عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 07-13-2013, 03:01 PM
 


كانت كتباً غريبة فعلاً ، إذ أنها تتحدثعن الزئبق، عن الملح، عن التنبؤات، عن الملوك، لكنه لم يكن ليفهم منها شيئاً علىالاطلاق، مع ذلك كانت هناك فكرة تُذكر دوماً في كل الكتب تقريباً، وهي أن الاشياءكلها ليست إلا تجليّات لشيء واحد وفريد.
واكتشف في أحد الكتب أن النص الأكثرأهمية هو عن الخيمياء ويشتمل على بضعة أسطر فقط، وكانت مكتوبة على زمرّدة بسيطة.
- هذا هو لوح الزمرّد ـ قال له الانكليزي بكل فخر، فقد استطاع أن يعلّم رفيقهشيئاً.
- ولكن لماذا هذا العدد الكبير من الكتب؟
- لكي أتمكّن من فهم هذهالسطور القلائل ـ اجاب الانكليزي دون أن يكون هو نفسه مقتنعاً تماماً بهذا الجواب.
أما الكاتب الذي أثار اهتمام الشاب أكثر من بقيّة الكتب كلها، فقد كان يرويتاريخ مشاهير الخيميائيين، لقد كانوا رجالاً نذروا حياتهم كلها في تنقية المعادن فيمختبراتهم. وكانوا يعتقدون بأنه لدى تسخين معدن ما لسنوات وسنوات، فإنه يتحرر من كلخواصه النوعيّة، فعندئذٍ لن يبقى في مكانه إلا النفس الكليّة، وهذا الشيء الفريدسيمكّن الكيميائيين من فهم كل مايوجد على الأرض، لأنه اللغة التي بفضلها كانتالأشياء تتواصل مع بعضها بعضاً، هذا هو الاكتشاف الذي سمّوه بـ
" الانجازالعظيم " والذي يتآلف من جزء سائل وجزء صلب.
سأل الشاب:
- ألا تكفي مراقبةالبشر والعلامات لاكتشاف هذه اللغة؟
أجاب الانكليزي بانزعاج:
- لديك هوَسمفرط في تبسيط الأشياء، فالخيمياء عمل جاد ودؤوب، ومن المحتّم متابعة كل طور منالسيرورة كما علّمها المعلّمون.
اكتشف الشاب أن الجزء السائل من الانجاز العظيمهو المادة التي كانت تدعى " إكسير الحياة المديد "، وهذا الإكسير لم يكن يشفيالأمراض فحسب، بل يحمي الخيميائي من الشيخوخة أيضاً. أما الجزء الصلب فهو ماكانيُدعى " حجر الفلاسفة " .
قال الانكليزي:
- ليس من السهل أبداً اكتشاف " حجر الفلاسفة "، فالخيميائيون كانوا يمضون سنوات عديدة في مختبراتهم لمراقبة النارالتي تنقّي المعادن، وطوال مراقبتهم للنار، كانوا يتخلّصون من ضمائرهم شيئاً فشيئاًمن كل أباطيل العالم، إلى أن لاحظوا ذات يوم أن تنقية المعادة كانت تطهّر نفوسهمأيضاً.
تذكّر الشاب حينذاك بائع الزجاجيّات الذي قال أن عليهما تنظيف أوانيهماالزجاجيّة لأنهما سيجدان نفسيهما أيضاً قد تخلّصا من الأفكار السيئة، ولقد اقتنعأكثر فأكثر بأنه يمكن تعلّم الخيمياء في الحياة اليومية أيضاً.
- بالإضافة إلىذلك ـ تابع الانكليزي ـ فإن حجر الفلاسفة يمتلك خاصيّة خارقة للمألوف تماماً، فيكفيجزء صغير منها لتحويل كميّات كبيرة من معدنٍ بخس إلى ذهب.
انطلاقاً من هذا، فإناهتمام الشاب بالخيمياء صار أكبر بكثير، فقد فكّر بأنه بقليل من الصبر سوف يستطيعتحويل كل شي إلى ذهب.
لقد قرأ سير الحياة لشخصيات مختلفة، كانوا قد وفقوا إلىذلك، هيلفيتيوس، إيلي، فولكانولي، جابر، وكانت سيرهم جذّابة، فكلّهم عاشوا أساطيرهمالشخصية حتى النهاية، كانوا يسافرون، يتلقون العلماء ويصنعون المعجزات على مرأى منعيون المشككين، وكانوا يملكون حجر الفلاسفة وإكسير الحياة المديدة.
لكنه عندماكان يريد أن يتعلّم بدوره كيفية استخلاص هذا الانجاز العظيم، فقد كان يجد نفسهمحتاراً، فلم يكن يجد في تلك الكتب إلا رسوماً، وتعليمات مرمّزة ونصوص غامضة.
- لماذا يستعملون لغة يصعب فهمها جداً ؟ سأل الانكليزي ذات مساء.
بالاضافة إلىذلك لاحظ ـ وفي هذه المناسبة ـ أن الانكليزي لم يكن صافي المزاج، كما لو انه كانيفتقد كتبه.
- كي لايكون هذا مفهوماً إلا من قِبل هؤلاء القلّة الذين لديهمالمسؤولية الكافية للقدرة على
الفهم _ أجابه _ تصوّر لو أن كل الناس أخذوا يحوّلونالرصاص إلى ذهب، عندئذٍ وخلال زمن قصير جداً، فإن الذهب سيفقد قيمته ولن يساويشيئاً أبداً. وحدهم فقط أصحاب العقول العنيدة من الباحثين المثابرين هم الذينيتوصلّون إلى الإنجاز العظيم. هذا هو سبب وجودي في وسط الصحراء، وبالتحديد كي ألتقيخيميائياً حقيقياً يعينني على فك الرموز.
سأل الشاب:
- في أي وقت كُتبت هذهالكتب؟
- منذ عدة قرون، زفي ذلك الزمن لم تكن المطبعة قد اختُرعت بعد، فلم يكنيتسنّى لكل الناس التوصّل إلى معرفة الخيمياء.
- لماذا إذن هذه اللغة الغريبة؟وكل هذه الرسوم والأشكال؟
على الرغم من هذا الإلحاح، فإن الانكليزي لم يجب علىهذا السؤال، بل اكتفى بأنه قال أنه منذ عدة أيام يراقب القافلة دون أن يكتشف شيئاًجديداً، وأنه لم يلاحظ إلا شيئاً واحداً، إنهم يتحدّثون أكثر فأكثر عن الحرب.


× × ×