عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الأدبية > شعر و قصائد > قصائد منقوله من هنا وهناك

قصائد منقوله من هنا وهناك قصائد مختاره بعنايه و أعجبتك ,منقوله من شبكة الإنترنت او من خارجها

Like Tree1Likes
  • 1 Post By yousrielsaid
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-20-2012, 04:24 PM
 
Thumbs up مختارات من شعر السياب

أنشودة المطر


عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،
والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...
وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودةُ المطر ...
مطر ...
مطر ...
مطر ...
تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "



لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك
ويلعن المياه والقَدَر
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ .
مطر ..
مطر ..
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟
بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،
كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،
كأنها تهمّ بالشروق
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ .
أَصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "

فيرجعُ الصّدى
كأنّه النشيجْ :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى .. "
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ،
عواصف الخليج ، والرعود ، منشدين :
" مطر ...
مطر ...
مطر ...
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر
رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
مطر ...


مطر ...
مطر ...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل ، من دموعْ
ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ...
مطر ...
مطر ...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .
مطر ...
مطر ...
مطر ...
في كل قطرة من المطر
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ .
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة !
مطر ...
مطر ...
مطر ...
سيُعشبُ العراق بالمطر ... "
أصيح بالخليج : " يا خليج ..
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجع الصدى
كأنَّه النشيج :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى . "
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،
على الرمال ، : رغوه الأُجاجَ ، والمحار
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق

من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليج
" مطر ..
مطر ..
مطر ..
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . "
ويهطل المطرْ ..
غريب على الخليج

الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل
زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار
من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج
و يهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلي من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
و الموج يعول بي عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ‍‍
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه
في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهمّ مع الغروب
فاكتظّ بالأشباح تخطف كلّ طفل لا يؤوب
من الدروب
وهي المفليّة العجوز وما توشوش عن حزام
وكيف شقّ القبر عنه أمام عفراء الجميلة
فاحتازها .. إلا جديل
زهراء أنت .. أتذكرين
تنّورنا الوهّاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه

كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟
أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
و الليل أطبق ، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يديّ .. هو اللقاء
شوق يخضّ دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحسّ أن على الوساده
من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيّبات خطاي و المدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة

وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديّه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيّه)
و الموت أهون من خطّيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيّه
فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكنّ و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكنّ من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفّة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثؤباء بقيا من نعاسي كالحجاب
من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشكّ في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟

اليوم _ و اندفق السرور عليّ يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدّخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لبكينّ على العراق
فما لديك سوى الدموع
وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
في السوق القديم

-1-

الليل ،والسوق القديم
خفتت به الأصوات ،إلا غمغمات العابرين
وخطى .. الغريب
وما تبثّ الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم
الليل ، والسوق القديم ، وغمغمات العابرين
والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب
مثل الضباب على الطريق
من كل حانوت عتيق
بين الوجوه الشاحبات
كأنّه نغم يذوب
في ذلك السوق القديم
-2-
كم طاف قبلي من غريب
في ذلك السوق الكئيب
فرأى وأغمض مقلتيه ، وغاب في الليل البهيم
و ارتجّ في حلق الدخان
خيال نافذة تضاء
والريح تعبث بالدخان ......0
الريح تعبث ، في فتور واكتئاب ، بالدخان
وصدى .. غناء
يذكّر بالليالي المقمرات... وبالنخيل
وأنا .الغريب أظل أسمعه... وأحلم بالرحيل
في ذلك السوق القديم
-3-
وتناثر الضوء الضئيل على البضائع .. كالغبار
يرمي الظلال ..على الظلال
كأنّها اللحن الرتيب
ويريق ألوان المغيب الباردات ، على الجدار
بين الرفوف الرازحات ، كأنها سحب المغيب
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاة
ويدٍ تلونها الظهيرة... والسراج
أو النجوم
ولربما بردت عليه ، وحشرجت فيه الحياة
في ليلة ظلماء.. باردة الكواكب والرياح
في مخدع سهر السراج به
وأطفأه .. الصباح
-4-

ورأيت من خلل الدخان ، مشاهد الغد ..كالظلال
تلك المناديل الحيارى... وهي تومئ بالوداع
أو تشرب الدمع الثقيل .. وما تزال
تطفو .. وترسب في خيالي

هوّم العطر المضاع فيها
وخضّبها ..الدم الجاري
لون الدّجى ... وتوقّد النار
يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات
وجه أضاء ... شحوبه اللهب
يخبو ... ويسطع ... ثم يحتجب
ودم
يغمغم وهو يقطر ثم يقطر
مات ... مات
-5-

الليل، والسوق القديم، وغمغمات العابرين
وخطى الغريب
وأنت أيتها الشموع ستوقدين
في المخدع المجهول في الليل الذي لن تعرفيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل أمساء الخريف
حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب
تتجمع الغرباء فيه
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف
في ليلة قمراء سكرى بالأغاني في الجنوب

نقر [الداربك] من بعيد
يتهامس السعف الثقيل به ويصمت من جديد !
-6-
قد كان قلبي مثلكن، وكان يحلم باللهيب
حتى أتاح له الزمان يدا ووجها في الظلام
نار الهوى ويد الحبيب
ما زال يحترق الحياة، وكان عام بعد عام
يمضي، ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع
بعد الشراع وكان يحلم في سكون، في سكون
بالصدر، والفم، والعيون
والحب ظلله الخلود .. فلا لقاء ولا وداع
لكنه الحلم الطويل
بين التمطي والتثاؤب تحت أفياء النخيل
-7-
بالأمس كان وكان ثم خبا، وأنساه الملال
واليأس، حتى كيف يحلم بالضياء- فلا حنين
يغشى دجاه ، ولا اكتئاب ، ولا بكاء ، ولا أنين
الصيف يحتضن الشتاء ويذهبان وما يزال
كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح
كالسلم المنهار، لا ترقاه في الليل الكئيب
قدم ولا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح
ما زال قلبي في المغيب
ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل ولا مساء
حتى أتت هي والضياء!
-8-

ما زال لي منها سوى أنا التقينا منذ عام
عند المساء، وطوقتني تحت أضواء الطريق
ثم ارتخت عني يداها وهي تهمس والظلام
يحبو ، وتنطفئ المصابيح الحزانى والطريق ـ :
أتسير وحدك في الظلام
أتسير والأشباح تعترض السبيل بلا رفيق

فأجبتها والذئب يعوى من بعيد من بعيد
أنا سوف أمضي باحثا عنها سألقاها هناك
عند السراب وسوف أبني مخدعين لنا هناك
قالت ورجع ما تبوح به الصدى أنا من تريد
أنا من تريد فأين تمضي ؟ فيم تضرب في القفار
مثل الشريد أنا الحبيبة كنت منك على انتظار
أنا من تريد وقبلتني ثم قالت والدموع
في مقلتيها غير أنك لن ترى حلم الشباب
بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب
لولا الأغاني وهي تعلو نصف وسنى والشموع
تلقى الضياء من النوافذ في ارتخاء في ارتخاء
أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل
حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل
لا يأس فيه ولا رجاء
-10-
أنا أيها النائي القريب
لك أنت وحدك غير أنى لن أكون
لك أنت أسمعها وأسمعهم ورائي يلعنون
هذا الغرام أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب
لعنات أمي وهي تبكي أيها الرجل الغريب
إني لغيرك بيد أنك سوف تبقى لن تسير
قدماك سمرتا فما تتحركان ومقلتاك
لا تبصران سوى طريقي أيها العبد الأسير
أنا سوف أمضي فاتركيني : سوف ألقاها هناك
عند السراب
فطوقتني وهي تهمس : لن تسير

-11-

أنا من تريد، فأين تمضي بين أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد
فصرخت : سوف أسير ما دام الحنين إلى السراب
في قلبي الظامي دعيني أسلك الدرب البعيد
حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب
أقسى على من الشموع
في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام
والريح والأشباح أقسى منك أنت أو الأنام !
أنا سوف أمضي ! فارتخت عني يداها والظلام

يطغى .

ليلى

قرب بعينيك مني دون اغضاء
و خلني أتملى طيف أهوائي
أبصرتها كادت الدنيا تفجر في
عينيك دنيا شموس ذات الاء
أبصرت ليلى فلبنان الشموخ على
عينيك يضحك أزهار لأضواء
إني سألثمها في بؤبؤيك
كمن
ليلى هواي الذي راح الزمان به
و كاد يقلت من كفي بالداء
حنانها كحنان الأم دثرني
فأذهب الداء عن قلبي و أعضائي
أختي التي عرضها عرضي و عفتها

تاج أتيه به بين الأخلاء
عرفتها فعرفت الله عن كثب
كأن في مقلتيها درب إسرائي
ليلى هواي مناي شعري
روحي الأعز علي من روحي و آمالي و عمري
حملت ضفيرتها هواي كأنها أمواج نهر
حملته نحو مدى السماء
نحو المجرة و النجوم و نحو جيكور الجميلة
فأنا فتى أتصيد الأحلام يا لك من فراشات خضيلة
أتصيد الأشعار فيها و القوافي و الغناء
أو تذكرين لقاءنا في غرفة للداء فيها
ظل كظل الليل يخنق ساكنيها
لكننا بالشعر حولناه زرعا من ضياء
بالحب أزهر و اللقاء
ما كان أحلى حبنا العربي حبي كثير و جنون قيس
التبغ صحرائي أهيم على رفارفها الحزينة
و هناك نبني خيمتين من التأسي
ليلى مناد دعا ليلى فخف له
نشوان في جنبات القلب عربيد
كسا النداء اسمها سحرا وحببه
حتى كأن اسمها البشرى أو العيد
هل المنادون أهلوها و إخوتها
أم المنادون عشاق معاميد
إن يشركوني في ليلى فلا رجعت
جبال نجد لهم صوتا و لا البيد
ليلى تعالي نقطع الصحراء في قمراء حلوة
متماسكين يدا إلى يد من نحب
و ترن في الأبعاد غنوة
للرمل همس تحت أرجلنا بها للرمل قلب
يهتز منها أو ينام و للنخيل با أنين
و تهرعن بعد كلاب يا لغيم من نباح
هيهات يعشقه سوى غبش الصباح
فأنا و أنت نسير حتى تتعبين
ماء أريد أليس في الصحراء غير صدى و طين
و تكركر الصحراء عن ماء وراء فم الصحور
فأظل بالكفين أسقيك المياه فترتوين
أسقي صداك فترتوين
أو تذكرين لقاءنا في كل فجر
و فراقنا في كل أمسية إذا ما ذاب قرص
الشمس في البحر العتي
تأتين لي و عبير زنبقة يشق لك الطريق فأي عطر
و تودعين فتهبط الظلماء في قلبي و يطفيء نوه القمر الوضي
فكأن روحي ودعتني و استقلت عبر بحر
و أظل طول الليل أحلم بالزنابق و العبير
و حفيف ثوبك و الهدير
يعلو فيغرق ألف زنبقة و ثوب من حرير

نبوءة و رؤيا

نبوءتك المريرة عذّبتني مزقت روحي
نبوءتك الرهيبة أيها العراف تبكيني
رأيت مسالك الأفلاك تهرع بالملايين
قرأت خواطر الريح
ووسوسة الظلام كأن حقلا بات ينتحب
ستنطفئ الحياة و رحت ترسم موعد القدر
إذا حدجتني الشهب
هتفت بها غدا سنموت فانهمري على البشر
لأهون أن أموت لديك وحدي دون حشرجة و لا أنّه
من القدر المرّوع يجرف الأحياء بالآلاف

ولكني أصيخ إلى النهار فأسمع العراف
يهدّد سوف يهلك من عليها سوف تلتهب
وتسرب في دمي جنّه
و حين رقدت أمس رأيت في ظلموت أحلامي
رؤى تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطع
أفقت و ما تزال تضيء في خلدي و تندلع
كما يتفجر البركان في ظلمات ليل دون أنسام
بلا قمر و إن يك في المحاق أكاد أقتلع
أكاد أمزق الدم في عروقي بارتعادة روحي الحيرى
أكاد أعانق القبرا
أرى أفقا و ليلا يطبقان على من شرفة
و لي و لزوجتي في الصمت عند حدودها وقفة
نحدق في السماء و نمنع الطفلين من نظر
إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقر
تطفّأت الكواكب و هي تسقط فيه كالشرر
تطفّأ تحت ذيل الريح و هي تسفّه سفا
كأنّ عصا تسوق مواكب الأفلاك في صحراء من ظلم
ويلهث تحتنا الآجرّ يزحف تحتنا زحفا

تضعضع فهو يمسك نفسه ويئن من ألم
ليهوي حين يغفل حين يعجز ثم ينهار
دجى نثرت بها نار
بني إليك صدري فيه فادفن وجهك الطفلا
بنيّ صه أقصّ عليك أية قصّة عندي ؟
تفجرت الفقاعة و انتهى أبّد إلى حدّ
علام أتيت للدنيا

ليدرك عمرك الليلا
لتحيا أربع السنوات ثم لتبصر الساعة
تقوم و لست تدرك ما تراه ؟ تريد أن تحيا
و تجهل أن موتك فيه بعثك أن للدنيا
نهاية سلّم يفضي إلى أبد من الملكوت
قلبك ؟ آه .. من راعه ؟
بكاؤك و ارتعابك فيهما لله إحراج
و باسمهما اسائله الحساب : أتصرع الأطفال
لتشهد لوعة الآباء ؟ تسعد قلبك الآمال
تخيب
يكاد يهوي من صراخي عنده التاج
و يهدم عرشه و يخرّ تطفأ حوله الآباد و الآزال
ويقطر لابن آدم قلبه ألما و ينفطر .

يا نهر

يا نهر عاد إليك من أبد اللحود و من خواء الهالكين
راعيك في الزمن البعيد يسرح البصر الحزين
في ضفتيك و يسأل الأشجار عندك عن هواه
أوراقها سقطت و عادت ثم أذبلها الخريف
و تبدلت عشرين مرة
هيهات يسمع إذ توسوس في الدجى أصداء آه
بالأمس أطلقها لديك ترن في جرس الحفيف
كم قبلة عادت دوائر في مياهك مستسرة
دنياه كانت أمس فيك فهل تعود إلى الحياة
ليود من شغف بمائك لو غدا
ظلا يداعب فيه جنيّاته
متعلقا بشراع كل سفينة
ليجاذب الملاح أغنيّاته

وتلوذ أنوار النجوم بصدره
و تراقص الأمواج من ضحكاته
ما أخيب الموتى إذا رجعوا إلى الدنيا القديمة
و تلصصوا يتطلعون كما تطلع من كوى دار شريد
و رأى ثمار الجمر سار عصيرها دفئا و جال عبيرها المهدود
ما أخيب الموتى تكاد موتهم الهزيمة
شيئا أمرّ من الحياة
ما أخيب الموتى تغير كل شيء كل باق
مما أطلّ على الحياة لانهم كانوا كواه
أم مات ما عرفوه إذ ماتوا فليس سوى رؤاه ؟
فتكبدوا ألم الفراق
ألم التغرب مرتين فيا ضفاف النهر يا أمواجه و محاره
ماذا تبقى فيك من أمس الهوى ؟
الدوح أسلم للبلى ورقاته
و هي التي سمعت لديك حواره
و هي التي أودعت فيها في الضحى
قبلاتنا وطويت فيها ناره
إتى ذويت مع الظلام كما ذوى
ياليت لي شفة فتلثم أو يدا فتمسّ ماءك
إني لأكثر من غريب غربة و أشد حيرة
لم يبق فيك سوى الزمان و ليس ما فيك قطرة
من ماء أمس كأن فجرك عاد قبل غد مساءك
و كأن ضفتك الحبيبة ضفّة الأبد البعيد

قصيدة إلى العراق الثائر

عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع
سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد
ليعود ماء منه تطفح كل ساقية يعيد
ألق الحياة إلى الغصون اليابسات فتستعيد
ما لص منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع
يا للعراق
يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار
في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق
عبر الموانئ و الدروب
فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار
و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار
طلع النهار فلا غروب
يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب
أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار
فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب
كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود
كانت على مهل تذوب
كانت إذا مال الغروب
رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود
من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء
تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار
أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء
و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء
**
هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء
للداء في جسدي فجاء
هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق
الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء
و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء

مرحى له أي انطلاق

مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق
يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء
هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء
فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق

شباك و فيقة - 1

شبّاك و فيقة في القرية
نشوان يطلّ على الساحة
كجليل تنتظر المشية
ويسوع و ينشر ألواحه
إيكار يمسّح بالشمس
ريشات النسر و ينطلق
إيكار تلقّفه الأفق
و رماه إلى اللجج الرمس
شبّاك وفيقة يا شجرة
تتنفس في الغبش الصاحي
الأعين عندك منتظرة

**

تترقب زهرة تفاح
و بويب نشيد
و الريح تعيد
أنغام الماء على السّعف
**
ووفيقة تنظر في أسف
من قاع القبر و تنتظر:
سيمر فيهمسه النّهر
ظلاً يتماوج كالجرس
في ضحوة عيد
ويهفّ كحبات النّفس
و الريح تعيد
أنغام الماء ( هو المطر )
و الشمس تكركر في السعف
شباك يضحك في الألق؟
أم باب يفتح في السور
فتفر بأجنحة العبق
روح تتلهف للنور ؟

**
يا صخرة معراج القلب
يا صور الألفة و الحبّ
يا درباً يصعد للرب
لولاك لما ضحكت للأنسام القرية
في الريح عبير
من طوق النهر يهدهدنا و يغنينا

عوليس مع الأمواج يسير

والريح تذكّره بجزائر منسية:
شبنا يا ريح فخلّينا

**

العالم يفتح شبّاكه

من ذاك الشباك الأزرق

يتوحد يجعل أشواكه

أزهاراً في دعة تعبق

**

شباك مثلك في لبنان

شباك مثلك في الهند

و فتاة تحلم في اليابان

كوفيقة تحلم في اللّحد

بالبرق الأخضر و الرعد

**

شباك وفيقة في القرية

نشوان يطل على الساحة

كجليل تحلم بالمشية

و يسوع

و يحرق ألواحه












شباك وفيقة -2



أطلي فشّباكك الأزرق

سماء تجوع

تبينته من خلال الدموع

كأني بي ارتجف الزورق

إذا انشق عن وجهك الأسمر

كما انشق عن عشتروت المحار

و سارت من الرغو في مئزر

ففي الشاطئين اخضرار

و في المرفأ المغلق

تصلّي البحار

كأني طائر بحر غريب

طوى البحر عند المغيب

و طاف بشبّاكك الأزرق

يريد التجاء إليه

من الليل يربدّ عن جانبيه

فلم تفتحي

ولو كان ما بيننا محض باب

لألقيت نفسي لديك

و حدقت في ناظريك

هو الموت و العالم الأسفل

هو المستحيل الذي يذهل

تمثّلت عينيك يا حفرتين

تطلان سخراً على العالم

على ضفة الموت بوّابتين

تلوحان للقادم

و شبّاكك الأزرق

على ظلمة مطبق

تبدّي كحبل يشدّ الحياة

إلى الموت كيلا تموت

شفاهك عندي ألذّ الشفاة

و بيتك عندي أحبّ البيوت

و ماضيك من حاضري أجمل

هو المستحيل الذي يذهل

هو الكامل المنتهي لا يريد

و لا يشتهي أنه الأكمل

ففي خاطري منه ظل مديد

و في حاضري منه مستقبل

* *

ترى جاءك الطائر الزنبقي

فحلقت في ذات فجر معه

و ألقى نعاس الصباح النقي

على حسك المشتكى برقعة

و فتحت عينيك عند الأصيل

على مدرج أخضر

و كان انكسار الشعاع الدليل

إلى التل و المنزل المرمر

هناك المساء اخضرار نحيل

من التوت و الظل و الساقية

و في الباب مدّ الأمير الجميل

ذراعيه يستقيل الآتية :

أميرتي الغالية

لقد طال منذ الشتاء انتظاري

ففيم التأني وفيم الصدود ؟

* *

و هيهات أن ترجعي من سفار

و هل ميّت من سفار يعود ؟















حدائق وفيقة



لوفيقة

في ظلام العالم السفليّ حقل

فيه مما يزرع الموتى حديقة

يلتقي في جوها صبح و ليل

و خيال و حقيقة

تنعكس الأنهار فيها و هي تجري

مثقلات بالظلال

كسلال من ثمار كدوال

سرّحت دون حبال

كل نهر

شرفة خضراء في دنيا سحيقة

ووفيقة

تتمطى في سرير من شعاع القمر

زنبقي أخضر

في شحوب دامع فيه ابتسام

مثل أفق من ضياء و ظلام

و خيال و حقيقة

أي عطر من عطور الثلج وانِ

صعّدته الشفتان

بين أفياء الحديقة

يا وفيقة ؟

تخالها تلوح في القرار

من جدول أحاله النهار

صدى من المياه مقمرا

كأنه عشترت آخى فوقها الحجار

صفائحا من الزجاج ، أصبح الثرى

ذرّا من الضياء والغبار

و الحمام الأسود

يا له شلال نور منطفي

يا له نهر ثمار مثلها لم يقطف

يا له نافورةً من قبر تموز المدمّي تصعد

و الأزاهير الطوال الشاحبات الناعسة

في فتور عصّرت إفريقيا فيه شذاها

ونداها

تعزف النايات في أظلالها السكرى عذارى لا نراها

روّحت عنها غصون هامسة

و وفيقة

لم تزل تثقل جيكور رؤاها

آه لو روّى نخيلات الحديقة

من بويب كركرات لو سقاها

منه ماء المد في صبح الخريف

لم تزل ترقب بابا عند أطراف الحديقة

ترهف السمع إلى كل حفيف

ويحها ترجو و لا ترجو و تبكيها مناها

لو أتاها

لو أطال المكث في دنياه عاما بعد عام

دون أن يهبط في سلّم ثلج و ظلام

هناك حين يهبط الموت في سكون

يسمّر العيون

على شموس تنشر الظلام

هناك يستنيم ، في محفّة الغصون

شذى إذا تنشقته روح ميّت غفا

له ، ونام

شعوره القديم واستراح للقتام

ووفيقة

تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويله

لعشيش بين أوراق الخميلة

فيه من بيضاته الزرق اتقاد أخضر

أي أمواج من الذكرى رفيقة

كلما رفّ جناح أسمر

فوقها والتم صدر لامعات فيه ريشات جميلة

أشعل الجوّ الخريفيّ الحنان

واستعاد الضمّة الأولى و حواء الزمان

تسأل الأموات من جيكور عن أخبارها

عن رباها الربد عن أنهارها

آه و الموتى صموت كالظلام

أعرضوا عنها و مروا في سلام

و هي كالبرعم تلتف على أسرارها

و الحديقة

سقسق الليل عليها في اكتئاب

مثل نافورة عطر و شراب

و خيال و حقيقة

بين نهديك ارتعاش يا وفيقة






















المومس العمياء



الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه

والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.

وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،

كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،

وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق

من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف

من أي وجر للذئاب؟

من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟

""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف

وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء

ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء

عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،

والليل زاد لها عماها.

والعابرون:

الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون،

والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها

وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور:

موتى تخاف من النشور

قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!

أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن.

جوكست أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال

يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال

والموت يلهث في سؤال

باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم

من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه.

وما الجواب؟

""أنا"" قال بعض العابرين...

وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم

يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش.

لا تنقلن خطاك فالمبغى ""علائي"" الأديم:

أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح،

يتضاحكون ويعولون.

أو يهمسون بما جناه أب يبرّؤه الصباح

مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون

الحارس المكدود يعبر متعبات،

النون في أحداقهن يرف كالطير السجين،

وعلى الشفاه أو الجبين

تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات،

متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات،

أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور،

وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور

حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور.

جيف تستّر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها

أن الطفولة فجّرتها ذات يوم بالضياء

كالجدول الثرثار - أو أن الصباح رأى خطاها

في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء،

ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء

قد كان - حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة -

ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه

لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء:

لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين

أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء.

ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء

ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء

حتى يجف على العظام - وأن عارا كالوباء

يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء

سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين -

والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول

تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين

كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين

الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول

تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول

والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين

أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح

دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح

ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح

المال، شيطان المدينه

إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا

وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين،

شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين:

حقد سيعصف بالرجال

والأخريات، النائمات هناك في كنف الرجال

والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين

حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال

في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين!

ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل

حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه

تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل

يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه

تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه

خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور

هذي الطيور، فمن يقول تعال...""

أفزعها صداه

وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور

في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،

وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"".

ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها

قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور!

وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها،

وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها

كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها:

سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب

أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب

صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب

بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب

ويرج وشوشة السكون

طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون.

هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟

ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.

وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:

هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.

مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها

وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.

يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟

لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.

قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء

هو والسنابل والمساء -

وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها

والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه

يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي

لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل

شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا

وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل

أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول

حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا

وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها

كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،

وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور

أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها

يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.

ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟

حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها

من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين

ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها

وقضى عليه بأن يجوع

والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء

وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء

كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)

والله - عز الله - شاء

أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق

آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق

دون الأزقة أجمعين

ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها

هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟

يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء

لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين

عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء

كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،

أزراره المتألقات على مغالق كل باب

مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب

وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا

أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا

ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح

أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،

وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح

تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح

وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا

وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف

ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..

فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،

ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء

سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء

- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها

عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:

عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء

وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء

وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها

سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء

والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها

يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!

لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها

أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟

وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار

حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار

وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟

وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.

أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار

ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟

حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار

هي - منذ أن عميت - ""صباح""...

فأي سخرية مريره!

أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار

وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟

أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟

القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره

يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره

تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟

وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟

ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟

شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح

أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح

وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو

هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح

وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟

الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون.

كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟

الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون،
مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون
حلما لها هي والمنون:
عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون،
والآن عادوا ينقضون -

خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح -
ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ...
شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون،
هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح،
والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح -

من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون!
ستعيش للثأر الرهيب
والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها
في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللــهيب
شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها
سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها
وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها،
لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره،
واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره،
وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره
متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها.
وكأن موجة حقدها ورؤى أساها.
كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها
صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها:
كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟
كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين،
هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا
بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين
هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا
ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء:
كانوا مقطبة الجباه من الصخور
ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء
متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء!
وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء
من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور
يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء.
هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور،
دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين،
والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين:
وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين!
سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله:
""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله
ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله
تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام.
والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام،
الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه
من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير!
لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال
يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون...
والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون،
لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال.
وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون
ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام،
وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام
يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام -

شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام
تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق:
لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها
في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها
وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟
عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه.
وتلوب أغنية قديمه
في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه
نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟
ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها!
لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟
عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون
بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها
أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره
لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون
كالرعد في ليل الشتاء
ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء
فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور
وجها تطفأت النواظر فيه....
كيف هو الطلاء؟
وكيف أبدو؟
- وردة ... قمر... ضياء!
زور.. وكل الخلق زور،
والكون مين وافتراء
لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها
- لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها!

برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها
بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها
شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه،
ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟
وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه:
تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها!
كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها،
والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير
وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير،
تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير.
ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء
ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول
تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء!
أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء
حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء...
أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟
شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول
سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول،
والناس ناموا -
هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء،
أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء...
هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه
قد كان عرضا - يوم كان - ككل أعراض النساء!
كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء
إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء
والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه
يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه
بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء!
للموت جوعا، بعد موتي - ميتة الأحياء - عارا.

لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا.
مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء
كالقمح لونك يا ابنة العرب،
كالفجر بين عرائش العنب
أو كالفرات، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب.
عربية أنا: أمتى دمها
خير الدماء... كما يقول أبي.
تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال
أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود
الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود
يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء
ترى شقائي
إلا العفاة المفلسين.
أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين
وأشع لون ضحى...
وذكرا بجعجعة السنين
سعالها. ذهب الشباب!!
ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين
ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين.
وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب،
فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب،
يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين
في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين
دما يجف فتشترين
سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين.
عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال
يذرذر الأضواء في مقل الرجال.

لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين
أثريت..
ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟
ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين
سهاد مقتلك الضريره
ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟
عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين
بنيك من سغب، وظمأى تشربين
حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين!
وكزارع له البذور
وراح يقتلع الجذور
من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور
ولا تنفست السنابل فيه...
ليس سوى الصخور
سوى الرمال، سوى الفلاه -
خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه!
كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين
حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه،
حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين
ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين،
وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه،
وغدا. وأمس ... وألف أمس - كأنما مسح الزمان
حدود ما لك فيه من ماض وآت
ثم دار، فلا حدود
ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود
سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود،
ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان!
لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟
ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما
السنين؟
ماتت ""رجاء"" فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه!
بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين.
كانت عزاءك في المصيبه،
وربيع قفرتك الجديبه.
كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير،
وخلاصك الموعود، والغبش الالهي الكبير!
ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟
ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب:
أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟
مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك
تتنصتين، فتسمعين
رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه:
الباب أوصد
ذاك ليل مر...
فانتظري سواه.
المخبر

أنا ما تشاء أنا الحقير
صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير
للظالمين أنا الغراب
يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب
شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب
أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير
لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك
و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين
ستنسجان لك الشراك
و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين
تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
فتندّ آهتك المديده
و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك
إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين
لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال
و لأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين
كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين
يصفرن في غسق القنال
لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين
كالشامتين ؟
سيعلمون من الذي هو في ضلال
و لأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود
لأيّنا
نهض الحقير
و سأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير
أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود
لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير
أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء
بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود
ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء
الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود
الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات
تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير
أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير

شبح تنفّس ثمّ مات
و اللص عاد هو الخفير
في البدء لم أك في الصراع سوى أجير
كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء
و لندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء
قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء
الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه
فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
و بمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه
أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا
بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
فليحقدن علي كالحمم المستعرّة الأنام
كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون
و ريث قابيل اللعين سيسألون
عن القتيل فلا أقول
أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين
بالآخرين موكّلون
سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
مالي و مالي و ما للناس لست ابا لكل الجائعين
و أريد أو أروى و أشيع من طوى كالآخرين
فليترلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
خمس و أكثر و أو أقل هي الربيع من الحياه
فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين
فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع
لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
ساء المصير
ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
ساء المصير
لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير.
http://www.misrelmahrosa.gov.eg/sect...87%D8%A7%D8%AA
dark cloud likes this.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-20-2012, 04:46 PM
 
السلام عليكم

كيف الحاال ان شاء الله بخير

يسسلمو اخي عاى الاشعار الحلووة للسياب

دووووووم التميز

وشرفني كماان اكون اول رد
__________________
[CENTER]




[cc=لايووجد شيء]
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-23-2012, 12:14 AM
 
اشعار جميلة جدا اخي ..

مجهود جبار تستحق فيه الشكر ..

اشكرك عالطرح الجميل ..

اشعار في منتهى الروعه والابداع ..

تقبل مروري على موضوعك الرائع ..

ودي لك

ارق التحايا !*

~_^
__________________







رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-23-2012, 12:17 AM
 
شكر علي الكلمات
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
غدر الصحاب ,, دنيا الصحاب l_kareem_l مواضيع عامة 37 09-04-2012 06:18 AM
مختارات كلاسيكية::::::::::::::::> samir albattawi أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 3 03-22-2008 09:39 PM
مختارات............مختارات...... pyramid2007 مواضيع عامة 4 12-17-2007 03:22 PM
مختارات من الحياة...!! همس2009 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 12-07-2006 01:43 AM


الساعة الآن 02:13 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011