عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > قصص قصيرة

قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة.

Like Tree36Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-27-2015, 02:41 AM
 
قصة جميلة | سايكو *مجموعة قصصية* ~ عمرو المنوفي .


احسنت النقل قصة جميلة جداً
Zizi


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


كيف حالكم يا قوم؟

بعد أن أنهيت نشر رواية "الجزار"

سأقوم اليوم إن شاء الله بنشر "مجموعة قصصية مُرعبة" بعنوان (سايكو)

تابعوني ~ .

التعديل الأخير تم بواسطة زيزي | Zizi ; 12-21-2015 الساعة 09:56 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-27-2015, 02:49 AM
 
إسم المجموعة : سايكو

إسم الكاتب : عمرو المنوفي

نوع المجموعة : رُعب نفسي ، حزينة ، درامية

من مؤلفات الكاتب : و بدأ الظلام (رواية) ، حديث الموتي (مجموعة قصصية) ، في مملكة الغيلان (رواية) ، الملعون (رواية) ، نصف حياة (رواية) ، الشفق الأسود (رواية) ، همسات (رواية) ، عزيف (رواية) ، u f o الإستدعاء الأخير (رواية) ، أيام الرماد (رواية)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-27-2015, 02:55 AM
 
مُقدمة .

في هذه المجموعة سنتحدث عن مُفردات جديدة من أدب الرعب ، سنتحدث عن الثلاجة ، الموقد ، الزهرة الصفراء ، القدح ، القط المُخيف ، و الخادم ، و الشيطان الذي يسكن بالوعة الصرف ، و قواعد الطريق و غيرها من القصص التي تنتمي لعالمنا المُخيف .
فهل أنت مُستعد لخوض تلك الرحلة الشنيعة معي؟!
هل أنت واثق من كونك ستظل طبيعياً بعد أن تقرأ هذه القصص؟
الخيار خيارك .
لا تقل أني لم أحذرك .
فالخوف ليس خياراً !
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-30-2015, 04:59 AM
 
Post 1 - الثلاجة ~

تقول الأسطورة :

-إن قمة الأدب أن تطرق باب الثلاجة قبل أن تفتحها ..

- وهو شئ جنوني كما أظن


***

إنه مرهق ..لا يري أمامه ..يتمني أن تنتهي درجات السلم الصاعدة ليصل إلي فراشه الوثير المريح; كي ينتهي ولو جزء صغير من معاناته اليومية المتجددة.

ملابسه تفوح بالعرق، و رائحة فمه كريهة ، لابد وأنه استهلك نصف طن من التبغ اليوم فقط .

يصعد درجات السلم في إعياء كطفل عاجز يحمل بداخل قلبه انكسارات كهل ، لم يستقل المصعد فهو يكره الصناديق المغلقة ، يدلف من باب الشقة المزخرف بقلب مثقل ونفس يائسة ،وكأنه علي وشك الدخول للجحيم .

يصدمه الظلام ..لابد وأنه نسي تبديل مصباح الصالة التالف ، إنه يذكر جيداً أنه اشتري البديل منذ يومين أو أكثر .

هل مضي يومان حقاً ؟.

قائمة كاملة من الأعمال غير المنتهية أو المحسومة تفاجئه ،ولكن لا فائدة لإنجاز أي شئ مهما كان حيويا في غيابها

رائحة الشقة خانقة و كأنها قبر ، ولكنها ليست أكثر ضيقاً من روحه ، ربما هي رائحة روحه التي اغتيلت بغيابها ، وتتعفن في عالم لا توجد فيه .

***

-حبيبي أنت لا تعرف بماذا ضحيت كي أكون معك ..لقد فضلتك علي العالم دون مبالغة .

-حبيبتي ..ستثبت لك الأيام أنه مهما كانت فداحة تضحياتك ، فهي قطرة معاناة في عالم كامل من السعادة .

-حبيبي لقد كانت رحلتي طويلة ، ولكني أظن أنني وصلت أخيراً لمرفأ الأمان .

-أحبكِ .

-أحبك .

***

يوم أخر ضاع هباءً .

ولا يبدو أن الأيام القادمة تبشر بانفراجة ..لا جديد ..لا أمل ..إنه لم يعثر لها علي أثر ، ولا يبدو أنه سيعثر عليه قريباً .

زوجته التي لم تفترق عنه سواء في العمل، أو المنزل،أو حتي في الأحلام .

اختفت تماماً ..تلاشت وكأنها ذابت في لجة العدم، و كأنها لم تكن في عالمه لحظة واحدة .

كل الصور التي تجمعهم معاً خلت من وجودها في سابقة لا مثيل لها .

ملابسها تبخرت من الدولاب بعطرها المميز، و ترتيبه الذي طالما أبهره.

لمساتها التي أضفت علي حياته معناً،ولوناً،وجمالاً لم تعد ظاهرة،وتحولت شقته لكوكب خرب بلا حياة .

شئ ما مخيف يعكر صفو حياته، و يحمل له رائحة تلك القصص الخيالية التي قرأها في صباه و لم يمل لها .

إنها ليست هنا ، و هو وحيد يجتر غيابها علقماً

[justify]
***
[/justify]


-حبيبي لقد أحرقت إصبعك ; ألم أنهك عن دخول المطبخ .

-حبيبتي إنه عيد زواجنا ، و كنت أتمني لو أفاجئك ولو بكوب نسكافيه من صنع يدي .

-لقد فاجئتني بما فيه الكفاية ..دع هذه الأمور لي ..صدقني أنت تحتاج لأم لا لزوجة .

-و من قال أنها بعيدة عني .. أنتِ أمي و أختي و زوجتي ..أنتي الحياة ذاتها .

-أحبك .

-أحبكِ .

***

ما يثير جنونه أنه لاشئ يمكن أن يختفي بمثل هذه الطريقة الغامضة ، فما بالكم بإنسانة كاملة تحتل بكيانها حيزاً لا بأس به من الوجود ، و بروحها تصنع عوالم مختلفة .

لا يمكن أن تكون "السي أي إيه" قد أختطفتها و نفذت عليها إحدي تجاربها ، فمحت عقله و منحته ذاكرة بديلة ، فجعلته يعشق سراباً ،ويحيا حياةً كاملةً من الوهم ..هل تكون المخلوقات الفضائية قد اختطفتها،أي عبث هذا الذي يفكر فيه ؟!.

إن عشقها لعلم الفلك والقصص الخيالية لا يمكن أن يعصف به ،ويؤثر عليه بهذا الشكل .

***

-حبيبي هل كنت سترتبط بي لو كنت مخلوقة من كوكب أخي .

-حتي ولو كنتي مخلوقة من شبرا .

-دعك من المزاح أن أتحدث بجدية .

-أقسم لكِ إنني لم أكن لأترككِ ;حتي لو كان لكِ أنياب ومخالب وقرون استشعار.. أنا من داخلي أعتقد أنكِ مخلوقة من عالم أخر ، لا يمكن أن يوجد مثل هذا الكمال علي كوكب الأرض .

-نعم أنا من هناك .

-أحبكِ .

-أحبك .

***

اصطدم بحافة المنضدة فتألم وأطلق آهة مكتومة ، فتلاشت من عقله تلك الأفكار غير المنطقية ، و لكن لم يتلاش الإرهاق مازال ينشب مخالبه في روحه .

لقد بحث عنها في كل مكان ..لم يترك حجراً فوق حجر في عالمه إلا وقلبه وبحث أسفله..ولكن ما النتيجة ..لاشئ .

لا أحد رآها أو سمع عنها ، و كأنه هو المجنون الوحيد في الكون الذي يؤمن بوجودها .

و كأنها بنات أفكاره ،أو هلاوسه .

عائلتها .

لا أحد يعرفهم أو سمع عنهم كما لو أنهم تلاشوا مثلها ، أو معها .

أصدقاؤهم المشتركون ..كان رد فعلهم عنيفاً، خاصةً عندما ثار علي بعضهم أكثر من مرة بعد إنكارهم معرفتها ،أو وجود أي ذكريات مشتركة بينهم، بل ووصل الأمر به أن تعدي علي أحدهم ، فنعتوه بالخبل وابتعدوا عنه .

صديقه الوحيد الحقيقي عرض عليه أن يذهب معه لدكتور نفسي شهير ، معللاً بأنه أصيب بالجنون من كثرة القراءة .

لقد أصابته تلك اللعنة التي أصابت د. مصطفي محمود ، و التي يتناقل سيرتها العامة عنه..لقد جن هو الأخر من كثرة العلم .

الجهل يطبق الآفاق .

القولبة مشكلة هذه الأمة ، فمن يطلق لحيته يدعونه شيخ ، ومن يحمل كتاباً دائماً، و يتحدث ببعض المصطلحات الغامضة يطلقون عليه عالماً .

في عالم العامة تسقط كل المقاييس العلمية و المنطقية و يبقي الإنطباع .

اللعنة علي الانطباع الذي سيصمه بالجنون أو الخبال .

و الغريب أن يأسه جعله بعد فترة يستسيغ الفكرة ويحاول هضمها، و لكنها للأسف ظلت في معدته لم تهزمها العصارة الحمضية بعد، كقطعة لحم غير ناضج .

إن معظم قراءاته تنحصر في الروايات الرومانسية ،وهي لا تحتوي علي علمٍ كافٍ ليصيبه بالجنون ، ربما زخم المشاعر هو المتهم الحقيقي هنا .

و لكنه منذ شهور لم يقرأ رواية رومانسية واحدة هزت روحه .

اللعنة علي كل النظريات لقد اختفت وكفي .

إنهم يحاولون إقناعه بالشئ الوحيد الذي يرفضه ، برغم كونه التفسير الوحيد و المنطقي للأمر ، وقد اجتمعت عليه أراء الجميع .

" الجنون "

اللعنة ..بعض الأمور غير المنطقية تكون هي الشئ الوحيد المنطقي ،وكأن عقولنا عندما تنهك، تسقط كل أعمدة المنطق، و تفتح الباب لكل ما هو غير ممكن .

هو نفسه تبني فرضية الجنون لفترة، فبرغم قسوته إلاأنه التفسير الوحيد القريب و المريح لما يحدث معه، و لكنه كلما تطلع للرسالة عاد عقله للهدير حتي كاد أن يجن بالفعل .

إنه يملك الدليل القاطع علي أنه لا يهذي .

رسالتها .

نعم رسالتها .. التي كتبتها علي إحدي أوراق البردي المزخرفة ببعض النقوش الفرعونية ، و التي تمنح الورقة قيمة مجهولة ، من تلك التي تعج بها المكتبات .

رسالتها التي لم تحتوي إلا علي كلمة واحدة .

الثلاجة .

المخيف في الأمر..أنها كتبتها بالدم .



تقول الأسطورة :

-إن قمة الألم ..أن تفتح باب الثلاجة ..ثم تخرج كوباً من الثلج ..وتجرب أن تلعق البخار الملتصق به ..

-أي أنها تجربة غير سارة صدقوني .


***

رمي جسده فوق الفراش غير المرتب ، ثم نزع حذاءه المترب ،وألقي به أسفل الفراش ، لتصدم أنفه رائحة الجوارب الكريهة، و التي لم يهتم بتبديلها طوال الثلاثة أيام السابقة .

لكنه لم يكن في حالة جيدة ليتذمر ،فرائحة الجوارب تعد من أقل مشاكله حالياً .

الثلاجة .. الثلاجة .. الثلاجة .

لقد فحص الثلاجة ألف مرة ..!
حتي أنه استعان بأحد الفنيين المتخصصين لتفكيكها جزءاً جزءاً ،ولاشئ .

الهيكل المعالج ، أنابيب الفريون .. الكومبروسور ..المكونات الأخري .

لا رسائل ..ولا أي شئ يرشده لخطوة تالية .

تحسس جيب قميصه ،ثم أخرج الرسالة التي تكرمشت، و تهرأت من كثرة ما تفحصها طوال الأيام الماضية .

و كالعادة .. لا يوجد بها غير كلمة واحدة .

الثلاجة .!!

لقد فحصها ألف مرة .

عيناه كلت وملت من الأمر دون جدوي

***

-حبيبي لماذا لا أشعر بوجودك هذه الأيام ..هل هناك شئ سئ حدث ؟.

-لا يا حبيبتي بعض الإرهاق في العمل .

-لماذا لا تترك هذا العمل ؟.

-ومن أين نأكل ؟.

-أنا أستطيع الامتناع عن الطعام لسنوات ، وأستطيع ان أدربك علي الأمر .

-هل ستعودين لأفكارك الخيالية ؟.

-ولكني لا أشعر بوجودك .

-ها أنا ذا بجوارك

-أحبك

-ماذا تقولين ؟!..

-لا شئ ..

***

فكر قليلاً و النوم يطرق أبواب عقله، ثم أنتفض في عنف عندما لمعت في عقله فكرة بسيطة و عبقرية ،وكاد يصفع نفسه من فرط مشاعره و هو يتسائل :

-كيف غابت عنه هذه الفكرة طوال الفترة الماضية؟, لماذا لم يستخدم عدسة مكبرة في فحص الرسالة من قبل ؟.

هويعرف أنه يمتلك واحدة، و يعرف أيضا أن العثور عليها الأن درباً من المستحيل.

الحقيقة الثابتة الأن أن حياته انقلبت رأساً علي عقب بعد رحليها.

في وجودها كان من المعجزات أن يعثر علي فردتي جورب متشابهتين، بالرغم من كون زوجته قد طوتهم علي هيئة كرات شبه متجانسة، ووضعتهم في درج الدولاب السفلي.فكيف له الأن بالعثور علي مثل هذه العدسة الأن؟.

مروة كانت تعرف مكان كل ذرة تراب في المنزل .

أين هي الأن ؟!.

نفض عن نفسه غبار الكسل ، ثم توجه نحو المطبخ و أشعل الموقد ووضع إناءً نظيفاً، و قرر أن يصنع كمية هائلة من القهوة لتساعده علي طرد النعاس ، وأشعل لفافة التبغ الأخيرة.

اللعنة ..

كيف نسي أن يشتري علبة تبغ أخري ؟ ،إنها معاناة جديدة تضاف لما يمر به .

جثة الثلاجة ممدة أمامه ، بأجزائها المفككة ، و سرها الغامض .

الدخان يتصاعد أمام عينيه من اللفافة المحترقة، علي ضوء مصباح الممر الخافت.

مصباح المطبخ أيضاً تالف..

ألف لعنة !!..

كل شئ في حياته يتداعي و ينهار..إنها نهايته دون شك .

فلو رأي ملك الموت يقتر منه ،وفي يده منجله حاصد الأرواح لما تفاجأ لحظة واحدة ،كل شئ يدعوه للقنوط و اليأس ، و لكنه لم ييأس بعد .

نظر إلي الحوض الرخامي ،وكاد أن يفرغ مافي جوفه، لقد أهمل تماماً تنظيف صحاف الطعام ،حتي أن العفن قد غزا كل شئ ، و الخبز الذي غزاه الزغب الأخضر خير مثال .. هذا غير الرائحة القاتلة .

انتهت لفافة التبغ الاخيرة ، ومعها كل أمل له في مزيد من النيكوتين المقدس .

أطفأ الناء علي إناء القهوة العملاق ، وعاد يتطلع لأجزاء الثلاجة المفتتة في الضوء الخافت ، و الذي اتخذ كل منهم هيئة مرعبة وفكر في غيظ: لماذا يصر المحتضرون والهاربون علي ترك رسائل غامضة خلفهم ؟!.لماذا يصرون علي إشعال حيرتنا ؟!..

جرع من الإناء جرعة كبيرة أصابته بمرارة كبيرة ، وفجرت الأفكاء المجنونة في رأسه .

هل التهمتها الثلاجة ؟!..

و لكن كيف عرفت أن الثلاجة مصدر تهديد ..؟!

ما هي المقدمات التي تجعل جهاز أصم كهذا لا يكف عن الهدير ليل نهار يصبح مصدر تهديد !.

هل كانت تثلج أكثر من المعتاد ؟!. هل كانت تفسد طعامها ؟!. لقد قرأ ذات مرة قصة عن ثلاجة مماثلة ، وضحك كثيرة من تفاهة الفكرة .

ثلاجة تلتهم البشر..

أي سخف هذا ؟!.



تقول الأسطورة :

-قمة الرعب أن تطرق باب الثلاجة فيرد عليك أحد من الداخل .

-الجنون هو أن تتمني حدوث ذلك بلا شك .


***

خرج من المطبخ وهو يجرع جرعات إضافية من القهوة، التي تغير طعمها من جراء إهماله ، وترك مغلفها معرضاً للهواء .

ليست أول شئ يفسد في حياته ولن يكون الأخير .

الحياة بدون مروة بروفة متجددة للجحيم .

هناك رجال لا يستطيعون العيش بدون أنثي ، وربما خلقت الأنثي قي الأساس من أجلهم ،وهو أحدهم .

إنه صفر كبير في كل ما يتعلق بالأعمال المنزلية والحياتية..إنه يغرق في شبر ماء-كما يقولون- .

ولو كنا في عصر الحيوانات المتوحشة ، لما كلف نفسه عناء البحث عن طعام، أو مأوي ،وربما استسلم لأول حيوان ذا نابٍ حادٍ ليخلصه من حياته المستحيلة من دون أنثي .

خرج إلي الشرفة بعد أن شعر بأن روحه تضيق .

مظر للقمر المبتسم ولشلالات السيارات المتدفقة في نهر الطريق ،وشعر بغيظ شديد، فبرغم معاناته وما يمر به ، فالحياة تمضي وكأنها لا تعبأ بوجوده او معاناته .

أزاح جريدة قديمة من فوق المقعد، فانعكس ضوء القمر الفضي علي سطح العدسة الزجاجي فقبض عليها، وهو يشعر بالامتنان لضعف بصره ولإهماله .

نظر للجريدة بعين زائغة، ثم نحاها جانباً و قبض علي العدسة، وهو يشعل مصباح الشرفة .

الضوء الأصفر المطمئن ينتشر ليضئ الشرفة و جزء من حجرة نومه، المجد كل المجد للمصابيح التي لا تتلف عندما تحتاجها .

أخرج الرسالة وعلي الضوء الأصفر أخذ يتفحصها بالعدسة المكبرة .

لا يعرف لماذا هو علي يقين من أنها تحوي سراً آخر خفياً بين طياتها؟ .

هناك بعض الشفافية تصيب من يقع في كارثة مماثلة .

إنه يقترب وبشدة من حدود ذلك العالم الغامض الذي ينكشف بالاقتراب منه كل الأسرار .

*** (***)

-حبيبي إنك مختلف هذه الأيام و تتأخر كثيراً ..ماذا يحدث في الحقيقة؟

-لا شئ يا حبيبتي ..إنها طبيعة العمل ؟

-ولكنه لم يكن يتطلب كل هذا الغياب .

-الأشياء تتغير يا حبيبتي ؟

-نعم كل شئ يتغير .. كيف لم أنتبه لذلك من قبل .

***

ساعة كاملة قضاها في تفحص الرسالة .. لا توجد كلمات بخطوط دقيقة أو كامنة ..فقط تلك الرموز المنقوشة بطريقة أظهرها التكبير علي أنها يدوية وليست مطبوعة .

لا شئ غريب .

لا شئ مريب .

فقط كلمة الثلاجة و النقوش الفرعونية المطبوعة علي الورق البردي الرخيص .

هل قلت المطبوعة .

إن النقوش مكتوبة يدوياً ، واضح جداً أن هناك لبس ما .

إذاً الرسالة لم تكن تعني كلمة الثلاجة ذاتها .. بل هي العبارات المنقوشة .

جري بلهفة صوب غرفة النوم، وفتح الكمبيوتر الشخصي و شبك به وصلة الهاتف .

لحظات من التوتر و كل مشكلات وهموم "الويندوز" تتمثل أمام عينيه .."الويندوز" يتلف في أشد لحظات حياتك سوءاً .. هذه هي طبيعة الأشياء .

الرابعة فجراً هل يوجد مقهي"إنترنت" مفتوح حتي هذه الساعة؟!.

نغمة "الويندوز" المملة تبدو له كطوق نجاة .

لحظات أخري من انتظار استقرار النظام .. الجهاز يعج بالفيروسات ;لأن أنظمة الحماية المجانية تفشل دائماً .

"جوجل" الصديق الوفي .

لن يبحث عن قلم الأن; لانها رحلة سيزيفية بلا جدوي .

فتح ملف ورد وأخذ يكتب المرادفات باللغة العربية ..

الكلمات تتكون أمام عينيه .

(الثلاجة هي بداية كل شئ ..الحل يكمن في هديرها المنتظم) .

نظر للكلمات بعيون غائرة غير مستوعبة ..ثم أعاد قراءتها ..وأمام عينيه تمثلت جثة الثلاجة المفككة .. ثم ردد في سره :

- يا إلهي هل تعود هذه الخردة للحياة مرة أخري ؟.

راجع الكلمات عدة مرات, وعندما أيقن من أنها لا تحمل معناً أخر .. ترك كل شئ و توجه صوب المطبخ .

الضوء شحيح بداخل المطبخ .. قشعريرة مفاجئة تجتاح عموده الفقري .. هذه الإضاءة المنخفضة لن تساعده علي إتمام مسعاه ..خرج كالملسوع من المطبخ..دار داخل غرف المنزل حتي استطاع إنقاذ أحد تلك المصابيح التي مازالت تنبض بالحياة ، ثم قام بتركيبها في المطبخ بعد أن وضع مقعدين فوق بعضهم البعض وكاد أن يطيح من فوقهم ليدق عنقه .

رائحة العفن المخدرة تداعب أنفه وتثير ضيقه .. قلل حدتها بجعل الماء ينهمر فوق الأنية المتسخة .

أحضر من فوق الدولاب العدة المنزلية ،ثم حان الوقت ليقوم بمهمته الكبري .

إعادة الحياة إلي الثلاجة برغم أن كل خبرته تتلخص في مشاهدته لذلك الفني يقوم بتفكيكها ..ذلك الفني الذي كان يعمل بغلظة ولم يكن رءوفاً بها .

***

-حبيبتي لماذا لا ترتدين ملابس ثقيلة إن الطقس شديد البرودة ؟.

-حبيبي .. إن البرد جزء من تكويني ..البرودة تشعرني بأمل متجدد .

-ألهذا تستحمين في ماء مثلج ؟

-نعم إنه يحافظ علي البشرة و الحيوية .

-ولكنه وضع غير طبيعي .

-ومن قال أن الحياة ذاتها شئ طبيعي

-غريبة الأطوار .

-ماذا قلت ؟.

-لا شئ أحدث نفسي .

***

افترش الارض و الكلمات التي قرأها تتردد في ذهنه :

(السر يكمن في هديرها المنتظم) .

كان يشعر بحيرة ..من أين يبدأ ؟ ،لا خبرة لديه في مثل هذه الأمور الفنية .

(السر يكمن في هديرها المنتظم) .

لا حل أخر إذاً .

لابد أن يعيد لها الحياة .

بدأ بأول جزء وهو الهيكل المعالج ضد الصداأ، فبدأ يضيف له الأدراج ، و الأرفف، ويعيد تركيب المصباح الصغير الداخلي ثم سمع الهمس .

نظر حوله برعب فلم يجد شئ ..

قام بتركيب "الكمبورسور" ، فخيل إليه أنه سمع صوت شهقة ، و كأنه صوت غريق يعود لوعيه بعد قبلة الحياة .

كان يركب الأجزاء بغير حرفية ، ولكنها كانت تطيعه في النهاية ..

و بعد ثلاثة ساعات نظر لنتيجة عمله .

كارثة !!.

إنه لم يُعِد الثلاجة إلي الحياة ..بل صنع منها مسخاً مشوهاً .

و عندما أغلق بابها الذي لا يبدو أنه سينغلق براحة, سمع صوت تنفس عميق ، ورأي ضوءاً خاطفاً يمر عبر جسد الثلاجة، وفي لحظة واحدة عادت و كأنها أفضل من يوم شرائها .

ثم ساد صمت عميق مقبض .

نظر نحو الثلاجة برعب ..إن ما يحدث غير منطقي أبداً ..الأمر خارج الحدود الطبيعية .

البردية غير مخطئة و الرسالة كانت تعني الثلاجة بالفعل .

و لكن ما هي الخطوة التالية .

(السر يكمن في هديرها المنتظم)

كاد رأسه أن ينفجر ..إنه في حاجة لجرعة من النيكوتين ..في حاجة للفافة تبغ جديدة .

بحث في كل مكان حتي عثر علي سيجارة جافة، أشعلها وصدره يختنق بدخانها المكتوم.

سعل عدة مرات والعبارة تلح علي عقله .

(السر يكمن في هديرها المنتظم)

ومع أخر أنفاس اللفافة المحتضرة جاءت له الفكرة .

الكهرباء .

وفي نفس اللحظة سمع الدقة المكتومة .

قبض علي الفيش ، ثم قربه من القابس وقلبه ينبض في عنف ، فاللحظة التالية مخيفة .

الصمت يسود كل شئ، وكأن كل أنفاس من علي الكوكب قد احتبست في انتظار اللحظة الحاسمة

-كراررراك ..وررررركراك.

لقد عاد الهدير .

الكهرباء هي التي أعادت مسخ "فرانكنشاتين" للحياة، وهي التي أعادت الثلاجة للحياة .

الهدير المنتظم يبدو كطنين لأسراب هائلة من الذباب .

الهدير يبدو كنداء غامض ..

الثلاجة تناديه .

تطلب منه الأقتراب .

إنه خائف، ولكنه يقترب بخطوات مترددة .

تقبض يده المرتجفة علي مقبض الباب البارد، فيشعر به يموج بالحياة .

يتردد للحظة ،ثم يجذبه ببطء .

الباب يفتح في هدوء، وخلفه تظهر الدوامة .

دوامة سوداء يظهر فيها وجه زوجته كظل شبحي مخيف .

جزء من الوامة ينفصل .. يتحول لذراعين مخلبيتين يرغبان في جذبه .

يحاول أن يهرب ،ولكن القبضة الباردة تقبض علي جسده،تجذبه نحو الثلاجة .

يصرخ.

يحاول التملص .

القبضة الباردة تؤلمه ولكنه لم يستسلم .

الهدير يتصاعد .

يتحول لفحيح مخيف .

الدوامة تجذبه .

البرودة تتصاعد .

لا يشعر بجسده ، أطرافه تغتالها برودة شديدة ، هل يفقد الوعي ؟!..

الظلام يطغي علي كل شئ من حوله ، وأحباله الصوتيه ترفض أن تمنحه صرخة أخيرة .

يغيب عن الوعي .

وفي اللحظة التالية، يعود الهدير المنتظم .

ويعود المطبخ خالياً ، لاحياة فيه .

***

عندما عاد له الوعي شعر بأطرافه تتجمد ..نظر حوله فرأي الثلوج في كل مكان، وعلي بعد خطوات لمح جثة زوجته..لم تكن تلك الشابة التي أحبها، وهام بها عشقاً في السابق، بل كانت عجوز كئيبة السحنة بيضاء الشعر متغضنة الملامح، لايوجد علي وجهها أي ملامح للحياة

اقترب من الجثة في خوف ..

نظر نحوها في وجل ..

لمسها ..

وفور أن لمسها، شعر بصاعقة باردة تجتاح جسده ، وشعر بوخز شديد، وأحس بان الحياة تسحب منه في بطء .

نظر للجثة فوجدها تنتصب جالسة في مشهد يليق بأفلام الموتي الأحياء .

نظر ليديها القابضة علي يديه ..

ثم صرخ .

إن شبابه يذوي ..ويبو كأنه ينتقل إلي العجوز .

شعر بأنه مشاعره نفسها تتجمد .

ثم تركته القبضة ..

وأمام عينيه التي ضعفت حدتها أكثر، وجد زوجته "مروة" بشبابها و حيويتها تقف أمامه عارية كقمر منير، وكأنها لا تشعر ببرودة الثلج من حولها .

حاول أن يتحدث فخانه لسانه ..

اقتربت منه ..فشعر بخوف مفاجئ ..وزلزلت البرودة خلاياه .

وقبل أن يفقد الوعي أو ما هو أكثر، سمع صوتها الناعم يقول بحزن حقيقي :

(سامحني يا حبيبي إنها الطريقة الوحيدة لأعود مجدداً للحياة)

ثم سمع الهدير المنتظم ، وأظلم كل شئ .

***

وفي الشقة الخالية ، ارتفع صوت هدير الثلاجة المنتظم ،ثم وبهدوء فتح الباب و غادرته "مروة" بخطوات هادئة ، وكأنها تغادر عرشها..في نفس اللحظة التي ارتفع فيها صوت جرس الباب .

ارتدت "مروة" روباً منزلياً فوق جسدها العاري..وتوجهت صوب الباب وفتحته وهي ترسم فوق شفتيها بسمةً واسعةً .

و في اللحظة التالية دلف شاب وسيم إلي داخل المنزل ،وضمها بقوة فبادلته المشاعر.. وعندما إبتعد سألها :

-لقد جئت في الموعد ..فمتي نتزوج ؟.

ابتسمت في قوة وسطع وجهها وهي تقول :

-قريباً..قريباً جداً .

وفي المطبخ دوي هدير الثلاجة المنتظم ..وكأنه صوت وحش كاسر يستعد لالتهام ضحيته .


تقول الاسطورة :

-قمة الضياع ..أن تتحول إلي ثلاجة .


وداعاً .

التعديل الأخير تم بواسطة √Unravel ; 08-30-2015 الساعة 03:57 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-30-2015, 04:47 PM
 
Talking


نورتي القسم بردك الرائع
Zizi

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أه أه منك يا بنت وين بتوديني بذوقك إبداااااع و ربي إبدااااااع الكاتب مبدع و فظييع ربااااااااااه
ذالك الجماال لم تكن القصة مرعبة جدا كنت شيققةة لأل مرة يجدي تفوق فضولي على خوفي
فها أنا ذا أقرء ذالك الإبداع
" ثلاجة " لم أفكر يوما في أن يمكن لأحدهم إستغلال قطعة حديدة مشكلة كمصدر رعب
أو أحد الأبواب لعالم آخر رغم أنني لم أفهم كليا فكرة القصةة إلى أنني أشيد بروعتها و سحرها
و مخيلة الكاتب الواسعةة ربما أعجبتني أكثر من الجزار و خاصة أنك كتبتها بدا الأمر أكثر جمالا
تلك الــ مروة شعرت بشيء مريب بها منذ بداية الأمر و قد صح توقعي كائن فضائي ربما
أنا متعظشة للمزيد من هذا الإبدااع لا أستطيع الإنتظار حتى البقيةة
هدير الثلاجةة لحظةة لحظةة حتى ثلاجتنا تطلع هديير رباااه خلاص مافي روحة على المطبخ بالليل
تم اللايك + التقييم
الأولى > نيهاهاهاها
في أمان الله

__________________


From ĎĨ₫ϊ.Ǿ
﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضحَكَ وَأَبكى﴾

التعديل الأخير تم بواسطة زيزي | Zizi ; 12-21-2015 الساعة 10:26 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مدونة قصصية في تطوير الذات نسمة قلب علم النفس 53 12-16-2013 02:02 PM
ابيجراما شاعرية و قصصية احمد عبد الحميد عبد الجوا قصص قصيرة 2 08-16-2013 05:35 AM
مجموعة قصصية قصيرة ..قلوب صغيرة وكبيرة رقم 2 الهام بدوي قصص قصيرة 1 08-25-2012 10:22 AM
مجموعة قصصية قصيرة ..قلوب صغيرة وكبيرة ..1:صمت القبور الهام بدوي قصص قصيرة 2 09-19-2011 03:10 PM
مجموعة رائعة من الكتب للدكتور عمرو خالد نور الدين زنكي تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل 1 12-02-2010 11:47 PM


الساعة الآن 03:47 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011