عرض مشاركة واحدة
  #158  
قديم 05-03-2014, 09:26 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://im35.gulfup.com/MLxE2.png ');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]








الشمس في كبد السماء،ترسل أشعتها الباهتة على طوكيو،تلك المدينة الصغيرة الكبيرة في وقت واحد!شوارع مزدحمة ممتلئة، لدرجة أنك لو رميت إبرة فإنها لن تسقط أرضًا!الساعة الآن تشير إلى الواحدة ظهرا، انتهى وقت استراحة الغداء، و العودة إلى العمل بالنسبة للجميع!إلا انا!فلا عودة لي إلى ذلك العمل اللعين،و ها أنا قد طردت مرَّة أخرى،و بسبب كين الأحمق ثانية!لقد مللت حقًا هذه الحيَاة..أصبح الأمر كأسطوانة تعيد نفسها تلقائيًا،أجد عملا..أعمل بضعة أيام..ثم أُطرد منه بسهولة!
كنت أسير تابعة كين،هكذا طلب مني،أن أسير بوجوم دون أن أنبس ببنت شفة،لم أرد جداله فمجرد النظر في عينيه يبدي مدى غضبه!
حسنا،أعترف بأن ما فعلته لم يكن سهلا أبدًا! لذلك فأنا متيقنة من أنه سينفجر في وجهي كقنبلة موقوتة ما إن أتفوه بحرف واحد..نظرت إلى ساعة معصمي..بقي أمامي أربع سويعات لتحضير نفسي من أجل العشاء!علي أن أستقل الحافلة و إلا فلن يسعفني الوقت لذلك..استجمعت قواي و تنهدت مستعدة للحديث..و تحمل أية ردة فعل غير متوقعة من كين،اقتربت منه أكثر لأقول بلطف مصطنع:
-كين..؟
-ماذا هناك؟
ردَّ علي بحنق و تضايق تجلى على نبرة صوته المشحونة،لأضيف قائلة:
-هلا ركبنا الحافلة؟إن ذهبنا مشيا على الأقدام فلن أصل للمنزل في الوقت المناسب..أرجوك!
توقف و استدار محدقا فيَّ مقطبا حاجبيه بطريقة مرعبة،عينيه السوداوتان تبدوان في عنفوان السخط عليَّ،ابتسمت له ببلادة وأردفت:
-كين أرجوك..هيا لنركب الحافلة..
-لن نستقل الحافلة..ستسيرين بصمت!
-لكن...،
-من دون لكن،سيري بصمت..!
-حاضرة..!
قلت بإحباط و استسلام أمام صرامته و غضبه..تابعت المسير خلفه بصمت في الشارع..أتبع خطاه الواثقة الهادئة..آه،كم أكره السير معه في الشوارع!الفتيات ما ينفكن ينظرن إليه بإعجاب و يتغزلن به في كل مكان!و هاهو ذا نفر من الفتيات الحسناوات قادمات صوبنا..ما إن لمحن كين حتى بدأن بالحديث بينهن بذهول و اعجاب..لكنه ليس ملك جمال العالم!
هذا الديك الماثل أمامي غريب الأطوار حقا،يا له من نزقٍ متعالٍ!لا أستطيع فهمه،و لا ان أفقه شيئًا من فلسفته الغريبة!يقول أنه لا يؤمن بالمشاعر،بل لا يفهم ما هي حتى!و لكنه يتصرف عكس ذلك في بعض الأحيان، فهو يفعل أشياء غريبة بالفطرة،ربما لأن الطيبة شيء فِطري جُبِلَ عليه،يظهر من حين إلى آخر كأفعال لا إرادية منه!لكنه حتى إذا كان مزعجا و متكبر، فهو يبقى أعزَّ أصدقائي ،ديكي المفضل!
مررت و كين على متجر باذخ للملابس الفاخرة،لا يرتاده إلا الأغنياء،لقد كانت واجهته الزجاجية مترعة بالملابس الثمينة الساحرة و المجوهرات اللامعة البراقة التي تسلب لبَّ أية فتاة كما سلبت عقلِي!وقفت هناك و أخذت أنظر لتلك الأثواب التي لا ترتديها سوى الممثلات المشهورات و الشخصيات الثرية التي نراها عبر شاشة التلفزيون،كانت تحمل أسماء مصممي الأزياء الاكثر شهرة و الماركات العالمية الراقية،وقفت ببلادة و حمق هائل أرمق تلك الأثواب بعينين منبلجتين على آخرهما،لم أكن حتى أرمش أو أحرك جفني لفرط إعجابي و افتتاني بما أراه،لاحظ كين توقفي فاستدار ليجدني على تلك الهيئة،كطفلة غرة تراقب حفلا للألعاب النارية!
-أنتِ!ألم تكوني مستعجلة قبل دقائق!تحركي..!
-دقيقة واحدة،أنظر كين إلى ذلك الثوب،و ذاك،و هذا الوردي هناك!إنهم رائعون..!
كنت أشير إلى الأثواب بيدي و أهتف بافتتان شديد،شعر كين بحرج شديد إذ انَّ كل المارة كانوا يتغامزون و يتهامسون بينهم ساخرين مني،تقدم نحوي و همس في أذني بحنق:
-أيتها الحمقاء ما الذي تفعلينه؟
-دعني كين،انا أرى بعيني فقط..!
-سأفقأ تلك العينين يورا..!
-انقلع،اذهب فحسب و دعني و شأني!
-أتريدين الدخول؟
اتسعت عيناي و لمعت فرحا بما سمعت،أمسكته من يديه و قلت بحماقة:
-أجل أجل..!
-إذن هيا لندخل..
-لكن..لا املك المال الكافي لشراء أحد الأثواب!
-تعالي فحسب!
قال كين و هو يمسكني من ذراعي و يسحبني معه لنلج ذلك المتجر الكبير،كانت هيئته الأنيقة و مشيته الواثقة متعودة على مثل هذه الاماكن الباذخة،على عكسي أنا..فقد كنت أسير بخطوات صغيرة متلاصقة خشية أن أنزلق على الأرضية اللامعة الزلقة،أجوب المكان بناظري كأنني أتيت من كوكب آخر!كم هو رائع،أن تملك المال!لو كنت غنية لاشتريت كل هذا المتجر بما فيه!
-أنظري أمامك و كفي عن النظر هكذا..ستسقطين!
قال كين متهكما و ساخرا مني،امتعضت من تصرفه الفظ المتكبر،من يظن نفسه؟!
شدَّ انتباهي ثوب جميل بلون أسود هادئ،يلف منتصفه خيط أبيض أضفى عليه لمسة خاصة،كان جد رائعا كما انه لم يكن بألوان صاخبة مثيرة للانتباه،و لم يكن قصيرا كثيرا كذلك، مناسب لي تماما و كأنه صنع من أجلي!أسرعت نحوه لأرى كم هو ثمنه،بطاقة تتدلى منه كتب عليها بخط صارخ حطم كل آمالي:5000 ين!
طأطأت رأسي بإحباط بادٍ على مُحيَاي،شعرت حقا بالحزن!تبا لهذا المال الذي يأبى ان يكون بجعبتي و لو لمرَّة واحدة!
-يورا..؟
-هيا لنذهب..
قلت مغادرة من هناك بكآبة دون النظر إلى كين،أخذ يحدق بي متعجبا لبرهة،لكن سرعان ما فهم ما يحدث،ابتسم و هو يمسكني من ذراعي قائلا:
-ما بها بطتي؟!
-لا شيء..فلنذهب وحسب أشعر بالتعب..
-تعالي إلى هنا،لنرَ..
أخذ ينظر إلي من رأسي إلى أخمص قدمي بتمعن تارة،و ينظر إلى الثوب تارة اخرى،ليضيف بعد هنيهة و كأنه اكتشف شيئًا ما:
-هذه هي..
-ما بك؟
-هذا الثوب،يناسبك تماما،ستبدين رائعة به!
-أعلم هذا..
قلت و قد أخفضت رأسي بخجل وإحباط ممتزجين في احمرار وجهي،لماذا يقول هذا؟لا بد انه يتعمد احباطي اكثر!ربَّتَ على شعري البني كأنني طفلة صغيرة،ليردف:
-ابقي هنا..سيعود والدك بعد دقائق طفلتي!
والدي؟!حقا يظن نفسه أبي!راقبته و هو يمضي نحو أحد البائعات الشابات هناك،تكلم معها بضع كلمات ثم سرعان ما انحنت له باحترام و هرولت نحو المخزن،ما هي إلاَّ لحيظات حتى عادت و معها نفس الثوب الأسود المعروض أمامي!قدمته لي و قالت باحترام:
-تفضلي سيدتي..
أمسكته بدهشة و أنا أحدق بكين،لم أفهم شيئًا صدقًا!غمز لي كين و هو يبتسم لي ابتسامته الجذابة لدرجة انَّ كل الفتيات بالمتجر أخذن يحدقن به مدهوشات!
مضيت نحو حجرة تبديل الملابس مع البائعة،كانت هناك العديد من الغرف الصغيرة المتجاورة،جدرانها كلها عبارة عن مرايا مرصعة بإطار ماسيّ براق،ناولتني البائعة الثوب و قالت:
-تفضلي من هنا سيدتي..
ولجت الغرفة و ارتديت ذلك الثوب،كان رائعا حقا..و يبدو مناسبا لي تماما!يبدو انَّ كين يعرف مقاسي!مجرد التفكير في هذا جعلني أحمَّر خجلا، نظرت إلى نفسي بالمرايا،يا إلهي!كم أنا جميلة!
لست أكذب،أنا أبدو حسناء حقًا،كان الثوب جد مناسب لي و كأنه حقا خيط من أجلي!أخذت أحدق بنفسي بإعجاب، شديد، و سعادة أشدّ، خرجت من الغرفة بسعادة طفلة غرة، لتبتسم البائعة مردفة:
-تبدين جد جميلة سيدتي،لا بدَّ أنَّ زوجك يحبك كثيرًا..
-ليس زوجي!
صرخت في وجهها بانفعال شديد،تبا لك كين!تتسبب بإحراجي و ارباكي حتى في غيابك!سرعان ما تداركت ما فعلت و قلت بابتسامة بليدة محاولة الاعتذار من البائعة التي ظهرت ملامح الخوف على وجهها:
-آسفة آنستي..آسفة حقًا!
-لا بأس..أنا من علي الاعتذار..ظننته..زوجكِ!
-لا..ليس كذلك..إنه صديق فحسب!
-إذن..فأنتِ صديقة جدُ غالية بالنسبة له،قلة هم أمثاله!
ابتسمت لها بسعادة و انا أتجه إلى الخارج،حقا،سعيدة لامتلاكي صديقا مثل كين،لا بد من أنني غالية جدا بالنسبة له،هذا رائع!
لكن..من أين له5000 ين؟إنه بلا عمل حتما!إذن..من أين حصل على المال لدفع إيجار المنزل و شراء الثوب لي؟
كنت أمشي محدقة بالثوب و بنفسي و أنا أرتديه،رفعت رأسي لأجد كين واقفا قبالتي..
-تبدين جميلة..بطتي،أين كنت تخفين كل هذا؟
أوه،هذا محرج!حاولت هروب من عيونه المُعجبة الجميلة،التي ما فتئت تلاحقني حتى و أنا لا أنظر إليها!أخفضت رأسي و اخذت أفكر في شيء أقوله لأخرج من دوامة الحرج التي غزت وجهي احمرارا..
-لن أدعك تذهبين بهذا الجمال إلى موعدك مع الجرذ أبدا!
أضاف كين،رفعت رأسي و نظرت إليه بشيء من الصدمة التي صعقتني،دون وعي قلت مدهوشة:
-لماذا؟!
-لأنك..
اقترب مني ليهمس في أذني:
-..قانونيا من ممتلكات والدك السيد تاكيغامي كين!
-تبا لك أيها الديك الرومي!
-لا بأس صغيرتي البطة،لا تشوهي جمالك بعصبيتك تلك!
آه..هذا مزعج!قال ذلك مُرَبِتًا على شعري،يظن أنني طفلة حقًا!يعاملني كأنني صغيرة حمقاء!أكره هذا التصرف..
-تاكيغامي كين؟!
صوت أنثوي هتف باسم كين،، التفتنا معا نحو مصدر الصوت،لنجد فتاة شابة،تضع نظارات شمسية أنزلتها قليلا عن عينيها لتحدق في كين نظرة استغراب،كذلك كين،كان يحملق بها باندهاش طغى على قسمات وجهه،ليردد اسما أدركت من أول وهلة أنه اسمها:
-ناتسومي؟
ابتسمت الفتاة المدعوة ناتسومي نازعة نظاراتها السوداء لتظهر عينيها البنيتان الواسعتان الجميلتان،المعبئتين بمساحيق التجميل لتزيدهما جمالا و جاذبية،وضعت نظاراتها على شعرها الأشقر القصير اللامع لتقترب نحو كين بابتسامة واسعة ،مردفة:
-اشتقت إليك أيها الأمير،تعال إلى هنا!
قالت ذلك لترمي كل الأكياس المملوءة بالمشتريات و تقفز معانقة إيَّاه، صدقًا..أنا لم أفهم شيئًا!من أين سقطت هذه الفتاة؟لكن الواضح أنها تعرف كين جيدًا،كانت تعانقه بقوة و تقول:
-اشتقت إليك حقا..اشتقت إليك!
-ناتسومي أنتِ تخنقينني،اتركيني!
-آسفة أميري!
قالت مبتعدة عنه بخجل،تنهد كين و تمتم بصوت منخفض لم تسمعه ناتسومي متململا:
-تبا لك ناتسو..!
تنحنحت علَّ كين يتكرم بشرح الموضوع لي،لاحظت ناتسومي وجودي فقالت متسائلة:
-من هذه الجميلة كين؟صديقتك؟
-أجل،إنها يورا..صديقتي
مدَّت يدها بمرح لمصافحتي و قالت بابتسامة جميلة لم تفارق مُحيَاها منذ رأيتها:
-تشرفت بمعرفتك يورا،أدعى ناتسومي ماتسوزاكي..ابنة السيد ماتسوزاكي شريك عائلة تاكيغامي في شركاتهم..و صديقة الأمير!
-يورا..يورا ناكامورا آنستي..تشرفت بك..
صافحتها بارتباك بثته فيَّ ابتسامتها و جرأتها تلك،سرعان ما تركت يدي و ذهبت مع كين،لم يعيراني أيَّ اهتمام و ذهبا معا يتكلمان و يتجاذبان اطراف الحديث،شعرت بالغضب حقًا من تصرفاتهما تلك،أكره أن يتم تجاهلي!ذهبت لغرفة تبديل الملابس و نزعت ذلك الثوب الجميل،أخبرتني البائعة أن كين دفع ثمنه،وسلمتني إيَّاه،عندما خرجت وجدتهما لا يزالان معا،يضحكان و تحدثان بحميمية كأنهما صديقان منذ زمن،حسنا..ناتسومي تلك فتاة جد جميلة،و تبدو غنية من ملابسها الباذخة التي لا ترتديها سوى الفتيات المشهورات ذوات الثروات الطائلة،مظهرها مع الديك الوسيم الأنيق بدا كمقطع من فيلم من أفلام هوليوود المشهورة! اقتربت لهما محاولة ابعاد علامات الغضب الذي تملكني جراء تجاهلهما لي،و بابتسامة لا بدَّ من أنَّ أهم ميزاتها البلادة و النزق الشديد قلت:
-يبدو أنكما جد منسجمين!
-أجل،أنا و كين مثل الماء و كبريتات النحاس،نتفاعل بسرعة!
كبريتات النحاس؟!تبا لهذه الفتاة..يبدو أنها مهووسة كيمياء مثل الديك تماما!نظرت إليها ببلاهة محملقة بتلك الابتسامة العريضة التي ارتسمت على وجهها و هي تمسك ذراع كين،و سرعان ما امتعضت من تصرفها ذاك،من تظن نفسها!
-حسنا..علي المغادرة الآن!أراكما لاحقًا..!
-فلتذهبي أيتها البطة،أنا سأبقى مع ناتسومي.
سحقا!أهذا ما أستحق أيها الديك؟؟لم أنتظر هذه الإجابة اللاذعة منه،لقد..لقد باعني بسهولة!كنت أنتظر أن يودعها و يأتي برفقتي..لكن..تبا لهذا الديك! تملكني حنق شديد تأججت نيرانه بأعماقي،لتحيلني محمرة من عناء كبح هذا الغضب الذي اجتاحني،تمتمت و انا أهم بالمغادرة قبل أن انفجر في وجهه:
-سأقتلك أيها الديك..سأقضي عليك يوما ما!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واصلت السير بمفردي في الشوارع،مطأطئة رأسي لتجنب تلك الكلمات التي أسمعها من مجموعة شباب بلا فائدة يملئون الطريق متكأين على الجدران يراقبون الداخل و الخارج!ليس من عادتي المرور من هذه الطريق،فدائما ما أستقل الحافلة،لكن لا ضير ببعض المشي من حين لآخر!
نظرت إلى ساعة معصمي لأجدها تشير إلى الثالثة عصرا،أنا متأخرة!لن يسعفني الوقت لتجهيز نفسي حتما،زدت سرعة خطواتي لأصل قبل وصول تسوبا إلى المنزل،تبا لهذه المواعيد التي أكرهها!
لا يزال أمر تلك الناتسومي يشغلني،حسب ما فهمت فهي ابنة شريك إينوشي بالشركات،لكنني عندما كنت ّأعمل في شركة تاكيغامي للنشر لم أسمع يوما أن هناك شريكا لإينوشي البدين!ماتسوزاكي..أشعر أنني سمعت هذا الاسم من قبل.
وصلت أخيرا إلى المنزل،نزعت حذائي و ألقيته هناك بجوار بوابة غرفة الجلوس،ألقيت المعطف في الدرج،و حقيبتي ألقيتها إلى مكان ما لم أعلم ما هو إلى أن تناهى إلى سمعي ذلك الصوت المخيف:
-أيتها القردة اللعينة..ما الذي تفعلينه؟؟
استدرت بوجل لأجد ذلك الوجه المرعب الذي كانت علامات الحنق المرتسمة عليه لا تنذر بالخير،تراجعت للخلف خائفة و أنا أقول:
-أرجوكٍ يومي..سامحيني..لم أكن أقصد إلقاء الحقيبة عليك!
-أيتها الــ...
-حبيبتي..!
قاطعها صوت ريو الذي لا طالما أنقذني من بين براثنها،هذا الأخير الذي تابع قائلا بهدوء:
-يومي..قد تأذين الطفل بغضبك..قلت لك تحكمي في أعصابك!
-كيف لي أن لا أغضب مع هؤلاء حبيبي..!أشعر أنني في حديقة الحيوانات..لا أريد لابني أن يعيش هنا..!
-لماذا لا تمارسين اليوغا برفقتي..ستشعرين بشعور افضل لك و لابننا!
دقيقة واحدة!ابنهم؟!من أين لهم طفل؟يبدو أنَّ:
-يومي هل أنتِ..حامل؟
-أجل أيتها القردة..سيأتي ابننا قريبا!
-مبارك لكما..سعيدة جدا لأجلكما!
-حسنا حسنا اغربي عن وجهي يورا حتى لا تنتقل حماقتك لابني الصغير!
-تبا لكِ!
-آسف يورا..هذه العصبية الزائدة من تأثير الحمل..شكرا لكِ..أتمنى أنْ أرَاكِ أمًا أنتِ الأخرى يومًا مَا..!
قال ريو اللطيف ،إنَّه حقًا شخص رائع و حكيم و هادئ،لا يبدو زوجا لهذه المتوحشة البتة..!أحب ريو كشقيقي الأكبر تماما،فهو ينصحني و يحيني..و دون ان ننسى..يحميني من غضب يومي..!
لكن ماذا قال للتو؟أنا أمٌ؟؟رفعت ناظري لأحدق بوجهه الأسمر اللطيف المبتسم مستغربة،لأردف لا إراديا:
-لا يمكن هذا..!
-و لمَ لا يورا؟أنتِ فتاة طيبة و مثقفة و الكثيرون يتمنونكِ..كما أنكِ في سن الزواج و سيتقدم أحدهم لخطبتكِ قريبا..!
هو قال''طيبة..مثقفة..''لكن لم يقل ''جميلة''..!أأنا بشعة؟!يا إلهي..لم أنتبه من قبل إلى أنني بشعة..ربما لأنني لا أنظر في المرآة كثيرا،رغبت في استدراج ريو للإقرار بهذا،فقلت بحزن مصطنع:
-لكنني بشعة..لست جميلة ليحبني أحدهم..!
-لا تقولي هذا يورا..أنتِ لست قبيحة إلى هذا الحد..لنرَ..تملكين شعرا جميلا..و ابتسامة جد رائعة..صحيح أنكٍ قصيرة و هزيلة قليلا إلا أنكِ تصلحين كزوجة لــ..شخص ما..!
-حقًا..؟
-أجل أجل..كما أنني أعلم أنَّ هناك أحدا في حياتكِ..!
قال بخبث..أيعرف بأمر تسوبا؟؟لا أظن ذلك..لن يحصل هذا إلا إذا وشى ياماتو بالأمر..ابتسمت ببلادة و قلتُ:
-و من هو..؟
-أظن أنه..كين تاكيغامي..!يصلح ليكون أبًا رائعا لأولادك..!!
-اللعنة عليك ريو..!!!
أطلقت صرخة جلجلت المنزل بأرجائه،إلهي..!منذ قليل زوجي و الآن أصبح أبا لأطفالي..!ماذا يظن الجميع أنني أحبه؟أمسكت ريو من ياقة قميصه و أخذت أرجه قائلة بنوبة غضب تملكتني:
-لا..لا..لا..
-حسنا..أرجوكِ سامحيني..آسف..!
تركته و اخذت نفسا عميقا لأزيل ذلك الاحمرار الذي غزا قسماتي..رفعت شعري الذي تناثر على وجهي و قلت بغضب:
-ليس كذلك..!
لأرتقي الدرج بخطى قوية حانقة..دخلت غرفتي و صفعت الباب بقوة..الساعة تشير إلى الرابعة و الربع!أنا متأخرة..!أسرعت إلى خزانتي..أو لنقل تلك الكومة من الخرق الغير واضحة المعالم..و أخذت أبحث عمّا يمكنني ارتدائه،لم أعثر على شيء يصلح!كنت أرمي ثيابي في الأرجاء..كلها متسخة أو ممزقة أو غير مناسبة..و هناك اشياء لم أرها في حياتي..!حقا تعبت..يئست من هذا..جثوت على ركبتي وسط الملابس مستسلمة..لا أملك شيئًا يمكنني الذهاب به إلى موعدي مع تسوباكي..!لحظة واحدة!نظرت إلى السرير لأجد الكيس الذي يحوي الثوب الذي اشتراه لي كين..إنه جد مناسب!لكن ما إن مددت يدي إليه حتى تخيلت وجه كين الغاضب،يا إلهي..!ضممت يدي إلى صدري بخوف و تراجعت إلى الخلف قائلة:
-لا..لن أفعل هذا كين..!
جلست على سريري أمعن النظر في ذلك المكان الذي يشبه كل شيء إلا الغرفة..!إنه اسطبل بلا ريب..!شعرت بالتعب،استلقيت و أخذت أنظر إلى السقف حتى أريح رأسي من عناء التفكير في كيفية تنظيف الغرفة،هذه الفوضى تذكرني بمكان ما..منزلي الصغير في الريف،أو ذلك الذي ''كان''منزلي قبل أن تتم مصادرته من طرف الحكومة،و يتحوَّل إلى جزء من الثكنة العسكرية،آخر مرَّة رأيته كانت قبل أكثر من عشر سنوات،اشتقت إليه..كنت أهرب أحيانا من الميتم و أذهب إلى هناك،مع أنه كان فارغا إلا أن عبق ذكريات والدي يفوح منه،لا أذكرهما،و لا أعرفهما بتاتا،كل ما أعرفه هو أنَّ أمي توفيت بعد ولادتي بأسبوع،و أبي قضى نحبه بعدها بشهرين،و تركاني وحيدة،هما كانا رائعين بلا ريب،و كانا يحبانني،لا بدَّ من أنهما فرحا كثيرا بقدومي لكن لم يستطيعا البقاء معي،أغلقت عيني محاولة تخيل شكلهما،لا بدَّ من أنَّ والدي كان رجلا وسيما،قويا و يحب أمي كثيرا،أما والدتي فقد كانت امرأة جميلة حسناء،لطيفة و تجيد الطبخ،ربما أنا أشبهها،قد تكون بنفس ملامحي،و ربما كنت أشبه والدي،حقا أتوق لرؤيتهما،لعناقهما و النوم في حضن أمي،أتوق إلى كلمة ''أبي''،و إلى التفاخر بوالد رائع كما تفعل الفتيات،أريد أن يكون لنا منزل صغير نعيش به أنا وأبوي،بعيدا عن كلِّ هذا العناء و الوحدة الموحشة،أحتاج إليكما..أحبكما...
رغبة جامحة بالبكاء انتابتني،و خنقتني عبراتي التي سرعان ما رسمت طريقها على وجهي..أحتاج شخصا ما الآن بجانبي،لم أعد أري البقاء بمفردي بعد الآن..
صوت طرق قوي على بوابة غرفتي الخشبية أيقظني،جلست على السرير و أخذت أمسح دموعي،لكن ذلك المتطفل الذي يطرق الباب لم ينتظر أن أسمح له بالدخول،فُتح البابُ على مصراعيه بعنف لتدخل تلك العجوز القصيرة،الجدة يوكو..!
-عزيزتي يورا..!اشتقت إليك..لم أرك طوال اليوم،كيف حالك؟
-لست بخير يا جدَّة..
اقتربت مني متكئة على عصاها الخشبية لتجلس بجانبي على السرير،و تردف:
-ما بها الصغيرة الجميلة..؟
-الحقيقة..لدي موعد مع أحدهم..و لم أجهز نفسي بعد..!
-تبا لكِ..!لماذا لم تأتِ إليَّ؟اتبعيني..!
قالت ذلك و هي تجرني خلفها إلى الخارج بسرعة لا أدري من أين استمدتها،تبعتها بصمت لننتهي أخيرا إلى غرفتها،أدخلتني و صرخت قبل أن تدخل:
-يومي..أحضري كل ملابسك و تعالي..!
لتدلف الغرفة،كانت غرفتها كغرفة فتاة مراهقة،مليئة بمساحيق التجميل و صور الممثلين و المغنين،جعلتني أجلس قبالة مرآة كبيرة،و نزعت دبوس شعري لتتمعن في خصلاته قائلة:
-لون شعرك جميل،يحتاج قليلا من التزيين فقط..!
-جدة يوكو ما الذي تفعلينه؟
-أصمتي فحسب..ألم تقولي أن لديك موعدًا؟إذن سنساعدك..
-ماذا هناك أيتها العجوز..؟
قالت يومي و هي تلج الغرفة حاملة كومة من الملابس خاصتها،ألقتها على سرير يوكو و جلست واضعة يدها على بطنها لتردف:
-تبا لكما..أنا حامل و جعلتماني أحمل كل هذا..ما الذي تفعلينه يورا؟
-لدي موعد..و الجدة يوكو ستساعدني..!
-حدث تاريخي..القردة ستصبح جميلة..علي أن أساعد في هذا..!
قالت بسخرية لتهجم علي هي و الجدة يوكو،واحدة تمشط شعري و الثانية تضع البعض من مساحيق التجميل،ما إن انتهيا حتى جعلاني أرتدي جميع ملابس يومي التي كانت أغلبها أوسع مني،إلى أن وجدت ثوبا عاديا رماديا هادئًا،متوسط الطول،كان مناسبا لي،كما أنه يليق مع معطفِ الجينز خاصتي،ارتديته و حذائي الأسود العادي،أخيرا جعلتاني أنظر لنفسي في المرآة،رائع..!أبدو جميلة جدا..بلا تكلف و بالقليل من اللوازم،و في ظرف قصير جعلتاني أبدو مذهلة..
-شكرا لكما..جدة يوكو..يومي..أنتما رائعتان..!
-هيا أيتها القردة الجميلة..اذهبي الآن..!
-إلى اللقاء يورا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
ما إن خرجت من الغرفة حتى سمعت صوت طرق على الباب،أدركت من أوَّل وهلة أنه تسوبا..!نزلت الدرج بسرعة و سعادة غامرة،و أنا أقفز بسذاجة كطفلة تنتظر والدها..حقا تسوباكي يشعرني بالسعادة..التفكير به يجعلني أتراقص جذلة كعصفورة صغيرة..كم أحبكَ تسوباكي..!
وقفت بجانب البوابة و أخذت أعدِّل شعري تارة،و حزام ثوبي تارة أخرىّ،لأفتح الباب بارتباك مضمخ بعبق الفرحة و الحبور..
-مساءك سعيد يورا..!
قال مبتسما كعادته ما إن فتحت الباب،بوجهه اللطيف ذو البشرة الصافية التي أعطاها ذلك اللون الأشقر لشعره رونقا تمازج دونما عناء مع عينيه المخضرتين..إنه شاب وسيم جدا..بسيط و متواضع..بشوش الوجه..فتلك الابتسامة التي يمتلكها تبث الانشراح و المسرة في القلوب..إنه رائع جدا..أحبه كثيرا!
-مــ..مساء الخير تسوباكي..كيف حالك؟
-بخير لرؤيتك يورا..أأنت جاهزة للذهاب؟
-بالطبع..لنذهب..
أمسكني من يدي و سرنا معا من هناك..كنتُ أظنُّ أنني سأُلفي سيارة ما هناك لتقلنا إلى المطعم..لكن..لم أجد سوى دراجته..!اتجه نحوها و ركب ليقول بمرح:
-تفضلي يا أميرتي..أم تنتظرين بطاقة دعوة..!
-لكن..كيف سنركب معا عليها؟
-أتستهزئين بها..؟يمكنها حمل أربعة مصارعي سومو على متنها..!كما انكِ جد خفيفة و وجودك لن يؤثر..!
ابتسمت له و ركبت خلفه على الدراجة الهوائية خاصته،لم أكُن مضطرة للتمسك به فقد كان يسير بهدوء وسط المدينة..ليغمرني في جوٍّ شاعريّ رومانسي،و ينقلنني إلى أحد شوارع باريس على جناح أحلامي..!
كانت الشمس تأفل شيئا فشيئا بين السحاب..خلف البنايات..ليلوّن وهج أصفر هادئ المكان..كم أحب حمرة السماء أثناء الغروب..!
كنت أتكلم مع تسوبا في العديد من الأشياء..الحديث معه جد مسلٍ..يجعلك تظن أنه يعرف كل شيء..و يتكلم كثيرا دون أن يثرثر..تسوبا هو سيد كلماته..يتلاعب بها كما يشاء..و يعطيها رشة من حلاوة الحياة ليجعلها مسلية مهما كانت..
-أتعلمين شيئًا...؟
-ماذا..؟
-أنا واقع بالحب..!
فاجئتني كلمته تلك..و جعلت الدهشة تعتلي مُحيياي بسرعة..قلت لا إراديا:
-ماذا..؟
-أنا مغرم بأنثى..أهذا غريب..؟
-لا..أبدا..
ضحك تسوبا بلطفه المعتاد مردفا و هو يلج الزقاق الأخير المؤدي إلى المطعم المقصود:
-بالنسبة لي كرجل..الأنثى الوحيدة التي تستحق أن تُحب بجنون..أن توله بها إلى درجة المستحيل..هي الحياة ببساطة..!
-الحياة..؟
تمتمت باستغراب من كلامه المبهم..الذي تابع متخطيا استغرابي:
-الحياة هي الأنثى الوحيدة التي لا يمكن أن تكون لك يوما..إنها مستعصية..لا تذعن لأمر أحد..بل تملك الجمال القادر على إغواء البشر و جعلهم عبيدا لعشقها..لتسن شروطها الخاصة..هي الحزن ولكنها لا ترتدي حداد أحد..و هي السعادة..و لا تفرح لفرح أحد..هي الحب..و لا تبوح بكلفها بأحد..لهذا عليك الإخلاص لها فحسب..لتعلمك هذا..!فقط أنا أحب استعصائها و عصمتها..لذلك أنا هائم بها..!
بقيت ذاهلة أمام كلماته..مستغربة من فلسفته الغريبة..مندهشة من هذا الكلام الذي كان له وقع غريب على قلبي..لم أستطع أن أتكلم..تركته فقط يكمل ذلك:
-حتى و إن احببت أخرى..فحبها يجب أن يكون متعقلا..خاليا من ذلك الحب السرمدي للحياة التي لا توجد لها منافسة..أنا أمجد عصمتها..أرغب أن أديم استعبادها لي..و أي امرأة أخرى..مهما أحببتها سأبقى أخونها مع عشيقتي الأزلية!
-هكذا إذن..لا فرصة لأي أخرى أمام عشيقتك!
-إلا إن استطاعت ترويض قلبي..!
-حسب ما سمعته للتو..لا يوجد امرأة تستطيع ذلك..!
ارتجل دراجته و مدَّ يده لي لمساعدتي على النزول مبتسما،ليردف:
-ربما توجد..و من يدري..؟
ابتسمت له خارجة من هذا الموضوع الذي سيشغل تفكيري للمدة القادمة بلا ريب..!و كأن تسوباكي يريد جعلي أفهم أنه من المستحيل أن يحبني..و أن أتراجع عن فكرة حبي له..!
ولجنا المطعم الذي كان عبارة عن مطعم ياباني بسيط..لم يكن فخما و باذخا كما تخيلته..يا لي من بلهاء..!تسوباكي ليس غنيا..إنه ميسور الحال..فوالده مدير معهد صغير للموسيقى..أما هو فطالب طب في السنة الأخيرة من دراسته..و يعمل كمدرس موسيقى في معهد والده..يعلم العزف على البيانو..كما ان له أخوان..فتى و فتاة حسب ما أخبرني به..و أم ربة بيت..لذلك فعائلته من الطبقة المتوسطة..و لا يمكنه اصطحابي لمكان فخم بلا ريب..!
أنا بطبيعتي لا أحبذ البذخ و الغنى..أحب البساطة..خاصة بساطة تسوباكي العجيبة..فهو لا يستخدم الهاتف..و لا يركب السيارات..يكره التكنولوجيا و التقدم..!يقول أنها تفقد العالم شاعريته و وجدانه..و تشوهان رونق الوجود الغير متكلف..!لهذا تراه يتنقل بالدراجة...و يتواصل أغلب الأحيان بالرسائل..أو بالتنقل شخصيا..و هذا ما أحبه فيه..!
كان المطعم جد لطيف..خاصة تلك اللوحات الجميلة المعلقة على جدرانه الزرقاء السماوية..و أضوائه الهادئة التي تضفي عليه جوا من الرومانسية..كان شبه فارغا..لكنه لطيف و الجلوس فيه جد مريح..خاصة طاولاته الخشبية اللطيفة..
جلست و تسوبا إلى طاولة صغيرة و أخذنا نثرثر..كلمني عن عدَّة أمور..عن ما فعله طيلة السنة التي لم نلتقي فيها..و عن سفره إلى ''أوساكا''..إنه ناجح في الدراسة لحد الآن..و سيكون عمَّا قريب طبيبا كبيرا..على عكسي أنا..!
فاجئني بسؤاله المباغت:
-ماذا عنك يورا..أنت لم تتكلمي منذ التقينا..هذا ليس من عادتك..!
-ماذا..؟!
قلت بتلقائية و قد أيقظني سؤاله ذاك من سهوي..سرعان ما تداركت الأمر و ابتسمت قائلة ببلادة:
-آسفة..لقد سهوت قليلا فحسب..
-إذن..حدثيني عنك..هل وجدت عملا ما؟
طأطأت رأسي خلا و احباطا..لم أجد ما أقول..إذا أخبرته عن فشلي الذريع سينظر لي نظرة دونية..لكن..
-أجل..وجدته..لكنني فقدته مجددا..
-لا بأس..لا يمكننا التحكم في القدر على أي حال...!
ردة فعل غير متوقعة أبدا..!قال ذلك و هو يحرك ما تبقى في كأس الماء بطريقة دائرية..مبتسما بود..!
وضع الكأس ليتابع قائلا:
-أنا أريد أن أعرض عليك شيئًا..!
-ما هو؟
-ما رأيك أن تصيري سكرتيرة أبي في المعهد؟فقد تقدم في السن و لم يعد يستطيع القيام بكل شيء بمفرده،كما أنني لا أستطيع مساعدته بسبب أعمالي المكثفة هذه الأيام..
-موافقة..!
وقفت من مكاني و هتفت بسعادة و نزق شديد،سرعان ما عدت إلى مكاني و قد احمَّر وجهي خجلا و أردفت بتلعثم:
-أقصد أنني موافقة على العمل..يمكنني حاليا القبول بأي شيء..!
-اتفقنا إذن..هكذا يمكننا ان نلتقي كلَّ يوم و نمضي وقتا أطول معًا..!
نلتقي كل يوم..؟إذن فعرضه ذاك كان فقط لجعلي على مقربة منه..يا لك من شخص صعب الفهم تسوباكي..!إنه دائما هكذا..مليء بالمفاجئات و التناقضات..لا يمكنك أن تعلم ما الذي يفكر به ..!
اكتفيت بابتسامة و أجبت باقتضاب:
-حسنا..
-ما رأيك ان تبدئي غدًا؟
-مناسب جدا..إذن غدا صباحا..!
-غدا صباحا..!
قال و مد يده لمصافحتي مبتسما..شعرت بالتوتر من ذلك..لكنني مددت يدي المرتجفة ببطء و ارتباك..أحسست بشعور غريب عندما صافحته..شعرت أنَّ يدي تأبى ترك يده..! شعرت أنَّ الوقت مر ببطء شديد و نحن نتصافح..دون أن تزول تلكم الابتسامة اللطيفة عن محياه..!
-ما الذي تطلبانه؟
قاطع تلك اللحظات صوت النادل المتململ الذي جاء ابتغاء معرفة طلبنا..حقا..نسيت هدفي النبيل..!أنا هنا لآكل فحسب..تركت يد تسوباكي و نظرت إلى النادل..الذي و على عكس باقي النادلين الذين كانوا مرتبين و مهندمين..كان مهلهل الثياب..مهمل المنظر..بشع المحيى..فقد كان هزيلا جدا ذو وجه مصفر طويل و عينان جاحظتان..لحظة واحدة..!هذا الوجه مألوف حقا..!أخذت أحدق به محاولة تذكر هذه الملامح المألوفة..هو الآخر كان يمعن النظر إلي..إلهي..!إنه..قاطع الطرق الذي طاردني ذلك اليوم..!
-أنتِ..تلك المجنونة..!
-أنتَ..قاطع الطرق..!
-تبا لكِ أيتها المجنونة..أغلقي فمك..!
قال بحنق محاولا جعلي لا أفضح حقيقته أمام الملأ..وقفت و تراجعت للخلف بخوف مؤشرة عليه و أنا أصرخ:
-إنه قاطع طرق..قاطع طرق..!
نظر الجميع نحوي باندهاش و تعالت الهمهمات و الهمسات في المطعم..وقف تسوباكي بقلق و قال محاولا تهدئتي:
-ما بكِ يورا..اهدئي ما الذي جرى معك؟
-إنه قاطع الطرق الذي حاول سرقتي ذلك اليوم..
-تبا لك أيتها المجنونة..
قال جاحظ العينين بحنق و هي يلقي الصينية التي كانت بيده أرضا..خاصة و أنَّ أغلب الناس غادروا المطعم بسرعة دون دفع الحساب..!
-أيتها الزعيمة..كُشف أمرنا..!
صاح جاحظ العينين و هو ينظر نحو المطبخ..ما هي إلا لحيظات حتى خرج من هناك شريكه السمين و تلك الشقراء ذات الملابس الخفيفة..!
-لنهرب تسوباكي..إنهم يريدون الانتقام مني..!
قلت بخوف و أنا أجرُّ تسوباكي معي..هذا المسكين الذي لم يفهم شيئا لحد الآن..!
-يورا..انتظري لحظة..
-لا وقت لدينا..تلك القاسية ستقتلني..
-اهدئي للحظة..!
قال تسوباكي بشيء من الغضب و هو يمسكني من ذراعي و يوقفني..تنهد بعمق ليردف و هو يزيل خصلات شعره الأشقر من على وجهه:
-أخبريني الآن ما القصة..
إلهي..إن أخبرته بالقصة فسيظن بي سوءًا..و إن لم أخبرهم فسيغضب و يمنعني من الهروب..!
-يورا ناكامورا..أيتها القردة البشعة..!
قالت الشقراء و هي في ذروة غضبها..تستشيط غضبا..!لكن لحظة..من أين لها معرفة اسمي؟
دققت في ملامحها جيدا..شعرها الطويل ذو الصبغة الصارخة..ملابسها التي دائما ما تكون حمراء في لقاءاتنا الثلاثة..عينيها الواسعتان المزرقتان..من دون تلك الصبغة..و بجسد أصغر سنًا..ستكون بلا ريب..
-آيــــــاكو..؟!
صحت باندهاش و تعجب ارتسم على ملامحي..إنه آياكو المتسلطة..رفيقتي بالميتم..كانت تلك الفتاة الأكبر بيننا التي تتحكم فينا كيفما تشاء..!لا بد من أنها هي..نفس النظرة و نفس الملامح..!
-تبا لك ناكامورا..لقد بقيتِ مثلما كنت..حمقاء مثيرة للمشاكل..!
-إذن أنتِ آياكو..؟
-أجل أنا هي..آياكو التي لا طالما تفضلت الآنسة ''قردة''بتخريب مخططاتها..!لكن ليس بعد الآن..
-آياكو..تذكري طفولتنا معا..أرجوكِ لا تؤذيني..!
-مجرد تذكر تلك الطفولة السوداء معك يجعلني أغضب أكثر..تبا لكِ يورا..!
قالت بغضب و هي تتقدم نحوي و نيران الانتقام تتأجج بأعماقها..!قفزت و اختبأت خلف تسوباكي الغارق ببحر من علامات الاستفهام..!
-توقفي يا سيدة..
قال تسوباكي بهدوء..تقدم بضع خطوات نحوها و أمسكها من يدها..عاد إلي و أمسكني بيده الأخرى..قادنا نحو الطاولة و جعلنا نجلس ليقول و هو يضرب الطاولة بحنق أمام اندهاش كلتانا:
-الآن..أريد تأويلا رجاءً..!
نظرت كل واحدة منا في الأخرى بغضب..لتشيح كلتانا وجهها للجهة الأخرى..و تستطرد آياكو قائلة:
-أنا أعمل كقاطعة طرق..أي أنا مجرمة.مفهوم؟
-مفهوم..!
-و هذه البلهاء النزقة كانت رفيقتي بالميتم في طفولتي..و لا طالما أزعجتني و سببت لي المشاكل..مفهوم؟
-مفهوم..!
-و قبل مدَّة..اعترضت و عصابتي طريقها لسرقتها..لكنها كادت تفضحنا..بل و قامت بإهانتي..فأمرت رجالي بقتلها..مفهوم؟
-مفهوم..!
-لكنني أشفقت عليها..و في طريق عودتي التقيت شابا وسيما يبحث عنها..فأخبرته بمكانها رأفة مني..فأنقذها..مفهوم؟
-مفهوم..!
-تبا..أصمتي لا تكملي..!
قمت و صحت في وجهها حتى لا تفضحني..نظر تسوباكي إلي باستغراب ليقول:
-لا داعي للمواصلة..لقد فهمت..آنسة آياكو..هلا صفحت عن يورا..صدقيني إنها فتاة طيبة حقا..لكن المشاكل تلاحقها..هي ما كانت لتود إيذائك البتة..سامحيها..!
-لا يمكنني مسامحتها..لقد جعلتني للتو أفقد ثروة..!
-من أجلي آنستي..سأفعل أي شيء تريدينه..سامحيها فحسب..فإن أصابها مكروه..فلن أسامح نفسي ما حييت..!
قال تسوباكي و هو ينحني معتذرا لأقصى درجات الانحناء.. من أجلي فحسب..!بقيت شاخصة العيون..جامدة أحدق به مستغربة..أما أراه حقيقة أم حلم..؟




يتبع..
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
...