عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-06-2013, 04:53 PM
 
Post *زهرة الزمان ..في الظلام ~

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;background-image:url('http://im41.gulfup.com/GOKiN.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




*مدخل :-


أنغام طفولية :-

"بابا" ...مقطوعة نستعذب نطقها جميعنا
لتخضع لها قلوب أسرتنا بحنانها وشرّعت
لنا أبوابها ...نطرقها متى نشاء !!

فكيف بمن حرموها وحرّمت تلك الأسماع والقلوب
من أنغامها المتناغمة ...الضاحكة الباسمة

تلك الأنغام الطفولية ..تتلاشى ..لتحلّ محلها وخزات
وتصبح أنغام نهرب منها .فتواجهنا
ببرائتها وعذوبتها ...
هذا حال من فقد
زهرة زمانه ..ليجدّها في الظلام
متنقلة بين ترهات الألم وقسوة الأيام !!

*ملاحظة :- اللون الأزرق يعني عودة الى الماضي



بخفوت وهدوء خطت الطفلة على الرصيف المظلم وقد تجاوزت ضحكات بعض السكارى
وألقت بكلماتهم الساخرة الى الوراء

تعثرت ببعض الزجاجات الفارغة فانسدل شعرها الذهبي المسترسل على جبهتها

بهدوئها المعتاد عاودت المشي من جديد فرفعت رأسها الصغير الى السماء لتنعكس صورة القمر على عيناها الزرقاوان فتبتسم أبتسامة باهتة تخرج بها براثين الألم التي تنهش صدرها باستمرار

" عزيزتي ...ماذا تفعلين هنا؟! "


خاطبها صوت حان سمح لذاك الباب الموصد بذاكرتها بالأنبلاج كوميض مؤلم فتتبعثر بعض الصور في مخيلتها وتحدّث وخزة ألم في قلبها ...أنتبهت الى الصوت

فاستدارت بهدوء وحدّقت بوجهه الابيض فأخفضت رأسها حزناً عندما زجرها بود:-

" يجب عليك عدم مغادرة المنزل ...وخاصة في هذا الوقت "

تنبه قليلاً الى كلماته فنزل الى مستواها ونظر الى شعرها المبعثر بصمت
التقط دميتها البالية بعد أن أرخت الطفلة قبضتها عليها فهمس لها بهدوء :-

" سوف نجدّ منزلك ياصغيرتي"

لم تصدّر منها أية كلمة بل اختصرت أجابتها بدموع منهمرة انسابت على خدّها المتسخ قليلاً فضيق عيناه السودوان بألم ومال بوجهه الى وجهها لتتساقط خصلات شعره الأخضر وتلامس ذراعيها النحيلتين فقال لها مبتسماً :-

"وحيدة ....أنتي مثلي !!"

اتسعت حدقتيها ورمشت بعينيها وهي تحملق بتقاسيم وجهه الجميلة البيضاء فتراجعت الى الخلف واستدارت بسرعة وهي تسمع نداه الحانٍ الحزين ...صمت آذانها وأختبأت في أحد الأزقة وأسندت ظهرها وهي تنزلق على الرصيف المليئ بالكثير من الزجاجات وبعض الأتربه التي حملتها الرياح ...قبضت على صدّرها وقد أحست بخطوات متسارعة وأنفاس لاهثة .....استقامت من جديد وضاعفت خطواتها المتهالكة ...فتمدد ظله على الحائط المقابل لها وعاودت تلك الألحان اليائسة الحزينة تنبلج من شفتيه :-

"عودّي ياصغيرتي ....أين أنت ؟! ...لن أسبب لك الأذى ..أعدّك

خرجت من مكانها وهي تنظر الى ظله الذي تلاشى رويداً رويداً
رفعت قدميها للحاق به فمنعتها ذكرى غصت بعنف في قلبها الجريح فتراخت على أحد الأعمدة بهدوء وسوط الذكريات يجلدّها باستمرار




قابل بقامته الطويلة صفوف الكتب المرصوفة داخل الخزانة التي ارتدت ثياب الغبار وَزُينت بخيوط العنكبوت


بعثر شعره الأخضر باستياء ووضع كوب الشوكولا الساخنة على الطاولة الصغيرة الخشبية ...مدّ ذراعيه في الهواء قبل أن يجول أمامه طيف تلك الطفلة الصغيرة


نظر بحزن الى الأسفل وهو يعيد ذاك اللقاء الذي قد غرس في ذاكرته بالرغم من مرور يوم واحد ألا أنه قد أحب تلك النظرة التي بدّت في نظره نظرة مشرقة خلاف طياتها الحزينة لولا تلك الفاصلة الحمقاء التي ألقاها على الصمت المرفرف عليهما لأطال ذاك اللقاء لتتخلله إبتسامة عذبة بريئة تستلقي على شفتيها الصغيرتين


تهالك بجسده على كرسيه الوحيد الخشبي ونظر الى ساعته التي تجاوزت السابعة صباحاً


لقد أراد أن تعيش معه ...هل أخطأ عندما ألقى تلك الفاصلة ؟!


لم تكن نيته سيئة بل أراد أن يصنع سلماً تتسلق فيه الأبتسامة من قلبها الى فمها وليس سلماً للدموع ومواطن الألم


أعاد جملته مرة أخرى بلهجة متعمقة :-


"وحيدة .....أنت مثلي !!"


نهض وبدأ يذرع الغرفة محاولاً استنباط أي جرح قد تحمله كلماته ....توقف برهة وقد التمعت برأسه فكرة أراد أخفائها وسط بعض الذكريات فعاود الجلوس وتمتم وهو يهزّ رأسه برفق :-


"تحرير الذكرى " ..هذه هي وخزة الألم !!

قلّب صفحات الكتاب بشرود وارتشف القليل من الشوكولا وهو يركز نظراته على الجمل المخطوطة "عبّق الماضي"



تحركت بحركة طفوليه لتداعب وجه والدها المستلقي على الأريكة الخضراء ففتح عيناه الزرقاوان ذي النظرة الحانية وضمها بين ذراعيه وقد تعالت ضحكاتها كأوتار موسيقية أدمن على سماعها في كل رحلة ألم .


نهض بتكاسل وهي مازالت مستلقية على بطنه فرفعها بهدوء على كتفه فلامست بيديها الصغيرتين خصلات شعره الأخضر المموج وهمست بأذنه تذكره بأمر طفولي خاصة بها :-


بابا ...لقد وعدتني بالذهاب الى مركز الألعاب " "


أنزلها وتقرفص أمامها وهمس بأذنها بودّ :-


" بالتأكيد ...وهل تعتقدين أن بابا قد غفل عنه ؟! "


دارت بسعادة وراقصت شعرها وهي تهز رأسها بالنفي


"ملاك صغير" شعور طبيعي يجرّف مشاعر كل أب حالما تطلق أبنته المعزوفات التي يتراقص لها قلبه:-


"بابا ....حبيبي ...بابا ....حبيبي ...كم أهواه "


عبر الى المطبخ لتلحقه بحماس ومرح طفولي فصرخت بسعادة :-


"وجبتي المفضلة !!"


لقد أحضرتها بالأمس ..كما وعدتك " "


حضنت ساقيه ومسد شعرها بحنان أبوي قبل أن يصلصل هاتفه الخلوي فتسرع"مارجريت" أليه وتحمله بين يديها بحذر حتى لايسقط فيلتقطه ليمنحها قبلة على جبهتها فتبتسم بابتسامة يكون تأثيرها واضحاً على عينيه المنتشيتين فرحاً


تحب أن تكرر" مارجريت " هذا الموقف لتشاهد تلك السعادة في عينيه دائماً فهي على علم برحلة الألم التي يخوضها عندما ترتدي السماء الثوب الأسود فيطلق لتلك الدموع الحرية بالأنسياب على وجهه ليعلن بدء حفلته البكائية الصاخبة


أنهى مكالمته وشاهدت " مارجريت " سحابات الحزن تحوم فوقه فتقدمت وهمست له :-


"أيها الألم ابتعد ....ارحل بعيداً ...ابتعد عن بابا الآن"


أضافت جملتها الأخيرة ووضعت راحة كفها على جبهته ورفعت نفسها لتطبع قبلة على خده فضمها بقوة وتمتم بأسى :-


" لدّي عمل مارجريت ....لن نذهب اليوم "


ماكان يدور في عقل مارجريت هو أسعاد والدها ولو كان بذلك أسقاطاً لبعض حقوقها الطفولية


أحاطت ذراعيها حول رقبته وأخرجت كلماتها لتكون بلسماً لألمه :-


لا بأس ....فأنت تتعب من أجلي " "


رفع يديه وأطاقها حول جسمها الصغير النحيل الذي يشكو من الجوع الشديد

بعد نصف ساعة من رحيل والدها كانت مارجريت تحاول كبّت ألمها بعدم الذهاب الى مركز الألعاب وغياب والدها عن البيت أيام طويلة ودّعت ظل والدها بابتسامة ومشاعر ممزوجة بالألم فأوصدت الباب وأسندت ظهرها عليه وهي تعصر طرف قميصها بخنق.




رفعت يدها محاولة حجب أشعة الشمس عن عيناها الزرقاوان فنهضت بتململ واستقرت عيناها على دميتها المبلولة بالماء المتساقط من أعلى المبنى المجاور ....خطفتها بسرعة لتسقط زخات من الماء الملوث من الأنبوب الصدئ


ضمت لعبتها الى صدرها وأخذت تجر قدميها باتجاه الشارع المزدحم بالأشخاص والسيارات المختلفة

فتوقفت بجانب الجدار تحدّق بأحد الرجال وقد أمسك بين أصبعيه الوسطى والسبابة بصورة لطفلة صغيرة



تراجعت الى الخلف بعدما شاهدت الزي العسكري الذي يزيد من هيبته ويطعم كبرياؤه فعادت مرة أخرى الى مكانها وارتقت درج المبنى بخوف دفعها للارتطام بالجدار وبقوة ....أمسكت جبهتها الدامية وصعدّت الطوابق الأخرى حتى وصلت الى إحدى النوافذ المنخفضة المقابلة للشارع لتدور عيناها باحثة عن الرجل العسكري الذي أنطلق بسيارته بعيداً



بقيت تراقبه حتى غاص في الزحام الخانق فأغلقت النافذة ونظرت الى الممر الذي يستمد ضوءاً بسيطاً من النوافذ المفترشة على الجدار



أطلقت ضحكة خفيفة وهي تتطلع الى القطة البيضاء التي زين عنقها بطوق أسود جميل فتحت راحة يدها واستدّعت القطة بسعادة ...تقدمت القطة بحذر خطوة واحدة ثم مالبثت أن ابتعدت عنها فتذمرت من تصرفها وجلست القرفصاء وهي تنفخ بأنفاسها خصلات شعرها المنسدلة على عينيها



بقيت على هذه الحالة قرابة عشر دقائق فستذكرت تلك اللمحة اللطيفة التي برقت أمام عينيها ثم اختفت نتيجة تصرفها الأعرن ...



كانت تمشي بخطوتها الهادئة لتمشي بجانبها العديد من المقاطع والذكريات وينكشف الستار ليعلن بدء دور مشاعرها المختلجة


توقفت برهة لتلتقط دميتها وترفع ثوبها الأبيض الرث لتكشف عن ساقيها النحيلتين بعظامها البارزة


عادت الى ذاك المكان الذي التقته به فأضاء طيفه الجوانب المظلمة في قلبها وأطرقت برأسها وعاودت جرّ دميتها التي أهلكتها الشقوق كما هي شقوق روحها البريئة .



*يرجى رجاءاً حار بعدم الردّ ^^"

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
/
رد مع اقتباس