عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 09-27-2015, 11:23 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:720px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/27_09_15144335566719823.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]-

الفصل السادس عشر
-1-
مرّت دهور ودارت عوالم وتجمّد الزمن، توقف تماماً ، مر بألف دهر. لا ،
بل كان كل ذلك دقيقة أو نحوها. كان
شخصان يقفان وينظران إلى جثة رجل ميت، وببطء شديد رفع كل من فيرا كلايثورن
وفيليب لومبارد رأسيهما
ونظر كل منهما إلى الآخر...
-2-
ضحك لومبارد وقال: هكذا الأمر إذن يا فيرا، أليس كذلك؟
قالت فيرا: لا أحد في هذه الجزيرة، لا أحد أبد اً سوانا نحن الاثنين.
كان صوتها هامساً لا أكثر ، وقال لومبارد: بالضبط ، فنحن نعرف أين نقف الآن،
أليس كذلك؟
قالت فيرا: كيف قمتَ بتلك الخدعة، خدعة الدبّ الرخامي؟
هزّ لومبارد كتفيه وقال: خدعة سحرية يا عزيزتي، خدعة متقَنة تماماً!
والتقَت أعُينهما ثانية فقالت فيرا لنفسها: لماذا لم أرَ وجهه على حقيقته من قبل؟
لقد كان ذئباً بالتأكيد، ذلك الوجه
وتلك الأسنان المرعبة!
قال لومبارد متوعداً بصوت كالزمجرة : هذه هي النهاية، هل تفهمين؟
وصلنا إلى الحقيقة الآن، وها هي النهاية.
قالت فيرا بهدوء: أفهم ذلك.
ونظرت باتجاه البحر وهي تقول لنفسها: الجنرال ماك آرثر كان يحدق إلى البحر. متى؟
أمس فقط، أو لعله كان أول
أمس . هو أيضاً قال حينها: " هذه هي النهاية" . كان قد قالها بقَبول، بل وبترحاب أيضاً.
ولكن الكلمات والفكرة أثارت تمرداً في نفس فيرا فقالت لنفسها:
لا ، لا ينبغي أن تكون هذه هي النهاية.
ونظرت إلى الأسفل إلى جثة الرجل الميّت وقالت: مسكين هو الدكتور آرمسترونغ!
فقال لومبارد ساخر اً: ما هذا ؟ رثاء نسائي!
قالت فيرا: لِمَ لا؟ أليس لديك شفقة؟
قال لومبارد: ليس لديّ شفقة نحوك، لا تتوقعي ذلك.
نظرت فيرا إلى الجثة وقالت: يجب أن ننقله إلى البيت.
- للانضمام إلى الضحايا الآخرين فيما أظن، بأناقة وترتيب بالنسبة لي أرى أن يبقى حيث هو.
قالت فيرا: على الأقلّ لنبعده عن مياه المدّ .
ضحك لومبارد وقال: إذا شئتِ
انحنى يسحب الجثة، واستندت فيرا عليه وهي تساعده وأخذت تسحب وتجرّ بكل قوتها،
وقال لومبارد لاهث اً: ليست
مهمة سهلة.
ولكنهما تمكذنا من سحب الجثة أخيراً إلى نقطة بعيدة عن علامة ارتفاع المدّ،
وقال لومبارد وهو يستعيد ترتيب
هيئته: هل ارتحتِ؟
قالت فيرا: تماماً.
كان في نبرتها ما أثار فزعه فاستدار بسرعة، وعندما ضرب بيده على جبيه
كان متأكداً أنه سيكون خالياً. ابتعدت
فيرا متراً أو اثنين ووقفت في مواجهته والمسدّس في يدها فقال لومبارد:
هذا هو سبب اهتمامك النسائي إذن، لقد
أردتِ سحب مسدّسي.
فأومأت إيجاباً وأمسكت بالمسدّس بثبات دون أيّ ارتعاش كان الموت قريباً
من فيليب لومبارد، ولم يكُن قريباً منه
في يوم من الأيام كما في تلك اللحظة، ولكنه لم يُهزم بعد. قال بنبرة الأمر أعطيني هذا المسدّس.
فضحكت فيرا ساخرة فقال: هيّا ، ناوليني إياه.
كان عقله السريع يعمل سائلاً نفسه: ما هي أفضل طريقة؟
ما هو أفضل أسلوب؟ هل آخذها بالحديث؟
هل أعطيها إحساساً بالطمأنينة أم أنقضَ عليها؟
طوال حياته كان لومبارد يختار طريق المخاطرة، وقد اختار هذا الطريق الآن.
تكلّمَ ببطء وبلهجةِ مَن يريد فتح
نقاش فقال: انظري إليّ يا فتاتي العزيزة، فقط أصغي إليّ ...
ثم انقضّ بسرعة النمر و... وبصورة تلقائية ضغطت فيرا على الزناد.
بقي جسد لومبارد الواثب جامداً في وضع
الانقضاض لحظة، ثم هوى بقوة على الأرض.
خطت فيرا إلى الأمام بحذر والمسدّس جاهز في يدها، ولكنها لم تكُن بحاجة
إلى الحذر، فقد كان فيليب لومبارد ميتاً
وقد اخترقت الرصاصة قلبه.
-3-
غمر الارتياح فيرا، ارتياح عظيم عميق.
أخيراً انتهى كل شيء؛ لا مزيد من الخوف ولا مزيد من توتّر الأعصاب،
كانت وحدها في الجزيرة، وحدها مع
تسع جثث. ولكن ما أهمية ذلك ما دامت حيَّة تُرزَق؟ جلست هناك وهي تشعر
بسعادة عميقة وسلام عميق... لا
مزيد من الخوف.
-3-
مالت الشمس إلى المغيب عندما تحركت فيرا أخيراً. كان ردّ فعلها قد جعلها غيرَ قابلة
للحركة ، ولم يكُن في نفسها
مجالّ لأيّ شيء عدا ذلك الإحساس الرائع بالسلامة. وأدركت – في ذلك الوقت –
أنها جائعة وبحاجة إلى النوم،
النوم في الدرجة الأولى، أرادت أن تلقي بنفسها على سريرها وتنام ، وتنام ، وتنام ...
لعلهم سيأتون في الغد وينقذونها، ولكن ذلك لم يهمّها فعلا . لم يعُد يهمّها أن تبقى هنا،
ليس الآن وقد أصبحت وحيدة.
قالت لنفسها متنهدة: آه، يا للسلام المبارَك!
وقفت على قدميها ونظرت باتجاه البيت. لم يعُد هناك ما تخاف منه، ما من رعب
بانتظارها، فقط بيت عاديّ حديث
جيّد البناء، لكنها ومنذ ساعات قليلة فقط كانت عاجزة عن النظر تجاه ذلك البيت
دون أن ترتجف خوف اً! الخوف...
ما أغرب الخوف! حسناً، لقد انتهى كل ذلك، لقد انتصرت وقهرَت خطراً مميتاً،
وبفضل سرعة بديهتها ودهائها
قلبّت الطاولة على من أراد تدميرها.
بدأت بصعود السفح إلى البيت. كانت الشمس في طريقها إلى المغيب والجهة الغربية
من السماء تختلط فيها الألوان
الحمراء والبرتقالية. كان كل شيء جميلاً ومريحاً فقالت فيرا لنفسها: ربما كان كل ما حدث حلماً.
كم كانت متعَبة، متعبة جد اً! كانت أطرافها تؤلمها وأجفانها ثقيلة فوق عينيها،
ولكن لا خوف بعد الآن، فقط نوم، نوم
، نوم....
النوم بسلام منذ أن أصبَحت وحيدة في الجزيرة، وتذكّرت الأنشودة:
" جندي صغير بقي وحيداً تماماً "... وابتسمت
لنفسها.
دخلَت من الباب الأمامي، وأحسّت باستغراب حين أحسّت أن البيت يسوده السلام
أيضاً فقالت لنفسها: في الأحوال
العادية لا يستطيع أحد النوم وحوله جثث في كل غرفة نوم تقريباً.
فكّرَت أن تذهب إلى المطبخ وتأكل شيئاً، ولكنها ترددت قليلاً ثم صرفت الفكرة
عن ذهنها لأنها كانت متعَبة للغاية
حقاً. توقفَت لحظة عند باب غرفة الطعام،
ورأت في وسط الطاولة ثلاثة تماثيل خزفية، فضحكت فيرا وقالت: أنتم
متأخرون يا أعزائي.
التقطت اثنين منها فطوّحت بهما خارج النافذة، فسمعت صوت تحطَمهما
على حجارة أرضية الشرفة. ثم أخذت
التمثال الأخير وأمسكته بيدها قائلة: بإمكانك أن تأتي معي. لقد فزنا يا عزيزي ، لقد فزنا.
كانت القاعة معتمة في غسق المغيب، وأخذت فيرا تصعد الدرَج ويدها مطبقة
على الجندي الصغير. راحت تصعد
ببطء لأن التعب حلّ بساقَيها، وفجأة تذكّرت الأنشودة: " جندي صغير بقي وحيداً تماماً "
... كيف كانت نهايتها؟ آه،
نعم : " تزوّج ، ثمّ لم يبقَ أحدّ ".
تزوج! وفجأة ساورها إحساس مفاجئ بأن هوغو كان في البيت!
إحساس قوي، نعم، هوغو كان في الطابق العلوي
ينتظرها. قالت فيرا لنفسها: لا تكوني حمقاء. لقد نال منك التعب بحيث أصبحت
تتخيلين أشياء عجيبة جد اً.
وواصلت صعودها إلى الطابق العلوي، وعند رأس الدرَج سقط شيء من
يدها دون أن يُحدث صوتاً يُذكّر على
السجادة الوثيرة. لم تنتبه إلى أنها أسقطت المسدّس! فقد كان اهتمامها مركَّزاً
على الإمساك بالتمثال الخزفي
الصغير.
كم كان البيت هادئاً! ومع ذلك لم يَبدُ كبيت خا ل تمام اً!
لا بد أن هوغو ينتظرها في الأعلى. عادت تتذكر الأنشودة: "
جندي صغير بقي وحيداً تماماً"... ماذا كان السطر الأخير؟
هل كان فيه شيء عن الزواج أم شيء آخر؟
وصلت إلى باب غرفتها. كان هوغو ينتظرها في الداخل،
كانت متأكدة تماما من ذلك، فتحت الباب و.... انطلقت
من فمها شهقة! ما هذا الشيء المتدلي من علاّقة السقف؟! حبل عُقدِت أنشوطته
وكرسي للوقوف عليه، كرسي يمكن
ركله بعيد اً. هذا ما كان هوغو يريده، وكان هذا – بالطبع – هو آخر سطر في الأنشودة:
" ذهب وشنق نفسه ، ثم لم يبقَ أحد"!
وسقط التمثال الخزفي الصغير من يدها فتدحرج دون أن يعترضه شيء
وتكسّر على الجدار. وخطت فيرا إلى
الأمام كأنها منوَّمة مغناطيسياً! هذه هي النهاية. هنا اليد الباردة الرطبة،
يد سيريل التي كانت قد لامست حنجرتها
بالطبع. " بإمكانك الذهاب إلى الصخرة سيريل" ...
هذه الكلمات كانت هي الجريمة، بهذه السهولة، ولكن الذكرى
بقيت تلاحقها بعد ذلك أبداً.
صعدت على الكرسي وعيناها جامدتان أمامها كما لو كانت تمشي من نومها،
فوضعت الأنشوطة حول عنقها
وعدّلَت وضعها بشكل مناسب. كان هوغو هناك ليشهد أنها فعلت
ما كان يجب أن تفعله، ثم ركلَت الكرسي بعيداً...

-[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
  #22  
قديم 09-27-2015, 11:44 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:720px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/27_09_15144335566719823.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]-


خاتمة
قال السيد توماس ليغ مساعد المفوَّض في شرطة سكوتلانديار بانزعاج:
ولكن القصة كلها غير معقولة!
فقال المفتش مين باحترام: أعرف ذلك يا سيدي.
واصل مساعد المفوَّض: عشرة أشخاص موتى على جزيرة ليس
عليها أحد حي؟ إنه أمر غير معقول!
قال المفتش مين ببلاهة: ومع ذلك فهذا ما حدث يا سيدي.
قال السيد توماس ليغ: سحقاً لهذا كله يا مين ! لا بدّ أن أحد قتلهم.
- هذه هي المشكلة يا سيدي.
- ألم تفهم شيئاً من تقرير الطبيب؟
- لا يا سيدي. وارغريف ولومبارد قُتلا بالرصاص، الأول في رأسه والثاني في قلبه
، والآنسة برنت ومارستون
ماتا مسموميَن بالسيانيد، والسيدة روجرز ماتت بجرعة زائدة من الكلورال،
والسيد روجرز ضُرب رأسه ببلطة،
وبلور تحطّم رأسه، وآرمسترونغ مات غرقاً ، وماك آرثر مات بسبب كسر في جمجمته نتيجة ضربة على
الرأس، وفيرا كلايثورن ماتت شنقاً.
طرَفت عينا مساعد المفوَّض وقال: حكاية تثير الغثيان!
وفكّر لدقيقة او دقيقتين ثم قال بانزعاج: هل تريد أن تقول إنك لم تستطع
استخلاص أي شيء مفيد من سكان
ستيكلهيفن؟ هذا شيء مخجل! لابدّ أنهم يعرفون شيئاً.
هزّ المفتش مين كتفيه وقال: إنهم مواطنون عاديّون يعملون في البحر، قيل لهم
إن الجزيرة قد تمّ شراؤها بواسطة
شخص يُدعى أوين، وهذا كل ما يعرفونه.
- من الذي جهّز الجزيرة وأعدّ الترتيبات الضرورية؟
- رجل يُدعى موريس ، إيزاك موريس.
- وماذا يقول عن الموضوع برمّته ؟
- لا يستطيع أن يقول شيئاً؛ لقد مات.
تجهّم وجه مساعد المفتّش وقال: هل تعرف أيّ شيء عن موريس هذا؟
- نعم يا سيدي، نعرف أنه لم يكُن رجلاً محبوباً، وقد كان متورطاً في
الاحتيال في قضية أسهُم بينيتو قبل ثلاث
سنوات. نحن متأكدون من ذلك رغم أننا لا نستطيع الإثبات؛ لقد كان السيد موريس هذا حذراً للغاية.
- وهل كان هو وراء قضية الجزيرة هذه؟
- نعم يا سيدي؛ هو الذي نفّذ عملية البيع، رغم أنه أوضع بجلاء أنه سيشتري
الجزيرة لطرف ثالث لم يذكر اسمه.
- لا بدّ أنه بالإمكان معرفة شيء من الزاوية المالية المتعلقة بالموضوع.
فابتسم المفتش مين وقال: ليس إذا كنت تعرف موريس؛ فبوسعه التلاعب
بالأرقام بحيث يجعل أفضل محاسب
معتمَد في البلد لا يعرف رأسه من رجليه. لقد عرفنا ذلك من قضية بينيتو؛ فقد
غطّى آثار مستخدمه بصورة متقّنة.
تنهد الرجل الآخر في حين تابع المفتش مين: كان موريس هو الذي أعدّ كافة
الترتيبات في ستيكلهيفن. قدّم نفسه
باعتباره ممثّلاً للسيد أوين، وكان هو الذي شرح للناس هناك عن تجربة حول رهان
للعيش في جزيرة خالية لمدة
أسبوع، وأنه يجب عدم الانتباه لأي استغاثة تصدر عنهم هناك.
تململ السيد توماس ليغ في جلسته وقال: أتريد أن تقول لي إن هؤلاء
الناس لم يشتبهوا في شيء؟ ولا حتى عندئذ؟
فهزّ مين كتفيه وقال: هل نسيتّ – يا سيدي – أن هذه الجزيرة
كانت مملوكة سابقاً للمليونير الأمريكي إلمر
روبسون؟ لقد كان يقيم أكثر الحفلات إثارة هناك. ليس لديّ شك
في أن السكان المحليين ذهلوا لما كان يجري،
ولكنهم أصبحوا معتادين على ذلك وأخذوا يشعرون بأن أيّ شيء له علاقة
بجزيرة الجنود سيكون بالضرورة غير
معقول. هذا شيء طبيعي إذا أمعنتَ النظر إليه يا سيدي.
واعترف مساعد المفتش بهذا الاحتمال متجهماً في حين قال مين :
فريد ناراكوت، وهو الرجل الذي أخذ المجموعة
بقاربه إلى هناك، قال شيئاً له دلالة. قال إنه كان دَهِشاً لرؤية نوعية أولئك الناس؛
فلم يكونوا كضيوف حفلات السيد
روبسون. أعتقد أن هذا بسبب حقيقة أنهم جميعاً عاديون وبسطاء،
ولهذا فقد خالف أوامر موريس وأخذ قارباً إلى
الجزيرة بعد أن سمع عن إشارة الاستغاثة .
- متى ذهب هو والرجال الآخرون؟
- الإشارات شوهدت من قِبَل مجموعة من شباب الكشّافة صباح الحادي
عشر من الشهر، ولم يكُن ممكناً الذهاب
ذلك اليوم. وصل الرجال هناك بعد ظهر اليوم الثاني عشر في أول فرصة
سنحت لقارب للرسوّ على شاطئ
الجزيرة هناك، وهم متأكدون تماماً من أن أحداً لم يكُن بإمكانه مغادرة الجزيرة
قبل وصولهم؛ لقد كان البحر
مضطرباً بعد العاصفة.
- أما كان بوسع أحد السباحة إلى الشاطئ؟
- المسافة من الجزيرة إلى الشاطئ تزيد عن الميل، وقد كان البحر هائجاً والأمواج
مرتفعة تضرب الشاطئ، وكان
هناك الكثير من الناس، كشّافة وآخرون على صخور الشاطئ يراقبون الجزيرة.
تنهّد مساعد المفوَّض وقال: ماذا عن مكبّر الصوت والأسطوانة اللذين
وجدتموهما في البيت؟ ألم يكُن بإمكانكم
العثور على شيء فيهما قد يساعد في هذه الناحية؟
فقال المفتش مين: لقد حقّقتُ في هذه المسألة الأسطوانة أعدّت بواسطة
مؤسسة تُنتج الكثير من المواد المسرحية
والمؤثّرات السينمائية، وقد أُرسلَت إلى السيد أوين بواسطة إيزاك موريس
وكان المعتقَد أنها طُلبت لفرقة هواة
سيقومون بأداء مسرحية جديدة لم تُعرَض بعد. وقد أعيد النص المكتوب مع الأسطوانة.
قال ليغ: وماذا عن المادة المسجَّلة؟
فقال المفتش مين بهدوء: سآتي إلى ذلك يا سيدي.
ثم تنحنح وتابع: لقد حققت في هذه الاتهامات تحقيقاً وافياً بقدر ما أستطيع،
مبتدئاً بالسيد والسيدة روجرز اللذين كانا
أوّل من وصل إلى الجزيرة، كانا يعملان في خدمة عجوز عانس تُدعى الآنسة
برادي ماتت فجأة، ولم أستطع أن
أحصل على شيء محدَّد من الطبيب الذي أشرف عليها، وقد أكّد أنها لم تمُت
بسبب سُم دسّاه لها أو أيّ شيء من
هذا القبيل، إلاّ أنه شخصياً يعتقد أنه كان في الأمر مسلك غريب وأنها ماتت نتيجة
إهمالها، وهذه حالة من النوع
المستحيل إثباته تماماً في رأيه.
وصمت لحظة ثم أكمل: نأتي إلى القاضي وارغريف: وأمر واضح؛
فقد كان هو الذي أصدر الحكم على سيتون.
بالمناسبة سيتون هذا وُجد مذنباً دون شك. لقد ظهر دليل بعد شنقه يثبت ذلك دون
أدنى شك، ولكن التعليقات كانت
كثيرة في أثناء المحاكمة وتسعة أشخاص من عشرة كانوا يرون أن
سيتون بريء وأن الكلمة الإجمالية للقاضي
صيغت بدوافع انتقامية.
- وماذا عن الآنسة كلايثورن؟
- الآنسة كلايثورن تبيّن لي أنها كانت مربيّة لدى عائلة وقع فيها حادث وفاة
بسبب الغرق، ولكن لا يبدو أنه كانت
لها أي علاقة بهذا الحادث، بل إنها تصرفت تصرفاً سليماً بأن سبحت بعيداً في
محاولة للإنقاذ، وهي – في
الواقع – قد عرضَت نفسها إلى الخطر وأُنقذّت في اللحظة المناسبة.
قال مساعد المفوَّض وهو يتنهد : ثمّ ماذا؟ أكمل.
أخذ مين نفساً عميقاً وتابع: الدكتور آرمسترونغ رجل معروف جداً، له عيادة
استشارية في شارع هارلي، وهو
مستقيم تماماً وعلى مستوى متميز في مهنته، لم أستطع العثور على أيّ تاريخ له حول
عمليات غير مشروعة أو أيّ
شيء من هذا القبيل. صحيح أنه كان قد أجرى عملية جراحية لامرأة اسمها كليز
سنة 1925 في ليتمور عندما كان
ملحَقاً بالمستشفى هناك ، كانت عملية في البطن وماتت المريضة على طاولة العمليات،
ولكن نقص البراعة – في
نهاية المطاف – ليس عملاً إجرامياً ، كما لم يكُن لذلك دافع.
- والآنسة برنت ؟
- كانت لديها خادمة تُدعى بباتريس، وقد حملت سفاحاً فطردتها الآنسة برنت، فذهبت
وأغرقت نفسها. ليست قصة
لطيفة ولكنها – أيضاً – ليست عملاً إجرامياً.
قال مساعد المفوَّض : يبدو أن هذه هي النقطة؛ السيد أوين تعامل مع قضايا
لا تستطيع المحاكم النظر فيها.
تابع مين سرد قائمته فقال: مارستون الشابّ كان يقود سيارته بطيش وتهوّر،
وسبق أن وُجّه له إنذاران بسحب
رخصته، وفي رأيي أنه كان يجب منعه من القيادة، هذا كل ما يتعلق به،
أما جون ولوسي كومبس فكانا طفلَين
دعسهما وماتا قرب كامبردج. بعض أصدقاءه بشهادات لصالحه فأطُلق
سراحه بعد دفع غرامة.
- وماذا عن الجنرال آرثر؟
- لم أجد شيئاً محدَّداً بخصوصه. سجله طيّب، وقد خدم في أثناء الحرب، إلى
آخر هذه الأمور. كان يخدم تحت
إمرته في فرنسا شخص اسمه آرثر ريتشموند قُتل في الجبهة. لم يكُن بينه وبين
الجنرال أيّ احتكاك من أيّ نوع
، بل الواقع أنهما كانا صديقين حميمّين . حصلَت بعض الأخطاء في ذلك
الوقت كان يقوم قائد ما بالتضحية
برجالة دون ضرورة، ولعلّ خطأ من هذا النوع قد حدث.
قال مساعد المفوَّض: أجل، لعل هذا ما حدث. وماذا عن فيليب لومبارد؟
- فيليب لومبارد تورّط في بعض القضايا المثيرة للفضول في الخارج ،
وارتكب مخالفات قانونية مرة أو مرتين
وعُرفت عنه جرأته وأنه ليس فوق مستوى الشبهات، رجل من النوع الذي قد يرتكب
بضعة جرائم في أماكن لا
تخطر على البال.
ثم توقف هنيهة قبل أن يقول مكملا : نأتي الآن إلى بلور.
وتردّد مين لحظة ثم أضاف: كان واحداً منّا بالطبع. تململ مساعد المفوَّض
وقال بنبرة تنمّ عن قناعة: بلور كان
رجلاً سيئاً.
- هل تعتقد ذلك يا سيدي؟
- قال مساعد المفوَّض : لقد اعتقدت ذلك دائماً، ولكنه كان دائماً من
الذكاء بحيث يفلت من العقاب. أعتقد أنه
أرتكب جريمة الشهادة الزور في قضية لاندور. لم أكن مرتاحاً لتطورات
القضية حينها ولكن لم أستطع العثور
على شيء؛ فأوكلت مهمة التحقيق لهاريس، ولكنه لم يجد شيئاً كذلك. ما زلت أعتقد
بأنه كان من الممكن العثور
على شيء لإدانته لو أننا عرفنا كيف نبحث جيد اً. الرجل لم يكُن مستقيماً.
مرّت لحظة صمت ثم قال السيد توماس ليغ: قلتَ إن إيزاك موريس مات،
فمتى مات؟
- خطر لي أن تسألني عن ذلك يا سيدي. إيزاك موريس مات ليلة الثامن
من آب تناول جرعة زائدة من
مادة منوّمة من مشتقّات حامض البربتيوريك كما فهمت، ولم يظهر ما يدّل على
أن الأمر كان حادثاً أو انتحاراً .
قال ليغ ببطء: هل يهمّك معرفة ما أفكر فيه يا مين؟
- يمكنني التخمين يا سيدي.
فقال ليغ برصانة: لقد تمّ موت موريس بتوقيت محكّم.
أومأ المفتش مين برأسة موافقاً وقال: كنت أعلم أنك ستقول ذلك يا سيدي.
ضرب مساعد المفوَّض بقبضته الطاولة بقوة وصاح: هذه القضية مدهشة..
مستحيلة! عشرة أشخاص يُقتَلون على
جزيرة صخرية جرداء ولا نعرف من قام بذلك أو سبب القتل أو كيف تمّ !
سعل مين وقال: حسناً، الأمر ليس كذلك تماماً يا سيدي؛ نحن نعرف السبب إلى حدّ ما.
شخص متطرف مهووس
بتحقيق العدالة صمّم على أن يقتصّ من أشخاص لم تستطع يد العدالة الوصول إليهم،
فاختار عشرة أشخاص، ليس
مهما إن كانوا مذنبين أم لا.
تحرك مساعد المفوَّض في جلسته وقال بحدّة: أليس...؟ يبدو لي...
ثم توقف عن كلامه، وانتظر المفتش باحترام فتنهّد ليغ وهزّ رأسه قائلا : استمرّ :
خطر لي أنني قد وصلت إلى نقطة
ما أو أنني وقعت على دليل ما ، ولكن الفكرة زالت من رأسي الآن، واصل ما كنتَ بصدده.
فتابع مين : لنقل إن المطلوب كان قتل عشرة أشخاص، وقد تمّ قتلهم، أما السيد
أوين فقد أنجز مهمته ثم استطاع
الاختفاء من الجزيرة كالشبح بطريقة أو بأخرى.
قال مساعد المفوَّض : حيلة اختفاء بارعة من الدرجة الأولى، ولكن أتعرف
يا مين؟ لا بدّ من وجود تفسير.
فقال مين : ما تفكّر فيه – يا سيدي- هو أنه إذا لم يكُن الرجل في الجزيرة فليس
من الممكن له مغادرة الجزيرة،
وطبقاً لإفادة الأطراف المعنية فإنه لم يكُن في الجزيرة، إذن فالتفسير الوحيد
المحتمَل هو أنه كان في الواقع أحد
الأشخاص العشرة.
أومأ مساعد المفوَّض موافقاً في حين أكمل مين جادّاً: لقد فكّرنا بذلك وبحثناه بالتفصيل
يا سيدي. بداية نحن لا نجهل
تماماً ماذا حدث في " جزيرة الجنود " كانت فيرا كلايثورن تكتب مذكراتها،
وكذلك إميلي برنت، كما أن وارغريف
العجوز سجّل بعض الملحوظات بالأسلوب الجاف القانوني المليء بالألغاز،
ولكنها واضحة، وترك بلور بعض
الملحوظات أيض اً. كل الروايات تتطابق ، والوفيات حدثت بالتسلسل التالي:
ثم التقط أنفاسه وقال مكمّلا : مارستون، السيدة روجرز، ماك آرثر،
السيد روجرز، الآنسة برنت، وارغريف. وبعد
موت وارغريف تشير مذكرات فيرا كلايثورن إلى أنّ آرمسترونغ ترك البيت
ليلاً وأن بلور ولومبارد خرجا للبحث
عنه، وقد أضاف بلور كلمتين إلى ملحوظاته: آرمسترونغ اختفى.
عقد مساعد المفوَّض حاجبَيه مفكراً فيما يقوله مين الذي أكمل: والآن
يبدو لي يا سيدي، ومع أخذ كل شيء في
الحسبان، أننا نستطيع هنا أن نجد تفسيراً معقولاً تمام اً. آرمسترونغ غرق
كما تذكر، فإذا سلّمنا بأنه كان مجنوناً
فيمكن القول بأنه قد أقدم على الانتحار بإلقاء نفسه من فوق الصخرة في البحر
بعد أن قتل الآخرين جميعاً، أو أنه
غرق في أثناء محاولته السباحة إلى الشاطئ.
ثم رفع إصبعه وقال مستدرك اً: هذا حلّ معقول، ولكنه لا يصمد أمام التحليل
يا سيدي؛ فأولاً لدينا تقرير الطبيب
الشرعيّ الذي وصل إلى الجزيرة في وقت مبكّر صباح يوم الثالث عشر من آب
، وهو لم يذكر الكثير
ممّا قد يساعدنا ولكنه قال إن القتلى ماتوا قبل ست وثلاثين ساعة على الأقل،
وربما ماتوا قبل ذلك بكثير، ولكنه كان
دقيقاً بعض الشيء فيما يختصّ بآرمسترونغ، إذ قال إنه بقي في الماء
ما بين ثماني ساعات وعشر قبل أن يقذفه
الموج إلى الشاطئ. هذا يمكن تفسيره كما يلي: آرمسترونغ ذهب إلى البحر
– على الأرجح – ليلة العاشر أو
الحادي عشر من آب، والسبب أننا وجدنا على
شاطئ الجزيرة النقطة التي قذف البحر جثته إليها، وهي فجوة ضيقة
بين صخرتين، ووجدنا هناك بقايا ملابس وشعر... لا بدّ أن الجثة قُذفت إلى ذلك
المكان يوم الحادي عشر، لنقل في
نحو الساعة الحادية عشرة صباحاً عند أقصى حالة للمدّ، وبعد ذلك هدأت العاصفة
وأصبحت علامات أقصى مدّ بعد
ذلك أدنى بكثير.
ظهر الاهتمام على وجه مساعد المفوَّض في حين أكمل مين:
أفترضُ أنك قد تقول إن آرمسترونغ استطاع الإجهاز
على الثلاثة الباقين قبل أن يذهب إلى البحر تلك الليلة، ولكن لدينا نقطة أخرى
لا يمكنك تجاوزها، وهي أنه قد تمّ
سحب جثة آرمسترونغ فوق أقصى علامة مدّ قذفه البحر عندها.
لقد وجدنا جثته فوق أعلى نقطة لأيّ مدّ، وكانت
مسجّاة على الأرض بشكل منتظم وبعناية، وهذا يؤكّد نقطة لا شك فيها وهي أنه كان في
الجزيرة شخص ما بعد
وفاة آرمسترونغ. وتوقف قليلاً ثم تابع: إلى أي شيء يقودنا هذا بالضبط؟
إلى ذلك الموقف صباح يوم الحادي عشر،
وهو اختفاء آرمسترونغ. يبقى لدينا ثلاثة أشخاص: لومبارد وبلور وفيرا كلايثورن.
لومبارد قُتل بالرصاص
ووُجدَت جثته على شاطئ الجزيرة قرب جثة آرمسترونغ،
وفيرا كلايثورن وُجدت مشنوقة في غرفتها، وجثة بلور
كانت في الشرفة وقد تحطّم رأسه نتيجة لسقوط ساعة
رخامية ضخمة يبدو منطقيّاً أنها سقطت عليه من النافذة
العلوية.
سأل مساعد المفوَّض بحدّة: نافذة مَن كانت؟
- نافذة فيرا كلايثورن. والآن لنأخذ كل واحد من هذه الحالات على حدة يا سيدي.
أولاً فيليب لومبارد: لنُقل إنه دفع
تلك الكتلة الرخامية لتسقط فوق رأس بلور ثم خدّر فيرا كلايثورن وعلقها في المشنقة،
ثم نزل إلى شاطئ البحر
وأطلق النار على نفسه، ولكن لو كان الأمر كذلك فمّن أخذ المسدّس منه؟
لقد وُجد ذلك المسدّس في البيت بعد
باب الممرّ عند رأس الدرَج للطابق الثاني عند باب غرفة وارغريف مباشرة.
قال مساعد المفوَّض : بصمات مَن منهم عليه ؟
- بصمات فيرا كلايثورن يا سيدي.
- ولكن.... الرجل حي، ثم...
- أعرف ما تريد قوله يا سيدي. تريد أن تقول إنها فيرا كلايثورن،
أطلقت النار على لومبارد ثم عادت إلى البيت
ومعها المسدّس، فأسقطت كتلة الرخام على بلور ثم شنقّت نفسها، هذا كلام
معقول إلى حد ما. يوجد كرسي في
غرفتها وعلى مقعد الكرسي توجد آثار أعشاب بحرية ونفس، الشيء على حذائها.
يبدو كأنها وقفت على الكرسي
فعدّلَت وضع الحبل حول عنقها ثم ركلت الكرسي بعيداً، ولكن ذلك الكرسي
وُجد غير مركول بعيداً، بل كان في
مكانه قرب الحائط ضمن بقية المقاعد، وقد تمّ وضعه في هذا المكان بعد موت
فيرا كلايثورن بواسطة شخص
آخَر.
ثم صمت لحظة مرتّباً أفكاره وعاد يستطرد: هذا يترك لنا بلور، وإذا قلتَ لي
إنه بعد قتل لومبارد وحفز فيرا
كلايثورن على شنق نفسها ذهب وأسقط كتلة رخام على نفسه بواسطة ربطها بحبل
أو نحو ذلك، إذا قلت لي هذا
فإنني – ببساطة – لن أصدّق؛ فالرجال لا ينتحرون بهذه الطريقة، وأكثر من
ذلك فبلور لم يكُن من ذلك النوع من
الرجال. نحن نعرف بلور ونعرف أنه ليس من ذلك النوع من الرجال الذي قد تصفه
بالرغبة في العدالة المجرَّدة.
قال مساعد المفوَّض : أوافقك على ذلك.
قال المفتش مين: لهذا يا سيدي فلا بدّ أنه كان في الجزيرة شخص آخر، شخص أعاد
ترتيب الأمور عندما انتهى كل
شيء، ولكن أين كان طوال الوقت؟ وإلى أين ذهب؟ الناس في ستيكلهيفن
متأكدون تماماً من أنه ما كان بوسع أحد
مغادرة الجزيرة قبل وصول قارب الإنقاذ، ولكن في تلك الحالة..ِ.
وتوقف عن كلامه فقال مساعد المفوَّض: في تلك الحالة ماذا؟
تنهّد مين وهزّ رأسه وانحنى إلى الأمام قائلا :
في تلك الحالة مَن الذي قتلهم؟!

-[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
  #23  
قديم 09-28-2015, 12:02 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:720px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/27_09_15144335566719823.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
-

مــلحق


هذا نصّ وثيقة أرسلها إلى شرطة سكوتلانديارد قبطان
سفينة الصيد" إيماجين" :
لقد أدركتُ منذ أيام شبابي الأولى أنّ طبيعتي تضم كتلة من المتناقضات؛ فلديّ خيال
رومَنسي لا شفاء لي منه، وقد
كانت عادة وضع وثيقة مهمة في زجاجة ورميها في البحر تثيرني عندما كنت أقرأ
قصص المغامرات في طفولتي،
وما زالت تثيرني حتى الآن. ولهذا السبب لجأت إلى هذه الوسيلة؛ فكتبت اعترافي
ووضعت الورقة في زجاجة
وأغلقت الزجاجة بإحكام لألقيها في البحر. أحسب أن فرصة عثور أيَّ كان على
اعترافي هذا لا تتجاوز نسبتُها
واحداً في المئة، ولو حصل هذا إذا لم يكُن هذا الإقرار تملّقاً لنفسي فسوف يُحَلّ لغز
جريمة غامضة لم يعرف أحد
حلّها حتى الآن.
كما أنني وُلدتُ ولديّ ميول أخرى سوى الميول الرومنسية ،
فأنا أشعر بابتهاج ساديّ شديد عندما أرى أحداً يموت
أو عندما أكون سبباً في موته. أتذكّر تجارِب كنت أجريها على الدبابير
ومختلف حشرات الحدائق الأخرى. منذ
طفولتي المبكرة كنت أشعر بقوة بشهوة القتل، ولكن إلى جانب هذا كانت تناقض
معها خاصيّة أخرى ، وهي أنه
كان لديّ حس قويّ بالعدالة، فممّا يثير اشمئزازي أن يتعرض شخص بريء
أو حيوان للعذاب أو الموت بسبب
تصرّف من جانبي، وقد شعرت شعوراً قوياً على الدوام بأن العدالة ينبغي أن تسود،
ولذلك فقد يكون من المفهوم
أظن أن طبيباً نفسيّاً سيفهم أنه طبقاً لتكويني الذهني بحالته هذه فقد اتخذتُ القانون مهنة لي
، واحترافُ العمل
القانوني أشبع كل غرائزي.
كنت دائماً مفتوناً بكلّ ما يتصل بالجريمة والعقاب،
وأستمتع بقراءة كل أنواع الروايات البوليسية وقصص
المغامرات المثيرة، وقد استنبطتُ – لمتعتي الشخصية – أبرع طرق ارتكاب الجرائم.
وعندما جاء الوقت الذي تبوّأتُ فيه رئاسة محكمة تشجَعت الغريزة السريّة الأخرى
لديّ على التطور. كانت رؤية
مجرم بائس يتألّم في قفصه في حين تقترب نهايته ساعة بعد ساعة تملؤني ببهجة رائعة،
ولكني ألفِتُ الانتباه إلى
أنني لم أكن أجد أيّ متعة في رؤية رجل بريء بهذا الوضع . لقد أوقفتُ السير في قضايا
في مناسبتين على الأقل
وكنت مقتنعاً خلالها أن المتهَم واضح البراءة، فكنت أبدي توجيهاتي للمحلّفين بأنه
لا توجد قضية في الأساس.
ولكن بفضل كفاءة ونزاهة جهاز الشرطة لدينا فإن معظم المتهَمين الذين مثلوا أمامي
كانوا مذنبين. وأريد التأكيد هنا
على أن هذا الوضع ينطبق على قضية الرجل المدعوّ إدوارد سيتون، كان مظهره
وسلوكه مضلّلين، وقد نجح في
ترك انطباع جيّد لدى المحلفّين، ولكن الذي كان واضحاً بالنسبة لي أن الرجل
قد ارتكب الجريمة التي أتُّهم بها،
وهي قتل امرأة عجوز وثقت به، قتلها بكل وحشية! وقد أخبرَتني بذلك خبرتي
الشخصية الطويلة في المجرمين
وأنواعهم وطرقهم.
إن لي سمعة كقاضي إعدام، ولكن هذا ليس صحيحاً؛ لقد – كنتُ دائماً منصفاً ودقيقاً
عندما كنت أقدّ م إجمالاً لأي
قضية، وكل ما فعلته هو حماية هيئة المحلفين من التأثير الذي ينتج عن المناشدات
العاطفية التي يلجأ إليها بعض
المحامين، وكنت ألِفتُ انتباههم حينئذ إلى الأدلة الحقيقية.
لقد بدأتُ أشعر بتغيّر في نفسي منذ بضع سنوات، تضاؤل الرغبة في التوجيه
وتنامي الرغبة في التصرف التنفيذي
بدلاً من إصدار الأحكام. لقد أردتُ أن أرتكب جريمة أقوم بها بنفسي – وهذا
اعتراف صريح منّي. وأدركت أن
هذا بمثابة رغبة الفنان في التعبير عن نفسه. كنتُ، أو كان بوسعي أن أكون،
فناناً في الجريمة، وكان خيالي الذي
قيّدَته مقتضيات عملي قد جمح سرّاً وأصبح قوة هائلة. يجب أن .... يجب .....
أن يجب أن ارتكب جريمة! والأكثر
من ذلك أنه يجب أن لا تكون جريمة عادية، بل يجب أن تكون جريمة مثيرة،
شيئاً مذهلاً، شيئاً غير مألوف. في
هذه الناحية بالذات ما زال لديّ خيال مراهق فيما أظن.
أردتُ عرضاً مسرحياً، مستحيلا . أردت أن أقتل نعم، أردت أن أقتل. ولكن
رغم التناقض الذي قد يبدو للبعض، فقد
كنت مقيَّداً وملتزماً بحسيّ الفطري للعدالة وبأن البريء لا يجب أن يعاقَب.
ثم فجأة خطرت لي الفكرة، خطرَت
انطلاقاً من ملاحظة عابرة وردَت خلال حديث عادي لي مع طبيب.
كان ممارساً عامّ اً عادياً ليس له أيّ تميّز خاص، وكان قد ذكر بصورة عفوية
أن كثيراً من الجرائم يحدث ولا ينال
منه القضاء، وضرب مثلاً بقضية معَّينة ، وهي سيدة عجوز كانت مريضة في عيادته
ثم ماتت مؤخَّراً، وقد قال إنه
كان مقتنعاً بأن موتها نتج عن عدم إعطائها علاجاً بواسطة رجل وزوجته
كانا يعملان في خدمتها، وقد كانا
سيجنيان فائدة كبرى من موتها، وقال إن حالة من هذا النوع يستحيل تماماً إثباتها،
ولكنه – مع ذلك – كان واثقاً من
الحقيقة في قراره نفسه. وأضاف أنه توجد حالات كثيرة ذات طبيعة مشابهة
تحدث دائماً، حالات من الجريمة
المدَّبرة، وكلها لا ينال منها القانون.
كانت هذه بداية الموضوع كله. وفجأة رأيت طريقي واضحاً، وصمّمت
على أن أرتكب عدت جرائم على نطاق
واسع وليس مجرَّد جريمة واحدة. خطرّت لي أنشودة صغيرة منذ أيام طفولتي،
أنشودة " الجنود العشرة الصِّغار " .
كانت قد أدهشتني وأنا طفل في الثانية من عمري، أدهشني ما فيها من ذلك التلاشي
القاهر ومنطق الحتمية، فبدأت
أبحث عن الضحايا سرّاً.
لن أضيع وقتاً بسرد تفصيلات كيفية تحقيق ذلك، ولكن كان لديّ أسلوب
جيد في الحديث استخدمته مع كل مَن قابلته
تقريباً، وكانت النتائج التي توصلت إليها مدهشة حقاً.
في أثناء إقامتي في بيت للمسنّين علمت بقضية الدكتور
آرمسترونغ. كانت الممرضة التي تقوم على خدمتي تكره المشروبات
الكحولية بشدة، وكانت مهتمة بأن تثبت لي
مساوئ الشراب فروت لي قصّة حدثت قبل عدّة سنوات في أحد
المستشفيات حين كان طبيب يُجري عملية لمريضة
فقتلها بسبب سكره. وبسؤال عابر عن الأماكن التي عملت فيه الممرضة
استطعت الحصول على المعلومات
الضرورية بسرعة، ثم توصلت بسهولة إلى معرفة الطبيب والمريضة.
ثم عرفت عن قضايا أخرى؛ فمن خلال حديث بين رجال عسكريّين
عجائز في النادي الذي أنتمي إليه توصلت إلى
الجنرال ماك آرثر ، وسمعت رجلاً عاد مؤخَّراً من الأمازون وهو يروي
قصة مذهلة عن شخص يُدعى فيليب
لومبارد، وروت سيدة ناقمة قصة إميلي برنت المتزمّتة مع خادمتها البائسة.
أما أنتوني مارستون فقد اخترته من بين
مجموعة كبيرة من الناس الذين ارتكبوا مخالفات مماثلة،
إذ كانت قسوته وعدم شعوره بأي مسؤولية عن النفوس
البريئة التي أزهقها قد جعلّته في نظري خطراً على المجتمع ولا يستحق الحياة.
المفتش السابق بلور ورد اسمه
بصورة طبيعية تماماً حين كان بعض زملائي يتناقشون في قضية لاندور بحريّة
وبلا تحفّظ، فأخذت موقفاً جادّا من
جريمته يجب أن يكون الشرطي في غاية الاستقامة باعتباره خ
ادماً للقانون لأن كلمته مصدَّقة بالضرورة بحكم
طبيعة عمله.
واخيراً قضية فيرا كلايثورن، وقد سمعت القصة في أثناء عبوري المحيط الأطلسي،
ففي ساعة متأخرة ذات ليلة
جلس شخصان فقط في غرفة المدخنين، أنا ورجل وسيم أسمه هوغو هاملتون .
لم يكُن هوغو سعيداً وقد تناول
كمية لا بأس بها من الشراب لتخفيف كآبته،
وكان قد أصبح ثملاً وميّالاً لفتح قلبه فشرعت في استخدام أسلوبي
المعتاد في الحديث دون أمل كبير في الوصول إلى أيّ نتائج، ولكن الاستجابة كانت مذهلة!
أستطيع تذكّر كلماته
الآن. قال لي: أنت على حق، الجريمة ليست بالصورة التي يظنّها معظم الناس،
كإعطاء شخص جرعةَ سم أو دفعه
من فوق حافّة جبل مثلا .
ثم مال بجسمه إلى الأمام مقترباً بوجهه من وجهي وتابع:
لقد عرفت مجرمة... نعم، كنت أعرفها، بل كنت متَّيماً
بها. آه، أعانني الله! أحياناً أشعر أنني ما زلت متيَّماً بها..
هذا هو الجحيم أقول لك إنه الجحيم، هل تفهمني؟ المحصّلة
أنها قد فعلَت ما فعلته من أجلي! لم يخطر ببالي مطلقاً...
إن النساء هنّ الشر، الشر المطلَق! لا يخطر لك أن فتاة
كتلك ، فتاة لطيفة وأمينة ومرحة، لا يخطر لك أنها قد تفعل شيئاً كهذا!
هل تصدّق أنها تفعل شيئاً كهذا؟ أنها قد تأخذ
طفلاً إلى البحر وتتركه يغرق؟! لا يمكنك أن تصدّق أن امرأة يمكنها القيام بشيء كهذا.
قلت له: هل أنت متأكد من أنها فعلت ذلك؟
قال وقد بدا أنه صحا فجأة: أنا متأكد تماماً. لم يشتبه بها أيّ شخص سواي قط،
ولكني عرفت بمجرَّد أن نظرت إليها
حين عدت، بعد أن.. وقد عرفت هي أنني عرفت،
ولكن ما لم تدركه هو أنني كنت أحب ذلك الطفل.
لم يُقل شيئاً آخر، ولكن كان من السهل عليّ أن أتتبع تفصيلات
القصة وأفهم الموضوع برمتّه.
وأخيراً كنت بحاجة إلى ضحية عاشرة، فوجدتها في رجل اسمه موريس،
كان مخلوقاً قميئاً غامضاً، وكان – بين
أشياء أخرى – يبيع المخدرات، وهو الذي دفع بابنة صديق لي إلى تعاطي
المخدرات فانتحرت في سن الحادية
والعشرين.
طوال فترة البحث هذه كانت الخطة تنضج في رأسي تدريجياً. كانت قد اكتملت عندئذ ،
وجاءت اللمسة الأخيرة
خلال زيارتي لعيادة طبيب في شارع هارلي.
قلت إنه قد سبق وأُجريَت لي عملية جراحية، وفي زيارتي الأخيرة
تلك قال الطبيب إن جراحة أخرى لن تكون لها أيّ فائدة وأبلغني بالتفصيلات
بشكل مخفّف، ولكني معتاد على
استخلاص الحقائق من وسط أيّ كلام. لم أخبر الطبيب بقراري
بأن موتي ينبغي أن لا يأتي بطيئاً وخلال فترة
طويلة كما يحدث عادة، بل ينبغي أن يكون موتا مثيراً سأعيش قبل أن أموت.
والآن سأنتقل إلى تفصيلات جريمة " جزيرة الجنود" : كان من السهل استخدام الرجل
المدعوّ موريس للتغطية على
عملية شراء الجزيرة، فقد كان خبيراً في هذا النوع من المعاملات.

وبتصنيف المعلومات التي كنت قد جمعتُها عن
ضحايا استطعتُ تهيئة طُعم مناسب لكل منهم. ولم تفشل أيّ خطّة وضعتُها،
فوصل جميع الضيوف إلى الجزيرة في
يوم 8 آب ، بما في ذلك أنا نفسي.
وكنتُ قد حسبتُ حساب موريس؛ كان يعاني من سوء الهضم فأعطيته قبل
مغادرتي لندن كبسولة ليأخذها قبل
النوم،وقلت له إن هذا الدواء كان مفيداً جداً لمعتدي فقبل دون تردد.
ولم أخشّ أن يترك أيّ وثائق أو أوراق قد
تفضح الموضوع، فهو لم يكُن من هذا النوع من الرجال.
كنت قد درست بعناية ترتيب عمليات القتل في الجزيرة، فقررتُ أن ضيوفي مذنبون
بدرجات مختلفة، فمَن كان ذنبه
أخفّ كان – في رأيي – حريّاً بالموت أوّلاً حتى لا يتعرّض للخوف والإرهاق العصبيّ
المطوَّل الذي سيتعرض له
أولئك المجرمون الذين ارتكبوا جرائمهم بدم بارد.
مات كلّ من أنتوني مارستون والسيدة روجرز أولاً، الأول فوراً والثانية
وهي تنام بسلام، فقد تبيّن لي أن مارستون
كان من النوع الذي وُلد فاقداً للإحساس بالمسؤولية المعنوية التي يمتلكها معظمنا،
أما السيدة روجرز فقد تصرفَت
بتأثير زوجها بلا شك.
لا حاجة بي لأن أشرح مفصّلاً كيف مات هذان الشخصان،
وسيكون بوسع الشرطة اكتشاف ذلك بسهولة سيانيد
البوتاسيوم يمكن الحصول عليه بسهولة لمكافحة الدبابير في المنازل،
وقد كان لديّ شيء منه وكان من السهل
وضعه في كأس مارستون شبه الفارغة تقريباً خلال فترة التوتر التي
أعقبَت سماع شريط الاتهامات في مكبّر
الصوت.
لقد راقبت وجوه ضيوفي بعناية في أثناء تلاوة الاتهامات، وبحكم خبرتي الطويلة
في المحاكم ومواجهة المجرمين لم
يكُن لديّ أدنى شكّ في أن الجميع كانوا مذنبين.
خلال نوبات الألم الأخيرة كان الطبيب قد وصف لي عقّاراً منوّما،ّ
كلورال الهايدريك، وقد كان من السهل عليّ أن
أتحمّل الألم لأجمع كمية قاتلة من هذا العقّار، وعندما أحضر روجرز
كأس العصير لزوجته وضعها على إحدى
الطاولات، وعند مروري بجانب تلك الطاولة وضعت الدواء في العصير.
كان ذلك سهلاً لأن الشك لم يكُن قد حلّ
بيننا في ذلك الوقت بعد.
الجنرال ماك آرثر مات دون أيّ ألم. لم يسمعني وأنا قادم من خلفه، وكان
عليّ اختيار وقت مغادرة الشرفة بعناية
تامّة بالطبع، وقد تمّ كل شيء بنجاح كامل. ثم فُتشت الجزيرة طبقاً لتوقعاتي،
وتبيْن أنه ليس في الجزيرة سوانا نحن
السبعة ممّا أوجد جوّاً من الريبة فوراً. وطبقاً لخطتي كنت سأحتاج قريباً إلى حليف،
فاخترت الدكتور آرمسترونغ
لهذه المرحلة. كان رجلاً ساذجاً وكان يعرفني من حيث مظهري وسمعتي،
فلم يُدر بخلده أن رجلاً بمكانتي قد يكون
في الواقع قاتلا . كانت كل شكوكه تتجه نحو لومبارد، وقد تظاهرتُ بتأييده في
ذلك ثم ألمحت له أن لديّ خطة ربما
استطعنا بموجبها الإيقاع بالقاتل واكتشافه.
ورغم تفتيش كافّة الغرف إلاَ أنه لم يكُن قد جرى تفتيش للأشخاص أنفسهم،
ولكن ذلك كان شيئاً لا بدّ منه فيما بعد.
قتلت روجرز صباح يوم العاشر من آب. كان يقطع الحطب لإشعال النار ولم يسمعني
وأنا أقترب منه، ووجدت
مفتاح غرفة الطعام في جيبه لأنه كان قد أقفل بابها بنفسه في الليلة السابقة. وخلال الفوضى
التي أعقبَت العثور على
جثة روجرز تسللتُ إلى غرفة لومبارد فأخذت مسدّسه. كنت أعرف انه سيحمل مسدّساً ،
والواقع أنني كنت قد
أعطيت تعليماتي لموريس ليقترح عليه ذلك عند مقابلته له.
عند الفطور وضعتُ آخر جرعة من الكلورال في قهوة الآنسة برنت
عندما كنت أعيد تعبئة قدحها، وتركناها في
غرفة الطعام ثم تسللتُ بعد فترة قصيرة إليها. كانت فاقدة الوعي تقريباً وكان م
ن السهل عليّ أن أعطيها حقنة قوية
من السيانيد. أما مسألة النحلة الطنانة تلك فقد كانت أمراً طفولياً، ولكنها أسعدَتني
على نحو ما؛ لقد أحببت أن أتقيّد
بمضمون أنشودتي قدر الإمكان.
بعد ذلك مباشرة حدث ما كنتُ أتوقعه، والواقع أنني اقترحت ذلك بنفسي.
خضعنا جميعاً إلى تفتيش دقيق، وكنت قد
خبّأت المسدّس في مكان آمن ولم يعُد بحوزتي سيانيد أو كلورال.
عند تلك النقطة أفضيت لآرمسترونغ بأن علينا
وضع خطتنا موضع التنفيذ، وقد اتفقنا على أن أُكتشَف مقتولاً باعتباري أصبحت
الضحية التالية. قلت له إن هذا قد
يثير حيرة القاتل، ولكن على أيّة حال فعندما أُصبح ميَتّاً – حسبما يُفترض –
فسوف يكون بوسعي الحركة داخل
البيت والتجسس على القاتل المجهول.
أعجبَت الفكرة آرمسترونغ ونفّذناها مساء ذلك اليوم،
فجهزّنا قليلاً من الوحل الأحمر ليوضع على الجبين، ثم
الستارة الحمراء والصوف... وأصبح المسرح جاهز اً. كانت أضواء الشموع
تهتزّ وتجعل الأشياء غير واضحة،
والشخص الوحيد الذي كان سيفحصني من قرب هو آرمسترونغ بصفته الطبيب
الوحيد بين أفراد المجموعة.
نُفّذت الخطة بإتقان تامّ . الآنسة كلايثورن ملأت البيت صراخاً عندما اكتشفت
الأعشاب البحرية التي كنتُ قد هيأتُها
في غرفتها بترتيب مسبق، فهُرعوا جميعاً إلى غرفتها في الطابق العلوي
في حين اتخذت أنا وضع الفتيل. كان وقع
الصدمة عليهم عندما اكتشفوني هو التأثير الذي كنت أسعى إليه،
وقام آرمسترونغ بتمثيل دوره بحِرَفية عالية.
حملوني إلى الطابق العلويّ ومدّدوني على سريري، ولم يقلق احد بشأني؛ فقد كانوا جميعاً
مذعورين حتى الموت
يخاف بعضهم بعضاً.
واتفقت مع آرمسترونغ على الالتقاء به خارج البيت قبل الثانية بربع الساعة،
فأخذتُه مسافة قصيرة خلف البيت إلى
حافة المنحدر الصخري وقلت له إنه سيكون بوسعنا هناك أن نرى
إذا اقترب منّا شخص آخر دون أن يرانا أحد في
المنزل، وذلك لأن غرف النوم كانت متجهة إلى الجهة الأخرى.
كان لا يزال غير مرتاب إطلاقاً ، ومع ذلك فقد
كان عليه أن يكون متنبهاً لو انه فقط تذكر كلمات الأنشودة
: " سمكة رنجة حمراء ابتلعت أحدهم فبقي ثلاثة" ،
ولكنه ابتلع الطُعم وقضى نحبه.
تمّ الأمر بسهولة؛ أطلقتُ صرخة تعجّب وانحنيت فوق الصخور وأشرت
إليه بأن ينظر إلى الأسفل ليرى، وقلت له:
ألم يكن ذلك مدخل كهف؟
فانحنى إلى الأمام فدفعته بسرعة وقوة ، فاختلّ توازنه وهوى
إلى الأمواج المتلاطمة في الأسفل، ثم عدت إلى
البيت.
كان وقعو خطواتي هو ما سمعه بلور دون شك، وبعد دقائق من عودتي
إلى غرفة آرمسترونغ خرجتُ منها مُحدِثاً
قدراً معيَّناً من الضجيج في تلك المرة بحيث يسمعني أحدهم، وسمعت باباً
يُفتَح عندما وصلت إلى أسفل الدرَج ، ولا
بدّ أنهم لمحوا شبحي وأنا أخرج من الباب الأمامي.
مرّت دقيقة أو اثنتان قبل أن يتبعاني، وكنت قد استدرت حول المنزل
ودخلت من نافذة غرفة الطعام التي كنتُ قد
تركتها مفتوحة، وأغلقت النافذة ثم كسرت لوح زجاج فيما بعد،
ثم صعدت إلى أعلى وتمددتُ على سريري.
توقعتُ أن يفتشوا البيت مرة أخرى، ولكنّي لم أتوقع أن يدقّقوا النظر في أيّ من الجثث،
بل مجرَّد جذب ملاءة
السرير لطمأنة أنفسهم بأن آرمسترونغ لم يكُن متنكراُ كجثة،
وهذا هو ما حدث تماماً. نسيت أن أقول إنني أعدت
المسدّس إلى غرفة لومبارد، ولعل أحداً يهمّه أن يعرف أين كنتُ
قد خبّأته خلال التفتيش. كانت في الخزانة كمية من
علب الطعام مرتَّبة في صفوف بعضها فوق بعض، ففتحت علبة في آخر
صفّ منها ووضعت المسدّس فيها، ثم
أعدت لصق الشريط عليها كما كان.
كان تفكيري في محلّه حين توقّعت أن أحداً لن يخطر بباله أن يفتح
كومة من صفائح الطعام التي يدلّ مظهرها على
أنها لم تُمَسّ حتى يصل إلى قاعدتها، لاسيما وأن العلب العلوية كانت جميعها مختومة.
أما الستارة الحمراء فقد
أخفيتها بحشوها في أحد مقاعد غرفة الجلوس تحت قماش الغطاء، ووضعت
الصوف في المساند بعد أن فتحت ثقباً
فيها.
نأتي هنا إلى اللحظة التي كنت أتوقعها؛ ثلاثة أشخاص يتربّص بعضهم ببعض،
وكل منهم في غاية الرعب بحيث قد
يحدث أيّ شيء في أيّ وقت، وأحدهم معه مسدّس. راقبُتهم من نوافذ البيت،
وعندما جاء بلور وحده جهّزت كتلة
الرخام الضخمة في الوضع المناسب، وهكذا انتهى بلور. ومن نافذتي
رأيت فيرا كلايثورن تطلق النار على
لومبارد. كانت امرأة جريئة وذات دهاء، وقد اعتقدت دائماً أنها قد تكون ندّاً له
أو ربما تفوقه، وحالما حدث ذلك
أعددت لها المسرح في غرفتها.
كان اختباراً نفسياً مشوّق اً. هل يكفي الذنب الذي يُثقل ضميرَها والتوترُ العصبي
الناتج عن كونها قد قتلت رجلاً للتوّ،
إضافة إلى الجوّ المشحون بنوع من التنويم المغناطيسي، هل يكفي كل هذا
لجعلها تقتل نفسها؟ شعرت بأن ذلك
محتمَل الحدوث، وكنت على حق. لقد شنقَت فيرا كلايثورن نفسها أمام عينيّ
حينما كنت أقف في ظل خزانة
ملابسها.
والآن أصل إلى المرحلة الأخيرة. تقدمتُ فأخذت الكرسي وأعدتُه إلى جانب الجدار،
ثم بحثت عن المسدّس فوجدته
عند أعلى الدرَج في المكان الذي سقط فيه من الفتاة، وحرصتُ على الإبقاء
على بصمات أصابعها عليه.
والآن سأنهي كتابة هذه الصفحات، سأطويها وأضعها في زجاجة محكمَه
الإغلاق وسأرمي الزجاجة في البحر.
ولكن لماذا؟ نعم، لماذا؟ لقد كنت أطمح إلى تأليف جريمة غامضة لا يستطيع أحد حلها،
لكني أدرك الآن أنه ما من
فنّان يكتفي بالفنّ وحده، بل يكون لديه شوق طبيعي إلى اعتراف الناس بفنّه،
وهذا الشوق لا يمكن مقاومته وأريد أن
أعترف – بكل تواضع – بأن لديّ رغبة إنسانية تدعو إلى الرثاء، وهي أنني أودّ فقط لو
يعرف شخص ما كم كنت ذكياً!
لقد افترضت – في كل هذا – أن قصة " جزيرة الجنود " الغامضة ستبقى بلا حل،
بالطبع قد يكون الشرطة أكثر
ذكاء مما أظن بسبب وجود دليلين على الأقل في نهاية الأمر: الأول أن الشرطة يعرفون جيّداً
أن إدوارد سيتون كان
مذنباً ، وتبعاً لذلك فهم يعرفون أن واحداً من العشرة في الجزيرة
لم يكُن قاتلاً بأيّ شكل من الأشكال ، ويترتب على
ذلك – بما قد يبدو تناقض اً- أن هذا الشخص يجب أن يكون هو القاتل منطقياً.
الدليل الثاني يكمن في المقطع السابع من الأنشودة، فموت آرمسترونغ
مرتبط بسمكة الرنجة الحمراء أو الطُعم الذي
ابتلعه، أو لعله الطعم الذي ابتلع آرمسترونغ. بعبارة أخرى فإن في ذلك المقطع
من الحكاية إشارة واضحة إلى
استخدام الحيلة وإلى أن آرمسترونغ انطلَت عليه الحيلة ممّا أدى إلى موته.
هذه النقطة قد تصلح بداية مبشّرة في
التحقيق لأنه لم يكُن في تلك المرحلة سوى أربعة أشخاص، ومن بين هؤلاء الأربعة أُعتبَر
أنا الشخص الوحيد المحتمَل أن يوحي له بالثقة ويجعله يطمئن إليه.
لم يبقَ لديّ الكثير ممَا يمكنني قوله.
بعد أن أرمي زجاجتي وبداخلها هذه الرسالة في البحر سأذهب إلى غرفتي
وأتمدّد على سريري. النظارات التي أرتديها مربوطة بما يبدو أنه حبل دقيق أسود اللون،
ولكنه حبل مطاطيّ قوي
في الواقع. سوف ألقي بثقل جسدي على النظارات، وسوف ألفّ الحبل المطاطي
حول مقبض الباب وأعود بطرفة
فأربطه بالمسدّس ربطة خفيفة. أظن أن ما سيحصل هو الآتي:
سألفّ يدي بمنديل وأضغط بها على الزناد. ستسقط
يدي إلى جانبي ، أما المسدّس المربوط بالحبل المطاطي فسوف يرتدّ إلى الباب
فيرتطم بمقبض الباب وينفكّ من
الحبل ويسقط على الأرض، ثم يتدلى الحبل الذي صار حراً من النظارات التي يستلقي فوقها جسدي،
ولن يهتم به
أحد. ولا أحسب أن المنديل الملقى على الأرض سيثير أية تساؤلات أيضاً.
سيتمّ العثور عليّ ممدَّداً بهيئة حسنة وقد اخترقَت رصاصة جبيني كما هو وارد
في مذكرات زملائي الضحايا،
وعندما تُفحَص جثثنا فلن يكون بالإمكان تحديد مواعيد الوَفَيات بأيّ قدر من الدقّة.
عندما يهدأ البحر سيصل من شاطئ البر قوارب ورجال،
وسيجدون عشر جثث ، وقضية دون حلّ في " جزيرة الجنود " .
التوقيع : لورانس وارغريف

-
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
  #24  
قديم 09-28-2015, 12:20 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:720px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/28_09_15144344947197321.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]-

السسلام عليككم ورحمة الله وبركاته

أخباركم ؟؟ ان شاء الله طيبين ،،
وأخيراً هذه الرواية انتهت بين أيديكم
آسفة اذا كان في خطأ أو كذا لإني كنت مستعجلة بقوّة
اتمنى اشوف ردود تفتح النّفس ،، عالأقل تكون شفاء لتعبي
لأني تعبت بشدة
لاتنسوني من دعواتكم دائما
وبحفظ الله ~
-
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]



التعديل الأخير تم بواسطة دُونـــآي ❝ ; 09-28-2015 الساعة 05:12 PM
  #25  
قديم 09-28-2015, 01:16 PM
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كاسيلي تشان أختيارك خارق
هذه من أروع روائع أغاثا كريستي
القصة بتاخذ لعمق آخر
الشخصيات جميلة وفيها اختلافات رائعة
يعني ما بتحسيها مستنسخة من بعض
لكل واحد منهم ذنب صغير او كبير مو مهم المهم اجتمعوا لملاقاة العدالة
أكثر الشخصيات الي حذبوا انتباهي
فيليب و بلور شخصياتهم جداً جميلة
الطريقة الي مات فيها بلور قاسية وأما فيليب فطريقة موته سببها الرئيسي غبائه
فيرا بكره هي البنت حقيرة بشكل كيف بتقتل طفل عموماً طريقة قتلها لنفسها ممتازة
هذا الرواية قرأتها بيوم ونص بأنجذاب تام كل فصل بقعد أحلل
عرفت أنه ورغريف مو ميت وأنه متفق مع الدكتور ارمستونغ بالفصول الأخيرة
ما كان عندي شك بفيليب ولا بلور لانهم همجيين اما فيرا وورغرايف هم محور الشك
دمت لنا اختي ودامت لنا اناملك المبدعة جد أخيارك خارق بكل معنى الكلمة
وهذا دليل على ذوقك الجميل
في امان الله
__________________

وما من كاتب إلا سيفنى ويبقى الدهر ماكتبت يداهـ فلا تكتب
بخطك غير سطراً يسرك في القيامة أن تراهـ


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
كن هادءاً كالماء، قوياً كالدب، شرس كالمستذئب

التعديل الأخير تم بواسطة darҚ MooЙ ; 09-29-2015 الساعة 12:47 PM
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سَنتألم قليلاً ثُمّ نْنسى | psd ᶫᵉᵉᶰᵃ ملحقات الفوتوشوب 6 07-05-2014 07:15 AM
أسباب تسلط الذل على المسلمين oays tamim نور الإسلام - 0 01-10-2009 03:53 PM


الساعة الآن 09:04 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011