عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-12-2007, 07:05 AM
 
Lightbulb أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

[FRAME="11 10"]


أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

لسلامة القلب عظيم الأثر في سعادة المرء في الدنيا والآخرة؛ فلا يكاد العبد ينتفع بشيء في دنياه وأخراه أعظم من انتفاعه بسلامة قلبه، سلامته من الشرك والنفاق والرياء والكبر والعجب وسائر الأمراض التي تعتريه، ولا أعني: أمراض البدن التي منها أمراض القلوب، وإنما أعني: تلكم الأمراض التي تعتري القلب مما يتعلق بدينه؛ فهي أعظم الأمراض فتكًا على الإطلاق وأشدها تدميرًا وأسوأها أثرًا؛ بل وليست هناك مقارنة على الإطلاق بين مرضٍ بدني يعتري القلب ويحتاج إلى بعض الأدوية والمُسكِّنات، وبين مرض يجرح دينه ويُذهب تقواه.
.

فالأخير يجلب على العبد نكدًا وهمًا وغمًّا وعذابًا في الدنيا والآخرة
أما الأول فقد يُثاب عليه العبد المؤمن إذا صبر واحتسب، كسائر الأمراض التي يُثاب عليها المؤمن إذا صبر واحتسب, كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم -حتى الشوكة يشاكها- إلا كفَّر الله بها من خطاياه)) (1).

ولكن من قصور نظر الخلق وقلة أفهامهم وضيق مداركهم؛ لا يُولون الأهم والأخطر -وهو المرض المتعلق بالدين- أدنى أهمية، وفي المقابل إذا شعر أحدهم بأي مرض عضوي يعتري قلبه من قلة نبضات أو سرعتها، أو أي نوع من تلكم الأمراض؛ فإنه يبادر وبسرعة بالذهاب إلى الأطباء، ويسأل عن أعلم أهل الطب بطب القلوب، ويبحث عن أكثرهم مهارة وأحذقهم تطبيبًا، ولم يدَّخِر وسعًا في الذهاب إليه، ولو كلَّفه ذلك الغالي والنفيس من دنياه.

وخفي على هؤلاء أن هذه الحياة الدنيا إنما هي سنوات قليلات وأيام معدودات، وبعد ذلك فهناك الدار الآخرة التي هي الحيوان(2)، ولو كانوا يعلمون، تلكم الدار التي يحتاج القرار فيها إلى سلامة القلب من الشرك والنفاق والعجب والرياء، وسائر الأمراض التي نحن بصدد الحديث عنها؛ لخطورتها وسوء أثرها.

قال خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87 - 89].

قلبٌ سليمٌ من الشك والشرك والشقاق والنفاق, سليم من الغل للذين آمنوا
سليم من الرياء, سليم من الأحقاد.

سليم لم يُصب بالقسوة ولم يختم عليه بالأختام.

سليم لم يتلوث بآثار الجرائم والذنوب والمعاصي.

ولم يتدنس بالبدع والخرافات والأوهام وظن السوء.

سليم يحمل كل هذه المعاني.

هذا هو القلب الذي ينفع صاحبه يوم القيامة، كما انتفع الخليل إبراهيم عليه السلام {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]. إبراهيم الذي ابتلاه الله بكلمات فأتمهن فجعله الله للناس إمامًا {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84].
بصلاح هذا القلب يصلح سائر الجسد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (3).
هذا القلب المنيب الذي يورث صاحبه الجنان وتقرَّب له وتُدنى، قال الله تبارك وتعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُون لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيب *ٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:31 - 35].
هذا القلب المليء بالخير سبب في الفتح في الدنيا، وسبب في الخير في الدنيا أيضًا.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلِ لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَم اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخذ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال: 70]. فانظر إلى الآية الكريمة، كفارٌ أُسروا ووقعوا في الأسر في أيدي المسلمين فمنهم من يقول: إني كنت مسلمًا وكان في قلبي خير؛ فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلِ لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَم اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخذ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:70].

فالله يؤتي الخير بناءً على الخير الذي في القلوب.

وهو سبحانه يغفر الذنوب؛ للخير الذي في القلوب: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ}.

وها هم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف نزلت عليهم السكينة, وبما نزلت بعد توفيق الله سبحانه لهم؟!!
قال الله سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

فانظر إلى قوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 18، 19].

فلما علم الله ما في قلوب أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم؛

أنزل السكينة عليهم,

وأثابهم فتحًا قريبًا,

ومغانم كثيرة يأخذونها,

كل هذا لما علمه الله من الخير الذي في القلوب
.

وانظر كذلك إلى فائدة تعلق القلب بالمساجد, قال النبي صلى الله عليه وسلم (4): ('(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله....... ورجل قلبه معلقٌ في المساجد)).
فالخيرات والبركات, والنصر والفتوحات كل ذلك يتنزل من عند الله سبحانه على قدر ما في القلوب من خير.
وكذلك رفع الدرجات, وعلو المنازل ووراثة الجنان كل ذلك من عظيم أسبابه: ما في القلوب من خير.
والله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب والأعمال، ويُجازي عليها ويثيب ويعاقب، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)).
وفي رواية لمسلم(6) من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا, ولا تباغضوا ولا تدابروا, ولا يبع بعضكم على بيع بعض, وكونوا عباد الله إخوانًا، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات..)).
فيا سبحان الله ما أسعد أصحاب القلب السليم!

هنيئًا لهم هؤلاء الذين وحَّدوا ولم يشركوا به شيئًا, ولم يراءوا ولم ينافقوا.
هنيئًا لهم هؤلاء القوم الذين باتوا وليس في قلوبهم غلٌّ للذين آمنوا.
هنيئًا لهم هؤلاء الذين أحبوا للمؤمنين ما أحبوه لأنفسهم.
هنيئًا لهم هؤلاء الذين حافظوا على قلوبهم ولم يلوثوها، بذنوب ترسب عليها السواد والنكت والران والختم.
هنيئًا لهم هؤلاء الذين اطمأنت قلوبهم بذكر الله.
طوبى لهؤلاء وحسن مآب
.

يكاد أحدهم يطير في الهواء من سعادته وخفة قلبه, وهو يحب للمؤمنين الخير وقلبه نظيف من الذنوب والمعاصي، وقلبه سعيدٌ لحلول الخير على العباد.

هنيئًا لهم هؤلاء الرحماء أرقاء القلوب لذوي القربى والمسلمين.

وكذلك العقوبات والمؤاخذات(7) كمٌّ كبير منها ينبني على ما في القلوب.
قال الله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَت قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
وها هم أصحاب الجنة، أصحاب الحديقة والبستان الذين ابتلاهم الله عَزَّ وَجَلَّ عوقبوا عقوبة عاجلة في الدنيا؛ لما أضمرته قلوبهم من شر وبخل كما حكى الله سبحانه فقال: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحينَ * وَلا يَسْتَثْنُون *َ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبّكَ وَهُمْ نَائِمُون *َ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم} [القلم: 17 - 20].
وها هي طائفة من أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهم وعفا عنهم- لما خرج بعضهم يريد الدنيا يوم أُحد كانت إرادته سببًا في هزيمة إخوانه، عفا الله عن الجميع، قال الله سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ في الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاَكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُمْ مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدَ عَفَا عَنكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].
فيا سبحان الله! كيف كانت إرادة الدنيا عند فريقٍ سببًا في هزيمته وهزيمة من معه؟!
وها هو رجل -الغالب عليه النفاق- لم ير المؤمنون منه نفاق، لكن الله يعلمه ويعلم ما في قلبه، ذلك الرجل كان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان جريئًا, كان شُجاعًا, كان مغوارًا.
كان لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا تبعها.
يقتل من المشركين الجم الغفير, ويجرح فيهم ويطعن!
ولكن الله يعلمه ويعلم ما في قلبه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((هو من أهل النار))!
كاد المسلمون أن يرتابوا؟ كيف هو من أهل النار، وهو أشجعنا؟! سبحان الله هو من أهل النار؟!

ولِما هو من أهل النار؟ الله يعلم ذلك, هو سبحانه الحكيم الخبير هو العليم بما في الصدور، هو العليم بما في قلب هذا الرجل.

ها هي قصته، وها هو شأنه:
أخرج البخاري ومسلم(8) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم. وفي أصحاب رسول الله رجل لا يدع لهم شاذة (9) إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان (10). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه من أهل النار)). فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا (11)، قال فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت, فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه (12)، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله. قال: ((وما ذاك؟)). قال الرجل الذي ذكرت آنفًا: أنه من أهل النار فأعظم الناسُ ذلك فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند ذلك: ((إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)).

فعياذًا بالله, ما أشقى هؤلاء أصحاب القلوب الخبيثة!
ما أشقى هؤلاء الذين حملوا بين جثمانهم قلوب الشياطين (13)!
ما أتعس هؤلاء الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا!
ما أتعس هؤلاء الذين نافقوا وخدعوا المؤمنين والمؤمنات!
ما أشد عذاب هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بحب شيوع الفاحشة في الذين آمنوا؛ فادُّخر لهم العذاب الأليم في الآخرة فضلاً عما عُجِّل لهم منه في الدنيا!
فإلى هؤلاء الذين اشتعلت قلوبهم بنار الغِلِّ وامتلأت بنار الحسد والكبرياء، هلموا يا هؤلاء إلى إخماد هذه النيران وإطفائها, من قبل أن تستعر في أجوافكم فتُمزق القلوب وتحرق الأجساد.
إلى هؤلاء الذين منعهم الحقد على العباد من النوم, وجعلهم يتقلبون على الفُرُشِ طيلةَ ليلهم، هلموا إلى ما يجلب لكم النوم ويحقق لكم الراحة.
إلى مَنْ حسدوا الناس على ما آتاهم الله من فضله، وأرادوا أن يتحكموا في أرزاق الله، وفي أقدار الله، وفي تدبير الله ففشلوا في ذلك ولم يستطيعوا منع رزق الله عن أحدٍ، ولا جلب ضرٍّ لأحد، فباتوا وقلوبهم مضطربة، وقلوبهم قلقلة، وقلوبهم ملوثة، وقلوبهم مدنسة ألا فأقبلوا يا هؤلاء على ما يُسكِّن القلوب ويُهدئ الفؤاد.
إلى مَنْ أشركوا بالله ما لم يُنزل به سلطانًا فأُلقي في قلوبهم الرُّعب.
إلى مَنْ نافقوا وخادعوا وأقبلوا على الرياء والسُّمعة, وعملوا للناس ولم يعلموا لله؛ فحبطت أعمالهم وذهب ثوابها.
ألا فليعلم جميع هؤلاء: أن الله يعلم ما في قلوبهم فليحذروه.
ألا فليعلم هؤلاء: أن الله عليم بذات الصدور فليصلحوها.
ألا فليعلم هؤلاء: أن هناك نار تطلع على الأفئدة, كما قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 5 - 7].
إنها نار يطلع لهيبها إلى الفؤاد فيحرقه.
إنها نار ترى النيات الخبيثة, والعقائد الخبيثة, والأمراض الخبيثة في القلوب فتحرق تلك القلوب؛ عياذًا بالله.
فنداء، واستصراخ قبل أن تُحرق هذه القلوب.
فجديرٌ بالعبد أن يتجه إلى إصلاح قلبه، وتنظيفه وحشوه بالخير، وملئه بالإيمان وغرس التقوى فيه.
جدير بالعبد أن يكثر من ذكر الله, وأن يسأل ربَّه سبحانه وتعالى لقلبه الشفاء والثبات على الإيمان حتى الممات.
حريٌّ بالعبد أن يبحث عن سبب مرض قلبه, وأن يسأل عن علاجه.
ها هي جملة أمراض تعتري القلوب، وها هو علاجها، والشفاء في كل حال من عند الله سبحانه وتعالى، لا شفاء إلا شفاؤه.
فإلى أمراض القلوب، ها هو المرض، وهذا علاجه، هذا هو الداء، وهذا دواؤه.

دواءٌ لا يكاد يخطئ، بل لا يخطئ أبدًا ما دام دواءً من عند الله، ما دام دواءً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعليك بالدواء ولا تفرط فيه ولا تُقَصِّرْ في تناوله ولا تتغافل عنه.

هذا الداء, وهذا الدواء.

هذا المرض, وفي هذا الشفاء
.

* * *
أمر القلوب موكولٌ إلى الله سبحانه وتعالى:
ابتداءً: فإن أمر القلوب موكول إلى الله سبحانه وتعالى؛ فهو سبحانه يملكها ويتصرف فيها كيف يشاء، قال الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه} [الأنفال: 24]. فهو سبحانه أملك لقلوب عباده منهم، وهو سبحانه يحول بينهم وبين التسلط على قلوبهم فهو وحده المتصرف فيها يقلبها كيف يشاء.

يقذف فيها الهداية ويُزين فيها الإيمان.
ينزل فيها السكينة ويورثها الاطمئنان.
يربط عليها ليكون أصحابها من المؤمنين
.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيَمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّه إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولْئِكَ هَمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].

فترى من الذي زين الإيمان في القلوب؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤمِنَ إلا بإِذنِ اللهِ} [يونس: 100].
فيا سبحان الله! فالله سبحانه هو الذي يأذن في الإيمان، ويوفق إليه من يشاء.

وقد علم أهل الإيمان ذلك، علموا: أن الله هو الذي هداهم، هو وحده سبحانه لا أحد سواه، ومن ثمَّ قالوا: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ} [الأعراف: 43].

والله سبحانه هو الذي يربط على القلوب.

قال تعالى: {وَأَصْبَح فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10].
فالله هو الذي ربط على قلبها وأنزل السكينة عليها.

وقال سبحانه في شأن الفتية أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 13، 14]
فيا ترى من الذي ربط على قلوبهم؟ إنه الله سبحانه وتعالى.

هو سبحانه الذي يقذف الرحمة في القلوب.
قال الله سبحانه: {وَجَعَلْنَا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد: 27].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي على ابن قد مات لابنته، لما سأله الصحابة عن سبب بكائه: ((هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)) (14).
والله سبحانه وتعالى هو الذي ينزل السكينة على القلوب:

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي َنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].

وقال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِه وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ..} [التوبة: 26].

وقال تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

وقال تعالى: {فَأنزَلَ اللهُ سَكِينَتًهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّم تَرَوْهَا..} [التوبة: 40].

ومن ثمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول(15):

والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وكذلك أمر الغواية والإضلال، والقسوة والاضطراب كل ذلك كائن بإذن الله وتدبيره وعلمه وحكمته وإرادته.
قال الله سبحانه: {وَيُضِلُ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
وقال سبحانه في شأن أقوامٍ: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41].
وقال سبحانه: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الحجر: 12].
وقال سبحانه: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7].
وقال تعالى: {فَإِن يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ...} [الشورى: 24].
وقال سبحانه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59].
وقال عليه الصلاة والسلام (16): ((ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك)).
وفي ((الصحيحين)) (17) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تُقبلون صبيانكم؟! فما نقبلهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوَ أملك لك أن نزع اللهُ من قلبك الرحمة)).

وكذلك الرعب؛ قال الله تعالى: {وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26].

وقال تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

وقال تعالى: {سَنُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا باللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا...} [آل عمران: 151].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالرعب مسيرة شهر)) (18).

ومن ثمَّ قال موسى عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوَا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 88].

______________________________

(1) أخرجه البخاري حديث (6541، 562)، ومسلم حديث: (2573) من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(2) أي: الحياة الدائمة الباقية.

ولأهل العلم أقوال في المراد بالقلب السليم:

أحدها, والذي عليه الأكثرون: أنه القلب السليم من الشرك والشك، وقد نقل القرطبي هذا القول عن أكثر المفسرين.

والمراد بسلامته من الشك: أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.

أخرجه الطبراني بإسناد صحيح عن عون، قال: قلت لمحمد -يعني ابن سيرين-: ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.

وقال الطبري: والذي عُني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو سلامة القلب من الشك في توحيد الله، و البعث بعد الممات.

وأخرج الطبري بإسناد صحيح عن ابن زيد، قال: سليم من الشرك؛ فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.

الثاني: أن المراد بالسليم: الخالي من البدعة، المطمئن إلى السُّنة.

الثالث: أن المراد بالسليم: السليم من آفة المال والبنين.

الرابع: السليم: الخالص.

وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالسليم: اللديغ, كما في حديث: ((إن سيد هذا الحي سليم -أي: لديغ-))، والمعنى: أنه كاللديغ من خوف الله.

وهذا هو القول الخامس: وقد طعن في هذا الوجه صديق حسن خان في تفسيره: ((فتح البيان))، بقوله: وهذا تحريف وتعكيس لمعنى القرآن.

القول السادس: ووصفه الرازي بأنه: أصح الأقوال, أن المراد منه: سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة.

القول السابع: أنه سليم من مولاة المشركين وحبهم.

أما القرطبي فإنه اختار أن المراد بالقلب السليم: أنه القلب الخالص، قال: وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه، وهو حسن، أي: الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة، والله أعلم.

قلت: والقول بالتعميم قول جيدٌ وله وجاهته؛ فالقلب السليم: سليم من الشرك وموالاة أهله، وسليم من الشرك، وسليم من البدعة، وسليم من الذنوب والمعاصي، وسليم من الأغلال، وسليم من الأحقاد، ومتصف بالأوصاف الجميلة، وخالص من الأوصاف الرذيلة، وهو قلب خائف وَجِلٌ من ربِّه عَزَّ وَجَلَّ، والله أعلم.

(3) أخرجه البخاري حديث (52)، ومسلم حديث (1599)، من حديث النعمان ابن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بَيِّنٌ، وبينهما مشبهاتٍ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِّن النَّاسِ، فمن اتقى المُشبهات استبرأ لِدينه وعِرِضِه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمًى، وألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).

قال الحافظ ابن حجر --رحمه الله--: ((فتح الباري)) (1 / 128): ((وخصَّ القلب بذلك؛ لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرًا فيه)).

(4) أخرجه البخاري حديث (660)، ومسلم مع النووي (7 / 120)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

(5) مسلم: ص (1987).

(6) مسلم، حديث: (2564).

(7) وها هو بحث مختصر في ذلك:

وردت عدة أدلة تفيد أن من حسنت نيته، ولو لم يعمل كثير عمل وكانت أعماله.......؛ فإنه يُثاب وترفع درجته، ومن هذه الأدلة ما يلي:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم)). قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال: ((وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر)). وفي رواية: ((إلا شركوكم في الأجر)). وفي رواية: ((حبسهم المرض)).

أخرجه البخاري (4423)، ومسلم (1911) من حديث أنس رضي الله عنه.=

= ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب)).

أخرجه البخاري: (6168)، ومسلم (2640)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ومنها: ما أخرجه البخاري (7501), ومسلم (128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبُوها عليه حتى يعملها؛ فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أ ن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة؛ فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة)).

وأخرج مسلم في ((صحيحه)) (حديث 128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إذا تحدث عبدي: بأن يعمل حسنة؛ فأنا أكتبها له حسنةً ما لم يعمل؛ فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدَّث بأن يعملَ سيئةً؛ فأنا أغفرُها له ما لم يعملها, فإذا عملها فأنا أكْتُبها له بمثلها)).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قالت الملائكة: رب هذا عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عَمِلَها فاكتبوها له بمثلها, وإن تركها فاكتبوها له حسنةً إنما تركها من جرَّاي)).

وفي رواية لمسلم (في طرق حديث 128), من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عَزَّ وَجَلَّ: إذا همَّ عبدي بحسنةٍ ولم يعملها كتبتُها له حسنة، فإن عملها كتبتُها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا همِّ بسيئة ولم يعملها لم أكتُبها عليه، فإن عملها كتبتُها سيئةً واحدة)).

وأخرجه البخاري (6491), ومسلم (131)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عَزَّ وَجَلَّ، قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك, فمن همَّ بحسنة فلم يعملها؛ كتبها الله لهُ عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها فعملها؛ كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها؛ كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم َّبها فعملها؛ كتبها الله له سيئة واحدة)).

وثمَّ أحاديث أخر في الباب، فمن عقد العزم على الخير، وأحب فعل الخير؛ جازاه الله خيرًا على ما في قلبه، وكتب له الأجر والمثوبة.

أما بالنسبة لحديث النفس؛ فقد وردت جملة أدلة تفيد أن الله عَزَّ وَجَلَّ تجاوز لهذه الأمة عما حدثت بها أ نفسها, منها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدرها ما لم تعمل أو تكلم)). أخرجه البخاري (2528), ومسلم (127), من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أما بالنسبة لإصرار القلب على معصية الله عز وجل؛ فعلى ذلك إثمٌ سواء أمضى ذلك الإصرار أم لم يضمه، وعلى ذلك أدلة منها:
قول الله تعالى: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12].

وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهمُْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ} [النور: 19].

قول الله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].

قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)). أخرجه البخاري (7083)، ومسلم (2888)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

ولا يلزم أن تكون عقوبة من عقد العزم على المعصية متساوية مع عقوبة من باشرها.

أما إذ ترك الإصرار والعزم على المعصية ولم يمضها فهو على أنواع:
إما أن يكون ترك ذلك العزم والإصرار؛ ابتغاء مرضاة الله عَزَّ وَجَلَّ؛ فذلك يثاب ويشهد له رواية: ((فاكتبوها حسنة؛ فإنما تركها من أجلي)). وفي رواية: ((فإنما تركها من جراي)). وكلاهما مذكورة في حديث الباب.

ويتأيد ذلك بحديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار، وفيه: ((قال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم: أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إليَّ, وإني راودتها عن نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه؛ فقمت وتركت المائة الدينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا؛ ففرج الله عنهم)).

أخرجه البخاري (3465)، ومسلم (2743)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإما أن يكون ترك ذلك العزم والإصرار لحائل بينه وبين الفعل، كمن يذهب يزني بامرأة فوجد الباب مغلقًا، ولم يستطع فتحه، أو وجد شرطيًا أو قريبًا للمرأة....؛ فذلك يأثم والله أعلم.

وإما أن يكون ترك ذلك العزم والإصرار سهوًا أو نسيانًا؛ فيعاقب على عزمه وإصراره لكنه بدرجة أقل من السابقة, والله أعلم.

هذا حاصل ما وقفنا عليه وتوصلنا إليه بعد قراءة أقوال أهل العلم في هذه المسألة، ولا بأس أن ننقل قول بعضهم:

قال النووي --رحمه الله-- (3361) بعد أن ذكر الأحاديث: قال الإمام المازري -رحمه الله-: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب --رحمه الله--: أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها؛ أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما وقع في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لا يوطن نفسه على المعصية، وإنما مر ذلك بفكره من غير استقرار ويسمى هذا همًّا، ويفرق بين الهم والعزم، هذا مذهب القاضي أبي بكر وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين، وأخذوا بظاهر الحديث.
قال القاضي عياض -رحمه الله-: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا: إن العزم يكتب سيئة، وليست السيئة التي هم بها لكونه لم يعملها وقطعه عنها قاطع غير خوف الله تعالى والإنابة، لكن نفس الإصرار والعزم معصية، فتكتب معصية، فإذا عملها كتبت معصية ثانية، فإن تركها خشية الله تعالى كتبت حسنة كما في الحديث: ((إنما تركها من جراي)). فصار تركه لها لخوف الله تعالى ومجاهدته نفسه الأمارة بالسوء في ذلك وعصيانه هواه حسنة؛ فأما الهم الذي لا يكتب فهي الخواطر التي لا توطن النفس عليها ولا يصحبها عقد ولا نية وعزم، وذكر بعض المتكلمين خلافًا فيما إذا تركها لغير خوف الله تعالى بل لخوف الناس، هل تكتب حسنة؟ قال: لا؛ لأنه إنما حمله على تركها الحياء، وهذا ضعيف لا وجه له.

هذا آخر كلام القاضي وهو ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقر، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ} [النور: 19] الآية، وقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظِّنِ إِنّ َبَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]. والآيات في هذا كثيرة، وقد تظاهرت نصوص الشرع وإجماع العلماء على تحريم الحسد واحتقار المسلمين وإرادة المكروه لهم، وغير ذلك من أعمال القلوب وعزمها، والله أعلم.

(8) البخاري حديث ( 2898)، ومسلم حديث (112) .

(9) (لا يدع لهم شاذة)) الشاذ والشاذة: الخارج والخارجة عن الجماعة، قال القاضي عياض -رحمه الله-: أنث الكلمة على معنى النَّسمة. أو تشبيه الخارج بشاذة الغنم، ومعناه: أنه لا يدع أحد على طريق المبالغة.قال ابن الأعرابي: يقال: فلان لا يدع شاذة ولا فاذة، إذا كان شجاعًا، لا يلقاه أحد إلا قتله.

(10) (ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان) معناه: ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته.

(11) (أنا صاحبه) كذا في الأصول، ومعناه: أنا أصحبه في خفية، وألازمه لأنظر السبب الذي به يصير من أهل النار.

(12) ((ذبابه)) ذباب السيف هو طرفه الأسفل، وأما طرفه الأعلى فمقبضه (نقًلاً عن حاشية مسلم).

(13) أخرجه مسلم في صحيحه، (ص 1476) من حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهُداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس..)).

(14) أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (6 / 224)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما:

((أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه: إن ابنًا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرئ السلام، ويقول: (( إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مُسمى، فلتصبر ولتحتسب)). فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع - فقال: حسبته أنه قال: كأنها شن - ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: ((هذه رحمة الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)).

(15) البخاري، حديث (4104)، ومسلم: (1803) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما مرفوعًا.

(16) أخرجه ابن ماجه (1 /72), وابن خزيمة وأحمد من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعًا، وفي رواية أحمد وغيره: ((يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)).

(17) البخاري: (5998)، ومسلم: (2317).

(18) أخرجه البخاري حديث (335)، ومسلم حديث (521)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا


الموضوع للشيخ مصطفى العدوي حفظه الله

[/FRAME]
__________________
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
عليك بطريق الحق و لا تستوحش لقلة السالكين و إياك و طريق الباطل و لا تغتر بكثرة الهالكين ....
  #2  
قديم 07-12-2007, 07:08 AM
 
رد: أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

مشكورة أختي
  #3  
قديم 07-12-2007, 09:46 AM
 
رد: أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

يعطيك الف عافية اختى على الموضوع الرائعومشكورة
  #4  
قديم 07-12-2007, 10:20 AM
 
رد: أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

الله

الله

الله

لك قلبي يا رب فواللهي أني عصيتك حتى تجبر واستحال بقعة سوداء لا نور فيها
حبيبتي في الله الغالية الداعية , واللهي ان كلامك نزل على قلوبنا جميعا ً كالبلسم الشافي وذكرنا بوجوب تنظيف هذا القلب , مركز الحياة , من المعاصي والذنوب القبيحة , والحياة حبيبتي واللهي جميلة , جميلة جدا ً ولكن من ثقل عليه قلبه وكثرت ذنوبه أحس بها كالجبال رابضة أبدا ً على صدره الذي لا يحتمل.
بارك الله فيكي وانار قلبك وقولبنا أجمعين , اللهم آمين
  #5  
قديم 07-12-2007, 12:52 PM
 
رد: أثر سلامة القلب على سعادة المرء في الدنيا والآخرة

مشكورة اختى جزاكى الله خيرا
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جراحات القلب المفتوح فى مصر الداعية صحة و صيدلة 3 10-15-2007 12:15 PM
انظروا مادا فعل هذا الشاب بهده الفتاة جريمة في الدنيا والآخرة abdelwadoude قصص قصيرة 16 10-09-2007 03:34 PM
الطب النبوي ABUMOHANAD أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 2 09-02-2007 11:24 AM
الطب النبوي ABUMOHANAD نور الإسلام - 7 08-19-2007 03:30 PM
كتاب الطب النبوي ... ABUMOHANAD نور الإسلام - 1 05-08-2007 05:38 PM


الساعة الآن 02:17 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011