بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الانصاف بين اهل السنة والجماعة

قد انتشرت ولله الحمد في الآونة الأخيرة الصحوة الإسلامية بين الشباب وظهرت كثير من الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة وهذه بشرى خير لكن للأسف الشديد لم تلتزم هذه الجماعات مبدأ الإنصاف مع بعضها فنجد أن هذه الجماعة خرجت الأخرى وأخرجتها من إطار أهل السنة والجماعة فوقع الاختلاف والتهاجر بين المسلمين ولا حول لا قو إلا بالله العلى العظيم فكان لزاما أن نعرف المنهج الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في التعامل وحل الخلافات وما هو كلام العلماء المتقدمين والمتأخرين في مثل هذه…
خطبة بعنوان : الإنصاف
العناصر:
1- تعريف الإنصاف 2- الآيات القرآنية 3- نقل كلام المتقدمين من أهل العلم 4- الموقف الشرعي من كتب أهل البدع. 5- صور من ثناء العلماء المعاصرين على بعض الواقعين في بعض المخالفات 6- نموذج من إنصاف العلماء المعاصرين للجماعات الإسلامية.
أما بعد:
عباد الله:
فقد انتشرت ولله الحمد في الآونة الأخيرة الصحوة الإسلامية بين الشباب وظهرت كثير من الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة وهذه بشرى خير لكن للأسف الشديد لم تلتزم هذه الجماعات مبدأ الإنصاف مع بعضها فنجد أن هذه الجماعة خرجت الأخرى وأخرجتها من إطار أهل السنة والجماعة فوقع الاختلاف والتهاجر بين المسلمين ولا حول لا قو إلا بالله العلى العظيم فكان لزاما أن نعرف المنهج الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في التعامل وحل الخلافات وما هو كلام العلماء المتقدمين والمتأخرين في مثل هذه.
ولنأتي الآن إلى تعريف الإنصاف لغة واصطلاحا.
فالإنصاف لغة :
مصدر قولهم أنصف ينصف, وهو مأخوذ من مادة ” ن ص ف ” التي تدل على معنيين : أحدهما : شطر الشيء , والأخر : على جنس من الخدمة والاستعمال , فالأول : نصف الشيء ونصيفه شطره , وفي الحديث : ” ((ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه))[1]
ومن ذلك الإنصاف في المعاملة وكأنه الرضا بالنصف والنصف: الإنصاف أيضا
و اصطلاحا: قال المناوى: الإنصاف : هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا ما يعطيه ولا ينيله من المضار إلا كما ينيله، وأضاف الراغب إلى ذلك : الإنصاف في الخدمة وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النفع . و يؤخذ من كلام اللغويين والمفسرين وشراح الحديث أنه يمكن تعريف الإنصاف أيضا : أن تعطي غيرك من الحق مثل الذي تحب أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون بالأقوال والأفعال في الرضا والغضب مع من نحب ومع من تكره.
يقول الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) سورة المائدة آية(8).
وقال ابن جرير رحمه الله ( يعني بذلك جل ثناؤه يا أيها الذين أمنوا بالله ورسوله محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجازوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم ولا تقتصروا فيما حدت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدودي واعملوا فيه بأمري)).
و أما قوله ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا)) فإنه يقول: ((لا يحملنكم عداوة قوم أن لا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم من العداوة))
وقال الإمام الذهبي في ترجمة الفضيل بن عياض في السير( وإنما الكلام في العلماء مفتقرة إلى وزن بالعدل والورع )).
قال ابن تيمية- رحمه الله في منهاج السنة (والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع. فإن تكلم الشخص بغير علم فقد خالف الكتاب و السنة وطريقة السلف )).
قال الله تعالى : ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)) سورة الإسراء (36).
وإن تكلم بغير عدل وإنصاف بحيث كان ظالما جائرا فقد خالف قوله تعالى: ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى))
ونتج عن ذلك الشحناء والبغضاء واختلاف القلوب وتمزق الصفوف فيؤدي هذا إلى الفشل المحقق))
وإليك أخي المسلم كلام أهل العلم من المتقدمين في الترحم على أهل البدع.
1-من مات كافرا.
2-من مات عاصيا أو مبتدعا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى (7/217) ((إذا ترك الإمام أو أهل العلم والدين الصلاة على بعض المتظاهرين ببدعة أو فجور زجرا عنها لم يكن ذلك محرما للصلاة عليه والاستغفار له بل قال الني عليه الصلاة والسلام فيمن كان يمتنع عن الصلاة عليه وهو الغال وقاتل نفسه والمدين الذي لا وفاء له صلوا على صاحبكم )).
أن الموقف الشرعي من كتب أهل البدع أومن رمي ببدعة ملخصة في الآتي :
1- الكتب المؤلفة نصرة للبدعة وترويجا لها لا يجوز اقتناؤها .
2- يجوز شراؤها واقتناؤها للرد عليها.
3- كتب التاريخ والتفسير والسيرة التي ألفها من رمي ببدعة ينظر فيها:
أ‌- أن كان الغالب عليها الخير والصواب ومنها كتب أبي حنيفة والنووي وابن الجوزي وابن حزم فيجوز اقتناؤها وقراءتها.
ب‌- كتب مؤلفة في فروع الدين كالتفسير ببعض من رمي ببدعة ويغلب عليها الخير ولكن نسبة الدس فيها كثيرة وروج أصحابها بدعتهم فلا ينبغي للمبتدئ قراءتها.
يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (12/361) ((وتفسير بن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهة لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل عن تفسير محمد بن جرير الطبري وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا ثم أنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحاكيه بحال ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصلهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم وإن كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه ويعرف أن هذه من جملة التفسير على المذهب )).
وهذه صورة من ثناء العلماء المعاصرين على بعض الواقعين في بعض المخالفات.
الألباني رحمه الله يقول في المودودي ( العلامة المودودي حفظه الله )) أنظر الحديث حجة بنفسه 5.
ويقول: ((الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله )) انظر مختصر العلو 0
العلامة محمد خليل هراس قال: ((الإمام محمد عبده رحمه الله)) أنظر التوحيد 2.
وإليك صور أخرى من إنصاف العلماء المعاصرين للجماعات الإسلامية .
الألباني رحمه الله نحن ماضون لا نعادي طائفة أو جماعة من الجماعات الإسلامية إطلاقا لأن كل جماعة كما صرحت آنفا تكمل النقص الذي يوجد عند الأخرى) فتاوى وكلمات 60
وقال : (( هؤلاء جماعات أعتقد أن وجودهم ضروري لأن جماعة واحدة منهم لا تستطيع أن يقوم بكل واجب يفرضه الإسلام على الجماعة الإسلامية وإنما هذه الجماعات يجب أن يقوم كل منها بواجبها)) فتاوى وكلمات 59.
الشيخ بن عثيمين رحمه الله سئل عن جماعة التبليغ فقال (( فالذي أرى أنهم بلا شك عندهم صلاح وفيهم نفع وخير كثير ولكن عندهم جهل كثير يحتاجون إلى طلبة العلم الذين يبينون لهم كما أني أنتقد عليهم أن بعضهم إذا دخلت في مناقشة للعلم تجد منه أنه لا يرتاح لذلك ولا يحب المناقشة أو التعمق في العلم وهذا بلا شك خطأ لأن الواجب على الإنسان لا سيما الشباب أن يكون حريصا على العلم وعلى البحث فيه ولكن بهدوء وطلب للحق لا يجادل بشدة وعنف كما يوجد في بعض الناس .
كما قال أيضا: أحب أن تكون هذه الجماعة على صلة بإخوانهم الآخرين وأن يجتمعوا على كلمة واحدة هذا يتعلم من هذا العلوم الشرعية وهذا يتعلم من هذا الأخلاق والآداب والسماحة والله أعلم )) دروس الحرم /2297.
العلامة بن باز رحمه لله
يقول : موصيا بالتعاون بين الجماعات : ((الواجب على أهل العلم هو التعاون معهم على البر والتقوى وإصلاح ما قد يغلطون فيه وهكذا غيرهم مثل جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان والهندوس وغيرهم كلهم عندهم نقص والواجب التعاون على ما ينفع المسلمين هذا هو الذي نعتقده في هذا كله في جميع الجماعات ما كان عندها من خطأ نبهت عليه وبين لها خطأها وما كان من صواب شكرت عليه وشجعت على التزامه ونشره بين الناس حتى تستقيم الدعوة إلى الله في جميع الجماعات والإسلامية)) فتاوى وكلمات 2
وقال: (( إذا أخطأت جماعة في أمر من أمور الدين مما يتعلق بالعقيدة أو واجب لله أو حرام نبهوا بالأدلة الشرعية وبالرفق والحكمة والأسلوب الحسن هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتناصحوا فيما بينهم وأن لا يتخاذلوا فيطمع فيهم عدوهم )).
نسأل الله عز وجل أن يجمع كلمة المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم.

[1] – البخاري

3/1343
د . عقيل المقطري