عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الاقسام الخاصة > مدونات الأعضاء

مدونات الأعضاء دفتر يوميات الأعضاء خاص بالعضو ذاته ولا يحق لأي عضو الرد أو التعقيب قسم يسمح للأعضاء بإضافة تدويناتهم اليومية الخاصة لمشاركتها مع مئات الآلاف من الاعضاء والزوار يومياً .. مدونات - مدونة

Like Tree39246Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2019, 09:00 PM
 
‏كلما رأى الإنسان نفسه معرضا عن تدبر القرآن أو بعض معانيه،

ثم تذكر قوله:-
(ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم)
يجف ريقه من الهلع .
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-07-2019, 10:49 PM
 
الحياة الشعرية
(كتاب النظرات)
للرائع
المنفلوطي
.
.
.


لولا الحياة الشعرية التي يحياها الناس - أحيانًا - لسَمُج في نظرهم وجهُ الحياة الحسيَّة، ومرَّ مذاقها في أفواههم، حتى ما يَغتبط حيٌّ بنعمة العيش، ولا يكره ميت طلعةَ الموت!



لذلك نرى كلَّ حي يَهربُ من الحياة الحسيَّة جِدَّ الهرب، لاجئًا إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها؛ لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك، مما يريح فؤادَه، ويُثلِجُ صدره، وينفي عن نفسه السآمةَ والضَّجَر من صنوف المناظر، وأفانين المشاهد، وغرائب المؤتلفات، وعجائب المختلفات.



لولا حبُّ الناس الحياةَ الشعرية لَمَا وُجِد فيهم كثيرٌ من المُولَعين بتخدير أعصابهم؛ كشاربي الخمر، ومدخِّني الحشيشة والأفيون، وهي وإن كانت في نظرهم حياةَ سعادةٍ يتخلَّلُها شقاء، إلا أنها عندهم خيرٌ من حياةِ شقاء لا تتخلَّلُها سعادة، ولولا حبُّ الحياة الشعرية لَما وجد في الناس هذا الجمُّ الغفير من الشعراء المتخيلين، والمتصوفة المتهوسين.



لا يَجِدُ السكِّير لذةَ العيش وهناءَه إلا إذا أسلم نفسه إلى كأس الشراب، فنقله من هذا العالَم البسيط المحدود إلى عالمٍ هائل غريب، يرى فيه كلَّ ما تشتهي نفسُه أن يراه، فإن كان قبيحَ الوجه مُشوَّه الخلق تخيَّل أنه شرَك الأبصار، وفتنة النظار، وأن القلوب مُحلِّقة على جماله تحليقَ الأطيار على الأشجار، وإن كان وضيعًا حقيرًا، لا يَملِكُ فِلْسًا، توهَّم أنه جالس على كرسي الملك، والصَّوْلجانُ في يمينه، والتاج فوقَ رأسه، واعتقد أن عبيد الله عبيدُه، وجنودَ الحكومة جنودُه، حتى الجندي الذي يسحبُه على وجهه إلى السجن.



وبالجملة لا تقعُ عينه على ما يحزنُه من المنظورات، ولا تسمعُ أذنه ما يُنفِّره من المسموعات، حتى لَيرى الجمالَ الباهر في وجه العجوز الشمطاء، ويسمع في صوت الرعد القاصفِ ألحانَ الغناء.



ولا يشعر الصوفيُّ بنعيم الحياة إلا إذا جنَّ الليل، وأوى إلى معبده، وخلا بنفسه، فتخيَّل أن له أجنحةً من النور؛ كأجنحة الملائكة، يطير بها في فضاء السماء، فيرى الجنة والنار والعرش والكرسي، ويسمع صريرَ قلمِ القدرة في اللوح المحفوظ، ويقرأ في أمِّ الكتاب حديثَ ما كان وما يكون وما هو كائن.



ولا يستفيقُ الشاعرُ من هموم الدنيا وأكدارها، ومصائبها وأحزانها، إلا إذا جلس إلى مكتبه وأمسك بيَراعِه، فطار به خيالُه بين الأزهار والأنوار، وتنقَّل به بين مسارح الأفلاك، ومسابح الأسماك، ووقف به تارةً على الطُّلول الدَّوارِسِ يَبكي أهلَها النازحين وقُطَّانَها المفارقين، وأخرى على القبور الدوائر يَندب جسومَها الباليات، وأعظُمَها النَّخِرات!



ليس الأملُ إلا بابًا من أبواب الحياة الشعرية، ولا يمكن أن يوجد بين قلوب البشر قلبٌ لا يخفق بالآمال؛ فالأملُ هو الحياة الشعرية العامة التي يشترك في العيش فيها جميع الناس: أذكياء وأغبياء، فُهماء وبلداء، والأمل هو السدُّ المنيع الذي يعترض في سبيل اليأس، ويقف دونَه أن يتسرَّب إلى القلوب، ولو تسرَّب إليها لزهِدَ الناسُ العيش في هذه الحياة الحسيَّة التي لا قيمة لها في أنظارهم، ولا لذَّة لها في نفوسهم، ولَطلبوا الفِرارَ منها إلى الموت؛ تسليًا بالتغيُّر والانتقال، وتلذُّذًا بالتحول من حال إلى حال.



يقولون: أشقى الناس في هذه الحياة العقلاءُ، ويقولون: ما لذة العيش إلا للمجانين.

أتدري لماذا؟

لأن نصيب الأولين من الحياة الشعرية أضعفُ من نصيب الآخرين؛ وذلك أن عقلَ العاقل يحول بينه وبين استمرار الطيران في فضاء الخيالات الذهنية والمغالطات الشعرية، فلا يرى سوى ما بين يديه من المحسوسات، ويَمنَعُه علمُه بأحوال الدنيا وشؤونها ومعرفتُه أن الهموم والأحزان لازمةٌ من لوازمها لا تنفك عنها - أن يُؤمِّلَ منها ما ليس في طبيعتها؛ من دوام السعادة، واستمرار السرور والهناء، فلا يطلبُ سَعَة العيش من وراء الأمل كبقية المؤمِّلين، ولا يتلذَّذُ بتصديق ما لا يكون تلذذ المجانين.



والحق أقول: لولا الحياةُ الشعرية التي أحياها - أحيانًا - في هذه النظرات لأحبَبْتُ - زهدًا في الحياة الحسية - أن تطلع الشمس من مغربها، ولو قامت القيامة بعد ذلك، ولتَمنَّيْتُ - حبًّا في الانتقال من حال إلى حال - أن أنتقل ولو إلى رحمة الله.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-08-2019, 12:20 PM
 
الجزع
(من كتاب النظرات)
للأديب الكبير
المنفلوطي
.
.
.


يا صاحب النَّظرات، لي صديقٌ سقَط في امتحان "البكالوريا" هذه السنة؛ فأثَّر فيه ذلك السقوط تأثيرًا كبيرًا؛ فهو لا ينفكُّ باكيًا متألِّمًا، حتى أصبحنا نخافُ عليه الجنون، وكلما عزَّيْناه عن مصابه يقول: كيف أستطيع معاشرة إخواني ومعارفي؟! وكيف أستطيع مقابلة والدي وأهلي؟!



فهل لك أيها السيد أن تُعالِج نفسه بنظرة من نظراتك، التي طالما عالجتَ بها قلوب المحزونين؟

(حقوقيٌّ)
.
.



ليست المسألةُ مسألةَ صديقك وحده، بل مسألة الساقطين أجمعين؛ فإن المرء لا يكاد يتناول نظرُه منهم في هذه الأيام إلا وجوهًا قد نسَج الحزن عليها غبرةً سوداء، وجفونًا تَحار فيها مدامعُها حيرةَ الزئبق الرجراج، حتى لَيُخيَّل إليك أن نازلة من نوازل القضاء قد نزلت بهم، فزلزلت أقدامهم! أو فاجعةً من فواجع الدهر قد دارت عليهم دائرتها، فأثكلتهم ذخائرَ نفوسهم، وجواهرَ عقولهم، وأقامت بينهم وبين سعادة العيش وهنائه سدًّا لا تنفذه المعاول، ولا تنالُ من أَيْدِه الزلازل.



خَفِّضْ عليك قليلاً أيها الطالب؛ فالأمر أهونُ مما تظنُّ، وأصغرُ مما تقدر، واعلم - وما أحسبُك إلا عالِمًا - أنك لم تَسقط من قمة جبلٍ شامخ إلى سَفح متحجر فتبكي على شظيَّة طارت من شَظايا رأسك، أو دمٍ مسفوح تدفَّق من بين لَحْيَيْك، إنك قد سعيت إلى غرض فإن كنت هيَّأتَ له أسبابه، وأعددتَ له عُدَّته، وبذلتَ له من ذات نفسك ما يَبذُلُ مثلَه الباذلون في مثله - فقد أعذَرْتَ إلى الله وإلى الناس، وإلى نفسك، فحريٌّ بك ألا تحزن على مصاب لم يكن أثرًا من آثار يديك، ولا جنايةً من جنايات نفسك عليك، وإن كنت قصرت في تلمُّس أسبابه، ومشيت في سبيله مشيةَ الظالع المتقاعس - فما حزنُك على فوات غرض كان جديرًا بك أن تترقَّب فواتَه قبل وقت فواته؟! وما بكاؤك على مصاب كان خيرًا لك أن تعلم وقوعَه قبل يوم وقوعه؟! ما لك تبكي بكاء الواثق بمواتاة الأيام، ومطاوعة الأقدار؟! فهل تستطيع أن تُبرز لنا صورةَ العهد الذي أخذتَه على الدهر أن يكون لك كما تحب وتشتهي، وعلى الفلك ألا يدور إلا بسَعْدك، ولا يجري إلا بجدِّك، وعلى القلم ألا يكتب في لوحِه إلا ما دَلَلْتَه عليه، وأوحيت به إليه؟!



لا تجعل لليأس سبيلاً إلى نفسك؛ فلعل الأملَ يعوض عليك في غدِك ما خَسِرتَ في أمسك، وامضِ لشأنك ولا تلتفِت إلى ما وراءك، فإن تم لك في عامك المقبلِ من طَلِبتِك ما أردتَ فذاك، أو لا فما فقدتَ إذ فقدتَ إلا ورقة كان كلُّ ما تستفيده منها أن تَشتريَ بها قيدًا لرِجْلك، وغُلاًّ لعُنقك، ثم ترتبط في سجن من سجون الحكومة بجانب رئيس من الرؤساء الْمُدلِّين بأنفسهم، يسومُك من الذل والخسف ما لا يحتمله الأسَراءُ في سجون الآسرين.



إن اعتدادك بهذه الورقة هذا الاعتداد، وإكبارَك إيَّاها هذا الإكبار - دليلٌ على أنك كنت تريد أن تجعلها منتهى أملِك، وغاية همَّتِك، وأنك لا ترى بعدها مزيدًا من الكمال لمستزيدٍ، فإن صدقَتْ فراستي فيك فاعلم أن الله قد خارَ لك في هذا المصير، وساق إليك من الخير ما لا تعرفُ السبيلَ إليه، إنه ما خيَّب رجاءَك في هذا الكمال الموهوم إلا لتطلبَ لنفسك كمالاً معلومًا، وما صرف عنك هذه الشهادة المكتوبة في صفحات الأوراق إلا لتسعى وراء الشهادة المكتوبة في صفحات القلوب.



إن كنت تبكي على الشرف، فباب الشرف مفتوحٌ بين يديك، لا شأن للحكومة فيه، ولا حاجبَ لها عليه، وما هو إلا أن تُجدَّ في التزيُّد من العلم والمعرفة، واستكمال ما يَنقصُك من الفضائل النفسية؛ فإذا أنت شريفٌ في نفسك، وفي نفس الخاصة من الناس، وإذا أنت في منزلة يَحسدُك عليها كثيرٌ من أرباب الشهادات والمناصب، ولا حيَّا الله شرفًا يَحيا بورقة ويموت بأخرى، ولا مجدًا تأتي به قَعْدةٌ، وتذهب به قَوْمة!



وإن كنت تبكي على العيش، ففي أيِّ كتابٍ من كتب الله المُنزَّلة قرأتَ أن أرزاقه وَقْف على الحاكمين، وحبائسُ على المستخدمين، وأنه لا ينفق درهمًا واحدًا من خزائنه إلا إذا جاءته "حوالة" بتوقيع أمير، أو إشارة وزير؟!



أيها الطالب، قل لأبيك، وأخيك، وأهلك، وأصدقائك، ومعارفك - بلا خجل ولا استحياء -: إن الذي وهبني عقلي لم يَسلُبْنيه، وإن الذي صوَّر لي أعضائي لم يَحُل بيني وبين الذَّهاب بها إلى ما خُلقَت له، وإنَّ الذي خلقني سوف يهديني؛ فهو الرزاق ذو القوة المتين.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-08-2019, 03:26 PM
 
الحسد




• الكتاب: النظرات.

• المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ).









لو عرَف المحسودُ ما للحاسد عنده مِن يدٍ وما أسدى إليه من نعمة، لأنزله من نفسه منزلة الأوفياء المُخلِصين، ولوقف بين يديه تلك الوقفة التي يقفها الشاكرون بين أيدي المحسنين.



لا يزال صاحب النعمة ضالاًّ عن نعمته، لا يعرف لها شأنًا، ولا يُقيم لها وزنًا، حتى يدلَّه الحاسد عليها بنكرانها، ويُرشده إليها بتزييفها والغضِّ منها؛ فهو الصديق في ثياب العدو، والمُحسن في صورة المسيء.



أنا لا أعجب لشيء عجبي لهذا الحاسد، يَنقِم على حسوده نِعَم الله عليه، ويتمنَّى لو لم تبقَ له واحدة منها، وهو لا يعلم أنه في هذه النقمة وفي تلك الأمنية قد أضاف إلى نِعَم محسوده نعمةً هي أفضل من كل ما في يدَيه.



وجْهُ الحاسد: ميزانُ النعمة ومقياسُها؛ فإن أردتَ أن تزِن نعمة وافَتْك فارْمِ بخبرها في فؤاد الحاسد، ثم خالِسْه نظرة خفية، فحيث ترى الكآبة والهمَّ فهناك جمال النعمة وسناؤها.



ليس بين النعم التي يُنعم بها الله على عباده نعمة أصغر شأنًا وأقل خطرًا من نعمة ليس لها حاسد، فإن كنت تريد أن تصفوَ لك النِّعَم فقِفْ بها في سبيل الحاسدين، وألقِها في طريق الناقمين، فإن حاولوا تَحقيرها وازدراءها، فاعلم أنهم قد منحوك لقب "المحسَّد"، فليهنأ عيشك، وليَعذب موردك.



إن أردت أن تعرف أي الرجلين أفضل! فانظر إلى أكثرهما نقمة على صاحبه، وكلفًا بالغضِّ منه والنَّيل مِن عِرضه، فاعلَمْ أنه أصغرُهما شأنًا، وأقلهما فضلاً.



قد جعل الله لكل ذنب عقوبة آتية يُتألم لها؛ فالشارب يَتألَّم عند حلول مرضه، والمُقامر يوم نُزول فَقرِه، والسارق يوم زيارة سجنِه.



أما الحاسد فعقوبته حاضرة، لا تُفارقه ساعة واحدة؛ إنه يتألم لمنظر النعمة كلما رآها، والنعمة موجود من الموجودات الثابتة التي لا يلمُّ بها إلا التنقل من مظهر إلى مظهر، والتحوُّل من موقف إلى موقف، فهيهات أن يَفنى ألَمُه، أو يَنقضي عذابه، حتى تقَرَّ عينُه التي تُبصِر، ويسكن قلبه الذي يَخفق.



الحسد مرض من الأمراض القلبية الفاتكة، ولكل داءٍ دواء، ودواء الحسد أن يسلك الحاسد سبيل المحسود ليَبلغ مبلغه من تلك النعمة التي يَحسده عليها، ولا أحسب أنه يُنفِق مِن وقته وعمله في هذه السبيل أكثر مما يُنفِق من ذلك في الغض من شأن محسوده، والنَّيل منه، فإن كان يَحسده على المال، فلينظر أي طريق سلك إليه فليسلكْهُ، وإن كان يحسده على العلم فليتعلَّم، أو الأدب فليتأدب، فإن بلغ من ذلك مأربه فذاك، وإلا فحسبُه أنه ملأ فراغ عمره بشؤون لولاها لقضاه بين الغيظ الفاتك والكمد القاتل.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-08-2019, 05:32 PM
 
الحرية ..
مقال للمنفلوطي




• الكتاب: النظرات.
.
.
.



استيقظتُ في فجرِ هذا اليوم على صوت هِرَّة تَمُوء[1] بجانب فراشي، وتتمسَّح بي، وتُلِح في ذلك إلحاحًا غريبًا، فرابني أمرُها وأهمني همُّها، وقلت: لعلها جائعة؛ فنهضتُ وأحضرت لها طعامًا، فعافَتْه وانصرفَتْ عنه، فقلت: لعلها ظمآنة؛ فأرشدتُها إلى الماء فلم تحفِلْ به، وأنشأت تنظر إليَّ نظراتٍ تنطق بما تشتمل عليه نفسُها من الآلام والأحزان، فأثَّر في نفسي منظرها تأثيرًا شديدًا، حتى تمنيتُ أنْ لو كنتُ سليمانَ، أفهم لغة الحيوان؛ لأعرفَ حاجتها، وأفرِّج كربتها، وكان باب الغرفة مُقفلاً، فرأيتُ أنها تطيلُ النظر إليه، وتلتصقُ بي كلما رأتني أتَّجِه إليه، فأدركتُ غرضها، وعرفتُ أنها تريد أن أفتح لها الباب، فأسرعت بفتحه، فما وقع نظرها على الفضاء، ورأت وجهَ السماء، حتى استحالت حالتُها من حزن وهَمٍّ إلى غِبطة وسرور، وانطلقتْ تعْدُو في سبيلها، فعُدْتُ إلى فراشي، وأسلمتُ رأسي إلى يدي، وأنشأتُ أفكِّر في أمرِ هذه الهِرَّة، وأُعجِبت لشأنها وأقول: ليت شِعري، هل تفهم الهِرَّة معنى الحرية؟ فهي تحزن لفقدانها، وتفرح بلقياها! أجَلْ، إنها تفهم معنى الحرية حقَّ الفهم، وما كان حزنُها وبكاؤها وإمساكُها عن الطعام والشراب إلا من أجلها، وما كان تضرُّعُها ورجاؤها وتمسُّحها وإلحاحها إلا سعيًا وراء بلوغها.



وهنا ذكرتُ أن كثيرًا من أَسرى الاستبداد من بني الإنسان لا يشعرون بما تشعُرُ به الهِرَّة المحبوسة في الغرفة، والوحش المعتقل في القفص، والطيرُ المقصَّصُ الجَناحِ من ألَم الأَسْر وشقائه، بل ربما كان بينهم مَن لا يفكر في وجه الخلاص، أو يلتمس السبيل إلى النجاة مما هو فيه، بل ربما كان بينهم مَن يتمنى البقاء في هذا السجن، ويأنَسُ به، ويتلذذ بآلامِه وأسقامه.



من أصعبِ المسائل التي يَحَارُ العقل البشري في حلِّها أن يكونَ الحيوانُ الأعجم أوسعَ ميدانًا في الحرية مِن الحيوان الناطق، فهل كان نطقُه شؤمًا عليه وعلى سعادته؟ وهل يجمُلُ به أن يتمنَّى الخَرَسَ والبَلَهَ ليكونَ سعيدًا بحريته، كما كان سعيدًا بها قبل أن يصبح ذكيًّا ناطقًا؟



يحلِّق الطيرُ في الجو، ويسبَحُ السَّمك في البحر، ويَهيم الوحشُ في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهينَ المحبسين: محبس نفسه ومحبس حكومته من المهدِ إلى اللحد!



صنَع الإنسانُ القوي للإنسان الضعيف سلاسلَ وأغلالاً، وسماها تارة: ناموسًا، وأخرى: قانونًا؛ ليظلِمَه باسمِ العدل، ويسلبَ منه جوهرة حريتِه باسم الناموسِ والنظام.



صنَع له هذه الآلة المخيفة، وتركه قلِقًا حذِرًا مُروَّعَ القلب، مرتعدَ الفرائض، يُقيم من نفسه على نفسه حُرَّاسًا تراقب حركاتِ يديه، وخطوات رِجيله، وفَلَتات لسانِه، وخَطَرات وهمه وخياله؛ لينجوَ من عقاب المستبدِّ، ويتخلَّصَ من تعذيبه، فويل له؛ ما أكثرَ جهله! وويح له؛ ما أشدَّ حُمقَه! وهل يوجد في الدنيا عذابٌ أكبرُ من العذاب الذي يعالجه، أو سجنٌ أضيقُ من السجن الذي هو فيه؟



ليست جنايةُ المستبد على أسيره أنه سلَبه حريته، بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه، فأصبح لا يحزَنُ لفقد تلك الحرية، ولا يذرِفُ دمعة واحدة عليها.



لو عرَف الإنسانُ قيمة حريته المسلوبة منه، وأدرَك حقيقة ما يُحيط بجسمه وعقلِه من السلاسل والقيود - لماتَ كما يموت البُلبلُ إذا حبَسه الصيَّاد في القفص، وكان ذلك خيرًا له من حياة لا يرى فيها شُعاعًا من أشعة الحرية، ولا تخلُصُ إليه نَسَمةٌ من نَسَماتها.



كان في مبدأ خَلْقِه يمشي عريانًا، أو يلبَسُ لباسًا واسعًا يشبه أن يكون ظُلَّةً تقيه لَفحةَ الرَّمضاء، أو هَبَّة النكباء، فوضعوه في القِمَاطِ كما يضعون الطفل، وكفَّنوه كما يكفِّنون الموتى، وقالوا له: هكذا نظامُ الأزياء.



كان يأكل ويشرب كلَّ ما تشتهيه نفسُه، وما يلتئم مع طبيعته، فحالوا بينه وبين ذلك، وملَؤوا قلبه خوفَا من المرض أو الموت، وأبَوْا أن يأكل أو يشرب إلا كما يريد الطبيب، وأن يتكلَّم أو يكتب إلا كما يريد الرئيس الدِّيني أو الحاكم السياسي، وأن يقومَ أو يقعد أو يمشي أو يقف أو يتحرَّك أو يسكُنَ إلا كما تقضي به قوانينُ العادات والتقاليد.



لا سبيلَ إلى السعادة في الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حرًّا مُطلَقًا، لا يسيطر على جسمِه وعقله ونفسِه ووجدانه وفكرِه مسيطِرٌ إلا أدبُ النفس.



الحريةُ شمسٌ يجب أن تُشرِقَ في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظُلمة حالكة، يتصل أولُها بظلمة الرَّحِم، وآخرها بظُلمة القبر.



الحرية هي الحياة، ولولاها لكانت حياةُ الإنسان أشبهَ شيء بحياة اللُّعَب المتحرِّكة في أيدي الأطفال بحركةٍ صناعية.



ليست الحريةُ في تاريخ الإنسان حادثًا جديدًا، أو طارئًا غريبًا، وإنما هي فطرتُه التي فُطِر عليها مُذْ كان وحشًا يتسلَّق الصخور، ويتعلَّقُ بأغصان الأشجار.



إن الإنسانَ الذي يمد يدَه لطلب الحرية ليس بمتسوِّلٍ ولا مُستَجْدٍ، وإنما هو يطلب حقَّا من حقوقه التي سلبته إياها المطامعُ البشرية، فإن ظفِر بها، فلا مِنَّةَ لمخلوق عليه، ولا يدَ لأحدٍ عنده.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حصريا من روائع أناشيد 2011 نشيد كم جرح أخذت من الأحباب ضميته بصيغة mp3 مميزه بتول الشرق خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 0 10-04-2011 05:17 PM
من روائع الأناشيد جمالا نشيد حب في قلبي بصيغة mp3 مميزه جدا وجميله رهينة الزمانـ خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 0 10-03-2011 09:59 PM
من روائع الأناشيد جمالا نشيد حب في قلبي بصيغة mp3 مميزه جدا وجميله بتول الشرق خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 0 10-02-2011 09:03 PM


الساعة الآن 09:10 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011