عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-22-2011, 12:37 AM
 


أسباب تأييد الله لرسوله وأحبابه

كل ما تفضل به الله من العطايا الإلهية على حبيبه ومصطفاه فإنه يُكرم سلفه الصالح ومن مشوا على هديه ونهجه بذلك إلى يوم الدين لأن هذا وعد الله الذى لا يتخلف، والذى ذكره وبينه فى كتابه المبين{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }وعد الله لا يتخلف ولا يتخلى عن عباده الصالحين الذين صدقوا فى الاتباع لسيد الأولين والآخرين طرفة عين ولا أقل فإذا رأى عبد فى نفسه أن عناية الله تخلفت عن نصرته أو أن الله لم يكلأه بعنايته فليفتش فى نفسه وليبحث عن مرضه الذى أسقطه فى ذلك لأنه لو صدق فى الاتباع فإن الله يصدق معه فى التأييد وحتى يصدق فى الاتباع لابد أن يتحقق أنه دخل فى قول الله{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}

والصدق يتتبع أن المرء يُبعد الوهم والخيال من مخيلته وذاكرته ولا يعيش فى الأوهام فقد تُخيل له نفسه أنه من أكمل الأتباع وهو يمشى على هواه لأن الذى يُزين له ذلك خياله ونفسه الأمارة بالسوء والميزان لابد له من وَزَّان والوَزَّان والميزان الذى يزن الرجال لابد أن يكون قسطاساً مستقيماً نصبه سيدنا رسول الله هل يجوز أن يجعل كل تاجر ميزانه على مزاجه الشخصى وعلى هيئته وحالته؟لابد أن يكون ميزانه يطابق مصلحة الموازين التى جعلتها الدولة لضبط الموازين فالدولة العلية الإلهية جعلت الميزان فى الأعمال والأحوال لجميع الرجال من قبل القبل إلى بعد البعد من؟هو سيدنا رسول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}لكن لو تُرك الأمر للخلق لأراد كل رجل أن يزن نفسه بما تخيله خياله، وبما توهمه وهمه،

ولذلك يقول أحد الصالحين والصالحون هم موازين جعلهم الله لأهل هذا الزمان:

أنا الميزان للأحوال فانهض

لأحوالى تنل رتباً علية

ويقول أيضاً للواهمين والسامعين والحاضرين أجمعين:

كل ما توهمته بميزان كسب
فهو مهواة حاطب حيران

لا تُحَكم الوهم ولا الخيال ولا النفس فى أحوال الرجال ولكن عليك بالموازين التى وضعها رسول الله والتى صار عليها المحققون من العرفاء بالله إلى يوم الدين

والميزان رمانته {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}الوسطية ويقول فيه أحد الحكماء (وسطاً فكن يا طالب الإقبال) ولذلك يقول أحد الصالحين{الناس ثلاثة: رجال مُغيبون بالكلية وهم أهل الجذب وهؤلاء كثير ورجال فى صحو بالكلية ويُحكمون عقولهم فى كل أمر ويتبعون ظاهر الشريعة وهم كثير ورجال مُغيبون بالكلية وحاضرون وفى صحو بالكلية وهؤلاء أقل من القليل}لأنهم فى تمام المحو وفى تمام الصحو فى تمام الجذب وفى تمام اليقظة مع الخلق جعلوا الجذب لقلوبهم وجعلو الصحو مع الخلق لأجسامهم فيُعطون لكل حقيقة حقها وهؤلاء هم الأقلون عدداً الأكثرون مدداً وهم النمط الذين ينبغى علينا أن نحتذى بهم وأن نمشى على حالهم {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}

ما الجنود الذين أيَّد الله بهم حبيبه ومصطفاه؟ أيَّده الله بجنود فى الهجرة وقبل الهجرة وبعد الهجرة وفى كل وقت وحين وأبقى الله تأييدهم للعدول من أُمته والقائمين بنشر شريعته إلى يوم الدين جنود لا يستطيع أحد عدَّهم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}والمباح لنا منهم والذى نستطيع أن نشير إليه: جنود كونية وجنود ملكوتية وجنود قلبية وجنود إلهية ذاتية.

1- الجنود الكونية:

أما الجنود الكونية فقد جعل الله كل عوالم الأكوان عوناً ومدداً وجنداً وعتاداً وسلاحاً وقوة لسيد الأكوان وأصدر الله أمراً لهم فى صريح القرآن ولا يستطيعون جميعاً أن يتخلفوا عن طاعة الله طرفة عين ولا أقل فقال لهم{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}لابد أن تكون كل الأكوان طوع أمره الأرض طوع أمره والشمس طوع أمره والقمر طوع أمره والبحار طوع أمره وكل من عليها وما تحتها وما فوقها طوع أمره وكل الحيوانات طوع أمره وكل طيور الأرض طوع أمره وكل حشرات الأرض طوع أمره وكل مخلوقات الأرض عدا الكافرين والمشركين والمُبعدين كانوا جميعاً طوع أمر سيد الأولين الآخرين لا يستطيعون أن يتخلفوا عن حضرته طرفة عين فقد أيَّده الله بالهواء وأيَّده الله بالضياء فالهواء أخذ صوته ولم يوصله إلى أسماع المحيطين ببيته عندما كانوا يتحدثون مع بعضهم ويقولون: إن محمداً يزعم أن من آمن به يكون له جنان كجنان العراق وبلاد الشام فخرج عليهم وقال لهم: نعم أنا أقول ذلك ولكن الهواء لم يُسمعهم هذا الصوت حتى لا يتبينوه ولا يعرفوه والضياء أخفى صورة حضرته فلم يروه ولم يتبينوه مع أنه مرَّ عليهم أجمعين ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب لكنهم لم يروه ولم يسمعوه لأن الله أيَّده بهذه الجنود الكونية التى فى عالم الأكوان وأيَّده الله بذلك ليس حول بيته فقط فإن أهل مكة عندما جمعوا جموعهم ووضعوا خططهم حصروا الطرق التى توصل إلى مكة ويخرج الخارج منها فوجدوها اثنى عشر طريقاً فأوقفوا على كل طريق منها جماعة من الجند الأشداء أربعون حول المنزل ثم كتيبة على كل طريق من الطرق التى توصل إلى مكة لمن يريد أن يدخلها ويمشى فيها من يريد أن يخرج منها ومرَّ عليهم رسول الله ولم يروه ولم يعرفوه ولم يسمعوه واخترق كل هذه الحواجز لأنه يمشى بالله ومن يمشى بالله فإن الله يجعله معززاً ومؤيداً فى كل خطواته بأمر مولاه جل فى علاه

وعند الجبل صعد رسول الله الجبل كما ذكرت إحدى الروايات فى الأثر وذهب لغار حراء فقال له: يا رسول الله لا أريد أن يصيبك مكروه على ظهرى فنزل وذهب إلى غار ثور فسمع الجبل وهو يقول: إلىَّ يا رسول الله إلىَّ يا رسول الله دعاه الجبل إليه وتولى حمايته بأمر من يقول للشئ كن فيكون وقيَّد الله له على ما تقول الروايات المذكورة فى السِيَّر جنداً من عالم الأرض حمامتين وعنكبوتاً ونباتاً أو كما يذكر بعض العارفين أن الذى تمثَّل فى ذلك كله كان الملائكة المقربون وقد تمثلوا بهذه الصور الظاهرة ليوهموا الكافرين ولم يوجد فى الحقيقة عند الغار نبات ولا عنكبوت ولا حمام ولا يمام وإنما هى ملائكة الله والملائكة أعطاها الله قوة التشكل فتشكلت على هذه الهيئات لتحمى وتُخفى رسول الله وهذه الرواية فى السيرة الحلبية وغيرها لمن أراد المتابعة

وهيأ الله له الأرض وكانت طوع أمره فعندما أدركه سراقة يُصدر لها الأمر ويقول لها: خذيه فتنشق وتقبض على أقدام سراقة وأقدام فرسه فيتضرع إلى حضرته ويستغيث به فيُصدر الأمر للأرض ويقول لها: دعيه فتُخلى عنه وتتركه وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات لنعلم علم اليقين أن الأرض كانت مسيرة ومذللة بأمر سيد الأولين والآخرين

2- جند الملكوت الأعلى:

أعطاه الله كل جند الأرض ليحفظوه ويحموه، ولكن الله لم يكتفى له بذلك بل أيده بالملكوت الأعلى جند السموات وأنتم تعلمون أنه قبل هجرته عندما رجع من الطائف وقد آذوه ووقف يدعو دعاءه المشهور يقول{فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ » فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ : «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً»}[1]

فالله كشف لنا الأستار عن مكنون الشفقة الإلهية الموجودة فى قلب هذه الحضرة الربانية لأنه يطمع أن يخرج من أصلابهم من يُوحد الله ذلك رغم أنهم آذوه وعارضوه وسفهوه وما تركوا شيئاً يصيبه بأذى إلا ونالوه، ومع ذلك لم يتغير نحوهم ولم ينقلب حاله ويريد بهم سوءاً أو شراً، ولم يضمر نحوهم إلا الخير وإلا البر لأن الله فطره على ذلك وأعدَّه لذلك وجعله أهلاً لذلك وأيده الله بنزول الملائكة فى غزوة بدر وغزوة أحد وكانوا معه فى كل الغزوات{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ}مرة بألف ومرة بثلاثة آلاف من الملائكة ومرة تكون الملائكة لرفع الروح المعنوية ومرة يكونوا محاربين.

3- نزول السكينة:

ثم بيَّن الله فى الآيات القرآنية التأييدات الإلهية القلبية {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ}والسكينة ما هى؟وأين تنزل؟السكينة خطاب تأمين من رب العالمين إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله معه ولا يخشى سوى الله أحداً فى قوة (نحن معك){إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}فأبشروا لأن الله أدخلنا فى هذه المعية أين تنزل السكينة{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}خطاب ذاتى تأييد من الله وإعزاز من الله وضمان من الله ليعلم العبد علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه بعنايته ونصرته طرفة عين ولا أقل ولذلك كان حبيبنا وقرة عيننا يقول{ أنا عبد الله ورسوله ولن يُضيعنى الله أبداً}لن يضيعه الله لأنه أخذ خطاب ضمان ممن يقول للشيئ كن فيكون

بل إنه أعطاه الله إصدار خطابات الضمان لسواه فقد قال للإمام علىّ: توَسد فى مكانى هذا أى نَم فى مكانى قال: يا رسول الله إنهم إذا نظروا ولم يروك فى فراشك ودخلوا علىَّ قتلونى بضربة واحدة، فقال ما معناه كما فى السير: {لن يخلصوا إليك}خطاب ضمان من الحبيب{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}مادام حب رسول الله ساكن فى القلوب حب صادق للحبيب المحبوب فإن الله يكشف عن العبد كل ضر ويحفظه من كل عناء ومن كل لغوب ببركة حب الحبيب المحبوب والسكينة بالنسبة للمؤمنين تنزل فى قلوبهم إذا صلحت وأصبحت صالحة لتنزلات رب العالمين{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}لكن بالنسبة لرسول الله لأن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره ظاهره نور وباطنه نور{ نُّورٌ عَلَى نُورٍ}وأصبح كله كأنه قلب نورانى أنزل الله سكينته عليه كله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}أنزل الله عليه سكينته وزاده الله فأنزل عليه طمأنينته والطمأنينة تنزل لمن؟للذاكرين بالقلوب وبالروح لرب العالمين{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

وزاده الله فأنزل عليه أُنسه، آنسه بوجهه وآنسه بجماله وآنسه بكماله، ولذلك قال لصاحبه عندما قال له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا قال{يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا}[2]كان فى أُنس بمولاه لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين وصفه لأنه أُنس حبيب الله بالله جل فى علاه يكفى فى وصفه قول الله لمن أراد أن يلمح ذلك بعين قلبه { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}كان فى الغار اثنان والخطاب فى اللغة العربية كان يقتضى أن يقول ثالث اثنين لكن الله قال{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ}لأن الحبيب غاب فى مولاه وفنى بالكلية فى حضرة الله فأصبح غائباً عن نفسه موجوداً بمولاه جل فى علاه فلم يعد هناك مثنوية لفناءه بالكلية فى الحضرة الإلهية وأنزل الله عليه من جند لطفه ما لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين ذكره أو عده يكفى أن تعلم فى هذا الميدان أن الله تجلى على قلبه بكل أسماءه وصفاته وكان كل وصف من أوصاف الله معيناً لحبيب الله ومصطفاه وعوناً له فى مواجهة أعداءه وأعداء الله جل فى علاه.

4- التأييدات الإلهية الذاتية :

وهناك تأييدات ذاتية وهى لأهل المشاهدات العيانية الذين يتلقون شفاهاً من رب البرية والتأييدات الذاتية أن الله كشف عنه الحجب وواجهه بجمالاته الوهبية آنسه بوجهه، والأُنس يجعل الإنسان يغيب عن الأكوان ولا يشعر بأحد إلا بحضرة الرحمن وجعله الله فى هذا المجال ليس له اعتماد ولا استناد ولا توكل إلا على من يقول للشئ كن فيكون: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}معك الله ومن اتبعك من المؤمنين{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}ومن كان الله مولاه هل يُرِد أحداً آخر؟{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}فكان يشاهد تجليات الله ويعلم أن الله هو الذى يأويه وهو الذى يسانده وهو الذى يُعززه وهو الذى ينصره وهو الذى يقويه ولذلك كان فى عز دائم بحضرة الدائم{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}

هذه التأييدات الإلهية التى ألمحنا إلى بعضها تفصيصها وتفصيلها يحتاج إلى أرواح فارقت الأشباح وعاينت الكريم الفتاح وتتلقى شفاهاً وجهاراً من يد المنعم الفتاح لكن ما أريد أن أقوله أن الله كل تأييد أيَّد به حبيبه فإن الله يؤيد به أحبابه الصادقين فى اتباعه إلى يوم الدين إذا كان الله أيَّد الحبيب بالأكوان فإن الله أيَّد أتباع الحبيب بنصرة كل ما فى الأكوان منهم من جعل الله له الماء لوح ثلج كبير يعبر عليه وجنوده كسيدنا العلاء بن الحضرمى عندما أرسله الحبيب إلى البحرين فاعترضهم البحر فوقف وقال لجنده قولوا خلفى: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) ولذلك قال بعض الصالحين أن ذلك اسم من أسماء الله العظمى الذى إذا دُعي به أجاب فقالوا: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) ونزلوا البحر، ومعهم جمالهم، والجمال لا تجيد السباحة، وكذلك هم لأنهم أهل صحراء، ولكنهم كما ذكرت الرواية – والراوى هو سيدنا أبو هريرة - يقول{لمّا بَعَثَ رسولُ الله العَلاءَ بنَ الحَضْرَمِيّ إلى البَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثَلاثَ خِصالٍ لا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَعْجَبُ. انتَهَيْنَا إلى سَاحِلِ البَحْرِ فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وتَقَحَّمُوا، فَسَمَّيْنَا وَتَقَحَّمْنَا، فَعَبَرْنَا، فَمَا بَلَّ الماءُ أَسَافِلَ أَخْفَافِ إِبِلِنَا، فَلَمَّا فَقُلْنَا صُرْنَا مَعَهُ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: صَلُّوا ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا فًّاذَا سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ، ثُمَّ أَرْخَتْ عَزَالِيْها فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، فَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ في الرَّمْلِ فَلَمَّا صِرْنا غَيْرَ بَعِيْدٍ قُلْنَا يَجِيءُ سَبْعٌ فَيٌّاكُلُهُ، فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَرَهُ}[3]فعبروا اليمَّ ولم تبتل أخفاف إبلهم تجمد الماء وصار كأنه لوح ثلج، فلما رآهم سكان الجزيرة قالوا: ما هؤلاء إلا ملائكة أو جن ولا طاقة لنا بحرب الملائكة ولا الجن فاستسْلموا هذا تأييد من الله لأعوان الحبيب حتى نعرف أن ما يحدث لرسول الله يحدث لأتباعه الصادقين

سيدنا سعد بن أبى وقاص لما أراد أن يحارب الفرس فى موقعة القادسية وكان بينه وبينهم نهر دجلة وقام الأعداء بقطع كل الجسور حتى لا يستطيع أن يعبر وكان الله ومازال على ما عليه كان يؤيد جنده بالرؤيا الصالحة، فرأى فى منامه أنه وجنده عبروا دجلة إلى صفوف الكافرين، فلما استيقظ فى الصباح عقد اجتماعاً عاجلاً لكبار القادة، وقال: جائتنى إشارة من رب العالمين بعبور النهر ولابد من العبور لأنهم كانوا أهل يقين قالوا له: كيف سنعبر؟قال: قولوا: (بسم الله توكلنا على الله حسبنا الله ونعم الوكيل) وألقوا بأنفسكم وخيولكم وجمالكم فى النهر فنزلوا النهر بخيولهم وجمالهم، وحملهم الماء، ومشوا يتحدثون مع بعضهم، وكلما تعب رجل منهم من السير ظهرت له جرثومة - أى جزيرة - من الأرض يقف عليها حتى يستريح ثم يستكمل المشى فلما عبروا دجلة ولم ينقص من أحدهم شئ إلا جندى فقدَ كوب الماء الذى يشرب به فى النهر، فتوجه إلى الله وقال: يارب لماذا حرمتنى من كوبى دون بقية إخوانى الجند؟وإذا بالنهر يموج –أى يحدث به موج- وتحمل الموجة كوبه وتقذف به إليه فيهبط فى حجره، فيقول لإخوانه فرحاً وهذا كوبى لم أفقده{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}

وبعث رسول الله رجلاً من عنده برسالة، وكان اسمه سفينة، فوجد الناس يهرعون فارين خائفين فى الطريق الذى سلكه فسألهم: مم تهربون؟ قالوا: الأسد هائج على الطريق وكأنه جائع ويريد أن يصطاد أى أحد ليأكله، قال: تعالوا خلفى ولا تخشوه، فذهب عنده وقال: إنى جند من جنود رسول الله أرسلنى برسالة فتنحى عن الطريق، فنظر إليه الأسد ثم هز ذيله ثم ابتعد عن الطريق ووسع له ومن معه اكراماً للرسالة التى يحملها من رسول الله وهذه القصة مشهورة ومروية بروايات عديدة فى كتب السيرة لمن أراد الإطلاع عليه وحتى فى العصر الحديث آلاف الإكرامات التى أكرم بها الله أحباب رسول الله إذا صدقوا فى اتباعه صلوات ربى وتسليماته عليه[4]

{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
هذه الآية عامة أم محددة؟ عامة فى أى زمان ومكان إذا تحققت بها تصير من أهلها ويفتح الله عليك كما فتح على جميع رجالها حتى التأييدات الملكوتية يُنزلها الله لأهل حسن المتابعة لخير البرية وكم فى ذلك من روايات لا عد لها ولا حصر منها: أن رجلاً فى زمن رسول الله كان تاجراً وخرج فى تجارة من المدينة إلى الطائف وليس معه إلا الله معتمداً على مولاه، وفى الطريق تعرض له قاطع طريق وأخذه إلى واد ملئ برءوسٍ لقتلى كثيرين، وقال: اعطنى ما معك ومصيرك كهؤلاء قال: خذ ما معى ودعنى أذهب إلى أولادى قال: لابد قال: إذا كان ولابد فاتركنى حتى أصلى ركعتين لله قال: لك ذلك فأخذ الرجل فى الصلاة وهو عند الركوع سمع قائلاً يقول: دعه يا عدو الله فواصل الصلاة وعند السجود سمع الصوت مرة أخرى يقول: دعه يا عدو الله وفى التشهد الأخير سمع الصوت مرة ثالثة يقول: دعه يا عدو الله فأنهى صلاته وسلمَّ فوجد الرجل مقتولاً بجواره وبجواره رجل يلبس ملابس بيضاء ومعه السيف الذى قتله به وهو ملطخ بالدم، فقال له: من أنت؟ ومن الذى أرسلك إلىَّ؟قال: أنا مَلك من السماء الرابعة لما حدث لك ما رأيت واستغثت بالله نادى منادى الله: من يُغيث عبدى فلان بأرض كذا؟ قلت: أنا يارب فنزلت فهَمَّ الرجل بقتلك وأنت فى الصلاة، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثانية وأنا فى السماء الأولى، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثالثة وأنا على باب هذا الوادى، فقلت: دعه يا عدو الله، ثم قتلته

إذن تأييد الله للمؤمنين كتأييده لسيد الأولين والآخرين بكل جند الأرض وكل جند السماء إن كان الهواء فى الرجل الذى قال: يا سارية الجبل أو الماء كما قلنا أو الأرض أو غيرها فى أكثر من موضع وتغص كتب السيرة المطهرة بمثل هذه الوقائع وكذلك يؤيدهم الله بنزول الملائكة لإغاثتهم وكذلك يُنزل الله فى قلوب المؤمنين السكينة والطمأنينة والحكمة واللطف حتى يعتقدوا ويعلموا علم اليقين أن عناية الله تحيط بهم من كل جهاتهم، فلا يخافون إلا الله، ولا يخشون إلا غضب الله جل فى علاه تبارك اسماؤه وتنوهت صفاته فالله أعدَّ لعباد المؤمنين فى الدنيا كل أدوات النصر والتمكين إن كانوا فى أنفسهم أو على غيرهم أو بين إخوانهم أو على أعداءهم لكن كل ما يطلبه الله منهم نظير ذلك هو قوله فى كتابه الكريم{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}

لم يطلب الله أكثر من الإيمان والعمل الصالح ليستخلفهم الله فى الأرض وليمكن لهم دينهم وليؤيدهم بكل ألوان التأييد التى أيَّد بها حبيبه ومصطفاه وإن أرادوا البشريات وأرادوا الكرامات وأرادوا عطاءات الأولياء والصالحين فنظير ذلك قوله{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}الإيمان والتقوى فإذا آمنوا واتقوا فتكون كما قال لَهُمُ{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}

نحن نتقى الله ونعمل الصالحات لكن المشكلة عندنا المداومة على ذلك فمعظمنا موسميون حيث نعمل فى رمضان عقداً مع الرحمن على تلاوة القرآن وصلاة القيام والصيام والذكر والتسبيح والطاعات ومدة العقد إما تسع وعشرون أو ثلاثون يوماً حسب الرؤيا وبعد رمضان نرجع إلى ما كنا عليه من قبل لكن الموضوع يحتاج إلى المداومة السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها تقول عن الحبيب{كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً}[5]أى يدوام عليه والحبيب قال لنا{أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ}[6]فلا تُحَمل نفسك عملاً كثيراً لا تستطيع أن تقوم به إلا وقتاً قليلاً وفى هذه الحالة تكون قد أخطأت فى متابعة البشير النذير فإذا أردت أن تتابع رسول الله لابد أن تمشى على الميزان وهو المداومة هل هذا واضح ؟اعمل لك عملاً يناسبك المهم أن تديم عليه، لو كان هذا العمل حتى قليل لكن المهم المداومة عليه{ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ }

ولذلك كان يقول بعض الصالحين{صلِّ ولو ركعتين فى جوف الليل تُكتب فى ديوان القائمين}المهم أن تداوم عليها لكن تصلى فى رمضان التراويح بعد العشاء ثم تصلى بالليل صلاة التهجد ثم يوم العيد لا تصلى تراويح ولا تهجد ولا حتى ركعتين نفل حتى أنه ثبت صحياً من طب القلوب والأبدان معاً أن الإنسان إذا دام على عمل ثم تركه مرة واحدة يمرض الجسم، فلابد للإنسان أن يُعَود نفسه على المداومة فصلِّ ركعتين فى جوف الليل تكتب فى ديوان القائمين وتصدق ولو بقروش كل يوم تُكتب من المتصدقين المهم المداومة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات هؤلاء فى أى وقت؟فى كل الأوقات لكن لهم ذكر داوموا عليه وترفع الملائكة لهم هذا العمل إلى حضرة الله والله يُقبل عليهم بهذا العمل الذى ينظر إليه ويطلع عليه ويراه لأنهم داوموا على هذا الحال

لكن الصالحين يقولون لنا(دوام الحال من المحال) هذا لأهل النفوس علاج النفوس كيف؟ يحتاج من الإنسان أن يُرغم نفسه على دوام الطاعة لحضرة الرحمن فإذا داوم على هذا الحال سيكون من الرجال الذين يقول فيهم الله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ}واظبوا على العمل الذى يُرفع منهم إلى حضرة الله عز وجل! فى علاه فحتى يكون الإنسان فى رعاية الله على الدوام، ويتنزل الله بأحوال الصادقين والصالحين على التمام لابد من الدوام على الطاعات والقربات التى يرفعها ويتقرب بها إلى الله

[1] صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها.

[2] الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى بكر

[3] رواه الطبراني في الثلاثة

[4] راجعوا كتاب { منهاج الواصلين} ، باب {هذا فضل الله} من ص: 7 إلى ص: 46.

[5] الصحيحين البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها .

[6] الصحيحين البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها .



رد مع اقتباس
  #12  
قديم 12-22-2011, 12:41 AM
 


الأسوة الحسنة

نريد أن نتلمس عبرة وعظة لنا أجمعين من هجرة سيد الأنبياء والمرسلين فإن الله كان قادراً على أن يأخذ حبيبه ومصطفاه فى طرفة عين أو أقل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لا يمشى على أرض ولا يركب مركوباً من عالم الأرض ولا ينازعه ولا يعارضه بشر كان قادراً على أن يتمم ذلك كله فى طرفة عين أو أقل فلِمَ جعله الله يروعه القوم وهو فى بيته؟ثم يبحثون عنه بعد خروجه من بيته ويختبأ منهم فى الغار لمدة ثلاثة أيام ثم يمشى بعد ذلك فى طريق لا يسلكه سائر الأنام تعمية عليهم ويدخل المدينة بعد سفر لمدة أسبوع لِمَ كان ذلك؟

لأن الله ضرب لنا المثل والأسوة والقدوة جميعاً بالحبيب وقال لنا فى شأنه صلوات ربى وتسليماته عليه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}أراد أن نتأسى به فى حياتنا، ونقتدى به فى كل أمورنا فلو أخذ الحبيب كما قد ذكرنا فى طرفة عين أو أقل ونقله إلى حيث يريد لقلنا جميعاً هذه خصوصية لمقام النبوة أما نحن العبيد فشأننا التعب والمشقة والعناء ولكن الله ضرب لنا المثل بسيد الرسل والأنبياء وكأن الله يقول لنا: كل من تمسك بدين الله وحرص على أن يعمل بشرع الله لابد أن تواجهه مشاق فى هذه الحياة ولابد أن تقابله مشكلات أو معضلات تريد أن تمنعه من العمل بشرع الله ومن تنفيذ ما يطلبه الله فى كتاب الله أو الحبيب فى سنته الشارحة والموضحة لكتاب الله

ماذا يصنع؟يصنع كما صنع الحبيب ويعلم علم اليقين أنه مادام يتمسك بشرع الله رغبة فى رضاه وطلباً للفضل من الله ومتابعة لحبيب الله ومصطفاه فليعلم علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه أيضاً طرفة عين ولا أقل كما لم يتخلى عن حبيبه ومصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه وحتى لا يظن الإنسان بنفسه ضعفاً إذا كان ليس له نسب كثير ولا معارف من الأكابر والعظماء - فالجميع يظن أن أمور الحياة تُيسر بالحسب أو النسب أو المعارف أو المال - فإن الله قال لنا فى شأن الحبيب{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}لم ينصره قومه ولم ينصره الذين حوله وإنما الذى نصره هو النصير الأعظم وهو رب العزة ولم يقل الله فى الآية: (فقد ينصره الله)لأنه لو قال ذلك كان معنى ذلك أن النصر سيأتى سالفاً لكن الله ذكر أن النصر معه من قبل القبل من قبل أن يخلق الله الخلق{فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}ونصره بالفعل الماضى قبل وجوده وقبل نشأته وقبل إيجاد هذه الحياة الدنيا التى نحيا فيها ونعيش على أرضها فإن الله قد نصره وأيده بنصره لأن الله أيد بالنصر كل من قام بنبوته أو بتبليغ رسالته

وكذلك كل من استجاب للمرسلين وتابع سيد الأولين والآخرين فإن الله ينصره ولكن يعلم علم اليقين قول رب العالمين{وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ} [1]فلا يتعجل ولا يستبطئ النصر لكن يعلم علم اليقين قول سيدنا رسول الله{وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ}[2]النصر يحتاج إلى الصبر الجميل وعدم الهلع أو الجزع أو الشك فى دين الله أو التشكك فى إنجاز مولاه بل يعلم علم اليقين أن الله سينصره فى الوقت الذى يعلم فيه أن هذا هو الوقت الصالح لنصره والصالح لتأييده لأن الله أعلم منا بمصالحنا أجمعين نصَره الله فى الدنيا بكل عوالم الأكوان نصره بعالم النبات ونصره بعالم الطير ونصره بعالم الهواء ونصره بعالم الحيوان ونصره بعالم الجمادات ونصره بالإنس الذين ألقى الله فى قلوبهم حبه والرغبة فى نصرته صلوات ربى وسلامه عليه لأن الله يُعلمنا أنه إذا أراد نصر أحبابه فإنما يُيسر لهم جميع الأسباب

والنصر فى الحقيقة من مُسبب الأسباب ومن مُحركها وهو الكريم الوهاب انظر معى إلى قول الله{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}وحسبه أى كافيه أى يكفيه عن الجميع وأمر الله الأرض أن تكون طوع أمره منذ تحرك من بيته تحميه من أعداءه فإذا مشى على الرمل تماسك الرمل تحت قدمه فلم يؤثر قدمه فى الرمل حتى لا يعرفوا أثره وإذا مشى على الصخر – والصخر شديد يُتعب من مشى فوقه – كان الصخر يلين تحت قدمه حتى لا يتعب فى سيره لأنه مهاجر لربه ولم يأمر الله جحافل الملائكة أن يحرسوه استهانة بهؤلاء الأعداء، فلو كان لهم وزن عند الله لأرسل الملائكة تدفع عن حبيبه ومصطفاه [3] لكنه وهو القوى يتحداهم بأشياء ضعيفة فى بيئتها ومعروفة لهم بضعفها فيأمر نبتة معروفة تنبت فى كل أرجاء الصحراء أن تنبت فوراً على فم الغار وهو نبات معروف اسمه أم غيلان ينبت فى الصحراء وله زهور كالقطن الذى نعرفه – نبتت فى الحال ويأمر ليس صقوراً أو طيوراً جارحة وإنما يمامتين وديعتين أن ينصبا عشاً لهما على هذه الشجرة وأن تبيض الأنثى بيضتين وترقد عليهما ويأمر أضعف الحشرات وهو العنكبوت أن ينسج بيتاً على باب الغار

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }تحدى الله الكافرين بأشياء بسيطة من عالم النبات ومن عالم الطير ومن عالم الحشرات كائنات ضعيفة تحدت الكفر والكافرين حتى نعلم علم اليقين قول رب العالمين { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }فلا تُرهبنا الذَرَّة ولا الصواريخ عابرة القارات ولا الأجهزة الفضائية أو التكنولوجية الحديثة إذا آمنا بصدق بالله واتبعنا بإخلاص حبيب الله ومصطفاه فإن كل هذه المعدات والأجهزة ومن يُشغلها لا وزن لهم عند الله إذا أطعنا وكنا جميعاً كما كان الصادقون من أصحاب رسول الله،

إذا دخلنا فى قوله{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}عبرة للمتقين وأسوة للمؤمنين فإن المؤمن بربه لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب ولا يستطيع عليه أحد مهما بلغت قوته ومهما بلغت مخترعاته وعدته لأنه معه الله ومن معه الله{ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

فأيَّد الله حبيبه كما رأينا، وجعل كل شئ من عالم الأسباب تحت أمره بقرار من مسبب الأسباب ولذلك عندما لحق به الرجل الفارس العتيد قال النبى:يا أرض خذيه فامتثلت الأرض وانشقت وأمسكت برجليه وأرجل فرسه فلما استغاث به قال: يا أرض دعيه فامتثلت الأرض لأمره وتركته وكرر ذلك ثلاث مرات لنعلم أن الأرض مسخرة له بأمر الله، لأن الله قال فى شأنه وفى شأن أنبياء الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}أيَّده الله ثم حتى لا نظن أن هذه أشياء خاصة بتأييد الله للنبى ذكر الله عن هذه الأشياء التى أشرنا إلى بعضها{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}كل الذى ذكرناه أشياء رأيناها أو رآها من أخبرنا بصدق عنها لكن الله نصره بجنود لم نرها ما هذه الجنود؟

الآيات الحسية للمرسلين والنبيين أحياناً يحدث بعضها لكبار أولياء الله الصالحين لكن ليس لكل الناس ونحن نريد عناية الله التى معنا كلنا فَعَرَّف الله النبى وعرَّفنا بأن الجنود الحقيقين الذين أيَّد الله حضرة النبى بهم لا تراهم العيون{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}هذه الجنود ذكرها الله لأننا لنا مثلها حتى نعرف أن لنا تأييد من الله يؤيد به العبيد الذين يمشون على نهج النبى إلى يوم الدين

ما هذه الجنود التى لم نرها؟منها توفيق الله ورعاية الله وكفالة الله وموالاة الله بما لا يُعد من النعم والآلاء لأحباب الله ورسل الله وأصفياء الله جل فى علاه على سبيل المثال: أشار رسول الله إلى بعضها وقال فى شأنها{نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ}[4]أعطاه الله فى أى معركة بينه وبين الأعداء يرسل الله سبحانه وتعالى عليهم الرعب وبينهم وبين حضرة النبى سفر شهر أين سلاح الرعب هذا؟{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}هذا السلاح يذهب إلى الأفئدة وليس على الأجسام أو البيوت هذا السلاح لا يراه أحد وبينهم وبينه مدة شهر أى أنه عابر للقارات لكن من الذى يبعثه؟ ومن الذى يصيره؟ الله رب العالمين لحبيبه ومصطفاه وكما أعطى هذا السلاح لرسول الله يعطيه للمؤمنين الأتقياء الأنقياء الذين يمشون على نهج رسول الله

سادتنا من السلف الصالح من الصحابة الأجلاء كيف فتحوا البلدان؟ ليس بالسلاح لأن سلاحهم كان ضعيف وخفيف وكان عددهم قليل لكن السلاح الأساسى كان الرعب الذى كان يبعثه الله فى قلوب الأعداء ولا تعتقد أن هذا الرعب كان فى زمن رسول الله وصحابته فقط بل يوجد حتى فى زماننا هذا فقد كان السلاح الأساسى للنصر فى حرب أكتوبر عام ثلاث وسبعين كان الرعب فقد كانت اسرائيل تمتلك أحدث طائرات فى العالم ومع ذلك رفض ضباطهم قيادتها حتى أنهم كانوا يربطونهم بجنازير حتى لا يهبطوا منها ويتركوها سبب ذلك الرعب هذا الرعب جاء من عند الله وذلك بسبب رجوعنا إلى الله فصدق معنا قول الله{ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }كيف ننصر الله؟ ننصر شرعه، فنجعل شرع الله هو السائد بيننا فى هذه الحياة فى المعاملات وفى الأخلاق وفى المودات وفى كل الحالات لو جعلنا شرع الله هو السائد فسيأتينا نصر الله كما كان يأتى لحبيب الله ومصطفاه سلاح الرعب هذا كان للأعداء البعيدين لكن كان هناك نفر من حوله يريدون أن يغتالوه ورسول الله ليس له حرس يحميه من هؤلاء إذاً ما السلاح الذى يحميه منهم؟ الأنصار طلبوا من رسول الله أن يجعلوا له حرساً فتركهم رسول الله يجعلون له حرساً إلى أن نزل قول الله{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}فرفض الحراسة فكان ينام ويمشى بدون حرس لماذ؟ لأن الله سلَّحه بسلاح يغنيه عن الحرس وهو سلاح الهيبة
الذى يقول الإمام علىّ فيه(من رآه بديهة هابه)من يراه من بعيد يهابه سواء من المؤمنين أو من الآخرين

جاءت امرأة فى الطريق تشتكى لرسول الله فقيل لها ها هو رسول الله فعندما وصلت إليه ارتعشت وسقطت على الأرض فقال لها{هَوِّنْى عَلَيْكَ فَإِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ تَأْكُلُ الْقَديدَ في هذِهِ الْبَطْحاءِ}[5]هذه الهيبة كانت مع الأعداء واسمعوا لرواية عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ{ قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ} [6]أخلاق مدحه بها العزيز الخلاق وقال فى وصفه{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }كان على خلق عظيم صلوات ربى وتسليماته عليه

هذه الهيبة التى كانت مع رسول الله كانت أيضاً مع الثلة المباركة حوله وهم صحابة رسول الله كان الأعداء عندما يسمعون عن وجود خالد بن الوليد فى مكان يُعلنون الاستسلام قبل أن يجيئهم خالد بوقت طويل خوفاً منه حتى أنه ذات مرة فى معركة تسمى معركة اليرموك بين المسلمين والروم وكان عدد الروم أربعمائة ألف ومعهم أسلحة عتيدة والمسلمين بقيادة خالد ثلاثون ألفاً وليس معهم مثل الذى مع الأعداء فأراد أحد قادة الروم الكبار أن يرى سيف خالد بن الوليد فسألوه لماذا؟ قال: لأنى سمعت أن سيف خالد أحضرته له الملائكة ولذلك ينتصر فى كل معاركه فدخل على سيدنا خالد وأعطاه السيف فوجده عادياً بل أقل من العادى بالنسبة لهم فعرف أن الشأن ليس شأن السيف ولكن الشأن شأن من يُمسك بالسيف وعرف أن الموضوع هو الهيبة التى ألقاها الله على خالد كما ألقاها على رسول الله كما ألقاها على كل جند الله فكان كل جندى يذهب إلى أى مكان تسبق هيبته إلى قلوب الأعداء فتجعلهم يستسلمون بلا قتال بسبب الهيبة التى أيدهم الله بها وجعلهم من أهلها متابعة للحبيب من الجنود التى أيَّد بها الله رسوله فى القرآن أن الله جعل المؤمن بعشرة{إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ}فالواحد بعشرة، من أين هذا الصبر؟{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ}هذا الصبر الذى يبعثه للإنسان هو الله

ومن حكمة الله التى شمل بها المسلمين أجمعين – حتى العصاة والمذنبين اكراماً لسيد الأولين والآخرين – أن أى مسلم فى أى زمان أو مكان قبل أن تنزل به كارثة أو مصيبة يبعث الله له فى داخله مدد من صبر رب العالمين يبعث الله له الصبر أولاً فإذا نزلت به المصيبة تجده جاهزاً ومستعداً ومتأهل لا يفزع ولا يهلع ولا يُصيبه ما يصيب الآخرين من الكافرين والمنافقين وغير المُسَلِمين لرب العالمين هذا الصبر يعطيه الله لنا لنتحمل به المصائب هذا الصبر الذى كان يعطيه الله لسيدنا رسول الله ولأصحابه فى القتال وفى حرب الأعداء كان بالنسبة لرسول الله قدر الصبر الذى أعطاه الله لكل أنبياء الله ورسل الله{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}صبر رسول الله قدر صبر كل أنبياء الله ورسل الله بما فيهم أيوب الذى نضرب به المثل فى الصبر والمسلمين العاديين كان يعطيهم الله صبر قدر عشرة فى ميدان القتال أما المؤمن القوى فيعطيه الله أكثرولذلك سيدنا علىّ وغيره من أصحاب رسول الله بل النساء من أصحاب رسول الله كانوا فى ميدان القتال الواحد منهم قدر مائة من الفرسان الشجعان فى قتال الأعداء من أين ذلك؟الطاقة الجسمانية ضعيفة والغذاء لا يكفى لكن التموين الداخلى وهو الصبر النازل من عند ملك الملوك يجعل الواحد منهم قوته كقوة المَلَك فى جلاده وحربه مع الأعداء والكافرين ففى غزوة خيبر كان الأعداء يحتمون داخل البلدة بسور عالٍ والمسلمون خارجه ولا يستطيعون دخوله فقال رسول الله {لأُعطِينَّ الرايةَ غداً رجلاً يَفتحُ اللهُ على يديهِ يُحِبُّ اللهَ ورسوله ويُحبُّه اللهُ ورسولهُ} [7]فبات أصحاب رسول الله يتمنى كل واحد منهم أن يكون هذا الرجل

قال سيدنا عمر: ماتمنيت الإمارة فى يوم إلا فى ذلك اليوم لماذا؟ للوصف الذى وصف به رسول الله هذا الفارس القائد وفى الصباح قال رسول الله : أين علىّ؟ قالوا: إنه أرمد يا رسول الله قال: هاتوه فأخذ النبى من ريقه ووضع فى عين الإمام علىّ فشُفيت فى الحال بإذن الله وأعطاه الراية سيدنا علىّ كان يحارب بسيفين سيف باليمين وسيف باليسار – وهذه كانت من مقدراته وطاقاته الحربية الجبارة – فحارب على باب الحصن يريد أن يفتحه إلى أن تكسر السيفين فأمسك بالباب وشدَّه فخلعه وحمله يحتمى به من سيوف الأعداء ودخل المسلمون من تحت الباب حتى فتح الله الحصن وبعد أن فتحوا الحصن جاء ثلاثين رجلاً ليُحركوا الباب ليضعوه مكانه فلم يستطيعوا إذاً كيف حمله الإمام علىّ وكان يحارب به؟ حتى نعرف مدد الصبر الذى أمده الله به مدد إلهى كان الله يمد به رسول الله وأصحابه المباركين فى كل وقت وحين هذه الجنود هى التى يقول الله فيها{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}جنود لاعدَّ لها ولا حد كانت تؤيد رسول الله وتعضد رسول الله وكذلك أصحابه المباركين فى كل وقت وحين

كان بعضهم يؤيده الله فى المعارك بالرؤيا الصالحة ذهب سيدنا سعد بن أبى وقاص ليحارب الفرس فى عهد سيدنا عمر وجاء الفرس له بقائد يُسمى رستم وجمعوا له ما لا يُعد من الجند وأحضروا له أفيال مدربة لتحارب بخراطيمها وعلى كل فيل خيمة فيها عشر جنود وكان بينهم وبين سيدنا سعد نهر دجلة فقاموا بقطع كل الجسور التى على النهر وأخذوا كل السفن ناحيتهم حتى لا يستطيع أن يعبرففكر سيدنا سعد وهؤلاء إذا فكروا فإنهم يدفعون الأمر إلى من يقول للشئ كن فيكون فلابد أن يستعين بالله وأن يطلب الإغاثة والنصرة من الله{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}

فرأى فى نومه أنه وجنوده يعبرون نهر دجلة على أقدامهم – هؤلاء القوم يعيشون فى الصحراء فلا يُجيدون السباحة وجِمالهم لا تعرف السباحة فجمع قادته وأخبرهم برؤياه ولم يكذبوه بل فعلوا ما إلهمه الله به ونصرهم الله نصرا عزيزا مؤزراً حتى كوبا واحدا لم يفقدوه فى الماء وأبين لكم بتوضيح بسيط فى الصباح وقف الجيش وعدده ثلاثون ألفاً على النهر وقالوا جميعا (بسم الله حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير)وألقوا بأنفسهم فى النهر فحملهم الماء بإذن الله والذى كان يركب جملاً نزل به والذى كان يركب فرساً نزل به ومشوا فى قلب النهر وهم يتكلمون مع بعضهم والذى كان يتعب منهم كان من عناية الله أنه يجد جزيرة تخرج له من النهر وعليها تراب يابس ليستريح عليها وبعد أن يستريح ويستمر فى مشيه تختفى هذه الجزيرة تأييد من الله جل فى علاه وبعد أن عبروا النهر قال لهم: تمموا على حاجاتكم فقال أحدهم: ضاع منى الكوب الذى أشرب فيه فرفع هذا الرجل يديه إلى الله وقال يارب فجاءت موجة فى النهر حملت الكوب وألقته فى حجره: ما هذا؟{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}إذن نفس التأييد الذى كان مع رسول الله كان مع جند الله من يمشون على منهج حبيب الله وعلى منهج كتاب الله وأملهم وطلبهم كله مرضاة الله بعد إخلاص العمل والصدق مع الله

ما بيننا وبين أن نكون من الذين ينصرهم الله ويؤيدهم الله فى كل أحوالهم ويرعاهم الله فى كل شئونهم ويستجيب لهم كل دعاءهم ويحقق لهم كل آمالهمإلا أن نهاجر الهجرة التى بينها لنا سيدنا رسول الله فى حديثه الكريم فعندما دخل مكة فاتحاً صلوات ربى وتسليماته عليه أعلن وقف الهجرة المكانية أى من مكة أو من أى موضع بالجزيرة العربية إلى المدينة المنورة وفتح باب الهجرة المعنوية إلى يوم الدين فقال صلوات ربى وتسليماته عليه{لا هِجرةَ بعدَ الفتحِ ولكنْ جِهادٌ ونيَّة} [8]وقال{وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ} [9]فالمهاجر منذ فتح مكة إلى يوم الدين هو الذى يهجر المعاصى والفتن ما ظهر منها وما بطن هو الذى يهجر قالة السوء كل القول الذى نهى عنه الحبيب، قول الزور والكذب والفجور وكل ما يؤذى المسلمين ويُشوش على المؤمنين والذى أشار إليه فى قوله{ المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ} [10]ما الذى يؤذى الإنسان المسلم من لسان أخيه؟ وضح ذلك فى الحديث الآخر صلوات ربى وتسليماته عليه فقال{لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}[11]لا يسب أحداً من خلق الله فضلاً عن الإنسان الذى كرمه الله ولا يلعن شيئاً من الخيرات والبركات التى سخرها له الله ولا يصدر من لسانه أى كلمة فاحشة جافية أو نابية أو لاغية تؤذى الآخرين وتضره وتُسَود صحائفه التى يلقى بها رب العالمين ولا يصدر من لسانه الكلام البذئ الذى تستوحش منه الآذان والذى تفر منه الأبدان

وإنما يهاجر المسلم دوماً فى كل أقواله إلى قول الرحمن فى القرآن{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}لا يخرج منه إلا الكلام الطيب الذى يُطيب النفوس والذى يشرح الصدور والذى يؤلف القلوب والذى ينزع الإحن من الصدور والذى يجعل بنى الإنسان الحياة بينهم ألفة ومودة وصفاء وسرور وحبور إن معظم مشاكل الناس فى زماننا وفى كل زمان من اللسان فلو ملَك الإنسان لسانه فإن الناس جميعاً يحبونه ولا شك فهذه صفة المؤمن

فالمؤمن الحق هو الذى مَلَك لسانه لا يصدر منه غيبة ولا نميمة ولا سب ولا شتم ولا وقيعة بأى صورة من الصور لأى رجل من المسلمين ولذلك يقول الإمام علىّ عندما سُئل وقيل له: يا إمام مَن هم أولياء الله الذين يحبهم الله ؟ فقال {هم الذين أنفسهم عفيفة وحاجاتهم خفيفة الناس منهم فى راحة وأنفسهم منهم فى عناء}إذا سَلم الإنسان من لسانه فبَشِّره بأن الله قد اختاره واجتباه وجعله حبيباً مقرباً لحضرة الله جل فى علاه

هذا الإمام البخارى حضرته سكرات الموت وجلس حوله طلابه يبكون على فراقه فقال لهم: لِمَ تبكون وها أنا ذا تُطوى صحيفتى ولم يُكتب لى فيها طوال حياتى غيبة واحدة ولا كذبة واحدة صحيفته طول حياته لم يُكتب فيها غيبة لمسلم ولا كذبة على مسلم مع أنه كان عالماً فى علوم الحديث فكان يتداول سيرة الرواه فلان عن فلان ويتحرى عن كل راوٍ ليتأكد من صدقه فى أقواله وأفعاله و أحواله فقد ذهب فى إحدى رحلاته إلى حضرموت الآن ليسمع حديثاً بلغه أن هناك رجلاً يرويه وعندما وصل سأل عن الرجل فأشاروا إليه فوجد الرجل يجرى حول جمل له فرَّ منه مسرعاً وأمسك الرجل حجره ليوهم الجمل أن حجره فيه طعام، فلما تبين خلو حجره قال: تخدع هذه البهيمة، لا أسمع منك حديث رسول الله ومع ذلك لم يُروى عنه فى حياته كذبة واحدة ولا غيبة واحدة أين نحن من هؤلاء؟

إذا أردنا أن ينصرنا الله كما نصرهم وأن يُعزنا كما أعزهم وأن يكرمنا كما أكرمهم فعلينا أن نقتدى بهديهم وأن نتبع أفعالهم وأن نكون كما كانوا{صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}فنهجر المعاصى والفتن بالكلية ونُقبل بصدق وإخلاص على رب البرية

[1] مسند الامام احمد وصحيح ابن حبان وسنن ابن ماجة وغيرهم عن أبى هريرة

[2] مسند الإمام أحمد والبيان والتعريف عن ابن عبـاس، قال: كنت خـلف النبـي يوماً، فقال: «يا غُلامُ إنِّـي أُعَلِّـمُكَ كَلِـمَاتٍ، احْفَظِ الله تَـجِدْهُ أَمَامَكَ. تَعَرَّفْ إِلَـى الله فِـي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِـي الشِّدَّةِ، وَاعْلَـمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُصِيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُخْطِئَكَ، وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً».

[3] سبق وأوردنا أن هذه المخلوقات ربما كانت ملائكة تشكلت كما ورد فى (السيرة الحلبية) وهذه كلها مشاهد فى نصرة الحبيب كما أشهدها الله أهلها

[4] الصحيحين البخارى ومسلم عن جابر بن عبد الله


[5] المستدرك على الصحيحين عن عبدالله بن جرير.

[6] رواه الإمام البخارى ومسلم.

[7] صحيح مسلم عن سعد بن أبى وقاص يقول سمعت رسول الله يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ «ادْعُوا لِي عَلِيًّا» فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ. فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ. فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ».

[8] صحيح البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهم.

[9] صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهم.

[10] صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهم.

[11] سنن الترمذى عن عبد الله بن مسعود







رد مع اقتباس
  #13  
قديم 12-22-2011, 12:49 AM
 
من ججد ماشاء الله ربي يحففظك بسس @ً
__________________
!!


Ŀoиŀy Like a ќing


..
....

.. سُبحان الله وبحمده سُبحان الله العظيم ♡
الحمدلله و الله أكبر و لا إله إلا الله
استغفرالله العـلي العظيم
اللهم إغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات !

.........









مُدونتي

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 12-22-2011, 08:55 AM
 



حسن التوكل على الله

إن الله كان قبل الهجرة بعام أخذ حبيبه فى رحلة الإسراء والمعراج أخذه من مكة إلى بيت المقدس ومن بيت المقدس إلى السموات العلى سماءاً تلو سماء وكما قال{بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وعرض كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام} [1]اجتاز كل هذه السموات ودخل الجنات وذهب إلى العرش ثم تجاوز العرش إلى قاب قوسين أو أدنى ورجع وفراشه الذى كان ينام عليه لم يبرد بعد

رب العزة الذى فعل معه ذلك لماذا جعله يخرج والقوم يتربصون به؟ ويختبأ فى الغار ثلاثة أيام؟ ثم يسلك طريقاً غير الطريق الذى يمشى فيه سائر الأنام؟وتستمر الهجرة من مكة إلى المدينة لمدة أسبوع على التمام؟ليوضح لنا الله أجمعين ونحن أمة الإجابة آمنا بالله وصدقنا برسول الله وفوضنا أمورنا كلها إلى حضرة الله وتوكلنا فى كل أحوالنا وأعمالنا على الله، فالله يضرب لنا المثل فى حبيبه ومصطفاه أن من اعتمد على الله كفاه مولاه كل هم وكل غم وفرَّج الله عنه كل الشدات والكربات كما فعل تماماً بتمام مع الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وانتبه معى إلى قول الله لنا وللمعاصرين للنبى الأمين من عاونوه ومن تخلوا عنه ومن حاربوه يخاطب الكل فيقول{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}لم يقل الله(فقد ينصره الله) لأن معناها أن النصر سيأتى فى المستقبل لكن الله أخبر فى كتابه وكتابه قبل القبل أنه نصر حبيبه قبل خلق الخلق قبل إيجاد الأكوان وقبل إيجاد أى شئ فى عالم الدنيا جعل الله حبيبه منصوراً أينما حلَّ وأينما ذهب وحيثما كان نصره الله فكفاه شر أعداءه

فخرج من بينهم وهم متربصون بالبيت ويترقبون خروجه وأخذ الله أبصارهم فلم يرونه وذهب النبى وتكفل الله بحمايته حماه فى الغار وحماه عندما خرج من الغار وهو سائر فى الطريق إلى الأنصار وجعل من جملة جنده الذين يؤيدونه ويدفعون عنه الأرض فقال له الأمين جبريل:الأرض طوع أمرك فمُرها بما شئت فمن لحقه منهم قال للأرض: خذيه فانشقت وأخذته فلما استغاث به قال لها: دعيه، فتركته فلما عاود ما فى ذهنه قال لها: خذيه فأخذته وتكرر الأمر منه إلى الأرض ثلاث مرات وهى لا تعصى له أمراً لأن الله أمرها أن تكون طوع أمره ثم تاب هذا الرجل من فعله وجعله الله جندياً يدافع عن النبى فذهب إلى قومه وعَمَّى عنهم الطريق الذى سلكه النبى وكلما سألوه عن الطريق الذى سار فيه يقول لهم:أنا مشيت فى هذا الطريق ولم أجد فيه أحد فاذهبوا إلى غيره فكانت عناية الله معه أينما حلَّ وكيفما صار:

وقاية الله أغنت عن مضاعفة

من الدروع وعن عال من الأطم


فالصدق فى الغار والصديق لم يرما

وهم يقولون ما بالغار من إرم


ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على

خير البرية لم تنسج ولم تحم


حماه الله بما علمناه جميعاً ثم أراد الله إعزازه عند دخول المدينة المنورة فلم يجعله يدخل دخول الخائفين أو الفارين وإنما جعله يدخل دخول الفاتحين فانظر معى إلى عناية الله فى تجميل نبيه وصفيه ليدخل المدينة دخول الفاتحين

سمعت قبيلة اسمها أسلم عن الجائزة التى جهزها الكفار لمن يأتى بالنبى حياً أو ميتاً فخرج رجل منهم يُسمى بُريدة الأسلمى ومعه سبعين رجلاً مدججين بالسلاح يبحثون عن النبى فى الطريق الذى سلكه ليظفروا بالجائزة وبينما هم سائرون إذا بالنبى أمامهم فقال له: مَن الرجل؟قال: بُريده، فالتفت إلى أبى بكر وقال: بَرُد أمرك يا أبا بكر ثم قال للرجل: ممن الرجل؟ أى من أى قبيلة؟قال: من أسلم فالتفت إلى أبى بكر وقال: سلمت يا أبا بكر فقال الرجل: ومَن أنت؟ قال: أنا محمد رسول الله لم يتنكر ولم يتخفى لأنه يعلم أن الله يؤيده ويعززه وينصره – فشرح الله صدر الرجل للإسلام وشرح الله صدور من معه للإسلام فدخل السبعون فى الإسلام وقال الرجل: يا رسول الله أتدخل المدينة هكذا؟لا والله لا يكون فخلع رباط عمامته – الشال الذى يضعه على عمامته – وركزه على رمحه على هيئة عَلَم وصفَّ السبعين رجلاً وقسمهم إلى صفين صف عن اليمين وصف عن اليسار وقال: يا رسول الله أنا أتقدم أمامكم وأنت تمشى فى الصفين ليدخل المدينة دخول الفاتحين ومعه كتيبة جهزها له رب العالمين، ليكون بذلك إعزازاً لحضرته وتقويةً لإرادته وعبرة لنا أجمعين لنتقى الله ونعلم صدق قول رب العالمين{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

وسار النبى بهذه الكتيبة الإلهية هل يدخل المدينة بهذه الهيئة وثيابه كانت تغيرت من أثر السفر؟قيَّد الله وهو العزيز أن يُعز نبيه فكان عبد الرحمن بن عوف فى تجارة فى بلاد الشام ووجد ثوباً لا يصلح إلا للملوك فقال فى نفسه: أشترى هذا الثوب لرسول الله وكان الزبير بن العوام أيضاً فى بلاد الشام ورأى ثوباً آخر يضاهى الأول من ثياب الملوك فقال: أشتريه لرسول الله لأن هذا الثوب لا يليق أن يلبسه إلا حضرة النبى وقبل مدخل يثرب بقليل إذا بعبد الرحمن بن عوف وإذا بالزبير بن العوام ومعهم الثياب المخصصة للملوك فجاء الإثنين معاً وقالا: يا رسول الله لا تدخل المدينة بهذه الهيئة ولكن البس هذه الثياب التى لا تليق إلا بالملوك لأن الله يُعزك دوماً وينصرك أبداً على الدوام فلبس النبى ثياب الملوك ومشى والجند عن يمينه وعن يساره داخلاً المدينة المنورة

فى بيت من ينزل حضرة النبى؟ من يحظى بهذا الشرف؟ كان الأنصار أجمعين حريصين على هذا الشرف الكبير فوقف كل رجل منهم أمام داره ينتظر موكب النبى ويَعزم عليه أن ينزل فى ضيافته ويقول: يا رسول الله انزل هاهنا هنا كرم الضيافة هنا العدد وهنا العدة هنا أهلك وذويك هنا ناصروك ولكن النبى يشير إلى الناقة ويقول: دعوها فإنها مأمورة ومشت الناقة حتى أتت إلى مكان كانوا يضعون فيه البلح ليجف ويصير تمراً وبركت فى هذا الموضع وجاء الجميع يتسابق لأخذ عتاد رسول الله ليكون عندهم فسبقهم أبو أيوب الأنصارى وأخذ عتاد النبى عنده وذهبوا للنبى فقال: الرجل ينزل حيث ينزل رحله ثم دخل عند أبى أيوب وقال: يا أبا أيوب أين كتاب تُبَّعْ؟ فقال: يا رسول الله والذى بعثك بالحق إننا دائماً وأبداً نزيد فيك يقيناً

ما قصة كتاب تُبَّع؟ تُبَّع رجل غزا المدينة قبل هجرة النبى بثلاثمائة عام وكان اليهود هاجروا إلى المدينة لعلمهم أنها موطن هجرة خاتم الأنبياء والمرسلين فلما أراد تُبع دخولها أرسلوا إليه وقالوا: إنك لن تستطيع دخولها لأنها موضع هجرة النبى الذى سيبعث فى آخر الزمان وذكروا له أوصافه التى قال الله عنها فى القرآن ومعرفتهم برسول الله{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ}وكان تُبع معه جمع من العلماء يسيرون معه فجمعهم فسألهم فصدَّقوا ما قال اليهود فبنى لكل رجل من هؤلاء العلماء بيتاً فى المدينة من طابق واحد وأعطاه زاداً ونفقة وزوَّجه بجارية وأمره أن يقيم إلى حين بعثة النبى فينصر النبى وبنى لزعيم العلماء بيتاً من طابقين وقال له: هذا البيت أمانة عندك فإنى قد بنيته للنبى فهو ملك للنبى ولذلك ذكره فيما معناه{أول من آمن بى تُبَّع}وترك رسالة وجعلها فى حُقٍ من زمرد عند هذا الرجل زعيم العلماء كتب فيها [2]:
شَهِدتُّ عَلَى أَحْمَدٍ أَنَّهُ

رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَارِي النَّسَمْ


فَلَوْ مُدَّ عُمْرِي إلَى عُمْرِهِ

لَكُنْتُ وَزِيراً لَهُ وَابْن عَمّ


وجَالدتُ بالسْيفِ أعداءه

وفَرجُتُ عن صَدْرهِ كل هم


فاطَّلع النبى على الرسالة وعلِم أنه نزل فى بيته الذى بناه المليك له ولم ينزل فى بيت أحد غيره وكان هؤلاء العلماء هم الذين تناكح وتناسل منهم الأنصار الذين آوو النبى ونصروه

كان هذا إعجازالله للنبى لنعلم علم اليقين أن كل من يمشى على منهج هذا النبى ويتقى الله جل فى علاه ويصنع فى كل أحواله ما يحبه الله ويرضاه يتأسى فى كل أحواله بحبيب الله ومصطفاه فإن عناية الله لا تتخلف عنه نَفَساً فى هذه الحياة كذا أُمة النبى لو صاروا أجمعين على نهج النبى وأقاموا شرع الله بينهم وجعلوا كتاب الله حَكَماً لهم فى كل أحوالهم فإن الله يدفع عنهم كل أعداءهم وينصرهم على كل من عاداهم ويجعل بلادهم مملوءة بالخيرات والمبرات{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

[1] تهذيب سنن أبي داوود والأسماء والصفات للبيهقي عن عبدالله بن مسعود

[2] تفسير القرطبي وابن كثير (سورة الدخان
).


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12-25-2011, 12:03 AM
 


تم نقل هذا الموضوع من كتاب (ثاني اثنين)

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...E4&id=77&cat=4



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حب غريب بين اثنين على على رمضان موسوعة الصور 22 09-25-2011 05:10 PM
واحد من اثنين اميرة زماني والوقت قدامي حواء ~ 3 12-07-2010 05:46 PM
منتديات انسان ثاني ابداع بشكل ثاني تدعوكم لزيارتها اكيدبحبكـ إعلانات تجارية و إشهار مواقع 0 03-16-2010 11:08 PM
حكاية كل اثنين شباب الرياض أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 08-11-2009 03:22 AM
أحلى اثنين صدق المشاعر مِكس ديزاين 3 09-18-2005 12:22 AM


الساعة الآن 04:06 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011