إلى كل حرفٍ لم أقلهُ كما يجبْ
إلى أولى خطواتيَ الخجلى , و بصماتيَ العجلى , وصوتيَ الطريّ الهاربِ من أسوارِ التعقّل
إلى أول دمعةٍ سقطت في هذه التربة فزادتها ملوحة ’ إلى أول بسمةٍ و أول عثرةٍ و أول دوارْ
إلى أول كذبةٍ وآخر خيبة
إلى الأعوام التي اطفأت أيامها دوننا و سوّرتِ الحزنَ بينَ قوسين
إلى الطائراتِ التي تتجهُ غرباٌ –تلك التي توقْفتُ عن احصائها- نحو قبيلتهمُ العالقةِ هناك
إلى كل الحاضرين بعدنا , والماكثين في ظلالنا , والمارين على احاديثنا المستلقية بهدوء في أوائلِ هذا العهدِ و للذين سبقونا ف النسيانْ
إلى المتسكعينَ فينا , والمرتجفينَ على حدودنا و المشردينَ خارجنا
إلى أولئك الذين عرفناهم وعشنا بهم واقتبسناهم في أحاديثنا و طاردناهم في غفواتنا و رتبناهم في قائمتنا المفضله
الى كل من وجدناهُ فأضاعنا , وكتبناهُ فنسينا

إليك أنت , وزمنك الجميل
إلى الصمت الذي يشبهك جداُ , و تلك الوعود
إلى " واش راك ؟ " و كل الأحاديث الرقيقة التي ماعادت تقال
إلى الشوق الكبير الذي عجزتَ عن سداده والحنين الذي تأخرتَ في استيعابه والصبر الذي لم تُطقْه
إلى زمنك الذي صَغُرَ عليك جداً وخَشيتَ أن أُزاحمك فيه فأقنعتني بانتظارك في زمنٍ آخرَ عسى أن يكون أكثر اتساعاً منه
إلى شعوركَ الغامض بأمورٍ ستحدث , و مخططاتٍ ستُكشف, وأعذارٍ ستُراق
إلى كلّ العبارات التي صففتها فأتت بأطفالٍ لا يشبهونك , وكل الحكايات التي ادخرتها فماتت قبل أن تراك
إلى كل التوقعات التي لم تُصِبْ , و الاضافات التي لم تزدْني بك , و الاحتياجات التي لم تمتلئ بعدك

إلى قلبي المتسرّع الصفيق
إلى حلمي المزروع في عينيك كذنبٍ متجدد , أتوبُ عنهُ مساءًا لأعاودهُ ف الصباحِ بإصرارٍ أكبر

إليّ أنا , الموقوفةُ بتهمة الحنين والحماقاتِ الصباحية
إلى جميع رسائلي المستلقية في بريدك , الغاضبةِ الناقمةِ منزوعةِ الفتيل
إلى كل ما كتبتُه بقصدٍ ودون قصد فجاء أغلبه غير مكتمل النضج , غارقاً في شبر خوف
إلى كل الافكار التي اغوتني فنطقت بها داخل بياض قصيّ لا تقع عليه عينيكَ مخافةَ أن يأتيك شيء من سمومها فتدنّسُ صمتكَ المبارك


وبعد ..

تعلم جيداُ كيف يكون وقع المجيء بعد غيبةٍ فاحشةِ الطول ..
أنت الذي أشرعت باباً للنسيان , في كوخٍ متهالك طُليت أغلب جدرانه بالصمت , فكيف تفعل صبية _اعتادت على الكلام سقفاً لفرحها وشوارع الحديث مخابئ لأفكارها المتواثبة_ في كوخ كهذا ! كيف تتغافل عن بابه الوحيد الذي يفصلها عن كل هذه السماء !

و تعلم جيداُ كيف يكون الشعور باندفاع الأحرف بعد انقطاع غير متفق عليه , لاسيما لو كانت بحدّة أحرفي وكمية الجفاف التي تحملها
لهذا كتبتُ لك رداً صريحاً يومها , أردتك أن تستيقظ فتشربه مالحاً مع قهوتك , جمعتُ فيه كل ألفاظ الحنق والقسوة وكومتها في جمل قصيرة , وصوبتها إلى قلبك دون تفكير
شعرتُ حينها بأنني انتصرتُ عليك وأنني رددتُ لك الأذيّة مصحوبة ببرود الانتظار كلّه , وأنني تساويت معك في الضربات الموجعة , وأنني محقّة .. محقّة .



هل غادرتكُ فعلاً كما أدّعي !


لماذا لم أتكوّم في صمتي وأتركك تُحدِثُ خراباُ في مخبئنا يُسمعُ صداه من أبعد موطنٍ قد تصل إليه الأحرف ؟
لماذا كان ردي سريعاً مدوياً معادياً طافحاً بغضبِ الانتظار كلّه ؟
لماذا كان متوقعاُ وجاهزاً كعاصفةٍ وشَتْ بها الريح ؟
لماذا جاء مندفعاً كجريحٍ تدثّر بقسوةٍ زائفه , فتعثر بها عند أوّل نهوض !







نعم .. كانَ غضباً عاطفياً بحتاً !

وكنت أضعفُ من تلفيقِ نسيانٍ بهذا الحجم ْ