04-12-2014, 01:08 AM
|
| |
| حكاية الأمير ماجد
حكاية الأمير ماجد
كان يعيش بإحدى المدن عامل طيب اسمه " ماجد" وكان مقتصدا ومدبرا لا ينفق مليما إلا بحساب وقد وفر من أجرته مقدارا من المال يصلح أن يكون رأس مال لتجارة رابحة . فقرر أن يشتغل بالتجارة وأن يسافر الى بلد مجاور للعمل به. كان لماجد زميلان في العمل مبذران لا يدخران من أجرتهما لا مليما ولا دينارا فلما علما بنية ماجد على الرحيل طمعا في أمواله وقالا له: إننا نريد أن نصحبك في سفرك لنبحث عن عمل آخر في بلد آخر . سافر الأصدقاء الثلاثة قاصدين بلدا بعيدا ولمّا ابتعدوا عن مدينتهم وثب العاملان على ماجد فأوسعاه ضربا فآرتما على الأرض ضعيف الحركة فاقد البصر وقد سلباه ما كان يحمل من مال ثم ربطاه في جذع شجرة وتركاه ومضيا ... فلما أقبل الليل سمع ماجد حفيف أجنحة رأسه فأرهف أذنيه فإذا حمامات ثلاث واقفات على غصن الشجرة واحدهن تقول لأختيها ماذا عندكما اليوم من أخبار العالم ؟ قالت حمامة ثانية : آه يا أختاه لو أن أحدا من الناس كان يعرف ما عندي من أخبار !... إنّ ابنة الملك السلطان مريضة وقد اشتد بها المرض وقد وعد أبوها أن يزوجها للرجل الذي يتمكن من علاجها ولا دواء لها إلاّ هذه الأزهار البنفسجية التي بالقرب من هذه الشجرة فلو أن أحدا قطف البعض منها ثم جففها وصنع منها مسحوقا قدّمه للأميرة لكان دواء شافيا لها!...
قالت الحمامة الثالثة : فإني أعرف خبرا آخر هاما حيث سيسقط الليلة ندى كثير على أعشاب الغابة لو مسّه أعمى بيديه ثم غسل به عينيه لعاد إليه بصره !.... قالت الحمامة الأولى : فإني أعرف خبرا آخر أهم من هذا وذاك لأن فيه إنقاذ مدينة كاملة من الهلاك عطشا إذ ستجف آبار المدينة ولا وسيلة لإنقاذ المدينة من هذه الكارثة الاّ باقتلاع الصخرة الكبيرة البارزة في ساحة السوق فاءن تحتها ينبوعا لا ينضب من الماء العذب . لم تكد الحمامات تنتهي من حديثهن حتى طرن عن الشجرة وكان ماجد يستمع إليهن باهتمام فلما صرن بعيدا عنه شرع في محاولة فك قيوده ولمّا حرر نفسه أخذ يتحسس أعشاب الأرض بيديه ثم بلل عينيه ومسحهما بالندى فأرتد إليه بصره وأخذ ينظر مليّا حتى لمح الأزهار البنفسجية فقطف منها باقة وعاد أدراجه الى منزله . بعد أيام أعد ماجد دواءه من مسحوق الأزهار وقصد قصر السلطان واستأذن في الدخول عليه لمعالجة الأميرة ، وأذن له بالدخول ونفعت وصفة الأميرة فشفيت من مرضها ، ولكن السلطان لم تعجبه هيئة ماجد لأنه كان فقيرا وثيابه رثة وأراد أن يتخلص من وعده فقال له : لقد شفيت الأميرة على يديك ولكن قبل زواجك منها لابد من تحقيق شرط آخر وهذا الشرط يتمثل في أن تجد وسيلة تمكن أهل المدينة من وجود الماء الصالح للشراب ، تذكر ماجد حديث الحمامات وقال للسلطان : يا مولاي أتعهد بالوفاء بهذا الشرط ... ثم قصد ساحة السوق حيث كانت صخرة بارزة أخذ يحطمها حتى لم يبق منها إلا جزء صغير أخذ في اقتلاعه من موضعه فانبثقت من تحته عين ماء عذب يكفي كل المدينة .
ثم تزوج ماجد من الأميرة وأصبح يسمى الأمير ماجد وعاش في سعادة وهناء ومرّ عام... وذات يوم بينما كان الأمير ماجد يتفقد بعض مزارعه إذ رأى زميليه القديمين يعملان في بعض الحقول وعرفهما كما عرفاه ولكنه كان حسن الأخلاق فعفا عنهما واستدعاهما الى قصره . جلس الأمير ماجد مع ضيفيه يسترجعون ذكريات الماضي وقصّ الأمير عليهما قصته مع طيور الغابة التي كانت سببا في نجاته وزواجه من الأميرة فاستعجب الرجلان لحديثه ثم ودعاه وانصرفا وهما يفكران في الغابة والحمامات . قرر الرجلان أن يذهبا الى الغابة لإستراق السمع وقد اشتد بهما الطمع ، ولما أظلم الليل قصدا الغابة واختبآ الى جانب الشجرة وما هي إلا لحظات حتى حضرت الحمامات وقالت إحداهن لا بد أن أحدا استمع الى حديثنا في العام الماضي حين التقينا آخر مرة في هذا المكان فقد شفيت الأميرة من مرضها وارتد الى الأعمى بصره وانبثقت عين الماء في ساحة المدينة !. وقالت الحمامة الثانية إني أخشى أن يكون أحد الناس قد عرف موعد اجتماعنا فاختبأ قريبا منا ليعرف ما نتحدث به... قالت الحمامة الثالثة : أني أرى أن نفتش المكان قبل أن نبدأ حديثنا فاءن ما نعرف من أخبار العالم يجب أن يبقى سرا مكتوما عن الناس جميعا وإلا أفسدوا في الأرض ! طارت الحمامات الثلاث يبحثن حول الشجرة فلم يلبثن أن رأين الرجلين فأنقضضن عليهما يضربنهما بأجنحتهن وينقرنهما بمناقيرهن ولم تتركهما إلا أعميين أطرشين لا يريان ولا يسمعان .
الهادي البرجي- مجلة عرفان العددان- 298-299- جويلية /أوت- 1992
|
المواضيع المتشابهه 
العرض العادي
