوضح لك كل شيء..
التفتت له مها واستمعت اليه بانتباه.. فقال هو وهو يتطلع اليها للحظة ومن ثم يلتفت عنها مواصلا حديثه: ما اخبرتكم به بشأن والدتكم.. لم يكن كذبا بل هو حقيقة عانيت منها طويلا.. ولكن كان من الممكن ان اتغاضى عنها واتناساها من اجل حسام الذي اعتبره احد ابنائي حقا.. لكن حدث امر جعلني اغير تفكيري تماما وافكر بمصلحتكم جميعا وان كانت على حساب احدكم..
مسحت مها دموعها التي بللت وجنتيها وقالت بصوت مبحوح: وما الذي حدث وجعلك ترفض حسام؟..
صمت والدها وهو يتطلع اليها بنظرات متوترة .. ومها تنتظر منه ان يشرح اسبابه التي فرقتها عن احب الناس على قلبها.. وقد تجمعها مع اكثر شخص تكرهه ولا تطيق كلمة منه.. ولا تعلم لم مر على ذهنها تلك الرسالة القصيرة التي ارسلها لها بالامس..(قريبا ستدفعين الثمن)..
وارتجف قلبها بخوف وقلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي مازن وهو يلمح القلق الذي تسلل الى ملامح ملاك التي تنتظر دخولها على الطبيب في ردهة الانتظار.. وقال وهو يلتفت اليها: لم كل هذا القلق؟ ..
قالت ملاك وهي تتنهد: لاني اشعر بالخوف مما قد يقوله الطبيب ..اكاد اكون متأكدة بنسبة خمسة وتسعون في المائة انه سيقول انه لا وجود لعلاج لمن هم في مثل حالتي.. ولكني .. قد تمسكت بنسبة خمسة في المائة من الامل بعد ما سمعته منك .. لهذا انا خائفة ان تتبدد تلك النسبة الضئيلة ايضا التي اتمسك بها ..
ربت مازن على كفها وقال مازحا:كفى جبنا وكوني اكثر قوة يا صغيرتي..
رفعت ملاك احد حاجبيها وقالت بضيق بسيط: لست طفلة حتى تحدثني هكذا..
قال مازن مبتسما: اتعلمين؟.. انا اكبرك بسبعة اعوام.. أي انك تكونين طفلة بالنسبة لي..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بنظرات حادة: ولم اذا فكرت ان ترتبط بطفلة ..
قال مازن مداعبا: لاني لم اجد سواها لارتبط بها..
قالت ملاك بغيرة واضحة: لديك ندى ورشا وحنان..لم لم تفكر ان ترتبط باحداهن فهن يناسبنك العمر؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها ويصطنع التفكير: ان اردت الحقيقة.. فأنا لم افكر الارتباط باحداهن ..
ومال نحوها ليقول بهمس: لان فتاة ما قد شغلت تفكيري ومنعتني من التفكير بسواها..
ولأول مرة بعد كل ماحدث بينهما لمح مازن وجنتي ملاك تعود لتتورد بخجل .. وابتسم مازن بسرور وهو يتطلع اليها .. فقالت ملاك وهي تحاول اخفاء خجلها: ما الذي يجعلك تبتسم هكذا؟..
اتسعت ابتسامة مازن وقال: وهل يوجد سبب اكبر من ان تكون ملاكي قدسامحتني اخيرا؟..
تطلعت له ملاك وابتسامة خجلة تتراقص على شفتيها وقالت: لا تظن اني قد سامحتك بكل هذه السهولة..
قال مازن بخوف مصطنع: لا تقولي ان علي ان احتمل كل العذاب الذي قضيته عندما كنت ترفضين الحديث الي..
قالت ملاك مبتسمة وهي تهز كتفيها: ربما ..ولم لا؟..
قال مازن وهو يمد كفه ويمسك بالقلادة التي تحتل عنقها: لان هذه قد اثبتت لي انك قد قررت ان تسامحيني اخيرا .. وان تفتحي صفحة بيضاء معي و...
قاطعه بغتة النداء باسم ملاك وقد حان دورها للدخول على الطبيب.. فقالت ملاك بتوتر يكاد يرجف اطرافها: مازن انا خائفة..
قال مازن وهو ينهض من مكانه: لا تخافي .. سأكون معك..
ودفع مقعدها بهدوء الى غرفة الطبيب ليدخل اليها .. ووقع بصرها على ابتسامة الطبيب وهو يقول: اهلا بك يا مازن وانت كذلك يا آنسة..
ابتسم مازن واقترب من مكتب الطبيب الذي اشار له بالجلوس ومن ثم قال وهو يتطلع الى ملاك: كيف حالك؟..
قالت ملاك بصوت مرتبك وهي تتمسك بتنورتها بتوتر: بخير..
اما مازن فقد قال: هذه ابنة عمي التي حدثتك عنها.. وهي ليست ابنة عمي وحسب بل وخطيبتي ايضا..
ابتسم له الطبيب وقال وهو يتطلع الى الملف الذي امامه: سأسألك بعض الاسألة يا آنسة ملاك.. وارجو ان تجيبي عليها بدون ادنى حرج .. فأنا طبيبك الخاص الذي سيشرف على حالتك ..
أومأت ملاك برأسها دون ان تعلق..فقال الطبيب متسائلا: اخبريني يا ملاك.. متى اصبت بعجزك هذا؟..
قالت ملاك مجيبة: عندما كنت في الثانية من عمري..
قال الطبيب وهو يتطلع الى الملف الذي امامه ويدون بعض الملاحظات: نستطيع القول ان ذلك قد حدث قبل ستة عشرة عاما..حسنا.. وهل تم عرضك حينها على احد اخصائي الاعصاب والمخ اواحد اخصائي العلاج الطبيعي؟..
قالت ملاك وهي تعود بذهنها الى الوراء.. لعدة سنوات قد مضت: حسبما يقول ابي.. فبعد ان علم بالعجز الي اصابني.. اخذني الى عدة مستشفيات ولكن جميعم اجمعوا على انه لا توجد علاج لحالة الشلل الذي اعانيه.. حتى انه قال لي انه بعد عام من اصابتي قد اخذني الى الخارج لمستشفيات شهيرة دون أي امل في الشفاء..
تطلع لها الطبيب بتفهم.. في حين قال مازن وهو يحاول ان يزرع الامل في قلبها ويضاعفه: لكن هذا قد حدث قبل وقت طويل والعلم في تطور مستمر..
قال الطبيب بهدوء: معك حق.. ومتى كانت آخر مرة زرت فيها اخصائيا..
اجابته ملاك وعيناها على مازن الذي كان يحاول تشجيعها بنظراته: قبل ثلاثة اعوام..
قال الطبيب وهو يرفع رأسه لملاك: حسنا.. هل لديك أي صور توضح مدى الاصابة في العمود الفقري؟.. ام تحتاجين لعمل أخرى هنا؟..
سلمه مازن مظروف بني اللون وقال بهدوء: هذا هو ما طلبته..
فتح الطبيب المظروف ونقل بصره بين الصور التي اخذت لمنطقة العمود الفقري ومدى التضرر الذي اصابه.. ومن ثم قال:ان العجز الذي اصابك كان بسبب كسر بعض الفقرات في عمودك الفقري وضغطها على الحبل الشوكي.. مما سبب إصابة جزئية للحبل الشوكي.. أي أن جزءا معيناً من الحبل الشوكي مصاب وليس كله ..ونتيجة لذلك قد يكون هناك مقدار ضئيل من عدم الإحساس أو ضعف الحركة تحت موضع الإصابة.. اسفر عنها عدم مقدرتك على السير على قدميك من جديد..
واردف قائلا وهو يتطلع الى ملاك: وسأحاول اولا ان اختبر مدى استجابتك لاعادة التأهيل الذي ستخضعين له في العلاج الاولي ..
قالت ملاك متسائلة وهي لم تفهم نصف ما قاله: ما الذي تعنيه باعادة التأهيل؟..
ابتسم لها الطبيب وقال وهو يحاول الشرح: مجرد تدريبات وحركات ستقومين بها لارى مدى استجابة اعصاب قدميك للعلاج..
واردف قائلا: لكن اولا اريني كيف يمكنك الانتقال من مقعدك .. لهذا المقعد..
قالها وهو يشير على المقعد المجاور لمكتبه.. فالتفتت ملاك للمقعد المقصود ثم لم تلبث ان رفعت جسدها كعادتها بكلتا ذراعيها.. والقت بثقله على المقعد المجاور لنكتب الطبيب.. فهز هذا الاخير رأسه وقال برضا: جيد انك تستعملين عضلات يدك للانتقال من مكانك.. لكن اخبريني اتشعرين بأي الم حينها؟..
غمغمت ملاك قائلة: الم بسيط جدا عند آخر الظهر تقريبا..
قال الطبيب بهدوء: هذا بسبب الفقرات المكسورة..
والتفت لمازن قائلا: هل لك ان تنقلها الى ذلك السرير؟..
التفت مازن خلفه ليتطلع الى السرير الذي عناه الطبيب ..وابتسم قائلا وهو يومئ برأسه: بكل تأكيد..
واقترب من ملاك التي عادت لتجلس على مقعدها المتحرك.. ودفع مازن هذا الاخير حتى نهاية الغرفة الصغيرة.. حيث فراش الفحص..وقال وهو يميل باتجاه ملاك: اعلم انك لن تستطيعي ان تجلسي عليه بمفردك.. لهذا اسألك منذ الآن.. اتودين مساعدة مني انا ام من الطبيب؟..
قالت ملاك بارتباك: لست اعرف الطبيب لاطلب منه أي مساعدة ..
ابتسم مازن وقال: افهم من كلامك انك تطلبين مني انا المساعدة.. فليكن..
واردف بصوت هامس بعض الشيء: ولكن لا تصرخي وتقولي (مازن انزلني) ومن هذا الحديث.. فعندها انت من سينحرج..
ابتسمت ملاك بحرج وتوردت وجنتاها وقالت بتلعثم وارتباك: مازن ارجوك.. يكفيني ما انا فيه..
قال مازن مبتسما بمرح: فليكن.. لن افعل الا ما تريدينه ..اخبريني الآن ما الذي تريدينه بالضبط؟..
قالت ملاك وهي تتحاشى النظر اليه حتى لا تشعر بخرج وارتباك اكبر: ساعدني لان اجلس على السرير..
مال مازن نحوها وابتسامته لا تزال على شفتيه وحملها بين ذراعيه ليجلسها على الفراش.. وابتعد عنها قائلا بابتسامة مرحة: نُفذ الامر يا ملاكي..
تطلعت له ملاك بنظرة مرتبكة.. في حين تقدم منهما الطبيب وقال بهدوء:لا تقلقي يا ملاك.. انا سأختبر اعصاب قدميك فحسب ..
تنحى مازن جانبا تاركا الطبيب يتقدم من ملاك وينحني باتجاه احد قدميها..ويحاول تحريك ساقها فاردا اياها ومن ثم يعاود ثنيها.. وقال وهو يتطلع الى ملاك متسائلا: بم تشعرين؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها: لا شيء..
طلب منها ان تخلع حذائها ومن ثم قال: حاولي تحريك اصابعك.. ولو حركة بسيطة جدا..
حاولت ملاك مرارا وتكرارا ومن ثم قالت بشحوب: لا استطيع ..
قال مازن برجاء: حاولي يا ملاك..
عادت ملاك لتحاول وهي تبذل اقصى ما تستطيع من طاقة ومن ثم قالت وهي تتنهد: صدقني لا استطيع..
طلب منها الطبيب ان تضع ساقيها على طول الفراش ومن ثم قال: سأثني وافرد ساقيك.. انها مجرد تمارين لعضلات رجلك..
راقب مازن الطبيب الذي يقوم بعمله.. وملاك التي كانت بذل اقصى ما تستطيع من طاقة معه.. راقبها بكل حواسه وهو يراها تحاول تنفيذ كل ما يطلبها منها الطبيب وهي لاتزال متمسكة بالامل ان تستجيب اعصاب رجلها لأي حركة ..
اما ملاك فقد كان ذهنها بالحلم الذي يراودها احيانا اثناء نومها.. والذي يجعلها تتمسك بالامل اكثر واكثر.. كلما تذكرت وقوفها على قدميها وابتسامة مازن الحانية وهو يتطلع اليها حينها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها الى والدها بترقب الذي كان يسرد عليها تفاصيل ما حدث قبل ايام .. وقال بلهجة تحمل بعض الاسى والحسرة: كنت سأقبل بحسام يا مها .. صدقيني .. لولا ذلك الاتصال الذي جاءني قبل اسبوع تقريبا.. فلقد اتصل بي عادل ليخبرني انه يريدك زوجة لابنه..وعندما رفضت ذلك بحجة ان ابنه لم ينهي دراسته.. قال ان ذلك ليس عذرا لانه سينهيها طال الزمان او قصر وهو ابن عم لك واحق بك من أي شخص آخر..
قالت مها بحدة وهي تزفر بألم: ما هذا المنطق؟.. يجب علي ان اتزوج ابن عمي لانه ابن عمي فقط.. وليس لاني اريده مثلا ..
قال والدها بهدوء: لست مع هذا المنطق ابدا.. ولكن ما حدث هو اني قد رفضت واخبرته انك لا تزالين صغيرة.. وعندها هددني بطريقة غير مباشرة بقوله.. اني اذا لم اقبل زواج احمد بك..سيتخذ اجراء لن يعجبني.. هو وفؤاد..وهذا يعني انه يشير بأنه سيسحب رأس ماله ورأس مال فؤاد من الشركة والذي يعد ثلثي ميزانية الشركة.. وعندها ستكون الشركة في خطر .. وقد...
صمت قليلا ومن ثم قال وهو يلتفت لها بحزن: وقد تتعرض الشركة للافلاس بعدها ..
قالت مها بصدمة: ماذا؟.. الافلاس؟..
اومأ برأسه وقال وهو يلتفط نفسا عميقا: لهذا وضعت سعادتك بكفة.. وسعادتكم جميعكم في كفة.. بما فيكم ابنة عمك ملاك التي اصبحنا مسئولين عنها.. ورجحت كفة اخوتك.. ولهذا قررت ان اكون قاسيا عليك لأجلكم جميعا.. ومن اجل الحياة التي تعيشونها.. لا اريد ان اكون ظالما يا مها .. لا بالنسبة لك ولا بالنسبة لاخوتك.. لهذا اردت ان اوضح لك السبب الذي سيجعلك تعذرين والدا اختار سعادة ابناءه جميعا على سعادة احدهم..
لم تعرف مها ماذا تقول او كيف تتكلم؟..اي كلمات تستطيع قولها لوالدها.. تقول له بكل بساطة فلتضيع شركاتك وتعب كل هذه السنين من اجل سعادتها هي وحسام؟!.. ام تقول له ان باستطاعتي ان اقتل نفسي وارتبط بانسان لا اطيقه من اجلكم؟!.. كلا الحلان مرين.. وكل حل امر من الثاني.. وعليها ان تختار.. اسرتها ام حبها؟ .. وقوفها الى جوار والدها واهلها ام انانيتها برغبتها في ان تكون لمن تحب؟ .. دون ان تهتم بوالدها وشركاته واشقاءها ..
واجابت دموعها التي ترقرقت في عينيها بكل مرارة.. فقال والدها متسائلا بحنان: لم البكاء الآن يا مها؟.. لقد اخبرتك باسبابي حتى تعذري اباك في ظلمه لك..
التفتت له مها وقالت بصوت مختنق ودموعها تصارع لان تسيل على وجنتيها: الا يوجد حل يا والدي؟.. الا يوجد حل لنتخلص من تهديدهم لنا؟.. في كل مرة رغبوا فيها بشيءمنك.. هددوك برأس مالهم في الشركة..
قال امجد بشحوب: هناك حل..
قالت مها بكل لهفة في اعماقها وهي ترى امامها بارقة امل قد تبدد الكابوس الذي تحياه: وما هو؟..
تنهد والدها ومن ثم قال: ان يشاركني احدهم ولو بنصف المبلغ الذي سيسحبه عادل وفؤاد..وبالتالي استطيع تعويض الخسارة التي ستتعرض لها الشركة..
قالت مها وهي تحاول جاهدة التفكير: اطلب ذلك من اصدقائك او من تعرفهم من رجال الاعمال..و فكر في بيع عماراتك ..
- كل من تعرفينهم من اصدقاء او رجال اعمال.. لن يمنحوني قطعة نقدية واحدة مادام فؤاد وعادل غير موافقين.. فهذين الاخيرين لهما كلمتهما في عالم رجال الاعمال.. هذا غير ان بيعي لجميع العمارات التي امتلكها.. لن يغطي الا ربع المبلغ..
التفتت عنه مها وقالت بصوت اشبه بالهمس ودموعها قد انتصرت لتسيل على وجنتيها بكل حرقة: اذا الحل الوحيد هو ان اقتل نفسي لتعيشوا انتم..
وضع والدها يده على كتفها وقال بهدوء: مها انا واثق في انك ستفكرين جيدا وستختارين مصلحة والدك.. وواثق ايضا انك ستغفرين لي ظلمي هذا – ان كنت ترينه كذلك- في يوم ..
قالت مها بقلب قد سالت دماءه بعد ان اكتفى من الطعنات: سأفكر جيدا وبعدها.. سأخبرك بقراري..
ونهضت من مكانها لتقول وهي تغمض عينيها بألم: حتى وان كان هذا على حساب كل لحظة جميلة احسست بها في حياتي..
وكورت قبضتيها بحزن كبير ومرارة اكبر.. وهي تنطلق مغادرة غرفة والدها.. وراقبها هذا الاخير وقال وهو يتنهد: سا محيني يا مها.. سامحيني يا ابنتي ..هذا ليس من اجلي .. بل من اجلكم انتم..
وعاد ليتنهد بحرارة وهو يتمنى لو يستطيع ايجاد حل ينقذه من سيطرة عادل وفؤاد.. ويعيد البسمة الى شفاه ابنته.. التي اصبح الحزن والالم هما رفيقيها منذ ان علمت بأن حسام لم يعد لها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

__________________
?Đō ũ bεĪεīνε īή Ļύν
Ļīķε Ĩ bεĪεīνε Ĩή ρaīή
  #235  
قديم 03-21-2010, 08:30 PM
 
أظن أنو هذا يكفيكم صح ؟؟
اتمنى لكم قراءة ممتعو ووقت طيب
__________________
?Đō ũ bεĪεīνε īή Ļύν
Ļīķε Ĩ bεĪεīνε Ĩή ρaīή
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:33 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011