عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-03-2011, 02:22 AM
 
Unhappy احلام مستنغانمي (زاكرة الجسد)

البداية
ذاآرة الجسد
أحلام مستغانمي
2
إهداء...
إلى مالك حداد..
ابن قسنطينة الذي أقسم بعد استقلال الجزائر ألاَّ يكتب بلغة ليست لغته..
ب 􀑧 فاغتالته الصفحة البيضاء .. ومات متأثرا بسلطان صمته ليصبح شهيد اللغة العربية، وأول آات
قرر أن يموت صمتاً وقهراً وعشقاً لها.
وإلى أبي...
من يتقن العربية ، فيقرأ له أخيراً هذا الكتاب ... آتابه. « هناك » عساه يجد
أحلام
3
الفصل الأول
ما زلت أذآر قولك ذات يوم:
. « الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو آل ما لم يحدث »
يمكنني اليوم، بعد ما انتهى آل شيء أن أقول:
هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما أآبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأآثر من آتاب.
وهنيئا للحب أيضا...
فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث... ما أجمل الذي لن يحدث.
قبل اليوم، آنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها.
عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم ، دون أن نتألم مرة أخرى.
عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين، دون جنون، ودون حقد أيضاً.
أيمكن هذا حقاً ؟
نحن لا نشفى من ذاآرتنا.
ولهذا نحن نكتب، ولهذا نحن نرسم، ولهذا يموت بعضنا أيضاً.
- أتريد قهوة ؟
يأتي صوت عتيقة غائباً، وآأنه يطرح السؤال على شخص غيري.
معتذراً دون اعتذار، على وجه للحزن لم أخلعه منذ أيام.
يخذلني صوتي فجأة...
أجيب بإشارة من رأسي فقط.
ر ، 􀑧 اء الزه 􀑧 رشّ لم 􀑧 كريه ، وم 􀑧 اجين ، وس 􀑧 ق، وفن 􀑧 ا إبري 􀑧 رة عليه 􀑧 فتنسحب لتعود بعد لحظات، بصينية قهوة نحاسيه آبي
وصحن للحلويات.
في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان، وضعت جواره مسبقاً معلقه وقطعة سكر.
ولكن قسنطينة مدينه تكره الإيجاز في آل شيء.
إنها تفرد ما عندها دائماً. تماماً آما تلبس آل ما تملك. وتقول آل ما تعرف.
ولهذا آان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة.
أجمع الأوراق المبعثرة أمامي ، لأترك مكاناً لفنجان القهوة وآأنني أفسح مكاناً لك..
بعضها مسودات قديمة، وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... آي تدب فيها الحياة، وتتحول
من ورق إلى أيام.
آلمات فقط، أجتاز بها الصمت إلى الكلام، والذاآرة إلى النسيان، ولكن..
4
ترآت السكر جانباً، وارتشفت قهوتي مُرّه آما عودني حبك.
علت 􀑧 ك فأش 􀑧 ة عن 􀑧 ى الكتاب 􀑧 ادر عل 􀑧 ي ق 􀑧 عرت أنن 􀑧 ط ، ش 􀑧 ا فق 􀑧 رّة . ولحظته 􀑧 وة الم 􀑧 للقه 􀑧 م الع 􀑧 ذا الطع 􀑧 ه ه 􀑧 ي غراب 􀑧 فكرت ف
وق 􀑧 رة ف 􀑧 ا م 􀑧 ئ حرائقه 􀑧 نوات، دون أن أطف 􀑧 ذ س 􀑧 ي من 􀑧 ي أحرقتن 􀑧 ات الت 􀑧 ان الكلم 􀑧 ارد دخ 􀑧 ت أط 􀑧 بيّة، ورح 􀑧 يجارة عص 􀑧 س
صفحه.
هل الورق مطفأة للذاآرة؟
نترك فوقه آل مرة رماد سيجارة الحنين الأخيرة ، وبقايا الخيبة الأخيرة. .
من منّا يطفئ أو يشعل الآخر ؟
لا أدري ... فقبلك لم اآتب شيئا يستحق الذآر... معك فقط سأبدأ الكتابة.
ك 􀑧 ر تل 􀑧 ذي أخت 􀑧 ا ال 􀑧 ب . أن 􀑧 ف أنكت 􀑧 وم آي 􀑧 ار الي 􀑧 ولا بد أن أعثر أخيراً على الكلمات التي سأنكتب بها، فمن حقي أن أخت
القصة.
قصه آان يمكن أن لا تكون قصتي، لو لم يضعك القدر آل مره مصادفه، عند منعطفات فصولها.
من أين جاء هذا الارتباك؟
ا 􀑧 د .. وم 􀑧 م بع 􀑧 م ترس 􀑧 ات ل 􀑧 اض للوح 􀑧 عة البي 􀑧 احة الشاس 􀑧 ك المس 􀑧 وآيف تطابقت مساحة الأوراق البيضاء المستطيلة، بتل
زالت مسنده جدار مرسم آان مرسمي ؟
ور 􀑧 ث الص 􀑧 ق، يب 􀑧 ون عتي 􀑧 از تلفزي 􀑧 ى جه 􀑧 الم إل 􀑧 ول الع 􀑧 وان. وتح 􀑧 ا الأل 􀑧 ادرتني قبله 􀑧 ا غ 􀑧 روف آم 􀑧 ادرتني الح 􀑧 ف غ 􀑧 وآي
بالأسود والأبيض فقط ؟
ويعرض شريطاً قديماً للذاآرة، آما تُعرض أفلام السينما الصامتة.
ة 􀑧 ن غرف 􀑧 ون م 􀑧 أنهم ينتقل 􀑧 آنت أحسدهم دائماً، أولئك الرسامين الذين آانوا ينتقلون بين الرسم والكتابة دون جهد، وآ
إلى أخرى داخلهم. آأنهم ينتقلون بين امرأتين دون آلفة..
آان لا بد ألا أآون رجلاً لامرأة واحدة!
ها هو ذا القلم إذن ..الأآثر بوحاً والأآثر جرحا .
ى 􀑧 وان عل 􀑧 رش الأل 􀑧 ف ت 􀑧 ياء . ولا آي 􀑧 ى الأش 􀑧 لال عل 􀑧 ع الظ 􀑧 ف توض 􀑧 رف آي 􀑧 ة ، ولا يع 􀑧 تقن المراوغ 􀑧 ذي لا ي 􀑧 ها هو ذا ال
الجرح المعروض للفرحة.
دي، 􀑧 لّ ي 􀑧 وف تش 􀑧 ة الخ 􀑧 مَ رعش 􀑧 ا، فَلِ 􀑧 ا أردته 􀑧 ه آم 􀑧 ا، موجع 􀑧 ا أردته 􀑧 ة آم 􀑧 ا، عاري 􀑧 ت منه 􀑧 ي حرم 􀑧 ات الت 􀑧 ي الكلم 􀑧 ا ه 􀑧 وه
وتمنعني من الكتابة؟
تراني أعي في هذه اللحظة فقط ، أنني استبدلت بفرشاتي سكيناً. وأن الكتابة إليك قاتلة.. آحبك.
ذا 􀑧 ا ه 􀑧 دأ به 􀑧 ى، أب 􀑧 ه أول 􀑧 ى جمل 􀑧 ارتشفت قهوتك المرة، بمتعه مشبوهة هذه المرّة. شعرت أنني على وشك أن أعثر عل
الكتاب.
جمله قد تكون في تلقائية آلمات رسالة.
آأن أقول مثلاً :
5
ا 􀑧 ل ، وأن 􀑧 ى عج 􀑧 ور عل 􀑧 ذه الجس 􀑧 ر ه 􀑧 ور تعب 􀑧 ت الطي 􀑧 أآتب إليك من مدينه ما زالت تشبهك، وأصبحت أشبهها. ما زال »
أصبحت جسرا آخر معلقاً هنا.
.«.. لا تحبي الجسور بعد اليوم
أو شيئاً آخر مثل:
أمام فنجان قهوة ذآرتك.. »
.«؟.. آان لا بد أن تضعي ولو مرة قطعة سكر في قهوتي . لماذا آل هذه الصينية.. من أجل قهوة مرّة
آان يمكن أن أقول أي شيء...
ن 􀑧 ية ، لم 􀑧 رتنا النفس 􀑧 ففي النهاية، ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات، نكتبها خارج المناسبات المعلنة.. لنعلن نش
يهمهم أمرنا .
ا 􀑧 ل تقلباتن 􀑧 ي آ 􀑧 بب اً ف 􀑧 اً س 􀑧 ان يوم 􀑧 ا آ 􀑧 ن ا. وربم 􀑧 ن ا وطقوس 􀑧 ايش طقس 􀑧 ن ع 􀑧 ا م 􀑧 م يتوقعه 􀑧 ة ل 􀑧 دأ بجمل 􀑧 ي تب 􀑧 ولذا أجملها، تلك الت
الجوية.
تتزاحم الجمل في ذهني . آل تلك التي لم تتوقعيها.
وتمطر الذاآرة فجأة..
فأبتلع قهوتي على عجل. وأشرع نافذتي لأهرب منك إلى السماء الخريفية.. إلى الشجر والجسور والمارة.
إلى مدينة أصبحت مدينتي مرةً أخرى . بعدما أخذت لي موعدا معها لسبب آخر هذه المرة.
ها هي ذي قسنطينة.. وها هو آل شيء أنت.
وت 􀑧 ه ، وص 􀑧 آذن نفس 􀑧 وت الم 􀑧 ع ص 􀑧 نوات . م 􀑧 ذ س 􀑧 ا من 􀑧 وها أنت تدخلين إليّ، من النافذة نفسها التي سبق أن دخلت منه
الباعة، وخطى النساء الملتحفات بالسواد، والأغاني القادمة من مذياع لا يتعب...
.« .. يا التفاحة .. يا التفاحة ... خبريني وعلاش الناس والعة بيك »
تستوقفني هذه الأغنية بسذاجتها.
ي 􀑧 يتها ف 􀑧 ي قض 􀑧 تضعني وجهاً لوجه مع الوطن . تذآرني دون مجال للشك بأنني في مدينه عربيه فتبدو السنوات الت
باريس حلماً خرافياً.
ه، 􀑧 هل التغزل بالفواآه ظاهرة عربية؟ أم وحده التفاح الذي ما زال يحمل نكهة خطيئتنا الأولى، شهيّ لحدّّ التغنّي ب
في أآثر من بلد عربي.
وماذا لو آنت تفاحة؟
لا لم تكوني تفاحة.
ر 􀑧 اني أن أتنك 􀑧 ن بإمك 􀑧 م يك 􀑧 واء . ول 􀑧 ة ح 􀑧 اً لعب 􀑧 ي فطري 􀑧 آنت المرأة التي أغرتني بأآل التفاح لا أآثر. آنت تمارسين مع
لأآثر من رجل يسكنني، لأآون معك أنت بالذات في حماقة آدم!
-أهلا سي خالد..واش راك اليوم ..؟
يسلّم عليّ الجار، تسلّقت نظراته طوابق حزني .وفاجأهُ وقوفي الصباحي، خلف شرفة للذهول.
6
ها 􀑧 رين ، بعض 􀑧 ارة آخ 􀑧 وات ، لم 􀑧 ن خط 􀑧 ا م 􀑧 ا يليه 􀑧 اور . وم 􀑧 جد المج 􀑧 و المس 􀑧 ة نح 􀑧 ه المتجه 􀑧 ة ، خطوات 􀑧 رة غائب 􀑧 أتابع في نظ
آسلى، وأخرى عجلى، متجهة جميعها نحو المكان نفسه.
الوطن آله ذاهب للصلاة.
والمذياع يمجِّد أآل التفاحة.
ى 􀑧 ة عل 􀑧 ل ليل 􀑧 ك آ 􀑧 دم ل 􀑧 ي تق 􀑧 ة، الت 􀑧 وات الأجنبي 􀑧 د القن 􀑧 آذن يرص 􀑧 ابلا الم 􀑧 ف مق 􀑧 وأآثر من جهاز هوائي على السطوح، يق
شاشة تلفزيونك ,أآثر من طريقه _عصرية_ لأآل التفاح!
أآتفي بابتلاع ريقي فقط.
في الواقع لم أآن أحب الفواآه. ولا آان أمر التفاح يعنيني بالتحديد.
آنت أحبك أنت .وما ذنبي إن جاءني حبك في شكل خطيئة؟
آيف أنت.. يسألني جار ويمضي للصلاة.
فيجيب لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك .
آيف أنا؟
أنا ما فعلته بي سيدتي.. فكيف أنتِ ؟
يا امرأة آساها حنيني جنوناً، وإذا بها تأخذ تدريجيا ، ملامح مدينة وتضاريس وطن.
وإذا بي أسكنها في غفلة من الزمن، وآأنني أسكن غرف ذاآرتي المغلقة من سنين.
آيف حالك؟
يا شجرة توت تلبس الحداد وراثياً آل موسم.
يا قسنطينية الأثواب....
يا قسنطينية الحب ... والأفراح والأحزان والأحباب .. أجيبي أين تكونين الآن؟.
ها هي ذي قسنطينة...
باردة الأطراف والأقدام. محمومة الشفاه، مجنونة الأطوار.
ها هي ذي .. آم تشبهينها اليوم أيضاً ... لو تدرين!
دعيني أغلق النافذة.!
آان مارسيل بانيول يقول:
.« تعوَّد على اعتبار الأشياء العادية .. أشياء يمكن أن تحدث أيضاً »
ون ، 􀑧 ة والجن 􀑧 أليس الموت في النهاية شيئ اً عادي اً. تماماً آالميلاد ، والحب، والزواج، والمرض، والشيخوخة ، والغرب
وأشياء أخرى ؟
رين ، 􀑧 وى للآخ 􀑧 دث س 􀑧 ا لا تح 􀑧 د أنه 􀑧 فما أطول قائمة الأشياء العادية التي نتوقعها فوق العادة، حتى تحدث. والتي نعتق
وأن الحياة لسبب أو لآخر ستوفر علينا آثيرا منها، حتى نجد أنفسنا يوماً أمامها.
7
ن 􀑧 م أآ 􀑧 ذي ل 􀑧 د ال 􀑧 يء الوحي 􀑧 اً. الش 􀑧 عندما أبحث في حياتي اليوم، أجد أن لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق للعادة حق
ن 􀑧 ر اً م 􀑧 ا آثي 􀑧 ا أيض 􀑧 ر معه 􀑧 د تج 􀑧 ة ، ق 􀑧 ر العادي 􀑧 ياء غي 􀑧 ا أن الأش 􀑧 ل وقته 􀑧 لأتنبأ به، أو أتوقع عواقبه عليّ. لأنَّني آنت أجه
الأشياء العادية.
ورغم ذلك....
ما زلت أتساءل بعد آل هذه السنوات، أين أضع حبك اليوم ؟
أفي خانة الأشياء العادية التي قد تحدث لنا يوما آأية وعكة صحية أو زلة قدم ..أو نوبة جنون؟
أم .. أضعه حيث بدأ يوماً؟
زات 􀑧 زة لله 􀑧 ة أجه 􀑧 ه أي 􀑧 أ ب 􀑧 م تتنب 􀑧 زال ل 􀑧 ون. أو زل 􀑧 وده الفلكي 􀑧 ع وج 􀑧 م يتوق 􀑧 ب، ل 􀑧 ن آوآ 􀑧 ة م 􀑧 ادة، آهدي 􀑧 ارق للع 􀑧 يء خ 􀑧 آش
الأرضية.
أآنتِ زلة قدم .. أم زلة قدر ؟.
غيّر مسار حياتي وجاء بي إلى هنا. « عادي » أقلّب جريدة الصباح بحثاً عن أجوبة مقنعه لحدث
أتصفح تعاستنا بعد آل هذه الأعوام ، فيعلق الوطن حبراً أسود بيدي.
رك 􀑧 ده تت 􀑧 ك واح 􀑧 رة . فهنال 􀑧 ل م 􀑧 ي آ 􀑧 ه ف 􀑧 بب نفس 􀑧 يس للس 􀑧 ان ل 􀑧 فحتها وإن آ 􀑧 ديك إن تص 􀑧 ل ي 􀑧 ب أن تغس 􀑧 حف يج 􀑧 اك ص 􀑧 هن
حبرها عليك .. وأخرى أآثر تألقا تنقل عفونتها إليك.
ر 􀑧 ه غي 􀑧 ه وبوج 􀑧 ح متعب 􀑧 ا، بملام 􀑧 وم مثلن 􀑧 ل ي 􀑧 تيقظ آ 􀑧 ا تس 􀑧 دنا وآأنه 􀑧 ي جرائ 􀑧 دو ل 􀑧 حابه ا، تب 􀑧 ا أص 􀑧 به دائم 􀑧 د تش 􀑧 ألأنّ الجرائ
ع 􀑧 عره ا، أو وض 􀑧 فيف ش 􀑧 قة تص 􀑧 ها مش 􀑧 ف نفس 􀑧 ذا دون أن تكل 􀑧 ارع . هك 􀑧 صباحي غسلته على عجل، ونزلت به إلى الش
ربطة عنق مناسبة.. أو إغرائنا بابتسامة.
. وبر 1988 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 25 أآت
عناوين آبرى.. آثير من الحبر الأسود. آثير من الدم. وقليل من الحياء.
هناك جرائد تبيعك نفس صور الصفحة الأولى.. ببدلة جديدة آل مرة.
هنالك جرائد.. تبيعك نفس الأآاذيب بطريقة أقل ذآاء آل مرّة....
وهنالك أخرى، تبيعك تذآرة للهروب من الوطن.. لا غير.
وما دام ذلك لم يعد ممكناً، فلأغلق الجريدة إذن.. ولأذهب لغسل يدي.
آخر مرة استوقفتني فيها صحيفة جزائرية، آان ذلك منذ شهرين تقريباً. عندما آنت أتصفح عن طريق المصادفة،
وإذا بصورتك تفاجئني على نصف صفحة بأآملها، مرفقة بحوار صحافي بمناسبة صدور آتاب جديد لك.
اً، 􀑧 رأك مرتبك 􀑧 ت أق 􀑧 ك . آن 􀑧 وز آلام 􀑧 كّ رم 􀑧 ت أف 􀑧 اً رح 􀑧 ك . وعبث 􀑧 ان يحتوي 􀑧 ذي آ 􀑧 ار ال 􀑧 يومها تسمَََََّر نظري أمام ذلك الإط
ة 􀑧 ن قص 􀑧 رين ، ع 􀑧 دثين للآخ 􀑧 ت تتح 􀑧 متلعثماً، على عجل. وآأنني أنا الذي آنت أتحدث إليك عني، ولست أنت التي آن
ربما لم تكن قصتنا.
ين 􀑧 ى ورق ب 􀑧 د اً عل 􀑧 ي موع 􀑧 زي ل 􀑧 نوات أن تحج 􀑧 ك الس 􀑧 د تل 􀑧 أي موعد عجيب آان موعدنا ذلك اليوم! آيف لم أتوقع بع
صفحتين، في مجلة لا اقرأها عادةً.
8
بّ 􀑧 ى عق 􀑧 اً عل 􀑧 اتي رأس 􀑧 ب حي 􀑧 إنّه قانون الحماقات، أليس آذلك؟ أن أشتري مصادفة مجلة لم أتعوّد شراءها، فقط لأقل
وأين العجب؟
ألم تكوني امرأة من ورق. تحب وتكره على ورق. وتهجر وتعود على ورق. وتقتل وتحيي بجرّة قلم.
ي، 􀑧 ان قلب 􀑧 ن خفق 􀑧 د م 􀑧 دي، وتزي 􀑧 ي جس 􀑧 ري ف 􀑧 ة لتس 􀑧 ة المكهرب 􀑧 ك الرعش 􀑧 ود تل 􀑧 ف لا تع 􀑧 رأك . وآي 􀑧 ا أق 􀑧 فكيف لا أرتبك وأن
وآأنني آنت أمامك، ولست أمام صورة لك.
ذي 􀑧 ا ال 􀑧 ي، أن 􀑧 ي ب 􀑧 ذا لتتربص 􀑧 د تِ هك 􀑧 ف ع 􀑧 ورة، آي 􀑧 ك الص 􀑧 ر لتل 􀑧 ين والآخ 􀑧 ين الح 􀑧 ود ب 􀑧 ا أع 􀑧 دها، وأن 􀑧 راً بع 􀑧 اءلت آثي 􀑧 تس
تحاشيت آل الطرق المؤدية إليك؟
ين 􀑧 ت تجمع 􀑧 يئاً وأن 􀑧 يئاً فش 􀑧 ك ش 􀑧 رغ من 􀑧 ذآراك أن يف 􀑧 ث ب 􀑧 ب المؤث 􀑧 اد القل 􀑧 ئم . وآ 􀑧 رح أن يلت 􀑧 اد الج 􀑧 دما آ 􀑧 دت .. بع 􀑧 ف ع 􀑧 آي
حقائب الحبّ، وتمضين فجأة لتسكني قلباً آخر.
غادرت قلبي إذن..
ل، 􀑧 اعة الرحي 􀑧 ى س 􀑧 بقاً، حت 􀑧 ا مس 􀑧 وت فيه 􀑧 يء موق 􀑧 لّ ش 􀑧 ة . آ 􀑧 ياح ية منظم 􀑧 ارة س 􀑧 ي زي 􀑧 ا ف 􀑧 ة جاءه 􀑧 ائح مدين 􀑧 ادر س 􀑧 ا يغ 􀑧 آم
لات 􀑧 وان المح 􀑧 اهدها، وعن 􀑧 ي سيش 􀑧 رحية الت 􀑧 م المس 􀑧 يزورها، واس 􀑧 ومحجوز فيها مسبقاً، حتى المعالم السياحية التي س
التي سيشتري منها هدايا للذآرى.
فهل آانت رحلتك مضجرة إلى هذا الحد؟
ها أنا أمام نسخة منك، مدهوش مرتبك، وآأنني أمامك.
تفاجئني تسريحتك الجديدة. شعرك القصير الذي آان شالاً يلف وحشة ليلي.. ماذا تراك فعلت به؟
أتوقف طويلاً عند عينيك. أبحث فيهما عن ذآرى هزيمتي الأولى أمامك.
ذات يوم.. لم يكن أجمل من عينيك سوى عينيك. فما أشقاني وما أسعدني بهما!
ابق . 􀑧 وني الس 􀑧 مات جن 􀑧 ن بص 􀑧 هل تغيرت عيناك أيضاً.. أم أن نظرتي هي التي تغيرت؟ أواصل البحث في وجهك ع
أآاد لا أعرف شفاهك ولا ابتسامتك وحمرتك الجديدة.
دي ذات 􀑧 ذه الأي 􀑧 ين به 􀑧 ابي، وتعجن 􀑧 ا العن 􀑧 ين ثوبه 􀑧 ورتك تلبس 􀑧 ف تص 􀑧 أمي . آي 􀑧 بهاً ب 􀑧 آيف حدث يوماً.. أن وجدت فيك ش
الأظافر المطلية الطويلة، تلك الكسرة التي افتقدت مذاقها منذ سنين؟
أيّ جنون آان لك.. وأية حماقة!
هل غيّر الزواج حقاً ملامحك وضحكتك الطفولية، هل غيّر ذاآرتك أيضاً، ومذاق شفاهك وسمرتك الغجرية؟
ة 􀑧 ية الحادي 􀑧 اءك بالوص 􀑧 الذي سرقوا منه الوصايا العشر وهو في طريقه إليك.. فج « النبي المفلس » وهل أنساك ذلك
عشرة فقط.
ها أنت ذي أمامي، تلبسين ثوب الردّة. لقد اخترت طريقاً آخر. ولبست وجهاً آخر لم أعد أعرفه. وجهاً آذلك الذي
نان، أو 􀑧 نصادفه في المجلات والإعلانات، لتلك النساء الواجهة، المعدات مسبقاً لبيع شيء ما، قد يكون معجون أس
مرهماً ضد التجاعيد.
9
ون 􀑧 د تك 􀑧 اعة ق 􀑧 بض « يان 􀑧 ف النس 􀑧 منعط » ميتها 􀑧 اب، أس 􀑧 كل آت 􀑧 ي ش 􀑧 أم تراك لبست هذا القناع، فقط لتروّجي لبضاعة ف
قصتي معك ..وذاآرة جرحي؟
وقد تكون آخر طريقة وجدتها لقتلي اليوم من جديد، دون أن تترآي بصماتك على عنقي.
يومها تذآرت حديثاً قديماً لنا . عندما سألتك مرة لماذا اخترتِ الرواية بالذات. وإذا بجوابك يدهشني.
قلت يومها بابتسامة لم أدرك نسبة الصدق فيها من نسبة التحايل:
ى 􀑧 ة إل 􀑧 آان لا بد أن أضع شيئا من الترتيب داخلي ..وأتخلص من بعض الأثاث القديم . إنَّ أعماقنا أيضاً في حاج »
نفض آأيّ بيت نسكنه ولا يمكن أن أبقي نوافذي مغلقة هكذا على أآثر من جثة..
ا 􀑧 ا .فكلم 􀑧 ى حياتن 􀑧 اً عل 􀑧 ودهم عبئ 􀑧 بح وج 􀑧 ذين أص 􀑧 خاص ال 􀑧 ن الأش 􀑧 إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير، وننتهي م
.« ... آتبنا عنهم فرغنا منهم... وامتلأنا بهواء نظيف
وأضفت بعد شيء من الصمت:
ن 􀑧 رأى م 􀑧 ى م 􀑧 ا، عل 􀑧 خص م 􀑧 اه ش 􀑧 ا تج 􀑧 ا .وربم 􀑧 رة م 􀑧 اه ذاآ 􀑧 ا تج 􀑧 في الحقيقة آل رواية ناجحة، هي جريمة ما نرتكبه »
الجميع بكاتم صوت. ووحده يدري أنَّ تلك الكلمة الرصاصة آانت موجّهة إليه...
م لا 􀑧 ة أنه 􀑧 م ، بحج 􀑧 ل القل 􀑧 ة حم 􀑧 حابها رخص 􀑧 ن أص 􀑧 حب م 􀑧 د أن تس 􀑧 لة ، لا ب 􀑧 رائم فاش 􀑧 وى ج 􀑧 ت س 􀑧 والروايات الفاشلة، ليس
راء ... 􀑧 يحسنون استعمال الكلمات، وقد يقتلون خطأً بها أيّ أحد .. بمن في ذلك أنفسهم ، بعدما يكونون قد قتلوا الق
.« ! ضجراً
ا 􀑧 ت فيه 􀑧 ي جرب 􀑧 وم ، والت 􀑧 آيف لم تثر نزعتك الساديّة شكوآي يومها .. وآيف لم أتوقع آل جرائمك التي تلت ذلك الي
أسلحتك الأخرى؟
لم أآن أتوقع يومها أنك قد توجهين يوماً رصاصك نحوي.
اب 􀑧 ون الإعج 􀑧 الات ، جن 􀑧 ذه الح 􀑧 ي ه 􀑧 اوم ، ف 􀑧 نحن لا نق 􀑧 ك. ف 􀑧 ر ب 􀑧 اري الآخ 􀑧 ا انبه 􀑧 ولذا ضحكت لكلامك، وربما بدأ يومه
بقاتلنا!
ورغم ذلك أبديت لك دهشتي . قلت:
_آنت اعتقد أن الرواية طريقه الكاتب في أن يعيش مرة ثانية قصة أحبها.. وطريقته في منح الخلود لمن أحب.
وآأنّ آلامي فاجأك فقلت وآأنك تكتشفين شيئاً لم تحسبي له حسابا:ً
اً . 􀑧 ود اً أدبي 􀑧 ك خل 􀑧 ن ذل 􀑧 اً ع 􀑧 نحهم تعويض 􀑧 _ وربما آان صحيحاً أيضا، فنحن في النهاية لا نقتل سوى من أحببنا. ونم
إنها صفقه عادلة . أليس آذلك؟!
عادلة ؟
ت ، 􀑧 ب . وأن 􀑧 هوة الله 􀑧 من يناقش الطغاة في عدلهم أو ظلمهم؟ ومن يناقش نيرون يوم أحرق روما حباً لها، وعشقاً لش
أما آنت مثله امرأة تحترف العشق والحرائق بالتساوي؟
أآنت لحظتها تتنبّأين بنهايتي القريبة، وتواسينني مسبقاً على فجيعتي...
10
اري 􀑧 ك ، وانبه 􀑧 أم آنت تتلاعبين بالكلمات آعادتك، وتتفرجين على وقعها عليّ، وتسعدين سرّاً باندهاشي الدائم أمام
بقدرتك المذهلة، في خلق لغة على قياس تناقضك.
آل الاحتمالات آانت ممكنة...
فربما آنت أنا ضحية روايتك هذه، والجثة التي حكمت عليها بالخلود، وقررت أن تحنطيها بالكلمات... آالعادة.
ك 􀑧 ل تل 􀑧 ى آ 􀑧 واب عل 􀑧 ة الج 􀑧 ي النهاي 􀑧 و ربما آنت ضحية وهمي فقط، ومراوغتك التي تشبه الصدق. فوحدك تعرفين ف
الأسئلة التي ظلت تطاردني، بعناد الذي يبحث عن الحقيقة دون جدوى.
متى آتبتِ ذلك الكتاب؟
أقبل زواجك أم بعده؟ أقبل رحيل زياد .. أم بعده؟ أآتبته عني .. أم آتبته عنه؟ أآتبته لتقتليني به.. أم لتحييه هو ؟
لم لتنتهي منّا معاً، وتقتلينا معاً بكتاب واحد... آما ترآتنا معاً من أجل رجل واحد ؟
ور 􀑧 ك مح 􀑧 بح آتاب 􀑧 حِّ، ليص 􀑧 عندما قرأت ذلك الخبر منذ شهرين،. لم أتوقع إطلاقاًً أن تعودي فجأة بذلك الحضور المل
تفكيري، ودائرة مغلقة أدور فيها وحدي.
ل 􀑧 ائع مقاب 􀑧 ن ب 􀑧 تي م 􀑧 تري قص 􀑧 ات ، لأش 􀑧 ي المكتب 􀑧 ه ف 􀑧 ث عن 􀑧 ب للبح 􀑧 دث ، أن اذه 􀑧 ذي ح 􀑧 ل ال 􀑧 د آ 􀑧 فلا آان ممكنا يومها بع
ورقة نقدية .ولا آان ممكناً أيضا أن أتجاهله وأواصل حياتي وآأنني لم أسمع به ، وآأن أمره لا يعنيني تماماً.
ألم أآن متحرقاً إلى قراءة بقية القصة؟
ت 􀑧 دما آن 􀑧 ب ، بع 􀑧 اهدها الغائ 􀑧 ت ش 􀑧 ي آن 􀑧 قصتك التي انتهت في غفلة مني ، دون أن أعرف فصولها الأخيرة. تلك الت
ان 􀑧 ن مك 􀑧 ا م 􀑧 ن فيه 􀑧 شاهدها الأول. أنا الذي آنت،. حسب قانون الحماقات نفسه. الشاهد والشهيد دائماً في قصة لم يك
سوى لبطل واحد.
ة 􀑧 ي آقنبل 􀑧 ربص ب 􀑧 ز ، يت 􀑧 ا آلغ 􀑧 اولتي مغلق 􀑧 ى ط 􀑧 ا عل 􀑧 ه هن 􀑧 ها هوذا آتابك أمامي.. لم يعد بإمكاني اليوم أن أقرأه. فترآت
موقوتة، أستعين بحضوره الصامت لتفجير منجم الكلمات داخلي ... واستفزاز الذاآرة.
ك 􀑧 ي . ونظرت 􀑧 آل شيء فيه يستفزني اليوم .. عنوانه الذي اخترته بمراوغه واضحة ..وابتسامتك التي تتجاهل حزن
المحايدة التي تعاملني وآأنني قارئ، لا يعرف الكثير عنك.
آل شيء.. حتى اسمك.
وربما آان اسمك الأآثر استفزازاً لي، فهو مازال يقفز إلى الذاآرة قبل أن تقفز حروفه المميزة إلى العين.
اسمك الذي .. لا يُقرأ وإنما يُسمع آموسيقى تُعزف على آلة واحدة من أجل مستمعٍ واحد.
آيف لي أن أقرأه بحياد، وهو فصل من قصة مدهشه آتبتها الصدفة، وآتبها قدرنا الذي تقاطع يوماً؟
يقول تعليق على ظهر آتابك إنه حدث أدبي.
وأقول وأنا أضع عليه حزمة من الأوراق التي سودتها في لحظة هذيان..
« ! حان لك أن تكتب.. أو تصمت إلى الأبد أيها الرجل . فما أعجب ما يحدث هذه الأيام »
دوري 􀑧 ق ب 􀑧 اءه ، وانزل 􀑧 م غط 􀑧 د للقل 􀑧 وفجأة.. يحسم البرد الموقف، ويزحف ليل قسنطينة نحوي من نافذة للوحشة. فأعي
تحت غطاء الوحدة.
11
ه 􀑧 ا تخفي 􀑧 مذ أدرآت أن لكل مدينةٍ الليل الذي تستحق، الليل الذي يشبهها والذي وحده يفضحها، ويعري في العتمة م
في النهار، قررت أن أتحاشى النظر ليلاً من هذه النافذة .
آل المدن تمارس التعري ليلاً دون علمها، وتفضح للغرباء أسرارها ، حتى عندما لا تقول شيئاً.
وحتى عندما توصد أبوابها.
ولأن المدن آالنساء، يحدث لبعضهن أن يجعلننا نستعجل قدوم الصباح. ولكن...
«soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin ..»
ورحت اردده على نفسي بأآثر من لغة.. « هنري ميشو » آيف تذآرت هذا البيت للشاعر
« أمسيات .. أمسيات آم من مساء لصباح واحد »
باح 􀑧 وى ص 􀑧 آيف تذآرته، ومتى تراني حفظته؟ .. تراني آنت أتوقع منذ سنين أمسيات بائسة آهذه، لن يكون لها س
واحد ؟
..« الشيخوخة » أنقب بعض الشيء في ذاآرتي عن القصيدة التي أُخذ منها هذا البيت، وإذا بعنوانها
ل 􀑧 اً بلي 􀑧 ا حق 􀑧 ذ ا نحون 􀑧 يخوخة هك 􀑧 ف الش 􀑧 ل تزح 􀑧 دة . فه 􀑧 ي الجدي 􀑧 ح وجه 􀑧 فيخيفني اآتشافي فجأة وآأنني أآتشف معه ملام
طويل واحد. وبعتمة داخلية تجعلنا نتمهل في آل شيء، ونسير ببطء، دون اتجاه محدد؟
أيكون الملل والضياع والرتابة جزءاً من مواصفات الشيخوخة أم من مواصفات هذه المدينة ؟
تراني أنا الذي أدخل الشخوخة.. أم ترى الوطن بأآمله هو الذي يدخل اليوم سن اليأس الجماعي؟
أليس هو الذي يملك هذه القدرة الخارقة، على جعلنا نكبر ونهرم في بضعة أشهر، وأحيانا في بضعة أسابيع فقط؟
ت 􀑧 ب ، وآان 􀑧 ي لا تنض 􀑧 ية الت 􀑧 اقتي الشمس 􀑧 مي ط 􀑧 ان مرس 􀑧 بابي ، وآ 􀑧 ك ش 􀑧 ان حبّ 􀑧 نين ، آ 􀑧 ل الس 􀑧 عر بثق 􀑧 قبل اليوم لم أآن اش
أوا 􀑧 ي ، وأطف 􀑧 ع غربت 􀑧 ى مرب 􀑧 اردوني حت 􀑧 باريس مدينه أنيقة، يخجل الواحد أن يهمل مظهره في حضرتها . ولكنهم ط
شعلة جنوني ... وجاؤوا بي حتى هنا.
ن 􀑧 اير م 􀑧 ر المتط 􀑧 ع الجم 􀑧 الآن نحن نقف جميعاً على برآان الوطن الذي ينفجر ، ولم يعد في وسعنا ، إلا أن نتوحد م
ل أن 􀑧 بح لا يخج 􀑧 ه أص 􀑧 وطن نفس 􀑧 ة . ال 􀑧 ة واللياق 􀑧 ك الأناق 􀑧 ل تل 􀑧 تحق آ 􀑧 فوهته، وننسى نارنا الصغيرة... اليوم لا شيء يس
يبدو أمامنا في وضع غير لائق!
لا أصعب من أن تبدأ الكتابة، في العمر الذي يكون فيه الآخرون قد انتهوا من قول آل شيء.
الكتابة ما بعد الخمسين لأول مرة ... شيء شهواني وجنوني شبيه بعودة المراهقة.
شيء مثير وأحمق ، شبيه بعلاقة حب بين رجل في سن اليأس، وريشة حبر بكر.
الأول مرتبك وعلى عجل... والثانية عذراء لا يرويها حبر العالم!
نين 􀑧 ذ س 􀑧 سأعتبر إذن ما آتبته حتى الآن، مجرد استعداد للكتابة فقط، وفائض شهوة ... لهذه الأوراق التي حملت من
بملئها.
ربما غداً ابدأ الكتابة حقا.ً
أحب دائماً أن ترتبط الأشياء الهامة في حياتي بتاريخ ما .... يكون غمزة لذاآرة أخرى.
12
الزمن ، أن 􀑧 ي ب 􀑧 دت علاقت 􀑧 ذي فق 􀑧 ا ال 􀑧 ف، أن 􀑧 اء واآتش 􀑧 ذا المس 􀑧 ار ه 􀑧 أغرتني هذه الفكرة من جديد، وأنا استمع إلى الأخب
غداً سيكون أول نوفمبر ... فهل يمكن لي ألا أختار تاريخاً آهذا، لأبدأ به هذا الكتاب ؟
ا 􀑧 ودي هن 􀑧 ى وج 􀑧 رّ عل 􀑧 د م 􀑧 ون ق 􀑧 ر ، ويك 􀑧 رب التحري 􀑧 غدا ستكون قد مرت 34 سنة على انطلاق الرصاصة الأولى لح
ثلاثة أسابيع، ومثل ذلك من الزمن على سقوط آخر دفعه من الشهداء...
آان أحدهم ذلك الذي حضرت لأشيّعه بنفسي وأدفنه هنا .
بين أول رصاصة ، وآخر رصاصة، تغيرت الصدور، تغيرت الأهداف .. وتغير الوطن.
ولذا سيكون الغد يوماً للحزن مدفوع الأجر مسبقاً.
لن يكون هناك من استعراض عسكري، ولا من استقبالات، ولا من تبادل تهاني رسمية....
سيكتفون بتبادل التهم ... ونكتفي بزيارة المقابر.
غداً لن أزور ذلك القبر . لا أريد أن أتقاسم حزني مع الوطن.
أفضِّل تواطؤ الورق، وآبرياء صمته.
آل شيء يستفزني الليلة.. واشعر أنني قد أآتب أخيراً شيئاً مدهشاً، لن أمزقه آالعادة ..
ي 􀑧 بهم ف 􀑧 ن أح 􀑧 ة م 􀑧 د جث 􀑧 ه ، لأج 􀑧 ان نفس 􀑧 ا، للمك 􀑧 ى هن 􀑧 نوات إل 􀑧 ذه الس 􀑧 ل ه 􀑧 د آ 􀑧 ي ، بع 􀑧 ود ب 􀑧 فما أوجع هذه الصدفة التي تع
انتظاري، بتوقيت الذاآرة الأولى.
يستيقظ الماضي الليلة داخلي ... مربكاً .يستدرجني إلى دهاليز الذاآرة.
فأحاول أن أقاومه، ولكن، هل يمكن لي أن أقاوم ذاآرتي هذا المساء ؟
أغلق باب غرفتي وأشرع النافذة..
أحاول أن أرى شيئا آخر غير نفسي. وإذا النافذة تطل علي...
روف 􀑧 ال والج 􀑧 ك الأدغ 􀑧 ل تل 􀑧 تمتد أمامي غابات الغار والبلوط، وتزحف نحوي قسنطينه ملتحفه ملاءتها القديمة، وآ
الكها 􀑧 لك مس 􀑧 ان ، فتوص 􀑧 زام أم 􀑧 ة آح 􀑧 ذه المدين 􀑧 يط به 􀑧 ت تح 􀑧 ي آان 􀑧 ا والت 􀑧 اً أعرفه 􀑧 ت يوم 􀑧 ي آن 􀑧 رية الت 􀑧 رات الس 􀑧 والمم
د 􀑧 ارة بع 􀑧 جر ة، ومغ 􀑧 د ش 􀑧 جرة بع 􀑧 ك ش 􀑧 رح ل 􀑧 ا تش 􀑧 د ين، وآأنه 􀑧 رية للمجاه 􀑧 د الس 􀑧 ى القواع 􀑧 ة ، إل 􀑧 المتشعبة، وغاباتها الكثيف
أخرى.
إنّ آل الطرق في هذه المدينة العربية العريقة، تؤدي إلى الصمود.
وإنّ آل الغابات والصخور هنا قد سبقتك في الانخراط في صفوف الثورة.
هنالك مدن لا تختار قدرها...
فقد حكم عليها التاريخ، آما حكمت عليها الجغرافيا، ألا تستسلم...
ولذا لا يملك أبناؤها الخيار دائماً.
فهل عجبٌ أن أشبه هذه المدينة حد التطرف ؟
13
ي 􀑧 رية الت 􀑧 تي الس 􀑧 ي ومدرس 􀑧 ذات يوم منذ أآثر من ثلاثين سنه سلكت هذه الطرق، واخترت أن تكون تلك الجبال بيت
أتعلم فيها المادة الوحيدة الممنوعة من التدريس. وآنت أدري أنه ليس من بين خريجيها من دفعة ثالثة، وأن قدري
سيكون مختصرا بين المساحة الفاصلة بين الحرية .. والموت.
يء 􀑧 ذهب لش 􀑧 ا ن 􀑧 ر ية، وآأنن 􀑧 هوة س 􀑧 ا بش 􀑧 وف وربم 􀑧 ذهب دون خ 􀑧 راءً، لن 􀑧 ر إغ 􀑧 ذلك الموت الذي اخترنا له اسما آخر أآث
آخر غير حتفنا.
ا 􀑧 ي مفهومه 􀑧 ا.... ف 􀑧 دء حريتن 􀑧 ذ الب 􀑧 رنا من 􀑧 ف اختص 􀑧 م؟ وآي 􀑧 ن اس 􀑧 ر م 􀑧 ا أآث 􀑧 لماذا نسينا يومها أن نطلق على الحرية أيض
الأول؟
آان الموت يومها يمشي إلى جوارنا، وينام ويأخذ آسرته معنا على عجل. تماماً مثل الشوق والصبر والإيمان ..
والسعادة المبهمة التي لا تفارقنا.
ذين 􀑧 هدائه ا، ال 􀑧 آان الموت يمشي ويتنفس معنا.. وآانت الأيام تعود قاسية دائماً، لا تختلف عما سبقتها سوى بعدد ش
ى 􀑧 ة إل 􀑧 لم يكن يتوقع أحد موتهم على الغالب.. أو لم يكن يتصور لسبب أو لآخر، أن تكون نهايتهم، هم بالذات، قريب
ذلك الحد .. ومفجعة إلى ذلك الحد. وآان ذلك منطق الموت الذي لم أآن قد أدرآته بعد.
يس 􀑧 ذات، ل 􀑧 ة بال 􀑧 ذه الحال 􀑧 ي ه 􀑧 ع ف 􀑧 أنَّ الجم 􀑧 ة . وآ 􀑧 نهم بالجمل 􀑧 ما زلت أذآرهم أولئك الذين تعودنا بعد ذلك أن نتحدث ع
اختصارا للذاآرة ، وإنما لحقهم علينا.
اء 􀑧 ه ج 􀑧 ة، وآأن 􀑧 ي أول معرآ 􀑧 هد ف 􀑧 ن استش 􀑧 اك م 􀑧 ان هن 􀑧 ده. آ 􀑧 ى ح 􀑧 هيداً عل 􀑧 نهم ش 􀑧 د م 􀑧 ل واح 􀑧 ان آ 􀑧 هداء.. آ 􀑧 وا ش 􀑧 م يكون 􀑧 ل
خصيصاً للشهادة.
يلها، 􀑧 ة تفاص 􀑧 ي دراس 􀑧 ابيع ف 􀑧 دة أس 􀑧 ى ع 􀑧 دما قض 􀑧 د، بع 􀑧 وم واح 􀑧 ه بي 􀑧 ى أهل 􀑧 روقة إل 􀑧 ه المس 􀑧 ل زيارت 􀑧 قط قب 􀑧 ن س 􀑧 اك م 􀑧 وهن
والإعداد لها.
وهناك من تزوج وعاد .. ليموت متزوجاً.
وهناك من آان يحلم أن يعود يوماً لكي يتزوج ... ولم يعد.
امى ، 􀑧 الى ، يت 􀑧 م ثك 􀑧 ونهم خلفه 􀑧 ذين يترآ 􀑧 ك ال 􀑧 م أولئ 􀑧 س ه 􀑧 اً، إنّ الأتع 􀑧 اء دائم 􀑧 م التعس 􀑧 في الحروب، ليس الذين يموتون ه
ومعطوبي أحلام.
اآتشفت هذه الحقيقة باآراً، شهيداً بعد آخر، وقصة بعد أخرى..
راً، 􀑧 اً وقه 􀑧 واآتشفت في المناسبة نفسها، أنني ربما آنت الوحيد الذي لم يترك خلفه سوى قبر طريّ لأم ماتت مرض
وأخٍ فريد يصغرني بسنوات، وأب مشغول بمطالب عروسه الصغيرة.
.« إن الذي مات أبوه لم يتيتَّم.. وحده الذي ماتت أمه يتيم » لقد آان ذلك المثل الشعبي على حقّ
ن 􀑧 ك م 􀑧 وآنت يتيماً، وآنت أعي ذلك بعمق في آل لحظة. فالجوع إلى الحنان، شعور مخيف وموجع، يظل ينخر في
الداخل ويلازمك حتى يأتي عليك بطريقة وبطريقة أو بأخرى.
ت 􀑧 ي آان 􀑧 أآان التحاقي بالجبهة آنذاك محاولة غير معلنة للبحث عن موت أجمل خارج تلك الأحاسيس المرضية الت
تملأني تدريجياً حقداً على آل شيء؟
14
ذات 􀑧 ة بال 􀑧 ة لحظ 􀑧 ي أي 􀑧 د، ف 􀑧 ر الآن بالتحدي 􀑧 د أذآ 􀑧 م أع 􀑧 ث، ول 􀑧 هره الثال 􀑧 آانت الثورة تدخل عامها الثاني، ويتمي يدخل ش
أخذ الوطن ملامح الأمومة، وأعطاني ما لم أتوقّعه من الحنان الغامض، والانتماء المتطرِّف له.
تعجالي 􀑧 من حيّنا بسيدي المبروك منذ بضعة أشهر، دور في حسم القضية، واس « سي الطاهر » وربما آان لاختفاء
نطينة 􀑧 ة بقس 􀑧 ال المحيط 􀑧 ي الجب 􀑧 ري ف 􀑧 ان س 􀑧 ى مك 􀑧 ل إل 􀑧 ه انتق 􀑧 د أن 􀑧 ى أح 􀑧 ى عل 􀑧 ن يخف 􀑧 م يك 􀑧 اجئ .فل 􀑧 في أخذ ذلك القرار المف
ليؤسس من هناك مع آخرين إحدى الخلايا الأولى للكفاح المسلح.
الليلة ليزيد من ارتباآي، ومن منكما استدرجني للآخر؟. « سي طاهر » من أين عاد اسم
من أين عاد.. وهل غاب حقاً، وعلى بعد شارعين مني شارع مازال يحمل اسمه؟
.« سلطة الاسم » هناك شيء اسمه
ا 􀑧 دث إليه 􀑧 ك تتح 􀑧 ا وآأن 􀑧 دث عنه 􀑧 اد تتح 􀑧 يجارتك . تك 􀑧 ئ س 􀑧 تك، وتطف 􀑧 ن جلس 􀑧 وهناك أسماء عندما تذآرها، تكاد تصلح م
بنفس تلك الهيبة وذلك الانبهار الأول.
ترك، ولا 􀑧 جن المش 􀑧 ة الس 􀑧 ه تجرب 􀑧 ولذا .. ظلّ لاسم (سي طاهر) هيبته عندي. لم تقتله العادة ولا المعاشرة، ولم تحول
ي، 􀑧 اجز اللامرئ 􀑧 سنوات النضال، إلى اسم عاديّ لصديق أو لجار. فالرموز تعرف دائماً آيف تحيط نفسها بذلك الح
الذي يفصل بين العادي والاستثنائي، والممكن والمستحيل، في آل شيء.
ها أنذا أذآره في ليلة لم أحجزها له..
ل 􀑧 اء طف 􀑧 أتي بك 􀑧 دة ي 􀑧 ة بعي 􀑧 وبينما أسحب نفساً من سيجارة أخيرة، يرتفع صوت المآذن معلناً صلاة الفجر. ومن غرف
أيقظ صوته أنحاء آل البيت..
اة 􀑧 روض الحي 􀑧 ل أن ت 􀑧 ه، قب 􀑧 درة علي 􀑧 فأحسد المآذن، وأحسد الأطفال الرضّع، لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والق
حبالهم الصوتية، وتعلِّمهم الصمت.
ه 􀑧 ي تعليم 􀑧 ره ف 􀑧 ة عم 􀑧 ة بقي 􀑧 ة العربي 􀑧 يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق، وتقضي الأنظم » لا أذآر من قال
.«! الصمت
أتي 􀑧 ذه لا ت 􀑧 بات آه 􀑧 ي مناس 􀑧 ذاآرة ف 􀑧 يان .فال 􀑧 اً آا لنس 􀑧 ذات، تمام 􀑧 ة بال 􀑧 ذه الليل 􀑧 ي ه 􀑧 ة ف 􀑧 بح نعم 􀑧 وآان يمكن للصمت أن يص
بالتقسيط، وإنما تهجم عليك شلالاً يجرفك إلى حيث لا تدري من المنحدرات.
وآيف لك لحظتها أن توقفها دون أن تصطدم بالصخور، وتتحطم في زلّة ذآرى؟
وها أنت ذا، تلهث خلفها لتلحق بماضٍ لم تغادره في الواقع، وبذاآرة تسكنها لأنها جسدك.
جسدك المشوه لا غير.
اهم 􀑧 ه . عس 􀑧 اً في 􀑧 انوا طرف 􀑧 اً آ 􀑧 دينوا تاريخ 􀑧 أخرى، لي 􀑧 ة أو ب 􀑧 ر، بحج 􀑧 ى آخ 􀑧 ر إل 􀑧 ن منب 􀑧 وتدري أنّ هناك من يلهثون الآن م
يلحقون بالموجة الجديدة، قبل أن يجرفهم الطوفان. فلا تملك إلا أن تشفق عليهم.
ما أتعس أن يعيش الإنسان بثياب مبللة.. خارجاً لتوه من مستنقع.. وألا يصمت قليلاً في انتظار أن تجف!
صامتاً يأتي (سي طاهر) الليلة.
صامتاً آما يأتي الشهداء.
15
صامتاً.. آعادته.
وها أنت ذا مرتبك أمامه آعادتك.
د 􀑧 زاً بح 􀑧 ا، ورم 􀑧 د ذاته 􀑧 راً بح 􀑧 ت عم 􀑧 نوات . آان 􀑧 ر الس 􀑧 ن عم 􀑧 ر م 􀑧 لكما، أآب 􀑧 ي تفص 􀑧 لقد آانت دائماً الخمس عشرة سنة الت
ي 􀑧 اء، ودرس ف 􀑧 ة العلم 􀑧 تلط بجمعي 􀑧 ن اخ 􀑧 ل م 􀑧 ا آ 􀑧 ز به 􀑧 ان يتمي 􀑧 ي آ 􀑧 احة الت 􀑧 ب الفص 􀑧 ى جان 􀑧 ع إل 􀑧 ان يجم 􀑧 ل آ 􀑧 ا، لرج 􀑧 ذاته
قسنطينة، فصاحة أخرى.. هي فصاحة الحضور.
ت 􀑧 مت . وآان 􀑧 ف يص 􀑧 اً آي 􀑧 رف أيض 􀑧 تكلم، ويع 􀑧 ف ي 􀑧 رف آي 􀑧 ب . ويع 􀑧 ى يغض 􀑧 م، ومت 􀑧 ى يبتس 􀑧 رف مت 􀑧 اهر ) يع 􀑧 آان(سي ط
الهيبة لا تفارق وجهه ولا تلك الابتسامة الغامضة التي آانت تعطي تفسيراً مختلفاً لملامحه آل مرة.
نقط 􀑧 ل وال 􀑧 ع الفواص 􀑧 ون وض 􀑧 وا يتقن 􀑧 ا زال 􀑧 ذين م 􀑧 إن الابتسامات فواصل ونقاط انقطاع.. وقليل من الناس أولئك ال »
. 1« في آلامهم
ة، 􀑧 يس المتطرف 􀑧 حوناً بالأحاس 􀑧 داً مش 􀑧 ان موع 􀑧 اهر ). آ 􀑧 ي ط 􀑧 ع (س 􀑧 الي الأول م 􀑧 دي النض 􀑧 ان موع 􀑧 دي ا) آ 􀑧 جن (الك 􀑧 ي س 􀑧 ف
وبدهشة الاعتقال الأول، بعنفوانه.. وبخوفه.
ا 􀑧 اك . وربم 􀑧 وآان (سي طاهر) الذي استدرجني إلى الثورة يوماً بعد آخر، يدري أنه مسؤول عن وجودي يومها هن
رف 􀑧 داً، ويع 􀑧 ا جي 􀑧 ان يعرفه 􀑧 ي آ 􀑧 ا) الت 􀑧 آان يشفق سراً على سنواتي الست عشرة، على طفولتي المبتورة، وعلى ( أمّ
ما يمكن أن تفعله بها تجربة اعتقالي الأول.
.« لقد خلقت السجون للرجال » : ولكنه آان يخفي عنّي آل شفقته تلك، مردداً لمن يريد سماعه
اي 􀑧 اهرات 8 م 􀑧 ر مظ 􀑧 ة، إث 􀑧 ائض رجول 􀑧 ن ف 􀑧 أة م 􀑧 وآان سجن (الكديا) وقتها، آكل سجون الشرق الجزائري يعاني فج
دّة آلاف 􀑧 ن ع 􀑧 ى م 􀑧 ة أول 􀑧 ي دفع 􀑧 ثلاً ف 􀑧 ورة، متم 􀑧 ون للث 􀑧 واحيها أول عرب 􀑧 1945 التي قدّمت فيها قسنطينة وسطيف وض
ل 􀑧 ا جع 􀑧 ات، مم 􀑧 م الزنزان 􀑧 اقت به 􀑧 ذين ض 􀑧 اجين ال 􀑧 ن المس 􀑧 من الشهداء سقطوا في مظاهرة واحدة، وعشرات الآلاف م
ي 􀑧 ام، ف 􀑧 ق الع 􀑧 جناء الح 􀑧 يين، وس 􀑧 جناء السياس 􀑧 ين الس 􀑧 هر ب 􀑧 دة أش 􀑧 الفرنسيين يرتكبون أآبر حماقاتهم، وهو يجمعون لع
زنزانات يجاوز أحياناً عدد نزلائها العشرين معتقلاً.
رفهم 􀑧 ل ش 􀑧 ي، ولغس 􀑧 وعي السياس 􀑧 وهكذا، جعلوا عدوى الثورة تنتقل إلى مساجين الحق العام الذين وجدوا فرصة لل
اة، 􀑧 د الحي 􀑧 ى قي 􀑧 ى الآن عل 􀑧 هم حت 􀑧 ازال بعض 􀑧 نهم . وم 􀑧 ر م 􀑧 ا الكثي 􀑧 ن أجله 􀑧 ك م 􀑧 د ذل 􀑧 بالانضمام إلى الثورة التي استشهد بع
ة .. 􀑧 وابقهم العدلي 􀑧 جلّ س 􀑧 ادة س 􀑧 اريخ بإع 􀑧 ل الت 􀑧 دما تكفّ 􀑧 ر، بع 􀑧 رب التحري 􀑧 اريخيين لح 􀑧 ادة الت 􀑧 ة الق 􀑧 ريم ووجاه 􀑧 يش بتك 􀑧 يع
ى 􀑧 رف عل 􀑧 ة للتع 􀑧 تعمارية _ فرص 􀑧 ة الاس 􀑧 ك الحماق 􀑧 ي تل 􀑧 يين _ ف 􀑧 جناء السياس 􀑧 ض الس 􀑧 د بع 􀑧 ا وج 􀑧 ى. بينم 􀑧 ه الأول 􀑧 لعذريت
بعض، ووقتاً آافياً للتشاور والتفكير في أمور الوطن.. والتخطيط للمرحلة القادمة.
ي 􀑧 بة ل 􀑧 دم بالنس 􀑧 م ت 􀑧 ا ل 􀑧 م أنه 􀑧 اليوم ..عندما أذآر تلك التجربة، تبدو لي لكثافتها ودهشتها، وآأنها أطول مما آانت. رغ
ن 􀑧 اك م 􀑧 ان هن 􀑧 ه آ 􀑧 ننا ولأن 􀑧 غر س 􀑧 رين لص 􀑧 ين آخ 􀑧 ا واثن 􀑧 راحي أن 􀑧 ق س 􀑧 ل أن يطل 􀑧 اك قب 􀑧 يتها هن 􀑧 سوى ستة أشهر فقط. قض
يهمهم أمرهم، أآثر منَّا.
« رصيف الأزهار لم يعد يجيب » و « سأهبك غزالة » 1 مأخوذة عن تواطؤ شعري من روايتي مالك حداد
16
ه ا والأدب 􀑧 فة نفس 􀑧 ب الفلس 􀑧 ه وآت 􀑧 امج نفس 􀑧 د البرن 􀑧 ياً، لأج 􀑧 اً دراس 􀑧 ت هام 􀑧 دما أخلف 􀑧 نطينة، بع 􀑧 ة قس 􀑧 وهكذا عدت إلى ثانوي
الفرنسي في انتظاري..
وحدهم بعض رفاق الدارسة آانوا ما يزالون ضمن المتغيّبين، بين مساجين وشهداء.
ريين 􀑧 وظفين الجزائ 􀑧 ين والم 􀑧 ن المثقف 􀑧 ة م 􀑧 ا أول دفع 􀑧 رج منه 􀑧 رر اً أن تتخ 􀑧 ان مق 􀑧 ي آ 􀑧 أغلبهم طلبة في الصفوف العليا الت
المفرنسين.
ي 􀑧 ية، ف 􀑧 ة الفرنس 􀑧 ات والثقاف 􀑧 اروا الثانوي 􀑧 م اخت 􀑧 ط لأنه 􀑧 انتهم، فق 􀑧 وآان ذلك شرفهم، أولئك الذين راهن البعض على خي
مدينة لا يمكن لأحد فيها أن يتجاهل سلطة اللغة العربية، وهيبتها في القلوب والذاآرة.
افتهم 􀑧 م ثق 􀑧 انوا بحك 􀑧 ذين آ 􀑧 فهل عجب أن يكون من بين الذين سجنوا وعذّبوا بعد تلك المظاهرات، الكثير منهم، هم ال
الغربية يتمتعون بوعي سياسي مبكر، وبفائض وطنية.. وفائض أحلام.
اً 􀑧 وا حرب 􀑧 ريين، ليخوض 􀑧 تعملت الجزائ 􀑧 والذين أدرآوا، والحرب العالمية تنتهي لصالح فرنسا والحلفاء، أنّ فرنسا اس
لم تكن حربهم، وأنهم دفعوا آلاف الموتى في معارك لا تعنيهم، ليعودوا بعد ذلك إلى عبوديتهم.
ت 􀑧 الية ظلَ 􀑧 ة نض 􀑧 ه، وتجرب 􀑧 د ذات 􀑧 طوري بح 􀑧 يء أس 􀑧 آان في مصادفة وجودي مع (سي الطاهر) في الزنزانة نفسها ش
د 􀑧 تلاحقني لسنوات بكل تفاصيلها، وربما آان لها بعد لك أثر في تغيّر قدري. فهناك رجال عندما تلتقي بهم تكون ق
التقيت بقدرك.
آان (سي الطاهر) استثنائياً في آلِّ شيء، وآأنه آان يعد نفسه منذ البدء، ليكون أآثر من رجل.
نهم أن 􀑧 ذين يمك 􀑧 ك ال 􀑧 ارق، وأولئ 􀑧 د الط 􀑧 ر عب 􀑧 اد، والأمي 􀑧 ن زي 􀑧 ارق ب 􀑧 لالة ط 􀑧 ن س 􀑧 يء م 􀑧 ه ش 􀑧 لقد خلق ليكون قائداً. آان في
يغيروا التاريخ بخطبة واحدة.
ي 􀑧 ون أ نّ (س 􀑧 انوا يجهل 􀑧 نهم آ 􀑧 د اً. ولك 􀑧 ك جي 􀑧 و ن ذل 􀑧 نوات يعرف 􀑧 لاث س 􀑧 دة ث 􀑧 جنوه لم 􀑧 ذّبوه وس 􀑧 ذين ع 􀑧 يون ال 􀑧 ان الفرنس 􀑧 وآ
ي 􀑧 دون ف 􀑧 ا المجاه 􀑧 وم به 􀑧 ة يق 􀑧 ل عملي 􀑧 د آ 􀑧 وب بع 􀑧 رأس المطل 􀑧 بح ال 􀑧 نوات، ويص 􀑧 ك بس 􀑧 الطاهر) سيأخذ بثأره منهم بعد ذل
الشرق الجزائري.
ذه 􀑧 لحة ه 􀑧 ة مس 􀑧 ة آفاحي 􀑧 ي تجرب 􀑧 اهر ) ف 􀑧 ي ط 􀑧 ع (س 􀑧 عني م 􀑧 اً، ليض 􀑧 نوات تمام 􀑧 ر س 􀑧 د عش 􀑧 در بع 􀑧 ود الق 􀑧 دفة .. أن يع 􀑧 أيّ ص
المرّة!
سنة .. 1955 وفي شهر أيلول بالذات، التحقت بالجبهة.
آان رفاقي يبدأون سنة دراسية ستكون الحاسمة، وآنت في عامي الخامس والعشرين أبدأ حياتي الأخرى.
م 􀑧 تي . ل 􀑧 اتي أو دراس 􀑧 ن حي 􀑧 ة ع 􀑧 يل خاص 􀑧 ة تفاص 􀑧 ن أيّ 􀑧 ألني ع 􀑧 م يس 􀑧 ا. ل 􀑧 أني وقته 􀑧 ي فاج 􀑧 اهر ) ل 􀑧 ي ط 􀑧 أذآر أنَّ استقبال (س
نني 􀑧 ل أن يحتض 􀑧 أملني قب 􀑧 لَّ يت 􀑧 ه . ظ 􀑧 يسألني حتى آيف أخذت قرار التحاقي بالجبهة، ولا أيّ طريق سلكت لأصل إلي
بشوق وآأنَّه آان ينتظرني هناك منذ سنة.
ثم قال:
- جئت!..
وأجبته بفرح وبحزن غامض معاً:
17
- جئت!
آان ( سي الطاهر) هكذا أحياناً، يكون موجزاً حتَّى في فرحته؛ فكنت موجزاً معه في حزني أيضاً.
لّ 􀑧 م آ 􀑧 ه فه 􀑧 د أن 􀑧 هر . وأعتق 􀑧 ة أش 􀑧 ذ ثلاث 􀑧 ت من 􀑧 ا توفي 􀑧 ه أنه 􀑧 د، فأجبت 􀑧 ا) بالتحدي 􀑧 سألني بعدها عن أخبار الأهل، وأخبار ( أمّ
شيء، فقد قال وهو يربت على آتفي، وشيء شبيه بالدمع يلمع في عينيه:
- رحمها الله، لقد تعذبت آثيراً.
ثم ذهب في تفكيره بعيداً إلى حيث لا أدري..
ي 􀑧 ت (س 􀑧 بعدها حسدت تلك الدمعة المفاجئة في عينيه، والتي رفع بها أمي إلى مرتبة الشهداء. فلم يحدث لي أن رأي
وتي 􀑧 د م 􀑧 و بع 􀑧 ع ول 􀑧 ه، لأتمت 􀑧 ين يدي 􀑧 الطاهر) يبكي سوى الشهداء من رجاله. وتمنيت طويلاً بعد ذلك أن أمدد جثماناً ب
بدمعة مكابرة في عينيه.
اهداً 􀑧 ه ش 􀑧 د أن أجعل 􀑧 أنني أري 􀑧 ه، وآ 􀑧 ولتي ل 􀑧 ات بط 􀑧 ي إثب 􀑧 انى ف 􀑧 ت أتف 􀑧 ه، ورح 􀑧 ي شخص 􀑧 أة ف 􀑧 ألكلّ هذا تقلصت عائلتي فج
وى 􀑧 على رجولتي أو على موتي؛ شاهداً على أنني لم أعد أنتسب إلى أحد غير هذا الوطن، وأنني لم أترك خلفي س
قبر لامرأة آانت أمي، وأخٍ يصغرني اختار له أبي مسبقاً امرأة ستصبح أمه.
وا 􀑧 ذين ترآ 􀑧 اقي ال 􀑧 دل رف 􀑧 ذني ب 􀑧 آنت ألقي بنفسي على الموت في آل مرّة، وآأنني أتحداه أو آأنني أريد بذلك أن يأخ
خلفهم أولادهم وأهلهم ينتظرون عودتهم.
وآنت آل مرة أعود أنا ويسقط آخرون، وآأن الموت قرر أن يرفضني..
عبة، 􀑧 ات الص 􀑧 ي المه م 􀑧 يَّ ف 􀑧 د عل 􀑧 دريجياً يعتم 􀑧 دأ ت 􀑧 د ب 􀑧 ا، ق 􀑧 ترآت فيه 􀑧 وآان (سي طاهر) بعد أآثر من معرآة ناجحة اش
ة 􀑧 ى رتب 􀑧 نتين إل 􀑧 د س 􀑧 ي بع 􀑧 دو . ورفعن 􀑧 ع الع 􀑧 رة م 􀑧 ة مباش 􀑧 ب مواجه 􀑧 ي تتطل 􀑧 ك الت 􀑧 ورة، تل 􀑧 ر خط 􀑧 ات الأآث 􀑧 ي بالمهم 􀑧 ويكلفن
ملازم لأتمكن من إدارة بعض المعارك وحدي، وأخذ القرارات العسكرية التي يقتضيها آل ظرف.
ن 􀑧 فاء م 􀑧 هادة بالش 􀑧 ي ش 􀑧 د منحتن 􀑧 ا ق 􀑧 ت أحمله 􀑧 ي آن 􀑧 ة الت 􀑧 أن الرتب 􀑧 ل، وآ 􀑧 ى رج 􀑧 ورة إل 􀑧 بدأت وقتها فقط أتحول على يد الث
ذاآرتي.. وطفولتي.
وآنت آنذاك سعيداً وقد بلغت أخيراً تلك الطمأنينة النفسية التي لا تمنحنا إياها سوى راحة الضمير.
ه 􀑧 د في 􀑧 ت أعتق 􀑧 ذي آن 􀑧 ت ال 􀑧 ك الوق 􀑧 لم أآن أعي أنّ طموحاتي لا علاقة لها بالمكتوب وأنّ القدر آان يتربص بي في ذل
أن لا شيء بعد اليوم يمكن أن يعيدني إلى حزني السابق.
لتقلب يوماً آل شيء.. « باتنة » وجاءت تلك المعرآة الضارية التي دارت على مشارف
تان، وإذا 􀑧 رى رصاص 􀑧 ي اليس 􀑧 ت ذراع 􀑧 دم ا اخترق 􀑧 ى بع 􀑧 داد الجرح 􀑧 ن ع 􀑧 فقد فقدنا فيها ستة مجاهدين، وآنت فيها أنا م
دود 􀑧 بمجرى حياتي يتغير فجأة، وأنا أجد نفسي من ضمن الجرحى الذين يجب أن ينقلوا على وجه السرعة إلى الح
م 􀑧 تين . ول 􀑧 ال الرصاص 􀑧 تحالة استئص 􀑧 رى، لاس 􀑧 ي اليس 􀑧 ر ذراع 􀑧 التونسية للعلاج. ولم يكن العلاج بالنسبة لي.. سوى بت
ونس، 􀑧 ى ت 􀑧 لكها حت 􀑧 ن أن نس 􀑧 ي يمك 􀑧 ة الت 􀑧 رق الآمن 􀑧 ول الط 􀑧 ط، ح 􀑧 اش فق 􀑧 يكن هناك من مجال للنقاش أو التردد. آان النق
حيث آانت القواعد الخلفية للمجاهدين.
وها أنذا أمام واقع آخر..
18
وء، 􀑧 ى الض 􀑧 رية إل 􀑧 ن الس 􀑧 ي م 􀑧 ة، ويخرجن 􀑧 ارك الليلي 􀑧 اة والمع 􀑧 ن الحي 􀑧 د، م 􀑧 أي الوحي 􀑧 ن ملج 􀑧 ي م 􀑧 در يطردن 􀑧 و ذا الق 􀑧 ا ه 􀑧 ه
ي 􀑧 دث ف 􀑧 ا يح 􀑧 ى م 􀑧 ا عل 􀑧 ليضعني أمام ساحة أخرى، ليست للموت وليست للحياة .ساحة للألم فقط.. وشرفة أتفرج منه
ساحة القتال. فلقد بدا واضحاً من آلام (سي طاهر) يومها، أنني قد لا أعود إلى الجبهة مرّة ثانية.
ل 􀑧 رة قب 􀑧 ل م 􀑧 ودعني آ 􀑧 ان ي 􀑧 ا آ 􀑧 ة، وراح آم 􀑧 ه الطبيعي 􀑧 ى نبرت 􀑧 افظ عل 􀑧 في ذلك اليوم الأخير، حاول (سي طاهر) أن يح
معرآة جديدة. ولكن هذه المرة آان يدري أنه يعدّني لتحمل معرآتي مع القدر.
ا 􀑧 الات .. وربم 􀑧 ذه الح 􀑧 ي ه 􀑧 غير أنه آان موجزاً على غير عادته، ربما.. لأنه ليس هناك من تعليمات خاصة تعطى ف
ان 􀑧 لأنه آان يتكبد يومها أآبر خسارة بشرية ويفقد في معرآة واحدة عشرة من خيرة رجاله بين جرحى وقتلي. وآ
يدري، والثورة مطوقة من آل جانب، قيمة آلّ مجاهد وحاجة الثورة إلى آل رجل على حدة.
ولم أقل له شيئاً ذلك اليوم..
آنت أشعر، لسبب غامض، أنني أصبحت يتيماً مرة أخرى.
ي 􀑧 ي حلق 􀑧 آانت دمعتان قد تجمدتا في عينيّ. آنت أنزف، وآان ألم ذراعي ينتقل تدريجياً إلى جسدي آله، ويستقر ف
غصة. غصّة الخيبة والألم.. والخوف من المجهول.
اهر ) 􀑧 ي ط 􀑧 آانت الأحداث تجري مسرعة أمامي، وقدري يأخذ منحىً جديداً بين ساعة وأخرى، ووحده صوت (س
وهو يعطي تعليماته الأخيرة، آان يصل إليَّ حيث آان، ليصبح صلتي الوحيدة مع العالم.
غيرة 􀑧 ة ص 􀑧 ع ورق 􀑧 اعة، ووض 􀑧 فري بس 􀑧 ل س 􀑧 دني قب 􀑧 اء يتفق 􀑧 دما ج 􀑧 وبرغم ذلك، مازلت أذآر تماماً حضوره الأخير، عن
في جيبي وبعض الأوراق النقدية، وقال وهو ينحني عليّ وآأنه يودعني سراً:
ه 􀑧 تري ب 􀑧 ا) لتش 􀑧 ى (أمّ 􀑧 غ إل 􀑧 ذا المبل 􀑧 لّم ه 􀑧 فى وتس 􀑧 ين تش 􀑧 ارتهم ح 􀑧 ذهب لزي 􀑧 ى أن ت 􀑧 لقد قُدّر لك أن تصل إلى هناك.. أتمن »
ن 􀑧 ل أن أتمك 􀑧 ل قب 􀑧 هدية للصغيرة، وأود أيضاً أن تقوم بتسجيلها في دار البلدية لو استطعت ذلك.. فقد يمر وقت طوي
.«.. من زيارتهم
وعاد بعد لحظات وآأنه نسي شيئاً ليضيف شبه مرتبك وهو يلفظ ذلك الاسم لأول مرة..
«..( لقد اخترت لها هذا لاسم.. سجلها متى استطعت ذلك وقبّلها عني.. وسلّم آثيراً على (أمّا .. »
وبتي 􀑧 ي غيب 􀑧 ت ف 􀑧 اة، فتعلق 􀑧 وت والحي 􀑧 ين الم 􀑧 ف ب 􀑧 ة نز ي 􀑧 ي لحظ 􀑧 ا ف 􀑧 معته وأن 􀑧 مك .. س 􀑧 ا اس 􀑧 آانت تلك أول مرة سمعت فيه
بحروفه، آما يتعلق محموم في لحظة هذيان بكلمة..
آما يتعلق رسول بوصية يخاف أن تضيع منه..
آما يتعلق غريق بحبال الحلم.
بين ألف الألم وميم المتعة آان اسمك.
ك 􀑧 ي تل 􀑧 غيرة ف 􀑧 تشطره حاء الحرقة ..ولام التحذير. فكيف لم أحذر اسمك الذي ولد وسط الحرائق الأولى، شعلة ص
ع 􀑧 رد _ الجم 􀑧 م المف 􀑧 ذا الاس 􀑧 ذر ه 􀑧 م أح 􀑧 ف ل 􀑧 اً . آي 􀑧 ذة مع 􀑧 الألم والل « أح » الحرب. آيف لم أحذر اسماً يحل ضده ويبدأ ب
آاسم هذا الوطن، وأدرك منذ البدء أن الجمع خلق دائماً ليقتسم!
بين الابتسام والحزن، يحدث اليوم أن أستعيد تلك الوصية:
19
وأضحك من القدر، وأضحك من نفسي، ومن غرابة المصادفات. «.. قبّلها عني »
دو 􀑧 د أن يب 􀑧 ان يري 􀑧 ثمَّ أعود وأخجل من وقار صوته، ومن مسحة الضعف النادرة التي غلّفت جملته تلك، هو الذي آ
أمامنا دائماً، رجلاً مهيباً لا هموم له سوى هموم الوطن، ولا أهل له غير رجاله..
قّ 􀑧 ن ح 􀑧 يس م 􀑧 اً. فل 􀑧 راً دائم 􀑧 اء، وس 􀑧 دود الحي 􀑧 ي ح 􀑧 ن، ف 􀑧 ي ولك 􀑧 د يبك 􀑧 تاق وق 􀑧 نّ ويش 􀑧 لقد اعترف لي أنَّه رجل ضعيف؛ يح
الرموز أن تبكي شوقاً.
ا 􀑧 ر وترآه 􀑧 ن العم 􀑧 روقة م 􀑧 هر مس 􀑧 ر أش 􀑧 ا غي 􀑧 ع به 􀑧 إنه لم يذآر أمكِ مثلاً.. تراه لم يحنّ إليها، هي العروس التي لم يتمت
حاملاً.
ولماذا هذا الاستعجال المفاجئ؟ لماذا لا ينتظر بعض الوقت ليرتِّب قضية غيابه لأيام، ويقوم هو نفسه بتسجيلكِ؟
لقد انتظر ستة أشهر، فلماذا لا ينتظر أسابيع أخرى.. ولماذا أنا بالذات..
أيّ قدر جعلني أحضر إلى هناك بتوقيتك؟
آلما طرحت على نفسي هذا السؤال، دهشت له وآمنت بالمكتوب .
دود 􀑧 ور الح 􀑧 ية عب 􀑧 ن قض 􀑧 م تك 􀑧 فقد آان بإمكان (سي طاهر) برغم مسؤولياته أن يهرب ليوم أو ليومين إلى تونس. ول
ام، 􀑧 روش بالألغ 􀑧 رب والمف 􀑧 وريس ) المكه 􀑧 ط م 􀑧 از (خ 􀑧 ى اجتي 􀑧 ه، ولا حت 􀑧 ا لتخيف 􀑧 ا وآمائنه 􀑧 بحراستها المشددة ودورياته
م 􀑧 و رق 􀑧 ر ات، وه 􀑧 لاث م 􀑧 د ث 􀑧 ا بع 􀑧 ازه فيم 􀑧 والممتد بين الحدود التونسية الجزائرية من البحر إلى الصحراء، والذي اجت
قياسي بالنسبة لعشرات المجاهدين الذين ترآوا جثثهم على امتداده.
و 􀑧 يلادك، وه 􀑧 د م 􀑧 القلق بع 􀑧 عور ب 􀑧 ك الش 􀑧 ده ذل 􀑧 أآان حبّ (سي طاهر) للانضباط، واحترامه للقوانين هو الذي خلق عن
يكتشف عاجزاً أنه أب منذ شهور لطفلة لم يمنحها اسماً، ولم يتمكن حتى من تسجيلها؟
مية 􀑧 ة رس 􀑧 ى ورق 􀑧 ه عل 􀑧 أم آان يخاف، هو الذي انتظرك طويلاً، أن تضيعي منه إن هو لم يرسخ وجودك وانتسابك ل
عليها ختم رسمي؟
أآان يتشاءم من وضعك القانوني هذا، ويريد أن يسجل أحلامه في دار البلدية، ليتأآد من أنها تحولت إلى حقيقة..
م 􀑧 وأنَّ القدر لن يعود ليأخذها منه، هو الذي آان حلمه في النهاية أن يصبح أباً آالآخرين بعد محاولة زواج فاشلة ل
يرزق منها ذرّية؟
ه 􀑧 د، أن 􀑧 ا بع 􀑧 ت فيم 􀑧 ا علم 􀑧 ط، آم 􀑧 بيّ اً.. أدري فق 􀑧 وده ص 􀑧 ان مول 􀑧 و آ 􀑧 ل ل 􀑧 ولا أدري إذا آان (سي الطاهر) في أعماقه يفضّ
ل 􀑧 ا فع 􀑧 ى . وربم 􀑧 يء أنث 􀑧 ال مج 􀑧 بي،متجاهلاً اح تم 􀑧 اً لص 􀑧 حاول أن يتحايل على القدر وأن يترك قبل سفره اسماً احتياطي
ك 􀑧 اً بتل 􀑧 دأ غالب 􀑧 كرية تب 􀑧 ه العس 􀑧 ه وخطط 􀑧 ذلك أيضاً بعقلية عسكرية، وبهاجس وطني دون أن يدري.. فقد آانت أحاديث
«.. لازمنا رجال يا جماعة » الجملة التي آثيراً ما سمعته يردِّدها
إذن، لهذا آان (سي طاهر) يبدو سعيداً ومتفائلاً في آلّ شيء في تلك الفترة..
فجأة تغيّر الرجل الصلب .أصبح أآثر مرونة وأآثر دعابة في أوقات فراغه.
شيء ما آان يتغير تدريجياً داخله، ويجعله أقرب إلى الآخرين، وأآثر تفهماً لأوضاعهم الخاصة.
20
ا 􀑧 ل به 􀑧 ان يبخ 􀑧 ذي آ 􀑧 و ال 􀑧 م، ه 􀑧 ى أهله 􀑧 ا إل 􀑧 ون به 􀑧 ة يقوم 􀑧 ارة خاطف 􀑧 فقد أصبح يمنح البعض بسهولة أآثر تصريحات لزي
على نفسه. لقد غيّرته الأبوّة المتأخرة، التي جاءت رمزاً جاهزاً لمستقبل أجمل..
معجزة صغيرة للأمل.. آانت أنتِ.
21
طلع صباح آخر..
ي، 􀑧 باً عن 􀑧 اقي غص 􀑧 ى أعم 􀑧 ور إل 􀑧 دخل الن 􀑧 ذي ي 􀑧 ت ال 􀑧 وئه المباغ 􀑧 ادي، وبض 􀑧 جيجه الاعتي 􀑧 اجئني بض 􀑧 وها هو ذا النهار يف
فأشعر أنه يختلس شيئاً مني.
في هذه اللحظة ..أآره هذا الجانب الفضولي والمحرج للشمس.
ي 􀑧 ت ف 􀑧 رأة نبت 􀑧 ك ام 􀑧 ه، لأن 􀑧 وء ويلغي 􀑧 أريد أن أآتب عنك في العتمة. قصتي معك شريط مصور أخاف أن يحرقه الض
دهاليزي السرية..
لأنك امرأة امتلكتها بشرعية السرية..
لا بد أن أآتب عنك بعد أن أسدل آلّ الستائر، وأغلق نوافذ غرفتي.
ذرتها 􀑧 ة ن 􀑧 ي ليل 􀑧 ة، ف 􀑧 ا البارح 􀑧 ي ملأته 􀑧 امي، والت 􀑧 ة أم 􀑧 ر الأوراق المكدس 􀑧 ة منظ 􀑧 ذه اللحظ 􀑧 ي ه 􀑧 عدني ف 􀑧 ك.. يس 􀑧 م ذل 􀑧 ورغ
للجنون. فقد أهديتها لك مغلّفة بصورة مهذبة في آتاب..
وأدري..
ت .. 􀑧 دو دك أن 􀑧 ارج ح 􀑧 ة، خ 􀑧 ي النهاي 􀑧 ك ف 􀑧 يء يعني 􀑧 أدري أنَّك تكرهين الأشياء المهذّبة جداً.. وأنَّك أنانية جداً.. وأن لا ش
وجسدك أنت.
ولكن قليلاً من الصبر سيّدتي.
رور اً.. 􀑧 لأك غ 􀑧 ل أن أم 􀑧 ا، قب 􀑧 د منه 􀑧 رى لا ب 􀑧 فحات أخ 􀑧 رى . ص 􀑧 ي الأخ 􀑧 ك ذاآرت 􀑧 رِّي أمام 􀑧 م أع 􀑧 ط .. ث 􀑧 رى فق 􀑧 فحات أخ 􀑧 ص
« دمات 􀑧 المق » رف أنّ 􀑧 ت أعت 􀑧 اً.. وإن آن 􀑧 دّمات أيض 􀑧 وشهوة ..وندماً وجنوناً. فالكتب آوجبات الحبّ.. لا بدّ لها من مق
ليست مشكلتي الآن بقدر ما يربكني البحث عن منطلق لهذه القصة.
من أين أبدأ قصتي معك؟
ولقصتك معي عدّة بدايات، تبدأ مع النهايات غير المتوقعة ومع مقالب القدر.
س 􀑧 د خم 􀑧 ت بع 􀑧 بية قلب 􀑧 ن ص 􀑧 وعندما أتحدث عنك.. عمّن تراني أتحدَّث؟ أعن طفلة آانت تحبو يوماً عند قدمي.. أم ع
.. « يان 􀑧 ف النس 􀑧 منعط » ه􀑧 ق عنوان 􀑧 اب أني 􀑧 لاف آت 􀑧 ى غ 􀑧 ا عل 􀑧 بهك، أتأمله 􀑧 اد تش 􀑧 رأة تك 􀑧 وعشرين سنة حياتي.. أم عن ام
وأتساءل :أتراها حقاً.. أنتِ؟
وعندما أسميك فبأي اسم؟
تُرى أدعوك بذلك الاسم الذي أراده والدك، وذهبت بنفسي لأسجله نيابة عنه في سجلات البلدية، أم باسمك الأول،
ذلك الذي حملته خلال ستة أشهر في انتظار اسم شرعي آخر؟
..« حياة »
ذي 􀑧 م ال 􀑧 ذ ا الاس 􀑧 ادام ه 􀑧 ه إذن م 􀑧 مينَّك ب 􀑧 ط .. فلأس 􀑧 مائك فق 􀑧 د أس 􀑧 ه أح 􀑧 ال . إن 􀑧 ل ح 􀑧 ى آ 􀑧 مك عل 􀑧 ذا اس 􀑧 سأدعوك هكذا.. ليس ه
ب 􀑧 فحات الكت 􀑧 ى ص 􀑧 جّل عل 􀑧 ر المس 􀑧 نة، وغي 􀑧 ى الألس 􀑧 داول عل 􀑧 عرفتك به، والاسم الذي أنفرد بمعرفته. اسمك غير المت
والمجلات، ولا في أيّ سجلات رسمية.
22
ي 􀑧 ن حق 􀑧 ر، وم 􀑧 مياً آخ 􀑧 م اً رس 􀑧 ك اس 􀑧 الاسم الذي مُنحته لتعيشي وليمنحك الله الحياة والذي قتلته أنا ذات يوم، وأنا أمنح
أن أحييه اليوم، لأنه لي ولم يُنادِكِ رجل قبلي يه.
س 􀑧 ة تجل 􀑧 دت ط فل 􀑧 ه، ع 􀑧 ا لفظت 􀑧 نة . وآلم 􀑧 رين س 􀑧 س وعش 􀑧 ذ خم 􀑧 ت من 􀑧 ك أن 􀑧 اني، وآأن 􀑧 اسمك الطفولي الذي يحبو على لس
على رآبتي وتعبث بأشيائي وتقول لي آلاماً لا أفهمه..
فأغفر لك لحظتها آلّ خطاياك.
آلما لفظته تدحرجت إلى الماضي، وعدت صغيرة في حجم دمية ..وإذا بك ابنتي.
ن 􀑧 ي ع 􀑧 ن تكتب 􀑧 ك ل 􀑧 بقاً أن 􀑧 رف مس 􀑧 ي أع 􀑧 رأة؟ ولكنَّن 􀑧 ى ام 􀑧 غيرة إل 􀑧 ة الص 􀑧 ك الطفل 􀑧 ت تل 􀑧 هل أقرأ آتابك لأعرف آيف تحول
طفولتك.. ولا عن سنواتك الأولى.
ا 􀑧 ي؛ أن 􀑧 ك ب 􀑧 ر تعلق 􀑧 ذ ا س 􀑧 ان ه 􀑧 أنت تملئين ثقوب الذاآرة الفارغة بالكلمات فقط، وتتجاوزين الجراح بالكذب، وربما آ
ك 􀑧 ك، وتل 􀑧 ي حيات 􀑧 ة ف 􀑧 رَّات قليل 􀑧 وى م 􀑧 ه س 􀑧 م تري 􀑧 ذي ل 􀑧 ك الأب ال 􀑧 رف ذل 􀑧 رك، وأع 􀑧 ن عم 􀑧 ودة م 􀑧 الذي أعرف الحلقة المفق
المدينة التي آنت تسكنينها ولا تسكنك، وتعاملين أزقَََّتها دون عشق، وتمشين وتجيئين على ذاآرتها دون انتباه.
أنت التي تعلقتِ بي لتكتشفي ما تجهلينه.. وأنا الذي تعلّقت بك لأنسى ما آنت أعرفه.. أآان ممكناً لحبنا أن يدوم؟
ه 􀑧 ل أقتل 􀑧 ه، فه 􀑧 راً بغياب 􀑧 ا حاض 􀑧 ان بينن 􀑧 ه، آ 􀑧 آان (سي طاهر) طرفاً ثالثاً في قصتنا من البدء حتى عندما لا نتحدث عن
مرة ثانية لأتفرَّد بك؟
ن 􀑧 ر م 􀑧 ا أآث 􀑧 ي يواجهه 􀑧 هوة الت 􀑧 ع الش 􀑧 ا أوج 􀑧 رن، وم 􀑧 ع ق 􀑧 د رب 􀑧 ى بع 􀑧 ايا، حتَّ 􀑧 ل الوص 􀑧 ل حم 􀑧 ا أثق 􀑧 درين م 􀑧 آه لو تدرين.. لو ت
مستحيل وأآثر من مبدأ فلا يزيدها في النهاية إلا ... اشتهاء!
آان السؤال منذ البداية..
آيف لي أن ألغي (سي طاهر) من ذاآرتي، وألغي عمره من عمري، لأمنح حبّنا فرصة ولادة طبيعية؟
ولكن.. ما الذي سيبقى وقتها، لو أخرجتك من ذاآرتنا المشترآة وحولتك إلى فتاة عادية؟
آان والدك رفيقاً فوق العادة .. وقائداً فوق العادة.
آان استثنائياً في حياته وفي موته .فهل أنسى ذلك؟
لم يكن من المجاهدين الذين رآبوا الموجة الأخيرة، لضمنوا مستقبلهم، مجاهدي ( 62 ) وأبطال المعارك الأخيرة.
ولا آان من شهداء المصادفة، الذين فاجأهم الموت في قصف عشوائي، أو في رصاصة خاطئة.
ى 􀑧 ذهبون إل 􀑧 انو ا ي 􀑧 ذين آ 􀑧 د، ال 􀑧 ن بولعي 􀑧 طفى ب 􀑧 دي، ومص 􀑧 ن مهي 􀑧 ي ب 􀑧 ة العرب 􀑧 ن عجين 􀑧 راد، وم 􀑧 دوش م 􀑧 ة دي 􀑧 ن طين 􀑧 ان م 􀑧 آ
الموت ولا ينتظرون أن يأتيهم.
فهل أنسى أنّه والدك.. وسؤالك الدائم يعيد لاسمه هيبته حياً وشهيداً؟
«.. حدثني عنه »... فيرتبك القلب الذي أحبّك حدّ الجنون. ويبقى صدى سؤالك ماثلاً
ايتهم 􀑧 اتمتهم . ونه 􀑧 بقاً آخ 􀑧 روف م س 􀑧 اهز ومع 􀑧 اريخهم ج 􀑧 هداء . ت 􀑧 ن الش 􀑧 ديث ع 􀑧 سأحدثك عنه حبيبتي.. فلا أسهل من الح
تغفر لهم ما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوا من أخطاء.
سأحدِّثك عن (سي طاهر)..
23
ه 􀑧 ة ولكن 􀑧 رف الحقيق 􀑧 م يع 􀑧 ل ل 􀑧 يكتبه جي 􀑧 اء . وس 􀑧 ادر الأحي 􀑧 ر يص 􀑧 اريخ آخ 􀑧 لاه ت 􀑧 ا ت 􀑧 فوحده تاريخ الشهداء قابل للكتابة، وم
سيستنتجها تلقائياً.. فهناك علامات لا تخطئ.
ر أوراق لا 􀑧 ه غي 􀑧 ي جيوب 􀑧 يء ف 􀑧 لاحه . لا ش 􀑧 مات (سي طاهر) طاهراً على عتبات الاستقلال. لا شيء في يده غير س
قيمة لها.. لا شيء على أآتافه سوى وسام الشهادة.
الرموز تحمل قيمتها في موتها..
ن 􀑧 ل م 􀑧 ى عج 􀑧 وبهم عل 􀑧 ه جي 􀑧 لأوا ب 􀑧 ووحدهم الذين ينوبون عنهم، يحملون قيمتهم في رتبهم وأوسمتهم الشرفيّة، وما م
حسابات سرّية.
ى 􀑧 ورته عل 􀑧 ر ص 􀑧 ن نش 􀑧 ه م 􀑧 تمكن قتلت 􀑧 ا لي 􀑧 رة بأآمله 􀑧 ز لدش 􀑧 ف المرآّ 􀑧 ن القص 􀑧 ق، وم 􀑧 ست ساعات من الحصار والتطوي
أتي 􀑧 ا أن ت 􀑧 مت فرنس 􀑧 الذين أقس « الفلَّاقة » صفحات جرائد الغد آدليل على انتصاراتهم الساحقة على أحد المخرّبين و
عليهم..
أآان حقاً موت ذلك الرجل البسيط انتصاراً لقوة عظمى، آانت ستخسر بعد بضعة أشهر الجزائر بأآملها؟!
استشهد هكذا في صيف 1960 ، دون أن يتمتع بالنصر ولا بقطف ثماره.
ها هو رجل أعطى الجزائر آلّ شيء، ولم تعطه حتى فرصة أن يرى ابنه يمشي إلى جواره..
أو يراك أنت ربما طبيبة أو أستاذة آما آان يحلم.
آم أحبّك ذلك الرجل!
ه 􀑧 ودرت من 􀑧 ذي ص 􀑧 أحلام ال 􀑧 ان، ب 􀑧 ن الحن 􀑧 ر م 􀑧 رامته الكثي 􀑧 ف ص 􀑧 ي خل 􀑧 ان يخف 􀑧 ذي آ 􀑧 ان ال 􀑧 ين .. بحن 􀑧 وّة الأربع 􀑧 ون أب 􀑧 بجن
الأحلام، بزهو المجاهد الذي أدرك وهو يرى مولده الأول، أنه لن يموت تماماً بعد اليوم.
مازلت أذآر المرّات القليلة التي آان يحضر فيها إلى تونس لزيارتكم خلسة ليوم واحد أو ليومين.
ت 􀑧 ي الوق 􀑧 ي ف 􀑧 د نفس 􀑧 ا أجه 􀑧 وآنت وقتها أُسرع إليه متلهِّفاً لسماع آخر الأخبار، وتطورات الأحداث على الجبهة. وأن
نفسه حتى لا أسرق منه تلك الساعات القليلة النادرة، التي آان يغامر بحياته ليقضيها برفقة عائلته الصغيرة.
آنت أندهش وقتها، وأنا أآتشف فيه رجلاً آخر لا أعرفه.
رجل بثياب أخرى، بابتسامة وآلمات أخرى، وبجلسة يسهل له فيها إجلاسك على رآبته طوال الوقت لملاعبتك.
بقاً، 􀑧 ر مس 􀑧 ن العم 􀑧 رق م 􀑧 آان يعيش آل لحظة بأآملها، وآأنه يعتر من الزمن الشحيح آل قطرات السعادة؛ وآأنه يس
ساعات يعرفها معدودة؛ ويمنحك مسبقاً من الحنان زادك لعمر آامل.
وده 􀑧 ى مول 􀑧 رف عل 􀑧 ه؛ ليتع 􀑧 ي حيات 􀑧 دث ف 􀑧 م ح 􀑧 آانت آخر مرة رأيته فيها، في يناير سنة 1960 .وآان حضر ليشهد أه
ي لاً.. 􀑧 ه قل 􀑧 ر اً.. وحدَّثت 􀑧 فقد آانت أمنيته السرية أن يُرزق يوماً بذآر. يومها لسبب غامض تأملته آثي ،« ناصر » الثاني
ى 􀑧 ة عل 􀑧 ى الجبه 􀑧 اد إل 􀑧 ه ع 􀑧 ي إنّ 􀑧 ل ل 􀑧 د، قي 􀑧 ي الغ 􀑧 دت ف 􀑧 دما ع 􀑧 روقة . وعن 􀑧 ع ادته المس 􀑧 ك، ولس 􀑧 ه تل 􀑧 وفضّلت أن أترآه لفرحت
عجل مؤآداً أنه سيعود قريباً لمدة أطول.
ولم يعد..
24
رّة 􀑧 ه م 􀑧 ة ابن 􀑧 ن رؤي 􀑧 تمكن م 􀑧 هر دون أن ي 􀑧 عة أش 􀑧 د بض 􀑧 اهر ) بع 􀑧 ي ط 􀑧 هد (س 􀑧 انتهى بعد ذلك آرم القدر البخيل. فقد استش
ثانية.
آان ناصر آنذاك ينهي شهره الثامن، وأنت تدخلين عامك الخامس.
ها 􀑧 ة، بعض 􀑧 ن قص 􀑧 ر م 􀑧 يلاده، أآث 􀑧 ه وم 􀑧 ع موت 􀑧 وآان الوطن في صيف 1960 برآاناً يموت ويولد آلّ يوم .وتتقاطع م
مؤلم وبعضها مدهش..
وبعضها يأتي متأخراً آما جاءت قصتي التي تقاطعت يومها معك.
ون 􀑧 د يك 􀑧 در، وق 􀑧 مه الق 􀑧 ون اس 􀑧 د يك 􀑧 يء ق 􀑧 م ش 􀑧 ه، بحك 􀑧 ر بأآمل 􀑧 د عم 􀑧 اتي بع 􀑧 ار حي 􀑧 قصة فرعية، آتبت مسبقاً وحولت مس
العشق الجنوني ..
ذاك الذي يفاجئنا من حيث لا نتوقع، متجاهلاً آلّ مبادئنا وقيمنا السابقة.
والذي يأتي متأخراً.. في تلك اللحظة التي لا نعود ننتظر فيها شيئاً؛ وإذا به يقلب فينا آلّ شيء.
تين 􀑧 اتين القص 􀑧 ة ه 􀑧 ة لكتاب 􀑧 ة الجنوني 􀑧 ذه الرغب 􀑧 فهل يمكن لي اليوم، بعدما قطعت بيننا الأيام جسور الكلام، أن أقاوم ه
معاً، آما عشتهما معك ودونك، بعد ذلك بسنوات..
رغبةً.. وعشقاً.. وحلماً.. وحقداً.. وغيرةً ..وخيبةً.. وفجائع حدّ الموت.
أنت التي آنت تحبّين الاستماع إليّ..
وتقلبينني آدفتر قديم للدهشة.
آان لا بد أن أآتب من أجلك هذا الكتاب، لأقول لك ما لم أجد متَّسعاً من العمر لأقوله.
سأحدثك عن الذين أحبّوك لأسباب مختلفة، وخنتهم لأسباب مختلفة أخرى.
سأحدثك حتى عن زياد، أما آنت تحبِّين الحديث عنه وتراوغين؟
لم يعد من ضرورة الآن للمراوغة.. لقد اختار آلّ منا قدره.
هد 􀑧 ا مش 􀑧 ي فيه 􀑧 ا، وانته 􀑧 ي فراقن 􀑧 بباً ف 􀑧 ك س 􀑧 د ذل 􀑧 بحت بع 􀑧 سأحدثك عن تلك المدينة التي آانت طرفاً في حبّنا، والتي أص
خرابنا الجميل.
فعمّ تراك ستتحدثين؟
عن أيّ رجل منَّا تراك آتبت؟ مَنْ منَّا أحببت؟
ومن.. منّا ستقتلين؟
ولمن تراك أخلصت، أنت التي تستبدلين حبّاً بحبّ، وذاآرة بأخرى، ومستحيلاً بمستحيل؟
وأين أنا في قائمة عشقك وضحاياك؟
تراني أشغل المكانة الأولى، لأنني أقرب إلى النسخة الأولى؟
تراني النسخة المزورة ل (سي طاهر) تلك التي لم يحوّلها الاستشهاد إلى نسخة طبق الأصل؟
تراني الأبوة المزورة.. أم الحب المزوّر؟
أنت التي _آهذا الوطن_ تحترفين تزوير الأوراق وقلبها.. دون جهد.
25
يقول: « مونتيرلان » آان
.«! إذا آنت عاجزاً عن قتل من تدّعي آراهيته، فلا تقل إنَّك تكرهه: أنت تعهّر هذه الكلمة »
ي 􀑧 اً. دعين 􀑧 ه أيض 􀑧 ك ب 􀑧 اب لأقتل 􀑧 ذا الكت 􀑧 ب ه 􀑧 دّ أن أآت 􀑧 ان لا ب 􀑧 ه آ 􀑧 ك، وأنّ 􀑧 ة أآره 􀑧 ذه اللحظ 􀑧 ي ه 􀑧 ي ف 􀑧 دعيني أعترف لك أنن
أجرّب أسلحتك..
فربما آنت على حق.. ماذا لو آانت الروايات مسدّسات محشوّة بالكلمات القاتلة لا غير؟.
ولو آانت الكلمات رصاصاً أيضاً؟
ولكنَّني لن أستعمل معك مسدساً بكاتم صوت، على طريقتك.
لا يمكن لرجل يحمل السلاح بعد هذا العمر، أن يأخذ آلّ هذه الاحتياطات.
أريد لموتك وقعاً مدوياً قدر الإمكان..
فأنا أقتل معك أآثر من شخص، آان لا بد أن يجرؤ أحد على إطلاق النار عليهم يوماً.
فاقرأي هذا الكتاب حتى النهاية، بعدها قد تكفّين عن آتابة الروايات الوهمية.
وطالعي قصتنا من جديد..
دهشة بعد أخرى، وجرحاً بعد آخر، فلم يحدث لأدبنا التعيس هذا، أن عرف قصة أروع منها..
ولا شهد خراباً أجمل.
26
الفصل الثاني
آان يوم لقائنا يوماً للدهشة..
ن 􀑧 رى، م 􀑧 دن أخ 􀑧 ن م 􀑧 ا م 􀑧 ى بن 􀑧 ذي أت 􀑧 و ال 􀑧 يس ه 􀑧 رف الأول. أل 􀑧 دء الط 􀑧 ذ الب 􀑧 ان من 􀑧 لم يكن القدر فيه هو الطرف الثاني، آ
زمن آخر وذاآرة أخرى، ليجمعنا في قاعة بباريس، في حفل افتتاح معرض للرسم؟
يومها آنت أنا الرسام، وآنت أنت زائرة فضولية على أآثر من صعيد.
غرنه 􀑧 ي يص 􀑧 ات اللائ 􀑧 اه الفتي 􀑧 عف تج 􀑧 عر بض 􀑧 لاً يش 􀑧 ا رج 􀑧 ت أن 􀑧 د . ولا آن 􀑧 ه التحدي 􀑧 ى وج 􀑧 م عل 􀑧 ق الرس 􀑧 لم تكوني فتاة تعش
عمراً. فما الذي قاد خطاك هناك ذلك اليوم؟.. وما الذي أوقف نظري طويلاً أمام وجهك؟
ره 􀑧 بّ أو أآ 􀑧 ى أن أح 􀑧 ادراً عل 􀑧 ت ق 􀑧 آنت رجلاً تستوقفه الوجوه، لأن وجوهنا وحدها تشبهنا، وحدها تفضحنا، ولذا آن
بسبب وجه.
رة 􀑧 ل النظ 􀑧 ا قب 􀑧 ك، م 􀑧 وبرغم ذلك، لست من الحماقة لأقول إنني أحبتك من النظرة الأولى .يمكنني أن أقول إنني أحبت
الأولى.
بهك . أو 􀑧 رأة تش 􀑧 اً ام 􀑧 آان فيك شيء ما أعرفه، شيء ما يشدني إلى ملامحك المحببة إليّ مسبقاً، وآأنني أحببت يوم
آأنني آنت مستعداًَ منذ الأزل لأحبّ امرأة تشبهك تماماً.
تي 􀑧 ون دهش 􀑧 بح ل 􀑧 رى، يص 􀑧 ى أخ 􀑧 ة إل 􀑧 ن لوح 􀑧 ل م 􀑧 يض المتنقّ 􀑧 ك الأب 􀑧 وه، وثوب 􀑧 لّ الوج 􀑧 ين آ 􀑧 اردني ب 􀑧 ك يط 􀑧 ان وجه 􀑧 آ
وفضولي..
واللون الذي يؤثّث وحده تلك القاعة الملأى.. بأآثر من زائر وأآثر من لون
_هل يولد الحبّ أيضاً من لونٍ لم نكن نحبّه بالضرورة_!
وفجأة اقترب اللون الأبيض منّي، وراح يتحدث بالفرنسية مع فتاة أخرى لم ألاحظها من قبل..
ربَّما لأن الأبيض عندما يلبس شعراً طويلاً حالكاً، يكون قد غطَّى على آل الألوان..
قال الأبيض وهو يتأمل لوحة:
- Je prefere l'abstrait..!
وأجاب اللون الذي لا لون له:
- moi je prefere comprendre ce que je vois.
ولم تدهشني حماقة اللون الذي لا لون له، عندما يفضّل أن يفهم آلّ ما يرى..
أدهشني اللون الأبيض فقط.. فليس من طبعه أن يفضّل الغموض!
قبل ذلك اليوم، لم يحدث أن انحزت للون الأبيض.
لم يكن يوماً لوني المفضل.. فأنا أآره الألوان الحاسمة.
ولكنني آنذاك انحزت إليك دون تفكير.
ووجدتني أقول لتلك الفتاة، وآأنني أواصل جملة بدأتها أنتِ:
27
- الفن هو آل ما يهزنا.. وليس بالضرورة آلّ ما نفهمه!
اآيتي 􀑧 ة، ذراع ج 􀑧 رة خاطف 􀑧 ي نظ 􀑧 فان ف 􀑧 اك تكتش 􀑧 نظرتما إليّ معاً بشيء من الدهشة، وقبل أن تقولي شيئاً، آانت عين
الفارغة والمختبئ آمّه بحياء في جيب سترتي.
آانت تلك بطاقة تعريفي وأوراقي الثبوتية.
مددت نحوي يدك مصافحة وقلت بحرارة فاجأتني:
- آنت أريد أن أهنّئك على هذا المعرض..
وقبل أن تصلني آلماتك.. آان نظري قد توقَّف عند ذلك السوار الذي يزين معصمك العاري الممدود نحوي.
ي 􀑧 الت « الخلاخل » آان إحدى الحليّ القسنطينية التي تُعرف من ذهبها الأصفر المضفور، ومن نقشتها المميزة. تلك
لم يكن يخلو منها في الماضي، جهاز عروس ولا معصم امرأة من الشرق الجزائري.
م 􀑧 ى معص 􀑧 وراء . إل 􀑧 ى ال 􀑧 راً إل 􀑧 ي عم 􀑧 ادت ذاآرت 􀑧 ة، ع 􀑧 ر لحظ 􀑧 مددت يدي إليك دون أن أرفع عيني تماماً عنه. وفي عم
(أمّا) الذي لم يفارقه هذا السوار قط.
وداهمني شعور غامض، منذ متى لم يستوقف نظري سوار آهذا؟
لم أعد أذآر.. ربَّما منذ أآثر من ثلاثين سنة!
أة . 􀑧 تعدتِه فج 􀑧 ا، اس 􀑧 يء م 􀑧 ك بش 􀑧 أنني أمس 􀑧 ا دون أن أدري، وآ 􀑧 ا ربَّم 􀑧 دّ عليه 􀑧 ت أش 􀑧 ي آن 􀑧 بكثير من اللباقة سحبت يدك الت
وابتسمت لي..
رفعت عيني نحوك لأول مرة.
تقاطعت نظراتنا في نصف نظرة.
آنت تتأملين ذراعي الناقصة، وأتأمل سواراً بيدك.
آان آلانا يحمل ذاآرته فوقه..
ت 􀑧 اً. فرح 􀑧 يل إلا غموض 􀑧 وآان يمكن لنا أن نتعرف على بعضنا بهذه الطريقة فقط. ولكن آنت لغزاً لا تزيده التفاص
أراهن على اآتشافك. أتفحصك مأخوذاً مرتبكاً.. آأنني أعرفك وأتعرف عليك في آن واحد.
لم تكوني جميلة ذلك الجمال الذي يبهر، ذلك الجمال الذي يخيف ويربك.
ة 􀑧 ك العالي 􀑧 ي جبهت 􀑧 ا ف 􀑧 ك .. ربَّم 􀑧 ن وجه 􀑧 ا م 􀑧 ان م 􀑧 ي مك 􀑧 ن ف 􀑧 ا يكم 􀑧 رٍّ م 􀑧 ة، بس 􀑧 ر عادي 􀑧 يل غي 􀑧 ن بتفاص 􀑧 ة، ولك 􀑧 آنت فتاة عاديّ
ومتين 􀑧 فتيك المرس 􀑧 ة وش 􀑧 امتك الغامض 􀑧 ي ابتس 􀑧 ا ف 􀑧 ة . وربّم 􀑧 تدارتهما الطبيعي 􀑧 ى اس 􀑧 روآين عل 􀑧 وحاجبيك السميكين والمت
بأحمر شفاه فاتح آدعوة سريّة لقبلة.
أو ربما في عينيك الواسعتين ولونهما العسليّ المتقلِّب.
وآنت أعرف هذه التفاصيل..
أعرفها.. ولكن آيف؟ وجاء صوتك بالفرنسية يخرجني من تفكيري قلت:
- يسعدني أن يصل فنان جزائري إلى هذه القمة من الإبداع..
ثم أضفت بمسحة خجل:
28
ى 􀑧 م عل 􀑧 ي أن أحك 􀑧 ن يمكنن 􀑧 ة، ولك 􀑧 ارض فني 􀑧 ادر اً مع 􀑧 م أزر إلا ن 􀑧 م، ول 􀑧 ي الرس 􀑧 - في الحقيقة.. أنا لا أفهم آثيراً ف
د 􀑧 ذه ... لق 􀑧 رة آه 􀑧 ة معاص 􀑧 الأشياء الجميلة، ولوحاتك شي مميز.. آنّا في حاجة إلى شيء جديد بنكهة جزائري
آنت أقول هذا لابنة عمي عندما فاجأتنا.
وار 􀑧 ك الح 􀑧 ا، وذل 􀑧 ي وقفتن 􀑧 اً ف 􀑧 بح طرف 􀑧 ذلك ستص 􀑧 ا ب 􀑧 وعندما تقدمت تلك الفتاة مني لتصافحني، وتقدِّم لي نفسها، وآأنه
الذي وجدت نفسها خارجه بعدما تجاهلتها منذ البدء دون أن أدري..
قالت وهي تعرّفني بنفسها:
- الآنسة عبد المولى .إني سعيدة بلقائك..
انتفضت لسماع ذلك الاسم.
ونظرت مدهوشاً إلى تلك الفتاة التي صافحتني بحرارة لا تخلو من شيء من الغرور..
تفحصتها وآأنني أآتشف وجودها، ثم عدت لأتأملك عساني أجد في ملامحك جواباً لدهشتي.
عبد المولى.... عبد المولى..
وراحت الذاآرة تبحث عن جواب لتلك المصادفة..
آنت أعرف عائلة عبد المولى جيداً.
إنهما أخوان لا أآثر. أحدهما (سي طاهر) استشهد منذ أآثر من عشرين سنة، وترك صبياً وبنتاً فقط.
والآخر (سي الشريف) تزوج قبل الاستقلال، و قد يكون له اليوم عدة أولاد وبنات..
ي دار 􀑧 ا ف 􀑧 ن أبيه 􀑧 ت ع 􀑧 ونس .. ونب 􀑧 ى ت 􀑧 ة حت 􀑧 ن الجبه 􀑧 ية م 􀑧 فمن منكما ابنة (سي الطاهر)... تلك التي حملتُ اسمها وص
البلدية، لتسجيلها رسمياً في سجلِّ الولادات؟
من منكما تلك الصغيرة التي قبّلتها نيابة عن أبيها، ولا عبتها ودلّلتها نيابة عنه؟
من منكما... أنتِ؟
وبرغم بعض الخطوط المشترآة لملامحكما، آنت أشعر أنَّك أنتِ.. لا تلك.
أو هكذا آنت أتمنى، وأنا أحلم قبل الأوان بقرابة ما تكون جمعتني بك.
خة 􀑧 اهر )، نس 􀑧 ي ط 􀑧 ن (س 􀑧 خة ع 􀑧 ت نس 􀑧 د آن 􀑧 بق اً. لق 􀑧 وأندهش لهذه المصادفة، وأجد فجأة تبريراً لوجهك المحبّب إليّ مس
أآثر جاذبية.
آنت أنثى.
ت 􀑧 دما رح 􀑧 تقلال، عن 􀑧 داة الاس 􀑧 ولكن.. أيعقل أن تكوني أنت الطفلة التي رأيتها لآخر مرة في تونس سنة ( 1962 ) غ
نطينة، 􀑧 أطمئن عليكم آالعادة، وأتابع بنفسي تفاصيل عودتكم إلى الجزائر؟ بعدما اتصل بي (سي الشريف) من قس
نوات 􀑧 دّة س 􀑧 ذ ع 􀑧 اه ر) من 􀑧 ي الط 􀑧 تراه (س 􀑧 ذي اش 􀑧 وده، وال 􀑧 رورة لوج 􀑧 اك ض 􀑧 د هن 􀑧 م يع 􀑧 ذي ل 􀑧 ت ال 􀑧 ليطلب مني بيع ذلك البي
اها 􀑧 جن قض 􀑧 ن الس 􀑧 ليهرّب إليه أسرته الصغيرة، عندما أبعدته فرنسا عن الجزائر في الخمسينيات، بعد عدة أشهر م
بتهمة التحريض السياسي.
آم آان عمرك وقتها؟
29
أيعقل أن تكوني تغيرت إلى هذا الحدّ.. وآبرت إلى هذا الحد.. خلال عشرين سنة؟!
ذي 􀑧 ل ال 􀑧 ري وبالرج 􀑧 رف بعم 􀑧 ض أن أعت 􀑧 ا أرف 􀑧 رك، وربم 􀑧 رف بعم 􀑧 ض أن أعت 􀑧 رحت أتأملك مرة أخرى، وآأنني أرف
أصبحته منذ ذلك الزمن الذي يبدو لي اليوم غابراً.
ما الذي أوصلك إلى هذه المدينة.. وإلى هذه القاعة في هذا الزمن وهذا اليوم بالذات؟
يوم انتظرته طويلاً لسبب لا علاقة له بك..
وحسبت له ألف حساب لم تكوني ضمنه..
وتوقَّعت فيه آل المفاجآت إلا أن تكوني أنت مفاجأتي.
ررت أن 􀑧 اآي . فق 􀑧 ة ارتب 􀑧 ن الدهش 􀑧 يء م 􀑧 ان بش 􀑧 ا تتابع 􀑧 ين آانت 􀑧 ك اللت 􀑧 ة عيني 􀑧 ن مواجه 􀑧 ت م 􀑧 افي، وخف 􀑧 ي اآتش 􀑧 أة أذهلن 􀑧 فج
ا 􀑧 ي إذا ع رفته 􀑧 أطرح سؤالي بالمقلوب، وأنا أواصل حديثي مع الفتاة الأخرى التي قدّمت لي نفسها. آنت أعرف أنن
سينحل اللغز، وأعرف تلقائياً من منكما.. أنتِ.
فقد آان لإحداآما اسم أعرفه منذ خمس وعشرين سنة، وعليّ فقط أن أتعرف على صاحبته.
سألتها:
- هل لديك قرابة بسي الشريف عبد المولى؟
أجابت بسعادة وآأنها تكتشف أن أمرها يعنيني:
ر اً. 􀑧 ك آثي 􀑧 دّثنا عن 􀑧 د ح 􀑧 ة .. لق 􀑧 ر البارح 􀑧 ن الجزائ 􀑧 د م 􀑧 ول وف 􀑧 - إنه أبي.. لقد تعذر عليه الحضور اليوم بسبب وص
وقد أثار فضولنا لمعرفتك لدرجة قرّرنا أن نأتي مكانه اليوم لحضور الافتتاح!
آان آلام تلك الفتاة على تلقائيته يحمل لي جوابين. الأول أنها لم تكن أنت، والثاني سبب تخلف (سي الشريف).
ى 􀑧 ا يتحاش 􀑧 ببٍ م 􀑧 ان لس 􀑧 راه آ 􀑧 ي اً.. أم ت 􀑧 ياً، أم سياس 􀑧 انع شخص 􀑧 ان الم 􀑧 ل آ 􀑧 ببه، ه 􀑧 ن س 􀑧 اءلت ع 􀑧 ه وتس 􀑧 ت غياب 􀑧 ت لاحظ 􀑧 آن
الظهور معي؟
ى 􀑧 ول إل 􀑧 د الوص 􀑧 ه الوحي 􀑧 بح هدف 􀑧 ية، وأص 􀑧 آنت أدري أنّ طرقنا تقاطعت منذ سنين عندما دخل دهاليز اللعبة السياس
بابي 􀑧 الصفوف الأمامية. ورغم ذلك لم يكن بإمكاني أن أتجاهل وجوده معي في المدينة نفسها .فقد آان جزءاً من ش
وطفولتي.. وآان بعض ذاآرتي.
ولذا، ولأسباب عاطفية محض، آان الشخصية الجزائرية الوحيدة التي دعوتها.
ة، 􀑧 فارة الجزائري 􀑧 ي الس 􀑧 اً ف 􀑧 نتين، ملحق 􀑧 لم ألتق به منذ عدة سنوات، ولكن أخباره آانت تصلني دائماً منذ عُيِّن، قبل س
يتطلب آثيراً من الوساطة والأآتاف العريضة. ،« الخارجية » وهو منصب آكل المناصب
ي 􀑧 ده س 􀑧 ذي خلّ 􀑧 مه ال 􀑧 ط، وباس 􀑧 يه فق 􀑧 ه بماض 􀑧 م من 􀑧 ب ولأه 􀑧 وآان بإمكان (سي الشريف) أن يشق طريقه إلى هذا المنص
لّ 􀑧 ع آ 􀑧 أقلم م 􀑧 ه أن يت 􀑧 ان علي 􀑧 ر، وآ 􀑧 مان الحاض 􀑧 رده لض 􀑧 اً بمف 􀑧 ن آافي 􀑧 م يك 􀑧 ي ل 􀑧 دو أن الماض 􀑧 الطاهر باستشهاده. ولكن يب
الرياح للوصول..
ات، 􀑧 ع لحظ 􀑧 ي بض 􀑧 ي ف 􀑧 ي هزتن 􀑧 الات الت 􀑧 آت والانفع 􀑧 ل المفاج 􀑧 خطر ببالي آلّ ذلك، وأنا أحاول بدوري أن أتأقلم مع آ
والتي آانت بدايتها أنني وددت أن أسلم على فتاة جميلة تزور معرضي لا غير.. فإذا بي أسلّم على ذاآرتي!
30
وعدت إلى دهشتي الأولى معك..
د 􀑧 ا. لق 􀑧 ويلاً أمامه 􀑧 ت ط 􀑧 ي توقف 􀑧 ذات الت 􀑧 ة بال 􀑧 إلى آل التفاصيل الأولى التي لفتت نظري إليك منذ البدء. إلى تلك اللوح
آان هناك أآثر من قدر، أآثر من مكتوب.. أآثر من مصادفة.
أنتِ..
دليل 􀑧 أآنت أنت.. في قاعة تتفرجين فيها على لوحاتي. تتأملين بعضها، تتوقفين عند بعضها الآخر، وتعودين إلى ال
الذي تمسكيه بيدك لتتعرفي على أسماء اللوحات التي تلفت نظرك الأآثر؟
أنتِ..
وك .. 􀑧 تراك أنت.. نور آخر يضيء آل لوحة تمرين بها، فتبدو الأضواء الموجهة نحو اللوحات، وآأنها موجّهة نح
وآأنك آنت اللوحة الأصلية.
أنت إذن..
ي 􀑧 مها ف 􀑧 ن اس 􀑧 ين ع 􀑧 ر، وتبحث 􀑧 ا أآث 􀑧 ربين منه 􀑧 ر، تقت 􀑧 ان أآب 􀑧 ا بإمع 􀑧 تتوقفين أمام لوحة صغيرة لم تستوقف أحداً. تتأملينه
قائمة اللوحات.
ولحظتها سرت في جسدي قشعريرة مبهمة. واستيقظ فضول الرسّام المجنون داخلي..
من تكونين، أنت الواقفة أمام أحبّ لوحاتي ليّ..؟
رحت أتأملك مرتبكاً وأنت تتأملينها.. وتقولين لرفيقتك آلاماً لا يصلني شيء منه.
ما الذي أوقفك أمامها؟
لم تكن أجمل ما في القاعة من لوحات، آانت لوحتي الأولى وتمريني الأول في الرسم فقط..
اطتها، 􀑧 رغم بس 􀑧 ا ب 􀑧 ي اعتبرته 􀑧 ذا، لأنن 􀑧 م ه 􀑧 ي الأه 􀑧 ي معرض 􀑧 رة ف 􀑧 ون حاض 􀑧 ى أن تك 􀑧 رة، عل 􀑧 ذه الم 􀑧 ررت ه 􀑧 ي أص 􀑧 ولكنن
معجزتي الصغيرة.
رسمتها منذ خمس وعشرين سنة، وآان مرَّ على بتر ذراعي اليسرى أقلّ من شهر.
م 􀑧 ا يرس 􀑧 متها آم 􀑧 أس . رس 􀑧 ن الي 􀑧 روج م 􀑧 ط، والخ 􀑧 اة فق 􀑧 ة للحي 􀑧 ت محاول 􀑧 اريخ . آان 􀑧 دخول الت 􀑧 لم تكن محاولة للإبداع ولا ل
تلميذ في امتحان للرسم منظراً ليجيب على ورقة الأستاذ:
.« ارسم أقرب منظر إلى نفسك »
ونس، 􀑧 ى ت 􀑧 تراآية إل 􀑧 دول الاش 􀑧 ن ال 􀑧 اء م 􀑧 ض الأطب 􀑧 إنها الجملة التي قالها لي ذلك الطبيب اليوغسلافي الذي قدم مع بع
ا 􀑧 ية فيم 􀑧 حية والنفس 􀑧 وراتي الص 􀑧 لمعالجة الجرحى الجزائريين، والذي أشرف على عملية بتر ذراعي وظل يتابع تط
بعد.
آان يسألني آل مرة أزوره فيها عن اهتماماتي الجديدة، وهو يلاحظ إحباطي النفسي المستمر.
لم أآن مريضاً ليحتفظ بي الطبيب في مستشفى، ولا آنت معافى بمعنى الكلمة لأبدأ حياتي الجديدة.
ي 􀑧 اً ف 􀑧 عيداً وتعيس 􀑧 ه؛ س 􀑧 ت نفس 􀑧 ي الوق 􀑧 داً ف 􀑧 آنت أعيش في تونس، ابناً لذلك الوطن وغريباً في الوقت نفسه؛ حراً ومقي
الوقت نفسه.
31
د 􀑧 ب أن يج 􀑧 ذلك الطبي 􀑧 ن ل 􀑧 آنت الرجل الذي رفضه الموت ورفضته الحياة. آنت آرة صوف متداخلة.. فمن أين يمك
رأس الخيط الذي يحلّ به آلّ عقدي؟
ك 􀑧 أنني أتمسّ 􀑧 ؤاله وآ 􀑧 كت بس 􀑧 م، تمس 􀑧 ة أو الرس 􀑧 بّ الكتاب 􀑧 ت أح 􀑧 ل آن 􀑧 افتي، ه 􀑧 وعندما سألني ذات مرّة، وهو يكتشف ثق
بقشه قد تنقذني من الغرق، وأدرآت فوراً الوصفة الطبية التي آان يعدها لي.
قال:
اقاً 􀑧 - إن العملية التي أجريتها عليك، أجريت مثلها عشرات المرّات على جرحى آثيرين فقدوا في الحرب س
ر 􀑧 ب عم 􀑧 ر، حس 􀑧 ى آخ 􀑧 خص إل 􀑧 ن ش 􀑧 ف م 􀑧 ي يختل 􀑧 ا النفس 􀑧 إنّ تأثيره 􀑧 ف، ف 􀑧 أو ذراعاً، وإذا آانت العملية لا تختل
ي 􀑧 ر ف 􀑧 د النظ 􀑧 ف يعي 􀑧 ده المثقَّ 􀑧 افي، فوح 􀑧 تواه الثق 􀑧 ب مس 􀑧 ة حس 􀑧 ة .. وخاص 􀑧 ه الاجتماعي 􀑧 ه وحيات 􀑧 المريض ووظيفت
نفسه آلّ يوم، ويعيد النظر في علاقته مع العالم ومع الأشياء آلما تغيّر شيء في حياته..
د أن 􀑧 ذا أعتق 􀑧 وع، ول 􀑧 ذا الن 􀑧 ن ه 􀑧 ة م 􀑧 ن حال 􀑧 ر م 􀑧 ي أآث 􀑧 رّت ب 􀑧 د م 􀑧 دان . لق 􀑧 لقد أدرآت هذا من تجربتي في هذا المي
لا ل 􀑧 ن خ 􀑧 الم م 􀑧 ع الع 􀑧 دة م 􀑧 ة جدي 􀑧 اء علاق 􀑧 د بن 􀑧 يكم أن تعي 􀑧 ك . وعل 􀑧 و حول 􀑧 ا ه 􀑧 ك بم 􀑧 فقدانك ذراعك قد أخلّ بعلاقت
الكتابة أو الرسم..
ة 􀑧 مّ نوعي 􀑧 ك . ولا ته 􀑧 ي ذهن 􀑧 دور ف 􀑧 ا ي 􀑧 عليك أن تختار ما هو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون قيود آلّ م
تلك الكتابات ولا مستواها الأدبي.. المهم الكتابة في حد ذاتها آوسيلة تفريغ، وأداة ترميم داخلي..
وإذا آنت تفضّل الرسم فارسم.. الرسم أيضاً قادر على أن يصالحك مع الأشياء ومع العالم الذي تغيّر في
نظرك، لأنك أنت تغيّرت وأصبحت تشاهده وتلمسه بيدٍ واحدة فقط..
وال 􀑧 يئاً ط 􀑧 ل ش 􀑧 م أفع 􀑧 ت ل 􀑧 ي، مادم 􀑧 وآان يمكن أن أجيبه ذلك اليوم بتلقائية.. إنني أحبّ الكتابة، وأنها الأقرب إلى نفس
حياتي، سوى القراءة التي تؤدي تلقائياً إلى الكتابة.
آان يمكن أن أجيبه آذلك، فقد تنبأ لي أساتذتي دائماً بمستقبل ناجح.. في الأدب الفرنسي!
ولهذا أجبته دون تفكير، أو ربما بموقف اآتشفت فيما بعد أنه آان جاهزاً في أعماقي:
- أفضل الرسم..
لم تقنعه جملتي المقتضبة فسألني إن آنت رسمت قبل اليوم..
.«.. لا» : قلت
.«.. إذن ابدأ برسم أقرب شيء إلى نفسك.. ارسم أحبّ شي إليك » : قال
د 􀑧 يّ بع 􀑧 ة إل 􀑧 ي حاج 􀑧 ون ف 􀑧 د لا تك 􀑧 م .. فق 􀑧 ارس »: ة􀑧 زهم بلباق 􀑧 ون بعج 􀑧 دما يعترف 􀑧 اء عن 􀑧 خرية الأطب 􀑧 وعندما ودّعني قال بس
.«! اليوم
دران 􀑧 تمر اراً لج 􀑧 ت اس 􀑧 ي آان 􀑧 اء، الت 􀑧 داران البيض 􀑧 ك الج 􀑧 ين تل 􀑧 ي ب 􀑧 و لنفس 􀑧 عدت يومها إلى غرفتي مسرعاً أريد أن أخل
الذي آان حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه الأآثر في تونس. « الحبيب ثامر » مستشفى
رحت يومها أتأمل تلك الجدران على غير عادتي، وأنا أفكر في آل ما يمكن أن أعلق عليها من لوحات بعد اليوم.
آل وجوه من أحبّ.. آلّ الأزقة التي أحب.. آلّ ما ترآته خلفي هناك.
32
.« م􀑧 ارس » وقظني 􀑧 رة لي 􀑧 يته المكس 􀑧 رني بفرنس 􀑧 ب يحض 􀑧 ك الطبي 􀑧 وت ذل 􀑧 ان ص 􀑧 نمت في تلك الليلة قلقاً، وربما لم أنم. آ
ا 􀑧 دي وأن 􀑧 ة جس 􀑧 عريرة غامض 􀑧 ر قش 􀑧 فتعب .« م􀑧 ارس » دي 􀑧 ى ي 􀑧 دّ عل 􀑧 و يش 􀑧 ودعني وه 􀑧 آنت أستعيده داخل بدلته البيضاء، ي
أله 􀑧 فس « ر أ 􀑧 اق » ه􀑧 ال ل 􀑧 رة فق 􀑧 د لأول م 􀑧 ى محم 􀑧 أتذآر في غفوتي أول سورة للقرآن. يوم نزل جبرائيل عليه السلام عل
ورة 􀑧 ه أول س 􀑧 رأ علي 􀑧 وراح يق « ق􀑧 ذي خل 􀑧 ك ال 􀑧 م ربّ 􀑧 رأ باس 􀑧 اق » ل􀑧 ال جبري 􀑧 فق « ؟ رأ 􀑧 اذا أق 􀑧 م» .. ة􀑧 النبي مرتعداً من الرهب
ي .. 􀑧 دثرين » للقرآن. وعندما انتهى عاد النبي إلى زوجته وجسده يرتعد من هول ما سمع. وما آاد يراها حتى صاح
.«... دثريني
ك 􀑧 د ذل 􀑧 ي بع 􀑧 ا، وقلق 􀑧 ي يومه 􀑧 وتري النفس 􀑧 ببها ت 􀑧 ان س 􀑧 ا آ 􀑧 ة ربم 􀑧 آنت ذلك المساء أشعر برجفة الحمّى الباردة. وبرعش
ائي 􀑧 ان غط 􀑧 ذي آ 􀑧 ف ال 􀑧 اء الخفي 􀑧 ك الغط 􀑧 بب ذل 􀑧 اً بس 􀑧 ا أيض 􀑧 ب . وربم 􀑧 اللقاء الذي آنت أعرف أنه آخر لقاء لي مع الطبي
الوحيد في أوج الشتاء القارس، والذي لم يمنحني مستأجري البخيل غيره.
رد 􀑧 م الب 􀑧 ي مواس 􀑧 ائي ف 􀑧 ت غط 􀑧 ي آان 􀑧 وفية الت 􀑧 الص « ة􀑧 البطاني » ك􀑧 ولتي . وتل 􀑧 راش طف 􀑧 ذآر ف 􀑧 ا أت 􀑧 رخ وأن 􀑧 دت أص 􀑧 وآ
نطينة 􀑧 ا، لا لقس 􀑧 يئاً ليلته 􀑧 ل ش 􀑧 م أق 􀑧 ن ل 􀑧 ولك «.. ي􀑧 نطينة .. دثرين 􀑧 ي قس 􀑧 دثرين » .. القسنطيني، آدت أصرخ في ليل غربتي
ة، أن 􀑧 ن الجبه 􀑧 وه م 􀑧 د لت 􀑧 ل عائ 􀑧 ى رج 􀑧 عب عل 􀑧 ي. ص 􀑧 ي لنفس 􀑧 اي وبرودت 􀑧 ت بحمَّ 􀑧 ائس. احتفظ 􀑧 ة الب 􀑧 احب الغرف 􀑧 ولا لص
يعترف حتى لنفسه بالبرد..
لاث . 􀑧 وحتين أو ث 􀑧 م ل 􀑧 ه لرس 􀑧 اج إلي 􀑧 ا أحت 􀑧 ة م 􀑧 ن أوراق نقدي 􀑧 ي م 􀑧 ي جيب 􀑧 انتظرت فقط طلوع الصباح لأشتري بما تبقى ف
في قسنطينة.. « قنطرة الحبال » ووقفت آمجنون على عجل أرسم
هل 􀑧 ان أس 􀑧 راه آ 􀑧 ادة؟ أم ت 􀑧 ازه آالع 􀑧 ت لأجت 􀑧 أنني وقف 􀑧 مه و آ 􀑧 ة لأرس 􀑧 ف بتلقائي 􀑧 أآان ذلك الجسر أحبّ شيء إليّ حقاً، لأق
شيء للرسم فقط؟
لا أدري..
أدري أنني رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وآأنني أرسمه آل مرة لأول مرة .وآأنه أحب شيء لدي آل مرة.
ابعة 􀑧 ي الس 􀑧 اب ف 􀑧 ة لش 􀑧 لوح .« ين 􀑧 حن » ر􀑧 ن التفكي 􀑧 ر م 􀑧 ميتها دون آثي 􀑧 ي أس 􀑧 ة الت 􀑧 ر اللوح 􀑧 نة، عم 􀑧 رون س 􀑧 س وعش 􀑧 خم
والعشرين من عمره، آان أنا بغربته وبحزنه وبقهره.
ات 􀑧 ن الخيب 􀑧 ر م 􀑧 ه آثي 􀑧 ي في 􀑧 ان ل 􀑧 افي، آ 􀑧 رن إض 􀑧 ع ق 􀑧 ن برب 􀑧 وها أنا ذا اليوم، في غربة أخرى وبحزن وبقهر آخر.. ولك
والهزائم الذاتية.. وقليل من الانتصارات الاستثنائية.
اد 􀑧 وال النق 􀑧 ذلك أق 􀑧 هد ب 􀑧 ا تش 􀑧 لاق؛ آم 􀑧 ى الإط 􀑧 رهم عل 􀑧 ت أآب 􀑧 ا آن 􀑧 ريين، وربم 􀑧 امين الجزائ 􀑧 ار الرس 􀑧 د آب 􀑧 وم أح 􀑧 ا الي 􀑧 ا أن 􀑧 ه
الغربيين الذين نقلت شهادتهم بحروف بارزة على بطاقات دعوة الافتتاح.
« ويقة 􀑧 اب س 􀑧 ب» ارع 􀑧 ي ش 􀑧 ة، ف 􀑧 غيرة بائس 􀑧 ة ص 􀑧 ي غرف 􀑧 ف ف 􀑧 وحي ذات خري 􀑧 ه ال 􀑧 زل علي 􀑧 غير ن 􀑧 يّ ص 􀑧 وم ... نب 􀑧 ا الي 􀑧 ا أن 􀑧 ه
بتونس.
ها أنا نبي خارج وطنه آالعادة.. وآيف لا ولا آرامة لنبي في وطنه؟
وأن يكون جباراً ولو بفنه؟ « ظاهرة » آيف لا وقدر ذي العاهة أن يكون ،«؟ ظاهرة فنية » ها أنا
ها أنا ذا..
33
ه 􀑧 وم؟ إن 􀑧 ك الي 􀑧 د ذل 􀑧 ه بع 􀑧 اج إلي 􀑧 م احت 􀑧 ه ول 􀑧 دقت نبوءت 􀑧 ذي ص 􀑧 رة؟ وال 􀑧 فأين هو ذلك الطبيب الذي نصحني بالرسم ذات م
دآتور 􀑧 و ال 􀑧 ن ه 􀑧 ي . أي 􀑧 ه قبل 􀑧 ا لوحات 􀑧 رض فيه 􀑧 ي أن ع 􀑧 بق لأ يّ عرب 􀑧 م يس 􀑧 ي ل 􀑧 عة الت 􀑧 ة الشاس 􀑧 الغائب الوحيد في هذه القاع
ليرى ماذا فعلت بيدٍ واحدة.. « آابوتسكي »
ذلك الذي لم أسأله يوماً ماذا فعل بيدي الأخرى!
ة . 􀑧 فل لوح 􀑧 لوحتي الأولى، وجوار تاريخ رسمها (تونس 57 ) توقيعي الذي وضعته لأول مرة أس « حنين » وها هي
ة 􀑧 ي دار البلدي 􀑧 جِّلك ف 􀑧 ا أس 􀑧 نة 1957 ، وأن 􀑧 تماماً آما وضعته أسفل اسمك، وتاريخ ميلادك الجديد، ذات خريف من س
لأول مرة..
ة 􀑧 ك اللوح 􀑧 ام تل 􀑧 ين أم 􀑧 ا أراك تقف 􀑧 وم، وأن 􀑧 ك الي 􀑧 الي ذل 􀑧 ى ب 􀑧 ر عل 􀑧 م يخط 􀑧 ؤال ل 􀑧 ي؟ س 􀑧 من منكما طفلتي.. ومن منكما حبيبت
لأول مرة..
لوحة في عمرك ..تكبرينها _ رسمياً _ ببضعة أيام.. وتصغرك في الواقع ببضعة أشهر لا غير.
ا، وإذا 􀑧 ت أمامه 􀑧 ت أن 􀑧 لوحة آانت بدايتي مرتين.. مرة يوم أمسكت بفرشاة لأبدأ معها مغامرة الرسم.. ومرة يوم وقف
بي أدخل في مغامرة مع القدر...
أنني 􀑧 ان 1981 ، وآ 􀑧 وم :نيس 􀑧 ك الي 􀑧 اريخ ذل 􀑧 ول ت 􀑧 رة ح 􀑧 على مفكرة ملأى بمواعيد وعناوين لا أهمية لها، وضعت دائ
أريد أن أميزه عن بقية الأيام. قبل ذلك اليوم، لم أجد في سنواتي الماضية ما يستحق التميز.
اء، 􀑧 ا بيض 􀑧 ي لا أترآه 􀑧 اً آ 􀑧 ا غالب 􀑧 ت املأه 􀑧 فقد آانت أيامي مثل أوراق مفكرتي ملأى بمسودات لا تستحق الذآر. وآن
فقد آان اللون الأبيض يخيفني دائماً عندما يكون على مساحة ورق.
ا 􀑧 اريخ له 􀑧 دة لا ت 􀑧 رة واح 􀑧 دة لمفك 􀑧 فحة واح 􀑧 ثماني مفكرات لثماني سنوات، لم يكن فيها ما يستحق الدهشة. جميعها ص
رات لا 􀑧 اني مفك 􀑧 ى ثم 􀑧 نوات إل 􀑧 سوى الغربة. غربة آنت أحاول أن أختصرها بعملية حسابية آاذبة، تتحول فيها الس
ا 􀑧 ة .. إنم 􀑧 ة أو الهجري 􀑧 ا الميلادي 􀑧 ب تواريخه 􀑧 غير، مازالت مكدسة في خزانتي الواحدة فوق الأخرى... مسجلة لا حس
حسب أرقام سنوات هجرتي الاختيارية.
دخلي 􀑧 راك لت 􀑧 ارد ذآ 􀑧 ك وأط 􀑧 أنني أطوق 􀑧 دائرة . آ 􀑧 ك ال 􀑧 ل تل 􀑧 أضع دائرة حول تاريخ ذلك اليوم، وآأنني أغلق عليك داخ
دائرة ضوئي إلى الأبد.
ى 􀑧 ر عل 􀑧 يلادي الآخ 􀑧 يكون م 􀑧 ه س 􀑧 ذاآرة؛ آأن 􀑧 اً لل 􀑧 يكون منعطف 􀑧 اريخ س 􀑧 ذا الت 􀑧 أن ه 􀑧 بق، وآ 􀑧 دس مس 􀑧 ن ح 􀑧 رف ع 􀑧 آنت أتص
يديك. وآنت أعي وقتها تماماً أن الولادة على يدك آالوصول إليك أمر لن يكون سهلاً.
يشهد على ذلك غياب رقمك الهاتفي وعنوانك من تلك الصفحة التي لم تكن تحمل في النهاية سوى تاريخ لقائك.
ة 􀑧 ة حج 􀑧 رر وبأي 􀑧 أي مب 􀑧 ك .. وب 􀑧 ى تل 􀑧 دف تنا الأول 􀑧 ا الأول أو ص 􀑧 فهل آان من المنطقي أن اطلب منك رقم هاتفك في لقائن
سأفعل ذلك، وآلّ الأسباب تبدو ملفّقة عندما يطلب رجل من فتاة جميلة رقم هاتفها؟
آنت أشعر برغبة في الجلوس إليك.. في التحدث والاستماع إليك ..عساني أتعرّف على النسخة الأخرى لذاآرتي.
34
رة، 􀑧 ه لأول م 􀑧 ذي تقابلين 􀑧 ل ال 􀑧 ولكن آيف أقنعك بذلك؟ آيف أشرح لك في لحظات أنني أعرف الكثير عنك، أنا الرج
اء 􀑧 لام الغرب 􀑧 نفس آ 􀑧 ك ب 􀑧 ك إلا أن أجيب 􀑧 لا أمل 􀑧 ع .. ف 􀑧 مير الجم 􀑧 اء بض 􀑧 ية للغرب 􀑧 دث بالفرنس 􀑧 ا نتح 􀑧 ه آم 􀑧 دثين إلي 􀑧 ي تتح 􀑧 والت
بالجمع..
د 􀑧 ل بع 􀑧 ا. أيعق 􀑧 يئاً عنّ 􀑧 رف ش 􀑧 ة لا تع 􀑧 ا.. بلغ 􀑧 ة لا أعرفه 􀑧 ك بلغ 􀑧 آانت الكلمات تتعثر يومها على لساني، وآأنني أتحدث ل
عشرين سنة أن أصافحك وأسألك بلغة فرنسية محايدة..
- Mais comment allez-vous mademoiselle?
فتردين عليّ بنفس المسافة اللغوية:
- Bien.. je vous remercie..
وتكاد تجهش الذاآرة بالبكاء.. تلك التي عرفتك طفلة تحبو.
تكاد ترتعش ذراعي الوحيدة وهي تقاوم رغبة جامحة لاحتضانك، وسؤالك بلهجة قسنطينية افتقدتها..
- واشك..؟
ة 􀑧 ا طفل 􀑧 ي . ي 􀑧 د تعرفن 􀑧 م تع 􀑧 آه واشك.. أيتها الصغيرة التي آبرت في غفلة منِّي.. آيف أنت أيتها الزائرة الغريبة التي ل
تلبس ذاآرتي، وتحمل في معصمها سواراً آان لأمي؟
ل أن 􀑧 ا أجم 􀑧 ك . فم 􀑧 ون عيني 􀑧 امتك ول 􀑧 ي ابتس 􀑧 دعيني أضمّ آلّ من أحببتهم فيك. أتأملك وأستعيد ملامح (سي الطاهر) ف
ا 􀑧 دمك . وم 􀑧 ي مق 􀑧 وم ف 􀑧 وطن الي 􀑧 ود ال 􀑧 مك؛ ويع 􀑧 وار بمعص 􀑧 ي س 􀑧 ي ف 􀑧 ود أمّ 􀑧 يعود الشهداء هكذا في طلّتك. ما أجمل أن تع
أجمل أن تكوني أنت.. هي أنت!
أتدرين..
(إذا صادف الإنسان شيء جميل مفرط في الجمال.. رغب في البكاء..)
ومصادفتك أجمل ما حلّ بي منذ عمر.
آيف أشرح لك آلّ هذا مرّة واحدة.. ونحن وقوف تتقاسمنا الأعين والأسماع؟
آيف أشرح لك أنني آنت مشتاقاً إليك دون أن أدري.. أنني آنت انتظرك دون أن أصدق ذلك؟
وأنه لا بد أن نلتقي.
أجمع حصيلة ذلك اللقاء الأول..
ع 􀑧 ربع ساعة من الحديث أو أآثر. تحدثت فيها أنا أآثر مما تحدثت أنت. حماقة ندمت عليها فيما بعد. آنت في الواق
أحاول أن أستبقيك بالكلمات .نسيت أن أمنحك فرصة أآثر للحديث.
ابلاً 􀑧 ك ق 􀑧 يء مع 􀑧 آنت سعيداً وأنا أآتشف شغفك بالفنّ.. آنت على استعداد لمناقشتي طويلاً في آل لوحة، آان آل ش
للجدل. وأمَّا أنا فكنت لحظتها لا أرغب سوى في الحديث عنك. وحده وجودك آان يثير شهيتي للكلام.
ن 􀑧 لاث ع 􀑧 ين أو ث 􀑧 ت بجملت 􀑧 تك، اآتفي 􀑧 ع قص 􀑧 ة م 􀑧 تي المتقاطع 􀑧 ول قص 􀑧 ك فص 􀑧 رد علي 􀑧 ولأنه لم يكن في الوقت متسع لأس
علاقاتي القديمة بأبيك.. وعن طفولتك الأولى.. وعن لوحة قلت إنك أحببتها، وقلت لك إنها توأمك!
35
عارك 􀑧 اع .. لإش 􀑧 ط الانقط 􀑧 ن نق 􀑧 راً م 􀑧 ات آثي 􀑧 ين الكلم 􀑧 ت ب 􀑧 ذآاء . ترآ 􀑧 ن ال 􀑧 اخترت جملي بكثير من الاقتضاب ..وآثير م
بثقل الصمت الذي لم تملأه الكلمات.
لم أآن أريد أن أنفق ورقتي الوحيدة معك في يوم واحد على عجل.
وداً 􀑧 تكون موج 􀑧 ل س 􀑧 ه» ألتني 􀑧 دم ا س 􀑧 ة . وعن 􀑧 ي ثاني 􀑧 ك ل 􀑧 من عودت 􀑧 آنت أريد أن أوقظ فضولك لمعرفتي أآثر، لكي أض
أدرآت أنني نجحت في أول امتحان معك، وأنا أجعلك تفكرين في لقائي مرة ثانية. «؟ هنا طوال فترة المعرض
ولكنني قلت بصوت طبيعي لا علاقة له بزلازلي الداخلية:
ون 􀑧 د أآ 􀑧 ثم أضفت وأنا أآتشف أن جوابي قد لا يشجعك على زيارة ق «.. سأآون هنا بعد الظهر في أغلب الأحيان »
غائباً عنها:
.«.. ومن الأرجح أن أآون هنا آل يوم، فستكون لي مواعيد آثيرة مع الصحافيين والأصدقاء »
ت 􀑧 رض . آن 􀑧 ي المع 􀑧 ت ف 􀑧 وال الوق 􀑧 اء ط 􀑧 طراً للبق 􀑧 ع مض 􀑧 آان في ذلك الكلام شيء من الحقيقة. ولكنني لم أآن في الواق
فقط أحاول ألا أجعلك تعودين عن قرارك لسبب ما.
قلت وأنت تتحدثين لي فجأة بطريقة الأصدقاء القدامى:
ن 􀑧 وم ع 􀑧 رت الي 􀑧 قد أعود لزيارة المعرض يوم الاثنين القادم.. إنه اليوم الذي لا دروس لي فيه. في الحقيقة أنا حض »
.«.. فضول فقط.. ويسعدني أن أتحدث إليك أآثر
تدخلت ابنة عمك، وآأنها تعتذر، وربما تتحسر لأنها لن تكون طرفاً في ذلك اللقاء:
م 􀑧 ث «. ر􀑧 وم آخ 􀑧 ي ي 􀑧 اً ف 􀑧 ا أيض 􀑧 خسارة.. إنه اليوم الأآثر مشاغل بالنسبة لي.. لن يمكنني أن أرافقك، ولكن قد أعود أن »
التفت نحوي سائلة:
«؟ متى ينتهي المعرض »
قلت:
.«.. في 25 نيسان.. أي بعد عشرة أيام »
صاحت:
«.. عظيم.. سأجد فرصة للعودة مرة أخرى »
تنفست الصعداء.
المهم أن أراك مرة واحدة على انفراد، وبعدها سيصبح آلّ شيء أسهل.
تزودت منك بآخر نظرة، وأنت تصافحينني قبل أن تنسحبي.
آان في عينيك دعوة لشيء ما..
آان فيهما وعد غامض بقصة ما..
ك 􀑧 د ذل 􀑧 وارث بع 􀑧 آان فيهما شيء من الغرق اللذيذ المحبب.. وربما نظرة اعتذار مسبقة عن آل ما سيحل بي من آ
بسببهما.
36
دريجياً 􀑧 ي ت 􀑧 د عن 􀑧 ود .. ويبتع 􀑧 عره الأس 􀑧 ال ش 􀑧 اً بش 􀑧 ره ملتفّ 􀑧 وليني ظه 􀑧 وآنت أعي في تلك اللحظة، وذلك اللون الأبيض ي
ليختلط بأآثر من لون، أنني سواء رأيتك أم لم أرك بعد اليوم، فقط أحببتك.. وانتهى الأمر.
ر 􀑧 ه . يج 􀑧 ي قدوم 􀑧 غادرت القاعة إذن مثلما جئتِ.. ضوءاً يشق الطريق انبهاراً عند مروره.. متألقاً في انسحابه آما ف
خلفه أآثر من قوس قزح.. وذيلاً من مشاريع الأحلام.
ما الذي أعرفه عنك؟
ذاك 􀑧 ابراً آ 􀑧 ع « ذنب اً 􀑧 اً م 􀑧 نجم » وني 􀑧 م تك 􀑧 ك ل 􀑧 ي أن 􀑧 ع نفس 􀑧 شيئان أو ثلاثة.. أعدتهما على نفسي بعد ذلك عدة مرات، لأقن
ي 􀑧 مونه ف 􀑧 ذي يس 􀑧 ارهم، وال 􀑧 ه بمنظ 􀑧 الذي يضيء في الأمسيات الصيفية، ويختفي قبل أن يتمكن الفلكيون من مطاردت
!« النجم الهارب ».. قواميس الفلك
دين 􀑧 ك تع 􀑧 ل أن 􀑧 ى الأق 􀑧 رف عل 􀑧 هولة . أع 􀑧 ذه الس 􀑧 عبة به 􀑧 ا المتش 􀑧 اريس وأزقته 􀑧 وارع ب 􀑧 لا.. لن تهربي مني، وتختفي في ش
نوات، 􀑧 ع س 􀑧 ذ أرب 􀑧 اريس من 􀑧 ي ب 􀑧 ك ف 􀑧 ة، وأن 􀑧 ر ة للدراس 􀑧 نة الأخي 􀑧 ي الس 􀑧 ك ف 􀑧 ات، وأن 􀑧 ا للدراس 􀑧 ة العلي 􀑧 ي المدرس 􀑧 شهادة ما ف
ة 􀑧 ك بأي 􀑧 ور علي 􀑧 ي للعث 􀑧 ا تكف 􀑧 وتقيمين عند عمك منذ عينّ في باريس أي منذ سنتين. معلومات قد تكون هزيلة، ولكنه
طريقة.
ذ 􀑧 ي من 􀑧 دّ العكس 􀑧 ي الع 􀑧 دأت ف 􀑧 ت ب 􀑧 آانت الأيام الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم الاثنين تبدو طويلة وآأنها لا تنتهي. وآن
ي 􀑧 تلك اللحظة التي غادرت فيها القاعة، رحت أعدّ الأيام الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم الاثنين. تارة أعدّها فتبدو ل
ي 􀑧 دو ل 􀑧 ه، فتب 􀑧 أراك في 􀑧 ذي س 􀑧 ين ال 􀑧 ي، والاثن 􀑧 ك أن ينته 􀑧 ى وش 􀑧 ان عل 􀑧 ذي آ 􀑧 ة ال 􀑧 ر الجمع 􀑧 ود وأختص 􀑧 م أع 􀑧 ام، ث 􀑧 ة أي 􀑧 أربع
المسافة أقصر وأبدو أقدر على التحمل، إنها يومان فقط هما السبت والأحد.
ا، 􀑧 بقاً طوله 􀑧 ع مس 􀑧 ا أتوق 􀑧 اءل وأن 􀑧 د، أتس 􀑧 بت والأح 􀑧 ثم أعود فأعدّ الليالي.. فتبدو لي ثلاث ليالٍ آاملة، هي الجمعة والس
آيف سأقضيها؟ ويحضرني ذلك البيت الشعري القديم الذي لم أصدّقه من قبل:
ة 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 د ليل 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ة بع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الي ليل 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 دّ اللي 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 أع
ا􀑧􀑧􀑧􀑧 د الليالي 􀑧􀑧􀑧􀑧 راً لا أع 􀑧􀑧􀑧􀑧 ت ده 􀑧􀑧􀑧􀑧 د عش 􀑧􀑧􀑧􀑧 وق
رة 􀑧 الزمن فت 􀑧 ا، وإذا ب 􀑧 ق عليه 􀑧 اييس المتف 􀑧 ة، بالمق 􀑧 نا الخاص 􀑧 ترى أهكذا يبدأ الحب دائماً، عندما نبدأ في استبدال مقاييس
من العمر، لا علاقة لها بالوقت؟
ع . 􀑧 ت أتوق 􀑧 ا آن 􀑧 ة آم 􀑧 ع . أنيق 􀑧 ت أتوق 􀑧 ا آن 􀑧 أخرة آم 􀑧 اءت مت 􀑧 ة . ج 􀑧 دخل القاع 􀑧 ت « آاترين » في ذلك اليوم، سعدت وأنا أرى
داخل فستان أصفر ناعم، تطير داخله آفراشه. قالت وهي تضع قبلة على خدي:
- لقد وصلت متأخرة.. آان هناك ازدحام في الطريق آالعادة في مثل هذا الوقت.
ك 􀑧 ي تل 􀑧 بوع، ف 􀑧 ة الأس 􀑧 ي نهاي 􀑧 اعف ف 􀑧 لات تتض 􀑧 ت المواص 􀑧 اريس. وآان 􀑧 ة لب 􀑧 احية الجنوبي 􀑧 كن الض 􀑧 اترين تس 􀑧 ت آ 􀑧 آان
ره 􀑧 ا تك 􀑧 رف أنه 􀑧 ت أع 􀑧 ا. آن 􀑧 د لتأخره 􀑧 بب الوحي 􀑧 ك الس 􀑧 ن ذل 􀑧 م يك 􀑧 ي ل 􀑧 واحيها، والت 􀑧 اريس وض 􀑧 ين ب 􀑧 ة ب 􀑧 الطرقات الرابط
ا 􀑧 ض معارفه 􀑧 ا بع 􀑧 ل أن يراه 􀑧 ا تخج 􀑧 ة . ربم 􀑧 اآن العام 􀑧 ي الأم 􀑧 ي ف 􀑧 اللقاءات العامة، أو تكره آما استنتجت أن تظهر مع
وهي مع رجل عربي، يكبرها بعشر سنوات، وينقصها بذراع!
37
ت 􀑧 ط آان 􀑧 ك فق 􀑧 ون، هنال 􀑧 ن العي 􀑧 آانت تحب أن تلتقي بي، ولكن دائماً في بيتي أو بيتها، بعيداً عن الأضواء، وبعيداً ع
دو 􀑧 اور، ليب 􀑧 م المج 􀑧 ي المطع 􀑧 داء ف 􀑧 ة غ 􀑧 اول وجب 􀑧 اً لنتن 􀑧 زل مع 􀑧 ي أن نن 􀑧 تبدو تلقائية في مرحها وفي تصرفها معي. ويكف
عليها شي من الارتباك والتصنع، ويصبح همّها الوحيد أن نعود إلى البيت.
ها ولا 􀑧 د أناقش 􀑧 م أع 􀑧 اً. ل 􀑧 ومين مع 􀑧 وم أو ي 􀑧 اء ي 􀑧 ل لقض 􀑧 ن الأآ 􀑧 وهكذا تعودت عندما تحضر أن أشتري مسبقاً ما يكفينا م
أقترح عليها شيئاً .آان ذلك أوفر وأآثر راحة لي، فلماذا آلّ هذا الجدل؟
ا 􀑧 ت تعرفه 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 ات المعلق 􀑧 ى اللوح 􀑧 رة عل 􀑧 قالت آاترين بصوت أعلى من العادة وهي تمسك ذراعي وتلقي نظ
جميعاً:
- برافو خالد، أهنئك.. رائع آلّ هذا.. أيها العزيز.
يء 􀑧 ي .. أو أي ش 􀑧 ديقتي أو حبيبت 􀑧 ا ص 􀑧 رون أنه 􀑧 رف الآخ 􀑧 د أن يع 􀑧 تعجبت شيئاً ما، آانت تتحدث هذه المرة وآأنها تري
من هذا القبيل.
اح .. أم 􀑧 روا الافتت 􀑧 ذين حض 􀑧 حافيين ال 􀑧 ة والص 􀑧 ما الذي غيّر سلوآها فجأة، هل منظر ذلك الحشد من الشخصيات الفني
ت 􀑧 أنها اآتشفت في هذا المكان، أنها آانت منذ سنتين تضاجع عبقرياً دون أن تدري، وأنَّ ذراعي الناقصة التي آان
تضايقها في ظروف أخرى، تأخذ هنا بعداً فنياً فريداً لا علاقة له بالمقاييس الجمالية؟
اهتي إلا 􀑧 يت ع 􀑧 ي نس 􀑧 دث أنن 􀑧 م يح 􀑧 دة، ل 􀑧 ذراع واح 􀑧 تها ب 􀑧 اآتشفت لحظتها، أنني خلال الخمس والعشرين سنة التي عش
في قاعات العرض.
نوات 􀑧 ي الس 􀑧 ا ف 􀑧 ي . أو ربم 􀑧 ى ذراع 􀑧 في تلك اللحظات التي آانت فيها العيون تنظر إلى اللوحات، وتنسى أن تنظر إل
ون 􀑧 انوا يوح 􀑧 اس . آ 􀑧 ين الن 􀑧 ة ب 􀑧 ن القداس 􀑧 يء م 􀑧 روب ش 􀑧 وبي الح 􀑧 الأولى للاستقلال.. وقتها آان للمحارب هيبته، ولمعط
بالاحترام أآثر مما يوحون بالشفقة. ولم تكن مطالباً بتقديم أي شرح ولا أي سرد لقصتك.
آنت تحمل ذاآرتك على جسدك، ولم يكون ذلك يتطلب أيّ تفسير.
ي 􀑧 ك تخف 􀑧 ترتك، وآأن 􀑧 ب س 􀑧 ي جي 􀑧 اء ف 􀑧 ه بحي 􀑧 ذي تخفي 􀑧 ارغ ال 􀑧 دلتك الف 􀑧 ن ذراع ب 􀑧 ل م 􀑧 ت تخج 􀑧 رن ..، أن 􀑧 ع ق 􀑧 د رب 􀑧 وم بع 􀑧 الي
ذاآرتك الشخصية، وتعتذر عن ماضيك لكل من لا ماضي لهم.
يدك الناقصة تزعجهم. تفسد على البعض راحتهم. تفقدهم شهيتهم.
ليس هذا الزمن لك، إنه زمن لما بعد الحرب.
رو 􀑧 ي الميت 􀑧 ك ف 􀑧 ي ترافق 􀑧 ك وه 􀑧 للبدلات الأنيقة والسيارات الفخمة.. والبطون المنتفخة. ولذا آثيراً ما تخجل من ذراع
رد 􀑧 رّة أن تس 􀑧 لّ م 􀑧 ي آ 􀑧 وفي المطعم وفي المقهى وفي الطائرة وفي حفل تدعى إليه. تشعر أن الناس ينتظرون منك ف
عليهم قصتك.
.«؟ آيف حدث هذا » : آلّ العيون المستديرة دهشة، تسألك سؤالاً واحداً تخجل الشفاه من طرحه
ي 􀑧 ض الكراس 􀑧 ى بع 􀑧 رأ عل 􀑧 ويحدث أن تحزن، وأنت تأخذ الميترو وتمسك بيدك الفريدة الذراع المعلقة للرآاب. ثم تق
تلك العبارة:
.«.. أماآن محجوزة لمعطوبي الحرب والحوامل »
38
لا ليست هذه الأماآن لك. شي من العزّة، من بقايا شهامة، تجعلك تفضّل البقاء واقفاُ معلقاً بيد واحدة.
إنها أماآن محجوزة لمحاربين غيرك، حربهم لم تكن حربك، وجراحهم ربما آانت على يدك.
أما جراحك أنت.. فغير معترف بها هنا.
ها أنت أمام جدلية عجيبة..
ار .. 􀑧 ا تخت 􀑧 ت . فأيهم 􀑧 ك أن 􀑧 ك ويرفض 􀑧 رم جراح 􀑧 وطن، يحت 􀑧 ي ل 􀑧 ك . وتنتم 􀑧 رفض جُروح 􀑧 ك وي 􀑧 تعيش في بلد يحترم موهبت
وأنت الرجل والجرح في آن واحد.. وأنت الذاآرة المعطوبة التي ليس هذا الجسد المعطوب سوى واجهة لها؟
ك الأرق 􀑧 ل، وذل 􀑧 ق المتواص 􀑧 ط، والخل 􀑧 ل فق 􀑧 ا بالعم 􀑧 رب منه 􀑧 ت أه 􀑧 ابق . آن 􀑧 ي الس 􀑧 ي ف 􀑧 ى نفس 􀑧 ا عل 􀑧 ن أطرحه 􀑧 م أآ 􀑧 أسئلة ل
الداخلي الدائم.
ث 􀑧 ة، حي 􀑧 ذه القاع 􀑧 ى ه 􀑧 لني إل 􀑧 ي ليوص 􀑧 رآض ب 􀑧 ل ال 􀑧 ه يواص 􀑧 آان داخلي شيء لا ينام، شيء يواصل الرسم دائماً وآأن
سأعيش لأيام رجلاً عادياً بذراعين، أو بالأحرى رجلاً فوق العادة..
رجلاً يسخر من هذا العالم بيد واحدة. ويعيد عجن تضاريس الأشياء بيد واحدة.
ا 􀑧 واه آيفم 􀑧 ها أنا ذا في هذه القاعة إذن.. وها هوذا جنوني معلّق للفرجة على الجدران. تتفحصه العيون وتفسره الأف
􀑧 اخراً ل 􀑧 ولاً س 􀑧 ذآر ق 􀑧 معي . وأت 􀑧 ل مس 􀑧 ة تص 􀑧 ات المتناقض 􀑧 ك التعليق 􀑧 ض تل 􀑧 م، وبع 􀑧 ك إلا أن أبتس 􀑧 اءت.. ولا أمل 􀑧 ش
:« آونكور »
.«! لا شي يسمع الحماقات الأآثر في العالم.. مثل لوحة في متحف »
جاء صوت آاترين خافتاً وآأنها تتحدث لي وحدي هذه المرة:
- عجيب ..إنني أرى هذه اللوحات وآأنني لا أعرفها، إنها هنا تبدو مختلفة..
آدت أجيبها وأنا أواصل فكرة سابقة:
ت 􀑧 ة تح 􀑧 ي قاع 􀑧 عينهم ف 􀑧 إن للوحات مزاجها وعواطفها أيضاً.. إنها تماماً مثل الأشخاص. إنهم يتغيرون أول ما تض »
«! الأضواء
ولكنني لم أقل لها هذا.
قلت لها فقط:
ن 􀑧 ا ع 􀑧 ا، أن نرفعه 􀑧 ار عنه 􀑧 ح الغب 􀑧 دلّلها ونمس 􀑧 ب أن ن 􀑧 ا، تح 􀑧 ل له 􀑧 واء وتتجم 􀑧 بّ الأض 􀑧 ذلك.. تح 􀑧 ى آ 􀑧 ة أنث 􀑧 - اللوح
ن 􀑧 الأرض ونرفع عنها اللحاف الذي نغطِّيها به... تحبّ أن نعلقها في قاعة لتتقاسمها الأعين حتى ولو لم تك
معجبة بها..
إنها تكره في الواقع أن تعامل بتجاهل لا غير..
قالت وهي تفكر:
داً 􀑧 د أب 􀑧 ف لا نج 􀑧 م آي 􀑧 ك؟ لا أفه 􀑧 تماع إلي 􀑧 ب الاس 􀑧 ي أح 􀑧 دري أنن 􀑧 - صحيح ما تقوله.. من أين تأتي بهذه الأفكار؟ أت
وقتاً للحديث عندما نلتقي.
وقبل أن أعلّق على سؤالها بجواب مقنع جداً.. أضافت بنوايا أعرفها وهي تضحك..
39
- متى ستعاملني أخيراً آلوحة؟
قلت وأنا أضحك لسرعة بداهتها.. ولشهيتها التي لا تشبع:
- هذا المساء إذا شئت..
وعندما أخذت آاترين منّي مفاتيح البيت، وطارت آفراشة داخل فستانها الأصفر نحو الباب.
زوار 􀑧 ض ال 􀑧 ا زال بع 􀑧 ي م 􀑧 دران، والت 􀑧 ى الج 􀑧 قالت وآأنها شعرت فجأة بالغيرة من آل تلك اللوحات المعلقة بعناية عل
يتأملونها:
- أنا متعبة بعض الشيء.. سأسبقك.
م 􀑧 ادة، ل 􀑧 بق؟ . آالع 􀑧 وع مس 􀑧 اءتني بج 􀑧 ي .. أم ج 􀑧 ار منّ 􀑧 يّ أو تغ 􀑧 أآانت حقاً متعبة إلى هذا الحد، أم أصبحت فجأة تغار عل
أحاول أن أتعمق في فهمها.
ت ! 􀑧 ارك أن 􀑧 ار .. انتظ 􀑧 ن الانتظ 􀑧 ومين م 􀑧 اً أو ي 􀑧 ا يوم 􀑧 آنت أريد فقط أن أستعين بها لأنسى. آنت سعيداً أن أختصر معه
وآنت في حاجة إلى ليلة حبّ بعد شهر من الوحدة، والرآض لإعداد آلّ تفاصيل هذا المعرض.
لحقت بكاترين بعد ساعة.
آنت متعباً لأسباب آثيرة. أحدها لقائي العجيب بك وآلّ ما عشته من هزّات نفسية ذلك اليوم.
قالت وهي تفتح لي الباب:
- إنك لم تتأخر آثيراً..
قلت وأنا أداعبها:
- آان في ذهني مشروع لوحة.. فعدت مسرعاً إلى البيت.. الوحي لا ينتظر آثيراً آما تعلمين!
ضحكنا..
رعية 􀑧 آان بيننا تواطؤ جسدي ما، يشيع بيننا تلك البهجة الثنائية، تلك السعادة السرية التي نمارسها دون قيود.. بش
الجنون!
ا 􀑧 ا، أنه 􀑧 ولكن شعرت لحظتها وهي جالسة في الأريكة المقابلة لي تشاهد الأخبار، وتلتهم (سندويتشاً) أحضرته معه
امرأة آانت دائماً على وشك أن تكون حبيبتي، وأنها هذه المرّة _ آذلك _ لن تكونها!
ا 􀑧 ذا لا يمكنه 􀑧 ة .. ول 􀑧 هي امرأة تعاني من عجز عاطفي، ومن فائض في الأناني « السندويتشات » إن امرأة تعيش على
أن تهب رجلاً ما يلزمه من أمان.
ليلتها، ادّعيت أنني لست جائعاً.
.« السندويتشات » في الحقيقة آنت رافضاً وربما عاجزاً عن الانتماء لزمن
وبرغم ذلك..
حاولت ألا أتوقف عند تلك التفاصيل التي آانت تستفزّ بداوتي في أول الأمر.
اة، ولا 􀑧 ي الحي 􀑧 ا ف 􀑧 رم طريقته 􀑧 ا. أن أحت 􀑧 تلاف بينن 􀑧 ه الاخ 􀑧 ن أوج 􀑧 راً ع 􀑧 ث آثي 􀑧 اترين ألا أبح 􀑧 ى آ 􀑧 تعوّدت منذ تعرفت عل
أحاول أن أصنع منها نسخة منّي. بل إنني ربما آنت أحبها لأنها تختلف عني حدّ التناقض أحياناً.
40
فلا أجمل من أن تلتقي بضدك، فذلك وحده قادر على أن يجعلك تكتشف نفسك. وأعترف أنني مدين لكاترين بكثير
من اآتشافاتي، فلا شيء آان يجمعني بهذه المرأة في النهاية، سوى شهوتنا المشترآة وحبنا المشترك للفن.
وآان آافياً لنكون سعيدين معاً.
نمط 􀑧 ذا ال 􀑧 ع ه 􀑧 عوبة م 􀑧 ت بص 􀑧 دء تأقلم 􀑧 ي الب 􀑧 اؤلات. ف 􀑧 ئلة ولا بالتس 􀑧 نا بالأس 􀑧 زعج بعض 􀑧 زمن ألا ن 􀑧 رور ال 􀑧 ع م 􀑧 ا م 􀑧 تعودن
العاطفي الذي لا مكان فيه للغيرة ولا للامتلاك.
ثمَّ وجدت فيه حسنات آثيرة، أهمها الحرّيّة.. وعدم الالتزام بشيء تجاه أحد..
وق 􀑧 اً بش 􀑧 ي دائم 􀑧 ا نلتق 􀑧 ن آنّ 􀑧 آان يحدث أن نلتقي مرّة في الأسبوع، آما يحدث أن تمرّ عدة أسابيع قبل أن نلتقي.. ولك
وبرغبة مشترآة.
أن 􀑧 ي ب 􀑧 ا، وأن أآتف 􀑧 ود عليه 􀑧 ى لا أتع 􀑧 ي حت 􀑧 دت نفس 􀑧 ذا أجه 􀑧 وله ،« ينبغي ألا نقتل علاقتنا بالعادة » : آانت آاترين تقول
أآون سعيداً عندما تأتي، وأن أنسى أنها مرّت من هنا عندما ترحل.
في تلك المرة حاولت أن أستبقيها لقضاء آلّ نهاية الأسبوع معي، وسعدت أن تقبل عرضي بحماس.
آنت في الوقع أخاف أن أبقى وحيداً مع ساعتي الجدارية في انتظار يوم الاثنين.
ت 􀑧 ا آان 􀑧 ر لأنه 􀑧 ي أآث 􀑧 دا ل 􀑧 ا ب 􀑧 ويلاً، وربم 􀑧 ي ط 􀑧 دا ل 􀑧 ت ب 􀑧 إن الوق 􀑧 د، ف 􀑧 وم الأح 􀑧 ية ي 􀑧 ى عش 􀑧 ورغم أنّ آاترين ظلّت معي حت
معي. فقد بدأت فجأة أستعجل ذهابها وآأنني سأخلو بك عند ذلك.
آانت أفكاري تدور حول سؤال واحد..
ة، 􀑧 ة العجيب 􀑧 ك القص 􀑧 ك تل 􀑧 صّ علي 􀑧 ف أق 􀑧 ديث .. وآي 􀑧 ك الح 􀑧 دأ مع 􀑧 ن أب 􀑧 ن أي 􀑧 ين؟ م 􀑧 وم الاثن 􀑧 ك ي 􀑧 ردت ب 􀑧 ماذا أقول لك لو انف
قصّتنا؟
آيف أغريك بالعودة من جديد لسماع بقيّتها؟
ل، 􀑧 ري المفضّ 􀑧 عت عط 􀑧 ي . وض 􀑧 ة عنق 􀑧 ذوق ربط 􀑧 رت ب 􀑧 ل . اخت 􀑧 دنا المحتم 􀑧 ل لموع 􀑧 دلتي الأجم 􀑧 ت ب 􀑧 ين، لبس 􀑧 صباح الاثن
واتجهت نحو قاعة المعرض نحو الساعة العاشرة.
اعة، 􀑧 ك الس 􀑧 ل تل 􀑧 أتي قب 􀑧 ل أن ت 􀑧 آان أمامي متَّسع من الوقت لأشرب قهوتي الصباحية في مقهى مجاور. فلم يكن يعق
وحتى القاعة نفسها لم تكن تفتح أبوابها قبل العاشرة.
اك 􀑧 ن هن 􀑧 م يك 􀑧 ة . ل 􀑧 ن الكآب 􀑧 ة م 􀑧 حنة غامض 􀑧 عندما دخلت القاعة، آنت أول من يطأها في ذلك الصباح. آان في الجو ش
من أضواء موجهة نحو اللوحات، ولا أيّ ضوء آهربائي يضيء السقف.
ألقيت نظرة خاطفة على الجدران.
.« رتوش » ها هي لوحاتي تستيقظ آامرأة، بتلك الحقيقة الصباحية العارية دون زينة ولا مساحيق ولا
هاهي امرأة تتثاءب على الجدران بعد أمسية صاخبة.
أتفقدها وآأنني أتفقدك. « حنين » اتجهت نحو لوحتي الصغيرة
.«؟ صباح الخير قسنطينة.. آيف أنت يا جسري المعلق.. يا حزني المعلّق منذ ربع قرن »
ردّت عليّ اللوحة بصمتها المعتاد، ولكن بغمزة صغيرة هذه المرّة.
41
فابتسمت لها بتواطؤ.
«! البلدي يفهم من غمزة » إننا نفهم بعضنا أنا وهذه اللوحة
وآانت لوحة بلديّة مكابرة مثل صاحبها، عريقة مثله، تفهم بنصف غمزة!
ك 􀑧 رّغ ل 􀑧 ت، والتف 􀑧 رحت بعدها أتلهّى ببعض المشاغل التي آانت مؤجّلة منذ البارحة. طريقة مثل أخرى لكسب الوق
فيما بعد. وآان صوت داخليّ يلاحقني أثناء ذلك، ليذآرني أنك ستأتين، ويمنعني من الترآيز على أي شيء.
ستأتي..
ستأتي.. ردّد الصوت ساعة وساعتين وأآثر.. ومرّ صبح ومرّ مساء ولم تأتِ.
حاولت أن أنشغل بلقاءات وتفاصيل يومية آثيرة، حاولت أن أنسى أنني هنا لانتظارك..
قابلت صحافياً وتحدثت لآخر دون أن تفارق عيناي الباب. آنت أترقّبك في آل خطوة..
وآلما تقدّم الوقت زاد يأسي.
وفجأة فتح الباب ليدخل منه.. سي الشريف!
ت 􀑧 ك .. فرأي 􀑧 أردت أن أرى أخت » ا􀑧 ول مطلعه 􀑧 ية يق 􀑧 ة فرنس 􀑧 ذآَّرت أغني 􀑧 تي . ت 􀑧 ه دهش 􀑧 نهضت إليه مسلّماً وأنا أخفي عن
.«.. أمّك آالعادة
- ع السلامة يا سيدي.. عاش من شافك!
ه 􀑧 لّم علي 􀑧 ا أس 􀑧 عادة وأن 􀑧 عرت بس 􀑧 دث أن ش 􀑧 م يح 􀑧 ه ل 􀑧 ي أن 􀑧 قالها وهو يحتضنني ويسلّم عليّ بحرارة. وأعترف برغم خيبت
مثل تلك المرة.
وقبل أن أسأله عن أخباره قال وهو يقدّم لي ذلك الصديق المشترك الذي آان يرافقه:
- شفت شكون جبتلك معايَ؟
صحت وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى:
- أهلاً سي مصطفى واش راك.. واش هاذ الطلة..
قال بمودة وهو يحتضنني بدوره:
- واش آسيدي.. لو آان ما نجيوآش ما نشوفوآش وإلا آيفاش؟
ه 􀑧 ي تكريم 􀑧 ه ف 􀑧 ي مبالغت 􀑧 ه وف 􀑧 ريف ل 􀑧 ي الش 􀑧 ة س 􀑧 رحت أجامله. وأسأله بدوي عن أخباره وإن آنت أدري أنّ في مرافق
دليلاً على أنه مرشح لمنصب وزاري ما آما تقول الإشاعات.
عاتبني سي الشريف بودّ أحسسته صادقاً:
نتين 􀑧 ذ س 􀑧 ا من 􀑧 ا هن 􀑧 دة؟ . أن 􀑧 رّة واح 􀑧 ارتي م 􀑧 ي زي 􀑧 ر ف 􀑧 اً دون أن تفكّ 􀑧 ة مع 􀑧 ذه المدين 􀑧 كن ه 􀑧 ل أن نس 􀑧 ي .. أيعق 􀑧 ا أخ 􀑧 - ي
وعنواني معروف عندك.
تدخّل سي مصطفى ليضيف بتلميح سياسي بين المزاح والجد:
- واش راك مقاطعنا.. وإلا آيفاش هاذا الغيبة..؟
أجبته بصدق:
42
ة 􀑧 ي الحقيق 􀑧 ود.. ف 􀑧 ذا ويع 􀑧 ياءه هك 􀑧 ع أش 􀑧 ة أن يجم 􀑧 كنته الغرب 􀑧 خص س 􀑧 ى ش 􀑧 هل عل 􀑧 ن الس 􀑧 يس م 􀑧 ن ل 􀑧 داً.. ولك 􀑧 - لا أب
وقد أصبحت لي أآثر من عادة سيئة هنا.. « المنفى عادة سيّئة يتخذها الإنسان »
ضحكنا.. وتشعّب بنا الحديث في مواضيع أخرى تطرقنا إليها عبوراً ومجاملة فقط..
ي 􀑧 ارة س 􀑧 رّ زي 􀑧 م س 􀑧 رض . لأفه 􀑧 اهدة المع 􀑧 ة لمش 􀑧 ان بجول 􀑧 وآان لا بد أن يتوقّفا بعد ذلك أمام إحدى اللوحات وهما يقوم
مصطفى لمعرضي، والتي تعود لكونه يريد أن يشتري لوحة أو لوحتين منّي. قال:
ى 􀑧 ر حتَّ 􀑧 ت أذآ 􀑧 ونس؟ مازل 􀑧 ي ت 􀑧 اً ف 􀑧 - أريد أن أحتفظ منك بشيء للذآرى ..ألا تذآر أنَّك بدأت الرسم يوم آنّا مع
لوحاتك الأولى.. لقد آنت أول من أريته لوحاتك وقتها.. هل نسيت؟
لا لم أنسَ.. وآم آنت أتمنى لحظتها لو أستطيع ذلك. شعرت بشيء من الإحراج وهو يستدرجني لتلك الفترة..
ل 􀑧 آان سي مصطفى صديقاً مشترآاً لي ولسي الشريف منذ أيام التحرير. فقد آان ضمن المجموعة التي آانت تعم
هر 􀑧 تحت قيادة سي الطاهر. بل، وآان واحداً من الجرحى الذين نقلوا معي للعلاج إلى تونس، حيث قضى ثلاثة أش
في المستشفى عاد بعدها إلى الجبهة، ليبقى حتى الاستقلال في صفوف جيش التحرير، ويعود برتبة رائد.
دريجياً 􀑧 ى ت 􀑧 م تلاش 􀑧 رين . ث 􀑧 اً وودّ اً آبي 􀑧 ه احترام 􀑧 نُّ ل 􀑧 ي أآ 􀑧 ي الماض 􀑧 ت ف 􀑧 ة . وآن 􀑧 آان يومها بشهامة وأخلاق نضالية عالي
ك 􀑧 ى تل 􀑧 بقوه إل 􀑧 ن س 􀑧 ل م 􀑧 ه مث 􀑧 ة، مثل 􀑧 ن عمل 􀑧 ر م 􀑧 ة وأآث 􀑧 ن طريق 􀑧 أآثر م 􀑧 ر ب 􀑧 يده الآخ 􀑧 تلأ رص 􀑧 ا ام 􀑧 دي.. آلم 􀑧 يده عن 􀑧 رص
المناصب الحلوب التي تناوب عليها البعض بتقسيم مدروس للوليمة..
غيرة 􀑧 يل ص 􀑧 ا تفاص 􀑧 ان بينن 􀑧 املتين .. وآ 􀑧 ولكن آان أمره هو بالذات يعنيني ويحزنني. فقد آان رفيق سلاحي لسنتين آ
جمعتنا في الماضي ولا يمكن للذاآرة رغم آلّ شيء أن تتجاهلها.
ه 􀑧 فى ثياب 􀑧 لعلّ أآثر تلك التفاصيل تأثيراً، تلك المصادفة التي جعلت الممرِّضة في تونس تعطيني وأنا أغادر المستش
التي وصل بها، والتي جف عليها دمه منذ عدّة أيّام.
دها 􀑧 ا لأعي 􀑧 ت به 􀑧 ي احتفظ 􀑧 ا. والت 􀑧 دم عليه 􀑧 ع ال 􀑧 ار بق 􀑧 آان في جيب سترته يومها بطاقة تعريفه التي تكاد لا تقرأ، من آث
أل 􀑧 ا دون أن يس 􀑧 وزتي، وربم 􀑧 ي ح 􀑧 ت ف 􀑧 ا آان 􀑧 ى أنه 􀑧 دري حت 􀑧 ة دون أن ي 􀑧 ى الجبه 􀑧 ك إل 􀑧 إليه فيما بعد.. ولكنه عاد بعد ذل
عنها. فقد آان ذاهباً إلى مكان لا يحتاج فيه إلى بطاقة تعريف.
سنة 1973 عثرت مصادفة على تلك البطاقة ضمن أوراقي القديمة. وآنت آنذاك أجمع أشيائي استعداداً للرحيل..
د 􀑧 ت أري 􀑧 تردّدت بين أن أحتفظ بها أو أعيدها إليه، فقد آنت أدري أنَّ تلك الهوية لم تعد في الواقع هويته. ولكنني آن
أن أواجهه بالذاآرة.. دون أيّ تعليق.
ى 􀑧 د إل 􀑧 وربما آنت أريد آذلك وأنا على أبواب المنفى أن أنهي علاقاتي بتلك البطاقة التي رافقتني منذ 1975 من بل
آخر، وآأنني أنهي علاقاتي بالوطن، وأضعه أخيراً هو وأشياءه خارج الذاآرة..
نة . 􀑧 رة س 􀑧 ت عش 􀑧 د س 􀑧 ه، بع 􀑧 عها أمام 􀑧 ة وأض 􀑧 ك البطاق 􀑧 ترتي تل 􀑧 ب س 􀑧 ن جي 􀑧 رج م 􀑧 ا أخ 􀑧 طفى وأن 􀑧 ي مص 􀑧 ش س 􀑧 ا ده 􀑧 يومه
أهو الذي ارتبك لحظتها.. أم أنا؟
رى، أو أيّ 􀑧 ي الأخ 􀑧 ا ذراع 􀑧 ي، ربم 􀑧 يئاً منّ 􀑧 دري؛ ش 􀑧 شعرت فجأة وأنا أنفصل عنها أنني أعطيته شيئاً آان ملتصقاً بص
شيء آان لي..
43
آان أنا!
ذاآرة 􀑧 أة لل 􀑧 اً، مكاف 􀑧 ولكنني وجدت آنذاك في فرحته عزائي.. وفي احتضانه لي بذلك العنفوان الأول الذي جمعنا يوم
ووهماً ما بإمكانية إيقاظ ذلك الرجل الآخر داخله.
اً 􀑧 ت يوم 􀑧 ف راهن 􀑧 فكي ..« ر􀑧 الآخ » ل􀑧 ه الرج 􀑧 ات في 􀑧 د م 􀑧 ه . لق 􀑧 ي وأتأمل 􀑧 ة ل 􀑧 ل لوح 􀑧 نو ات، يتأم 􀑧 د س 􀑧 ها هو سي مصطفى بع
عليه؟
في هذه اللحظة، لا شيء يعنيه سوى امتلاك لوحة لي؛ وربما آان مستعداً أن يدفع أيّ ثمن مقابلها. فمن المعروف
اعت 􀑧 ذين ش 􀑧 دد ال 􀑧 ريين الج 􀑧 اء الج زائ 􀑧 يين والأثري 􀑧 ض السياس 􀑧 ل بع 􀑧 ه مث 􀑧 الات، مثل 􀑧 عنه أنه لا يحسب آثيراً في هذه الح
اً.. 􀑧 يّ أيض 􀑧 ب الفن 􀑧 دة للنه 􀑧 ة جدي 􀑧 ا بعقلي 􀑧 الفنّ، وإنم 􀑧 اً ب 􀑧 ا غالب 􀑧 ة له 􀑧 باب لا علاق 􀑧 وسطهم عدوى اقتناء اللوحات الفنية، لأس
وبهاجس الانتساب للنخبة.
وربما آان أآثر سخاءً معي أنا بالذات، للأسباب نفسها التي تجعلني اليوم أآثر رفضاً له.
و 􀑧 ة .. ول 􀑧 الألوان المائي 􀑧 دم ب 􀑧 اوى ال 􀑧 ل يتس 􀑧 ا.. فه 􀑧 اخر به 􀑧 لقد قرّر أن يستبدل بتلك البطاقة المهترئة، لوحة (أآواريل) يف
بعد ربع قرن!
دأ 􀑧 ك المب 􀑧 ن ذل 􀑧 ازل ع 􀑧 سعدت بعدها وأنا أتخلص منه ومن سي الشريف دون أن يأخذا على خاطرهما.. ودون أن أتن
ي لا 􀑧 ية الت 􀑧 الذي حدث أن جعت بسببه. فلا يمكن لي أن آآل من الخبز الملوّث. هناك من يولدون هكذا بهذه الحساس
شفاء منها تجاه آلّ ما هو قذر!
آنت في الواقع على عجل. أريد أن أنتهي منهما بسرعة.. خشية أن تأتي في تلك اللحظة ويكونا هناك.
اجس 􀑧 ين ه 􀑧 نوات .. وب 􀑧 ك الس 􀑧 لّ تل 􀑧 د آ 􀑧 طفى بع 􀑧 ي مص 􀑧 ا س 􀑧 تدرجتني إليه 􀑧 ي اس 􀑧 يس الت 􀑧 ين الأحاس 􀑧 راً ب 􀑧 اً ومبعث 􀑧 ت قلق 􀑧 وآن
قدومك، الذي أرهقني انتظاره منذ أيام.. ولكنك لم تأتي.. لا أثناء ذلك ولا بعده.
من أين هجمت عليّ آلّ تلك الكآبة بعد ذلك؟
وق 􀑧 ة الش 􀑧 ى أجنح 􀑧 ا، عل 􀑧 ى هن 􀑧 اني إل 􀑧 د حملت 􀑧 ا ق 􀑧 دما آانت 􀑧 ت، بع 􀑧 ى البي 􀑧 ة، إل 􀑧 ة، محبط 􀑧 ى مثقل 􀑧 ودانني بخط 􀑧 دميّ تق 􀑧 وإذا بق
الجارف.
ماذا لو لم أرك مرّة أخرى.. لو انتهى ذلك المعرض ولم تعودي؟.
ماذا لو آان حديثك عن زيارتك المحتملة مجرد مجاملة، أخذتها أنا مأخذ الجد؟
آيف يمكن لي وقتها أن أطارد نجمك المذنّب الهارب؟
ت 􀑧 د آن 􀑧 ي . فق 􀑧 ي نفس 􀑧 ل ف 􀑧 وحدها تلك البطاقة التي أعطاني إيّاها سي الشريف وهو يودّعني آانت تبعث شيئاً من الأم
ب 􀑧 نّ الح 􀑧 ك . ولك 􀑧 ي ب 􀑧 د يجمعن 􀑧 اتفي ق 􀑧 رر ه 􀑧 ط لمب 􀑧 ا أخط 􀑧 ت وأن 􀑧 ك، فنم 􀑧 لني إلي 􀑧 ي توص 􀑧 رية الت 􀑧 أعرف أخيراً الأرقام الس
ي 􀑧 س ف 􀑧 ة وأجل 􀑧 ل القاع 􀑧 الي أدخ 􀑧 وم الت 􀑧 ي الي 􀑧 دت ف 􀑧 ا آ 􀑧 ذا م 􀑧 د اً.. ول 􀑧 ه موع 􀑧 ذ ل 􀑧 عندما يأتي لا يبحث له عن مبرر، ولا يأخ
الصالون لأطالع جريدتي، حتى رأيتك تدخلين.
آنت تتقدمين نحوي، وآان الزمن يتوقف انبهاراً بك.
وآان الحبّ الذي تجاهلني آثيراً قبل ذلك اليوم.. قد قرر أخيراً أن يهبني أآثر قصصه جنوناً..
44
الفصل الثالث
التقينا إذن..
قالت:
- مرحباً.. آسفة، أتيت متأخرة عن موعدنا يوم..
قلت:
- لا تأسفي.. قد جئت متأخرة عن العمر بعمر.
قالت:
- آم يلزمني إذن لتغفر لي؟
قلت:
- ما يعادل ذلك العمر من عمر!
وجلس الياسمين مقابلاً لي.
يا ياسمينة تفتحت على عجل.. عطراً أقلّ حبيبتي.. عطراً أقل!
لم أآن أعرف أنّ للذاآرة عطراً أيضاً.. هو عطر الوطن.
مرتبكاً جلس الوطن وقال بخجل:
- عندك آأس ماء.. يعيشك؟
وتفجرت قسنطينة ينابيع داخلي.
ارتوي من ذاآرتي سيدتي ..فكلّ هذا الحنين لكِ.. ودعي لي مكاناً هنا مقابلاً لكِ..
أحتسيك آما تُحتسى، على مهل، قهوة قسنطينية.
أمام فنجان قهوة.. وزجاجة آوآا جلسنا. لم يكن لنا الظمأ نفسه.. ولكن آانت لنا الرغبة نفسها في الحديث.
قالت معتذرة:
لت 􀑧 - أنا لم أحضر البارحة، لأنني سمعت عمّي يتحدث لشخص على الهاتف ويتفق معه على زيارتك، ففضّ
أن أؤجّل زيارتي لك إلى اليوم حتى لا ألتقي بهما..
أجبتك وأنا أتأملك بسعادة من يرى نجمه الهارب أخيراً أمامه:
- خفت ألا تأتي أبداً..
ثم أضفت:
- أمّا الآن فيسعدني أنني انتظرتك يوماً آخر، إنّ الأشياء التي نريدها تأتي متأخرة دائماً!
تراني قلت وقتها أآثر مما يجب قوله؟
ارة 􀑧 مت، أو إث 􀑧 ر الص 􀑧 دين آس 􀑧 ك تري 􀑧 تِ وآأن 􀑧 دما قُل 􀑧 راف الأول.. عن 􀑧 اك الاعت 􀑧 ا وارتب 􀑧 مت بينن 􀑧 ن الص 􀑧 يء م 􀑧 اد ش 􀑧 س
فضولي:
45
- أتدري أنني أعرف الكثير عنك؟
قلت سعيداً ومتعجباً:
- وماذا تعرفين مثلاً؟
أجابت بطريقة أستاذ يريد أن يحير تلميذه:
- أشياء آثيرة قد تكون نسيتها أنت..
قلت لك بمسحة حزن:
- لا أعتقد أن أآون نسيت شيئاً. مشكلتي في الواقع أنني لا أنسى!
أجبتني بصوت بريء، وباعتراف لم أعِ ساعتها آلّ عواقبه القادمة عليّ:
دي 􀑧 ة ي 􀑧 ي حقيب 􀑧 رو ف 􀑧 ة الميت 􀑧 يت بطاق 􀑧 - أمّا أنا فمشكلتي أنني أنسى.. أنسى آل شيء.. تصوّر.. البارحة مثلاً نس
ي 􀑧 تح ل 􀑧 د ليف 􀑧 ر أح 􀑧 ل أن يحض 􀑧 اعتين قب 􀑧 رت س 􀑧 ت، وانتظ 􀑧 ل البي 􀑧 الأخرى. ومنذ أسبوع نسيت مفتاح البيت داخ
الباب.. إنها آارثة.
قلت ساخراً:
- شكراً إذن لأنك تذآرت موعدنا هذا!
أجبتِ باللهجة الساخرة نفسها:
زم 􀑧 ره أن أج 􀑧 يء .. أآ 􀑧 لّ ش 􀑧 ي آ 􀑧 ين ف 􀑧 ره اليق 􀑧 ي أآ 􀑧 م أنن 􀑧 دّ أن تعل 􀑧 ط .. لا ب 􀑧 - لم يكون موعداً.. آان احتمال موعد فق
بشيء أو ألتزم به.. الأشياء الأجمل، تولد احتمالاً.. وربّما تبقى آذلك.
سألتك:
- لماذا جئتِ إذن.؟
تأمّلتني.. وراحت عيناك تتسكعان في ملامح وجهي، وآأنهما تبحثان عن جواب لسؤال مفاجئ.. ثمّ قلت في نظرة
مثقلة بالوعود والإغراء..
- لأنك قد تكون يقيني المحتمل!
اك 􀑧 ي عين 􀑧 د ملأتن 􀑧 ت وق 􀑧 مَتك _ وقل 􀑧 ه سِ 􀑧 د أن 􀑧 ضحكتُ لهذه الجملة التي تحمل تناقضاً أنثوياً صارخاً_ لم أآن أعرف بع
غروراً وزهواً رجالياً:
- أمّا أنا فأآره الاحتمالات.. ولذا أجزم أنني سأآون يقينك.
قلتِ بإصرار أنثى على قول الكلمة الأخيرة:
- إنه افتراض.. محتمل آذلك!
وضحكنا آثيراً.
ف 􀑧 لاً ومواق 􀑧 ددت جم 􀑧 د أع 􀑧 آنت سعيداً وآأنني أضحك لأول مرة منذ سنوات. آنت أتوقع لنا بدايات أخرى، وآنت ق
آثيرة لمبادرتك في هذا اللقاء الأول. ولكن اعترف أنني لم أآن أتوقع لنا بداية آهذه.
فقد تلاشى آلّ ما أعددته ساعة قدومك.. وتبعثرت لغتي أمام لغتك التي لم أآن أدري من أين تأتين بها.
46
ي 􀑧 ة، دون أن تلغ 􀑧 اور الطفول 􀑧 آان في حضورك شيء من المرح والشاعرية معاً. آان هناك تلقائية وبساطة تكاد تج
دة . 􀑧 ة واح 􀑧 ي جلس 􀑧 رك، ف 􀑧 ر ي بعم 􀑧 اواة عم 􀑧 ى مس 􀑧 ة عل 􀑧 درة الخارق 􀑧 ذلك الحضور الأنثوي الدائم.. وآنت تملكين تلك الق
أني 􀑧 دم ا فاج 􀑧 ك، عن 􀑧 ريحاتك تل 􀑧 ع تص 􀑧 ت وق 􀑧 وآأن فتوّتك وحيويّتك قد انتقلتا إليّ عن طريق العدوى. آنت ما أزال تح
آلامك:
د 􀑧 ك الحش 􀑧 ع ذل 􀑧 وم م 􀑧 ك الي 􀑧 ي ذل 􀑧 مها ف 􀑧 د أن أتقاس 􀑧 - في الواقع.. آنت أريد أن أرى لوحاتك بتأنٍّ أآثر، لم أآن أري
من الناس.. عندما أحبّ شيئاً.. أفضل أن أنفرد به!
ل 􀑧 وم . وقب 􀑧 ك الي 􀑧 آانت هذه أجمل شهادة إعجاب يمكن أن تقولها زائرة لرسّام.. وأجمل ما يمكن أن تقوليه لي أنت ذل
أن أذهب بعيداً في فرحتي أو أشكرك أضفتِ:
ذ آر 􀑧 دما ت 􀑧 ك عن 􀑧 اً عن 􀑧 دثني أحيان 􀑧 دتي تح 􀑧 ت ج 􀑧 د آان 􀑧 د . لق 􀑧 ن بعي 􀑧 - ما عدا هذا.. آنت أود أن أتعرَّف عليك منذ زم
أبي. يبدو أنها آانت تحبك آثيراً..
سألتكِ بلهفة:
- وآيف هي (أمّا الزهرة)؟ إنني لم أرها منذ زمان.
قلتِ بمسحة حزن:
ى 􀑧 ا إل 􀑧 ت أن 􀑧 مة . وجئ 􀑧 ي العاص 􀑧 ر ف 􀑧 ي ناص 􀑧 - لقد توفيت من أربع سنوات، وبعد وفاتها انتقلت أمي لتعيش مع أخ
باريس لمتابعة دراستي. لقد غيّر موتها حياتنا بعض الشيء ..فهي التي ربَّتنا في الواقع..
ن 􀑧 ا)، م 􀑧 ن (أمّ 􀑧 يء م 􀑧 ا ش 􀑧 ان فيه 􀑧 حاولت أن أنسى ذلك الخبر. آان موتها شوآة أخرى انغرست في قلبي يومها. فقد آ
ي 􀑧 يّة ف 􀑧 الفضّ « النفّة » عطرها السري، من طريقتها في تعصيب رأسها على جنب بالمحارم الحريرية، وإخفاء علبة
ي 􀑧 ك ف 􀑧 ي تعطي 􀑧 ات الت 􀑧 ك الكلم 􀑧 دنا، تل 􀑧 ات عن 􀑧 ا الأمه 􀑧 يض به 􀑧 صدرها الممتلئ. وآانت لها تلك الحرارة التلقائية التي تف
جملة واحدة ما يكفيك من الحنان لعمر بأآمله.
ولكن الوقت لم يكن للحزن. آنتِ معي أخيراً، وآان على الزمن أن يكون للفرح فقط.
قلتُ لك:
- رحمها الله.. لقد آنت أنا أيضاً أحبّها آثيراً..
أين 􀑧 ن مهي 􀑧 م نك 􀑧 رة ل 􀑧 تراك أردت عندئذ، أن تضعي نهاية لموجة الحزن التي فاجأتني. خشية أن تجرفنا معاً نحو ذاآ
بعد لتصفحها.
أم فقط آنت تريدين أن تطبّقي برنامج زيارتك عندما نهضت فجأة وقلتِ:
- أيمكنني أن ألقي نظرة على لوحاتك؟
وقفت لمرافقتك.
رحت أشرح لك بعضها والمناسبات التي رسمتها فيها عندما قلتِ وأنت تنقلين فجأة عينيك من اللوحات إليّ:
47
مت 􀑧 - أتدري أنني أحب طريقتك في الرسم؟. أنا لا أقول لك هذا مجاملة، ولكن أعتقد أنني لو آنت أرسم لرس
اج 􀑧 اه إنت 􀑧 ذا تج 􀑧 ت به 􀑧 ا أحسس 􀑧 لّ م 􀑧 د.. وق 􀑧 اس واح 􀑧 ياء بإحس 􀑧 رى الأش 􀑧 ين ن 􀑧 ن الاثن 􀑧 ا نح 􀑧 عر أنن 􀑧 ك.. أش 􀑧 ذا مثل 􀑧 هك
جزائري.
ا 􀑧 ان آانت 􀑧 وء، واللت 􀑧 ت الض 􀑧 ر تح 􀑧 ون آخ 􀑧 أة ل 􀑧 ا فج 􀑧 بح لهم 􀑧 ان أص 􀑧 اك اللت 􀑧 رى عين 􀑧 ا؟. أت 􀑧 ر لحظته 􀑧 ي الأآث 􀑧 ذي أربكن 􀑧 ا ال 􀑧 م
اطفي 􀑧 ريح ع 􀑧 ه تص 􀑧 عرت أن 􀑧 ذي ش 􀑧 ك وال 􀑧 ل ذل 􀑧 ه قب 􀑧 ا قلت 􀑧 تتأملان فجأة ملامحي وآأنهما تتأملان لوحة أخرى لي.. أم م
د اً 􀑧 ذ بع 􀑧 ية تأخ 􀑧 ا بالفرنس 􀑧 إنه .« نحن الاثنين » وليس انطباعاً فنياً؛ أو هكذا تمنَّيت أو خيّل لي. توقف سمعي عند آلمة
Nous) ا􀑧 ي فرنس 􀑧 ين ف 􀑧 ن رومنطيقي 􀑧 ى م 􀑧 ن تبق 􀑧 در لم 􀑧 ة تص 􀑧 ة عاطفي 􀑧 وان لمجل 􀑧 ا عن 􀑧 موسيقياً عاطفياً فريداً.. حتى إنه
.(deux
أخفيت ارتباآي بسؤال ساذج:
- وهل ترسمين؟
قلتِ:
- لا أنا أآتب.
- وماذا تكتبين؟
- أآتب قصصاً وروايات؟!
- قصصاً وروايات!...
ردّدتها وآأنني لا أصدق ما أسمع.. فقلتِ وآأنكِ شعرت بإهانة من مسحة العجب أو الشك في صوتي:
- لقد صدرت لي أول رواية منذ سنتين..
سألتك وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى:
- وبأي لغة تكتبين؟
قلتِ:
- بالعربية..
- بالعربية؟!
استفزتك دهشتي، وربما أسأت فهمها حين قلتِ:
ة 􀑧 ب باللغ 􀑧 ن نكت 􀑧 ا.. نح 􀑧 ب إلا به 􀑧 ن أن أآت 􀑧 - آان يمكن أن أآتب بالفرنسية، ولكن العربية هي لغة قلبي.. ولا يمك
التي نحسّ بها الأشياء.
- ولكنك لا تتحدثين بغير الفرنسية..
- إنها العادة..
قلتِها ثم واصلت تأمل اللوحات قبل أن تضيفي:
- المهم.. اللغة التي نتحدث بها لأنفسنا وليست تلك التي نتحدث بها للآخرين!
رحت أتأملك مدهوشاً، وأنا أحاول أن أضع شيئاً من الترتيب في أفكاري..
48
ي 􀑧 أيمكن أن تجتمع آلّ هذه المصادفات، في مصادفة واحدة؟ وآلّ هذه الأشياء التي آانت قناعاتي الثابتة ..وأحلام
اء 􀑧 وَّرت لق 􀑧 و تص 􀑧 ر؟ ل 􀑧 اهر لا غي 􀑧 ي الط 􀑧 ة س 􀑧 ت .. ابن 􀑧 ي أن 􀑧 رأة ه 􀑧 ذه الم 􀑧 الوطنية الأولى، في امرأة واحدة.. وأن تكون ه
ا 􀑧 اطع طرقن 􀑧 ب، أن تتق 􀑧 در عجي 􀑧 ه ق 􀑧 ادفة، إن 􀑧 ن مص 􀑧 ر م 􀑧 مدهشاً في حياتي، لما تصورت أآثر إدهاشاً من هذا .إنها أآث
على هذا النحو، بعد ربع قرن.
أعادني صوتك إلى الواقع وأنت تتوقفين عند إحدى اللوحات :
- أنت قلّ ما ترسم وجوهاً، أليس آذلك؟
وقبل أن أجيبك قلتُ:
- اسمعي.. لن نتحدث إلى بعض إلا بالعربية.. سأغير عاداتك بعد اليوم..
سألتني بالعربية:
- هل ستقدر؟
أجبتك:
- سأقدر... لأنني سأغير أيضاً عاداتي معك..
أجبتني عندئذ بفرح سري لامرأة اآتشفت فيما بعد أنها تحب الأوامر:
- سأطيعك.. فأنا أحب هذه اللغة.. وأحب إصرارك. ذآِّرني فقط لو حدث ونسيت.
قلتُ:
- لن أذآرك.. لأنك لن تنسي ذلك!
ر 􀑧 اً آخ 􀑧 قية، طرف 􀑧 لة عش 􀑧 ن ص 􀑧 ر م 􀑧 وآنت أرتكب لحظتها أجمل الحماقات. وأنا أجعل تلك اللغة التي آان لي معها أآث
في قصّتنا المعقّدة..
عدت لأسألك بالعربية:
- عمّ آنت تتحدثين منذ قليل؟
قلتِ:
- آنت أعجب ألا يوجد في معرضك سوى هذه اللوحة التي تمثِّل وجهاً نسائياً.. ألا ترسم وجوهاً؟
قلت:
ه، 􀑧 ان وتجربت 􀑧 ر الفن 􀑧 دم عم 􀑧 ا تق 􀑧 م، آلم 􀑧 - آنت في فترة أرسم وجوهاً ثم انتقلت إلى موضوعات أخرى. في الرس
ضاقت به المساحات الصغيرة وبحث عن طرق أخرى للتعبير.
اً 􀑧 عره ا.. طرف 􀑧 اوج ش 􀑧 ا.. تم 􀑧 - في الحقيقة أنا لا أرسم الوجوه التي أحبها حقاً.. أرسم فقط شيئاً يوحي بها.. طلّته
ؤدي 􀑧 ي ت 􀑧 ك الت 􀑧 ا. تل 􀑧 دم ا نفارقه 􀑧 ذاآرة بع 􀑧 ي ال 􀑧 ق ف 􀑧 ي تعل 􀑧 يل الت 􀑧 ك التفاص 􀑧 من ثوب امرأة.. أو قطعة من حليّها. تل
د 􀑧 ويره توج 􀑧 ة تص 􀑧 ع.. إنّ آل 􀑧 ارد الواق 􀑧 اً يط 􀑧 وراً فوتوغرافي 􀑧 يس مص 􀑧 ام ل 􀑧 اً.. فالرس 􀑧 حها تمام 􀑧 ا دون أن تفض 􀑧 إليه
داخله، مخفية في مكان يجهله هو نفسه، ولهذا هو لا يرسم بعينيه، وإنما بذاآرته وخياله.. وبأشياء أخرى.
49
ر 􀑧 فتيها غي 􀑧 رة ش 􀑧 وى حم 􀑧 قلتِ وعيناك تنظران لامرأة يطغى شقار شعرها على اللوحة ولا يترك مجالاً للون آخر س
البريئتين:
- وهذه المرأة إذن.. لماذا رسمت لها لوحة واقعية إلى هذا الحدّ؟
ضحكت وقلت:
- هذه امرأة لا ترسم إلا بواقعية..
؟« اعتذار » - ولماذا أسميت لوحتها
- لأنني رسمتها اعتذاراً لصاحبتها..
قلتِ فجأة بلهجة فرنسية وآأن غضبك أو غيرتك السرّيّة قد ألغت اتفاقنا السابق:
- أتمنى أن يكون قد أقنعها هذا الاعتذار.. فاللوحة جميلة حقاً.
ثم أضفتِ بشيء من الفضول النسائي:
- ولكن هذا يعود إلى نوع الذنب الذي اقترفته في حقها!
ة 􀑧 ك القص 􀑧 ون لتل 􀑧 اف أن يك 􀑧 ت أخ 􀑧 ا الأول . آن 􀑧 ي لقائن 􀑧 ة، ف 􀑧 ك اللوح 􀑧 لم أآن أشعر بأيّة رغبة في أن أقصّ عليك قصة تل
ن 􀑧 تأثير سلبي على علاقتنا، أو على نظرتك لي. فحاولت أن أتهرب من تعليقك الذي يستدرجني بحيلة إلى مزيد م
التوضيح، وأتجاهل عنادك في الوقوف طويلاً أمام تلك اللوحة بالذات.
ولكن.. هل يمكن أن تقاوم فضول أنثى تصرّ على معرفة شيء؟
أجبتك:
ذ ا 􀑧 ا له 􀑧 ا ربّم 􀑧 ي هن 􀑧 ة، وه 􀑧 بي القديم 􀑧 دي ورواس 􀑧 ن عق 􀑧 ب م 􀑧 ن جان 􀑧 ف ع 􀑧 ا، تكش 􀑧 يئاً م 􀑧 ة ش 􀑧 - لهذه اللوحة قصة طريف
السبب.
ين 􀑧 ين الح 􀑧 ل ب 􀑧 ا أفع 􀑧 رة، آم 􀑧 رت م 􀑧 دما حض 􀑧 وم، بع 􀑧 متها ذات ي 􀑧 ي رس 􀑧 ة الت 􀑧 ك اللوح 􀑧 ة تل 􀑧 رة قص 􀑧 صّ لأول م 􀑧 ت أق 􀑧 ورح
ا 􀑧 اتذة، آم 􀑧 دقائي الأس 􀑧 ض أص 􀑧 اك بع 􀑧 دعوني هن 􀑧 ث ي 􀑧 ة، حي 􀑧 ون الجميل 􀑧 ة الفن 􀑧 ي مدرس 􀑧 م ف 􀑧 ات الرس 􀑧 دى جلس 􀑧 ر، إح 􀑧 والآخ
يفعلون عادة مع بعض الرسَّامين، لألتقي بالطلبة والرسامين الهواة.
ن 􀑧 د م 􀑧 ك الجس 􀑧 م ذل 􀑧 رغين لرس 􀑧 ة متف 􀑧 ع الطلب 􀑧 ان جمي 􀑧 ا آ 􀑧 ا رٍ .وبينم 􀑧 ائي ع 􀑧 آان الموضوع ذلك اليوم هو رسم موديل نس
ة لا 􀑧 رة جمالي 􀑧 يّ، وبنظ 􀑧 اد جنس 􀑧 رأة بحي 􀑧 د ام 􀑧 م جس 􀑧 ى رس 􀑧 ؤلاء عل 􀑧 درة ه 􀑧 ي ق 􀑧 اً ف 􀑧 زواياه المختلفة، آنت أنا أفكِّر مدهوش
غير، وآأنهم يرسمون منظراً طبيعياً أو مزهرية على طاولة، أو تمثالاً في ساحة.
ت 􀑧 ذا تح 􀑧 ة هك 􀑧 رأة عاري 􀑧 رة، ام 􀑧 ت أرى، لأول م 􀑧 د آن 􀑧 ة . فق 􀑧 ك الجلس 􀑧 ي تل 􀑧 ك ف 􀑧 د المرتب 􀑧 ت الوحي 􀑧 ي آن 􀑧 ح، أنن 􀑧 ن الواض 􀑧 م
اء 􀑧 ة لإخف 􀑧 ي محاول 􀑧 ا ف 􀑧 ون؛ وربم 􀑧 رات العي 􀑧 ام عش 􀑧 رج أم 􀑧 ة، ودون ح 􀑧 دها بتلقائي 􀑧 رض جس 􀑧 اعها، تع 􀑧 الضوء تغير أوض
د، 􀑧 ك الجس 􀑧 م ذل 􀑧 ارتباآي رحت أرسم أيضاً. ولكن ريشتي التي تحمل رواسب عقد رجل من جيلي، رفضت أن ترس
ن 􀑧 دو م 􀑧 ا يب 􀑧 اة آم 􀑧 ك الفت 􀑧 ه تل 􀑧 وى وج 􀑧 ة س 􀑧 ي النهاي 􀑧 ن ف 􀑧 م يك 􀑧 ر، ل 􀑧 ياً آخ 􀑧 م ش 􀑧 ت ترس 􀑧 ل راح 􀑧 اء لا أدري .. ب 􀑧 لاً أو آبري 􀑧 خج
ة 􀑧 ت بجول 􀑧 ا، وقام 􀑧 ات ثيابه 􀑧 دى الطالب 􀑧 وى إح 􀑧 ن س 􀑧 زاويتي.. وعندما انتهت تلك الجلسة، وارتدت تلك الفتاة التي لم تك
ت 􀑧 ا. قال 􀑧 وى وجهه 􀑧 م س 􀑧 م أرس 􀑧 أنني ل 􀑧 وحتي، ب 􀑧 ام ل 􀑧 ف أم 􀑧 آما هي العادة لترى آيف رسمها آلّ واحد، فوجئت وهي تق
50
ام لاً: 􀑧 ت مج 􀑧 فقل « ؟ اه 􀑧 أهذا آلّ ما ألهمتك إيّ » : بلهجة فيها شيء من العتاب وآأنها ترى في تلك اللوحة إهانة لأنوثتها
ت أوَّل 􀑧 ه . أن 􀑧 اليز نفس 􀑧 ى ده 􀑧 د إل 􀑧 اء بع 􀑧 دخل الكهرب 􀑧 م ي 􀑧 ع ل 􀑧 ي لمجتم 􀑧 لا، لقد ألهمتني آثيراً من الدهشة، ولكني أنا أنتم »
ا 􀑧 بهني، إنه 􀑧 اتي تش 􀑧 ذريني . إن فرش 􀑧 م .. فاع 􀑧 رف الرس 􀑧 ل يحت 􀑧 امرأة أشاهدها عارية هكذا تحت الضوء، رغم أنني رج
.«! تكره أيضاً أن تتقاسم مع الآخرين امرأة عارية.. حتى في جلسة رسم
ي 􀑧 أة ش 􀑧 ك فج 􀑧 ي عيني 􀑧 ان ف 􀑧 دّتك . آ 􀑧 ه ج 􀑧 آنتِ تستمعين إليّ مدهوشة، وآأنك تكتشفين فيّ فجأة رجلاً آخر لم تحدثك عن
ا 􀑧 جديد، نظرة غامضة ما، شيء من الإغراء المتعمّد، ربما سببه غيرة نسائية من امرأة مجهولة، سرقت في يوم م
اهتمام رجل لم يكن حتى الآن مهماً بالنسبة إليك.
ذه 􀑧 اجئ، وه 􀑧 مت ا لمف 􀑧 ذا الص 􀑧 رة ه 􀑧 ك الغي 􀑧 ر في 􀑧 عيداً أن تثي 􀑧 ت س 􀑧 ده . آن 􀑧 م أتعم 􀑧 ذي ل 􀑧 رحتُ أتلذّذ بذلك الموقف العجيب ال
م 􀑧 ة .. ل 􀑧 ة القص 􀑧 ي ببقي 􀑧 ت لنفس 􀑧 وت . فاحتفظ 􀑧 ب مكب 􀑧 عان بغض 􀑧 ك تتّس 􀑧 ت عيني 􀑧 ك، وجعل 􀑧 ت وجنتي 􀑧 الحمرة الخفيفة التي عل
دها 􀑧 دم لجس 􀑧 د أن أق 􀑧 ا بع 􀑧 يّ فيم 􀑧 أخبرك أن هذه الحادثة تعود لسنتين، وأنَّ صاحبتها ليست سوى آاترين، وأنه آان عل
اعتذاراً آخر.. يبدو أنه آان مقنعاً لدرجة أنها لم تفارقني منذ ذلك الحين!
و 􀑧 ب ه 􀑧 أذآر اليوم بشيء من السخرية، ذلك المنعطف الذي أخذته علاقتنا فجأة بعدما حدّثتك عن تلك اللوحة.. عجي
ى 􀑧 وحتي الأول 􀑧 ك بل 􀑧 ي تربط 􀑧 رية الت 􀑧 ة الس 􀑧 ك العلاق 􀑧 في تل 􀑧 ت تكتش 􀑧 ي، وأن 􀑧 ي حب 􀑧 عالم النساء حقاً! آنت أتوقع أن تقعي ف
لوحة في عمرك وفي هويتك. وإذا بك تتعلقين بي بسبب لوحة أخرى لامرأة أخرى، تعبر الذاآرة خطأ! .« حنين »
انتهى موعدنا الأول عند الظهر.
ى 􀑧 ا عل 􀑧 ا آلين 􀑧 ا، وأنن 􀑧 يء م 􀑧 ة ش 􀑧 ي بداي 􀑧 ا ف 􀑧 عر أنن 􀑧 ت أش 􀑧 د اً. آن 􀑧 ا غ 􀑧 رى .. ربم 􀑧 آان عندي إحساس ما إنني سأراك مرة أخ
ديث 􀑧 ط بح 􀑧 عجل. آان هناك آثير من الأشياء التي لم نقلها بعد، بل إننا لم نقل شياً في النهاية. نحن أغرينا بعضنا فق
ت 􀑧 ألتني وأن 􀑧 دما س 􀑧 راً عن 􀑧 ب آثي 􀑧 م أتعج 􀑧 ذا ل 􀑧 اً، ول 􀑧 ه ا مع 􀑧 ة نفس 􀑧 ارس اللعب 􀑧 اء، نم 􀑧 ن ذآ 􀑧 ذاجة أو ع 􀑧 ن س 􀑧 ا، ع 􀑧 ل. آنّ 􀑧 محتم
تودّعينني:
- هل ستكون هنا غداً صباحاًً؟
قلت لك بسعادة من ربح الرهان:
- طبعاً.
قلتِ:
وم دون أن 􀑧 - سأعود إذن غداً في الوقت نفسه تقريباً، سيكون لنا متَّسع أآثر للحديث. لقد مرّ الوقت بسرعة الي
ننتبه لذلك..
ا 􀑧 رآض بن 􀑧 لم أعلّق على آلامك. آنت أدري أن لا مقياس للوقت سوى قلبينا. ولذا فالوقت لا يرآض بنا إلا عندما ي
ترك 􀑧 رح مش 􀑧 اً بف 􀑧 ك اعتراف 􀑧 ي آلام 􀑧 دت ف 􀑧 ذ ا وج 􀑧 رى .. ول 􀑧 ى أخ 􀑧 ة إل 􀑧 ن دهش 􀑧 القلب لاهثاً أيضاً من فرحة إلى أخرى، وم
سرّيّ.. توقعت أن يتكرَّر.
أذآر أنني قلت لك يومها وأنا أودِّعك عند باب القاعة:
- لا تنسي آتابك غداً.. أريد أن أقرأك.
51
قلتِ متعجبة:
- أتتقن العربية؟
قلتُ:
- طبعاً ..سترين ذلك بنفسك.
قلتِ:
- سأحضره إذن..
ثم أضفتِ بابتسامة لا تخلو من آيدٍ نسائي محبّب:
- مادمت تصرّ على معرفتي.. لن أحرمك من هذه المتعة!
وانغلق الباب خلف ابتسامتك تلك، دون أن أفهم ما آنت تعنيه بالتحديد.
ى 􀑧 دمجين بخط 􀑧 ك تن 􀑧 اجي، أتأمل 􀑧 اب الزج 􀑧 ك الب 􀑧 ة ذل 􀑧 د عتب 􀑧 ت عن 􀑧 ذهبت بالغموض الضبابي الذي جئت به.. نفسه. وبقي
المارة وتختفين مرة أخرى آنجمٍ هارب.. و أنا أتسال بشيء من الذهول.. ترانا التقينا حقاً؟!
***
التقينا إذن..
أخطأوا. ..« الجبال وحدها لا تلتقي » الذين قالوا
والذين بنوا بينها جسوراً، لتتصافح دون أن تنحني أو تتنازل عن شموخها.. لا يفهمون شيئاً في قوانين الطبيعة.
د . 􀑧 راب واح 􀑧 ى ت 􀑧 ول إل 􀑧 ا تتح 􀑧 افح، وإنم 􀑧 دما لا تتص 􀑧 رى، وعن 􀑧 الجبال لا تلتقي إلا في الزلازل و الهزات الأرضية الكب
التقينا إذن..
وحدثت الهزة الأرضية التي لم تك متوقّعة، فقد آان أحدنا برآاناً، وآنت أنا الضحية.
يا امرأة تحترف الحرائق. ويا جبلاً برآانياً جرف آلّ شيء في طريقه، وأحرق آخر ما تمسَّكت به.
من أين أتيت بكل تلك الأمواج المحرقة من النار؟ وآيف لم أحذر تربتك المحمومة، آشفتيْ عاشقة غجرية.
ا 􀑧 ا؛ إنه 􀑧 م له 􀑧 ة لا قم 􀑧 ال البرآاني 􀑧 الجب » : ة􀑧 ي الجغرافي 􀑧 آيف لم أحذر بساطتك وتواضعك الكاذب، وأتذآّر درساً قديماً ف
فهل يمكن للهضاب أن تفعل آلّ هذا؟ «.. جبال في تواضع هضبة
غير 􀑧 ود الص 􀑧 آلّ الأمثلة الشعبية تحذّرنا من ذلك النهر المسالم الذي يخدعنا هدوؤه فنعبره، وإذا به يبتلعنا. وذلك الع
الذي لا نحتاط له.. وإذا به يعمينا.
اب 􀑧 ن ارتك 􀑧 ا م 􀑧 ن تمنعن 􀑧 ذيراتها ل 􀑧 لّ تح 􀑧 ن آ 􀑧 ولك .« ه􀑧 ن مأمن 􀑧 ذر م 􀑧 ذ الح 􀑧 يؤخ » ة􀑧 ن لهج 􀑧 أآثر م 􀑧 ا ب 􀑧 ول لن 􀑧 أآثر من مثل يق
المزيد من الحماقات، فلا منطق للعشق خارج الحماقات والجنون. وآلما ازددنا عشقاً آبرت حماقاتنا.
«! تعرف أنك عاشق عندما تبدأ في التصرف ضد مصلحتك الشخصية » ( ألم يقل (برنارد شو
ا)، 􀑧 ان (إتن 􀑧 و برآ 􀑧 رآض نح 􀑧 رة، في 􀑧 قلّية لأول م 􀑧 زور ص 􀑧 ائح ي 􀑧 ل س 􀑧 ك مث 􀑧 رفت مع 􀑧 ي تص 􀑧 ى، أنن 􀑧 اتي الأول 􀑧 ت حماق 􀑧 وآان
ين 􀑧 واح المحمل 􀑧 ن الس 􀑧 رأى م 􀑧 ى م 􀑧 اراً، عل 􀑧 رة ن 􀑧 رق الجزي 􀑧 ه، ويغ 􀑧 ن نوم 􀑧 دة م 􀑧 ين واح 􀑧 ويصلِّي ليستيقظ البرآان النائم بع
بالآلات الفوتوغرافية.. والدهشة.
52
ران 􀑧 ن ني 􀑧 ه م 􀑧 ي جوف 􀑧 ا ف 􀑧 وتشهد جثث السواح التي تحولت إلى تراب أسود أنه لا أجمل من برآان يتثاءب، ويقذف م
وأحجار، ويبتلع المساحات الشاسعة في بضع لحظات.
ة، 􀑧 يول الناري 􀑧 ك الس 􀑧 دّه لتل 􀑧 ب، يش 􀑧 هوة الله 􀑧 بيه بش 􀑧 يء ش 􀑧 ا.. بش 􀑧 ية م 􀑧 ة مغناطيس 􀑧 اً بجاذبي 􀑧 اب دائم 􀑧 وأنّ المتفرج عليه يص
هد 􀑧 ه يش 􀑧 ق، أن 􀑧 ة عاش 􀑧 ى بحماق 􀑧 اعة، وينس 􀑧 ام الس 􀑧 ن قي 􀑧 رأه ع 􀑧 ا ق 􀑧 لّ م 􀑧 فيظل منبهراً أمامها. يحاول أن يتذآّر في ذهول آ
ساعتها ..قيام ساعته!
ل 􀑧 اك بري 􀑧 دَّقت ج 􀑧 ر . وص 􀑧 راق الأخي 􀑧 ى الاحت 􀑧 تهيك .. حت 􀑧 لاك؛ وأش 􀑧 ى اله 􀑧 ك حت 􀑧 ي أح ببت 􀑧 وم، أنن 􀑧 ولي الي 􀑧 دمار ح 􀑧 هد ال 􀑧 يش
ع 􀑧 ى ربي 􀑧 ت عل 􀑧 وراهن .« ه􀑧 ي أوج عطائ 􀑧 ان ف 􀑧 ك نيس 􀑧 ا لا يمنح 􀑧 ح م 􀑧 هناك أراض محروقة تمنحك من القم » : عندما قال
هذا العمر القاحل. ونيسان هذه السنوات العجاف.
وك 􀑧 ن أحب 􀑧 لّ م 􀑧 اق، وآ 􀑧 واح والعش 􀑧 ون الس 􀑧 ى جن 􀑧 د عل 􀑧 اً أن أز اي 􀑧 ن جنون 􀑧 م يك 􀑧 يء .. أل 􀑧 لّ ش 􀑧 ولي آ 􀑧 ن ح 􀑧 رف م 􀑧 يا برآاناً ج
قبلي.. فأنقل بيتي عند سفحك، وأضع ذاآرتي عند أقدام براآينك، وأجلس بعدها وسط الحرائق.. لأرسمك.
رف 􀑧 ي أع 􀑧 ي أنن 􀑧 ع نفس 􀑧 ة، وأقن 􀑧 وارث الطبيعي 􀑧 ة، والك 􀑧 اد الجوي 􀑧 رات الأرص 􀑧 تعانة بنش 􀑧 ألم يكن جنوناً.. أن أرفض الاس
المنطق 􀑧 ه ب 􀑧 ة ل 􀑧 ك لا علاق 􀑧 عنك أآثر مما يعرفون. نسيت وقتها أن المنطق ينتهي حيث يبدأ الحبّ، وأنّ ما أعرفه عن
ولا بالمعرفة.
التقت الجبال إذن.. والتقينا.
ربع قرن من الصفحات الفارغة البيضاء التي لم تمتلئ بك.
ربع قرن من الأيام المتشابهة التي أنفقتها في انتظارك.
ربع قرن على أوَّل لقاء بين رجل آان أنا، وطفلة تلعب على رآبتي آانت أنت.
ربع قرن على قبلة وضعتها على خدك الطفولي، نيابة عن والد لم يرك.
أنا الرجل المعطوب الذي ترك في المعارك المنسيّة ذراعه، وفي المجن المغلقة قلبه..
اء 􀑧 ة البيض 􀑧 ي .. واللوح 􀑧 ا ذاآرت 􀑧 أ نفق فيه 􀑧 ي س 􀑧 ة الت 􀑧 ي، والمدين 􀑧 لم أآن أتوقع أن تكوني المعرآة التي سأترك عليها جثّت
التي ستستقيل أمامها فرشاتي، لتبقى عذراء.. وجبّارة مثلك. تحمل في لونها آلّ الأضداد.
آيف حدث آلّ هذا؟ لم أعد أدري.
آان الزمن يرآض بنا من موعد إلى آخر، والحبّ ينقلنا من شهقة إلى أخرى، وآنت أستسلم لحبك دون جدل.
آان حبك قدري.. وربما آان حتفي، فهل من قوة تقف في وجه القدر؟
اءت 􀑧 د ش 􀑧 ار، فق 􀑧 ن النه 􀑧 ة م 􀑧 اعات مختلف 􀑧 ي س 􀑧 ها ف 􀑧 ة نفس 􀑧 ك القاع 􀑧 ي تل 􀑧 ي ف 􀑧 ا نلتق 􀑧 اً، آنّ 􀑧 وم تقريب 􀑧 ل ي 􀑧 رر آ 􀑧 ا يتك 􀑧 ان لقاؤن 􀑧 آ
م 􀑧 وم . فل 􀑧 لّ ي 􀑧 المصادفات أن يصادف معرضي عطلة الربيع المدرسية. وآنت تملكين ما يكفي من الوقت لزيارتي آ
يكن لك أيّ دوام جامعي.
بب أو 􀑧 ك لس 􀑧 ى لا ترافق 􀑧 ر، حت 􀑧 ك أآث 􀑧 ة عم 􀑧 ى ابن 􀑧 ا عل 􀑧 يء، وربم 􀑧 ض الش 􀑧 رين بع 􀑧 ى الآخ 􀑧 آان عليك فقط أن تتحايلي عل
لآخر.
53
لّ 􀑧 ترانا نرتكب أآبر الحماقات ويزداد تعلقنا ببعض آ :« إلى الغد » ، آنت أتساءل آل مرة وأنا أودعك مردداً تلقائياً
دارنا 􀑧 اذ وانح 􀑧 اطفي الش 􀑧 ع الع 􀑧 يوم .وربما لأنني آنت أآبرك سنّاً، آنت أشعر أنني تحمل وحدي مسؤولية ذلك الوض
السريع والمفجع نحو الحب.
ون 􀑧 ين، بجن 􀑧 ي الخمس 􀑧 بّ ف 􀑧 وة ح 􀑧 ك بق 􀑧 ي إلي 􀑧 ان يجرفن 􀑧 ذي آ 􀑧 لال ال 􀑧 ك الش 􀑧 ولكن عبثاً آنت أحاول الوقوف في طريق ذل
حبّ في الخمسين، بشهية رجل لم يعرف الحبّ قبل ذلك اليوم.
ق، 􀑧 ا العش 􀑧 س فيه 􀑧 اد يلام 􀑧 آان حبك يجرفني بشبابه وعنفوانه، وينحدر بي إلى أبعد نقطة في اللامنطق.. تلك التي يك
في آخر المطاف، الجنون أو الموت..
وآنت أشعر وأنا أنحدر معك إلى تلك المتاهات العميقة داخلي، إلى تلك الدهاليز السرية للحب والشهوة، وإلى تلك
ر دون أن أدري 􀑧 المساحة البعيدة الأغوار التي لم تطأها امرأة قبلك، أنني أنزل أيضاً سلّم القيم تدريجياً، وأنني أتنكَّ
لتلك المثل التي آمنت بها بتطرّف، ورفضت عمراً بأآمله أن أساوم عليها.
ة 􀑧 ية، وبقي 􀑧 لاق السياس 􀑧 ين الأخ 􀑧 رق ب 􀑧 ن ف 􀑧 ي م 􀑧 ي قاموس 􀑧 اك ف 􀑧 ن هن 􀑧 م يك 􀑧 زأ، ول 􀑧 ياً لا يتج 􀑧 ي ش 􀑧 بة ل 􀑧 يم بالنس 􀑧 ت الق 􀑧 د آان 􀑧 لق
الأخلاق.. وآنت أعي أنني، معك، بدأت أتنكَّر لواحدة لأقنعك بأخرى.
تساءلت آثيراً آنذاك..
تراني آنت أخون الماضي، وأنا أنفرد بك في جلسة شبه بريئة، في قاعة تؤثثها اللوحات والذاآرة؟
تراني أخون أعزّ مَنْ عرفت من رجال، وأآثرهم نخوة ومروءة، وأآثرهم شجاعة ووفاءً؟
دة .. 􀑧 ره الوحي 􀑧 رة عم 􀑧 تراني سأخون سي الطاهر قائدي ورفيقي وصديق عمر بأآمله. فأدنّس ذآراه وأسرق منه زه
ووصيّته الأخيرة؟
أيمكن أن أفعل آلّ ذلك باسم الماضي، وأنا أحدِّثك عن الماضي!
ولكن.. أآنت حقّاً أسرق منك شيئاً، في تلك الجلسات التي آنت أحدِّثك فيها طويلاً عنه؟.
ت 􀑧 ي الوق 􀑧 ك ف 􀑧 لني عن 􀑧 ك وتفص 􀑧 ي ب 􀑧 ت تربطن 􀑧 اً. آان 􀑧 ي دائم 􀑧 ي ذهن 􀑧 رة ف 􀑧 مه حاض 􀑧 ة اس 􀑧 لا.. لم يحدث هذا أبداً، آانت هيب
نفسه. آانت جسراً وحاجزاً في الوقت نفسه..
ك 􀑧 ا أمام 􀑧 فرّة، لأقرأه 􀑧 ي المص 􀑧 اتر الماض 􀑧 ك دف 􀑧 تح ل 􀑧 ي . أن أف 􀑧 اتيح ذاآرت 􀑧 ك مف 􀑧 ا، أن أودع 􀑧 دة وقته 􀑧 ي الوحي 􀑧 وآانت متعت
صفحة.. صفحة. وآأنني أآتشفها معك وأنا أستمع لنفسي، أقصها لأول مرة.
رة 􀑧 آنا نكتشف بصمت أننا نتكامل بطريقة مخيفة. آنت أنا الماضي الذي تجهلينه، وآنتِ أنت الحاضر الذي لا ذاآ
له، والذي أحاول أن أودعه بعض ما حمّلتني السنوات من ثقل.
آنتِ فارغة آإسفنجة، وآنت أنا عميقاً ومثقلاً آبحر.
رحت تمتلئين بي آلّ يومٍ أآثر..
ى 􀑧 ك إل 􀑧 ي، حوّلت 􀑧 ن الماض 􀑧 ياً م 􀑧 ك ش 􀑧 ا وهبت 􀑧 ي آلم 􀑧 اً، وأنن 􀑧 ك أيض 􀑧 تلأت ب 􀑧 ت ام 􀑧 ا فرغ 􀑧 ت آلم 􀑧 آنت أجهل ساعتها أنني آن
اً 􀑧 ا مع 􀑧 د آنَّ 􀑧 ذلك . فق 􀑧 ترآة آ 􀑧 اً مش 􀑧 اً وأحزان 􀑧 ترآة، وأفراح 􀑧 ة مش 􀑧 اً وأزق 􀑧 ترآة، طرق 􀑧 رة مش 􀑧 نسخة منّي. وإذا بنا نحمل ذاآ
معطوبي حرب، وضعتنا الأقدار في رحاها التي لا ترحم، فخرجنا آلُّ بجرحه.
54
و اً.. 􀑧 دي عض 􀑧 ن جس 􀑧 وا م 􀑧 آان جرحي واضحاً و جرحك خفياً في الأعماق. لقد بتروا ذراعي، وبتروا طفولتك. اقتلع
وأخذوا من أحضانك أبا.. آنَّا أشلاء حرب.. وتمثالين محطّمين داخل أثواب أنيقة لا غير.
ت 􀑧 ك جئ 􀑧 اك، أنَّ 􀑧 ن الارتب 􀑧 يء م 􀑧 ت بش 􀑧 ك . واعترف 􀑧 ن أبي 􀑧 دَّثك ع 􀑧 رة، أن أح 􀑧 أذآر ذلك اليوم الذي طلبت فيه مني لأول م
ك 􀑧 فتها في 􀑧 ي اآتش 􀑧 لزيارتي من البدء.. بهذه النية فقط. آان في صوتك شيء من الحزن المكابر.. شي من المرارة الت
لأول مرة.
قلتِ:
رات 􀑧 د ة م 􀑧 اء ع 􀑧 - ما فائدة أن يمنح اسم أبي لشارع آبير، وأن أحمل ثقل اسمه الذي يردده أمامي المارة والغرب
في اليوم. ما فائدة ذلك إذا آنت لا أعرف عنه أآثر مما يعرفون، وإذا آان لا يوجد بينهم شخص واحد قادر
على أن يحدّثني عنه حقاً؟
قلتُ لك متعجباً:
- ألم يحدثك عنه عمّك مثلاً؟
قلتِ:
ا 􀑧 ه به 􀑧 ة يتوج 􀑧 ة تأبيني 􀑧 رب لخطب 􀑧 ه أق 􀑧 ه وآأن 􀑧 أتي آلام 􀑧 - عمّي لا وقت له لهذا.. وعندما يحدث أن يذآره أمامي، ي
لغرباء يستعرض أمامهم مآثر أخيه، ولا يتوجه فيها إليّ ليحدثني عن رجل هو أبي قبل آلّ شي..
لّ 􀑧 ي آ 􀑧 ال ف 􀑧 ي تق 􀑧 هداء، والت 􀑧 ال والش 􀑧 د الأبط 􀑧 اهزة لتمجي 􀑧 ل الج 􀑧 ك الجم 􀑧 يس تل 􀑧 ي، ل 􀑧 ن أب 􀑧 ه ع 􀑧 د أن أعرف 􀑧 الذي أري
مناسبة عن الجميع؛ وآأنَّ الموت سوّى فجأة بين آلّ الشهداء، فأصبحوا جميعاً نسخة طبق الأصل.
ه 􀑧 رية .. هزائم 􀑧 ه الس 􀑧 ناته .. طموحات 􀑧 اءه وحس 􀑧 ه .. أخط 􀑧 يل حيات 􀑧 يهمني أن أعرف شيئاً عن أفكاره.. بعض تفاص
ه 􀑧 ادي بقوّت 􀑧 ل ع 􀑧 ة لرج 􀑧 ون ابن 􀑧 د أن أآ 􀑧 ة . أري 􀑧 ة يوناني 􀑧 اطير بدع 􀑧 طورة، الأس 􀑧 ة لأس 􀑧 ون ابن 􀑧 السرية. لا أريد أن أآ
وبضعفه، بانتصاراته وبهزائمه .ففي حياة آلّ رجل خيبة ما وهزيمة ما، ربما آانت سبباً في انتصار آخر.
حلّ شيء من الصمت بيننا..
ك 􀑧 ي تل 􀑧 ن ف 􀑧 م أآ 􀑧 اراتي . ل 􀑧 آنت أتأملك وأغوص في أعماق نفسي. رحت أبحث عن الحدّ الفاصل بين هزائمي وانتص
رميم 􀑧 اولان ت 􀑧 راف، يح 􀑧 ي الأط 􀑧 ديمين محطمَ 􀑧 ريين ق 􀑧 الين أث 􀑧 ط تمث 􀑧 ا فق 􀑧 ة ..آنّ 􀑧 ة إغريقي 􀑧 ت آله 􀑧 ت أن 􀑧 اً، ولا آن 􀑧 ة نبيّ 􀑧 اللحظ
أجزائهما بالكلمات .فرحت أستمع إليك وأنت ترمِّمين ما في أعماقك من دمار.
قلتِ:
ر أو 􀑧 ها أآب 􀑧 ان بعض 􀑧 ا آ 􀑧 ر . ربم 􀑧 م آخ 􀑧 ون رق 􀑧 ف ملي 􀑧 ون ونص 􀑧 ين ملي 􀑧 م ب 􀑧 ط، رق 􀑧 - يحدث أن أشعر أنني ابنة لرقم فق
أصغر، ربما آتب اسم بعضها بخط أآبر أو أصغر من خطّ آخر، ولكنها جميعاً أرقام لمأساة ما.
وأضفتِ:
وف 􀑧 ي الخ 􀑧 مه، وأورث أخ 􀑧 - أن يكون أبي أورثني اسماً آبيراً، هذا لا يعني شيئاً. لقد أورثني مأساة في ثقل اس
ن 􀑧 يس م 􀑧 ذي ل 􀑧 ولى ال 􀑧 د الم 􀑧 اهر عب 􀑧 د للط 􀑧 ن الوحي 􀑧 و الاب 􀑧 الدائم من السقوط، والعيش مسكوناً بهاجس الفشل، وه
ن 􀑧 ى ع 􀑧 ه تخل 􀑧 ة، أن 􀑧 تحطم . والنتيج 􀑧 وز أن ت 􀑧 ق الرم 􀑧 ن ح 􀑧 يس م 􀑧 ه ل 􀑧 اة، لأن 􀑧 حقه أن يفشل في الدراسة ولا في الحي
55
ان 􀑧 ا آ 􀑧 ين . ربم 􀑧 رون الملاي 􀑧 ه الآخ 􀑧 دّس في 􀑧 ن يك 􀑧 دراسته الجامعية وهو يكتشف عبثية تكديس الشهادات، في زم
على حق، فالشهادات هي آخر ما يمكن أن يوصلك اليوم إلى وظيفة محترمة.
لقد رأى أصدقاءه الذين تخرجوا قبله، ينتقلون مباشرة إلى البطالة أو إلى موظَّفين برواتب وأحلام محدودة،
بابه، 􀑧 زّ ش 􀑧 ي ع 􀑧 و ف 􀑧 ي وه 􀑧 فقرَر أن ينتقل إلى التجارة. ورغم أنني أشاطره رأيه، إلا أنه يحزنني أن يتحول أخ
ي 􀑧 د أن أب 􀑧 هيد . لا أعتق 􀑧 ن ش 􀑧 فته اب 􀑧 از بص 􀑧 إلى تاجرٍ صغير يدير محلاً تجارياً وشاحنة وهبتها له الجزائر آامتي
آان يتوقَّع له مستقبلاً آهذا!
قاطعتك في محاولة لتخفيف تذمرك:
ان 􀑧 ه . آ 􀑧 ه ومبادئ 􀑧 لّ طموحات 􀑧 ة لك 􀑧 ك الوريث 􀑧 ه؛ إن 􀑧 ن أحلام 􀑧 د م 􀑧 - إنه لم يتوقع أيضاً لك مستقبلاً آهذا. لقد ذهبت أبع
ي 􀑧 ة ا لت 􀑧 ادات البالي 􀑧 ات والع 􀑧 ا بالخراف 􀑧 رجلاً يقدّس العلم والمعرفة، ويعشق العربية، ويحلم بجزائر لا علاقة له
ة 􀑧 ك فرص 􀑧 ن يمنح 􀑧 ي وط 􀑧 تثنائي، ف 􀑧 ظ الاس 􀑧 ذا الح 􀑧 وم ه 􀑧 أرهقت جيله وقضت عليه. إنك لا تعين أن يكون لك الي
أن تكوني فتاة مثقَّفة، يمكنها الدراسة والعمل وحتى الكتابة..
أجبتِ بشيء من السخرية:
ا 􀑧 - قد أآون مدينة للجزائر بثقافتي أو بعلمي، ولكن الكتابة شي آخر لم يمنّ به أحد عليّ. نحن نكتب لنستعيد م
ة 􀑧 ي أب وعائل 􀑧 ون ل 􀑧 أضعناه وما سُرق خلسة منّا.. آنت أفضِّل أن تكون لي طفولة عادية وحياة عادية، أن يك
دها 􀑧 ر، ووح 􀑧 ل الجزائ 􀑧 اً لك 􀑧 بح ملك 􀑧 ي أص 􀑧 ن أب 􀑧 دفاتر . ولك 􀑧 ن ال 􀑧 ة م 􀑧 ب وجزم 􀑧 آالآخرين؛ وليس مجموعة من الكت
الكتابة أصبحت ملكي.. ولن يأخذها منِّي أحد!
أذهلني آلامك. ملأني بأحاسيس متناقضة. أحزنني، ولكنه لم يوصلني إلى حد الشفقة عليك. إنَّ امرأة ذآية لا تثير
ي 􀑧 تفزازية ف 􀑧 ك الاس 􀑧 ابر، بطريقت 􀑧 ك المك 􀑧 ك، بجرح 􀑧 اً ب 􀑧 تُ معجب 􀑧 ا. وآن 􀑧 الشفقة. إنها دائماً تثير الإعجاب حتى في حزنه
ا 􀑧 لاً عادي 􀑧 ت رج 􀑧 تحدّي هذا الوطن .آنت تشبهينني أنا الذي آنت أرسم بيدٍ لأستعيد يدي الأخرى. آنت أفضِّل لو بقي
وم 􀑧 ر الرس 􀑧 أبط غي 􀑧 دة، لا تت 􀑧 ذراع واح 􀑧 ري ب 􀑧 ى عبق 􀑧 ول إل 􀑧 ة، ولا أتح 􀑧 ة يومي 􀑧 ياء عادي 􀑧 وم بأش 􀑧 ين، لأق 􀑧 ذراعين اثنت 􀑧 ب
واللوحات.
ي 􀑧 ون ل 􀑧 لم يكن حلمي أن أآون عبقرياً ولا نبياً ولا فناناً رافضاً ومرفوضاً. لم أجاهد من أجل هذا. آان حلمي أن تك
روا 􀑧 د بت 􀑧 اة .. لق 􀑧 ة والفرش 􀑧 رين وزوج للغرب 􀑧 ال آخ 􀑧 ي أ بٌ لأطف 􀑧 إذا ب 􀑧 رى، ف 􀑧 اة أخ 􀑧 زوجة وأولاد، ولكن القدر أراد لي حي
أيضاً أحلامي.
قلتُ لك:
- لن يأخذ أحد منك الكتابة.. إن ما في أعماقنا هو لنا ولن تطوله يد أحد.
قلتِ:
ب 􀑧 ار، وبكت 􀑧 رات الأخب 􀑧 د.. بنش 􀑧 ات ا لجرائ 􀑧 وة بقصاص 􀑧 ات المحش 􀑧 وى الفراغ 􀑧 يء س 􀑧 اقي ش 􀑧 ي أعم 􀑧 يس ف 􀑧 ن ل 􀑧 - ولك
ساذجة ليس بيني وبينها من قرابة.
ثم أضفتِ وآأنك تودعينني سراً:
56
- أتدري لماذا آنت أحبّ جدّتي أآثر من أي شخص آخر.. وأآثر حتى من أمّي؟ إنها الوحيدة التي آانت تجد
ه . 􀑧 روج من 􀑧 رفض الخ 􀑧 ا ت 􀑧 اً، وآأنه 􀑧 ي تلقائي 􀑧 ى الماض 􀑧 ود إل 􀑧 ت تع 􀑧 يء .. آان 􀑧 لِّ ش 􀑧 ن آ 􀑧 دِّثني ع 􀑧 متسعاً من الوقت لتح
آانت تلبس الماضي.. تأآل الماضي.. ولا تطرب سوى لسماع أغانيه.
ي دون أن 􀑧 ن أب 􀑧 دّثني ع 􀑧 آانت تحلم بالماضي في زمن آان الآخرون يحلمون فيه بالمستقبل. ولذا آثيراً ما تح
ا 􀑧 ه، آأنه 􀑧 ديث عن 􀑧 ن الح 􀑧 ب م 􀑧 ت لا تتع 􀑧 ابر . وآان 􀑧 وي الع 􀑧 يها الأنث 􀑧 ي ماض 􀑧 ا ف 􀑧 ل م 􀑧 ان أجم 􀑧 أطلب منها ذلك، فقد آ
ى 􀑧 ا إل 􀑧 دت بكره 􀑧 ا فق 􀑧 ى أنه 􀑧 رفض أن تنس 􀑧 ي ت 􀑧 رة الأم الت 􀑧 ك بحس 􀑧 ل ذل 􀑧 ت تفع 􀑧 ره . آان 􀑧 تستعيده بالكلمات وتستحض
و 􀑧 و الأروع .. ه 􀑧 ل .. ه 􀑧 الأبد.. ولكنها لم تكن تقول لي عنه أآثر مما تقوله أم عن ابنها. آان الطاهر هو الأجم
الابن البارّ الذي لم يجرحها يوماً بكلمة.
ي 􀑧 ت ف 􀑧 آن » : ت􀑧 قال « ؟ ر􀑧 تقلَّت الجزائ 􀑧 د اس 􀑧 ين وق 􀑧 اذا تبك 􀑧 ا.. لم 􀑧 أمّ » : ألته ا 􀑧 يوم الاستقلال بكت جدّتي آما لم تبك يوماً. س
.« الماضي أنتظر الاستقلال ليعود لي الطاهر، اليوم أدرآت أنني لم أعد أنتظر شيئاً
ي 􀑧 دار وه 􀑧 ط ال 􀑧 ي وس 􀑧 ت ف 􀑧 د . وقف 􀑧 ا بع 􀑧 ا فيم 􀑧 ي قرأته 􀑧 ة الت 􀑧 ورة الخياليّ 􀑧 يوم مات أبي لم تزغرد جدّتي آما في قصص الث
ن 􀑧 اني لم 􀑧 اهر أحنَ 􀑧 وادي .. آه الط 􀑧 ا س 􀑧 دتي .. ي 􀑧 ا وخي 􀑧 ي » : دائي 􀑧 زن ب 􀑧 رددة بح 􀑧 رأس م 􀑧 ة ال 􀑧 تفض عاري 􀑧 اء وتن 􀑧 هق بالبك 􀑧 تش
.« خلّيتني.. نروح عليك أطراف
لاً 􀑧 وآانت أمي تبكي بصمت وهي تحاول تهدئتها، وآنت أنا أتفرج عليهما وأبكي دون أن أفهم تماماً أنني أبكي رج
لم أره سوى مرَّات.. رجلاً آان أبي.
وم، 􀑧 ك الي 􀑧 ل ذل 􀑧 ة قب 􀑧 ة ودافئ 􀑧 لماذا آان ذآركِ ل ( أمّا الزهرة) يثير دائماً فيّ تلك العواطف الغامضة، التي آانت جميل
والتي أصبحت فجأة موجعة حدّ البكاء؟
ين 􀑧 نقلاً ب 􀑧 ب اي مت 􀑧 ولتي وص 􀑧 يت طف 􀑧 ي قض 􀑧 ا والت 􀑧 ا أحببته 􀑧 در م 􀑧 ي بق 􀑧 ي أحبّتن 􀑧 مازلت أذآر ملامح تلك العجوز الطيبة الت
ا 􀑧 دن ا. إنه 􀑧 بيتها وبيتنا. آان لتلك المرأة طريقة واحدة في الحبّ، اآتشفت بعدها أنها طريقة مشترآة لكلّ الأمهات عن
ذي 􀑧 يس ال 􀑧 رة والرخس 􀑧 تحبّك بالأآل، فتعد من أجلك طبقك المفضل وتلاحقك بالأطعمة، وتحمّلك بالحلويات، وبالكس
انتهت لتوِّها من إعداده.
ا 􀑧 بن فيه 􀑧 بّ، يه 􀑧 لقد آانت تنتمي لجيل من النساء نذرن حياتهنَّ للمطبخ، ولذا آنّ يعشن الأعياد والأعراس آوليمة ح
من جملة ما يهبن فائض أنوثتهنَّ.. وحنانهنَ وجوع سرّي لم يجد له من تعبير آخر خارج الأآل.
ى 􀑧 د إل 􀑧 ه أح 􀑧 ة دون أن ينتب 􀑧 ل ليل 􀑧 نمن آ 􀑧 وي .. « رّاس 􀑧 ت» ن􀑧 ر م 􀑧 دة .. وأآث 􀑧 ن مائ 􀑧 ر م 􀑧 وم أآث 􀑧 ل ي 􀑧 لقد آنَّ في الوقع يطعمن آ
ن 􀑧 اجزاً ع 􀑧 نَّ_ ع 􀑧 اءً له 􀑧 ا وف 􀑧 جوعهنّ المتوارث من عصور..اآتشفت هذه الحقيقة مؤخراً فقط، يوم وجدت نفسي ربَّم
حبّ امرأة تعيش على الأآل الجاهز، ولا وليمة لها غير جسدها!
سألتك وأنا أهرب من تلك الذآريات هربي من خدوش طفولتي البعيدة:
- وأمك.. إنك لم تحدّثيني عنها أبداً آيف عاشت بعد وفاة سي الطاهر؟
قلتِ:
57
ا 􀑧 انوا يزفّونه 􀑧 د آ 􀑧 ه، فق 􀑧 ا من 􀑧 ذين زوجوه 􀑧 ى ال 􀑧 ب عل 􀑧 ا تعت 􀑧 ي أعماقه 􀑧 ت ف 􀑧 ا آان 􀑧 ه .. ربّم 􀑧 ديث عن 􀑧 - لقد آانت قليلة الح
لشهيد وليس لرجل..
رّيّة، 􀑧 اة الس 􀑧 ي الحي 􀑧 يدخل ف 􀑧 آانت تعرف مسبقاً نشاطه السياسي، وتدري أنه سيلتحق بالجبهة بعد الزواج، وس
ان 􀑧 ن آ 􀑧 زواج إذن؟ ولك 􀑧 ذا ال 􀑧 اذا ه 􀑧 ولن يزورها إلا خلسة بين الحين والآخر، وقد لا يعود إليها إلا جثماناً، فلم
د 􀑧 اهر عب 􀑧 اهرة الط 􀑧 ورين بمص 􀑧 ا فخ 􀑧 ان أهله 􀑧 د آ 􀑧 ا. فق 􀑧 فقة م 􀑧 لا بدّ لذلك الزواج أن يتمّ؛ آان في الجوّ رائحة ص
ا 􀑧 ة . وربم 􀑧 ه القادم 􀑧 اني أو أرملت 􀑧 ه الث 􀑧 ي زواج 􀑧 ون أم 􀑧 أس أن تك 􀑧 رة . ولا ب 􀑧 روة الكبي 􀑧 م والث 􀑧 احب الاس 􀑧 ولى، ص 􀑧 الم
راً 􀑧 ا أخي 􀑧 ة لابنه 􀑧 رِّعة باآي 􀑧 الحين متض 􀑧 اء والص 􀑧 زور الأولي 􀑧 ت ت 􀑧 هد فراح 􀑧 ق ليستش 􀑧 ه خل 􀑧 رف أن 􀑧 دتي تع 􀑧 ت ج 􀑧 آان
ذريّة.. تماماّ آما آانت تزور سابقاً يوم آانت حبلى به طالبة آنذاك أن يكون مولودها صبيّاً..
سألتك:
- من أين تعرفين آلّ هذه القصص؟
قلتِ:
راب) 􀑧 د الغ 􀑧 يدي محم 􀑧 زار (س 􀑧 ارق م 􀑧 م تف 􀑧 أبي ل 􀑧 ى ب 􀑧 ت حبل 􀑧 وم آان 􀑧 ا ي 􀑧 ور أنه 􀑧 اً. تص 􀑧 ي أيض 􀑧 ن أم 􀑧 ي.. وم 􀑧 ا ه 􀑧 - منه
د 􀑧 ي ( محم 􀑧 مّت عم 􀑧 مّ س 􀑧 ه .. ث 􀑧 اً ب 􀑧 اهر ) تبارآ 􀑧 د الط 􀑧 مَته ( محم 􀑧 ذ ا س 􀑧 اك .. ول 􀑧 ده هن 􀑧 ادت تل 􀑧 ا آ 􀑧 ى إنه 􀑧 نطينة، حت 􀑧 بقس
ة 􀑧 الشريف) تبارآاً به أيضاً ..بعدها عرفت أنَّ نصف رجال تلك المدينة أسماؤهم هكذا.. وأنَّ أهل تلك المدين
ادت 􀑧 ذا آ 􀑧 الحين .وهك 􀑧 اء الص 􀑧 اء أو الأولي 􀑧 ماء الأنبي 􀑧 ل أس 􀑧 م يحم 􀑧 ماء، وأنَ معظمه 􀑧 راً للأس 􀑧 اً آبي 􀑧 ون اهتمام 􀑧 يول
جاد 􀑧 مع والس 􀑧 ة بالش 􀑧 رة محمل 􀑧 لّ م 􀑧 ونس آ 􀑧 ي ت 􀑧 ا ف 􀑧 ت تزوره 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 تبارآاً بالسيدة المنوبيّ « السيدة » تسمِيني
يش 􀑧 والدعوات، متنقلة بين ضريحها ومزار (سيدي عمر الفاياش). ربما سمعت به، ذلك الولي الذي آان يع
ى لا 􀑧 دي حت 􀑧 ال حدي 􀑧 ى سلس 􀑧 ه إل 􀑧 ربط قدم 􀑧 وم ب 􀑧 ية تق 􀑧 لطات التونس 􀑧 ل الس 􀑧 ا جع 􀑧 عارياً تماماً من آل شيء.. وهو م
ن 􀑧 ة، إلا م 􀑧 يغادر البيت عارياً آما تعوّد أن يفعل.. وهكذا آان يعيش مقيداً، يدور ويصرخ وسط غرفة فارغ
ة 􀑧 ه المعروض 􀑧 اف رجولت 􀑧 رد اآتش 􀑧 ات لمج 􀑧 ه .. وأخري 􀑧 ارك ب 􀑧 هن للتب 􀑧 ه، بعض 􀑧 ابقن لزيارت 􀑧 ي يتس 􀑧 اء اللات 􀑧 النس
للفرجة.. ولفضول النساء الملتحفات ب (السفساري) والمتظاهرات بالحشمة الكاذبة.!
سألتك ضاحكاًً..
- وهل زرته أنت؟.
قلتِ:
ي 􀑧 رأة الت 􀑧 الم ،« ة􀑧 يدة المنوبي 􀑧 الس » اً􀑧 ر اد؛ وزرت أيض 􀑧 ى انف 􀑧 نهنَّ عل 􀑧 دة م 􀑧 لّ واح 􀑧 - طبعاً.. لقد زرته بعد ذلك مع آ
يء 􀑧 ار مج 􀑧 ي انتظ 􀑧 ف « اة 􀑧 حي » ميني 􀑧 ررت أن تس 􀑧 ة، وق 􀑧 ك الكارث 􀑧 ن تل 􀑧 آدت أحمل اسمها، لولا أنَّ أمي أنقذتني م
أبي، الذي يعود إليه القرار الأخير في اختيار اسمي.
اً 􀑧 رن تمام 􀑧 ع ق 􀑧 د رب 􀑧 م بع 􀑧 ذا الاس 􀑧 توقَّف القلب عند هذا الاسم.. ورآضت الذاآرة إلى الوراء. تعثّر اللسان وهو يلفظ ه
وفاجأك سؤالي:
؟« حياة » - هل يسعدك أن أناديك
58
قلتِ متعجبة..
- لماذا.. ألا يعجبك اسمي الحقيقي ..أليس أجمل؟!
قلتُ:
م 􀑧 رة ول 􀑧 معه لأول م 􀑧 ت أس 􀑧 دك . آن 􀑧 ال وال 􀑧 ي ب 􀑧 ذا ف 􀑧 م آه 􀑧 ر اس 􀑧 ف خط 􀑧 - إنه حقا أجمل.. حتى إنني تعجّبت وقتها آي
د 􀑧 ي ق 􀑧 لأنن « اة 􀑧 حي » مِّيك 􀑧 بّ أن أس 􀑧 ك أح 􀑧 رغم ذل 􀑧 ذ ا.. وب 􀑧 ل آه 􀑧 م جمي 􀑧 يكن في حياته آنذاك ما يمكن أن يوحي باس
ا 􀑧 ذآّرك بعلاقتن 􀑧 رّ، لي 􀑧 ة س 􀑧 ا آكلم 􀑧 ون بينن 􀑧 د أن يك 􀑧 م . أري 􀑧 ذا الاس 􀑧 وم ه 􀑧 رف الي 􀑧 ذي يع 􀑧 دتك ال 􀑧 ع وال 􀑧 أآون الوحيد م
الاستثنائية، وبأنك أيضاً.. طفلتي بطريقة ما.
ضحكتِ.. قلتِ:
ل أن 􀑧 ى قب 􀑧 اً حت 􀑧 ماً حرآي 􀑧 ي اس 􀑧 ي أن تعطين 􀑧 - أتدري أنك لم تخرج أبداً من فترة الثورة، ولذا أنت تشعر برغبة ف
تحبني. وآأنك ستدخلني بذلك في العمل السري.. أيّة مهمة تراك تعد لي؟
ضحكت بدوري لملاحظتك التي فاجأتني بواقعيتها. تراك بدأت تعرفينني إلى هذا الحد؟
قلتُ:
ة 􀑧 ي مرحل 􀑧 أبدأ ف 􀑧 ذا س 􀑧 - اعلمي أيتها الثوريّة المبتدئة أنه لا بدّ من أآثر من اختبار. لنكلِّف أحداً بمهمة فدائية. ول
أولى بدراستك، ومعرفة استعدادتك الخاصّة!
***
ذي 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 ة، ذل 􀑧 ي الجبه 􀑧 أحسست لحظتها، أنّ الوقت قد أصبح مناسباً، لأقصّ عليك أخيراً قصّة يومي الأخير ف
اة أن 􀑧 د الحي 􀑧 ى قي 􀑧 ونس عل 􀑧 ى ت 􀑧 لت إل 􀑧 ا وص 􀑧 ي إذا م 􀑧 لفظ فيه سي الطاهر اسمك أمامي لأول مرة، وهو يودِّعني ويكلِّفن
أقوم بتسجيلك نيابة عنه.
ذيان 􀑧 ي به 􀑧 ا أردِّد لنفس 􀑧 زف، وأن 􀑧 وم وذراع تن 􀑧 د محم 􀑧 ية، بجس 􀑧 ة التونس 􀑧 دود الجزائري 􀑧 ا الح 􀑧 رت فيه 􀑧 وتلك الليلة التي عب
د أن 􀑧 ت أري 􀑧 اهر، آن 􀑧 ي الط 􀑧 ا س 􀑧 الحمّى، اسمك الذي أصبح وسط إجهادي ونزيفي، وآأنه اسم لعملية أخيرة آلفني به
أحقق طلبه الأخير، وأطارد حلمه الهارب، فأمنحك اسماً شرعياً رسمياً.. لا علاقة له بالخرافات والأولياء..
ل 􀑧 ارة بك 􀑧 ك الزي 􀑧 ر تل 􀑧 ونس. أذآ 􀑧 ق بت 􀑧 ارع التوفي 􀑧 ي ش 􀑧 تكم ف 􀑧 اب بي 􀑧 رة أدق ب 􀑧 ه لأول م 􀑧 ت في 􀑧 ذي وقف 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 ر ذل 􀑧 أذآ
تفاصيلها وآأن ذاآرتي آانت تقرأ مسبقاً ما سيكتب لي معك، فأفرغت مساحة آافية لها.
اب 􀑧 رة ) الب 􀑧 ا الزه 􀑧 تح (أمّ 􀑧 ل أن تف 􀑧 ر، قب 􀑧 ديّ الأخض 􀑧 ابكم الحدي 􀑧 ام ب 􀑧 رت أم 􀑧 في ذلك اليوم الخريفيّ من شهر أيلول، انتظ
بعد لحظات بدت لي طويلة..
مازلت أذآر تلك الشهقة في نظرتها، آأنها آانت تنتظر شخصاً آخر غيري.
دة 􀑧 ي الوحي 􀑧 د ذراع 􀑧 ت عن 􀑧 احب . توقف 􀑧 ل الش 􀑧 توقفتْ مدهوشةً أمامي، تفحّصت معطفي الرمادي الحزين ووجهي النحي
ي . 􀑧 ب معطف 􀑧 ل جي 􀑧 اء داخ 􀑧 رة بحي 􀑧 ئ لأول م 􀑧 ي تختب 􀑧 ة الت 􀑧 رى الفارغ 􀑧 ي الأخ 􀑧 وى، وذراع معطف 􀑧 ة الحل 􀑧 ك علب 􀑧 ي تمس 􀑧 الت
ول 􀑧 ى دخ 􀑧 و تي إل 􀑧 ي دع 􀑧 ى ف 􀑧 ر حت 􀑧 ي دون أن تفكِّ 􀑧 ت تبك 􀑧 دموع، وراح 􀑧 ا بال 􀑧 ت عيناه 􀑧 ة اغرورق 􀑧 وقبل أن أنطق بأية آلم
البيت.
59
د 􀑧 انحنيت أقبّلها.. بشوق السنوات التي لم أرها فيها.. بالشوق الذي حمّلني إياه ابنها.. وبشوق (أمّا) التي لم أتعوَّد بع
سنتين ونصف على فجيعتها..
- واشك أمّا الزهرة؟
زاد بكاؤها وهي تحتضنني وتسألني بدورها..
- واش راك يا ولدي..؟
ا 􀑧 ي لأنه 􀑧 ت تبك 􀑧 رة .. أآان 􀑧 ورة لأول م 􀑧 ا مبت 􀑧 ي تراه 􀑧 ي الت 􀑧 ى ذراع 􀑧 أآان بكاؤها فرحاً بلقائي، أم حزناً على حالتي، وعل
ار، 􀑧 توقعت أن ترى ابنها ورأتني.. أم فقط لأن أحداً قد دقّ هذا الباب، ودخل حاملاً في يده البهجة، وشيئاً من الأخب
لبيت ربَّما لم يدخله رجل منذ شهور؟
- ع السلامة.. جوز يا ولدي جوز..
ارة 􀑧 بصوت عالٍ آإش «.. جوز..جوز » قالتها وهي تشرع باب الدار أخيراً وتمسح دموعها. ثم أعادت وهي تسبقني
ى 􀑧 موجهة لأمك التي رآضت عند سماع هذه الكلمات، ولم أرَ غير ذيل ثوبها يسبقني، ويختفي خلف باب مغلق عل
عجل.
ى 􀑧 وداء عل 􀑧 ات س 􀑧 د ه ثري 􀑧 دلى عناقي 􀑧 د لتت 􀑧 أحببت ذلك البيت.. بدوالي العنب التي تتسلّق جدران حديقته الصغيرة، وتمت
وسط الدار.
ت 􀑧 ا، وراح 􀑧 دران بيته 􀑧 اً بج 􀑧 اقت ذرع 􀑧 ولية ض 􀑧 امرأة فض 􀑧 ارجي، آ 􀑧 ور الخ 􀑧 ن الس 􀑧 شجرة الياسمين التي ترتمي وتطلّ م
ة 􀑧 اً.. ورائح 􀑧 مين أرض 􀑧 ن الياس 􀑧 ر م 􀑧 تتفرج على ما يحدث في الخارج، لتغري المارة بقطف زهرها.. أو جمع ما تبعث
الطعام التي تنبعث منه، فتبعث معها الطمأنينة، ودفء غامض يستبقيك هناك.
سبقتني (أمّا الزهرة) إلى غرفة تطل على وسط الدار مرددة:
- اقعد يا ولدي.. اقعد..
قالتها وهي تأخذ منّي علبة الحلوى وتضعها على الصينية النحاسية المستديرة والموضوعة على مائدة خشبية.
وت 􀑧 ة، وحب 􀑧 غيرة آدمي 􀑧 ة ص 􀑧 رف الغرف 􀑧 ي ط 􀑧 ت ف 􀑧 وما آدت أجلس أرضاً على ذلك المطرح الصوفي حتى ظهرت أن
ذت 􀑧 د أخ 􀑧 رة ) ق 􀑧 مسرعة نحو العلبة البيضاء تحاولين سحبها إلى الأرض وفتحها. وقبل أن أتدخل أنا آانت (أمّا الزه
ا 􀑧 د ي 􀑧 ا خال 􀑧 ك ي 􀑧 ت روح 􀑧 لاش عيي 􀑧 دي .. وع 􀑧 ا ولي 􀑧 حة ي 􀑧 يعطيك الص » : منك العلبة وذهبت بها إلى مكان آخر وهي تقول
.«.. بني.. وجهك يكفينا
ي 􀑧 انون، والت 􀑧 وق آ 􀑧 غيرة ف 􀑧 ة ص 􀑧 كل قبّ 􀑧 ى ش 􀑧 وعة عل 􀑧 بية، الموض 􀑧 ثم عادت ونهرتك، وأنت تتجهين نحو الشّياحة الخش
داك 􀑧 رددتين، وي 􀑧 وتين مت 􀑧 ي خط 􀑧 وي ف 􀑧 وت نح 􀑧 دها حب 􀑧 فّ.. وعن 􀑧 ي تج 􀑧 ا آ 􀑧 ورة فوقه 􀑧 اء منث 􀑧 غيرة البيض 􀑧 آانت ثيابك الص
الصغيرتان أمامك تستنجدان بي.
ن 􀑧 اجزاً ع 􀑧 ت ع 􀑧 د آن 􀑧 ك . لق 􀑧 اك ب 􀑧 ة للإمس 􀑧 ي محاول 􀑧 دة ف 􀑧 دي الفري 􀑧 وك ي 􀑧 دّ نح 􀑧 ا أم 􀑧 ي، وأن 􀑧 لّ ب 􀑧 ا ح 􀑧 ول م 􀑧 ع رت به 􀑧 لحظتها ش
التقاطك بيدي الوحيدة المرتبكة، ووضعك في حجري لملاعبتك دون أن تفلتي مني.
60
ة 􀑧 عب تجرب 􀑧 ي أص 􀑧 أليس عجيباً أن يكون لقائي الأول بك هو امتحاني الأول وعقدتي الأولى، وأن أنهزم على يدك ف
مررت بها منذ أصبحت رجل الذراع الواحدة.. من عشرة أيام لا أآثر!..
:« الطمّينة » عادت (أمّا الزهرة) بصينية القهوة وبصحن
- قل لي يا خالد يا ابني وراسك.. واش راه الطاهر؟
اف 􀑧 ذي يخ 􀑧 ؤال ال 􀑧 ة الس 􀑧 ا غصّ 􀑧 ي حلقه 􀑧 دمع . وف 􀑧 ذاق ال 􀑧 ؤالها م 􀑧 ي س 􀑧 ان ف 􀑧 رح .. آ 􀑧 ى المط 􀑧 ى عل 􀑧 س حت 􀑧 ل أن تجل 􀑧 ا قب 􀑧 قالته
ه لا 􀑧 دة ولكن 􀑧 حته جي 􀑧 دود وأن ص 􀑧 ة الح 􀑧 الجواب.. فرحت أطمئنها. أخبرتها أنني آنت تحت قيادته وأنه الآن في منطق
يستطيع الحضور هذه الأيام، لصعوبة الأوضاع ولمسؤولياته الكثيرة.
تمكن 􀑧 لم أخبرها أن المعارك تشتد آل يوم، وأن العدو قرر أن يطرق المناطق الجبلية، ويحرق آل الغابات، حتى ت
ادة 􀑧 ار الق 􀑧 ن آب 􀑧 ة م 􀑧 ه مجموع 􀑧 د، ومع 􀑧 ن بولعي 􀑧 طفى ب 􀑧 ى مص 􀑧 بض عل 􀑧 اء الق 􀑧 م إلق 􀑧 ه ت 􀑧 طائراته من مراقبة تحرآاتنا.. وأن
ى 􀑧 ن الجرح 􀑧 ة م 􀑧 ع مجموع 􀑧 لاج م 􀑧 ت للع 􀑧 ي أتي 􀑧 دام، وأنن 􀑧 والمجاهدين، وأن ثلاثين منهم قد صدر في حقهم الحكم بالإع
والمشوهين الذين مات اثنان منهم قبل أن يصلا..
ة 􀑧 ك الأوراق النقدي 􀑧 ددتها بتل 􀑧 ديث .. أم 􀑧 رى الح 􀑧 لقد قال لها منظري أآثر مما تتحمله امرأة في سنها، فرحت أغيّر مج
اً 􀑧 ود قريب 􀑧 دتها أن أع 􀑧 ة، ووع 􀑧 ا هدي 􀑧 ك به 􀑧 تري ل 􀑧 يته أن تش 􀑧 ب وص 􀑧 ا حس 􀑧 ت منه 􀑧 اهر، وطلب 􀑧 ي الط 􀑧 ي س 􀑧 لها مع 􀑧 ي أرس 􀑧 الت
ق . 􀑧 ن دون تعلي 􀑧 ة، ولك 􀑧 ن الدهش 􀑧 ي م 􀑧 عوبة، و بش 􀑧 لتسجيلك، بذلك الاسم الذي اختاره لك، والذي رددته أمّا الزهرة بص
فقد آان لما يقوله سي الطاهر بالنسبة لها صفة القداسة.
ك 􀑧 وآأنك انتبهت فجأة أن الحديث يعنيك، فتسلّقت رآبتي وجئت فجأة لتجلسي في حجري بتلقائية طفولية، ولم أتمال
أنني 􀑧 ة؛ آ 􀑧 ي الثاني 􀑧 ه ذراع 􀑧 ن أجل 􀑧 لحظتها احتضانك بيدي الوحيدة.. ضممتك إليّ، وآأنني أضمّ الحلم الذي أضعت م
أخاف أن يهرب مني وتهرب معه أحلام ذلك الرجل الذي لم يسعد بعد باحتضانك.
ذ 􀑧 م من 􀑧 رو ا أولاده 􀑧 م ي 􀑧 اق ل 􀑧 ن رف 􀑧 اهر وع 􀑧 ي ط 􀑧 ن س 􀑧 رحت أقبلك وسط دموعي وفرحتي وألمي وآلّ تناقضي، نيابة ع
الهم 􀑧 ادق، أطف 􀑧 دل البن 􀑧 التحقوا بالجبهة، ونيابة عن آخرين، ماتوا وهم يحلمون بلحظة بسيطة آهذه، يحتضنون فيها ب
الذين ولدوا وآبروا في غفلة منهم.
د 􀑧 دك بع 􀑧 ى ي 􀑧 ه عل 􀑧 أتحول إلي 􀑧 ذي س 􀑧 نسيت يومها أن أقبِّلك نيابة عني.. وأن أبكي أمامك نيابة عني. نيابة عن الرجل ال
بق اً.. أن 􀑧 ة مس 􀑧 ك ا لقادم 􀑧 بق اً.. وأعوام 􀑧 ك مس 􀑧 ب ذاآرت 􀑧 بق اً.. وأن أطل 􀑧 مي مس 􀑧 مك اس 􀑧 وار اس 􀑧 ربع قرن. نسيت أن أسجّل ج
أحجز عمرك، وأوقف عدّاد السنوات الذي آان يرآض بي نحو السابعة والعشرين.. وأنت تدخلين شهرك السابع!
ه.. ولا 􀑧 اً لا أفهم 􀑧 ي آلام 􀑧 ولين ل 􀑧 يائي، وتق 􀑧 ين وبأش 􀑧 ين وتعبث 􀑧 د، تلعب 􀑧 ى الأب 􀑧 ري إل 􀑧 ى حج 􀑧 ذا عل 􀑧 تبقيك هك 􀑧 يت أن أس 􀑧 نس
تفهمينه.
لم تقاطعيني مرة واحدة، وأنا أقصّ عليك تلك القصة بإيجاز متعمّد، وأترك تفاصيلها المتشعبة لي.
توقفت فقط عند ذلك اليوم 15 أيلول 1957 الذي وقفت فيه لأآتب على سجلّ رسمي اسمك النهائي.
ا لأن لا 􀑧 ي . ربم 􀑧 د قبل 􀑧 ك أح 􀑧 لم تسأليني أيّ سؤال توضيحي، ولا علَّقت يومها بكلمة واحدة، على قصّة لم يقصها علي
أحد وجد في تلك القصة ما يستحق التوقف.
61
رة، 􀑧 امي لأول م 􀑧 استمعت إليَّ بذهول، وبصمت مخيف .وراحت غيوم مكابرة تحجب نظرتك عني.. آنت تبكين أم
أنت التي ضحكت معي في ذلك المكان نفسه آثيراً.
ي 􀑧 ه ف 􀑧 ه، و نؤجّل 􀑧 ث عن 􀑧 ا نبح 􀑧 ا آن 􀑧 يء م 􀑧 ى ش 􀑧 ة، عل 􀑧 ة الموجع 􀑧 ترانا أدرآنا لحظتها، أننا آنا نضحك لنتحايل على الحقيق
الوقت نفسه؟
م 􀑧 ا ل 􀑧 رأة، آم 􀑧 ن ام 􀑧 م أحض 􀑧 ا ل 􀑧 نظرت إليك خلف ضباب الدمع.. آنت أودُّ لحظتها، لو احتضنتك بذراعي الوحيدة، آم
ن 􀑧 رّي م 􀑧 ر س 􀑧 ا جس 􀑧 أحضن حلماً. ولكنني بقيت في مكاني، وبقيت في مكانك، متقابلين هكذا.. جبلين مكابرين، بينهم
الحنين والشوق.. وآثير من الغيوم التي لم تمطر.
ا 􀑧 ك وربم 􀑧 ا ل 􀑧 ت أرويه 􀑧 ة، آن 􀑧 ن قص 􀑧 م م 􀑧 ل الأه 􀑧 ذآرت الفص 􀑧 أنني ت 􀑧 ة، وآ 􀑧 ك اللوح 􀑧 ذآّرت تل 􀑧 ر، وت 􀑧 ة جس 􀑧 توقفتني آلم 􀑧 اس
أرويها لنفسي أيضاً، عساني أصدّق غرابتها. وقفت وقلت:
- تعالي سأريك شيئاً.
تبعتني دون سؤال.
وقفت أمام تلك اللوحة. قلت لك وأنت تنتظرين مدهوشة ما سأقوله:
عرت أن 􀑧 دي . ش 􀑧 ي جس 􀑧 عريرة ف 􀑧 رت قش 􀑧 وم الأول، س 􀑧 ك الي 􀑧 ي ذل 􀑧 ة، ف 􀑧 - أتدرين.. يوم رأيتك تقفين أمام هذه اللوح
ف 􀑧 اني أآتش 􀑧 ك عس 􀑧 لّم علي 􀑧 ت لأس 􀑧 ذا أتي 􀑧 ا، ول 􀑧 داً منه 􀑧 ت متأآ 􀑧 ي آن 􀑧 بينك وبين هذه اللوحة قرابة ما أجهلها. ولكنن
خطأ حدسي.. أو صوابه.
قلتِ متعجبة:
- وهل آنت مصيباً في حدسك؟
قلتُ:
- ألم تلاحظي التاريخ المكتوب على هذه اللوحة؟
أجبتِ وأنت تبحثين عنه أسفلها..
- لا..
قلتُ:
- إنه قريب من تاريخ ميلادك الرسمي. أنت تكبرين هذه اللوحة بأسبوعين فقط. إنها توأمك إذا شئتِ!
قلتِ مدهوشة:
- عجيب.. عجيب آل هذا!
نظرتِ إلى اللوحة وآأنك تبحثين فيها عن نفسك، فقلتِ:
- أليست هذه قنطرة الحبال؟
أجبتكِ:
- إنها أآثر من قنطرة.. إنها قسنطينة. وهذه هي القرابة الأخرى التي تربطك بهذه اللوحة.
- يوم دخلت هذه القاعة، دخلت قسنطينة معك..
62
- دَخَلَت في طلّتك.. في مشيتك.. في لهجتك.. وفي سوار آنت تلبسينه.
فكرتِ قليلاً ثم قلتِ:
يحدث أحياناً أن ألبسه في بعض المناسبات.. ولكنه ثقيل يوجع معصمي. ..« المقياس » - آ.. تعني
قلتُ:
مه ا .. 􀑧 ي معص 􀑧 و ف 􀑧 ت وه 􀑧 ه . مات 􀑧 عدة سنوات متتالية،ولم تشكُ من ثقل « أمّا » - لأن الذاآرة ثقيلة دائماً. لقد لبسته
إنها العادة فقط!
ذا 􀑧 يء . ول 􀑧 ل أي ش 􀑧 ه حم 􀑧 ل علي 􀑧 ل يثق 􀑧 ين لجي 􀑧 ت تنتم 􀑧 يئ اً .آن 􀑧 لم أعتب عليك. آان في صوتي حسرة، ولكن لم أقل لك ش
ي 􀑧 ة، بحل 􀑧 يّ القديم 􀑧 يغة والحل 􀑧 ر الص 􀑧 ين . واختص 􀑧 اختصر الأثواب العربية القديمة بأثواب عصرية من قطعة أو قطعت
م أو 􀑧 يّة، واس 􀑧 ب مدرس 􀑧 ي آت 􀑧 فحتين ف 􀑧 فحة أو ص 􀑧 خفيفة تلبس وتخلع على عجل. واختصر التاريخ والذاآرة آلها بص
اسمين في الشعر العربي..
ا 􀑧 رعان م 􀑧 رى . وس 􀑧 ار وأخ 􀑧 رة أخب 􀑧 ين نش 􀑧 بات، ب 􀑧 ي المناس 􀑧 ا إلا ف 􀑧 لن أعتب عليك، نحن ننتمي لأوطان لا تلبس ذاآرته
تخلعها عندما تطفأ الأضواء، وينسحب المصوّرون، آما تخلع امرأة أثواب زينتها.
قلتِ وآأنك تعتذرين عن خطأ لم تتعمديه:
- إذا شئت سألبس ذلك السوار من أجلك.. أيسعدك هذا؟
فاجأني آلامك. آان الموقف جريئاً شيئاً ما، رغم تلقائيته، وربما آان مضحكاً بحزن.
ي 􀑧 ي، والت 􀑧 ون ابنت 􀑧 ن أن تك 􀑧 ان يمك 􀑧 ي آ 􀑧 اة الت 􀑧 ت الفت 􀑧 ك . أن 􀑧 آنت هنا أعرض عليك أبوتي، وآنت تعرضين عليّ أمومت
أصبحت دون أن تدري.. أمّي!
ه 􀑧 عر ب 􀑧 وآان يمكن أن أجيبك لحظتها بكلمة واحدة، أختصر فيها آل تناقضات موقفنا ذلك، وأختصر فيها آل ما أش
تجاهك من عواطف متطرفة.. وجامحة. ولكنني قلتُ شيئاً آخر.
قلتُ:
- يسعدني ذلك، ويسعدني أيضاً أن تلبسيه من أجلك أنت.
ي 􀑧 م تفهم 􀑧 ه، إذ ا ل 􀑧 م تعرفي 􀑧 رة أب ل 􀑧 ن ذاآ 􀑧 ه، ولا م 􀑧 ين عن 􀑧 ذي تبحث 􀑧 ي ال 􀑧 ن الماض 􀑧 يئاً م 􀑧 ي ش 􀑧 ن تفهم 􀑧 ك ل 􀑧 ي أن 􀑧 د أن تع 􀑧 لا ب
قسنطينة بعاداتها وتلتحمي بها. إننا لا نكتشف ذاآرتنا ونحن نتفرج على بطاقة بريدية.. أو لوحة زيتية آهذه.
نحن نكتشفها عندما نلمسها، عندما نلبسها ونعيش بها.
ة دون أن أدري . 􀑧 زاً للأموم 􀑧 ي رم 􀑧 ي ذاآرت 􀑧 ان ف 􀑧 هذا السوار مثلاً، لقد أصبحت علاقتي به فجأة علاقة عاطفية. لقد آ
ي 􀑧 ة ف 􀑧 ي نائم 􀑧 ا داخل 􀑧 ي فجره 􀑧 يس الت 􀑧 ك الأحاس 􀑧 ل تل 􀑧 ل آ 􀑧 يه . وتظ 􀑧 ن ألا تلبس 􀑧 اآتشفت هذا يوم رأيتك تلبسينه، وآان يمك
دهاليز النسيان. هل تفهمين الآن.. أن الذاآرة أيضاً في حاجة إلى أن نوقظها أحياناً؟
ن 􀑧 وني م 􀑧 ى ج ن 􀑧 آم آنت أحمق.. آنت دون أن أدري، أوقظ داخلي مارداً آان نائماً منذ سنين. وآنت أحوّلك في حمّ
ي، 􀑧 ويم مغنطيس 􀑧 ة تن 􀑧 ي جلس 􀑧 خص ف 􀑧 ى ش 􀑧 ا يتلقّ 􀑧 اتي آم 􀑧 فتاة إلى مدينة. وآنتِ تستمعين لي بانبهار تلميذة، وتتلقّين آلم
تعاليمه وأوامره من منوّم يفعل به ما يشاء.
63
اآتشفت يومها قدرتي على ترويضك، وعلى السيطرة على نارك المحرقة.
وقرَّرت في سرّي أن أحولك إلى مدينة شاهقة.. شامخة، عريقة.. عميقة، لن يطأها الأقزام ولا القراصنة.
حكمت عليك أن تكوني قسنطينة ما..
وآنت أحكم على نفسي بالجنون.
***
ناها 􀑧 قضينا معاً وقتاً أطول ذلك اليوم.. وافترقنا مثقلين بالهزّات النفسية، مشحونين بالانفعالات المتطرّفة، التي عش
اً 􀑧 ف أحيان 􀑧 متنا المخي 􀑧 خلال أربع ساعات من الحديث المستمرّ. قلنا الكثير، وسط دموعنا المكابرة أحياناً، ووسط ص
أخرى.
ابرة.. أو 􀑧 ا جب 􀑧 م إم 􀑧 م، فه 􀑧 وع له 􀑧 ذين لا دم 􀑧 اس ال 􀑧 ر الن 􀑧 ت أحتق 􀑧 رة. آن 􀑧 ين لأول م 􀑧 ك تبك 􀑧 ي رأيت 􀑧 ا لأنن 􀑧 عيداً ربم 􀑧 ت س 􀑧 آن
منافقون. وفي الحالتين هم لا يستحقون الاحترام.
آنت المرأة التي آنت أريد أن أضحك وأبكي معها.
وآان هذا أروع ما اآتشفته ذلك اليوم.
ر 􀑧 أقص » : وم 􀑧 ياً يق 􀑧 ث لاً فرنس 􀑧 ذآّرت م 􀑧 ا ت 􀑧 اخرة . يومه 􀑧 ات الس 􀑧 يط بالتعليق 􀑧 دأناه دون تخط 􀑧 ذي ب 􀑧 ا الأول، ال 􀑧 ذآّرت لقاءن 􀑧 ت
وقلت ها أنذا ربحتها دون جهد.. ،« طريق لأن تربح امرأة هو أن تضحكها
ي 􀑧 مّ أن تبك 􀑧 ي لا يه 􀑧 ابرة الت 􀑧 امرات الع 􀑧 ى المغ 􀑧 ريع، وعل 􀑧 ربح الس 􀑧 ى ال 􀑧 جّع عل 􀑧 اليوم اآتشفت حماقة ذلك المثل الذي يش
بعدها المرأة التي قد ضحكت في البداية.
لم أربحك بعد نوبة ضحك..
ا 􀑧 ت فيه 􀑧 ي تأمل 􀑧 ة الت 􀑧 ك اللحظ 􀑧 ي تل 􀑧 مَّ ف 􀑧 اً. ث 􀑧 ربحتك يوم بكيت أمامي وأنت تستمعين إلى قصّتك التي آانت قصّتي أيض
ان 􀑧 ة حن 􀑧 ي لحظ 􀑧 نيني ف 􀑧 دّي، أو تحض 􀑧 ى خ 􀑧 ة عل 􀑧 عي قبل 􀑧 ك أن تض 􀑧 ى وش 􀑧 ا عل 􀑧 ت ربّم 􀑧 ح. وآن 􀑧 أثر واض 􀑧 ة بت 􀑧 ك اللوح 􀑧 تل
مفاجئ ..ولكنَّك لم تفعلي.
عل 􀑧 ة تش 􀑧 ى فتيل 􀑧 دّ، إل 􀑧 ى الخ 􀑧 ابرة عل 􀑧 ة الع 􀑧 ك القبل 􀑧 ول تل 􀑧 اف أن تتح 􀑧 ا نخ 􀑧 افح، وآأنن 􀑧 ن نتص 􀑧 ادة، ونح 􀑧 ل الع 􀑧 ا مث 􀑧 وافترقن
البراآين النائمة.
ون . 􀑧 ى الجن 􀑧 تدرجني إل 􀑧 تفزّني ويس 􀑧 رك يس 􀑧 آنّا نفهم بعضنا بصمت متواطئ. آان حضورك يوقظ رجولتي. آان عط
وعيناك آانت تجرّدانني من سلاحي حتى عندما تمطران حزناً.
وصوتك.. آه صوتك آم آنت أحبه.. من أين جئت به؟ أيّ لغة آانت لغتك؟ أيّ موسيقى آانت موسيقاك..
ق أن 􀑧 ي المنط 􀑧 ن ف 􀑧 ن يمك 􀑧 م يك 􀑧 ي ل 􀑧 ت الت 􀑧 آنت دهشتي الدائمة، وهزيمتي المؤآدة، فهل آان يمكن أن تكوني ابنتي، أن
تكوني شيئاً آخر غير ذاك بالنسبة لي.
اً 􀑧 ت فرس 􀑧 ك آن 􀑧 باق، ولكن 􀑧 احة س 􀑧 ي س 􀑧 واجز ف 􀑧 ع ح 􀑧 ا توض 􀑧 رة، آم 􀑧 لّ م 􀑧 ا آ 􀑧 عها بينن 􀑧 ة أض 􀑧 واجز وهمي 􀑧 ورحت أقاومك بح
خلقت للتحدي وربح الرهان. آنت تقفزين عليها جميعاً مرة واحدة، بنظرة واحدة.
64
ادة . 􀑧 وح آالع 􀑧 ي المفت 􀑧 يّ أو زرّ قميص 􀑧 آانت نظراتك تتسكع فوقي، تتوقف أحياناً هنا.. وأحياناً هناك، لتنتهي عند عين
قلت مرة وأنت تتأملينني أآثر:
امة 􀑧 - فيك شيء من زوربا. شيء من قامته.. من سمرته.. وشعره الفوضوي المنسّق. ربما آنت فقط أآثر وس
منه.
أجبتك:
ه 􀑧 ن حزن 􀑧 ه .. م 􀑧 ن وحدت 􀑧 يئاً م 􀑧 اقي ش 􀑧 ي أعم 􀑧 ه، وأنّ ف 􀑧 - يمكن أن تضيفي آذلك، أنني في سنه، وفي جنونه وتطرف
ومن انتصاراته التي تتحول دائماً إلى هزائم.
قلتِ متعجبة:
- أتعرف عنه آل هذا... أتحبه؟
أجبتُ:
- ربما..
قلتِ:
- أتدري أنه الرجل الذي أثّر أآثر في حياتي؟
يئاً 􀑧 ول ش 􀑧 ل أن أق 􀑧 ب . وقب 􀑧 ن الكت 􀑧 راً م 􀑧 أدهشني اعترافك. فكَّرت إما أنك لم تعرفي آثيراً من الرجال.. أو لم تقرئي آثي
واصلتِ بحماسة:
ي 􀑧 زواج .. ف 􀑧 ب وال 􀑧 ي الح 􀑧 فته ف 􀑧 رأة .. فلس 􀑧 ك الم 􀑧 ة بتل 􀑧 ه العجيب 􀑧 ة .. علاقت 􀑧 ر المتوقع 􀑧 رّفاته غي 􀑧 ه وتص 􀑧 - يعجبني جنون
ان 􀑧 وم آ 􀑧 رز، ي 􀑧 ة الك 􀑧 ذآّر قص 􀑧 دّه ا. أت 􀑧 ى ض 􀑧 ه إل 􀑧 الحرب والعبادة، وتعجبني أآثر طريقته في أن يصل بأحاسيس
بح 􀑧 ك أص 􀑧 د ذل 􀑧 أه . بع 􀑧 ى يتقيّ 􀑧 راً حت 􀑧 ر اً.. آثي 􀑧 ه آثي 􀑧 ل من 􀑧 أن يأآ 􀑧 ه ب 􀑧 ه ب 􀑧 ن ولع 􀑧 فى م 􀑧 رر أن يُش 􀑧 راً وق 􀑧 يحبّ الكرز آثي
يعامله آفاآهة عادية. آانت تلك طريقته في أن يشفى من الأشياء التي يشعر أنها تستعبده.
قلتُ:
- لا أذآر هذه القصة..
قلتِ:
ه 􀑧 ان بخيبت 􀑧 ل الإنس 􀑧 دهش أن يص 􀑧 يء م 􀑧 ه ش 􀑧 ل؟ إن 􀑧 الخراب الجمي 􀑧 ميه ب 􀑧 ا يس 􀑧 ط م 􀑧 ك وس 􀑧 ته تل 􀑧 ذآر رقص 􀑧 ل ت 􀑧 - وه
ك 􀑧 ون ل 􀑧 د أن تك 􀑧 وفجائعه حدّ الرقص. إنه تميّز في الهزائم أيضاً، فليست آلّ الهزائم في متناول الجميع. فلا ب
أحلام فوق العادة، وأفراح وطموحات فوق العادة، لتصل بعواطفك تلك إلى ضدّها بهذه الطريقة..
ا 􀑧 ة، م 􀑧 ي بحماس 􀑧 فينه ل 􀑧 ت تص 􀑧 ذي آن 􀑧 ال « ل􀑧 راب الجمي 􀑧 الخ » ك􀑧 ي ذل 􀑧 د ف 􀑧 دل أن أج 􀑧 ة . وب 􀑧 آنت أستمع إليك بانبهار وبمتع
ول دون 􀑧 ط، وأق 􀑧 ك فق 􀑧 ال فكرت 􀑧 اد لجم 􀑧 ت أنق 􀑧 كنك، رح 􀑧 د تس 􀑧 يمكن أن يثير مخاوفي من نزعة سادية، أو مازوشية ما ق
آثير من التفكير:
- صحيح.. جميل ما تقولين. _ ثم أضفتُ_ لم أآن أدري أنك تحبين زوربا إلى هذا الحد!
قلتِ ضاحكةً:
65
اً. 􀑧 زن مع 􀑧 ة والح 􀑧 ن الغبط 􀑧 يء م 􀑧 عرت بش 􀑧 ا ش 􀑧 وم قرأته 􀑧 ر اً. ي 􀑧 ة آثي 􀑧 ذه القص 􀑧 - سأعترف لك بشيء.. لقد أربكتني ه
ة 􀑧 ذه القص 􀑧 تطاردني ه 􀑧 ذا س 􀑧 اً، وله 􀑧 ك ممكن 􀑧 ن ذل 􀑧 م يك 􀑧 ذه، ول 􀑧 آنت أريد أن أحبّ رجلاً آهذا.. أو أآتب رواية آه
حتى أشفى منها بطريقة أو بأخرى.
قلتُ ساخراً:
- يسعدني إذن أن تجدي شيئاً من الشبه بيني وبينه، فقد تحققين الأمنيتين معاً..
تأملتني بشيء من الشيطة المحبّبة وقلتِ:
- معك أريد أن أحقق إحدى الأمنيتين فقط.
وأضفتِ قبل أن أسألك أيّهما:
- لن أآتب عنك شيئاً.
- آ.. لماذا..؟
ا.. 􀑧 اً علين 􀑧 - لأني لا أريد قتلك، أنا سعيدة بك.. نحن نكتب الروايات لنقتل الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئ
نحن نكتب لننتهي منهم..
للأدب وقلتُ لك ونحن نفترق: « الإجرامية » يومها ناقشتك طويلاً في نظرتك
!؟« جريمتك الأولى » - أيمكنني أخيراً أن أطّلع على روايتك الأولى.. أو
ضحكتِ وأجبتِِ:
- طبعاً.. شرط ألا تتحول إلى محقِّق جنائي أو طرفٍ في تلك القصّة!
تراك آنت تتنبئين بما ينتظرني، وتدرين مسبقاً أنني لن أآون معك قارئً محايداً بعد الآن.
في اليوم التالي أحضرت لي تلك الرواية. قلتِ وأنت تمدّين نحوي الكتاب:
- أتمنى أن تجد شيئاً من المتعة في قراءتها..
قلتُ مازحاً:
- وأتمنى ألا يفسد عدد ضحاياك متعتي!
أجبتِ باللهجة نفسها:
- لا.. اطمئن.. فأنا أآره المقابر الجماعية!
آيف نسيت هذه الجملة الأخيرة..
ريح 􀑧 وى ض 􀑧 ون س 􀑧 ن تك 􀑧 د، ل 􀑧 لات والجرائ 􀑧 ا المج 􀑧 روج له 􀑧 ي ت 􀑧 ذه، الت 􀑧 دة ه 􀑧 تك الجدي 􀑧 ع أن قصّ 􀑧 عندما أتذآرها الآن، أقتن
فردي لبطل واحد ربَّما آان زياد.. وربما آان أنا.. فمن ترى المحظوظ منَّا بميتة آهذه؟!
وحده آتابك قد يحمل جواباً على هذا السؤال، وعلى أسئلة أخرى تطاردني.
ة، 􀑧 ة والوهمي 􀑧 ولكن.. لماذا يثير آلّ ما تكتبيه لديّ أآثر من سؤال؟ ولماذا أشعر أنني طرف في آل قصصك الواقعي
حتى تلك التي آتبتها قبلي؟
66
داء، 􀑧 ه أيّ إه 􀑧 عي علي 􀑧 م تض 􀑧 ك الأول ذاك، ل 􀑧 ديتني آتاب 􀑧 وم أه 􀑧 ك ي 􀑧 ك، أو لأن 􀑧 اً علي 􀑧 اً تاريخي 􀑧 ترى لأنني أتوهم أن لي حق
وقلت ذلك التعليق المدهش الذي لم أنسه:
فحات 􀑧 ي ص 􀑧 ا ف 􀑧 ى، وإنم 􀑧 اء الأول 􀑧 فحة البيض 􀑧 ي الص 􀑧 يس ف 􀑧 انهم ل 􀑧 بهم فمك 􀑧 إننا نخطّ إهداءً للغرباء فقط.. وأمّا الذين نح »
.«.. الكتاب
ن 􀑧 يومها أسرعت إلى ذلك الكتاب ألتهمه في سهرتين. رحت أرآض لاهثاً من صفحة إلى أخرى، وآأنني أبحث ع
ون 􀑧 د يك 􀑧 ا ق 􀑧 يء م 􀑧 ن ش 􀑧 ي . ع 􀑧 ل أن نلتق 􀑧 ى قب 􀑧 ثلاً حت 􀑧 بقاً م 􀑧 ي مس 􀑧 ه ل 􀑧 ونين آتبت 􀑧 د تك 􀑧 يء ق 􀑧 شيء ما غير الذي أقرأه. عن ش
يربطنا من خلال قصة لم تكن قصتنا.
نة 􀑧 ن س 􀑧 ول م 􀑧 م تها ذات أيل 􀑧 ي رس 􀑧 أدري أنَّ ذلك آان جنوناً، ولكن أليس في الحياة مصادفات مدهشة آتلك اللوحة الت
1957 ، وبقيت تنتظرك ربع قرن دون أن أنها آانت لك.. بل إنها آانت أنتِ؟
وآان ذلك محض أوهام.. لم تخبّئي لي في آتابك ذاك، سوى مرارة وألم وغيرة حمقاء، ذقت نارها لأول مرّة.
غيرة جنونية من رجل من ورق، قد يكون مرّ بحياتك حقاً.. وقد يكون مخلوقاً خيالياً، أثَّثت به فراغ أيامك وبياض
الصفحات فقط.
ي 􀑧 ين حيرت 􀑧 تِ تعمّق 􀑧 ؤال .. رح 􀑧 ك الس 􀑧 ن ذل 􀑧 دة ع 􀑧 رة واح 􀑧 ي م 􀑧 م تجيبين 􀑧 ع؟ ل 􀑧 وهم والواق 􀑧 ولكن أين هو الحد الفاصل بين ال
بأجوبة أآثر غموضاً.. قلت:
ذين 􀑧 ا ال 􀑧 تبقى، وأمّ 􀑧 ي س 􀑧 ي الت 􀑧 ي الأدب .. وه 􀑧 - إنّ المهمّ في آل ما نكتبه.. هو ما نكتبه لا غير، فوحدها الكتابة ه
م أو 􀑧 ق معه 􀑧 لنا الطري 􀑧 م واص 􀑧 ر .. ث 􀑧 ب بٍ أو لآخ 􀑧 وم لس 􀑧 امهم ذات ي 􀑧 ا أم 􀑧 اس توقفن 􀑧 ير .. أن 􀑧 ة س 􀑧 م حادث 􀑧 نهم فه 􀑧 آتبنا ع
بدونهم.
قلتُ:
ه 􀑧 ه ..إن 􀑧 - ولكن لا يمكن أن تكون علاقة الكاتب بملهمه مبسّطة إلى هذا الحد. إن الكاتب لا شيء دون من يلهم
مدين له بشيء..
قاطعتني..
يخ 􀑧 ي ستش 􀑧 الت « زا 􀑧 إل » ون 􀑧 ن عي 􀑧 ل م 􀑧 و أجم 􀑧 ه « زا 􀑧 إل » ون 􀑧 ن عي 􀑧 ع « ون 􀑧 أراغ » ه􀑧 ا آتب 􀑧 اذا..؟.. إن م 􀑧 ه بم 􀑧 دين ل 􀑧 - م
ه أن 􀑧 اً علي 􀑧 ان محكوم 􀑧 ر آ 􀑧 عرٍ غزي 􀑧 ن شَ 􀑧 د م 􀑧 ل بالتأآي 􀑧 أجم « يس 􀑧 بلق » فائر 􀑧 ن ض 􀑧 اني ع 􀑧 وتذبل.. وما آتبه نزار قب
امة 􀑧 ي ابتس 􀑧 يس ف 􀑧 ه ل 􀑧 ذ قيمت 􀑧 دا، أخ 􀑧 دة للجوآان 􀑧 امة واح 􀑧 ي ابتس 􀑧 ي ف 􀑧 ارد ديفانش 􀑧 مه ليون 􀑧 ا رس 􀑧 يبيضّ ويتساقط.. وم
ع 􀑧 ة تجم 􀑧 امة غامض 􀑧 ساذجة للمونوليزا، وإنما في قدرة ذلك الفنان المذهلة على نقل أحاسيس متناقضة، وابتس
بين الحزن والفرح في آن واحد..
فمن هو المدين للآخر بالمجد إذن؟
ر 􀑧 يغة أآث 􀑧 ؤال بص 􀑧 ك ا لس 􀑧 د تُ علي 􀑧 ة . فأع 􀑧 ن الحقيق 􀑧 رب م 􀑧 ة لله 􀑧 ي محاول 􀑧 آان حديثنا يأخذ منحى آخر ربما أردتهِ أنتِ ف
مباشرة:
- هل مرّ هذا الرجل بحياتك ..أم لا؟
67
ضحكتِ.. وقلتِ:
ذا 􀑧 ن ه 􀑧 أآثر من 60 جريمة. وفي روايات آاتبات أخريات أآثر م « أغاتا آريستي » - عجيب.. إن في روايات
جنه نَّ. 􀑧 ب بس 􀑧 رائم، أو يطال 􀑧 ك الج 􀑧 ل تل 􀑧 ى آ 􀑧 اآمهن عل 􀑧 وته ليح 􀑧 ارئ ص 􀑧 رة ق 􀑧 ع أيّ م 􀑧 م يرف 􀑧 ى . ول 􀑧 ن القتل 􀑧 دد م 􀑧 الع
ائي 􀑧 ق جن 􀑧 ن محق 􀑧 ر م 􀑧 د أآث 􀑧 ا، وليج 􀑧 ام نحوه 􀑧 ابع الاته 􀑧 ل أص 􀑧 ه آ 􀑧 دة، لتتج 􀑧 ب واح 􀑧 ة ح 􀑧 ويكفي آاتبةً أن تكتب قص
ا أن 􀑧 اً، فإم 􀑧 ية نهائي 􀑧 ذه القض 􀑧 اً ه 􀑧 موا يوم 􀑧 ن أن يحس 􀑧 اد م 􀑧 د للنق 􀑧 ه لا ب 􀑧 د أن 􀑧 ته ا. أعتق 􀑧 ا قص 􀑧 ى أنه 􀑧 ل عل 􀑧 ن دلي 􀑧 ر م 􀑧 أآث
يعترفوا أن للمرأة خيالاً يفوق خيال الرجال، وإما أن يحاآمونا جميعاً!
ضحكتُ لحجتك التي أدهشتني ولم تقنعني. قلتُ:
ل 􀑧 ذا الرج 􀑧 رّ ه 􀑧 ل م 􀑧 ه .. ه 􀑧 ي عن 􀑧 م تجيبين 􀑧 ؤالاً ل 􀑧 ك س 􀑧 رر علي 􀑧 ي أآ 􀑧 ية، دعين 􀑧 - في انتظار أن يحسم النقاد هذه القض
بحياتك حقاً؟
قلتِ وأنتِ تعبثين بأعصابي:
- المهم أنه مات بعد هذا الكتاب..
- آ.. لأنك قادرة على أن تقتلي الماضي هكذا بجرة قلم؟
قلتِ وأنتِ تواصلين مراوغتك:
- أيّ ماضٍ؟.. نحن قد نكتب أيضاً لنصنع أضرحة لأحلامنا لا غير..
آان في أعماقي شعور ما بأن تلك القصة آانت قصتك، وأن ذلك الرجل قد مرّ بحياتك.. وربما بجسدك أيضاً.
ه .. 􀑧 يء من 􀑧 رة ش 􀑧 لّ فق 􀑧 ي آ 􀑧 آنت أآاد أشمّ بين السطور رائحة تبغه. أآاد أآتشف أشياءه مبعثرة بين صفحات آتابك. ف
من سمرته ..من مذاق قبلته.. من ضحكته.. من أنفاسه.. ومن اشتهائك الفاضح له..
ة 􀑧 ك رجول 􀑧 ته لغت 􀑧 ائي، آس 􀑧 راع نس 􀑧 ض اخت 􀑧 راه مح 􀑧 فه؟ أم ت 􀑧 ي وص 􀑧 دعت ف 􀑧 ي أب 􀑧 ت الت 􀑧 اً.. أم أن 􀑧 ك حق 􀑧 ي حبّ 􀑧 دع ف 􀑧 راه أب 􀑧 ت
ي زيّ 􀑧 اب، ف 􀑧 ك الكت 􀑧 الع ذل 􀑧 ت أط 􀑧 ق رح 􀑧 أيّ منط 􀑧 ا، ب 􀑧 ه . وأن 􀑧 وأحلاماً، صنعت لها بعد ذلك ضريحاً جميلاً.. على مقاس
ة 􀑧 ة بقبل 􀑧 فك متلبس 􀑧 عاشق متنكر ببدلة شرطي أخلاق. وإذا بي أنقّب بين الكلمات وأبحث بين الفواصل، عساني أآتش
ما.. هنا، أو أآتشف الأحرف الأولى من اسمه هناك.
اريس، أي 􀑧 ي ب 􀑧 يّن ف 􀑧 ذ عُ 􀑧 ك من 􀑧 د عم 􀑧 ذهب تفكيري بعيداً.. تذآّرت أنك في باريس من أربع سنوات، وأنك تقطنين عن
منذ سنتين فقط. فماذا تراك فعلت قبل ذلك في آلّ الفترة التي آنت فيها بمفردك؟
ي 􀑧 ك وأنن 􀑧 ذ قرأت 􀑧 رت من 􀑧 أرهقني آتابك ذاك، آان ممتعاً ومتعباً مثلك.. اعترفت لك في ما بعد، أن علاقتي بك قد تغيّ
أشكّ في أن أآون قادراً على الصمود بعد اليوم.. فأنا لم أآن مهيأً لسلاح الكلمات.
قلتِ فقط وآأنَّ الأمر لا يعنيك تماماً:
- آان عليك ألا تقرأني إذن!
أجبتكِ بحماقة:
- ولكنني أحب أن أقرأك. ثم أنا لا أملك طريقة أخرى لفهمك..
أجبتِ:
68
رورة . 􀑧 ا بالض 􀑧 ه لا يحترفه 􀑧 ة، ولكن 􀑧 ة الحقيق 􀑧 ى حاف 􀑧 يش عل 􀑧 ان يع 􀑧 ب إنس 􀑧 - مخطئ.. أنت لن تفهم شيئاً هكذا.. الكات
ذّب . 􀑧 المه 􀑧 ن الك 􀑧 اً م 􀑧 رف نوع 􀑧 م .. أي يحت 􀑧 رف الحل 􀑧 ة يحت 􀑧 ي الحقيق 􀑧 ذلك اختصاص المؤرّخين لا غير.. إنه ف
والروائي الناجح هو رجل يكذب بصدق مدهش، أو هو آاذب يقول أشياء حقيقيّة.
ي 􀑧 ك ف 􀑧 د ذل 􀑧 ب بع 􀑧 ا ألا أنقّ 􀑧 ررت يومه 􀑧 ثمّ أضفتِ بعد شيء من التفكير.. أعذب الكذب آان آذبك، وأآثره ألماً آذلك. ق
تحقّ 􀑧 ي يس 􀑧 ن ش 􀑧 اك م 􀑧 يس هن 􀑧 ه ل 􀑧 ا لأن 􀑧 ة . وربم 􀑧 رف المراوغ 􀑧 ى تحت 􀑧 ك أنث 􀑧 ا لأن 􀑧 يء . ربم 􀑧 ذاآرتك. أنت لن تبوحي لي بش
الاعتراف.
ي 􀑧 ذبك ف 􀑧 ان آ 􀑧 ة، وآ 􀑧 ت فارغ 􀑧 ع .. آن 􀑧 ي الواق 􀑧 ا. ف 􀑧 ي عرفته 􀑧 آنت تريدين فقط أن توهميني أنك لم تعودي تلك الطفلة الت
لّ 􀑧 ن آ 􀑧 ديث ع 􀑧 درجينها للح 􀑧 ئلة، وتس 􀑧 ي بالأس 􀑧 اردين ذاآرت 􀑧 ت تط 􀑧 اذا آن 􀑧 ي، ولم 􀑧 ك ب 􀑧 رّ تعلّق 􀑧 ا س 􀑧 ك . وإلا م 􀑧 احة فراغ 􀑧 مس
ن 􀑧 ت م 􀑧 ا آره 􀑧 ت وم 􀑧 ا أحبب 􀑧 لّ م 􀑧 ي وآ 􀑧 متي ذاآرت 􀑧 ي مقاس 􀑧 ة ف 􀑧 ك الرغب 􀑧 لّ تل 􀑧 ة، آ 􀑧 راهة للمعرف 􀑧 ك الش 􀑧 لّ تل 􀑧 اذا آ 􀑧 شيء؟ لم
أشياء.. أآانت الذاآرة عقدتك؟
***
ف 􀑧 ا. فكي 􀑧 دو لن 􀑧 ان يب 􀑧 ا آ 􀑧 هر آم 􀑧 ذ أش 􀑧 يس من 􀑧 ط، و ل 􀑧 لا بد لمعرضي أن ينتهي، لننتبه أننا نعرف بعضنا من أسبوعين فق
ت 􀑧 م بتوقي 􀑧 رح ونحل 􀑧 زن ونف 􀑧 اً، أن نح 􀑧 يناها مع 􀑧 اعات قض 􀑧 ع س 􀑧 فرغنا من ذاآرتنا في بضعة أيام؟ آيف تعلَّمنا في بض
واحد؟
ف ..؟ 􀑧 ا؟ آي 􀑧 ن ذاآرتن 􀑧 زءاً م 􀑧 بح ج 􀑧 ذي أص 􀑧 ان، ال 􀑧 ذا المك 􀑧 آيف أصبحنا نسخة من بعضنا.. وآيف يمكن لنا أن نغادر ه
ع 􀑧 ن، ورب 􀑧 ا الف 􀑧 وهو الذي وضعنا لعدة أيام، خارج حدود الزمان والمكان، في قاعة شاسعة، يسكنها الصمت ويؤثثه
قرن من المعاناة والجنون؟
آنّا لوحة وسط عدة لوحات أخرى.
ذذ 􀑧 ت أتل 􀑧 دار . وآن 􀑧 د الأق 􀑧 مها ي 􀑧 لت رس 􀑧 م واص 􀑧 اً ث 􀑧 ادفة يوم 􀑧 متها المص 􀑧 وان، رس 􀑧 دّدة الأل 􀑧 وار، متع 􀑧 آنا لوحة متقلّبة الأط
بوضعي الجديد ذاك وأنا أتحول من صاحب ذلك المعرض، إلى لوحة من لوحاته لا أآثر.
رى، 􀑧 د أخ 􀑧 ة بع 􀑧 دران، لوح 􀑧 ى الج 􀑧 ة عل 􀑧 ات المعلّق 􀑧 ك اللوح 􀑧 ع تل 􀑧 ا أرف 􀑧 زن وأن 􀑧 عرت بح 􀑧 رة، أن ش 􀑧 ك الم 􀑧 لم يحدث، مثل تل
رى لا 􀑧 ص أخ 􀑧 ه وبقص 􀑧 ه وبفرح 􀑧 ه .. بحزن 􀑧 يأتي بلوحات 􀑧 ر، س 􀑧 ام آخ 􀑧 ة لرسَّ 􀑧 ة فارغ 􀑧 رك القاع 􀑧 ناديق لأت 􀑧 ي الص 􀑧 وأجمعها ف
تشبه قصّتي.
آنت أشعر أنني أجمع أيامي معك.
فجأة، توقفت يدي وهي على وشك أن ترفع تلك اللوحة التي ترآتها للآخر.
و 􀑧 ق نح 􀑧 ر، معلّ 􀑧 تأملتها مرة أخرى، شعرت أنها ناقصة. لم يكن على مساحتها سوى جسر يعبرها من طرف إلى آخ
الأعلى بحبال من طرفيه آأرجوحة حزن.
ماء 􀑧 افي لس 􀑧 زاج الص 􀑧 ع الم 􀑧 ارخ م 􀑧 ها الص 􀑧 ن تناقض 􀑧 ق تعل 􀑧 ي العم 􀑧 اربة ف 􀑧 خرية ض 􀑧 وّة ص 􀑧 ة ه 􀑧 وتحت الأرجوحة الحديدي
استفزازية الهدوء والزرقة.
69
ونين 􀑧 ري الل 􀑧 ث ع 􀑧 اد، وتؤث 􀑧 ذا التض 􀑧 ر ه 􀑧 لم أشعر، قبل تلك اللحظة، أن هذه اللوحة في حاجة إلى تفاصيل جديدة تكس
اللذين ينفردان بها.
ن 􀑧 نة م 􀑧 رة س 􀑧 س عش 􀑧 لوحة، آانت رؤوس أقلام ومشاريع أحلام تجاوزتها الأحداث بخم « حنين » في الواقع، لم تكن
الحنين والدهشة وليس فقط بربع قرن من الزمن.
ك 􀑧 ل تل 􀑧 د آ 􀑧 ا بع 􀑧 س أمامه 􀑧 د أن أجل 􀑧 ل .أري 􀑧 ى عج 􀑧 أة عل 􀑧 ت فج 􀑧 ات . آن 􀑧 ن الأخري 􀑧 ا ع 􀑧 أنني أميّزه 􀑧 ي، وآ 􀑧 ت إبط 􀑧 حملتها تح
« ال 􀑧 رة الحب 􀑧 قنط » ارة 􀑧 راً حج 􀑧 ا أخي 􀑧 ل إليه 􀑧 السنوات، محملاً بفرشاة وألوان أخرى، لأنفخ الحياة والضجيج فيها، وأنق
د 􀑧 ي بع 􀑧 ن أن نلتق 􀑧 ف يمك 􀑧 يء : آي 􀑧 لّ ش 􀑧 حجراً.. حجراً. ولكن آان في ذهني المبعثر لحظتها هاجس آخر يطغى على آ
الآن ...وأين؟
ان 􀑧 انتهت عطلتك الجامعية مع نهاية معرضي تقريباً. وها نحن محاصران بكل مستحيلات الزمان والمكان. ملاحق
ك ! 􀑧 دري مع 􀑧 ان ق 􀑧 در آ 􀑧 بكل العيون التي قد تسرق سرنا. بكل أولئك الذين لا نعرفهم.. ويعرفوننا. أيّ جنون.. وأيّ ق
ي 􀑧 ائي بس 􀑧 ال لق 􀑧 رد احتم 􀑧 ان مج 􀑧 ذات؟ آ 􀑧 ت بال 􀑧 اذا أن 􀑧 ذر .. ولم 􀑧 ذا الح 􀑧 ل ه 􀑧 اذا آ 􀑧 اهتي؟ ولم 􀑧 حني ع 􀑧 دي تفض 􀑧 اذا وح 􀑧 ولم
اك 􀑧 ذلك الارتب 􀑧 ف، وب 􀑧 رج ا لموق 􀑧 أة بح 􀑧 عر فج 􀑧 رة، وأش 􀑧 ذه الفك 􀑧 ن ه 􀑧 دل ع 􀑧 ي أع 􀑧 حبتك، يجعلن 􀑧 الشريف ذات يوم وأنا بص
الذي سيفضحني لا محالة.
اتفقنا على أن تطلبيني هاتفياً، وأن نتفق على برنامج جديد.
ك 􀑧 تها مع 􀑧 ابع دراس 􀑧 ك تت 􀑧 ة عم 􀑧 ت ابن 􀑧 د آان 􀑧 امعي . فق 􀑧 آان ذلك هو الحل الوحيد. فلم يكن ممكناً أن أزورك في حيّك الج
في الجامعة نفسها.
أآان يمكن لنا أن نجد ظروفاً أآثر تعقيداً من هذه؟.
***
أطول نهاية أسبوع على الإطلاق، آانت تلك التي قضيتها في انتظار هاتفك صباح الاثنين.
يوم الأحد دقّ الهاتف.
ى 􀑧 اترين عل 􀑧 ت آ 􀑧 ي لاً. آان 􀑧 و قل 􀑧 ا.. ول 􀑧 دّثينني فيه 􀑧 أسرعت إليه وأنا أراهن أنّك أنت .فربما نجحت في سرقة لحظات تح
ى 􀑧 ادم إل 􀑧 فره ا الق 􀑧 روع س 􀑧 ة، ومش 􀑧 اغلها اليومي 􀑧 ول مش 􀑧 ر ح 􀑧 ي تثرث 􀑧 ا وه 􀑧 تمع له 􀑧 ت أس 􀑧 ي . ورح 􀑧 ا خيبت 􀑧 الخطّ .أخفيت عنه
لندن.. ثم سألتني عن أخبار المعرض وقالت وهي تنتقل من موضوع إلى آخر:
ه 􀑧 م روجي 􀑧 ه بقل 􀑧 ه .. إن 􀑧 ت علي 􀑧 ك اطلع 􀑧 د أن 􀑧 ن المؤآ 􀑧 بوعية .. م 􀑧 ة أس 􀑧 ي مجل 􀑧 ك ف 􀑧 ن معرض 􀑧 داً ع 􀑧 الاً جي 􀑧 رأت مق 􀑧 د ق 􀑧 - لق
نقَّاش، يبدو أنه يعرفك.. أو يعرف لوحاتك جيداً.
لم أآن أشعر برغبة في الحديث.. قلت لها باقتضاب:
- نعم، إنه صديق قديم..
تخلّصت منها بلباقة.
رى .. 􀑧 دية الأخ 􀑧 اتي الجس 􀑧 وق حاج 􀑧 ا، تف 􀑧 م يومه 􀑧 اجتي للرس 􀑧 لم أآن أشعر بأية رغبة في لقائها ذلك اليوم. ربما آانت ح
وربما آنت فقط ممتلئاً بكِ.
70
عدت إلى مرسمي مثقل الخطى.
آنت شرعت في إعداد تشكيلة من الألوان، لأبدأ في وضع لمسات على تلك اللوحة.
ولكنني ارتبكت. تحولت أمامها إلى ذلك الرسام المبتدئ الذي آنته منذ خمس وعشرين سنة.
ترى قرابتها الجديدة لك، هي التي أضفت عليها هذه الصبغة المربكة؟
ض 􀑧 ة _ بع 􀑧 ى لوح 􀑧 يس عل 􀑧 ذاآرة _ ول 􀑧 أم تراني آنت مرتبكاً لأنني آنت أجلس أمام الماضي لا غير.. لأضفي على ال
؟« الرتوشات »
ث 􀑧 داً العب 􀑧 ي أب 􀑧 ه لا ينبغ 􀑧 ق _ أن 􀑧 ادة للمنط 􀑧 ي المض 􀑧 م رغبت 􀑧 ة . وأدري_رغ 􀑧 ب حماق 􀑧 ك أن أرتك 􀑧 آنت أشعر أنني على وش
بالماضي، وأن أية محاولة لتجميله، ليست سوى محاولة لتشويهه.
اذا 􀑧 ذاجة، فلم 􀑧 دّ الس 􀑧 طاً ح 􀑧 ا مبسّ 􀑧 يء فيه 􀑧 لّ ش 􀑧 آنت أدرك هذا.. ولكن هذه اللوحة أصبحت تضايقني فجأة هكذا ..آان آ
لا أواصل رسمها اليوم، ولماذا لا أعاملها بمنطق فنّي لا أآثر؟
يف 􀑧 رى ليض 􀑧 ة وأخ 􀑧 ين لوح 􀑧 اً ب 􀑧 ا دائم 􀑧 ود إليه 􀑧 ان يع 􀑧 ه؟ آ 􀑧 دى لوحات 􀑧 م إح 􀑧 ألم يقضِ ( شاغال) خمس عشرة سنة في رس
شيئاً أو وجهاً جديداً عليها، بعدما أصرَّ على أن يجمع فيها آلّ الوجوه والأشياء التي أحبها منذ طفولته؟
ى 􀑧 ابرين، وأرشّ عل 􀑧 ى الع 􀑧 ض خط 􀑧 ر بع 􀑧 ذا الجس 􀑧 ى ه 􀑧 ع عل 􀑧 ة، أن أض 􀑧 ذه اللوح 􀑧 ى ه 􀑧 ود إل 􀑧 اً أن أع 􀑧 ي أيض 􀑧 ن حق 􀑧 يس م 􀑧 أل
اً 􀑧 اً، ورقر اق 􀑧 يلاً أحيان 􀑧 ة، بخ 􀑧 جانبيه بعض البيوت المعلّقة فوق الصخور، وأسفله شيئاً من ذلك النهر الذي يشق المدين
ي 􀑧 ا ف 􀑧 ن نقله 􀑧 اجزاً ع 􀑧 ت ع 􀑧 ي آن 􀑧 ى، الت 􀑧 ي الأول 􀑧 مات ذاآرت 􀑧 ا بص 􀑧 زبديّاً أحياناً أخرى ..ألم يعد ضرورياً أن أضع عليه
السابق، يوم آنت رساماً مبتدئاً وهاوياً لا غير؟
لا أدري آيف تذآّرت لحظتها روجيه نقّاش، صديق طفولتي.. وصديق غربتي.
ذآرت ولعه بقسنطينة، وتعلقه بذآراها، هو الذي لم يعد إليها أبداً منذ غادرها سنة 1959 مع أهله، ومع فوج من
الجالية اليهودية التي آانت تريد أن تبني لها مستقبلاً آمناً في بلد آخر.
« ار 􀑧 يمون تمّ 􀑧 س» ة􀑧 ة اليهودي 􀑧 لم يحدث أن زرته مرة في بيته، دون أن يصرّ على أن يسمعني شريطاً جديداً للمطرب
ذي 􀑧 اخر، ال 􀑧 نطيني الف 􀑧 وب القس 􀑧 ك الث 􀑧 ة ذل 􀑧 وهي تغني المالوف والموشَّحات القسنطينية بأداء وبصوت مدهش، مرتدي
أهدوها إياه في أول عودة لها هناك.. والذي يزيّن غلاف شريطها.
ا 􀑧 ان يتهمه 􀑧 د آ 􀑧 ه، فق 􀑧 ات غيرت 􀑧 منذ بضعة أشهر أخبرني روجيه أن سيمن ماتت مقتولة على يد زوجها في إحدى نوب
بحبّ رجل عربي.
.« أدري أنها آانت تحب قسنطينة » .. ثم أضاف بمرارة ما «.. لا أدري » .. سألته إن آان ذلك حقاً.. أجابني
دة 􀑧 وروجيه أيضاً آان يحبها.. وآان حلمه السري أن يعود إليها ولو مرة واحدة، أو يأتيه أحد على الأقل بثمرة واح
من شجرة التين التي آانت تطال نافذة غرفته والتي آانت في حديقة بيته منذ أجيال..
م 􀑧 ي ل 􀑧 ة الت 􀑧 نطينية المحبب 􀑧 ه القس 􀑧 يّ بلهجت 􀑧 صّ عل 􀑧 ه، يق 􀑧 تمع إلي 􀑧 ا أس 􀑧 اً وأن 􀑧 راج مع 􀑧 عادة والإح 􀑧 ن الس 􀑧 وآنت أشعر بمزيج م
يطمس ربع قرن من البعد أيّ نبرة فيها، شوقه إلى تلك المدينة.. القاتلة!
71
ان 􀑧 د آ 􀑧 ا .فق 􀑧 تقر فيه 􀑧 وآان يزيد إحراجي آل ما قام به روجيه لمساعدتي منذ سنوات، عندما وصلت إلى باريس لأس
كلات 􀑧 املات والمش 􀑧 ن المع 􀑧 ر اً م 􀑧 ه _ آثي 􀑧 ب من 􀑧 يّ_دون أن أطل 􀑧 هّل عل 􀑧 ن أن يس 􀑧 ا يمك 􀑧 اطات، م 􀑧 داقات والوس 􀑧 له من الص
التي تواجه رجلاً في وضعي.
ك 􀑧 ون أهل 􀑧 لماذا لم تعد ولو مرة واحدة لزيارة قسنطينة؟ أنا لا أفهم خوفك، إن الناس مازالوا يعرف » ذات مرة سألته
ل ألا 􀑧 اك، ب 􀑧 اس هن 􀑧 ي الن 􀑧 يس ألا يعرفن 􀑧 ي ل 􀑧 ا يخيفن 􀑧 م» : ي􀑧 ال ل 􀑧 ه ق 􀑧 ا أن 􀑧 ر وقته 􀑧 أذآ «.. الخير 􀑧 ذآرونه م ب 􀑧 في ذلك الحيّ وي
.«.. أعرف أنا تلك المدينة.. وتلك الأزقّة.. وذلك البيت الذي لم يعد بيتي منذ عشرات السنين
لّ 􀑧 ازال يط 􀑧 باك م 􀑧 ك الش 􀑧 نة، وأن ذل 􀑧 ل س 􀑧 دعني أتوهم أن تلك الشجرة مازالت هناك.. وأنها تعطي تيناً آ » : ثم أضاف
يء 􀑧 عب ش 􀑧 دري .. إن أص 􀑧 ا.. أت 􀑧 ت أعرفه 􀑧 اآن آن 􀑧 ى أم 􀑧 ؤدي إل 􀑧 ازال ي 􀑧 يق م 􀑧 اق الض 􀑧 ك الزق 􀑧 بهم ..وذل 􀑧 على ناس آنت أح
«.. على الإطلاق هو مواجهة الذاآرة بواقع مناقض لها
ك 􀑧 ى تل 􀑧 أعو د إل 􀑧 ي، س 􀑧 رتُ رأي 􀑧 دث وغيّ 􀑧 و ح 􀑧 ل» زاح 􀑧 ن الم 􀑧 يء م 􀑧 آان في عينيه يومها لمعة دموع مكابرة، فأضاف بش
.«.. المدينة معك، أخاف أن أواجه ذاآرتي وحدي
داً_ 􀑧 ك أب 􀑧 د ذل 􀑧 وع بع 􀑧 ك الموض 􀑧 ي ذل 􀑧 رح مع 􀑧 م يط 􀑧 ذي ل 􀑧 و ال 􀑧 أة_ ه 􀑧 ه فج 􀑧 ر آلام 􀑧 نوات، أذآ 􀑧 دة س 􀑧 د ع 􀑧 وم، وبع 􀑧 الي
تراه نجح حقاً في التحايل على ذاآرته؟
ة 􀑧 ن مواجه 􀑧 ا ع 􀑧 ث له 􀑧 ى ولا نبح 􀑧 ورته ا الأول 􀑧 ا الأول وص 􀑧 ي قالبه 􀑧 وماذا لو آان على حق؟ يجب أن نحتفظ بذآرياتنا ف
اصطدامية مع الواقع يتحطم بعدها آل شيء داخلنا آواجهة زجاجية.. المهم في هذه الحالات إنقاذ الذاآرة.
أقنعني ذلك المنطق، وشعرت أن هاتف آاترين أنقذني بطريقة غير مباشرة من حماقة آنت على وشك ارتكابها.
بح 􀑧 اك .. ستص 􀑧 يئاً هن 􀑧 ا ش 􀑧 ت فيه 􀑧 ا، أو طمس 􀑧 لن يكون لتلك اللوحة أية قيمة تأريخية بعد اليوم، إذا أضفت إليها شيئاً هن
لوحة لقيطة لذاآرة مزوّرة.. وهل يهم عندئذٍ أن نكون أجمل؟
اة 􀑧 ذه الفرش 􀑧 وان .. وبه 􀑧 ذه الأل 􀑧 يئاً به 􀑧 ل ش 􀑧 د أن أفع 􀑧 نظرت إلى خشبة الألوان التي آانت بيدي. فكّرت أنه رغم ذلك لا ب
العصبية التي آانت تترقّب مثلي لحظة الخلق الحاسمة.
وفجأة وجدت الحلّ في فكرة بسيطة ومنطقيّة لم تخطر ببالي.
رة 􀑧 ر، قنط 􀑧 م دون تفكي 􀑧 ت أرس 􀑧 دة، ورح 􀑧 اء جدي 􀑧 ة بيض 􀑧 ا لوح 􀑧 عت أمامه 􀑧 م، ووض 􀑧 بات الرس 􀑧 رفعت تلك اللوحة عن خش
أخرى، بسماء أخرى، بوادٍ آخر وبيوت وعابرين.
ا 􀑧 در م 􀑧 ة، بق 􀑧 ي النهاي 􀑧 ي ف 􀑧 د يعنين 􀑧 م يع 􀑧 ر ل 􀑧 ر الجس 􀑧 أن أم 􀑧 ا، وآ 􀑧 رحت هذه المرة، أتوقف عند آل التفاصيل وأآاد أبدأ به
ة ) 􀑧 ة (أو عفون 􀑧 ن رطوب 􀑧 تفيدة م 􀑧 فله، مس 􀑧 رت أس 􀑧 ي تبعث 􀑧 ات الت 􀑧 تعنيني الحجارة والصخور التي يقف عليها. وتلك النبات
ى 􀑧 ا) وحت 􀑧 ام (ماسينيس 􀑧 ذ أي 􀑧 الأعماق. وتلك الممرات السرية التي حفرتها خطى الإنسان وسط المسالك الصخرية. من
ر 􀑧 و 700 مت 􀑧 ى عل 􀑧 دث عل 􀑧 ا يح 􀑧 اليوم، في غفلة من الجسر العجوز الذي لا يمكن له في شموخه الشاهق، أن يرى م
من أقدامه!
أليس التحايل على الجسور هو الهدف الأزلي الأول للإنسان الذي يولد بين المنحدرات.. والقمم؟
72
وم 􀑧 غلني الي 􀑧 ي تش 􀑧 يل الت 􀑧 ذه التفاص 􀑧 ون ه 􀑧 ر، آ 􀑧 ني أآث 􀑧 ادفة؛ وأدهش 􀑧 ي مص 􀑧 ي ذهن 􀑧 دت ف 􀑧 ي ول 􀑧 رة الت 􀑧 ذه الفك 􀑧 تني ه 􀑧 أدهش
بإلحاح، لم تكن تلفت انتباهي منذ ربع قرن، يوم رسمت هذا الجسر نفسه لأول مرة.
ترى لأنني آنت في بدايتي الأولى، محكوماً بالخطوط العريضة للأشياء آأيّ مبتدئ، وأن طموحي آنذاك، لم يكن
يتجاوز رغبتي في إدهاش ذلك الدآتور_ أو إدهاش نفسي_ ورفع أثقال التحدي بيدٍ واحدة؟
ا 􀑧 ق م 􀑧 رية، وأن أنف 􀑧 ي الس 􀑧 يش أحلام 􀑧 ط أن أع 􀑧 وإنني اليوم بعد ذلك العمر.. لم يعد يعنيني أن أثبت شيئاً لأحد. أريد فق
ي 􀑧 باب. ولا ف 􀑧 اول الش 􀑧 ي متن 􀑧 يس ف 􀑧 اً.. ل 􀑧 ي ترف 􀑧 ي الماض 􀑧 ا ف 􀑧 واب عليه 􀑧 ان الج 􀑧 ئلة.. آ 􀑧 رح أس 􀑧 ي ط 􀑧 ت ف 􀑧 ن وق 􀑧 ي م 􀑧 ي ل 􀑧 بق
متناول.. ذلك المناضل أو المجاهد المعطوب الذي آُنتُه..
ربما لأن الوقت آنذاك لم يكن للتفاصيل، بل آانت وقتاً جماعياً نعيشه بالجملة، وننفقه بالجملة.
وامش 􀑧 ة اله 􀑧 ي مناقش 􀑧 آان وقتاً للقضايا الكبرى.. والشعارات الكبرى.. والتضحيات الكبرى. ولم يكن لأحد الرغبة ف
أو الوقوف عند التفاصيل الصغيرة.
تراها حماقة الشباب.. أم حماقة الثورات!
ت 􀑧 أنني آن 􀑧 م، وآ 􀑧 ا أرس 􀑧 عيداً وأن 􀑧 ت س 􀑧 ي آن 􀑧 ل .ولكنن 􀑧 ن اللي 􀑧 راً م 􀑧 ماً آبي 􀑧 د، وقس 􀑧 ية الأح 􀑧 أخذت مني تلك اللوحة، آل أمس
.« ارسم أحبّ شيء إلى نفسك » يعود ليقول لي بعد ذلك العمر « آابوتسكي » أسمع صوت الدآتور
وها أنا أطيعه وأرسم اللوحة نفسها، بالارتباك نفسه.
ولكن ما رسمته هذه المرة، لم يكن تمريناً في الرسم. آان تمريناً في الحبّ.
آنت أشعر أنني أرسمك أنتِ لا غير. أنت بكل تناقضك. أرسم نسخة أخرى عنك أآثر نضجاً.. أآثر تعاريج.
نسخة أخرى من لوحة آبرت معك.
آنت أرسم تلك اللوحة بشهية مدهشة للرسم. بل وربَّما بشهوة ورغبة سرية ما..
فهل بدأت شهوتك تتسلّل يومها إلى فرشاتي، دون أن أدري؟!
***
في اليوم التالي، جاءني صوتك في الساعة التاسعة تماماً.
جاء شلال فرح، وشجرة ياسمين تساقطت أزهارها على وسادتي.
ي، 􀑧 ذ غرفت 􀑧 رع نواف 􀑧 ه يش 􀑧 عرت أن 􀑧 ل . ش 􀑧 ن العم 􀑧 ة م 􀑧 ة مرهق 􀑧 د ليل 􀑧 آنت أآتشف صوتك على الهاتف، وأنا في فراشي بع
ويقبّلني قبلة صباحية.
- هل أيقظتك.؟
- لا أنت لم توقظيني.. أنت منعتني البارحة من النوم لا أآثر!
قلتِ بلهجة جزائرية بين المزاح والجدّ:
- علاش.. إن شاء الله خير..
قلتُ:
- لأنني رسمت حتى ساعة متأخرة من الليل..
73
- وما ذنبي أنا؟
- لا ذنب لك سوى ذنب الملهم.. يا ملهمتي!
صحت فجأة بالفرنسية آعادتك عندما تفقدين السيطرة على أعصابك:
- ah.. non!
ثم أضفتِ:
- أتمنى أنك لم ترسمني.. يا لها من آارثة معك!
- وأين هي الكارثة إن آنت قد رسمتك؟
واصلتِ بصوت عصبي:
ن 􀑧 ل م 􀑧 ا آ 􀑧 رّج عليه 􀑧 رى، يتف 􀑧 ى أخ 􀑧 ة إل 􀑧 ن مدين 􀑧 ات م 􀑧 ا القاع 􀑧 دور به 􀑧 ة ت 􀑧 ى لوح 􀑧 ولني إل 􀑧 - أأنت مجنون؟ تريد أن تح
يعرفني؟!
ف 􀑧 رف آي 􀑧 اً، ولا أع 􀑧 ون حق 􀑧 ي مجن 􀑧 ا لأنن 􀑧 عادتي، وربم 􀑧 رط س 􀑧 ن ف 􀑧 ا م 􀑧 تك، ربم 􀑧 ي مشاآس 􀑧 آنتُ أشعر برغبة صباحية ف
أآون سعيداً مثل الآخرين.
قلت لك:
وى 􀑧 وا س 􀑧 م ليس 􀑧 ر، وأنه 􀑧 بب أو لآخ 􀑧 - أما قلتِ مرّة.. إن الناس الذين يلهموننا هم أناس توقفنا أمامهم ذات يوم لس
حادثة سير. فإن أآون رسمتك لا يعني شيئاً، سوى أنني صادفتك يوماً في طريقي لا غير!
صحتِ:
ة 􀑧 يف، واقف 􀑧 ى رص 􀑧 رة عل 􀑧 ادفتني م 􀑧 دما ص 􀑧 متني بع 􀑧 ك رس 􀑧 رين أن 􀑧 ع الآخ 􀑧 ي وتقن 􀑧 - أأنتَ أحمق؟. تريد أن تقنع عم
مثلاً أمام ضوء أحمر.. إننا لا نرسم سوى ما يثيرنا.. أو ما نحبه.. هذا معروف!
أنني لا أدري 􀑧 ي ب 􀑧 دّقي زعم 􀑧 ة لتص 􀑧 تراك آنت تستدرجينني إلى ذلك الاعتراف، وتدورين حوله، أم آنت من الحماق
ي آن 􀑧 ك ف 􀑧 ي من 􀑧 لني ويقرّبن 􀑧 ان يفص 􀑧 ذي آ 􀑧 اتفي ال 􀑧 يط اله 􀑧 ذلك. لكنني وجدت في تلك الفرصة الصباحية، وفي ذلك الخ
واحد.. مناسبة لمصارحتك.
قلتُ:
- لنفترض إذن أنني أحبّك!.
آنت أنتظر وقع الكلمات عليك، وأتوقع عدة أجوبة لكلامي. ولكنك قلتِ بعد لحظة صمت:
- ولنفترض إذن.. أنني لم أسمع!
أدهشتِني..
ة 􀑧 ات بمتع 􀑧 ين بالكلم 􀑧 ك تتلاعب 􀑧 أقل أو أآثر مما توقعت، أم أنك آعادت « التصريح » لم أفهم تماماً إذا آنت تجيدين ذلك
مدهشة، وأنت تدرين أنك تلعبين بأعصابي لا غير، وتقذفينني من سؤال.. إلى تساؤل آخر.
- أين نلتقي؟
آان هذا هو السؤال الأهم الذي قررنا أن نجيب عليه بجدية.
74
تناقشنا طويلاً في عنوان مكان آمن يمكن أن نشرب فيه قهوة، أو نتناول فيه وجبة الغداء معاً.
ولكن باريس ضاقت بنا.
ي 􀑧 ا أن نلتق 􀑧 يّ. قررن 􀑧 ن حي 􀑧 ة م 􀑧 اهي القريب 􀑧 آنت لا تعرفين غير الأماآن التي يرتادها الطلبة. وآنت لا أرتاد غير المق
في أحد المقاهي المجاورة لبيتي والتي تقدم وجبات غداء.
وآنت أقترف إحدى حماقاتي الكبرى.
ق 􀑧 ذآريات ح 􀑧 أمنح ال 􀑧 ذلك س 􀑧 ي ب 􀑧 ي، وأنن 􀑧 وان بيت 􀑧 اً لعن 􀑧 اور اً تمام 􀑧 ذاآرتي مج 􀑧 اً ل 􀑧 ار عنوان 􀑧 لم أآن أعرف وقتها أنني أخت
مطاردتي.
وّد أن 􀑧 دما تع 􀑧 بهنا، بع 􀑧 دريجياً يش 􀑧 بح ت 􀑧 ف أص 􀑧 ا. وآي 􀑧 دائم لجنونن 􀑧 لم أعد أذآر الآن، آيف أصبح ذلك المقهى العنوان ال
يختار لنا زاوية جديدة آلّ مرة، تتلاءم مع مزاجنا المتقلّب، خلال شهرين من السعادة المسروقة..
آنا نلتقي هناك في أوقات مختلفة من النهار، وحسب ساعات دراستك وبرنامج أعمالي.
ى 􀑧 باح عل 􀑧 ل ص 􀑧 ق آ 􀑧 ة . ونتّف 􀑧 ى الجامع 􀑧 ك إل 􀑧 ي طريق 􀑧 تعودتِ أن تطلبيني هاتفياً آل صباح في الساعة التاسعة، وأنت ف
برنامج لك اليوم الذي لم يعد لنا فيه في النهاية من برنامج سوانا.
تحيلات . 􀑧 ن مس 􀑧 ي م 􀑧 ي طرق 􀑧 ا ف 􀑧 ل م 􀑧 خور، وآ 􀑧 آنت أتدحرج يوماً بعد آخر نحو هاوية حبّك، أصطدم بالحجارة والص
ك 􀑧 ان قبل 􀑧 ذي آ 􀑧 ميري ال 􀑧 ى ض 􀑧 دوش عل 􀑧 ار الخ 􀑧 ى آث 􀑧 دمي، ولا إل 􀑧 ى ق 􀑧 ولكنني آنت أحبك. ولا أنتبه إلى آثار الجراح عل
وني. 􀑧 ق الجن 􀑧 ي العش 􀑧 ة ف 􀑧 د نقط 􀑧 و أبع 􀑧 ة نح 􀑧 رعة مذهل 􀑧 ك بس 􀑧 ي مع 􀑧 ل نزول 􀑧 ت أواص 􀑧 دش . وآن 􀑧 ل الخ 􀑧 ور لا يقب 􀑧 اء بلّ 􀑧 إن
ي 􀑧 وآنت أشعر أنني غير مذنب في حبّك. على الأقل حتى تلك الفترة التي آنت مكتفياً فيها بحبك، بعدما أقنعت نفس
أنني لا أسيء إلى أحد بهذا الحب.
رة، 􀑧 ي لأول م 􀑧 ي تعبرن 􀑧 ة الت 􀑧 ة الجارف 􀑧 ك العاطف 􀑧 ي تل 􀑧 ت تكفين 􀑧 ذ ا. آان 􀑧 ن ه 􀑧 أآثر م 􀑧 م ب 􀑧 ى أن أحل 􀑧 رؤ عل 􀑧 ن أج 􀑧 م أآ 􀑧 ا ل 􀑧 وقته
بسعادتها المتطرفة أحياناً، وحزنها المتطرّف أحياناً أخرى..
آان يكفيني الحب.
متى بدأ جنوني بك؟
ذي 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 يحدث أن أبحث عن ذلك التاريخ وأتساءل.. ترى أفي ذلك اليوم الذي رأيتك فيه لأول مرة؟ أم في ذل
انفردت بك فيه لأول مرّة؟ أم في ذلك اليوم الذي قرأتك فيه لأول مرة؟.
أم ترى يوم وقفت فيه بعد عمر من الغربة، لأرسم فيه قسنطينة.. آأول مرة!
ترى يوم ضحكتِ أم يوم بكيت.
أعندما تحدَّثتِ.. أم عندما صمتِّ.
أعندما أصبحتِ ابنتي.. أم لحظة توهَّمت أنك أمي؟!
أيّ امرأة فيك هي التي أوقعتني؟.
ذه 􀑧 رى . وه 􀑧 ة أخ 􀑧 ا دمي 􀑧 ي داخله 􀑧 ي تخف 􀑧 بية الت 􀑧 ية الخش 􀑧 ة الروس 􀑧 ك الدمي 􀑧 بيهة بتل 􀑧 ت ش 􀑧 آنت معك في دهشة دائمة. فقد آن
تخفي دمية أصغر، وهكذا تكون سبع دمى داخل واحدة!
75
أآثر 􀑧 اط ب 􀑧 ي مح 􀑧 اء . وإذا ب 􀑧 ل النس 􀑧 ح آ 􀑧 ام ملام 􀑧 آنت آلّ مرة أفاجأ بامرأة أخرى داخلك. وإذا بكِ تأخذين في بضعة أي
من امرأة، يتناوبن عليّ في حضورك وفي غيابك، فأقع في حبّهن جميعاً.
أآان يمكن لي إذن أن أحبّك بطريقة واحدة؟
لم تكوني امرأة.. آنت مدينة.
ي 􀑧 نَّ وف 􀑧 ي خجله 􀑧 رهنَّ؛ ف 􀑧 ي عط 􀑧 ابهنَّ وف 􀑧 ي ثي 􀑧 ن؛ ف 􀑧 ي ملامحه 􀑧 ارهنَّ وف 􀑧 ي أعم 􀑧 ات ف 􀑧 ات. مختلف 􀑧 اء متناقض 􀑧 ة بنس 􀑧 مدين
جرأتهنَّ؛ نساء من قبل جيل أمي إلى أيامك أنتِ.
نساء آلهن أنتِ.
عرفت ذلك بعد فوات الأوان. بعدما ابتلعتني آما تبتلع المدن المغلقة أولادها.
آنت أشهد تحولك التدريجي إلى مدينة تسكنني منذ الأزل..
ا 􀑧 كنين آهوفه 􀑧 ها، تس 􀑧 ين تضاريس 􀑧 نطينة، تلبس 􀑧 ح قس 􀑧 وم ملام 􀑧 د ي 􀑧 اً بع 􀑧 ذين يوم 􀑧 ت تأخ 􀑧 اجئ، وأن 􀑧 رك المف 􀑧 هد تغي 􀑧 ت أش 􀑧 آن
ون 􀑧 ي ل 􀑧 ة، ف 􀑧 ن القطيف 􀑧 ابي م 􀑧 دورة عنّ 􀑧 دين قن 􀑧 وذاآرتها ومغاراتها السرية، تزورين أولياءها، تتعطرين ببخورها، ترت
تمشين وتعودين على جسورها، فأآاد أسمع وقع خلخالك الذهبي يرنّ في آهوف الذاآرة. ،« أمّا » ثياب
أآاد ألمح آثار الحناء على آعب قدميك المهيأتين للأعياد.
على الطريقة القسنطينية. « تساء » وآنت أنا أستعيد لهجتي القديمة معك. آنت ألفظ التا
آما لم يعد الرجال ينادون النساء في قسنطينة. « يالا » آنت أناديك مدلّلاً
بذلك النداء الذي ورثته قسنطينة دون غيرها، عن أهل قريش من عصور. « يا أميمة » آنت أناديك بحنين
ن 􀑧 تيك .. يع 􀑧 نِش » اقنا 􀑧 ة عش 􀑧 ى طريق 􀑧 اً عل 􀑧 ك مهزوم 􀑧 وآنت، آنت عندما يجرّدني عشقك من سلاحي الأخير، أعترف ل
.«! بُو زَيْنِك
ة ودّ 􀑧 ى آلم 􀑧 ول إل 􀑧 والتي اختصروها منذ زمان لتخفي معناها الأصلي، وتتح « أشتهيك » تلك الكلمة التي آان أصلها
لا غير.
ا 􀑧 يتها، آم 􀑧 ى ص 􀑧 اً عل 􀑧 فقسنطينة مدينة منافقة، لا تعترف بالشهوة ولا تجيز الشوق؛ إنما تأخذ خلسة آل شيء، حرص
تفعل المدن العريقة.
ولذا فهي تبارك مع أوليائها الصالحين.. الزانين أيضاً ..والسرّاق!
ولم أآن سارقاً، ولا آنت وليّاً، ولا شيخاً يدّعي البرآات، لتبارآني قسنطينة.
تهم 􀑧 اهليون آله 􀑧 ق الج 􀑧 ا يخل 􀑧 ذا آم 􀑧 ك هك 􀑧 ام، خلق 􀑧 ة رس 􀑧 رف وحماق 􀑧 ام؛ بتط 􀑧 ون رسّ 􀑧 ك بجن 􀑧 قاً، أحب 􀑧 لاً عاش 􀑧 ط، رج 􀑧 آنت فق
بيدهم، ثم يجلسون لعبادتها، وتقديم القرابين لها.
وربما آان هذا، أآثر ما آنت تحبّينه في حبّي!
ذات يوم قلت لي:
دعين . إنّ 􀑧 لّ المب 􀑧 ين آ 􀑧 اً ب 􀑧 ر جنون 􀑧 م الأآث 􀑧 ة . إنه 􀑧 - آنت أحلم أن يحبّني رسّام. قرأت عن الرسامين قصصاً مدهش
د 􀑧 يقيين . لق 􀑧 ن الموس 􀑧 ثلاً أو ع 􀑧 عراء م 􀑧 ن الش 􀑧 ال ع 􀑧 ا يُق 􀑧 يء م 􀑧 ي ش 􀑧 به ف 􀑧 ف . لا يش 􀑧 اجئ ومخي 􀑧 جنونهم متطرف.. مف
76
ذه 􀑧 وا ه 􀑧 م يبلغ 􀑧 رين ل 􀑧 رين آثي 􀑧 و وآخ 􀑧 يزان.. بيكاس 􀑧 ي.. س 􀑧 ان... دال 􀑧 روا ..غوغ 􀑧 وغ .. دولاآ 􀑧 ان غ 􀑧 اة ف 􀑧 رأت حي 􀑧 ق
الشهرة. أنا لا أتعب من قراءة سيرة الرسّامين.
داع 􀑧 ين الإب 􀑧 لة ب 􀑧 ة الفاص 􀑧 ك اللحظ 􀑧 ي تل 􀑧 رّفهم . تهمن 􀑧 بهم وتط 􀑧 ي تقلّ 􀑧 ا يعنين 􀑧 در م 􀑧 ي بق 􀑧 هرتهم لا تعنين 􀑧 ع ش 􀑧 ي الواق 􀑧 ف
ل 􀑧 تحقّ التأم 􀑧 ة تس 􀑧 ك اللحظ 􀑧 دها تل 􀑧 ه. وح 􀑧 ارهم ل 􀑧 ق واحتق 􀑧 ن المنط 􀑧 روجهم ع 􀑧 أة خ 􀑧 ون فج 􀑧 دما يعلن 􀑧 ون. عن 􀑧 والجن
والانبهار أحياناً، فهم يفعلون ذلك لمجرد تحدّينا وتعجيزنا بلوحة ليست سوى حياتهم.
اً، 􀑧 اتهم أيض 􀑧 ع حي 􀑧 ى توقي 􀑧 هنالك مبدعون، يكتفون بوضع عبقريَّتهم في إنتاجهم. وهنالك آخرون، يصرّون عل
بنفس العبقرية، فيترآون لنا سيرة فريدة، غير قابلة للتكرار أو التزوير..
ان 􀑧 ه ف 􀑧 ل إلي 􀑧 ا وص 􀑧 ى م 􀑧 ل إل 􀑧 ن أن يص 􀑧 اعراً يمك 􀑧 ن أن ش 􀑧 امون . ولا أظ 􀑧 أعتقد أن مثل هذا الجنون ينفرد به الرس
غوغ مثلاً في لحظة يأس واحتقار للعالم، عندما قطع أذنه ليهديها إلى غانية..
ه، 􀑧 قف غرفت 􀑧 ي س 􀑧 ق ف 􀑧 دما علَّ 􀑧 ه، بع 􀑧 نق نفس 􀑧 أو ما فعله ذلك الرسام المجهول الذي لم أعد أذآر اسمه، والذي ش
ه 􀑧 ه وحيات 􀑧 لوحة المرأة التي أحبها والتي قضى أياماً في رسمها. وهكذا توحّد معها على طريقته.. ووقّع لوحت
معاً مرة واحدة.
قلتُ:
يس 􀑧 ا.. أل 􀑧 ل به 􀑧 ى التمثي 􀑧 هم، أو عل 􀑧 ذيب أنفس 􀑧 ى تع 􀑧 ة عل 􀑧 امين الخارق 􀑧 درة الرس 􀑧 و ق 􀑧 ة، ه 􀑧 ي النهاي 􀑧 ك ف 􀑧 ا يعجب 􀑧 - إن م
آذلك؟.
أجبتِ:
ا زاد 􀑧 يهم .فكلّم 􀑧 ق إلا عل 􀑧 ة لا تنطب 􀑧 ك جدلي 􀑧 رهم؛ وهنال 􀑧 امين دون غي 􀑧 ق الرس 􀑧 ا تلاح 􀑧 ة م 􀑧 ك لعن 􀑧 ن هنال 􀑧 - لا ..ولك
يهم أن 􀑧 أن عل 􀑧 ة، وآ 􀑧 عار خيالي 􀑧 ى أس 􀑧 لها إل 􀑧 وتهم يوص 􀑧 عذابهم وجوعهم وجنونهم، زاد ثمن لوحاتهم. حتى إن م
ينسحبوا لتحلّ هي مكانهم.
لم أناقشك في رأيك.
رحت أستمع إليك وأنت ترددّين آلاماً أعرفه، ولكن فاجأني منك.
ى 􀑧 ويلي إل 􀑧 عورية تح 􀑧 ك اللاش 􀑧 ون نيّت 􀑧 ر . ولا أن تك 􀑧 يء آخ 􀑧 وني، أو لش 􀑧 لم أتساءل يومها، إن آنت تحبينني لاحتمال جن
لوحة ثمينة أدفع ثمنها من حطامي.
هل سيزيد عذابي حقاً، من قيمة أية لوحة سأرسمها آيفما آان، تحت تأثير جوعي أو نوبة جنوني؟
اآتفيت بالتساؤل.. أين يبدأ الفنّ ترى؟.. وأين تبدأ النزعة السّادية عند الآخرين؟
آنت أعتقد أن هذه الجدلية لا علاقة لها بالإبداع ولا بالفن، وإنما بطبع الإنسان لا أآثر.
لب 􀑧 اء ليص 􀑧 ر ج 􀑧 يح آخ 􀑧 ان مس 􀑧 نحن ساديون بفطرتنا. يحلو لنا أن نسمع عذابات الآخرين، ونعتقد، عن أنانية، أن الفن
مكاننا.
77
ر، 􀑧 ان آخ 􀑧 عذابه يحزننا و يسعدنا في آن واحد. قصّته قد تبكينا، ولكنها لن تمنعنا من النوم، ولن تدفعنا إلى إطعام فن
ة 􀑧 ا، أو لوح 􀑧 يدة نغنيه 􀑧 ى قص 􀑧 رين إل 􀑧 راح الآخ 􀑧 ول ج 􀑧 ي أن تتح 􀑧 ن الطبيع 􀑧 د م 􀑧 ا نج 􀑧 ل إنن 􀑧 ا. ب 􀑧 راً أمامن 􀑧 اً أو قه 􀑧 وت جوع 􀑧 يم
نحتفظ بها، وقد نتاجر بها، للسبب نفسه.
فهل الجنون قُصرٌ حقاً على الرسامين دون غيرهم؟
أليس هو قاسماً مشترآاً بين آلِّ المبدعين، وآل المسكونين بهذه الرغبة المرضيّة في الخلق؟
اييس 􀑧 اد يّ. بمق 􀑧 رح ع 􀑧 زن وف 􀑧 ة وبح 􀑧 أطوار عادي 􀑧 اً، ب 􀑧 اناً عادي 􀑧 ون إنس 􀑧 ه، أن يك 􀑧 داع نفس 􀑧 فالذي لا يمكن بحكم منطق الإب
عادية للكسب والخسارة.. للسعادة والتعاسة.
إنه إنسان متقلّب، مفاجئ، لن يفهمه أحد ولن يجد أحد مبرراً لسلوآه.
آان ذلك أول يوم حدّثتك فيه عن زياد.
قلتُ:
يط 􀑧 ه البس 􀑧 اً بدخل 􀑧 ه؛ مكتفي 􀑧 ه وبوحدت 􀑧 عيد اً بحزن 􀑧 ان س 􀑧 ر . آ 􀑧 ي الجزائ 􀑧 درس ف 􀑧 ان ي 􀑧 طينياً آ 􀑧 اعراً فلس 􀑧 ت ش 􀑧 د عرف 􀑧 - لق
نت 􀑧 ذي تحسّ 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 ى ذل 􀑧 عريّين. حت 􀑧 ديوانين ش 􀑧 غيرة، وب 􀑧 ة الص 􀑧 ه الجامعي 􀑧 ي، وبغرفت 􀑧 لأدب العرب 􀑧 تاذ ل 􀑧 آأس
ل 􀑧 أحواله المادية، وحصل على شقة وآان على وشك الزواج من إحدى طالباته التي أحبّها بجنون، والتي قب
أهلها أخيراً تزويجها منه.
عندما قرّر فجأة أن يتخلى عن آل شيء، ويعود إلى بيروت ليلتحق بالعمل الفدائي..
ق 􀑧 راً أن يحق 􀑧 ك أخي 􀑧 دما أوش 􀑧 ل عن 􀑧 ى الرحي 􀑧 راره عل 􀑧 عبثاً حاولت إقناعه بالبقاء. لم أآن أفهم حماقته تلك، وإص
ن 􀑧 دها ل 􀑧 رّد .. فعن 􀑧 طيني المش 􀑧 ك الفلس 􀑧 ي ذل 􀑧 ل داخل 􀑧 د أن أقت 􀑧 ا لا أري 􀑧 لام .. أن 􀑧 أيّ أح » اخراً 􀑧 أحلامه. وآان يجيب س
.«.. يكون لأيّ شيء أمتلكه من قيمة
رأة .. 􀑧 ي لام 􀑧 ثم.. لا أريد أن أنتم » : ويضيف وهو ينفث دخانه على مهل وآأنه يختفي خلفه آي يبوح لي بسرٍّ
.«.. أو إذا شئت لا أريد أن أقيم فيها ..أخاف السعادة عندما تصبح جبرية. هنالك سجون لم تخلق للشعراء
د . 􀑧 ه المؤآ 􀑧 وآانت الفتاة التي أحبّته تزورني راجية أن أقنعه بالبقاء، وأنه مجنون ذاهب إلى الموت وإلى حتف
ي 􀑧 ي حجج 􀑧 د ف 􀑧 بح يج 􀑧 اجئ، أص 􀑧 ه المف 􀑧 ولكن عبثاً، لم تكن هناك حجة واحدة لإغرائه بالبقاء.. بل إنه في تطرف
ما يزيده إغراءً بالرحيل.
أذآر أنه قال لي يومها بشيء من السخرية، وآأنه يعطيني درساً في الحياة:
ال 􀑧 اس.. والرج 􀑧 ة الن 􀑧 ين عام 􀑧 رق ب 􀑧 ه الف 􀑧 ا. إن 􀑧 ة نجاحن 􀑧 ي قم 􀑧 ن ف 􀑧 ان ونح 􀑧 ادر المك 􀑧 ي أن نغ 􀑧 ا، ف 􀑧 ة م 􀑧 اك ع ظَم 􀑧 هن »
.«! الاستثنائيين
سألتك إن آنت تعتقدين أنّ شاعراً آهذا، هو أقلّ جنوناً من رسام قطع أذنه؟
لقد استبدل براحته شقاءً لم يكن مرغماً عليه. واستبدل بحياته موتاً، دون أن يكون مجبراً عليه.
و 􀑧 زم، وه 􀑧 يئاً لا يُه 􀑧 لقد أراد أن يذهب إلى الموت مكابراً وليس مهزوماً ومكرهاً. إنها طريقته في أن يهزم مسبقاً ش
الموت.
78
سألتني بلهفة:
- هل مات؟
قلتُ لك:
ي 􀑧 ا ف 􀑧 يّ به 􀑧 ث إل 􀑧 ي بع 􀑧 رة الت 􀑧 ه الأخي 􀑧 اريخ بطاقت 􀑧 ى ت 􀑧 اة حت 􀑧 د الحي 􀑧 ى قي 􀑧 ازال عل 􀑧 - لا.. إنه لم يمت.. أو على الأقل م
رأس السنة، أي منذ ستة أشهر تقريباً.
ساد بيننا شيء من الصمت، وآأن أفكارنا معاً ذهبت إليه..
قلتُ لك:
ل 􀑧 ع آ 􀑧 الح م 􀑧 ن أن نتص 􀑧 ه لا يمك 􀑧 ت أن 􀑧 ه تعلّم 􀑧 ر؟ مع 􀑧 ادرتي الجزائ 􀑧 ي مغ 􀑧 ر ف 􀑧 ر مباش 􀑧 بباً غي 􀑧 ان س 􀑧 ه آ 􀑧 درين أن 􀑧 - أت
ف 􀑧 ط نكتش 􀑧 ار فق 􀑧 ذا الاختب 􀑧 ام ه 􀑧 ر . وأم 􀑧 يش الآخ 􀑧 دهم ليع 􀑧 حي بأح 􀑧 الأشخاص الذين يسكنوننا، وأنه لا بد أن نضّ
طينتنا الأولى، لأننا ننحاز تلقائياً إلى ما نعتقد أنه الأهم.. وأنه نحن لا غير.
قلتِ وأنت تقاطعينني:
- صحيح.. نسيت أن أسألك لماذا جئت إلى فرنسا؟
أجبتك وتنهيدة تسبقني، وآأنها تفتح أبواب صدر أوصدته الخيبات:
ره 􀑧 ا. وأآ 􀑧 قوط منه 􀑧 هل الس 􀑧 ي يس 􀑧 م الت 􀑧 ى القم 􀑧 - قد لا تقنعك أسبابي.. ولكنني مثل ذلك الصديق، أآره الجلوس عل
خاصة أن يحولني مجرد آرسي أجلس عليه إلى شخص آخر لا يشبهني.
ون 􀑧 ع يلهث 􀑧 ان الجمي 􀑧 ي آ 􀑧 يّ، والت 􀑧 ت عل 􀑧 ي عرض 􀑧 ية الت 􀑧 ب السياس 􀑧 ن المناص 􀑧 رب م 􀑧 تقلال أه 􀑧 د الاس 􀑧 ت بع 􀑧 د آن 􀑧 لق
للوصول إليها.
ن 􀑧 ر م 􀑧 جيج ودون آثي 􀑧 ن الض 􀑧 آنت أحلم بمنصب في الظل يمكن أن أقوم فيه بشيء من التغيرات دون آثير م
ذلك 􀑧 ت ل 􀑧 ي خلق 􀑧 عرت أنن 􀑧 ر، ش 􀑧 ي الجزائ 􀑧 ات ف 􀑧 ر والمطبوع 􀑧 ن النش 􀑧 ؤول ع 􀑧 ت آمس 􀑧 دما عيّن 􀑧 ذا عن 􀑧 ب. ول 􀑧 المتاع
ة 􀑧 دتي القديم 􀑧 اوز عق 􀑧 ا، وتج 􀑧 ق فيه 􀑧 ة والتعم 􀑧 م العربي 􀑧 المنصب. فقد قضيت آلّ سنوات إقامتي في تونس في تعلّ
ام 􀑧 ة، لا أن 􀑧 زدوج الثقاف 􀑧 نوات، م 􀑧 ع س 􀑧 ي بض 􀑧 بحت، ف 􀑧 ية . وأص 􀑧 وى الفرنس 􀑧 ى س 􀑧 آجزائري لا يتقن بالدرجة الأول
قبل أن أبتلع وجبتي من القراءة بإحدى اللغتين.
م، 􀑧 ة أن الرس 􀑧 ة، خاص 􀑧 آنت أعيش بالكتب ومع الكتب. حتى إنني آدت في فترة ما أنتقل من الرسم إلى الكتاب
ا 􀑧 ة له 􀑧 ي لا علاق 􀑧 ي، الت 􀑧 رف الفن 􀑧 ات الت 􀑧 ن علام 􀑧 آان في نظر البعض آنذاك، شبيهاً بالشذوذ الثقافي، وعلامة م
بظروف التحرير.
عندما عدت إلى الجزائر بعدها، آنت ممتلئاً بالكلمات.
ورة 􀑧 ام بث 􀑧 ات والقي 􀑧 ر العقلي 􀑧 ي تغيّ 􀑧 ة ف 􀑧 يم، ورغب 􀑧 ل والق 􀑧 ذلك بالمث 􀑧 ولأن الكلمات ليست محايدة، فقد آنت ممتلئاً آ
داخل العقل الجزائري الذي لم تغير فيه الهزات التاريخية شيئاً.
ان 􀑧 ان الكلمت 􀑧 د هات 􀑧 م تع 􀑧 بعدها ل .« الثورة الثقافية » ولم يكن الوقت مناسباً لحلمي الكبير الذي لا أريد أن أسمّيه
مجتمعتين أو متفرقتين تعنيان شيئاً عندنا.
79
اني 􀑧 ة والمب 􀑧 رى الفلاحي 􀑧 انع، والق 􀑧 رات بالمص 􀑧 آانت هناك أخطاء آبرى تُرتكب عن حسن نية. فلقد بدأت التغي
والمنشآت الضخمة، وترك الإنسان إلى الأخير.
رات 􀑧 الم بعش 􀑧 ن الع 􀑧 ة ع 􀑧 ة متخلف 􀑧 ة، ذي عقلي 􀑧 ة تافه 􀑧 فكيف يمكن لإنسان بائس فارغ، وغارق في مشكلات يومي
السنين، أن يبني وطناً، أو يقوم بأية ثورة صناعية أو زراعية، أو أية ثورة أخرى؟
ا 􀑧 ا م 􀑧 لقد بدأت آلّ الثورات الصناعية في العالم من الإنسان نفسه، ولذا أصبح اليابان (ياباناً) وأصبحت أورب
هي عليه اليوم.
ذاك، 􀑧 ا ل 􀑧 ذا ويعطونه 􀑧 ن ه 􀑧 ذون الأرض م 􀑧 ورة . ويأخ 􀑧 دران ث 􀑧 مّون الج 􀑧 وحدهم العرب راحوا يبنون المباني ويس
ويسمّون هذا ثورة.
ى 􀑧 واطن إل 􀑧 ل الم 􀑧 دما يص 􀑧 ورة عن 􀑧 ارج .. الث 􀑧 ن الخ 􀑧 الثورة عندما لا نكون في حاجة إلى أن نستورد حتى أآلنا م
مستوى الآلة التي يسيّرها.
يّ 􀑧 رين إل 􀑧 ت تنظ 􀑧 نين . وآن 􀑧 ذ س 􀑧 ت من 􀑧 ي تراآم 􀑧 ة الت 􀑧 رارة والخيب 􀑧 ن الم 􀑧 ر م 􀑧 ا آثي 􀑧 آان صوتي يأخذ فجأة نبرة جديدة، فيه
بشيء من الدهشة وربما من الإعجاب الصامت، وأنا أحدثك لأول مرة عن شجوني السياسية.
سألتني:
- ألهذا جئت إلى فرنسا إذن؟
قلتُ:
- لا.. ولكنني جئت ربما بسبب أوضاع هي نتيجة أخطاءٍ آهذه، لأنني ذات يوم قرّرت أن أخرج من الرداءة،
ائع 􀑧 عب ج 􀑧 ا ش 􀑧 ة، ليلتهمه 􀑧 م الأدب والثقاف 􀑧 من تلك الكتب الساذجة التي آنت مضطراً إلى قراءتها ونشرها باس
إلى العلم.
ن 􀑧 أخرى ع 􀑧 ة أو ب 􀑧 ؤول بطريق 􀑧 ي مس 􀑧 عر أنن 􀑧 آنت أشعر أنني أبيعه معلّبات فاسدة مرّ وقت استهلاآها. آنت أش
ى 􀑧 س عل 􀑧 ر، يتجسّ 􀑧 رطي حقي 􀑧 ى ش 􀑧 ف إل 􀑧 ن مثق 􀑧 ت م 􀑧 دما تحوّل 􀑧 ب بع 􀑧 ه الأآاذي 􀑧 ا ألقّن 􀑧 ة، وأن 􀑧 حته الفكري 􀑧 دهور ص 􀑧 ت
رون . 􀑧 ه الآخ 􀑧 ا يكتب 􀑧 ؤولية م 􀑧 دي مس 􀑧 ل وح 􀑧 ت أتحم 􀑧 د آن 􀑧 اك ..فق 􀑧 رى هن 􀑧 الحروف والنقاط، ليحذف آلمة هنا وأخ
آنت أشعر بالخجل وأنا أدعو أحدهم إلى مكتبي لإقناعه بحذف فكرة أو رأي آنت أشارآه فيه.
ذات يوم، زارني زياد ..ذلك الشاعر الفلسطيني الذي حدّثتك عنه، والذي لم أآن التقيت به من قبل.
ي 􀑧 دو ل 􀑧 ت تب 􀑧 ي آان 􀑧 ه، والت 􀑧 ي ديوان 􀑧 اءت ف 􀑧 ي ج 􀑧 وآنت اتصلت به لأطلب منه حذف أو تغيير بعض الكلمات الت
اً 􀑧 ح، ناعت 􀑧 يح واض 􀑧 يهم بتلم 􀑧 ير إل 􀑧 ان يش 􀑧 ذين آ 􀑧 ذات، وال 􀑧 رب بال 􀑧 ام الع 􀑧 ض الحك 􀑧 قاسية تجاه بعض الأنظمة.. وبع
إياهم بكل الألقاب.
لم أنسَ أبداً نظرته ذلك اليوم.
توقّفت عيناه عند ذراعي المبتورة لحظة، ثم رفع عينيه نحوي في نظرة مهينة وقال:
.« لا تبتر قصائدي سيّدي.. ردّ لي ديواني، سأنشره في بيروت »
80
دأت 􀑧 م ه 􀑧 فعه . ث 􀑧 اني لأص 􀑧 ن مك 􀑧 ض م 􀑧 ك أن أنه 􀑧 شعرت أن الدم الجزائري يستيقظ في عروقي، وأنني على وش
من روعي، وحاولت أن أتجاهل نظرته وآلماته الاستفزازية.
ما الذي شفع له عندي في تلك اللحظة؟
د 􀑧 عرية؟ فق 􀑧 ه الش 􀑧 رى عبقريّت 􀑧 ه، أم ت 􀑧 ب قبل 􀑧 ا آات 􀑧 واجهني به 􀑧 م ي 􀑧 ي ل 􀑧 جاعة الت 􀑧 ترى هويّته الفلسطينية، أو تلك الش
عراء 􀑧 اقي أن الش 􀑧 ي أعم 􀑧 ن ف 􀑧 ت أؤم 􀑧 رديء. وآن 􀑧 زمن ال 􀑧 ك ال 􀑧 ي ذل 􀑧 عر ف 􀑧 ن الش 􀑧 رأت م 􀑧 ا ق 􀑧 ه أروع م 􀑧 ان ديوان 􀑧 آ
آالأنبياء هم دائماً على حق.
ف 􀑧 تلقَّيت آلماته آصفعة أعادتني إلى الواقع، وأيقظتني بخجل. لقد آان ذلك الشاعر على حق، آيف لم أآتش
أنني لم أآن أفعل شيئاً من سنوات سوى تحويل ما يوضع أمامي من إنتاج إلى نسخة مبتورة مشوّهة مثلي؟
.« سأنشره لك حرفياً » : قلت له متحدياً، وأنا ألقي نظرة غائبة على غلاف تلك المخطوطة
ان 􀑧 ا آ 􀑧 ف مهم 􀑧 ن لموظ 􀑧 ان لا يمك 􀑧 ي آ 􀑧 جاعة الت 􀑧 ة أو الش 􀑧 ك الرجول 􀑧 تل ،« ة􀑧 الرجول » ن􀑧 يء م 􀑧 وقفي ش 􀑧 ي م 􀑧 ان ف 􀑧 آ
منصبه أن يتحلى بها، دون أن يغامر بوظيفته، لأن الموظّف في النهاية هو رجل استبدل برجولته آرسيّاً!
سبّب لي ديوانه عند صدوره بعض المتاعب. شعرت أن هناك شيئاً من الزيف الذي لم أتحمّله.
ما الذي يمنعني من فضح أنظمة دموية قذرة، مازلنا باسم الصمود ووحدة الصفّ، نصمت على جرائمها؟
ولماذا من حقّنا أن ننتقد أنظمة دون أخرى حسب النشرات الجوية، والرياح التي يرآبها قبطان بواخرنا؟
رى، 􀑧 اآل أخ 􀑧 كلاتي مش 􀑧 تبدل بمش 􀑧 ي لأس 􀑧 ر وظيفت 􀑧 ل أغي 􀑧 دريجي اً. ه 􀑧 ي ت 􀑧 رارة يملأن 􀑧 أس والم 􀑧 ن الي 􀑧 يء م 􀑧 دأ ش 􀑧 ب
وأصبح هذه المرة طرفاً في لعبة أخرى؟
ماذا أفعل بكل ما آدّست وجمعت من أحلام طوال سنوات غربتي ونضالي، وماذا أفعل بسنواتي الأربعين،
وبذراعي المبتورة، وبذراعي الأخرى؟
ر 􀑧 ل الآخ 􀑧 ذلك الرج 􀑧 ه، وب 􀑧 ى حريت 􀑧 اوم عل 􀑧 رفض أن يس 􀑧 كنني، وي 􀑧 ذي يس 􀑧 ماذا أفعل بهذا الرجل المكابر العنيد ال
الذي لا بد أن يعيش ويتعلم الجلوس على المبادئ.. ويتأقلم مع آل آرسي.
آان لا بد أن أقتل أحدهما ليحيا الآخر... وقد اخترت.
آان لقائي بزياد منعطفاً في حياتي.
تفزاز 􀑧 ة والاس 􀑧 دأ بالمواجه 􀑧 ا تب 􀑧 راً م 􀑧 ة، آثي 􀑧 ب العنيف 􀑧 ص الح 􀑧 ة، آقص 􀑧 داقة القوي 􀑧 ص الص 􀑧 دها أن قص 􀑧 اآتشفت بع
واختبار القوى.
رات 􀑧 ي فت 􀑧 لاح ف 􀑧 لا الس 􀑧 ين حم 􀑧 ة، رجل 􀑧 فلا يمكن لرجلين يتمتع آلاهما بشخصية قوية وبذآاء وحساسية مفرط
من حياتهما.. وتعودّا على لغة العنف والمواجهة، أن يلتقيا دون تصادم.
وآان لا بد لنا من ذلك الاصطدام الأول.. وذلك التحدي المتبادل لنفهم أننا من طينة واحدة.
بعدها أصبح زياد تدريجياً صديقي الوحيد الذي أرتاح إليه حقاً.
تم 􀑧 نّ، نش 􀑧 ن الف 􀑧 آان نلتقي عدة مرات في الأسبوع، نسهر ونسكر معاً، نتحدث طويلاً عن السياسة، وآثيراً ع
الجميع ونفترق سعيدين بجنوننا.
81
لام 􀑧 ن الأح 􀑧 ا م 􀑧 ا يعادله 􀑧 يدة، وم 􀑧 تِّين قص 􀑧 ارب الس 􀑧 ا يق 􀑧 آنا في سنة 1973 . آان عمره ثلاثين سنة، وديوانين، م
المبعثرة.
ذ 􀑧 ا من 􀑧 ت بينه 􀑧 اً، تنقّل 􀑧 يين أو ثلاث 􀑧 ات، وآرس 􀑧 ن الخيب 􀑧 راً م 􀑧 رح وآثي 􀑧 ن الف 􀑧 يلاً م 􀑧 ات، قل 􀑧 وآان عمري بعض اللوح
الاستقلال، بشيء من الوجاهة، بسائق وسيارة.. وبمذاق غامض للمرارة.
ي 􀑧 عبية الت 􀑧 ة الش 􀑧 ى الجبه 􀑧 مّ إل 􀑧 روت لينض 􀑧 ذات يوم، رحل زياد بعد حرب أآتوبر بشهرين أو ثلاثة. عاد إلى بي
آان منخرطاً فيها قبل قدومه إلى الجزائر.
ن 􀑧 يئاً م 􀑧 اة، وش 􀑧 ي الحي 􀑧 فته ف 􀑧 ي فلس 􀑧 رك ل 􀑧 ر . ت 􀑧 ى آخ 􀑧 د إل 􀑧 ن بل 􀑧 ا م 􀑧 ان ينقله 􀑧 ي آ 􀑧 لة والت 􀑧 ه المفضّ 􀑧 لّ آتب 􀑧 ي آ 􀑧 رك ل 􀑧 ت
ا، 􀑧 ب له 􀑧 الذآريات، وتلك الصديقة التي آانت تزورني أحياناً لتسأل عن أخباره، تلك التي آان يرفض أن يكت
وآانت ترفض أن تنساه.
قلتِ وأنت تخرجين من صمتك الطويل:
- ولماذا لم يكتب لها؟
قلتُ:
ر 􀑧 - ربما لأنه آان يكره التحرش بالماضي.. وربما آان يريد أن تنساه وتتزوج بسرعة، آان يريد لها قدراً آخ
غير قدره.
سألتني:
- وهل تزوجتْ؟
قلتُ:
- لا أدري.. لقد فقدت أخبارها منذ عدة سنوات، ومن الأرجح أن تكون تزوجت. لقد آانت على قدر آبير من
الجمال. ولكن لا أعتقد أن تكون قد نسيته، من الصعب على امرأة عرفت رجلاً مثل زياد أن تنساه..
شعرتُ في تلك اللحظة، أنك ذهبت بعيداً في أفكارك.
تُراكِ آنتِ قد بدأت تحلمين به؟
ه، 􀑧 رة حول 􀑧 ئلتك الكثي 􀑧 ى أس 􀑧 ك عل 􀑧 د ذل 􀑧 ا أردّ بع 􀑧 رى، وأن 􀑧 و الأخ 􀑧 دة تل 􀑧 اتي، الواح 􀑧 اقتراف حماق 􀑧 ا ب 􀑧 دأت يومه 􀑧 د ب 􀑧 ي ق 􀑧 تران
بأجوبة تثير فيك فضول الأنثى والكاتبة في آن واحد؟
راس 􀑧 ي الأع 􀑧 اص ف 􀑧 هم الرص 􀑧 ق بعض 􀑧 ا يطل 􀑧 ائده آم 􀑧 ب قص 􀑧 ذي آت 􀑧 ر، ال 􀑧 ه الأخي 􀑧 حدّثتك عن قصائده آثيراً، وعن ديوان
والمآتم ليشيّعوا حبيباً أو قريباً.
آان هو يشيّع صديقاً قديماً اسمه الشعر، ويقسم أنه لن يكتب بعد اليوم سوى بسلاحه.
في الواقع، لم يكن ذلك الرجل يكتب. آان فقط يفرغ رشاشه المحشو غضباً وثورة في وجه الكلمات.
آان يطلق الرصاص على آل شيء حوله.. بعدما لم يعد يثق في شيء!
آخ.. آم آان زياد مدهشاً!
82
ال لا 􀑧 وهم أن الجب 􀑧 ا أت 􀑧 ه وأن 􀑧 دثك عن 􀑧 د أن أح 􀑧 لا بد أن أعترف اليوم أنه آان مدهشاً حقاً، وأنني آنت أحمق. آان لا ب
تلتقي..
لماذا آنت أحدثك عنه بتلك الحماسة، وبتلك الشاعرية؟
أآنت أريد التقرب إليك به، وأقنعك من خلاله أن لي قرابة سابقة بالكتاب والشعراء، فأآبر بذلك في عينيك؟
ي 􀑧 ك نفس 􀑧 ف ل 􀑧 أم آنت أصفه لك في صورته الأجمل، لأنني آنت أعتقد حتى ذلك اليوم أنني أشبهه، وأنني آنت أص
لا غير..
ربما آان آل هذا حقاً ..ولكن..
آنت أريد أيضاً، أن تكتشفي العروبة في رجال استثنائيين، آما لم تنجب هذه الأمة.
م 􀑧 اً له 􀑧 نهم جميع 􀑧 ة، ولك 􀑧 ية مختلف 􀑧 ات سياس 􀑧 ة، واتجاه 􀑧 ال مختلف 􀑧 ى أجي 􀑧 ون إل 􀑧 ة، ينتم 􀑧 ة مختلف 􀑧 دن عربي 􀑧 رجال ولدوا في م
قرابة ما بأبيك.. بوفائه وشهامته، بكبريائه وعروبته..
جميعهم ماتوا أو سيموتون من أجل هذه الأمة.
ة 􀑧 احة مدين 􀑧 ي مس 􀑧 ذآريات، ف 􀑧 ار وال 􀑧 ة للآث 􀑧 ى منقّب 􀑧 ولي إل 􀑧 غير، وأن تتح 􀑧 وطن الص 􀑧 آنت لا أريد أن تنغلقي في قوقعة ال
واحدة.
ن أن 􀑧 ان يمك 􀑧 ية، آ 􀑧 ل قض 􀑧 ن أج 􀑧 وت م 􀑧 ب ليم 􀑧 فكل مدينة عربية اسمها قسنطينة. وآل عربي ترك خلفه آل شيء وذه
يكون اسمه الطاهر..
وآان يمكن أن تكون لك قرابة به.
ية، 􀑧 ك السياس 􀑧 ن مراهقت 􀑧 م م 􀑧 رجين معه 􀑧 ال تخ 􀑧 ة، أبط 􀑧 ر واقعي 􀑧 رين أآث 􀑧 ال آخ 􀑧 ك بأبط 􀑧 لأي روايات 􀑧 د أن تم 􀑧 ت أري 􀑧 آن
ومراهقتك العاطفية.
ة 􀑧 ي حاج 􀑧 ت ف 􀑧 ا آن 􀑧 ولم « زوربا » لو عرفتِ رجالاً مثل زياد.. لما أحببت بعد اليوم » _ ألم أقل لك ذلك اليوم _بحماقة
.«.. إلى خلق أبطال وهميين. هنالك في هذه الأمة أبطال جاهزون يفوقون خيال الكتّاب
ين 􀑧 ث ب 􀑧 ب يبح 􀑧 ى منق 􀑧 وم إل 􀑧 يتحوّل ذات ي 􀑧 ذي س 􀑧 ا ال 􀑧 ون أن 􀑧 ل، وأن أآ 􀑧 ذي حص 􀑧 ل ال 􀑧 ل آ 􀑧 ا أن يحص 􀑧 ع يومه 􀑧 ن أتوق 􀑧 م أآ 􀑧 ل
سطورك عن آثار زياد، ويتساءل من منّا أحببت أآثر، ولمن بنيت ضريحك الأخير، وروايتك الأخيرة..
أليَّ.. أم له؟
في ذلك اليوم، وضعتِ فجأة قبلة على خدّي. وقلت بلهجة جزائرية ونحن على وشك أن ننهض للذهاب:
«.. خالد ..انحبك » -
ك .. أو أردّ 􀑧 نك، أو أقبّل 􀑧 ا أن أحتض 􀑧 ن وقته 􀑧 ان يمك 􀑧 فتيك . وآ 􀑧 ى ش 􀑧 ري عل 􀑧 ف عم 􀑧 ولي، وتوق 􀑧 ا ح 􀑧 توقف آل شيء لحظته
عليك بألف.. ألف أحبك أخرى.
ولكنني جلست من دهشتي، وطلبت من النادل قهوة أخرى، وقلتُ لك أول جملة خطرت آنذاك في ذهني:
«؟ لماذا اليوم بالذات » -
أجبتني بصوت خافت:
83
ياء 􀑧 وم أش 􀑧 فت الي 􀑧 ك . اآتش 􀑧 ن نفس 􀑧 ا ع 􀑧 دثني فيه 􀑧 هر تح 􀑧 ة أش 􀑧 ذ ثلاث 􀑧 رة من 􀑧 ا أول م 􀑧 ر .إنه 􀑧 ك أآث 􀑧 وم أحترم 􀑧 ي الي 􀑧 - لأنن
هرة أو 􀑧 ن الش 􀑧 اً ع 􀑧 مدهشة. لم أآن أتصور أنك حضرت إلى باريس لهذه الأسباب. عادةً يأتي الفنانون هنا بحث
الكسب لا أآثر.
لم أتوقع أن تكون تخليت عن آل شيء هناك، لكي تبدأ من الصفر هنا..
قاطعتكِ مصحِّحاً لكلامك:
دأت 􀑧 ا ب 􀑧 - لم أبدأ من الصفر.. نحن لا نبدأ من الصفر أبداً عندما نسلك طريقاً جديداً. إننا نبدأ من أنفسنا فقط. أن
من قناعاتي.
اتي 􀑧 كل طموح 􀑧 اتي، وش 􀑧 ل قناع 􀑧 أة آ 􀑧 ذ فج 􀑧 ة تأخ 􀑧 ك عجين 􀑧 ا، وأن 􀑧 ن علاقتن 􀑧 رى م 􀑧 ة أخ 􀑧 دخل مرحل 􀑧 ا ن 􀑧 ا أنن 􀑧 عرت يومه 􀑧 ش
وأحلامي القادمة.
تذآّرت جملة قرأتها يوماً في آتاب عن الرسم لأحد النقّاد تقول:
ا 􀑧 ف لن 􀑧 إنّ الرسام لا يقدم لنا من خلال لوحته صورة شخصيّة عن نفسه. إنه يقدم لنا فقط مشروعاً عن نفسه ويكش »
.« الخطوط العريضة لملامحه القادمة
وآنتِ أنتِ مشروعي القادم.
آنت ملامحي القادمة، ومدينتي القادمة. آنت أريدك الأجمل، أريدك الأروع.
ه 􀑧 ا ترآ 􀑧 ا بم 􀑧 ة له 􀑧 رى، لا علاق 􀑧 مات أخ 􀑧 ي، وبص 􀑧 يس قلب 􀑧 ر، ل 􀑧 اً آخ 􀑧 اً، وقلب 􀑧 ي تمام 􀑧 يس وجه 􀑧 ر، ل 􀑧 اً آخ 􀑧 ك وجه 􀑧 آنت أريد ل
الزمن على جسدي وروحي من بصمات زرقاء.
يومها عرضت عليك بعد شيء من التردّد، أن تزوري ذات يوم مرسمي، لأريك ما رسمته في الأيام الأخيرة.
ررت أن 􀑧 ت ق 􀑧 ي . وآن 􀑧 نّ ب 􀑧 وآنت سعيداً أن تقبلي عرضي دون تردد أو خوف. فقد آنت أحرص على ألا تسيئي الظ
ألغي ذلك العرض نهائياً إذا ما ضايقك.
ولكنك فاجأتني وأنت تصيحين بفرح طفلة عُرض عليها زيارة مدينة للألعاب:
- أو... رائع يسعدني حقاً أن أزوره!
في اليوم التالي، طلبتني هاتفياً لتخبريني أن عندك ساعتين وقت الظهر، يمكنك أن تزوريني خلالهما.
وضعت السماعة.. ورحت أحلم، أسبق الساعات، وأسبق الزمن.
أنت في بيتي.. أحقاً سيحدث هذا؟
أحقاً ستدقّين جرس هذا الباب، ستجلسين على هذه الأريكة، ستمشين هنا أمامي.
أنتِ.. أخيراً أنتِ؟
ون روّاد 􀑧 ا عي 􀑧 ن تلاحقن 􀑧 ه . ل 􀑧 ه وخدمات 􀑧 ادل بطلبات 􀑧 ا ن 􀑧 ن يلاحقن 􀑧 راً ل 􀑧 ك . أخي 􀑧 ابلاً ل 􀑧 يس مق 􀑧 وارك، ول 􀑧 أخيراً سأجلس إلى ج
المقهى، ولا عيون الغرباء من المارة.
أخيراً يمكننا أن نتحدث، أن نحزن ونفرح، دون أن يكون من شاهد على تقلباتنا النفسية.
رحت من فرحي أشرع الباب لك مسبقاً، وأنا أجهل أنني أشرع قلبي للعواطف والزوابع.
84
أيّ جنون آان.. أن آتي بك إلى هنا، أن أفتح لك عالمي السريّ الآخر، أن أحوّلك إلى جزء من هذا البيت.
هذا البيت الذي أصبح جنّتي في انتظارك، والذي قد يصبح جحيمي بعدك.
أآنت عندئذٍ أعي آلّّ هذا؟ أم آنت سعيداً وأحمق آأيّ عاشقٍ لا يرى أبعد من موعده القادم؟
تساءلت بعدها.. إن آنت حقاً لا أريد غير إطلاعك على لوحتي الأخيرة.. وعلى حديقتي السرّيّة للجنون.
ر 􀑧 ر غي 􀑧 يئاً آخ 􀑧 م ش 􀑧 ن أن أرس 􀑧 تذآّرت آاترين، وتلك اللوحة التي رسمتها لها اعتذاراً لأنني ذات يوم، آنت عاجزاً ع
وجهها، بينما آان الآخرون يتسابقون في رسم جسدها العاري، المعروض للوحي في قاعة للفنون الجميلة.
تذآّرت يوم عرضت عليها أن تزورني لأريها تلك اللوحة..
لم أتوقع أن تكون تلك اللوحة البريئة، سبباً بعد ذلك في علاقة غير بريئة دامت سنين.
أليس في دعوتي لك لزيارة مرسمي، شيء من قلّة التعقّل، ورغبة سرية لاستدراج الظروف لأشياء أخرى؟
ات 􀑧 ى اللوح 􀑧 ط فوض 􀑧 م، وس 􀑧 ك المرس 􀑧 ي ذل 􀑧 ي ف 􀑧 لم ل 􀑧 ي تستس 􀑧 اترين، وه 􀑧 ة آ 􀑧 تعيد جمل 􀑧 ا أس 􀑧 ك، وأن 􀑧 ل ذل 􀑧 ت أفع 􀑧 ي آن 􀑧 تران
المرسومة، واللوحات البيضاء المتّكئة على الجدران، وتقول لي بإشارة متعمدة:
- هذا مكان يغري بالحب..
فأجبتها بشيء من الواقعية:
- لم أآن أعرف هذا قبل اليوم..
فهل آان مرسمي يغري بالحب؟ أم أن في آل مكان للخلق جاذبية ما تغري بالجنون؟
ولكن، ورغم هذا آنت أدري أنك لم تكوني آاترين.. ولن تكونيها .فبيننا من الحواجز ما لن يحطمه أيّ جنون..
ية 􀑧 ه النفس 􀑧 ل هزّات 􀑧 رى، بك 􀑧 رة أخ 􀑧 ه م 􀑧 أنني أعيش 􀑧 وم، وآ 􀑧 ك الي 􀑧 تعيد ذل 􀑧 ارة، أس 􀑧 ك الزي 􀑧 ى تل 􀑧 نوات عل 􀑧 تّ س 􀑧 د س 􀑧 اليوم، بع
المتقلبة.
عد 􀑧 ى المص 􀑧 ب إل 􀑧 بقك القل 􀑧 ر . يس 􀑧 ابق العاش 􀑧 ى الط 􀑧 رك إل 􀑧 بقك عط 􀑧 يض؟ )، يس 􀑧 ها أنت تدخلين في فستان أبيض (لماذا أب
ويهرول أمامك.
ها أنا أآاد أضع قبلة على خدك.. وإذا بي أصافحك (لماذا أصافحك؟).
أسألك هل وجدت البيت بسهولة فتأتي الكلمات بالفرنسية (لماذا أيضاً بالفرنسية؟) تراني آنت أبحث عن حرّيّة أو
جرأة أآثر، داخل تلك اللغة الغريبة عن تقاليدي وحواجزي النفسية؟
على تلك الأريكة جلستِ.
قلتِ وأنت تلقين نظرة عامة على غرفة الجلوس:
- لم أآن أتصوّر بيتك هكذا. إنه رائع ومؤثث بكثير من الذوق!
سألتك:
- آيف آنت تتصورينه إذن؟
أجبتني:
- بفوضى.. وبأشياء أآثر.
85
قلتُ لك ضاحكاً:
ن 􀑧 ة ع 􀑧 رى خاطئ 􀑧 رة أخ 􀑧 ا فك 􀑧 اً. إنه 􀑧 ون فنّان 􀑧 رة لأآ 􀑧 رة مبعث 􀑧 - لست في حاجة إلى أن أسكن شقة مغبّرة، بأشياء آثي
ن 􀑧 يء م 􀑧 ع ش 􀑧 ي وض 􀑧 الرسّامين. أنا مسكون بالفوضى، ولكنني لا أسكنها بالضرورة. إنها طريقتي الوحيدة، ف
الترتيب داخلي.
ث 􀑧 احة لا تؤث 􀑧 ة مس 􀑧 ام، فاللوح 􀑧 زم للرس 􀑧 ا يل 􀑧 ل م 􀑧 و آ 􀑧 ا وه 􀑧 وء يؤثثه 􀑧 اهقة، لأن الض 􀑧 قة الش 􀑧 ذه الش 􀑧 رت ه 􀑧 د اخت 􀑧 لق
بالفوضى وإنما بالضوء ولعبة الظل والألوان.
فتحت نافذتي الزجاجية الكبيرة، ودعوتك للخروج إلى الشرفة.
قلتُ:
اريس 􀑧 ماء ب 􀑧 ع س 􀑧 ل م 􀑧 رفتي أتعام 􀑧 ن ش 􀑧 ا، م 􀑧 - انظري هذه النافذة، إنها الجسر الذي يربطني بهذه المدينة. من هن
المتقلّبة.
ى 􀑧 ور إل 􀑧 ن ط 􀑧 ب م 􀑧 ي تنقل 􀑧 آل صباح تقدم لي باريس نشرتها النفسية، فأجلس هنا في الشرفة لأتفرج عليها وه
آخر.
ول 􀑧 و يتح 􀑧 ين، وه 􀑧 يحدث آثيراً أن أرسم أمام هذه النافذة، ويحدث أن أجلس في الخارج لأتفرج على نهر الس
إلى إناء يطفح بدموع مدينة تحترف البكاء.
يس 􀑧 تدرجني لأحاس 􀑧 ر يس 􀑧 ر المط 􀑧 يحلو لي الجلوس هنا على حافّة المطر قريباً ومحمياً منه في آن واحد. منظ
متطرفة.
.« إن الإنسان ليشعر أنه في عنفوان الشباب عند نزول المطر »
عندئذٍ، نظرتِ إلى السماء وآأنك تصلّين لتمطر، وقلتِ بالعربية :
- إن المطر يغريني بالكتابة ..وأنت؟
.« وأنا يغريني بالحب » وآنت على وشك أن أجيبك
نظرتُ طويلاً إلى السماء. آانت صافية زرقاء آسماء حزيران.
آانت زرقتها تضايقني فجأة، ربما لأنني تعودت أن أراها رمادية.
وربما لأنني تمنيت في سرّي، لو أمطرت لحظتها؛ لو تواطأت معي ورمتك إلى صدري عصفورة مبللة.
ولم أقل لك شيئاً من آل هذا.
نقلت نظرتي من السماء إلى عينيك.
آنت أراهما لأول مرة في الضوء .شعرت أنني أتعرف عليهما.
ارتبكت أمامهما آأول مرة. آانتا أفتح من العادة، وربما أجمل من العادة.
آان فيهما شيء من العمق والسكون في آن واحد. شيء من البراءة، والمؤامرة العشقية..
تراني أطلت النظر إليك؟ سألتني بطريقة من يعرف الجواب مسبقاً:
- لماذا تنظر إليّ هكذا؟
86
آان صوتك بالعربية يأتي آموسيقى عزف منفرد.
وجدت الجواب في قصيدة، حفظت مطلعها ذات يوم:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر »
« أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
سألتني مدهوشة:
- أتعرف شعر السياب أيضاً؟. عجيب!
قلتُ في جواب مزدوج:
.« أنشودة المطر » - أعرف
عرت أنك ربما أحببتني أآثر تلك اللحظة بالذات، وآأنني أصبحت في نظرك السيّاب أيضاً.
وآكل مرة أفاجئك فيها ببيت شعر، أو بمقولة ما باللغة العربية، سألتني:
- متى قرأت هذا؟
أجبتك هذه المرة:
ا 􀑧 ب . أن 􀑧 اوين الكت 􀑧 ي بعن 􀑧 ة، وثروت 􀑧 الأوراق النقدي 􀑧 دّ ب 􀑧 رين تع 􀑧 - أنا لم أفعل شيئاً عزيزتي سوى القراءة. ثروة الآخ
رجل ثري آما ترين.. قرأت آلّ ما وقعت عليه يدي.. تماماً آما نهبوا آل ما وقعت عليه يدهم.!
بعدها قلت وأنت تحدقين في ذلك الجسر الحجري الرمادي، الذي يجري تحته نهر السين بزرقة صيفية استثنائية:
- أنت محظوظ بهذا المنظر، جميل أن تطلّ شرفتك على نهر السين، ما اسم هذا الجسر؟
قلتُ:
ذ 􀑧 ها من 􀑧 ى بعض 􀑧 رت عل 􀑧 ائده، عث 􀑧 ي قص 􀑧 ر ف 􀑧 ذا الجس 􀑧 قد خلّد ه « أبولينير » - إنه جسر ميرابو. اآتشفت أخيراً أن
ان 􀑧 ل مك 􀑧 د آ 􀑧 ي تخلي 􀑧 اوم ف 􀑧 ادة لا تق 􀑧 أيام في ديوان له. يبدو أنه آان مولعاً به. إن الشعراء مثل الرسامين لهم ع
ا 􀑧 ة عبره 􀑧 ث مدين 􀑧 اً، وثال 􀑧 ه يوم 􀑧 ب في 􀑧 ى آت 􀑧 ر مقه 􀑧 ة، وآخ 􀑧 يعة مجهول 􀑧 د ض 􀑧 هم خلّ 􀑧 ب . بعض 􀑧 روه بح 􀑧 كنوه أو عب 􀑧 س
مصادفة، وإذا به يقع في حبها إلى الأبد.
سألتني:
- وهل رسمت أنت هذا الجسر؟
أجبتك متنهداً:
ى 􀑧 ذا قض 􀑧 د اً. وهك 􀑧 ك أب 􀑧 د ذل 􀑧 راه بع 􀑧 اف ألا ن 􀑧 اً ونخ 􀑧 اه يوم 􀑧 ا رأين 􀑧 ا م 􀑧 رى .. وإنم 􀑧 - لا.. لأننا لا نرسم بالضرورة ما ن
ة 􀑧 م مدين 􀑧 ي رس 􀑧 ره ف 􀑧 لان ) عم 􀑧 ى (أط 􀑧 ام، وقض 􀑧 وى أي 􀑧 كنها س 􀑧 م يس 􀑧 ة ل 􀑧 دن مغربي 􀑧 م م 􀑧 ي رس 􀑧 ره ف 􀑧 رو ا) عم 􀑧 (دولاآ
واحدة.. هي قسنطينة.
ن 􀑧 يء م 􀑧 م بش 􀑧 ذة، لأرس 􀑧 ذه الناف 􀑧 ابلاً له 􀑧 ة مق 􀑧 ذه الغرف 􀑧 ي ه 􀑧 هرين ف 􀑧 ذ ش 􀑧 ف من 􀑧 ل أن أق 􀑧 ة قب 􀑧 ذه الحقيق 􀑧 ي ه 􀑧 ن أع 􀑧 لم أآ
التوتر الاستثنائي لوحتي الأخيرة.
آانت عيناي تريان جسر ميرابو ونهر السين. ويدي ترسم جسراً آخر ووادياً آخر لمدينة أخرى.
87
م 􀑧 وعندما انتهيت، آنت رسمت قنطرة سيدي راشد ووادي الرمال.. لا غير .وأدرآت أننا في النهاية لا نرس
ما نسكنه.. وإنما ما يسكننا.
سألتني بلهفة:
- هل يمكن أن أرى هذه اللوحة؟
قلتُ وأنا أقودك إلى مرسمي:
- طبعاً.
اً 􀑧 ات أرض 􀑧 ن اللوح 􀑧 أ م 􀑧 ا اتك 􀑧 ى م 􀑧 دران، وإل 􀑧 وقفتِ أمام تلك الغرفة الشاسعة الملأى باللوحات. رحتِ تنظرين إلى الج
بدهشة طفل في مدينة سحرية. ثم قلت بالانبهار نفسه:
- آم هو رائع آلّ هذا.. أتدري؟ لم يحدث أن زرت مرسماً قبل اليوم..
.« ولم يحدث أن زارته امرأة قبلك، قبل اليوم » آنت أودّ أن أقول لك
ت 􀑧 ض الوق 􀑧 دها بع 􀑧 ري عن 􀑧 ب فك 􀑧 ا. ذه 􀑧 ن هن 􀑧 ولكن لوحة آاترين المستندة على الجدار ذآّرتني بمرور امرأة أخرى م
عندما قلتِ فجأة:
- وأين هي اللوحة التي حدّثتني عنها؟
عها 􀑧 ي بوض 􀑧 ا تلغ 􀑧 م، وآأنه 􀑧 بات الرس 􀑧 ى خش 􀑧 بة عل 􀑧 زال منتص 􀑧 ا ت 􀑧 ة م 􀑧 ت اللوح 􀑧 ة، آان 􀑧 ر للقاع 􀑧 رف الآخ 􀑧 ى الط 􀑧 ذتك إل 􀑧 أخ
المميز ذاك، آل اللوحات الأخرى المبعثرة حولها.
ول 􀑧 وى دخ 􀑧 ره س 􀑧 ن يكس 􀑧 امت، ل 􀑧 اطفي ص 􀑧 ؤ ع 􀑧 ك تواط 􀑧 رة . هنال 􀑧 ه الأخي 􀑧 ام ولوحت 􀑧 ين أيّ رس 􀑧 ا ب 􀑧 قية م 􀑧 هنالك علاقة عش
لوحة عذرا أخرى إلى دائرة الضوء.
ا 􀑧 داعي آلم 􀑧 ون الإب 􀑧 اه للجن 􀑧 تدراجه إي 􀑧 يض، واس 􀑧 ون الأب 􀑧 ع للّ 􀑧 داء الموج 􀑧 اوم الن 􀑧 ف يق 􀑧 رف آي 􀑧 ب لا يع 􀑧 فالرسام مثل الكات
وقف أمام مساحة بيضاء.
آيف إذن، ما زلت أقاوم منذ شهرين تحدي اللون الأبيض وإغراء آل اللوحات التي أشهرت في وجهي بياضها؟
ت 􀑧 ولماذا، رفضت أن أرسم شيئاً بعد لوحتي هذه، وفضّلت أن أبقيها هكذا على الخشبات نفسها، لأشهد لها أنها آان
سيدتي، وسيدة آل ما حولي من لوحات، وآأنني أرفض أن أحيلها إلى رآن أو جدار آما تحال عشيقة عابرة.
أيمكن ذلك.. وهي التي أعطتني من النشوة، ما لم تعطنيه حتى النساء؟
ربما.. لأنه لم يحدث قبلها أن مارست الحب رسماً.. مع الوطن!
قلتِ وأنت تتأملينها:
وان 􀑧 ي الأل 􀑧 ة ف 􀑧 يل .. وخاص 􀑧 ن التفاص 􀑧 ر م 􀑧 ي الكثي 􀑧 ا، ف 􀑧 ف عنه 􀑧 ولكنها تختل « حنين » - إنها مشابهة للوحتك الأولى
الترابية الخام التي استعملتها، إنها تعطيها نضجاً.. وحياة أآثر.
قلتُ وأنا أنقل نظري منها إليك:
- لقد بعثت فيها الحياة.. إنها أنتِ.
- أنا؟
88
ي 􀑧 مك .اتّهمتن 􀑧 ل لأرس 􀑧 ن اللي 􀑧 أخرة م 􀑧 اعة مت 􀑧 ى س 􀑧 ة حت 􀑧 هرت البارح 􀑧 د س 􀑧 اتف، لق 􀑧 ى اله 􀑧 ك عل 􀑧 - أتذآرين يوم قلت ل
رت 􀑧 ك عب 􀑧 يومها بالجنون وخفت أن أآون قد فضحت ملامحك. لا تخافي، لن أرسمك أبداً ولن يعرف أحد أن
حياتي ذات يوم. إن للفرشاة شهامة أيضاً.
وأضفتُ:
- أنت مدينة.. ولست امرأة، وآلما رسمت قسنطينة رسمتك أنت، ووحدك ستعرفين هذا..
قلتِ فجأة وأنت تشيرين بنظرة من عينيك إلى لوحة آاترين:
- وهي؟
آان في سؤالك شيء من عناد الأطفال وأنانيتهم، وشيء من عناد النساء وغيرتهنّ.
قلتُ وأنا أرفع تلك اللوحة من الأرض:
- هل تزعجك هذه اللوحة حقاً؟.
أجبتِ بشيء من الكذب الواضح:
- لا..
واصلتُ وأنا أشعر أنني قادر في تلك اللحظة على أن أرتكب أي جنون:
- إذا شئت سأتلفها أمامك..
صحت:
- لا، أأنت مجنون!
قلتُ بهدوء:
- لست مجنوناً.. وهذه اللوحة لا تعني شيئاً بالنسبة لي. إنها امرأة عابرة، في مدينة عابرة.
قلتِ بابتسامة مربكة وأنت تتأملينها:
- إنها مدينتك الأخرى ..أليس آذلك؟
من أين جئت بتلك الرصاصة الأخيرة، لتطلقيها على تلك اللوحة؟
اعترفت لك بتلميح واضح:
- لا.. ليست مدينتي، إنها وسادتي الأخرى.. أو إذا شئت سريري الآخر فقط!
ى 􀑧 ا عل 􀑧 ت آثاره 􀑧 ك، وترآ 􀑧 د عبرت 􀑧 ة ق 􀑧 يس متناقض 􀑧 ف وأحاس 􀑧 ك، وأن عواط 􀑧 شعرت أن شيئاً من الحمرة قد علا وجنتي
ملامحك التي تغيّرت في لحظات.
ثم تمتمتِ بهدوء وآأنك تتحدثين إلى نفسك:
...-لا يهم!
قلتُ لك وأنا أمسكك من ذراعك:
- لا تغاري من هذه اللوحة. هنالك امرأة واحدة تستحق أن تغاري منها في هذا البيت، هي هذه..
نظرت نحو المكان الذي أشرت إليه. آان ثمّة تمثال ينتصب على الأرض في حجم امرأة.
89
قلتِ بتعجّب:
- هذه.. لماذا هذه؟
قلتُ:
ابق 􀑧 ي الس 􀑧 ت ف 􀑧 ي . آن 􀑧 نوات غربت 􀑧 م س 􀑧 متني معظ 􀑧 ي قاس 􀑧 ى الآن، والت 􀑧 ا حت 􀑧 ت له 􀑧 ي ارتح 􀑧 - لأنها المرأة الوحيدة الت
أملك منها نسخة مصغرة. وقررت منذ سنتين أن أهدي نفسي تمثالها في حجمه الأآبر.
لا 􀑧 ي ب 􀑧 دة وه 􀑧 آانت تلك إحدى نوبات جنوني. ولكنني لم أندم على اقتنائها، إنها تشبهني آثيراً. أنا بذراع واح
ن 􀑧 ا م 􀑧 ا عاهتن 􀑧 ن تمنعن 􀑧 اً، ل 􀑧 امدان مع 􀑧 ا ص 􀑧 ة . ولكنن 􀑧 باب مختلف 􀑧 ة، لأس 􀑧 ة مختلف 􀑧 ذراعين. لقد فقدنا أطرافنا في أزمن
الخلود.
لم تعلّقي على آلامي.
ل 􀑧 ان الرج 􀑧 و آ 􀑧 ى ل 􀑧 ذلك؟ حت 􀑧 يس آ 􀑧 ون أل 􀑧 يبدو أنك لم تصدقي ذلك. أن يعيش رجل مع تمثال لامرأة، ضرب من الجن
رسّاماً، وآانت المرأة فينوس لا غير!
ا 􀑧 ذا آلم 􀑧 فيه ا. ول 􀑧 ن أن تكش 􀑧 ل م 􀑧 ت أعق 􀑧 ك آن 􀑧 ون . ولكن 􀑧 س الجن 􀑧 ي تلام 􀑧 ة الت 􀑧 أخوذة بالعبقري 􀑧 ت م 􀑧 ك آن 􀑧 ك .. أن 􀑧 المشكلة مع
أردت أن أعطيك دليلاً على جنوني، لم تكوني تصدقيني تماماً.
رحتِ فقط بحماقة أنثى، تسترقين النظر إلى لوحة آاترين، وآأنها وحدها تعنيك. ورحت أنا أحاول فهمك.
رور 􀑧 ذآّرك بم 􀑧 ذي ي 􀑧 امت ال 􀑧 ما الذي آان يزعجك في تلك اللوحة؟ هل وجودها في تلك اللحظة بيننا بحضورها الص
لات 􀑧 ف خص 􀑧 ين خل 􀑧 ا المختفيت 􀑧 فتيها وعينيه 􀑧 تفزازي لش 􀑧 راء الاس 􀑧 رأة، والإغ 􀑧 امرأة أخرى في حياتي؟ أم شقرة تلك الم
شعر فوضوي؟
رأة، 􀑧 متها لام 􀑧 دة رس 􀑧 ة واح 􀑧 ى لوح 􀑧 اتبيني عل 􀑧 ك أن تع 􀑧 ن حق 􀑧 أآنت تغارين من اللوحة أم من صاحبتها؟ وآيف يكون م
دون أن يكون لي الحق في أن أحاسبك على آل ما آتبته قبلي، وعلى ذلك الرجل الذي عذّبتني به صدقاً أم آذباً؟
عادت عيناك إلى اللوحة الأخيرة .تأملتها قليلاً ثم قلتِ:
- إذن هذه.. أنا!
قلتُ:
ن 􀑧 ورها، م 􀑧 تدارة جس 􀑧 ن اس 􀑧 ة؛ م 􀑧 ذه المدين 􀑧 اريج ه 􀑧 ن تع 􀑧 يء م 􀑧 ك ش 􀑧 ذا أراك، في 􀑧 ن هك 􀑧 ت، ولك 􀑧 وني أن 􀑧 م تك 􀑧 - ربما ل
ا 􀑧 ن أنوثته 􀑧 دها، م 􀑧 طر جس 􀑧 ذي يش 􀑧 ديّ ال 􀑧 ر الزب 􀑧 ذا النه 􀑧 ن ه 􀑧 ا، م 􀑧 ارات وديانه 􀑧 ن مغ 􀑧 ا، م 􀑧 ن مخاطره 􀑧 موخها، م 􀑧 ش
وإغرائها السري ودوارها.
قاطعتني مبتسمة:
- أنت تحلم.. آيف يمكن لك أن تجد قرابة بيني وبين هذا الجسر؟
ي 􀑧 ا ف 􀑧 آيف خطرت فكرة آهذه بذهنك؟! أتدري أنني لا أحب سوى الجسور الخشبية الصغيرة تلك التي نراه
دة 􀑧 نطينة الجدي 􀑧 ور قس 􀑧 ا جس 􀑧 ة . وأم 􀑧 ات الخرافي 􀑧 ا العرب 􀑧 ة، تعبره 􀑧 الثلج والفض 􀑧 ة ب 􀑧 بطاقات نهاية السنة، مرشوش
90
رة 􀑧 ت م 􀑧 ة، أو حاول 􀑧 دة راجل 􀑧 رة واح 􀑧 ا م 􀑧 ي عبرته 􀑧 ر أنن 􀑧 ة . لا أنك 􀑧 المعلّقة في الفضاء، فهي جسور مخيفة.. حزين
واحدة النظر منها إلى أسفل.. إلا شعرت بالفزع والدوار.
قلتُ:
ة 􀑧 ن نقط 􀑧 الم م 􀑧 ى الع 􀑧 رج عل 􀑧 و التف 􀑧 اوم؛ ه 􀑧 ذي لا يق 􀑧 قوط ال 􀑧 ة الس 􀑧 ى حاف 􀑧 وف عل 􀑧 - ولكن الدوار هو العشق؛ هو الوق
ت 􀑧 ي وق 􀑧 ى ف 􀑧 فل والأعل 􀑧 ذبك للأس 􀑧 ي تج 􀑧 ة، الت 􀑧 يس المتناقض 􀑧 الات والأحاس 􀑧 ن الانفع 􀑧 شاهقة للخوف؛ هو شحنة م
ي أن 􀑧 ذا، يعن 􀑧 امخاً آه 􀑧 واحد، لأن السقوط دائماً أسهل من الوقوف على قدمين خائفتين! أن أرسم لك جسراً ش
أعترف لك أنك دواري. إنه ما لم يقله لك رجلٌ قبلي.
ور 􀑧 ولا الجس 􀑧 داور . ل 􀑧 افين ال 􀑧 ت تخ 􀑧 داع، وأن 􀑧 ن الإب 􀑧 ي ع 􀑧 أنا لا أفهم أن تحبّي قسنطينة وتكرهي الجسور؛ وتبحث
لما آانت هذه المدينة. ولولا شهقة الدوار، لما أحبّ أحد.. أو أبدع.
آنت تستمعين إليّ، وآأنك تكتشفين شيئاً لم تنتبهي له من قبل برغم بساطته.
غير أنك قلت:
رف 􀑧 رأة تتع 􀑧 ر . إن أي ام 􀑧 - ربما آنت في النهاية على حق، ولكنني آنت أفضل لو رسمتني أنا وليس هذا الجس
ل 􀑧 ا أنّ أيّ رج 􀑧 اً آم 􀑧 دينتها؛ تمام 􀑧 م م 􀑧 ي .. لا أن يرس 􀑧 مها ه 􀑧 دها، أن يرس 􀑧 رّها أن يخلّ 􀑧 ي س 􀑧 م ف 􀑧 ام، تحل 􀑧 ى رس 􀑧 عل
ية.. أو 􀑧 ا النرجس 􀑧 ه. إنه 􀑧 ة ب 􀑧 ه علاق 􀑧 ر ل 􀑧 يء آخ 􀑧 ن ش 􀑧 يس ع 􀑧 يئاً، ول 􀑧 ه ش 􀑧 ب عن 􀑧 ى أن تكت 􀑧 ة، يتمن 􀑧 ى آاتب 􀑧 رف عل 􀑧 يتع
الغرور أو أشياء أخرى لا تفسير لها.
فاجأني اعترافك. شعرت بشيء من الخيبة.
ق 􀑧 هل رسمت نسخة مزوّرة عنك إذن؟ أحقّ أنه ليس بينك وبين هذا الجسر من قرابة؟ أآانت هذه اللوحة نسخة طب
ة 􀑧 ى لوح 􀑧 ولي إل 􀑧 ر، أن تتح 􀑧 الأصل عن ذاآرتي.. وأن حلمك في النهاية، أن تصبحي نسخة أخرى عن آاترين لا غي
عادية، مفضوحة المزاج، ووجه بكثير من المساحيق، يشبه وجهها؟
ترانا لم نَشْفَ من هذه العقدة؟
قلتُ لك بشيء من اليأس:
- إذا آان هذا ما تريدين.. سأرسمك.
أجبتني بصوت فيه خجل ما:
- أعترف أنني منذ البداية، آنت أحلم أن ترسمني أنا.. وأن أحتفظ بهذه اللوحة عندي آذآرى، شرط ألا تضع
عليها توقيك إذا أمكن..
شعرت برغبة في الضحك، أو على الأرجح برغبة في الحزن، وأنا أآتشف ذلك المنطق العجيب للأشياء.
ع 􀑧 عي أن أض 􀑧 ي وس 􀑧 يس ف 􀑧 ت فل 􀑧 آان من حقي إذن أن أوقع الرموز واللوحات التي ليس بينها وبينك من شبه. وأما أن
أسفل رسمك توقيعي. أنت المرأة الوحيدة التي أحببتها، لن يقترن اسمي بك ولو مرة واحدة، حتى في أسفل لوحة؟
هناك إذن الذين يشترون توقيعي فقط، وليس لوحاتي. وهناك أنت التي تريدين لوحتي دون توقيع.
91
ة 􀑧 ى لوح 􀑧 ك إل 􀑧 بّ أن يحول 􀑧 م الح 􀑧 رفض باس 􀑧 ياء، وي 􀑧 د للأش 􀑧 وهنالك أنا.. المجنون العنيد الذي يرفض هذا المنطق الجدي
لقيطة، لا نسب لها ولا صاحب. يمكن أن تتبنّاها أية ريشة وأي رسام.
حيّرك صمتي.. قلتِ شبه معتذرة:
- هل يزعجك أن ترسمني؟
قلتُ ساخراً:
وم . 􀑧 ه ذات ي 􀑧 مت ملامح 􀑧 ن رس 􀑧 ا، وط 􀑧 ن م 􀑧 ن وط 􀑧 - لا.. آنت أآتشف فقط مرة أخرى، أنك نسخة طبق الأصل ع
ن 􀑧 بات . فم 􀑧 ذه المناس 􀑧 ل ه 􀑧 اً لمث 􀑧 ولكن آخرين وضعوا إمضائهم أسفل انتصاراتي. هنالك إمضاءات جاهزة دائم
الأزل، آان هنالك دائماً من يكتب التاريخ، وهنالك من يوقّعه، ولذا أنا أآره اللوحات الجاهزة للتزوير.
تراك فهمتِ آل ما قلته لك لحظتها؟
بدأت أشكّ فجأة في وعيك السياسي. لقد آان آلّ ما يهمّك في النهاية، هو موضوع لوحتك لا غير.
قلتِ وأنت تغادرين المرسم:
- أتدري أننا لن نلتقي لمدة شهرين؟ سأسافر الأسبوع القادم إلى الجزائر..
صحتُ وأنا أستوقفك في الممر:
- أحقٌ ما تقولين؟
قلتِ:
ي 􀑧 ع عم 􀑧 ادم م 􀑧 بوع الق 􀑧 ود الأس 􀑧 دّ أن أع 􀑧 ر . ولا ب 􀑧 ي الجزائ 􀑧 دتي ف 􀑧 ع وال 􀑧 يفية م 􀑧 ي الص 􀑧 اً عطلت 􀑧 - طبعاً أنا أقضي دائم
وعائلته.. لن يبقى أحد هنا في باريس.
وقفتُ مذهولاً وسط الممشى. أمسكت بذراعك وآأنني أمنعك من الرحيل، وسألتك بحزن:
- وأنا..؟
ت 􀑧 ى الوق 􀑧 نحتال عل 􀑧 ن س 􀑧 ا الأول . ولك 􀑧 ه فراقن 􀑧 يء .. إن 􀑧 ض الش 􀑧 - أنت.. سأشتاق إليك آثيراً. أعتقد أننا سنتعذّب بع
ليمرّ بسرعة.
ثم أضفتِ بلهجة من يريد أن يحل مشكلة، أو ينتهي منها بسرعة:
- لا تحزن.. يمكنك أن تكتب لي أو تطلبني هاتفياً.. سنبقى على اتصال.
آنتُ على حافة البكاء.
أن 􀑧 تني . وآ 􀑧 ي أدهش 􀑧 اد يّة الت 􀑧 ن الس 􀑧 ي م 􀑧 ر، بش 􀑧 ك الخب 􀑧 ي ذل 􀑧 زفّين ل 􀑧 ت ت 􀑧 ت أن 􀑧 ه . وآن 􀑧 آطفل أخبرته أمه أنها ستسافر دون
عذابي يغريك بشيء ما.
هل أمسك بأطراف ثوبك آطفل وأجهش بالبكاء؟
اعات 􀑧 اس بالس 􀑧 دك لا يق 􀑧 هل أتحدث إليك ساعات، لأقنعك أنني لن أقدر بعد اليوم على العيش بدونك، وأن الزمن بع
ولا بالأيام، وأنني أدمنتك؟
92
وي 􀑧 ورك الأنث 􀑧 ك، لحض 􀑧 حكتك، لطلت 􀑧 د اً لض 􀑧 اتف؟ عب 􀑧 ى اله 􀑧 أتي عل 􀑧 دما ي 􀑧 وتك عن 􀑧 داً لص 􀑧 بحت عب 􀑧 آيف أقنعك أنني أص
ي ء 􀑧 ل ش 􀑧 ت، لك 􀑧 بحت أن 􀑧 ذاآرة أص 􀑧 الشهيّ، لتناقضك التلقائيّ في آل شي وفي آل لحظة .عبدٌ لمدينة أصبحت أنت، ل
لمسته أو عبرته يوماً.
آان الحزن يهجم عليّ فجأة، وأنا واقف هكذا في ذلك الممر أتأملك بذهول من لا يصدق.
ك 􀑧 ي تل 􀑧 ي ف 􀑧 ح ل 􀑧 يء يفض 􀑧 ن ش 􀑧 ك ع 􀑧 ي ملامح 􀑧 ت ف 􀑧 اً. بحث 􀑧 ه يوم 􀑧 دث أن آنت 􀑧 م يح 􀑧 ا ل 􀑧 اق، آم 􀑧 وآنت قريبة مني حد الالتص
اللحظة عواطفك؛ لكنني لم أفهم شيئاً.
ط 􀑧 ي فق 􀑧 ت أع 􀑧 ث؟ آن 􀑧 ي البح 􀑧 أتراه عطرك الذي آان يخترق حواسي ويشلّ عقلي، هو الذي جعلني عندئذٍ لا أتعمّق ف
أنك بعد لحظات ستكونين بعيدة، بقدر ما آنت ساعتها قريبة.
رفعتِ وجهك نحوي.
ان 􀑧 ا تلتهم 􀑧 بقتاني وراحت 􀑧 د س 􀑧 فتاي ق 􀑧 ت ش 􀑧 ة، آان 􀑧 ة آلم 􀑧 آنت أريد أن أقول لك شيئاً لم أعد أذآره. ولكن قبل أن أقول أيّ
ة 􀑧 ى قطع 􀑧 دة إل 􀑧 مة واح 􀑧 ي ض 􀑧 ك ف 􀑧 زام، وتحول 􀑧 ك آح 􀑧 يط ب 􀑧 دة تح 􀑧 ي الوحي 􀑧 شفتيك في قبلة محمومة مفاجئة. وآانت ذراع
مني.
انتفضت قليلاً بين يدي آسمكة خرجت لتوّها من البحر، ثم استسلمت إليّ.
ه، 􀑧 اآك من 􀑧 ة لإمس 􀑧 ة قديم 􀑧 وقظ رغب 􀑧 ود، وي 􀑧 اً أس 􀑧 الاً غجري 􀑧 ك ش 􀑧 ى آتفي 􀑧 أة عل 􀑧 رط فج 􀑧 ك، ينف 􀑧 ل الحال 􀑧 عرك الطوي 􀑧 ان ش 􀑧 آ
ومتين 􀑧 فتيك المرس 􀑧 ى ش 􀑧 وقيعي عل 􀑧 ا ت 􀑧 ان به 􀑧 ة تترآ 􀑧 ن طريق 􀑧 ان ع 􀑧 فتاي تبحث 􀑧 ت ش 􀑧 ا راح 􀑧 وع . بينم 􀑧 ق الممن 􀑧 بشراسة العش
مسبقاً للحب.
آان لا بدّ أن يحدث هذا..
ي 􀑧 ويلاً ف 􀑧 مد ط 􀑧 ن أن أص 􀑧 ان يمك 􀑧 فاه، أآ 􀑧 ر الش 􀑧 دل أحم 􀑧 فتيك ب 􀑧 ى ش 􀑧 أنت التي تضعين الظلال على عينيك، والحمى عل
ة 􀑧 ي قبل 􀑧 راً ف 􀑧 ا أذوب أخي 􀑧 ا أن 􀑧 يّ، وه 􀑧 ل إل 􀑧 ى تنتق 􀑧 ي الحمّ 􀑧 ا ه 􀑧 فتيك، وه 􀑧 تهم ش 􀑧 ون تل 􀑧 نواتي الخمس 􀑧 ي س 􀑧 وجه أنوثتك؟ ها ه
قسنطينية المذاق، جزائرية الارتباك.
ك 􀑧 اردٌ ذل 􀑧 دفء . ب 􀑧 ة ال 􀑧 رة والقليل 􀑧 رة الحم 􀑧 فاه الكثي 􀑧 ك الش 􀑧 اردةٌ تل 􀑧 درين . ب 􀑧 و ت 􀑧 ة ل 􀑧 ل الغرب 􀑧 اردةٌ قُب 􀑧 لا أجمل من حرائقك.. ب
السرير الذي لا ذاآرة له.
دعيني أتزود منك لسنوات الصقيع .دعيني أخبّئ رأسي في عنقك. أختبئ طفلاً حزيناً في حضنك.
دعيني أسرق من العمر الهارب لحظة واحدة، وأحلم أن آل هذه المساحات المحرقة.. لي.
فاحرقيني عشقاً، قسنطينة!
شهيّتين شفتاك آانتا، آحبّات توت نضجت على مهل. عبقاً جسدك آان، آشجرة ياسمين تفتحت على عجل.
ل، 􀑧 ن الخج 􀑧 ة وم 􀑧 ن الرغب 􀑧 ر م 􀑧 ات . عم 􀑧 جائع أنا إليك.. عمر من الظمأ والانتظار. عمر من العقد والحواجز والتناقض
من القيم الموروثة، ومن الرغبات المكبوتة. عمر من الارتباك والنفاق.
على شفتيك رحت ألملم شتات عمري.
93
اً 􀑧 ان يوم 􀑧 ر، آ 􀑧 ل آخ 􀑧 اة لرج 􀑧 ويلاً مراع 􀑧 ه ط 􀑧 في قبلة منك اجتمعت آلّ أضدادي وتناقضاتي. واستيقظ الرجل الذي قتلت
رفيق أبيك.
رجلٌ آاد يكون أباك.
على شفتيك وُلدتُ ومتُّ في وقتٍ واحد. قتلت رجلاً وأحييت آخر.
هل توقّف الزمن لحظتها؟
هل سوّى أخيراً بين عمرينا، هل ألغى ذاآرتنا بعض الوقت؟
لا أدري..
ى 􀑧 عل « ه􀑧 غوت » رخات 􀑧 دى ص 􀑧 ي إح 􀑧 ا ف 􀑧 ا آم 􀑧 آلّ الذي آنت أدريه، أنك آنت لي، وأنني آنت أريد أن أصرخ لحظته
.«! قف أيها الزمن.. ما أجملك » لسان فاوست
ي 􀑧 اعتك ف 􀑧 أملين س 􀑧 ات تت 􀑧 د لحظ 􀑧 ت بع 􀑧 ادة . وآن 􀑧 يّ آالع 􀑧 آمر عل 􀑧 ادة . يت 􀑧 ي آالع 􀑧 ربص ب 􀑧 ان يت 􀑧 ف . آ 􀑧 م يتوق 􀑧 زمن ل 􀑧 ن ال 􀑧 ولك
محاولة لإخفاء ارتباآك، وتذآيري بضرورة عودتك إلى الجامعة.
عرضت عليك فنجان قهوة في محاولة أخيرة لاستبقاك.
قلت وأنت أمام المرآة تضعين شيئاً من الترتيب في مظهرك، وتصففين شعرك وتعيدين جمعه:
- أفضِّل شيئاً بارداًً إذا أمكن..
ى 􀑧 ي عل 􀑧 ار قبل 􀑧 ن آث 􀑧 ل م 􀑧 أة أخج 􀑧 أنني فج 􀑧 ترآتك في الصالون وذهبت إلى المطبخ. تعمدت ألا أستعجل في العودة، وآ
شفتيك.
د 􀑧 ن أح 􀑧 حبت م 􀑧 م س 􀑧 ه ا. ث 􀑧 ين بعض 􀑧 ب، وتقلّب 􀑧 اوين الكت 􀑧 ى عن 􀑧 رة عل 􀑧 ين نظ 􀑧 ة تلق 􀑧 ام المكتب 􀑧 ت أم 􀑧 دها، آن 􀑧 دت بع 􀑧 دما ع 􀑧 وعن
الرفوف آتاباً صغيراً، سألتني وأنت تنظرين إلى غلافه:
- أليس هذا الديوان لصديقك الشاعر الذي حدّثتني عنه؟
أجبتك بسعادة وأنا أجد أخيراً في ذلك الموضوع مخرجاً لارتباآي:
- نعم.. هناك ديوان آخر له أيضاً تجدينه على الرفّ نفسه.
قلتِ:
- هل اسمه زياد الخليل؟ لقد سمعت هذا الاسم قبل اليوم.
قلّبتِ الكتاب. رأيتك تتأملين طويلاً صورته على ظهر الكتاب. تقرئين بعض السطور.. ثم قلت:
- أيمكن لي أن أستعير منك هذين الديوانين؟. أفضّل أن أقرأهما على مهل هذا الصيف، فليس لي ما أطالعه.
أجبتك بحماسة، أو بحماقة:
ة 􀑧 ياء رائع 􀑧 تجدين أش 􀑧 ك . س 􀑧 ى آتابات 􀑧 ا عل 􀑧 - طبعا، إنها فكرة جيدة.. أنا واثق أن هذين الديوانين سيترآان تأثيرهم
إنه أجمل ما آتب زياد. .« مشاريع للحبّ القادم » خاصة في الديوان الأخير
رحتِ بسعادة تخفين الكتابين في حقيبة يدك .آنت وقتها في سعادة طفلة تعود إلى بيتها بلعبٍ أحبّتها.
94
ا 􀑧 يترآان تأثيرهم 􀑧 ابين س 􀑧 ذين الكت 􀑧 رى، وأن ه 􀑧 ك الأخ 􀑧 ك لعبت 􀑧 د ذل 􀑧 أآون بع 􀑧 ي س 􀑧 طبعاً، لم أآن أعي في ذلك الحين، أنن
أيضاً على مجرى قصتنا.
آنت تستعيدين تدريجياً وجهك العادي وملامحك الطبيعية.
وآأن زوبعة حبّي لم تمرّ بك. فهل آان ذلك تمثيلاً أم حقيقة؟
ن 􀑧 ف م 􀑧 اً أن أخفّ 􀑧 ت أيض 􀑧 ك . حاول 􀑧 ي زيارت 􀑧 بب الأول ف 􀑧 حاولت أن أنسى خيبتي معك، أمام تلك اللوحة التي آانت الس
خيبتك .
قلتُ:
- سأرسمك، ستكون لوحتك تسليتي في هذا الصيف..
ثم أضفتُ دون أية نية خاصة:
ا 􀑧 ل عنه 􀑧 ك أنق 􀑧 ورة ل 􀑧 ي ص 􀑧 مك . أو تعطين 􀑧 ن رس 􀑧 ن م 􀑧 - يجب أن تزوريني مرة أخرى لتجلسي أمامي، حتى أتمك
ملامحك.
قلتِ وآأن الجواب آان جاهزاً لديك:
تعين 􀑧 ك أن تس 􀑧 ورة . يمكن 􀑧 ة ص 􀑧 وزتي أي 􀑧 ي ح 􀑧 يس ف 􀑧 ام، ول 􀑧 ذه الأي 􀑧 ك ه 􀑧 ود إلي 􀑧 ت لأع 􀑧 - لم يبقَ أمامي متّسع من الوق
بصورتي الموجودة على ظهر آتابي، في انتظار أن أعود.
ت، 􀑧 ذا البي 􀑧 أعترف أنني لم أفهم في ذلك الحين أيضاً، إذا آان في جوابك شيء من التلميح لي بأنك لن تعودي إلى ه
أم أنك آنت تجيبيني بتلقائية بريئة لا أآثر؟
ألست أنت التي آنت تلحّين عليّ أن أرسمك؟
فلماذا حوّلت هذه اللوحة إلى قضية شخصية أنا وحدي معنيّ بها؟
لم أناقشك آثيرا. آنت أدري أنني في جميع الحالات سأرسمك. ربما لأنني لا أعرف آيف أرفض لك طلباً، وربما
لأنني لا أعرف آيف سأقضي الصيف دون استحضارك ولو رسماً.
ذهبت ذلك اليوم بعدما وضعت قبلتين على خدّي، ووعدتني بلقاء قريب. لم يعد ممكناً بعد قبلتنا أن نتصافح..
ا، أن 􀑧 ن أعماقن 􀑧 أة م 􀑧 ق فج 􀑧 ذي انطل 􀑧 آنت أعي أنّ شيئاً ما قد تغيّر في علاقتنا، ولم يعد ممكناً بعد اليوم لذلك المارد ال
يعود إلى قلب الزجاجة التي أغلقناها عليه لأسابيع آاملة.
يكون 􀑧 ه س 􀑧 هوة، وأن 􀑧 ى الش 􀑧 ة إل 􀑧 ة البريئ 􀑧 آنت أعي أنني أنتقل معك في بضع لحظات من الحب إلى العشق. من العاطف
من الصعب، بعد اليوم، أن أنسى مذاق قبلتك، وحرارة جسدك الملتصق بي للحظات.
آم دامت قبلتنا تلك.. دقيقتين؟ ثلاثاً؟ أم خمس دقائق للجنون لا غير؟
أيمكن أن تفعل تلك الدقائق القليلة آل الذي حلّ بي بعد ذلك؟
أيمكن أن تلغي خمس دقائق، خمسين سنة من عمري؟
ا أول 􀑧 رف يومه 􀑧 ت أقت 􀑧 ذي آن 􀑧 ا ال 􀑧 اهر؟ أن 􀑧 ي الط 􀑧 رى س 􀑧 اه ذآ 􀑧 ل تج 􀑧 وآيف لم أشعر بعدها بأيّ إحساس بالندم، بأيّ خج
خيانة بالمفهوم الأخلاقي للخيانة.
95
لا.. لم يكن في قلبي سوى الحب.
لني 􀑧 آنت ممتلئاً بالعشق، بالشهوة، بالجنون. آنت أخيراً سعيداً. فلماذا أفسد سعادتي بالندم، بالتساؤلات التي ستوص
إلى التعاسة؟
ن أن 􀑧 غيرة، يمك 􀑧 و ص 􀑧 رى ول 􀑧 احة أخ 􀑧 ولم يكن في القلب مس «.. الندم هو الخطأ الثاني الذي نقترفه » لا أذآر من قال
يتسلل منها شيء آخر غير؟ الحبّ.
ألم يكن آلّ ذلك جنوناً.
ع 􀑧 وى بض 􀑧 ة، س 􀑧 ي النهاي 􀑧 يئاً ف 􀑧 ك ش 􀑧 ك من 􀑧 م أمتل 􀑧 ي ل 􀑧 ا أدري أنن 􀑧 دّ، وأن 􀑧 ك الح 􀑧 آيف سمحت لنفسي أن أآون سعيداً إلى ذل
دقائق للفرح المسروق، وأن أمامي متسعاً من العمر.. للعذاب؟
96
الفصل الرابع
رني 􀑧 دار، تحض 􀑧 ى ج 􀑧 ة عل 􀑧 ة يتيم 􀑧 ة لوح 􀑧 ى مرتب 􀑧 ام إل 􀑧 ي أي 􀑧 التني ف 􀑧 ي أح 􀑧 آان لرحيلك مذاق الفجيعة الأولى. والوحدة الت
جملة تبدأ بها رواية أحببتها يوماً..
«.. ما أعظم الله! فهو عظيم بقدر ما أنا وحيد. إني لأرى المؤلف فيبدو لي آلوحة »
ى 􀑧 اً عل 􀑧 ت معلّق 􀑧 ذي آن 􀑧 ون ال 􀑧 ك الك 􀑧 رد ذل 􀑧 ر وأب 􀑧 وآنت أنا في عزلتي ووحدتي، ذلك المؤلف وتلك اللوحة معاً. فما أآب
جداره، في انتظارك!
بق 􀑧 ذي يس 􀑧 امض، ال 􀑧 ق الغ 􀑧 ك القل 􀑧 يش ذل 􀑧 ه . وأع 􀑧 آنت أدخل بعدك منحدرات الخيبات النفسية والعاطفية في الوقت نفس
ويلي دائماً آل معرض لي. وآنت أقوم تلقائياً بجردة لأفراحي وخيباتي.
انتهى معرضي إذاً. لم تهتم به غير صحافة فرنسية مختصّة آالعادة. وبعض المجلات العربية المهاجرة.
ي 􀑧 ولكن يمكن أن أقول إنه حصل على تغطية إعلامية آافية، وأن الذين آتبوا عنه أجمعوا على أنه حدث فني عرب
في باريس.
ه 􀑧 ا عن 􀑧 دة، آتبت 􀑧 بوعية واح 􀑧 ة أس 􀑧 دة ومجل 􀑧 ادة . جري 􀑧 ر، آالع 􀑧 ال لا غي 􀑧 ن إهم 􀑧 ه، ع 􀑧 ة تجاهلت 􀑧 حافة الجزائري 􀑧 دها الص 􀑧 وح
بطريقة مقتضبة. وآأنهما تعانيان فعلاً من قلة الصفحات، وليس من قلة المواد الصحافية.
ة 􀑧 راء مقابل 􀑧 ية، ولإج 􀑧 ايا شخص 􀑧 اريس لقض 􀑧 ى ب 􀑧 ور إل 􀑧 دني بالحض 􀑧 ذي وع 􀑧 حافي، ال 􀑧 ديق الص 􀑧 ك الص 􀑧 بينما لم يحضر ذل
ديث 􀑧 مطوّلة معي بالمناسبة نفسها. ورغم أنني رجل غير مولع بالأضواء، والجلوس لعدة ساعات إلى صحافي للح
ان 􀑧 ذي آ 􀑧 د ال 􀑧 عن نفسي، فإنني آنت أتمنى أن تتم تلك المقابلة، لأتمكن أخيراً من الحديث مطوّلاً إلى الشخص الوحي
يعنيني حقاً.. القارئ الجزائري.
رت 􀑧 ي ازده 􀑧 ات الت 􀑧 عبد القادر طلبني ليخبرني أنه اضطر للبقاء في الجزائر، لتغطية مهرجان ما من أحد المهرجان
هذه الأيام، لأسباب غامضة يعلمها الله.. وآخرون.
عبة 􀑧 ة الص 􀑧 ه بالعمل 􀑧 اق علي 􀑧 داده والإنف 􀑧 تم إع 􀑧 مي، ي 􀑧 ولم أعتب عليه.. ليس هناك من مقارنة بين مهرجان أو ملتقى رس
وبين أي معرض مهما آان اسم صاحبه، والسنوات التي أخذتها منه تلك اللوحات.
في النهاية لا يمكن حتى أن أعتب على الصحافة الجزائرية.
ار، 􀑧 ك الانفج 􀑧 ى وش 􀑧 ماذا يمكن أن يقدم معرض للوحات الفنية من متعة أو ترفيه للمواطن الجزائري الذي يعيش عل
رقص .. 􀑧 ن أن ي 􀑧 راي ). يمك 􀑧 ة (ال 􀑧 اً لأغني 􀑧 ك مهرجان 􀑧 بل الانتحار، ولا وقت له للتأمل أو التذوق، والذي يفضّل على ذل
ارات، 􀑧 ن دين 􀑧 ه م 􀑧 ي جيب 􀑧 ع ف 􀑧 ا تجمّ 􀑧 بوهة، م 􀑧 عبية المش 􀑧 اني الش 􀑧 ك الأغ 􀑧 ويصرخ.. ويغني فيها حتى الفجر، منفقاً على تل
؟« ليبيدو » وما تراآم في جسده من
الوحيدة التي يملكها شبابنا حقاً، والتي آعملتنا يدري أين ينفقها خارج الأسواق السوداء.. للبؤس. « الثروة » تلك
بعضهم أدرك هذا قبل غيره.
97
ر 􀑧 ام، أآب 􀑧 عة أي 􀑧 ي بض 􀑧 دهم ف 􀑧 رع أح 􀑧 وطن، اخت 􀑧 ه ال 􀑧 ان يعيش 􀑧 ذي آ 􀑧 افي ال 􀑧 ؤس الثق 􀑧 راغ والب 􀑧 زّ الف 􀑧 ي ع 􀑧 نة 1969 ، وف 􀑧 س
ة 􀑧 ل إفريقي 􀑧 ارة وقبائ 􀑧 ه ق 􀑧 ت إلي 􀑧 دعي ،« ي الأول 􀑧 ان الإفريق 􀑧 المهرج » مه 􀑧 ان اس 􀑧 ا، آ 􀑧 ر وإفريقي 􀑧 ه الجزائ 􀑧 ان عرفت 􀑧 مهرج
بأآملها لتغني وترقص _عارية أحياناً_ في شوارع الجزائر لمدة أسبوع آامل على شرف الثورة!
ة 􀑧 ى محاآم 􀑧 يم عل 􀑧 ه التعت 􀑧 م إنجازات 􀑧 ت أه 􀑧 ر .وآان 􀑧 لّ الأول والأخي 􀑧 رح ظ 􀑧 آم من ملايين أنفقت وقتها، على مهرجان للف
قائد تاريخي آان أثناء ذلك، يستجوب ويعذّب رجاله في الجلسات المغلقة.. باسم الثورة نفسها.
ذي 􀑧 اآم ال 􀑧 ذلك الح 􀑧 اص ل 􀑧 داء خ 􀑧 اً، ولا أيّ ع 􀑧 اهر أيض 􀑧 مه الط 􀑧 ان اس 􀑧 ودون أن تكون لي صداقة ما بذلك القائد، الذي آ
ن 􀑧 ر م 􀑧 ي تكث 􀑧 ة الت 􀑧 ذر الأنظم 􀑧 بحت أح 􀑧 م . وأص 􀑧 راهة الحك 􀑧 آان يوماً مجاهداً وقائداً أيضاً، بدأت أعي لعبة السلطة، وش
المهرجانات والمؤتمرات.. إنها دائماً تخفي شيئاً ما.!
فهل هي مصادفة أن تبدأ مشكلاتي من ذلك الحين، ويولد أول مذاق للمرارة في حلقي يومها؟
عندما التقيت بذلك الصديق بعد أشهر، اعتذر لي بأسف صادق، ووعدني ألا يفوّت معرضي القادم.
ربّتُّ على آتفه ضاحكاً وقلت:
- لا يهم.. بعد أيام لن يذآر أحد اسم ذلك المهرجان. ولكن التاريخ سيذآر اسمي لا محالة ولو بعد قرن!
قال لي بمزاحٍ لا يخلو من الجد:
- أتدري أنك مغرور؟
أجبته:
دعيها 􀑧 رم مب 􀑧 ة لا تحت 􀑧 فنحن لا نملك الخيار يا صاحبي. إننا ننتمي إلى أم « محقوراً » - أنا مغرور لكي لا أآون
وإذا فقدنا غرورنا وآبريائنا، ستدوسنا أقدام الأميين والجهلة!
تساءلت بعدها أأآون مغروراً حقاً؟
م 􀑧 اة . آ 􀑧 ك بفرش 􀑧 ا ممس 􀑧 اء وأن 􀑧 ة بيض 􀑧 ام لوح 􀑧 ف أم 􀑧 ة أق 􀑧 روراً إلا لحظ 􀑧 ون مغ 􀑧 ي لا أآ 􀑧 اآتشفت بعد شيء من التفكير، أنن
وان 􀑧 ولتي، وعنف 􀑧 ائض رج 􀑧 اآي بف 􀑧 ى ارتب 􀑧 ل عل 􀑧 ا، وأتحاي 􀑧 ضّ بكارته 􀑧 ها وأف 􀑧 زم بياض 􀑧 ا لأه 􀑧 رور لحظته 􀑧 يلزمني من الغ
فرشاتي؟
ولكن..
ا 􀑧 اورة، وأتأمله 􀑧 ة المج 􀑧 ى الأريك 􀑧 ي عل 􀑧 ى أرتم 􀑧 وان حت 􀑧 ن أل 􀑧 ا م 􀑧 ق به 􀑧 ا عل 􀑧 ل م 􀑧 ن آ 􀑧 دي م 􀑧 ح ي 􀑧 ا، وأمس 􀑧 ي منه 􀑧 ما أآاد أنته
مدهوشاً، وأنا أآتشف أنني الوحيد الذي آان يعرق وينزف أمامها..
وأنها أنثى عربية تتلقى ثورتي ببرود وراثي مخيف!
دما 􀑧 لات، بع 􀑧 لة المهم 􀑧 ي س 􀑧 ا ف 􀑧 ت به 􀑧 داهنّ وألقي 􀑧 ت إح 􀑧 رى أن مزّق 􀑧 اتي الكب 􀑧 اراتي وخيب 􀑧 ات انهي 􀑧 ي لحظ 􀑧 ..ولذا، حدث ف
أصبح وجودها يضايقني.
هنالك لوحات هي من السذاجة والبرودة بحيث تخلق عندك عقدة رجولة.. وليس فقط عقدة إبداع!
ورغم ذلك، لن يعرف أحد هذا. وربما لن يتوقع ضعفي وهزائمي السرية أحدٌ.
98
فالآخرون لن يروا غير انتصاراتي، معلّقة على الجدران في إطار جميل. وأما سلال المهملات، فستبقى دائماً في
رآن من مرسمي وقلبي، بعيدة عن الأضواء.
فالذي يجلس أمام مساحة بيضاء للخلق، لا بدّ أن يكون إلهاً أو عليه أن يغّير مهنته.
أأآون إلهاً؟ أنا الذي حولني حبك إلى مدينة إغريقية، لم يبق منها قائماً غير الأعمدة الشاهقة المتآآلة الأطراف؟
تحيل .. 􀑧 اتفي مس 􀑧 م ه 􀑧 وى رق 􀑧 ي س 􀑧 هران ..ولا ش 􀑧 وم؟ ش 􀑧 ل ي 􀑧 داخل آ 􀑧 ن ال 􀑧 ي م 􀑧 هل يفيد شموخي، وملح حبك يفتت أجزائ
وآلمات ترآتها لي تجفّ لها الفرشاة.
وإذا بالصمت يصبح لوني المفضل.
آنت أدرى جدلية الرسم والكتابة آما أردتها أنت.
أنني 􀑧 ر، وآ 􀑧 ا أآث 􀑧 آنت تفرغين من الأشياء آلما آتبتِ عنها، وآأنك تقتلينها بالكلمات. وآنت آلما رسمت امتلأت به
أبعث الحياة في تفاصيلها المنسية. وإذا بي أزداد تعلقاً بها، وأنا أعلقها من جديد على جدران الذاآرة.
أن أرسمك، أليس يعني أن أسكنك غرف بيتي أيضاً، بعدما أسكنتك قلبي؟
حماقة قرّرت في البدء ألا أرتكبها. ولكنني اآتشفت ليلاً بعد آخر عبثية قراري.
لماذا آان الليل هزيمتي؟
ان 􀑧 ك الزم 􀑧 ي ذل 􀑧 يلاً ف 􀑧 اً ل 􀑧 د غالب 􀑧 ي تول 􀑧 رية الت 􀑧 هوة الس 􀑧 وس الش 􀑧 ن طق 􀑧 ك، أم لأن للف 􀑧 وت ب 􀑧 ي خل 􀑧 وت بنفس 􀑧 ا خل 􀑧 ي آلم 􀑧 ألأنن
الخارج عن الزمن..
والخارج عن القانون؟
على حافة العقل والجنون.. في ذلك الحد الذي تلغيه العتمة والفاصل بين الممكن والمستحيل..
آنت أقترفك..
آنت أرسم بشفتي حدود جسدك.
أرسم برجولتي حدود أنوثتك.
أرسم بأصابعي آل ما لا تصله الفرشاة..
بيد واحدة آنت أحتضنك.. وأزرعك وأقطفك.. وأعرّيك وألبسك وأغيّر تضاريس جسدك لتصبح على مقاييسي.
يا امرأة على شاآلة وطن..
ن 􀑧 م م 􀑧 امنحيني فرصة بطولة أخرى. دعيني بيدِ واحدة أغيّر مقاييسك للرجولة ومقاييسك للحب.. ومقاييسك للذّة! آ
الأيدي احتضنتك دون دفء! آم من الأيدي تتالت عليك.. وترآت أظافرها على عنقك، وإمضاءها أسفل جرحك .
وأحبتك خطأ.. وآلمتك خطأ.
أحبك السُرَّاق والقراصنة.. وقاطعوا الطرق. ولم تقطع أيديهم.
ووحدهم الذين أحبوك دون مقابل، أصبحوا ذوي عاهات.
لهم آل شيء، ولا شيء غيرك لي.
99
ن 􀑧 رك م 􀑧 رق عط 􀑧 ن سيس 􀑧 ريري؟ م 􀑧 ن س 􀑧 دك م 􀑧 ادر جس 􀑧 ن سيص 􀑧 ي؟ م 􀑧 ك من 􀑧 يأخذ طيف 􀑧 ن س 􀑧 ة . فم 􀑧 ل ليل 􀑧 ة آك 􀑧 ي الليل 􀑧 أنت ل
حواسي؟ ومن سيمنعني من استعادتك بيدي الثانية؟
أنت لذّتي السرية، وجنوني السري، ومحاولتي السرية للانقلاب على المنطق.
دي 􀑧 أمرر ي 􀑧 واري، ف 􀑧 ى ج 􀑧 ددي إل 􀑧 ك لتتم 􀑧 اب نوم 􀑧 ي ثي 􀑧 أتين ف 􀑧 ي، وت 􀑧 آلّ ليلة تسقط قلاعك في يدي، ويستسلم حراسك ل
على شعرك الأسود الطويل المبعثر على وسادتي، فترتعشين آطائر بلّله القطر. ثم يستجيب جسدك النائم لي.
آيف حدث هذا.. وما الذي أوصلني إلى هذا الجنون؟
ذة 􀑧 رات ل 􀑧 دحرج قط 􀑧 يقى، فيت 􀑧 بّ وموس 􀑧 لال ح 􀑧 أتي ش 􀑧 ترى صوتك الذي تعودت عليه حد الإدمان، صوتك الذي آان ي
عليّ؟
«؟ واشك » حبك هاتف يسأل
يدثرني ليلاً بلحاف من القبل. يترك جواري عينيه قنديل شوق، عندما تنطفئ الأضواء.
يّ 􀑧 صّ عل 􀑧 يخاف عليّ من العتمة، يخاف عليّ من وحدتي ومن شيخوختي .فيعيدني إلى الطفولة دون استشارتي. يق
قصصاً يصدّقها الأطفال. يغنّي لي أغنيات ينام لسماعها الأطفال.
تُرى أآان يكذب؟ هل تكذب الأمهات أيضاً؟
هذا ما لا يصدقه الأطفال!
ما الذي أوصلني إلى جنوني؟
ترى قبلتك المسروقة من المستحيل. وهل تفعل القبل آلّ هذا؟.
أذآر أنني قرأت عن قُبل غيّرت عمراً ولم أصدّق..
رقها 􀑧 دة، س 􀑧 ة واح 􀑧 ريع قبل 􀑧 ع ص 􀑧 وق أن يق 􀑧 آيف يمكن لنيتشه فيلسوف القوة والرجل الذي نظر طويلاً للجبروت والتف
المرأة التي أحبها أآثر من آاتب وشاعر في عصرها. « Lou» مصادفة في زيارة سياحية إلى معبد، صحبة
ية 􀑧 ابق بالفرنس 􀑧 مها المط 􀑧 ي اس 􀑧 داً ف 􀑧 الذي تغزّل فيها طويلاً وبكاها أمام هذا الجسر نفسه، واج « أبولينير » آان أحدهم
دليلاً قاطعا على قدره معها؟ « Loup» تماماً لاسم الذئب
عيفاً، 􀑧 ا، ض 􀑧 لاً محطم 􀑧 ا رج 􀑧 ان أمامه 􀑧 د آ 􀑧 فق « ا􀑧 ك العص 􀑧 عندما تزور امرأة لا تنس أن تصحب مع » أما (نيتشه) القائل
ا أن 􀑧 ة : إم 􀑧 ين ثلاث 􀑧 ن ب 􀑧 ار م 􀑧 وى اختي 􀑧 ي س 􀑧 ام ابن 􀑧 رأة أم 􀑧 ذه الم 􀑧 رك ه 􀑧 م تت 􀑧 ل» : اً􀑧 ت يوم 􀑧 ه قال 􀑧 ى إن أم 􀑧 دون إرادة. حت 􀑧 وب
.«! يتزوجها.. أو ينتحر.. أو يصبح مجنوناً
د 􀑧 ذي فق 􀑧 ون ال 􀑧 ت شمش 􀑧 يوم أحب. فهل أخجل من ضعفي معك، وأنا لست فيلسوفاً للقوة، ولس « نيتشه » آان هذا حال
شعره وقوته الأسطورية بسبب قبلة؟
هل أخجل من قبلتك، وهل أندم عليها، أنا الذي بدأ عمري على شفتيك؟
من امرأة لم يتزوجها. هل انتحر أم أصبح مجنوناً؟ « نيتشه » لا أدري آيف شفي
ون 􀑧 ك الجن 􀑧 ون، ذل 􀑧 به الجن 􀑧 يئاً يش 􀑧 ا ش 􀑧 س فيه 􀑧 أدري فقط، أنني قضيت شهرين وسط تقلّبات نفسية متناقضة، آدت ألام
الذي آان يغريك، وآنت تتغزّلين لي به آثيراً، وتعتبرينه الصك الوحيد الذي يشهد للفنان بالعبقرية.
100
فليكن.. سأعترف لك اليوم، بعد آل تلك السنوات، أنني وصلت معك يوماً إلى ذلك الحد المخيف من اللاعقل.
ذي 􀑧 ون ال 􀑧 ل المجن 􀑧 ك الرج 􀑧 د : ذل 􀑧 ا بع 􀑧 لت عليه 􀑧 د حص 􀑧 وني ق 􀑧 م تك 􀑧 ي ل 􀑧 ة الت 􀑧 عورياً اللعب 􀑧 ديك لا ش 􀑧 ط، أم لأه 􀑧 أآان عشقاً فق
تحلمين به.
حدث آثيراً وقتها، أن استعدت قصتي معك فصلاً فصلاً.
ان 􀑧 ا آ 􀑧 يئاً ربم 􀑧 ي . ش 􀑧 ك ومن 􀑧 ر من 􀑧 طورية أآب 􀑧 ة أس 􀑧 ك قص 􀑧 آنت آل مرة أقع على استنتاجات متناقضة. مرة يبدو لي حب
مقدراً مسبقاً منذ قرون، منذ.. آانت قسنطينة مدينة تدعى (سيرتا).
ومرة أتساءل، ماذا لو آنت رجلاً استوقفتك ذاآرته وأغراك جنونه بقصة ما؟
ماذا لو آنت مجرد ضحية لجريمة أدبية ما، تحلمين بارتكابها في آتاب قادم؟
ة 􀑧 فيك، فأذآر أنني آنت أيضاً نسخة عن والدك. وأنني بسبب قبل « الإجرامي » ثم فجأة تطغى طفولتك على الجانب
حمقاء نسفت إلى الأبد ذاك الجسر السري الذي آان يجمعنا.
اء 􀑧 ك البيض 􀑧 ام لوحت 􀑧 ويلاً أم 􀑧 س ط 􀑧 مي . أجل 􀑧 ى مرس 􀑧 ه إل 􀑧 ومي وأتج 􀑧 ن ن 􀑧 تيقظ م 􀑧 ك . وأس 􀑧 ذار من 􀑧 رر الاعت 􀑧 ت أق 􀑧 ذاك، آن 􀑧 آن
وأتساءل: من أين أبدأك؟
أتأمل طويلاً صورتك، على ظهر روايتك التي أهديتنيها دون إهداء. أآتشف أن وجهك لا علاقة له بالصورة.
فكيف أضع عمراً لوجهك الجديد والقديم معاً. آيف أنقل عنك نسخة دون أن أخونك؟
ده 􀑧 ى وي 􀑧 ده اليمن 􀑧 م بي 􀑧 ى أن يرس 􀑧 ادراً عل 􀑧 ان ق 􀑧 ذي آ 􀑧 ب ال 􀑧 ام العجي 􀑧 ك الرس 􀑧 أتذآر وسط ارتباآي ( ليوناردو دافنشي)، ذل
اليسرى بالإتقان نفسه. بأي يد تراه رسم (الجوآندا) ليمنحها الخلود والشهرة؟ وبأي يد يجب أن أرسمك أنا؟
ماذا لو آنت المرأة التي لا تُرسم إلا باليد اليسرى، تلك التي لم تعد يدي؟
ذه 􀑧 ت ه 􀑧 ا آان 􀑧 رك. فربم 􀑧 راً س 􀑧 ف أخي 􀑧 اني أآتش 􀑧 ك عس 􀑧 رج علي 􀑧 س لأتف 􀑧 المقلوب . وأجل 􀑧 مك ب 􀑧 رة أن أرس 􀑧 الي م 􀑧 ر بب 􀑧 خط
الطريقة الوحيدة لفهمك.
.« أنت » فكّرت حتى في إمكانية عرض تلك للوحة مقلوبة في معرض. سيكون اسمها
سيتوقف أمامها الكثيرون. وقد يعجبون بها، دون أن يتعرّف أحدهم تماماً عليك.
أليس هذا ما تريدين في النهاية؟!
***
مرّ أآثر من أسبوع، وأآثر من نشرة جوية قبل أن يأتي صوتك ذات صباح دون مقدمات:
- آيف أنت؟
اندهش القلب الذي لم يتوقع هدية صباحية آتلك. وارتبك الكلام:
- وينك؟
آان صوتك يبدو قريباً أو هكذا خيّل لي. ولكنك أجبتني بضحكة أعرف مراوغتها:
- حاول أن تحزر!
أجبتُكِ آمن يحلم:
101
- هل عدتِ إلى باريس؟
ضحكتِ وقلتِ:
ك 􀑧 د أن أطلب 􀑧 ت لا ب 􀑧 ات .. وقل 􀑧 دى القريب 􀑧 ر زواج إح 􀑧 بوع لأحض 􀑧 ذ أس 􀑧 - أي باريس.. أنا في قسنطينة. جئت هنا من
من هنا. طمّني عنك ماذا تفعل في هذا الصيف.. ألم تسافر إلى أيّ مكان؟
اختصرتُ عذابي في بضع آلمات قلتُ:
- إنني متعب ..جدّ متعب.. آيف لم تتصلي بي حتى الآن؟
فقلتِ وآأنك طبيب سيكتب وصفة لمريض، أو شيخ يطلب منه آتابة حجاب أو تعاويذ سحرية:
عبة . إن 􀑧 ة وص 􀑧 ا مزعج 􀑧 اة هن 􀑧 م الحي 􀑧 دري آ 􀑧 ت لا ت 􀑧 ذرني . أن 􀑧 ب أن تع 􀑧 اً.. يج 􀑧 ك قريب 􀑧 أآتب ل 􀑧 - سأآتب لك.. والله س
الواحد لا يخلو لنفسه في هذه المدينة ولو لحظة. حتى الكلام على الهاتف مغامرة بوليسية..
- وماذا تفعلين؟
د 􀑧 دمي، لق 􀑧 ى ق 􀑧 ا عل 􀑧 ول فيه 􀑧 م أتج 􀑧 ة ل 􀑧 ى المدين 􀑧 رى . حت 􀑧 ى أخ 􀑧 وة إل 􀑧 ن دع 􀑧 ر، وم 􀑧 ى آخ 􀑧 ت إل 􀑧 - لا شيء.. أنتقل من بي
عبرتها بالسيارة فقط..
ثم أضفتِ وآأنكِ تذآرت فجأة شيئاً هاماً:
- أتدري.. أنت على حق. إن أجمل ما في قسنطينة، جسورها لا غير. لقد ذآرتك وأنا أعبرها..
ولكنني سألتكِ بحماقة: «؟ هل تحبينني » آنتُ أود تلك اللحظة لو سألتك
- هل تحبينها؟.
أجبتني بعد شيء من الصمت، وآأنني طرحت عليك سؤالاً يستدعي التفكير:
- ربما بدأت أحبها..
قلتُ:
- شكراً..
ضحكتِ.. قلتِ وأنت تنهين المكالمة:
- أيها الأحمق.. لن تتغير!
***
ل 􀑧 دار الفاص 􀑧 لقك الج 􀑧 وى تس 􀑧 ر س 􀑧 ا النظ 􀑧 اطن .. وم 􀑧 ى الب 􀑧 ر إل 􀑧 المرء يفتح شباآه لينظر إلى الخارج.. ويفتح عينيه لينظ
بينك وبين الحرية...
ر 􀑧 ل نه 􀑧 وة، أتأم 􀑧 ان قه 􀑧 ام فنج 􀑧 رفتي أم 􀑧 ى ش 􀑧 ت عل 􀑧 في ذلك الصباح، أشعلت سيجارة صباحية على غير عادتي. وجلس
السين، وهو يتحرك ببطء تحت جسر ميرابو.
آانت زرقته الصيفية الجميلة، تستفزّني ذلك الصباح دون مبرر. تذآرني فجأة بالعيون الزرق التي لا أحبها.
أترى لأنه لا نهر في قسنطينة.. أعلنت العداء على هذا النهر؟
نهضت دون أن أآمل سيجارتي. آنت فجأة على عجل.
102
اً 􀑧 رة أيض 􀑧 ذه الم 􀑧 ولينير ). ه 􀑧 ديقي (أب 􀑧 وك ص 􀑧 اريخي . عف 􀑧 ر الت 􀑧 ا الجس 􀑧 وك أيه 􀑧 اري . عف 􀑧 ر الحض 􀑧 ا النه 􀑧 فليكن.. عفوك أيه
سأرسم جسراً آخر غير هذا.
آنت هذه المرة ممتلئاً بك، بصوتك القادم من هناك، ليوقظ من جديد تلك المدينة داخلي.
ك 􀑧 ل تل 􀑧 أخرى . آ 􀑧 ة أو ب 􀑧 ألم أآن قد لمست الفرشاة من ثلاثة أشهر. وآان داخلي شيء ما على وشك أن ينفجر بطريق
الأحاسيس والعواطف المتضاربة، التي عشتها قبل رحيلك وبعده، والتي تراآمت داخلي آقنبلة موقوتة.
وآان لا بد أن أرسم لأرتاح أخيراً.
وني 􀑧 ي وجن 􀑧 اتي، بتناقض 􀑧 ل تقلب 􀑧 م بك 􀑧 ودة . أرس 􀑧 ك المفق 􀑧 ودة وبتل 􀑧 دي الموج 􀑧 م بي 􀑧 ابعي . أرس 􀑧 لء أص 􀑧 دي .. م 􀑧 لء ي 􀑧 م م 􀑧 أرس
وعقلي، بذاآرتي ونسياني. حتى لا أموت قهراً ذات صيف، في مدينة فارغة إلا من السوّاح والحمام.
وهكذا بدأت ذلك الصباح لوحة لقنطرة جديدة، قنطرة سيدي راشد.
لم أآن أتوقع يومها وأنا أبدأها، أنني أبدأ أغرب تجربة رسم في حياتي، وأنها ستكون البداية لعشر لوحات أخرى،
هية 􀑧 اً بش 􀑧 اً مخطوف 􀑧 ا غالب 􀑧 ض منه 􀑧 وم، أنه 􀑧 ن الن 􀑧 ة م 􀑧 اعات قليل 􀑧 رقة س 􀑧 ف، إلا لس 􀑧 ف دون توق 􀑧 هر ونص 􀑧 ي ش 􀑧 مها ف 􀑧 سأرس
جنونية للرسم.
آانت الألوان تأخذ فجأة لون ذاآرتي، وتصبح نزيفاً يصعب إيقافه.
ى 􀑧 رة، حت 􀑧 ن قنط 􀑧 ما آنت أنتهي من لوحة حتى تولد أخرى، وما أنتهي من حيّ حتى يستيقظ آخر، وما أآاد أنتهي م
تصعد من داخلي أخرى..
د 􀑧 م تع 􀑧 رأة ل 􀑧 د ام 􀑧 ق جس 􀑧 ي عاش 􀑧 ا يرض 􀑧 اً، آم 􀑧 آنت أريد أن أرضي قسنطينة حجراً.. حجراً، جسراً ..جسراً.. حياً.. حي
له.
ا. أوزّع 􀑧 جاره ا ووديانه 􀑧 ا وأش 􀑧 ا.. وأحجاره 􀑧 ل ترابه 􀑧 آنت أعبرها ذهاباً وإياباً بفرشاتي، وآأنني أعبرها بشفاهي. أقبّ
عشقي على مساحتها قُبلاً ملونة. أرشها بها شوقاً.. وجنوناً.. وحباً حتى العرق.
وآنت أسعد وذلك القميص يلتصق بي، بعد ساعات من الالتحام بها.
ن 􀑧 رأة . ولا م 􀑧 ة ام 􀑧 العرق دموع الجسد. ونحن في ممارسة الحب آما في ممارسة الرسم، لا نبكي جسدنا من أجل أي
أجل أية لوحة. الجسد يختار لمن يعرق.
وآنت سعيداً أن تكون قسنطينة، هي اللوحة التي بكى لها جسدي.
ين 􀑧 ة اللت 􀑧 وة والحماس 􀑧 ن الق 􀑧 يئاً م 􀑧 ي ش 􀑧 ك، تعطين 􀑧 الة من 􀑧 ع رس 􀑧 ا أزال أتوق 􀑧 ت م 􀑧 يف، آن 􀑧 ن الص 􀑧 ر م 􀑧 في ذلك الشهر الأخي
افتقدتهما خلال الشهرين الماضيين لغيابك. عندما فاجأتني رسالة من زياد.
آانت رسائله القادمة من بيروت تدهشني دائماً حتى قبل أن أفتحها.
دمر 􀑧 قف م 􀑧 ت أي س 􀑧 ة، تح 􀑧 ة جبه 􀑧 ن أي 􀑧 يم أو م 􀑧 ن أي مخ 􀑧 آنت أتساءل آل مرة، آيف وصلت هذه الرسالة إلى هنا؟ م
دي .. 􀑧 ندوق بري 􀑧 ل ص 􀑧 ا، داخ 􀑧 ل هن 􀑧 ى تص 􀑧 ا حت 􀑧 اوب عليه 􀑧 يكون قد آتبها؟ أي صندوق أودعها، وآم من ساعي بريد تن
بالحي السادس عشر بباريس؟
103
ت 􀑧 ة تح 􀑧 ا مهرب 􀑧 ائل لأهلن 􀑧 ث الرس 􀑧 ا نبع 􀑧 وم آن 􀑧 ر، ي 􀑧 آنت أعاملها دائماً بحب خاص. آانت تذآرني بزمن حرب التحري
الثياب.
لح 􀑧 ص تص 􀑧 ك قص 􀑧 وات الأوان. هنال 􀑧 آم من الرسائل لم تصل، وماتت مع أصحابها! وآم من الرسائل وصلت بعد ف
لأآثر من رواية.
آخر رسالة لزياد آانت تعود لما يقارب السنة.
عار 􀑧 إش » مّيها 􀑧 ان يس 􀑧 رى، آ 􀑧 اً أخ 􀑧 وجزة أحيان 􀑧 اً، وم 􀑧 ة أحيان 􀑧 ائل مطوّل 􀑧 بة، رس 􀑧 ذا دون مناس 􀑧 آان يحدث أن يكتب لي هك
.« بالحياة
في البدء ضحكت لهذه التسمية التي يريد أن يخبرني بها فقط أنه مازال على قيد الحياة.
بعدها أصبحت أخاف صمته الطويل، وانقطاع رسائله. فقد آان يحمل لي احتمال إشعار بشيء آخر.
د 􀑧 ي ليتأآ 􀑧 ريعاً من 􀑧 اً س 􀑧 ر جواب 􀑧 ه ينتظ 􀑧 ول . وأن 􀑧 ة أيل 􀑧 هذه المرة، آان يريد أن يخبرني أنه قد يحضر إلى باريس في بداي
من وجودي في باريس في هذه الفترة.
فاجأتني رسالته.. وأسعدتني وأدهشتني.
رأت 􀑧 راك ق 􀑧 اءلت ت 􀑧 م تس 􀑧 ث .« ر􀑧 ى حض 􀑧 كِ حت 􀑧 ره مع 􀑧 دت أذآ 􀑧 طويل عمر هذا الرجل.. ما آ » ذهب تفكيري إليك وقلت
د 􀑧 ون ق 􀑧 ت أن يك 􀑧 ي خف 􀑧 ت الت 􀑧 أشعاره؟ وهل أعجبتك؟ وماذا سيكون رد فعلك إذا قلت لك إنه سيحضر إلى باريس، أن
مات، وأبديت اهتماماَ بقصّته؟
آان الصيف ينسحب تدريجياً. وآنت أستعيد توازني تدريجياً آذلك.
ا 􀑧 عت عليه 􀑧 لقد أنقذتني تلك اللوحات من الانهيار. آان لا بد أن أرسمها لأخرج من تلك المطبّات الجنونية التي وض
قدميّ معك.
ى 􀑧 آنت قد فقدت آثيراً من وزني. ولكن لم يكن ذلك يعنيني. أو ربما لم أآن وقتها لأنتبه له، بعدما أصبحت أنظر إل
اللوحات، وأنسى أن أنظر إلى نفسي في مرآة.
ل 􀑧 ي أن أتأم 􀑧 و ل 􀑧 ان يحل 􀑧 ذا آ 􀑧 د . ول 􀑧 ى الأب 􀑧 د إل 􀑧 ن مج 􀑧 ه م 􀑧 ذي ربحت 􀑧 و ال 􀑧 ام، ه 􀑧 آنت أعتقد أن الذي خسرته من وزن في أي
نزيفي وجنوني معلّقاً أمامي: إحدى عشرة لوحة لم تعد تكفيها جدران البيت.
دة 􀑧 ر ع 􀑧 د تم 􀑧 ه ق 􀑧 ا، أن 􀑧 ي منه 􀑧 ا أنته 􀑧 رة وأن 􀑧 ر م 􀑧 اتي لآخ 􀑧 ع فرش 􀑧 وربما جاء تعلّقي بها، آذلك، لكوني آنت أدري وأنا أض
أشهر قبل أن أشعر برغبة جديدة في الرسم.
فقد آنت فرغت مرة واحدة من ذاآرتي.. وارتحت.
آنا على أبواب أيلول. وآنت سعيدا أو ربما في حالة ترقّب للسعادة.
ات 􀑧 ي الواجه 􀑧 ة ف 􀑧 توية المعروض 􀑧 اب الش 􀑧 ت الثي 􀑧 ل . آان 􀑧 ن قب 􀑧 ره م 􀑧 م أنتظ 􀑧 ا ل 􀑧 ف آم 􀑧 ر الخري 􀑧 ستعودين أخيراً.. آنت أنتظ
تعلن عودتك. اللوازم المدرسية التي تملأ رفوف المحلات، تعلن عودتك.
والريح، والسماء البرتقالية.. والتقلبات الجوية.. آلها آانت تحمل حقائبك.
ستعودين..
104
مع النوء الخريفي، مع الأشجار المحمرة، مع المحافظ المدرسية.
ستعودين..
ى 􀑧 اريس إل 􀑧 ودة ب 􀑧 ع ع 􀑧 رابات، م 􀑧 م الإض 􀑧 ع مواس 􀑧 يارات، م 􀑧 ة الس 􀑧 ع زحم 􀑧 دارس، م 􀑧 ى الم 􀑧 دين إل 􀑧 ال العائ 􀑧 ع الأطف 􀑧 م
ضوضائها.
مع الحزن الغامض.. مع المطر.
مع بدايات الشتاء.. مع نهايات الجنون.
ستعودين لي.. يا معطفي الشتوي.. يا طمأنينة العمر المتعب.. يا أحطاب الليالي الثلجية.
آيف نسيت نصيحة آهذه؟ «! لا تهيئ أفراحك » أآنت أحلم؟. آيف نسيت تلك المقولة الرائعة لأندريه جيد
آنتِ في الواقع امرأة زوبعة. تأتي وترحل وسط الأعاصير والدمار. آنتِ معطفاً لغيري وبرداً لي.
آنتِ الأحطاب التي أحرقتني بدل أن تدفئني.
آنت أنتِ.
وآنت أنتظر أيلول إذن..
م 􀑧 ا اس 􀑧 ك ..وم 􀑧 بة إلي 􀑧 ا بالنس 􀑧 ون أن 􀑧 ن أآ 􀑧 د . وم 􀑧 ي بالتحدي 􀑧 دين من 􀑧 اذا تري 􀑧 ق . م 􀑧 دق مطل 􀑧 راً بص 􀑧 دث أخي 􀑧 أنتظر عودتك لنتح
قصتنا هذه؟
أخطأت مرة أخرى.
لم يكن الوقت للسؤال ولا للجواب .آان وقتاً لجنون آخر.
آنت أنتظر الأمان. وجئت، زوبعة صادفت زوبعة أخرى، اسمها زياد..
وآانت الأعاصير.
ع 􀑧 ة م 􀑧 ر رجول 􀑧 تلاءً، أآث 􀑧 لم يتغير زياد منذ آخر مرة رأيته فيها، منذ خمس سنوات بباريس. ربما أصبح فقط أآثر ام
وزن 􀑧 اً ب 􀑧 اباً فارع 􀑧 ان ش 􀑧 العمر، من ذلك الوقت الذي زارني فيه لأول مرة في الجزائر سنة 1972 في مكتبي. يوم آ
أقل، وربما بهموم أقل أيضاً.
زرٍ أو 􀑧 اً ب 􀑧 اً دائم 􀑧 ق، مفتوح 􀑧 مازال شعره مرتباً بفوضوية مهذبة. وقميصه المتمرد الذي لم يتعود يوماً على ربطة عن
اعر 􀑧 ه ش 􀑧 دو وآأن 􀑧 ة . فيب 􀑧 ياء عادي 􀑧 ول أش 􀑧 دما يق 􀑧 ى عن 􀑧 عراً، حت 􀑧 رأ ش 􀑧 ه يق 􀑧 ك أن 􀑧 اً، يوهم 􀑧 زرين. وصوته المميز دفئاً وحزن
أضاع طريقه وأنه يوجد خطأ حيث هو.
في آل مدينة قابلته فيها، شعرت أنه لم يصل بعد إلى وجهته النهائية، وأنه يعيش على أهبة سفر.
ي 􀑧 دن الت 􀑧 أن الم 􀑧 ان، وآ 􀑧 ث آ 􀑧 اً حي 􀑧 اً مرتاح 􀑧 ن يوم 􀑧 م يك 􀑧 ه . ل 􀑧 ى حقائب 􀑧 اً عل 􀑧 آان حتى عندما يجلس على آرسي يبدو جالس
يسكنها محطات ينتظر فيها قطاراً لا يدري متى يأتي.
ه 􀑧 ه هويت 􀑧 ه، آأن 􀑧 ز نفس 􀑧 ر وال الجين 􀑧 دياً س 􀑧 ذاآرة، ومرت 􀑧 لاً بال 􀑧 غيرة ومحم 􀑧 يائه الص 􀑧 اً بأش 􀑧 ه، محاط 􀑧 ا ترآت 􀑧 وذ ا.. آم 􀑧 ا ه 􀑧 ه
الأخرى.
آان زياد يشبه المدن التي مرّ بها. فيه شيء من غزّة، من عمان.. ومن بيروت وموسكو.. ومن الجزائر وأثينا.
105
ن 􀑧 اني .. وم 􀑧 ان آنف 􀑧 ن غس 􀑧 يم ا.. م 􀑧 ن ميش 􀑧 لاج، م 􀑧 آان يشبه آلّ من أحب. فيه شيء من بوشكين، من السيّاب.. من الح
لورآا وتيودوراآيس.
ولأنني آثيراً ما قاسمت زياد ذاآرته، حدث أن أحببت آل ما أحب ومن أحب، دون أن أدري.
آنت في حاجة إليه في تلك الأيام.
وه 􀑧 ن أن أدع 􀑧 خ صٍ يمك 􀑧 قِ بش 􀑧 شعرت وأنا أستقبله، أنني افتقدته طوال هذه السنوات دون أن أدري، وأنني بعده لم ألت
صديقاً.
ها هو زياد. باعدتنا الأيام وباعدتنا القارات. ووحدها قناعاتنا القديمة ظلّت تجمعنا.
ولذلك لم تزل في القلب مكانته الأولى. فلم يحدث لزياد أن فقد احترامي لسبب أو لآخر خلال آل هذه السنوات.
أليس هذا أمراً نادراً هذه الأيام؟
جاء زياد..
واستيقظ البيت الذي ظلّ مغلقاً لشهرين في وجه الآخرين،حتى في وجه آاترين نفسها.
اد 􀑧 اً. فأآ 􀑧 امض دائم 􀑧 ري الغ 􀑧 وره الس 􀑧 اً، وبحض 􀑧 ة أحيان 􀑧 حكته العالي 􀑧 اه، بض 􀑧 يائه وفوض 􀑧 وره، بأش 􀑧 لأه بحض 􀑧 اد يم 􀑧 راح زي
أشكره فقط، لأنه أشرع نوافذ هذا البيت، واحتل غرفة من غرفه.. وربما احتلّه آله.
عُدنا تلقائياً إلى عاداتنا القديمة التي تعود إلى خمس سنوات، عندما زارني لأول مرة في باريس.
ك 􀑧 ذ ذل 􀑧 ر من 􀑧 ي تغيّ 􀑧 لا ش 􀑧 اً، ف 􀑧 ها تقريب 􀑧 وعات نفس 􀑧 ي الموض 􀑧 دثنا ف 􀑧 رحنا من جديد إلى المطاعم نفسها تقريباً. جلسنا وتح
دث أ يّ 􀑧 م يح 􀑧 ه . ل 􀑧 ذ عرفت 􀑧 الحين. لم يسقط نظامٌ عربي واحد من تلك الأنظمة التي آان زياد يراهن على سقوطها من
زلزال سياسي هنا أو هناك، ليغيّر خريطة هذه الأمة.
وحده لبنان أصبح وطناً للزلازل والرمال المتحرآة. ولكن من تراه سيبتلع في النهاية؟
ية 􀑧 ي القض 􀑧 اً ف 􀑧 ة دائم 􀑧 ي النهاي 􀑧 بّ ف 􀑧 اش يص 􀑧 ان النق 􀑧 واب . وآ 􀑧 ن ج 􀑧 أآثر م 􀑧 ه ب 􀑧 أ ب 􀑧 آان هذا هو السؤال الذي حاولنا أن نتنب
ي راح 􀑧 الفلسطينية، وفي خلافات فصائلها، والمعارك التي حدثت بين عناصرها في لبنان، والتصفيات الجسدية الت
ضحيتها أآثر من اسم فلسطيني في الخارج.
تعارة 􀑧 ماء مس 􀑧 ت أس 􀑧 طيني، تح 􀑧 دم الفلس 􀑧 ده ا بال 􀑧 تري مج 􀑧 ي تش 􀑧 ة الت 􀑧 ك الأنظم 􀑧 تم تل 􀑧 ادة بش 􀑧 ي آالع 􀑧 اد ينته 􀑧 ديث زي 􀑧 ان ح 􀑧 آ
ا 􀑧 ا وأن 􀑧 حك له 􀑧 ي أض 􀑧 ة، الت 􀑧 رقية البذيئ 􀑧 وت الش 􀑧 ل النع 􀑧 به بك 􀑧 ورة غض 􀑧 ي ف 􀑧 ا ف 􀑧 ة . فينعته 􀑧 مود .. والمواجه 􀑧 الرفض والص 􀑧 آ
أآتشف بعضها لأول مرة.
ردات 􀑧 ين، مف 􀑧 تعيد بحن 􀑧 ة، فأس 􀑧 وأآتشف أيضاً أن لكل ثوّار قاموسهم الخاص، الذي تفرزه ثورتهم ومعايشتهم الخاص
أخرى لزمنٍ آخر وثورة أخرى.
ر 􀑧 نوات ألا أذآ 􀑧 دة س 􀑧 ك ولع 􀑧 د ذل 􀑧 ت بع 􀑧 ي حاول 􀑧 اد، والت 􀑧 ع زي 􀑧 يتها م 􀑧 ي قض 􀑧 ام الت 􀑧 ل الأي 􀑧 و أجم 􀑧 بوع ه 􀑧 ذ ا الأس 􀑧 ربما آان ه
غيرها، حتى لا أشعر بالمرارة ولا بالحسرة على آل ما عشته بعدها عن خطأ أو عن صواب.
دمات أو 􀑧 ة مق 􀑧 ه، دون أي 􀑧 اً لوج 􀑧 ذ ا وجه 􀑧 وم هك 􀑧 عكما ذات ي 􀑧 ا أض 􀑧 دمات، وأن 􀑧 ن ص 􀑧 رة وم 􀑧 ن غي 􀑧 م .. م 􀑧 آل ما مرّ بي من أل
توضيحات خاصة..
106
.«.. سنتغدّى غداً مع صديقة آاتبة.. لا بد أن أعرفكَ عليها » : له قلت
دما 􀑧 اء عن 􀑧 ره النس 􀑧 ا أآ 􀑧 أن » : ه􀑧 راءة جريدت 􀑧 ود لق 􀑧 لم يبدُ عليه اهتمام خاص بكلامي. قال على طريقته الخاصة وهو يع
ن 􀑧 ي س 􀑧 رأة ف 􀑧 اً، أو ام 􀑧 ذه عانس 􀑧 ديقتك ه 􀑧 ون ص 􀑧 ى ألا تك 􀑧 رى .. أتمن 􀑧 يحاولن ممارسة الأدب تعويضاً عن ممارسات أخ
«! اليأس.. فأنا لا صبر لي على هذا النوع من النساء
لم أجبه. رحت أتعمّق في فكرته.. وأبتسم!
«.. تعالي غداً للغداء في ذلك المطعم نفسه.. فأنا أحمل لك مفاجأة لا تتوقعينها » : على الهاتف قلت لك
قلتِ:
«؟ إنها لوحتي ..أليس آذلك »
«! لا.. إنها شاعر » : أجبتك بعد شيء من التردد
***
التقيتما إذن..
ويمكن أن أقول هذه المرة أيضاً:
يئاً 􀑧 ون ش 􀑧 ي، لا يفهم 􀑧 افح دون أن تنحن 􀑧 وراً لتتص 􀑧 ا جس 􀑧 وا بينه 􀑧 ذين بن 􀑧 الذين قالوا وحدها الجبال لا تلتقي أخطأوا. وال »
في قوانين الطبيعة.
.« الجبال لا تلتقي إلا في الزلازل والهزات الأرضية الكبرى. وعندها لا تتصافح، بل تتحول إلى تراب واحد
التقيتما إذن.. وآان آلاآما برآاناً.. فأين العجب، إذا آنت هذه المرة أيضاً أنا الضحية!
مازلت أذآر ذلك اليوم..
وصلتِ متأخرة بعض الشيء، وآنت مع زياد قد طلبنا مشروباً في انتظارك..
ودخلتِ..
آان زياد يحدّثني عن شيء ما عندما صمت فجأة، وتوقفت عيناه عليك وهو يراك تجتازين باب المطعم.
فاستدرت بدوري نحو الباب.. ورأيتك تتقدّمين نحونا في ثوبٍ أخضر ..أنيقة، مغرية، آما لم تكوني يوماً.
وقف زياد ليسلّم عليك وأنت تقتربين منّا .وبقيت أنا من دهشتي جالساً. آان من الواضح أنه لم يتوقّعك هكذا.
ها أنت ذي أخيراً..
يّ 􀑧 زل عل 􀑧 د ن 􀑧 أحسست أن شيئاً ما يسمّرني إلى ذلك الكرسي، وآأن تعب آلّ الأسابيع الماضية، وآلّ عذابي بعدك ق
فجأة، ومنع رجليّ من الوقوف.
ها أنت ذي أخيراً.. أهذه أنت حقاً!؟
ه 􀑧 ك بنفس 􀑧 ك أن يعرّف 􀑧 ى وش 􀑧 دوره عل 􀑧 و ب 􀑧 ان ه 􀑧 اد، وآ 􀑧 ك لزي 􀑧 دّمت نفس 􀑧 د ق 􀑧 تِ ق 􀑧 بعض، آن 􀑧 ا ب 􀑧 ي تعريفكم 􀑧 وقبل أن أفكر ف
عندما قاطعتِهِ قائلةً:
- دعني أحزر.. ألست زياد خليل؟
ووقف زياد مدهوشاً قبل أن يسألك:
107
- آيف عرفتِ؟
ديث 􀑧 وجّهين الح 􀑧 ت ت 􀑧 ت وأن 􀑧 دّي وقل 􀑧 ى خ 􀑧 ين عل 􀑧 عت قبلت 􀑧 اك، فوض 􀑧 ودي هن 􀑧 استدرتِ نحوي عندئذٍ وآأنك تكتشفين وج
إليه:
- أنت تملك شبكة إعلان قوية في شخص هذا الرجل..
ثم سألتني وأنت تتفحّصين ملامحي:
- لقد تغيرت بعض الشيء.. ما الذي حدث لك في هذه العطلة؟
تدخّل زياد ليقول ساخراً:
ي أن 􀑧 ل ونس 􀑧 ى أن يأآ 􀑧 ي حت 􀑧 ذ ا. نس 􀑧 ر ه 􀑧 يئاً غي 􀑧 ل ش 􀑧 م يفع 􀑧 - لقد رسم إحدى عشرة لوحة في شهر ونصف.. إنه ل
م 􀑧 ينام.. أعتقد أنني لو لم أحضر إلى باريس لمات هذا الرجل الذي أمامك جوعاً وإعياءً وسط لوحاته.. آما ل
يعد الرسامون يموتون اليوم!
ن 􀑧 خة م 􀑧 رة نس 􀑧 دى عش 􀑧 مت إح 􀑧 د رس 􀑧 ون ق 􀑧 وبدل أن تسأليني سألت زياد بشيء من الذعر، وآأنك آنت تخافين أن أآ
صورتك:
- ماذا رسم؟
أجابك زياد بابتسامة وجّهها إليّ:
- لقد رسم قسنطينة.. لا شيء سوى قسنطينة.. وآثيراً من الجسور..
صحتِ وأنت تسحبين آرسياً وتجلسين:
فة 􀑧 ا الوص 􀑧 اق .. إنه 􀑧 - لا.. أرجوآم لا تحدثوني عن قسنطينة مرة أخرى.. إنني عائدة تواً منها. إنها مدينة لا تط
المثالية لكي ينتحر المرء أو يصبح مجنوناً!
ثم وجّهتِ آلامك إليّ:
- متى تشفى أنت من هذه المدينة؟
«! يوم أشفى منك » آان يمكن أن أقول لك لو آنا على انفراد
ولكن زياد أجاب ربما نيابة عني:
- نحن لا نشفى من ذاآرتنا يا آنستي.. ولهذا نحن نرسم.. ولهذا نحن نكتب.. ولهذا يموت بعضنا أيضاً..
رائع زياد.. آان مدهشاً وشاعراً في آل شيء.
آان يقول شعراً دون جهد. ويحب ويكره دون جهد. ويغري دون جهد.
ولا أستمع لما تقولينه له. .«؟ أنتِ جزائرية إذن » آنت أنظر إليه وهو يسألك
بدا لي في تلك اللحظة أن الحديث آان يدور بينكما فقط، وأنني لم أقل آلمة واحدة منذ قدومك.
آنت طرفاً فقط في تلك الجلسة الغريبة للقدر.
آنت أنظر إليك.. وأبحث في تفاصيلك عن شرح لما حلّ بي.
«؟ ما هو أجمل شيء فيك » : سألتكِ يوماً
108
ابتسمت بإيماء غامض ولم تجيبي.
لم تكوني الأجمل، آنت الأشهى. فهل هناك من تفسيرٍ للرغبة!
ربما آان زياد يشبهك أيضاً..
اآتشفت ذلك مع مرور الأيام، وأنا أنظر إليكما وأنتما تتحدثان أمامي آلّ مرة.
ابهكما أ و 􀑧 رة تش 􀑧 ت فك 􀑧 ال . وآان 􀑧 ا بالجم 􀑧 ة له 􀑧 ي لا علاق 􀑧 ة الت 􀑧 ن الجاذبي 􀑧 ه .. م 􀑧 امض في 􀑧 حر الغ 􀑧 ن الس 􀑧 ي ءٌ م 􀑧 اً ش 􀑧 ان أيض 􀑧 آ
حوب 􀑧 حتي وش 􀑧 دهور ص 􀑧 ى ت 􀑧 ي إل 􀑧 دما نبّهتن 􀑧 ى . عن 􀑧 ة الأول 􀑧 ن اللحظ 􀑧 ا م 􀑧 ي ربم 􀑧 ل وأزعجتن 􀑧 ي .. ب 􀑧 ذه تزعجن 􀑧 ا ه 􀑧 تطابقكم
لوني، بينما آنت أراآما أمامي في صحّة وتألق مثير للغيرة.
ا 􀑧 ي لوحتكم 􀑧 أ ف 􀑧 ر خط 􀑧 ه حش 􀑧 ا، ووج 􀑧 بح بينكم 􀑧 وى ش 􀑧 ت س 􀑧 ي لس 􀑧 ترى بدأت الغيرة تتسلل إلي اللحظة.. وأنا أآتشف أنن
الثنائية؟
يلاً 􀑧 دثين قل 􀑧 ت تتح 􀑧 ك آن 􀑧 ن ذل 􀑧 ر م 􀑧 ل وأآث 􀑧 ي، ب 􀑧 ذري ل 􀑧 م تعت 􀑧 لم تَتَنَبّهي يومها أنني وصلت إلى تلك الحالة بسببك. ولذا ل
إليّ.. وآثيراً إليه.
قلتِ له:
ة . 􀑧 ة البائس 􀑧 ذه العطل 􀑧 ل ه 􀑧 ى تحمّ 􀑧 ا عل 􀑧 يئاً م 􀑧 اعدني ش 􀑧 د س 􀑧 لق ؛« ادم 􀑧 ب الق 􀑧 اريع للح 􀑧 مش » - لقد أحببت ديوانك الأخير
هنالك مقاطع منه حفظتها لفرط ما أعدت قراءتها..
ورحتِ تقرئين أمام دهشة زياد:
تربّص بي الحزن لا تترآيني لحزن المساء »
سأرحل سيدتي
أشرعي اليوم بابك قبل البكاء
فهذي المنافي تغرّر بي للبقاء
وهذي المطارات عاهرة في انتظار
«... تراودني للرحيل الأخير
آنت أستمع إليك تقرئين شعراً لأول مرة.
رح .. 􀑧 دء للف 􀑧 ي الب 􀑧 ت ف 􀑧 ي خلق 􀑧 ك الت 􀑧 زن نبرت 􀑧 آان في صوتك موسيقى لآلة لم تخلق بعد أتعرف عليها لأول مرة في ح
فإذا بها عزف لشيء آخر.
وآان زياد يستمع إليك بشيء من الذهول، وآأنه فجأة يجلس خارج الزمن وخارج الذاآرة.
آأنه أخيراً قرر أن يجلس على شيء آخر غير حقائبه ليستمع إليك.
وعندما سكتِّ.. راح يقرأ بقية تلك القصيدة وآأنه يقرأ لك طالعه لا غير:
ومالي سواكِ وطن »
وتذآرة للتراب.. رصاصة عشق بلون آفن
ولا شيء غيرك عندي
109
«! مشاريع حبّ ..لعمر قصير
ا 􀑧 ا، واخترقتن 􀑧 رت بينن 􀑧 د س 􀑧 اً ق 􀑧 رب أيض 􀑧 ب المكه 􀑧 ا الح 􀑧 رب وربم 􀑧 زن المكه 􀑧 في تلك اللحظة.. شعرت أن شحنة من الح
نحن الثلاثة.
ب 􀑧 ات الح 􀑧 وطن، وآلم 􀑧 ات ال 􀑧 زن، وآلم 􀑧 ات الح 􀑧 ي آلم 􀑧 رق من 􀑧 ه يس 􀑧 عر أن 􀑧 ت أش 􀑧 ه . آن 􀑧 آنت أحب زياد.. آنت مبهوراً ب
أيضاً..
آان زياد لساني، وآنت أنا يده آما آان يحلو له أن يقول.
وآنت أشعر في تلك اللحظة.. أنك أصبحت قلبنا.. معاً!
***
آان يجب أن أتوقع آل الذي حدث.
فهل آان يمكن أن أوقف انجرافكما بعد ذلك؟
آنت شبيهاً بذلك العالم الفيزيائي الذي يخترع وحشاً، ثم يصبح عاجزاً عن السيطرة عليه.
تحكم 􀑧 ن ال 􀑧 اجز ع 􀑧 ي ع 􀑧 الي، وأنن 􀑧 اء مث 􀑧 لاً بغب 􀑧 لاً فص 􀑧 آنت أآتشف بحماقة أنني صنعت قصتكما بيدي. بل وآتبتها فص
في أبطالي.
آيف يمكن أن أضع أمامك رجلاً يصغرني باثنتي عشرة سنة، ويفوقني حضوراً وإغراءً، وأحاول أن أقيس نفسي
به أمامك؟
ر 􀑧 آيف يمكن أن أفكّ صلة الكلمة التي آانت تجمعكما بتواطؤ، وأمنع آاتبة أن تحبّ شاعراً تحفظ أشعاره عن ظه
قلب؟
ذاآرة، 􀑧 وقظي ال 􀑧 ت لت 􀑧 ي جئ 􀑧 ت الت 􀑧 ك أن 􀑧 ابق، ألا يحب 􀑧 ري الس 􀑧 ه الجزائ 􀑧 ن حب 􀑧 د م 􀑧 فَ بع 􀑧 وآيف أقنعه هو الذي ربما لم يش
وتشرعي نوافذ النسيان؟
آيف حدث هذا.. وآيف أتيت بكما لأضعكما أمام قدرآما.. الذي آان أيضاً قدري!
قال لي ذلك المساء:
ا 􀑧 ب م 􀑧 ر حس 􀑧 ادرت الجزائ 􀑧 دما غ 􀑧 ة بع 􀑧 دأت الكتاب 􀑧 ا ب 􀑧 يئاً، فربم 􀑧 ا ش 􀑧 رأت له 􀑧 - إنها رائعة هذه الفتاة.. لا أذآر أنني ق
فهمت. ولكنني أعرف هذا الاسم.. لقد سبق أن قرأته في مكان ما.. إنه ليس غريباً عليّ.
قلتُ له وقتها:
ولى ) 􀑧 د الم 􀑧 اهر عب 􀑧 - أنت لم تقرأ هذا الاسم وإنما سمعته فقط. إنه اسم لشارع في الجزائر يحمل اسم أبيها (الط
الذي استشهد أثناء الثورة.
وضع زياد جريدته ونظر إليّ دون أن يقول شيئاً.
أحسسته ذهب بعيداً في تفكيره.
ن أن 􀑧 ي لا يمك 􀑧 ة الت 􀑧 يل العجيب 􀑧 ل التفاص 􀑧 روف .. وآ 􀑧 ك الظ 􀑧 ي تل 􀑧 ا ف 􀑧 تراه بدأ أيضاً يكشف آل الهوامش المثيرة للقائكم
يبقى محايداً أمامها؟
110
شعرت برغبة في الكلام عنك أآثر.
تي 􀑧 ى قصّ 􀑧 ه ح ت 􀑧 صّ علي 􀑧 دت أق 􀑧 ديقي . آ 􀑧 آنت على وشك أن أحدثه عن سي الطاهر. آدت أخبره أنك ابنة قائدي وص
العجيبة معك. أنت التي آان يمكن أن تكوني ابنتي، قبل أن تصبحي فجأة بعد ربع قرن حبيبتي!
بب 􀑧 ك .. وس 􀑧 ا ب 􀑧 رة وعلاقته 􀑧 اتي الأخي 􀑧 آدت أحكي له قصة لوحتي الأولى (حنين) وتصادفها مع ميلادك. وقصة لوح
تدهور صحتي وجنوني الأخير..
آدت أشرح له سر قسنطينة.
ه 􀑧 ري ومتعت 􀑧 ل الس 􀑧 ة العم 􀑧 ك نكه 􀑧 ان لحب 􀑧 دنا؟ أآ 􀑧 ه وح 􀑧 ذّذ بحمل 􀑧 ر نتل 􀑧 رٍ آبي 􀑧 تفظ بس 􀑧 ا نح 􀑧 ي آم 􀑧 رّك ل 􀑧 تفظ بس 􀑧 متُّ لأح 􀑧 أصَ
القاتلة؟.
ه 􀑧 مت مع 􀑧 ذي تقاس 􀑧 اً وال 􀑧 ه يوم 􀑧 ل من 􀑧 أنم تراني آنت أخجل أن أعترف له دون أن أدري أنك حبيبتي، هو الذي لم أخج
آل شيء؟
ألأنك حبّ لم يُخلق ليُقتسم، قررت منذ البدء أن تكوني لأحدنا ..فقط؟
روقة 􀑧 عادة المس 􀑧 ن الس 􀑧 اً م 􀑧 ر، وأيام 􀑧 أعن صداقة أو حماقة، آنت أريد أن أمنحه فرصة حبك الذي قد يكون حبّه الأخي
من الموت المحتمل الذي آان يتربص به في آل حين.. وفي آل مدينة؟
الات 􀑧 بعض الاتص 􀑧 وم ب 􀑧 اء ليق 􀑧 ا ج 􀑧 ياحية . ربم 􀑧 ارة س 􀑧 ي زي 􀑧 أت ف 􀑧 م ي 􀑧 ه ل 􀑧 ح أن 􀑧 ماذا جاء زياد يفعل في باريس؟ من الواض
السرية، يلتقي ببعض الجهات.. يتلقى أو يعطي تعليمات لا أدري..
ولكنه آان قلقاً شيئاً ما. آان يتحاشى أخذ مواعيده على الهاتف، وآان لا يغادر البيت بمفرده إلا نادراً.
اتي، 􀑧 ي حي 􀑧 ة ف 􀑧 رة آفاحي 􀑧 ا فت 􀑧 ن بقاي 􀑧 يء م 􀑧 اك ش 􀑧 ان هن 􀑧 اريس . آ 􀑧 ه لب 􀑧 بب زيارت 􀑧 ول س 􀑧 ؤال ح 􀑧 ولم أطرح عليه يوماً أي س
تجعلني أحترم أسرار الآخرين عندما يتعلق ذلك بقضايا نضالية.
آنت أحترم سرّهُ، وآان يحترم صمتي. ولهذا نقلنا سرنا وصمتنا حتى قصتنا المشترآة معك.
أآان بحدسه المفرط يتوقع شيئاً ما بيني وبينك؟
أم تراه أمام تظاهري باللامبالاة، لم يتوقع وجود حبّ ملتهب آهذا في أحشائي.
ن 􀑧 د م 􀑧 دريجياً لمزي 􀑧 ال ت 􀑧 ه المج 􀑧 رك ل 􀑧 ابع، لأت 􀑧 ى رؤوس الأص 􀑧 دريجياً عل 􀑧 حب ت 􀑧 ا أنس 􀑧 ك، وأن 􀑧 ع ذل 􀑧 ن أن يتوق 􀑧 وآيف يمك
التوسّع؟
آنت أدعه يجيب على الهاتف نيابة عني. يتحدث إليك ويدعوك إلى البيت نيابةً عني.
وآنت تأتين، وأحاول ألا أسأل نفسي لمن جئت.. ولمن تراك تجمّلتِ؟
ربما آان أآثر الأيام وجعاً يوم زرت البيت بعد ذلك لأول مرة.
م 􀑧 آان لا بد أن ينبّهك زياد للوحاتي لتنتبهي إليها. رحت تنتقلين من غرفة إلى أخرى وآأنك تعبرين غرف بيتك. ل
يستوقفك ذلك الممر، ولا ذآرى قبلة قلَبت حياتي رأساً على عقب.
ت 􀑧 فوقف .« اد 􀑧 ة زي 􀑧 ذه غرف 􀑧 ه» حاً 􀑧 ك موضّ 􀑧 ت ل 􀑧 اً، فقل 􀑧 أ؟ ) باب 􀑧 ت (خط 􀑧 دما فتح 􀑧 أآانت تلك اللحظة هي الأآثر ألماً، أم عن
أمام ذلك الباب نصف المفتوح، لحظات بدت لي أطول مما قضيته من وقت أمام آل لوحاتي مجتمعة.
111
قلتِ وأنت تعودين إلى الصالون وتجلسين على تلك الأريكة نفسها:
- لا أفهم أن تكون رسمت آل هذه الجسور.. جنون هذا.. آان يكفي لوحة أو اثنتان..
ي 􀑧 ة الت 􀑧 ك الخيب 􀑧 ظ تل 􀑧 يّ، ولاح 􀑧 ك عل 􀑧 ع آلمات 􀑧 ظ وق 􀑧 دما لاح 􀑧 ي، بع 􀑧 ة عن 􀑧 ك نياب 􀑧 اد ليجيب 􀑧 أعن قناعة أم عن لياقة تطوع زي
أفقدتني صوتي:
ابق وإن 􀑧 ات لا تتط 􀑧 م، اللوح 􀑧 ي الرس 􀑧 ى .. وف 􀑧 رة الأول 􀑧 ن النظ 􀑧 - أنت لم تتأملي هذه اللوحات.. لقد حكمت عليها م
ى 􀑧 ول إل 􀑧 ه للوص 􀑧 ث عن 􀑧 ن البح 􀑧 د م 􀑧 تشابهت. هنالك أرقام سرية تفتح لغز آل لوحة.. شيء شبيه ب (الكود) لا ب
ذلك الإشعار بشيء ما يريد أن يوصله إلينا صاحبها..
ام 􀑧 ين أم 􀑧 ين جالس 􀑧 وى لاعب 􀑧 ت س 􀑧 ا لاحظ 􀑧 لو مررت بنفس هذه السرعة أمام لوحة (لاعبي الورق) الشهيرة، لم
ا 􀑧 ه لن 􀑧 ا أراد أن ينقل 􀑧 ض . إن م 􀑧 ى بع 􀑧 ا عل 􀑧 اء يخفيانه 􀑧 أوراق بيض 􀑧 كان ب 􀑧 ا يمس 􀑧 ى آونهم 􀑧 ت إل 􀑧 ا انتبه 􀑧 ة، ولم 􀑧 طاول
د 􀑧 ادام أح 􀑧 وارث م 􀑧 ا المت 􀑧 ه.. وربم 􀑧 ق علي 􀑧 ر المتّف 􀑧 ن التزوي 􀑧 هد م 􀑧 ل مش 􀑧 ورق ب 􀑧 ة ال 􀑧 هداً للعب 􀑧 يس مش 􀑧 ل « يزان 􀑧 س»
اللاعبين أآبر من الثاني سناً.
وقبل أن يواصل زياد آلامه قاطعتهِ قائلةً:
- من أين تعرف آل هذا.. هل أنت خبير أيضاً في الرسم.. أم أن عدوى خالد انتقلت إليك؟
ضحك زياد واقترب منك بعض الشيء وقال:
ن 􀑧 ي الف 􀑧 ي ف 􀑧 ل إن جهل 􀑧 ي.. ب 􀑧 ل مثل 􀑧 اول رج 􀑧 ي متن 􀑧 يس ف 􀑧 رف ل 􀑧 ه ت 􀑧 لاق.. إن 􀑧 ى الإط 􀑧 ي عل 􀑧 دان خبرت 􀑧 ذا مي 􀑧 يس ه 􀑧 - ل
ب 􀑧 ي الكت 􀑧 ادفة .. وف 􀑧 ق المص 􀑧 ن طري 􀑧 الهم ع 􀑧 فت أعم 􀑧 امين اآتش 􀑧 ن الرس 􀑧 ة م 􀑧 ة قليل 􀑧 سيفاجئك. أنا لا أعرف غير قل
المختصة غالباً.. ولكنني أحب بعض المدارس الحديثة التي تطرح أسئلة من خلال أعمالها..
ع 􀑧 ة م 􀑧 ة وجودي 􀑧 ي مواجه 􀑧 عني ف 􀑧 ذي يض 􀑧 ن ال 􀑧 ب الف 􀑧 ي. أح 􀑧 ة لا تهزّن 􀑧 دة المحترم 􀑧 ي، والجوآن 􀑧 ن لا يقنعن 􀑧 ن للف 􀑧 الف
نفسي، ولهذا أعجبت بلوحات خالد الأخيرة.. إنها أول مرة يدهشني فيها حقاً.
ه 􀑧 اش بتوقيت 􀑧 ه ع 􀑧 ة، وآأن 􀑧 ى العتم 􀑧 درج حت 􀑧 زن مت 􀑧 ي ح 􀑧 م ف 􀑧 رحٍ ث 􀑧 ي ف 􀑧 لقد توحّد مع هذا الجسر لوحة بعد أخرى ف
يوماً أو عمراً آاملاً..
ه 􀑧 يء حول 􀑧 ل ش 􀑧 وء . آ 􀑧 ن الض 􀑧 يط م 􀑧 ت خ 􀑧 د تح 􀑧 بحه البعي 􀑧 وى ش 􀑧 ر س 􀑧 ن الجس 􀑧 اً م 􀑧 ل بادي 􀑧 رة لا يظ 􀑧 ة الأخي 􀑧 في اللوح
فل، 􀑧 ى أس 􀑧 يختفي تحت الباب فيبدو الجسر مضيئاً، علامة استفهام معلّقة إلى السماء. لا رآائز تشدّ أعمدته إل
لا شيء يحدّه على يمينه ولا على يساره، وآأنه فقد فجأة وظيفته الأولى آجسر !
اً 􀑧 ى معلّق 􀑧 ذي يبق 􀑧 أترى بداية الصبح عندئذ أم بداية الليل؟ أتراه يحتضر أم يولد مع خيط الفجر؟ إنه السؤال ال
يء 􀑧 تمر، لأن أي ش 􀑧 ث المس 􀑧 الموت والبع 􀑧 تمر، ب 􀑧 آالجسر لوحة بعد أخرى، مطارداً بلعبة الظلّ والضوء المس
معلّق بين السماء والأرض هو شيء يحمل موته معه.
آنت أسمتع إلى زياد مدهوشاً، وربما اآتشفت شيئاً لم يخطر ببالي لحظة رسم آل هذه اللوحات.
أحقٌّ ما قاله؟
112
ة 􀑧 ال فني 􀑧 ة لأعم 􀑧 من المؤآد أن زياد آان يتحدث عن لوحاتي خيراً مني. مثل آل النقاد الذين يعطونك شروحاً مدهش
وز 􀑧 ك الرم 􀑧 يطاً لا تهمّ 􀑧 ادقاً وبس 􀑧 اً ص 􀑧 ت فنان 􀑧 حكونك إذا آن 􀑧 قمت بها أنت بكل بساطة، دون أية تساؤلات فلسفية، فيض
ذ 􀑧 هم مأخ 􀑧 ذون أنفس 􀑧 ذين يأخ 􀑧 رين ال 􀑧 ل الكثي 􀑧 ت مث 􀑧 اً، إذا آن 􀑧 روراً وجنون 􀑧 ك غ 􀑧 د يملأون 􀑧 ن . وق 􀑧 ي الف 􀑧 دة ف 􀑧 والنظريات المعقّ
الجد، ويبدأون عندئذٍ بالتنظير بمدرسة فنية جديدة!
آان في تحليل زياد حقيقة هامة أدهشتني ولم أنتبه لها من قبل.
ن 􀑧 راً ع 􀑧 لقد آنت أعتقد وأنا أرسم تلك الجسور أنني أرسمك، ولم أآن في الواقع أرسم سوى نفسي. آان الجسر تعبي
وضعي المعلّق دائماً ومنذ الأزل. آنت أعكس عليه قلقي ومخاوفي ودواري دون أن أدري.
ولهذا ربما آان الجسر هو أول ما رسمت يوم فقدت ذراعي.
فهل تعني آل هذه الجسور، أن لا شيء تغيّر في حياتي منذ ذلك الحين؟
ن 􀑧 أآثر م 􀑧 ر ب 􀑧 ز الجس 􀑧 ربما آان هذا هو الأصح.. ولكن ليس هذا آل شيء. وقد آان يمكن لزياد أن يفلسف أيضاً رم
اد 􀑧 طريقة.. ولكن من المؤآد أنه لن يذهب أبعد من الرموز المعروفة، لأن رموزنا تأخذ بعدها من حياتنا فقط، وزي
في النهاية لم يكن يعرف آلّ ثنايا ذاآرتي.
ولم يكن زار تلك المدينة التي تعرف وحدها سرّ الجسور!
دما 􀑧 اب. وعن 􀑧 تذآّرت حين ذاك رساماً يابانياً معاصراً، قرأت عنه أنه قضى عدة سنوات وهو لا يرسم سوى الأعش
.«.. يوم رسمت العشب فهمت الحقل.. ويوم فهمت الحقل أدرآت سر العالم » : سُئل مرة لماذا الأعشاب دائماً.. قال
وآان على حق. لكلٍ مفتاحه الذي يفتح به لغز العالم.. عالمه.
م 􀑧 وم فه 􀑧 ر ي 􀑧 ري ميل 􀑧 همنغواي فهم العالم يوم فهم البحر .وألبرتو مورافيا يوم فهم الرغبة، والحلاج يوم فهم الله، وهن
الجنس، وبودلير يوم فهم اللعنة والخطيئة.
م 􀑧 ي ل 􀑧 ذة الت 􀑧 ك الناف 􀑧 ام تل 􀑧 رأس أم 􀑧 وب ال 􀑧 وفان غوغ.. تراه فهم حقارة العالم وساديّته، عندما آان يجلس محموماً معص
يكن يرى منها.. غير حقول عبّاد الشمس الشاسعة فلا يملك أمام إرهاقه إلا أن يرسم أآثر من لوحة للمنظر نفسه؟
لأن يده المحمومة لم تكن تقدر على رسم أآثر من تلك الزهور البسيطة الساذجة.
ولكنه.. آان يواصل الرسم برغم ذلك، لا ليعيش من لوحاته وإنما لينتقم لها ولو بعد قرن.
وق 􀑧 سيأتي يوم يف » ألم يقل لأخيه تلك النبوءة التي حطّمت بعدها آلّ الأرقام القياسية في ثمن لوحة (عباد الشمس
.« فيه ثمن لوحاتي.. ثمن حياتي
تساءلت وأنا أصل إلى هذه الفكرة: هل الرسامون أنبياء أيضاً؟.
«.. آل شيء معلّق يحمل موته معه » ثم رحت أربط هذه الفكرة بتعليق زياد
وْت أم 􀑧 وإذا بي أسأل نفسي، أيّة نبوءة تحمل آلّ اللوحات التي رسمتها في درجة متقدمة من اللاوعي والجنون؟ أمَ
ادّة؟ أم 􀑧 ح مض 􀑧 ن ري 􀑧 ر م 􀑧 ة وأآث 􀑧 رة جوي 􀑧 ميلاد تلك المدينة؟ أصمود جسورها المعلقة منذ قرون في وجه أآثر من نش
ت 􀑧 يط باه 􀑧 وى خ 􀑧 ار س 􀑧 ل والنه 􀑧 ين اللي 􀑧 ا ب 􀑧 ل فيه 􀑧 ي لا يفص 􀑧 ة الت 􀑧 ك اللحظ 􀑧 ي تل 􀑧 اجئ، ف 􀑧 ل مف 􀑧 سقوطها جميعاً في دمار هائ
للغفلة.. غفلة التاريخ!
113
آنت تحت تأثير تلك الرؤية المذهلة، عندما جاء صوتك لينتزعني من هواجسي.
قلتِ وأنت توجّهين حديثك إليّ:
ياء 􀑧 ا أش 􀑧 ن وحيه 􀑧 مت م 􀑧 ا رس 􀑧 - أتدري خالد.. إن من حسن حظك أنك لم تزر قسنطينة منذ عدة سنوات.. وإلا لم
جميلة آهذه. يوم تريد أن تشفى منها عليك أن تزورها فقط.. ستكفّ عن الحلم!
اب 􀑧 ى أعت 􀑧 د حت 􀑧 ا بع 􀑧 ي م 􀑧 ليني ف 􀑧 م، وتوص 􀑧 ك الحل 􀑧 ل ذل 􀑧 طبعاً، لم أآن أدري آنذاك، أنك ذات يوم ستتكلّفين شخصياً بقت
قسنطينة مكرهاً.
تدخّل زياد ليقول آلاماً جاء هذه المرة أيضاً سابقاً لوقته.. آالنبوءة.
قال بشيء من العتاب المهذّب:
- لماذا تصرين على قتل حلم هذا الرجل؟. هنالك أحلام نموت على يدها، دعيه سعيداً ولو بوهمه..
لم تعلّقي على آلامه، وآأن أحلامي لم تعد تهمك بالدرجة الأولى. سألتِه فقط:
- وأنت.. ما هو حلمك؟
قال:
- ربما مدينة ما أيضاً..
- هل اسمها الخليل؟
قال مبتسماً:
ا 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ب له 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا.. ولا ننتس 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ماء أحلامن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 اً أس 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ل دائم 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن لا نحم 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 - لا.. نح
اسمي الخليل ومدينتي اسمها غزة.
- ومنذ متى لم تزرها؟
- منذ حرب حزيران.. أي منذ خمس عشرة سنة تماماً..
ثم أضاف:
اك 􀑧 يش هن 􀑧 الزواج والع 􀑧 ر ب 􀑧 ي الجزائ 􀑧 ا ف 􀑧 وم آنّ 􀑧 ي ي 􀑧 ي الماض 􀑧 ي ف 􀑧 ان يقنعن 􀑧 وم، آ 􀑧 د الي 􀑧 - يضحكني الذي يحدث لخال
ى 􀑧 ل إل 􀑧 و الآن يص 􀑧 ا ه 􀑧 دن .وه 􀑧 ل الم 􀑧 ن آ 􀑧 ي م 􀑧 ة إخراج 􀑧 ى درج 􀑧 ة إل 􀑧 ك المدين 􀑧 اردني تل 􀑧 م أن تط 􀑧 نهائياً. لم يكن يفه
آلامي من تلقاء نفسه، ويصبح بدوره مسكوناً بمدينة، مطارداً بها.
عادة لا 􀑧 بيهة بالس 􀑧 ياء ش 􀑧 ك أش 􀑧 العجيب أنه لم يحدّثني عنها أي مرة.. وآأنه لم يكن يوليها اهتماماً من قبل. هنال
ننتبه لوجودها إلا بعدما نفتقدها!
يء 􀑧 ل مج 􀑧 يفية .. وقب 􀑧 ة الص 􀑧 ك العطل 􀑧 ربما آان ذلك ما حدث لي.. فقد آنت أعي تدريجياً أنني آنت سعيداً معك قبل تل
ة 􀑧 ن لعب 􀑧 اوية، وم 􀑧 اه متس 􀑧 ل زواي 􀑧 راف آ 􀑧 ث الأط 􀑧 ب مثل 􀑧 ى ح 􀑧 ف إل 􀑧 ائي عني 􀑧 ق ثن 􀑧 ن عش 􀑧 ا م 􀑧 وّل حبن 􀑧 ل أن يتح 􀑧 اد .. وقب 􀑧 زي
زر 􀑧 د والج 􀑧 انون الم 􀑧 اء، بق 􀑧 وداء والبيض 􀑧 ات الس 􀑧 ل المربع 􀑧 ا آ 􀑧 ب فيه 􀑧 لأ الح 􀑧 ابلان، ويم 􀑧 ان متق 􀑧 ا لاعب 􀑧 طرنج يحكمه 􀑧 ش
ا 􀑧 ات قلبن 􀑧 ة، بنبض 􀑧 ا المقلوب 􀑧 ة، وأحزانن 􀑧 ا المقلوب 􀑧 ة، بأوراقن 􀑧 ن الثلاث 􀑧 ا نح 􀑧 س حوله 􀑧 ة، نجل 􀑧 ة طاول 􀑧 ى لعب 􀑧 قي، إل 􀑧 العش
خ 􀑧 ك النس 􀑧 ي نمل 􀑧 زوّر الأوراق الت 􀑧 ب .. ن 􀑧 دة للح 􀑧 وانين جدي 􀑧 ق ق 􀑧 نا ونخل 􀑧 ربّص ببعض 􀑧 ترآة، نت 􀑧 ذاآرتنا المش 􀑧 ترآة، ب 􀑧 المش
114
ون 􀑧 ى تك 􀑧 ر، وحت 􀑧 ن خاس 􀑧 ا م 􀑧 ون بينن 􀑧 ي لا يك 􀑧 ا لك 􀑧 ة، وإنم 􀑧 نفسها منها، نحتال على منطق الأشياء لا ليربح أحدنا الجول
نهايتنا أقلّ وجعاً من البداية.
ذا 􀑧 داه . ول 􀑧 ب وم 􀑧 ك الح 􀑧 ذور ذل 􀑧 ي ج 􀑧 ن يع 􀑧 م يك 􀑧 ه ل 􀑧 آان واضحاً أن زياد آان يشعر أنني أحبك بطريقة أو بأخرى. ولكن
آان ينساق إلى حبك دون تفكير ودون شعور بالذنب.
ث، 􀑧 ى مثل 􀑧 اه إل 􀑧 دما حوّلن 􀑧 لم يكن لأحدنا وعي آامل لينتبه إلى أن العشق اسم ثنائي لا مكان فيه لطرف ثالث. ولذا عن
آل البواخر التي تعبره خطأ؟ « برمودا » ابتلعنا آما يبتلع مثلث
آيف وصلنا إلى هنا.
رة، 􀑧 ة المبعث 􀑧 دارنا المتناقض 􀑧 ع أق 􀑧 اد جم 􀑧 م أع 􀑧 ا ث 􀑧 در بعثرن 􀑧 نا؟ أيّ ق 􀑧 ن طقوس 􀑧 ة ع 􀑧 ديار الغريب 􀑧 أيّ ريح حملتنا إلى هذه ال
نا 􀑧 ع بعض 􀑧 ها م 􀑧 وأعمارنا وتواريخنا المتفاوتة، ومعارآنا وأحلامنا المتباعدة، وأوقفنا هنا، أطرافاً في معرآة نخوض
ضد بعضنا دون وعي؟
بعد أشهر قرأت بين أوراق زياد خاطرة، أدهشتني بتطابقها مع أحاسيسي هذه، آتب فيها:
عشقنا جولة أخرى خسرناها في زمن المعارك الفاشلة، فأيّ الهزائم أآثر إيلاماً إذن؟ »
مقدراً آان آلّ الذي حصل.
شعبين آنا لأرض واحدة.
ونبيين لمدينة واحدة.
وها نحن قلبان لامرأة واحدة.
آل شيء آان معدّاً للألم. (هل يسعنا العالم معاً؟).
ر، 􀑧 ع أحم 􀑧 ى مرب 􀑧 ا عل 􀑧 رأس .. أطلقوه 􀑧 تديرة ال 􀑧 ة مس 􀑧 ا. رصاص 􀑧 تديراً آجرحن 􀑧 ها نحن نتقاسم آبرياءنا رغيفاً عربياً مس
وت .. 􀑧 ز الم 􀑧 ل مرآ 􀑧 ى تص 􀑧 دوّار .. حت 􀑧 يتدرب فيه القدر على إطلاق الرصاص على دوائر سوداء تصغر تدريجياً آال
حيث الرصاصة لا تخطئ.
حيث الرصاصة لا ترحم.
«.. وحيث سيكون قلب أحدنا
آان زياد في تلك الأمسيات الشتائية، يسهر أحياناً في غرفته ليكتب. وآنت أرى في ذلك علامة لا تخطئ..
لا بد أن يكون عاشقاً ليعود إلى الكتابة بهذه الشراهة، هو الذي لم يكتب شيئاً منذ عدة سنوات.
آنت أبتسم أحياناً، وصوت موسيقى خافتة ينبعث من غرفته حتى ساعة متأخرة من الليل.
آأن زياد آان يريد أن يملأ رئتيه بالحياة، أو آأنه لم يكن يثق بها تماماً. ويخاف إن هو نام أن تسرق منه شيئاً.
ه 􀑧 ى وج 􀑧 ا عل 􀑧 ا أن 􀑧 اً به 􀑧 ن مولع 􀑧 م أآ 􀑧 ي ل 􀑧 رها، والت 􀑧 ن أحض 􀑧 ن أي 􀑧 ي لا أدري م 􀑧 ها الت 􀑧 رطة نفس 􀑧 ى الأش 􀑧 اً إل 􀑧 آان يستمع دائم
التحديد، آالموسيقى الكلاسيكية.. وشريط لفيفالدي وآخر لتيودوراآيس.
وآنت أقول لنفسي وأنا أقضي أحياناً سهرة آاملة بمفردي أمام التلفزيون:
.«! إنه يعيش جنونه أيضاً. هنالك جنون الصيف.. وهنالك جنون الشتاء. انتهى جنوني وبدأ جنونه »
115
ي 􀑧 دث ف 􀑧 ا يح 􀑧 ه م 􀑧 رف من 􀑧 زال، أع 􀑧 اس للزل 􀑧 ي بمقي 􀑧 ن آت 􀑧 ن أي 􀑧 ذا؟ م 􀑧 ه ه 􀑧 ات جنون 􀑧 رف درج 􀑧 ولكن.. آيف يمكن لي أن أع
أعماقه بالتحديد؟
رة 􀑧 دى عش 􀑧 دران إح 􀑧 ى الج 􀑧 وني عل 􀑧 ق جن 􀑧 ا يعلّ 􀑧 ورق . بينم 􀑧 ر ال 􀑧 آيف يمكن ذلك، ونوباته آتابات سرية لا يدري بها غي
لوحة تشهد ضدي.. وتفضحني.
فهل انتهى جنوني حقاً؟
لا.. أصبح فقط جنوناً داخلياً لا علاقة له بالإبداع. أصبح أحاسيس مرضيّة أبذّرها هباءً في الغيرة واليأس.
ى 􀑧 و عل 􀑧 ت فه 􀑧 رك البي 􀑧 ك، وإذ ا ت 􀑧 ب ل 􀑧 و يكت 􀑧 ب فه 􀑧 س ليكت 􀑧 دومك، وإذا جل 􀑧 ع ق 􀑧 ه يتوق 􀑧 عرت أن 􀑧 آان إذا غيّر زياد بدلته، ش
موعد معك..
نسيت في زحمة غيرتي، حتى الأسباب التي جاء من أجلها زياد إلى باريس، ولقاءاته.. وهواجسه الأخرى.
..ثم جاء ذلك السفر الذي آدت أنساه.
دة . 􀑧 ة واح 􀑧 ي مد ين 􀑧 اً ف 􀑧 ربما آانت تلك أآثر تجاربي ألماً على الإطلاق. فقد آان عليّ أن أترآكما عشرة أيام آاملة مع
وربما غالباً في بيتٍ واحد هو بيتي.. نظراً لصعوبة لقاءآما خارج البيت.
د 􀑧 ان لاب 􀑧 سافرت يومها وأنا أحاول أن أقنع نفسي أنها فرصة لنا جميعاً، لنضع شيئاً من الترتيب في علاقتنا، وأنه آ
لأحدنا أن يتغيّب لتحسم هذه الأمور الغامضة بيننا نهائياً.
طبعاً، لم أآن مقتنعاً في أعماقي بهذا المنطق، أو على الأقل بهذا القدر العنيد الذي جعل القرعة تقع عليّ.
فمن الواضح أن القدر آان منحازاً لكما. وآان ذلك يؤلمني آثيراً. ولكن ما الذي آان أشدّ إيلاماً لي؟
م 􀑧 رف ل 􀑧 ي غ 􀑧 ي ف 􀑧 ي بيت 􀑧 انتي ف 􀑧 تم خي 􀑧 واه، أم أن ت 􀑧 اد لا س 􀑧 و زي 􀑧 أن أدري أنك مع رجل آخر، أم أن يكون ذلك الرجل ه
أتمتع بك فيها؟
اً 􀑧 ا يوم 􀑧 ا جمعن 􀑧 ل م 􀑧 ترآة .. وآ 􀑧 ا المش 􀑧 توقفه ذاآرتن 􀑧 إلى أيّ حدّ ستذهبين معه.. وإلى أي حدّ سيذهب هو معك؟ وهل س
من قيم؟
قلت لكِ الكثير عن زياد.. ولم أقل لك الأهم.
آان زياد يوماً خليّتي السرية، أوراق انتمائي السرية.
آان هزائمي وانتصاراتي، حججي وقناعاتي، آان عمراً سرّياً لعمرٍ آخر. فهل سيخونني زياد؟
آنت قد بدأت أعتب عليه، وربما أحقد عليه مسبقاً.
اً 􀑧 ان يوم 􀑧 لٍ آ 􀑧 اهر، لرج 􀑧 ي الط 􀑧 اً لس 􀑧 نسيت في جنون غيرتي، أنني لم أفعل شيئاً غير ذلك معك، أنا الذي تنكّرت أيض
قائدي، وآان يوماً صديقي.. لرجل أودعك عندي وصيّة ذات يوم ومات شهيداً.
من منّا الأآثر خيانة إذن؟
هو الذي قد يضع أحلامه ورغباته حيّز التنفيذ.. أم أنا الذي لم أنفّذها لأنني لم أجد فرصة لذلك؟
أنا الذي أنام وأصحو معك من شهور، وأغتصبك حتّى في غفوتي.. أم هو الذي ستكونين له بإرادتك؟
116
ل 􀑧 ن آ 􀑧 ا م 􀑧 رّدك ذاآرته 􀑧 ك، وتج 􀑧 لأك وتفرغ 􀑧 ك، تم 􀑧 ك وتربك 􀑧 بق اً. تغري 􀑧 ماؤها مس 􀑧 ك أس 􀑧 اء، تهزم 􀑧 دن آالنس 􀑧 ك م 􀑧 هنال
مشاريعك، ليصبح الحب آل برنامجك.
هنالك مدن.. لم تخلق لتزورها بمفردك. لتتجول وتنام وتقوم فيها.. وتتناول فطور الصباح وحيداً.
هنالك مدن جميلة آذآرى، قريبة آدمعة، موجعة آحسرة..
هنالك مدن.. آم تشبهك!
فهل يمكن أن أنساك في مدينة اسمها.. غرناطة؟
جار 􀑧 ع أش 􀑧 ب .. م 􀑧 رائش العن 􀑧 ع ع 􀑧 راء .. م 􀑧 ة الحم 􀑧 قوفها القرميدي 􀑧 ة، بس 􀑧 اء الواطئ 􀑧 ازل البيض 􀑧 ع المن 􀑧 أتي م 􀑧 ك ي 􀑧 ان حبّ 􀑧 آ
الياسمين الثقيلة.. مع الجداول التي تعبر غرناطة.. مع المياه.. مع الشمس.. مع ذاآرة العرب.
آان حبك يأتي مع العطور والأصوات والوجوه، مع سمرة الأندلسيات وشعرهن الحالك.
داني 􀑧 راس الحم 􀑧 ي ف 􀑧 زن أب 􀑧 ع ح 􀑧 ه .. م 􀑧 ذي تحبين 􀑧 ا ال 􀑧 ائد لورآ 􀑧 مع فساتين الفرح.. مع قيثارة محمومة آجسدك.. مع قص
الذي أحبه.
آنت أشعر أنك جزء من تلك المدينة أيضاً.. فهل آل المدن العربية أنت.. وآل ذاآرة عربية أنت؟
ن 􀑧 ة م 􀑧 اه القادم 􀑧 ه بالمي 􀑧 ة ل 􀑧 زاً لا علاق 􀑧 اً ممي 􀑧 ين طعم 􀑧 ين .. تحمل 􀑧 ة الحن 􀑧 ة، رقراق 􀑧 اه غرناط 􀑧 ت آمي 􀑧 ت مازل 􀑧 ان وأن 􀑧 مر الزم
الأنابيب والحنفيات.
دما 􀑧 ورة، عن 􀑧 ة المهج 􀑧 ور العربي 􀑧 مر الزمن، وصوتك مازال يأتي آصدى نوافير المياه وقت السّحر، في ذاآرة القص
يفاجئ المساء غرناطة، وتفاجئ غرناطة نفسها عاشقة لملك عربي غادرها لتوه..
وآان آخر عاشق عربي قبّلها! .« أبا عبد الله » آان اسمه
تراني آنت ذلك الملك الذي لم يعرف آيف يحافظ على عرشه؟
تراني أضعتك بحماقة أبي عبد الله، وسأبكيك يوماً مثله؟
ل 􀑧 ه مث 􀑧 افظ علي 􀑧 م تح 􀑧 اعاً، ل 􀑧 اً مُض 􀑧 اء مُلك 􀑧 ل ال نس 􀑧 ك مث 􀑧 اب » : ه􀑧 ة من 􀑧 ي غفل 􀑧 قط ف 􀑧 ة تس 􀑧 اً وغرناظ 􀑧 ه يوم 􀑧 آانت أمه قد قالت ل
«.. الرجال
فهل حقاً لم أحافظ عليك؟. وعلى من أُعلن الحرب.. أسألك؟
على مَنْ.. وأنتما ذاآرتي وأحبّتي.
على مَنْ.. وأنت مدينتي وقلعتي.
فلِمَ الخجل؟
هل هناك ملكٌ عربي واحد.. حاآمٌ عربي واحد، لم يبكِ منذ أبي عبد الله مدينة ما؟
فاسقطي قسنطينة.. هذا زمن السقوط السريع!
هل سقطت حقاً يومها.. هذا ما لن أعرفه أبداً.
ولكن أعرف فقط تاريخ سقوطك الأخير، سقوطك النهائي الذي آنت شاهداً عليه بعد ذلك.
117
ة 􀑧 فأيّ جنون آان أن تزيد المسافات من حبّك، وأن تأخذي ملامح تلك المدينة أيضاً. وإذا بي آمجنون أجلس آلّ ليل
اتي 􀑧 ومي وانطباع 􀑧 يل ي 􀑧 ا تفاص 􀑧 ك فيه 􀑧 صّ ل 􀑧 ت أق 􀑧 لأآتب لك رسائل آانت تولد من دهشتي وشوقي وغيرتي عليك. آن
في مدينة تشبهك حد الدهشة.
آتبت لك مرة:
أريد أن أحبك هنا. في بيتٍ آجسدك، مرسوم على طراز أندلسي. »
أريد أن أهرب بك من المدن المعلّبة، وأُسكن حبّك بيتاً يشبهك في تعاريج أنوثتك العربية.
ا 􀑧 ي يزرعه 􀑧 بيتاً تختفي وراء أقواسه ونقوشه واستداراته ذاآرتي الأولى. تظلّل حديقة شجرة ليمون آبيرة، آتلك الت
العرب في حدائق بيوتهم بالأندلس.
أريد أن أجلس إلى جوارك، آما أجلس هنا على حافة برآة ماء تسبح فيها سمكات حمراء، وأتأملك مدهوشاً.
أستنشق جسدك، آما أستنشق رائحة الليمون البلدي الأخضر قبل أن ينضج.
«.. أيتها الفاآهة المحرّمة.. أمام آلّ شجرة أمرّ بها، أشتهيك
ا، 􀑧 تعيدك به 􀑧 الحروف، أن أس 􀑧 ك ب 􀑧 د أن أطوق 􀑧 آم من الرسائل آتبت لك.. هل يمكن لكاتبة أن تقاوم الكلمات؟ آنت أري
ك 􀑧 ب قبل 􀑧 م تكت 􀑧 ائل ل 􀑧 أن أدخل معكما حلقة الكلمات المغلقة في وجهي بتهمة الرسم فقط، فرحت أخترع من أجلك رس
لامرأة. رسائل انفجرت في ذهني فجأة بعد خمسين سنة من الصمت .
ا 􀑧 ب به 􀑧 ت أآت 􀑧 ي آن 􀑧 ة الت 􀑧 ذه اللغ 􀑧 ى ه 􀑧 ك إل 􀑧 قي ل 􀑧 ل عش 􀑧 د أن انتق 􀑧 ذا دون أن أدري، بع 􀑧 ابي ه 􀑧 ب آت 􀑧 ا أآت 􀑧 تراني بدأت يومه
رسائل لأول مرة .قبلك آتبت لنساء عبرن حياتي أيام الشباب والمراهقة.
لم أآن أجهد نفسي آنذاك في البحث عن الكلمات.
آانت اللغة الفرنسية تستدرجني تلقائياً بحريتها للقول دون عقد.. ولا خجل.
معك رحت أآتشف العربية من جديد. أتعلم التحايل على هيبتها، أستسلم لإغرائها السري، لإيحاءاتها.
رة 􀑧 اط المبعث 􀑧 اء .. للنق 􀑧 ف الكبري 􀑧 وة .. لأل 􀑧 اء النش 􀑧 ة .. له 􀑧 اء الحرق 􀑧 ة .. لح 􀑧 اء الأنوث 􀑧 رحت أنحاز للحروف التي تشبهك.. لت
على جسدها خال أسمر..
دما 􀑧 ا. وعن 􀑧 ى طريقته 􀑧 ب عل 􀑧 حك.. والح 􀑧 اء والض 􀑧 تعلم البك 􀑧 ا، ن 􀑧 ا دون غيره 􀑧 از إليه 􀑧 رأة ننح 􀑧 اً؟ ام 􀑧 ى أيض 􀑧 ة أنث 􀑧 ل اللغ 􀑧 ه
تهجرنا نشعر بالبرد وباليتم دونها؟
تراك قرأت تلك الرسائل؟. هل شعرت بعقدة يُتمي وخوفي من مواسم الصقيع؟
أأدهشتك أم تراها جاءت في غير وقتها؟
آان لا بد أن أآتبها لك قبل أن يتسلل زياد إليك من آل المسام، ويصبح لغتك.
فهل تفيد رسائل الحب عندما تأتي متأخرة عن الحب؟
ألم يحب سلفادور دالي وبول إيلوار المرأة نفسها؟
118
ا 􀑧 ه . ولكنه 􀑧 ا من 􀑧 ذي خطفه 􀑧 ي ال 􀑧 ن دال 􀑧 تعيدها م 􀑧 وعبثاً راح بول إيلوار يكتب لها أجمل الرسائل.. وأروع الأشعار.. ليس
ذي 􀑧 ط ال 􀑧 ي فق 􀑧 ة دال 􀑧 ازة لريش 􀑧 ا منح 􀑧 ى موته 􀑧 ت حت 􀑧 وار . وظلّ 􀑧 ول إيل 􀑧 وافي ب 􀑧 فضّلت جنون دالي المجهول آنذاك.. على ق
تزوجها أآثر من مرة بأآثر من طقس، ولم يرسم امرأة غيرها طوال حياته.
ي 􀑧 الواقع أن الحب لا يكرر نفسه آل مرة، وأن الرسامين لا يهزمون الشعراء دائماً.. حتى عندما يحاولون التنكّر ف
ثياب الكلمات.
***
ك 􀑧 اح ذل 􀑧 ة نج 􀑧 يّ متع 􀑧 دت عل 􀑧 عندما عدت بعد ذلك إلى باريس، آان في الحلق غصّة لازمتني طوال تلك الأيام، وأفس
المعرض. واللقاءات الجميلة أو المفيدة التي تمّت لي أثناءه.
لّ 􀑧 ذآّرني آ 􀑧 ارقني وي 􀑧 ذي لا يف 􀑧 امض ال 􀑧 د الغ 􀑧 رة والحق 􀑧 دة للغي 􀑧 ة جدي 􀑧 ف . عاطف 􀑧 زف دون توقّ 􀑧 آان هناك شيء داخلي ين
لحظة أن شيئاً ما يحدث هناك.
ا 􀑧 جّل عليه 􀑧 ة س 􀑧 ابي وبورق 􀑧 اء غي 􀑧 ل أثن 􀑧 ذي وص 􀑧 د ال 􀑧 دّني بالبري 􀑧 ودتي؟ ). أم 􀑧 عيداً بع 􀑧 اً س 􀑧 ان حق 􀑧 استقبلني زياد بشوق. (أآ
أسماء الذين طلبوني هاتفياً خلال تلك الأيام.
أمسكتها دون أن ألقي عليها نظرة. آنت أدري أنني لن أجد اسمك فيها.
ن 􀑧 يء م 􀑧 ية بش 􀑧 ورات السياس 􀑧 ر التط 􀑧 ن آخ 􀑧 دثني ع 􀑧 ة، ويح 􀑧 اري العام 􀑧 ثم راح يسألني عن المعرض.. عن سفرتي وأخب
القلق، الذي فسّرته بارتباآه لحظتها أمامي لسبب أو لآخر.
مّم 􀑧 ه، راح يتش 􀑧 ى بيت 􀑧 اد إل 􀑧 ا ع 􀑧 ان آلم 􀑧 ذي آ 􀑧 ول ال 􀑧 ة الغ 􀑧 ي خراف 􀑧 ا ف 􀑧 ت آم 􀑧 ك البي 􀑧 ي ذل 􀑧 د بحواس 􀑧 ا أتفق 􀑧 آنت أستمع إليه وأن
الأجواء بحثاً عن إنسان قد يكون تسلّل إلى مغارته أثناء غيابه..
ي 􀑧 ت ل 􀑧 ة تثب 􀑧 ع حج 􀑧 ي الواق 􀑧 د ف 􀑧 ك، دون أن أج 􀑧 ي ذل 􀑧 د ل 􀑧 ان يؤآ 􀑧 امض آ 􀑧 اس غ 􀑧 ت . إحس 􀑧 ذا البي 􀑧 آنت أشعر أنك مررت به
شكوآي.
ذا؟ وإذ ا 􀑧 ر ه 􀑧 ان غي 􀑧 ولكن هل تهم الحجّّة؟.. هل يعقل أن تمر عشرة أيام دون أن تلتقيا.. وأين يمكن أن تلتقيا في مك
التقيتما هل ستكتفيان بالحديث؟
آنتِ منجماً للكبريت.. وآان زياد عاشقاً مجوسياً يعبد اللّهب!
فهل آان يمكن أن يصمد طويلاً في وجه نيرانك.. أنت المرأة التي يحلم الرجال أن يحترقوا بها ولو وهماً؟
رحت أبحث في ملامح زياد عن فرحٍ ما، عن سعادةٍ ما أجد فيها الحجة القاطعة على أنك آنت له.
ولكن لم يبدُ على وجهه أي شعور خاص، غير القلق.
فجأة حدثني عنك قال:
- لقد طلبت منها أن تأتي غداً لنتناول معاً غداءنا الأخير..
صحتُ بشيء من الدهشة:
- لماذا الأخير؟
قال:
119
- لأنني سأسافر الأحد..
- ولماذا الأحد؟
قلتها وأنا أشعر بشيء من الحزن والفرح معاً.
أجاب زياد:
د 􀑧 بوعين . لق 􀑧 ن أس 􀑧 ر م 􀑧 ا أآث 􀑧 ى هن 􀑧 رراً أن أبق 􀑧 - لأنني يجب أن أعود.. آنت أنتظر فقط عودتك لأسافر .لم يكن مق
قضيت شهراً آاملاً ولا بدّ أن أعود..
ثم أضاف بشيءٍ من السخرية:
- قبل أن أتعود على الحياة الباريسية.
تراك أنتِ الحياة الباريسية التي آان يخاف أن يتعود عليها؟ تراه آان يهرب مرة أخرى من حبٍ آخر أم أن مهمته
قد انتهت أخيراً فلم يعد أمامه غير الرحيل؟
مر يوم السبت وسط مشاغل عودتي، وانشغال زياد بترتيب تفاصيل سفره.
ن 􀑧 ه نح 􀑧 اً لوج 􀑧 راً وجه 􀑧 عنا أخي 􀑧 ا ويض 􀑧 ربص بن 􀑧 د يت 􀑧 وم الأح 􀑧 ان ي 􀑧 ن آ 􀑧 حاولت أن أتحاشى الجلوس إليه ذلك المساء. ولك
الثلاثة في ذلك الغداء الحاسم.
اً 􀑧 ك حب 􀑧 دم ل 􀑧 م أق 􀑧 ان ). أل 􀑧 يومها قابلتِني بحرارة لم أتوقعها. فسّرتها على طريقتي بأنها شعور بالذنب، (أو ربما بالامتن
على طبق من شعر على طاولة هي.. بيتي؟!
ثم شكرتِني على رسائلي، وأبديتِ إعجابك بأسلوبي.. وآأنك أستاذة قدم لها تلميذ نصّاً إنشائياً.
أزعجني شكرك العلني، وشعرت أنك حدّثت زياد عنها وربما أريته إياها أيضاً.
آنتُ على وشك أن أقول شيئاً عندما واصلتِ:
ي 􀑧 ا ف 􀑧 يا لورآ 􀑧 ت غارس 􀑧 - تمنيت لو آنت معك هناك.. هل غرناطة جميلة حقاً إلى هذا الحد؟ وهل زرت حقاً بي
(خوانتا فاآيروس).. أليس هذا اسم ضيعته آما قلت؟ حدّثني عنه..
وجدت في طريقتك في بدء الحديث معي من الهوامش، شيئاً مثيراً للدهشة، وربما للتفكير أيضاً.
أهذا آل ما وجدت قوله بعد آل الزوابع التي مرّت بنا، وبعد عشرة أيام من الجحيم الذي عشته وحدي؟
لا أدري آيف خطر عندئذٍ في ذهني مشهد لفيلم شاهدته يوماً عن حياة لورآا..
قلت لك:
- أتدرين آيف مات لورآا؟
قلتِ:
-بالإعدام..
قلتُ:
اً دون 􀑧 قط ميت 􀑧 اص، فس 􀑧 ه الرص 􀑧 وا خلف 􀑧 - لا.. وضعوه أمام سهل شاسع وقالوا له امشِ.. وآان يمشي عندما أطلق
أن يفهم تماماً ما الذي حدث له.
120
ذهب 􀑧 ا ن 􀑧 دام آم 􀑧 إنه أحزن ما في موته. فلم يكن لورآا يخاف الموت، آان يتوقّعه، ويذهب إليه مشياً على الأق
لموعدٍ مع صديق.. ولكن آان يكره فقط أن تأتيه الرصاصة من الظهر!
يئاً 􀑧 ول ش 􀑧 ك أن يق 􀑧 ى وش 􀑧 ته عل 􀑧 وي، أحسس 􀑧 ه نح 􀑧 ع عيني 􀑧 شعرت آنذاك أن زياد تلقي آلماتي آرصاصة في الصدر. رف
ولكنه صمت.
آنا نفهم بعضنا دون آثير من الكلام.
ه 􀑧 ندمت بعدها على إيلامي المتعمد له. فقد آان إيلامه يعزّ عليّ أآثر من ألمك. ولكن آان هذا أقل ما يمكن أن أقول
له بعد آل ما عشته من عذاب بسببه.
وربما آان أآثره أيضاً.
ائية 􀑧 رةٍ نس 􀑧 تِ بفط 􀑧 ا أن 􀑧 تِ تخترعينه 􀑧 ة، آن 􀑧 ث مفتعل 􀑧 ا أحادي 􀑧 ه أحيان 􀑧 ك تتخلل 􀑧 مت مرب 􀑧 ة ص 􀑧 ى وجب 􀑧 أة إل 􀑧 داؤنا فج 􀑧 تحول غ
لترطيب الجو.. وربما للمراوغة. ولكن عبثاً.
آان هناك شيء من البلّور قد انكسر بيننا. ولم يعد هناك من أمل لترميمه.
سألتكِ بعدها:
- هل ستأتين معي لنرافق زياد إلى المطار؟
أجبتِ:
ة 􀑧 وط الجوي 􀑧 ب الخط 􀑧 ر بمكت 􀑧 دث أن يم 􀑧 ه يح 􀑧 اك، إذ أن 􀑧 ي هن 􀑧 - -لا.. لا يمكن أن أذهب إلى المطار.. قد ألتقي بعم
ة لا 􀑧 ي الحقيق 􀑧 ا ف 􀑧 ودعهم، لأنن 􀑧 بهم لا ن 􀑧 ذين نح 􀑧 وداع . ال 􀑧 يم ال 􀑧 ره مراس 􀑧 ارات .. وأآ 􀑧 الجزائرية. ثم إنني أآره المط
نفارقهم. قد خلق الوداع للغرباء.. وليس للأحبة.
ذين 􀑧 ا ال 􀑧 اء وأم 􀑧 وى للغرب 􀑧 داءً س 􀑧 ب إه 􀑧 ن لا نكت 􀑧 نح » ثلاً 􀑧 ابق م 􀑧 ك الس 􀑧 ة آقول 􀑧 ة المدهش 􀑧 ك العجيب 􀑧 دى طلعات 􀑧 ك إح 􀑧 آانت تل
«.. نحبهم فهم جزء من الكتاب وليسوا في حاجة إلى توقيع في الصفحة الأولى
ولماذا الوداع؟
هل هناك من ضرورة لوداع آخر؟
آنت أراك طوال وجبة الغداء تلتهمينه بنظراتك ولا تأآلين شيئاً سواه.
دة .. 􀑧 ور اً ع 􀑧 ه ص 􀑧 زنين من 􀑧 ك تخت 􀑧 ه، وآأن 􀑧 يء في 􀑧 لّ ش 􀑧 د آ 􀑧 ويلاً عن 􀑧 ان ط 􀑧 ة . تتوقّف 􀑧 ة قطع 􀑧 آانت عيناك تودّعان جسده قطع
لزمن لن يبقى لك فيه سوى الصور.
ذلك . 􀑧 ل آ 􀑧 ة الأآ 􀑧 ب .. ورغب 􀑧 ة الح 􀑧 ه رغب 􀑧 ة أفقدت 􀑧 اتي الموجع 􀑧 وآان هو يتحاشى نظراتك، ربما مراعاةً لي، أو لأن آلم
وجعلته يحوّل نظراته الحزينة إلى أعماقه وإلى ما بعد السفر.
ن 􀑧 وقفي م 􀑧 اً آم 􀑧 باب غامض 􀑧 عّب الأس 􀑧 ي . متش 􀑧 اً آخيبت 􀑧 داً وفرديّ 􀑧 ان فري 􀑧 ي آ 􀑧 ن حزن 􀑧 ا، ولك 􀑧 اً عنكم 􀑧 ل حزن 􀑧 ا لا أق 􀑧 ت أن 􀑧 وآن
قصّتكما العجيبة.
121
ك . 􀑧 ر اً ب 􀑧 و أخي 􀑧 راد لأخل 􀑧 ى انف 􀑧 ي عل 􀑧 ك مع 􀑧 ي عودت 􀑧 ع ف 􀑧 ت أطم 􀑧 د آن 􀑧 وتر اً. فق 􀑧 ار ت 􀑧 وربما زاده رفضك مرافقتي إلى المط
يّ دون 􀑧 ودة إل 􀑧 ك، والع 􀑧 ن ذاآرت 􀑧 ام م 􀑧 ك الأي 􀑧 و تل 􀑧 ى مح 􀑧 ادرة عل 􀑧 ت ق 􀑧 لأفهم منك دون آثير من الأسئلة، إلى أيّ مدى آن
جروح أو خدوش..
ي 􀑧 ك ف 􀑧 د أن 􀑧 ام . وأعتق 􀑧 ق الأي 􀑧 ق بمنط 􀑧 ت أث 􀑧 ي آن 􀑧 اً. ولكنن 􀑧 دك أيض 􀑧 آنت أدري أن قلبك قد أصبح منحازاً إليه. وربما جس
خة 􀑧 ا نس 􀑧 ت أن 􀑧 وة آن 􀑧 ك الأول لأب 􀑧 ى ..وحنين 􀑧 ك الأول 􀑧 ي ذاآرت 􀑧 واي .. ولأنن 􀑧 النهاية ستعودين إليّ، لأنه لن يكون هناك س
أخرى عنها.
فرحت أراهن على المنطق وأنتظرك.
* * *
رحل زياد..
ورحت أستعيد تدريجياً بيتي وعاداتي الأولى قبله.
ة 􀑧 د ة المفاجئ 􀑧 ن الوح 􀑧 يء م 􀑧 عر بش 􀑧 ت أش 􀑧 ي، وآن 􀑧 وده مع 􀑧 ى وج 􀑧 آنت سعيداً ولكن بمرارة غامضة. فقد آنت تعوّدت عل
وهو يترآني وحدي لموسم الشتاء؛ لتلك الأيام الرمادية، والسهرات الطويلة المدهشة.
رحل زياد.. وفرغ البيت منه فجأة آما امتلأ به.
ه 􀑧 ا أوراق 􀑧 ع فيه 􀑧 دما جم 􀑧 ة بع 􀑧 فل الخزان 􀑧 ا أس 􀑧 ي ترآه 􀑧 ا، والت 􀑧 لم يبق سوى تلك الحقيبة التي قد تشهد على مروره من هن
وأشياءه، والتي رأيت في بقائها عندي مشروع عودة محتملة، قد تكونين أنت أحد أسبابها.
ت 􀑧 ك البي 􀑧 تعيد ذل 􀑧 ا أس 􀑧 تعيدك وأن 􀑧 ي أس 􀑧 عر أنن 􀑧 ت أش 􀑧 ي آن 􀑧 ي، وأنن 􀑧 وق حزن 􀑧 ت تف 􀑧 عادتي آان 􀑧 رف أن س 􀑧 ولكن لابد أن أعت
الفارغ منه.
آنت أشعر أن هذا البيت سيمتلئ أخيراً بحضورك بطريقة أو بأخرى، وأنني سأخلو فيه بك وأنا أخلو لنفسي.
ين 􀑧 ر الس 􀑧 ر نه 􀑧 وءه .. منظ 􀑧 ين ض 􀑧 ه .. تحب 􀑧 ة ترتيب 􀑧 ين طريق 􀑧 ه .. تحب 􀑧 ك تحبين 􀑧 راراً أن 􀑧 ي م 􀑧 سأعيدك إليه تدريجياً. ألم تعترف
الذي يطلّ عليه؟
أم ترى آنت تحبين فقط زياد، وحضوره الذي آان يؤثث آل شيء.. ويجعل الأشياء أحلى!
في البدء.. آنت أتوقع هاتفك. آنت أتمسك به، أستنجد به، ولكن صوتك آان ينسحب أيضاً تدريجياً أمام دهشتي.
آان هاتفك يأتي مرة آل أسبوع، ثم آلّ أسبوعين، ثم نادراً، قبل أن ينقطع نهائياً.
آان يأتي شحيحاً آقطرات الدواء. وآنت أشعر أحياناً أنك تطلبينني مجاملة فقط، أو عن ضجر، أو ربما بنيّة غير
معلنة لمعرفة أخبار زياد.
ى أن 􀑧 ة إل 􀑧 ي حاج 􀑧 وني ف 􀑧 م تك 􀑧 ذا ل 􀑧 ت، وله 􀑧 وان البي 􀑧 رة بعن 􀑧 ك مباش 􀑧 ب إلي 􀑧 ان يكت 􀑧 راه آ 􀑧 ت» اءل 􀑧 ك، أتس 􀑧 اء ذل 􀑧 ا أثن 􀑧 ت أن 􀑧 وآن
تسأليني مرة عن أخباره؟
يّ 􀑧 أم أنه آعادته أخبرك مسبقاً أنه لن يكتب إليك، وأن عليك مثله أن تتعلمي النسيان. فرحت تطبّقين تلك العقوبة عل
.«!. أيضاً
آان زياد يكره أنصاف الحلول في آل شيء.
122
اف 􀑧 أنص » أو « ذات 􀑧 اف المل 􀑧 أنص » ابقاً 􀑧 مّيه س 􀑧 ان يس 􀑧 ا آ 􀑧 اً م 􀑧 آان متطرفاً آأي رجل يحمل بندقية. ولذا آان يكره أيض
!« العقوبات
آان رجل الاختيارات الحاسمة. فإما أن يحب ويتخلى عندئذٍ عن آل شيء ليبقى مع من يحب، أو يرحل لأن الذي
ينتظره هناك أهم. وعندها لن يكون من مبرر لتعذيب النفس بالأشواق والذآرى.
تساءلت طويلاً بعد ذلك، ماذا عساه اختار؟
زواج 􀑧 ك ال 􀑧 ى وش 􀑧 ان عل 􀑧 ي آ 􀑧 اة الت 􀑧 ك الفت 􀑧 ع تل 􀑧 ر م 􀑧 ي الجزائ 􀑧 نوات ف 􀑧 ذ س 􀑧 تراه تصرّف هذه المرة أيضاً آما تصرف من
منها..
ة 􀑧 ة عادي 􀑧 ن قص 􀑧 م يك 􀑧 ا ل 􀑧 دث بينكم 􀑧 ذي ح 􀑧 ت، ولأن ال 􀑧 ك أن 􀑧 ط لأن 􀑧 ا فق 􀑧 ر .. وربم 􀑧 م العم 􀑧 ا بحك 􀑧 رة، ربم 􀑧 ذه الم 􀑧 أم أنه تغيّر ه
تحدث بين شخصين عاديين.
ة .. 􀑧 دة للعب 􀑧 د الجدي 􀑧 د القواع 􀑧 ى تحدي 􀑧 آنت أحاول أحياناً استدراجك للحديث عنه، عساني أصل إلى نتيجة تساعدني عل
والتأقلم معها.
وآنت تراوغينني آعادتك. آان من الواضح أنك تحبّين أن أحدثك عنه، ولكن دون أن تبوحي لي بشيء.
يء 􀑧 ن ش 􀑧 روب م 􀑧 آنت تناقضين نفسك آل لحظة. تمزجين بين الجد والمزاح، وبين الحقيقة والكذب، في محاولة لله
ما..
آان آلامك آذباً أبيض أستمع إليه بفرشاتي، وألوّن جُملَه بألوان أآثر تناسباً مع آل ما أعرفه عنك.
تعودت أن أآسو ما تقولينه لي بالبنفسجي، بالأزرق.. والرمادي، بالقلق الذي يخيم على آل ما تقولينه.
ات 􀑧 ا التعليق 􀑧 ا أن 􀑧 ع عليه 􀑧 ى ورق، أض 􀑧 ة عل 􀑧 وم متتالي 􀑧 واراً لرس 􀑧 ا ح 􀑧 نع منه 􀑧 ي، وأص 􀑧 ه ل 􀑧 ا قلت 􀑧 يلة م 􀑧 ع حص 􀑧 تعودت أن أجم
المناسبة لحوار آخر وآلام لم نقله.
لعلني وقتها بدأت أآتشف تدريجياً تلك العلاقة الغامضة التي بدأت تربطك في ذاآرتي بذلك اللون الأبيض.
لم يكن آلامك وحده آذباً أبيض.
دأت دون 􀑧 اً ب 􀑧 ا أيض 􀑧 آنت امرأة تملك قدرة خارقة على استحضار ذلك اللون في آل أشكاله وأضداده. أو لعلني وقته
ة 􀑧 ة مجنون 􀑧 ي محاول 􀑧 ه، ف 􀑧 تغناء عن 􀑧 أن أدري وبحدس غامض أخرج هذا اللون نهائياً من ألوان لوحاتي، وأحاول الاس
لإلغائك.
وق 􀑧 فّ ف 􀑧 اء تج 􀑧 ة البيض 􀑧 ا الطفولي 􀑧 ا أثوابه 􀑧 و بينم 􀑧 ة تحب 􀑧 ه طفل 􀑧 ك في 􀑧 ذي رأيت 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 ذ ذل 􀑧 ك . من 􀑧 اً مع 􀑧 اً متو اطئ 􀑧 ان لون 􀑧 آ
خشبات منصوبة فوق آانون. غمزة مسبقة للقدر الذي آان يُهيّئُ لي معك على نارٍ باردة، أآثر من ثوب أبيض.
ي 􀑧 ل أن أنته 􀑧 ر قب 􀑧 ب أن أدمّ 􀑧 ياء يج 􀑧 ن الأش 􀑧 م م 􀑧 آان الأبيض لوناً مثلك يدخل في ترآيب آلّ الألوان وآل الأشياء. فك
منه! وآم من اللوحات سألغي إن أنا قاطعته!
آنت أحاول بكل الأشكال (والألوان.. ) أن أنتهي منك. ولكني آنت في الحقيقة أزداد تورّطاً في حبك.
اعترفت لك مرة على الهاتف.. في لحظة يأس:
- أتدرين.. حبك صحراء من الرمال المتحرآة، لم أعد أدري أين أقف فيها..
123
أجبتني بسخريتكِ الموجعة:
ر 􀑧 حبك أآث 􀑧 ال تس 􀑧 تجعل الرم 􀑧 الات، س 􀑧 ذه الح 􀑧 ي ه 􀑧 لاص ف 􀑧 ة للخ 􀑧 ل محاول 􀑧 رك . فك 􀑧 م ألا تتح 􀑧 - قف حيث أنت.. المه
ف لا 􀑧 ة .. آي 􀑧 ال المتحرآ 􀑧 ة الرم 􀑧 ي بالوع 􀑧 ع ف 􀑧 نحو العمق. إنها النصيحة التي يوجهها أهل الصحراء لكل من يق
تعرف هذا؟!
نحن 􀑧 ة، ف 􀑧 ون موجع 􀑧 دما تك 􀑧 ى عن 􀑧 يومها آان لا بد أن أحزن.. ولكنني ضحكت. ربما لأنني أحب سخريتك الذآية حت
قلما نلتقي بامرأة تعذّبنا بذآاء.
وربما لأنك آنتِ تزفّين لي احتمال موت آنت أراه جميلاً بقدر ما هو حتمي..
.«! الطير الحر ما ينحكمش، وإذا انحكم.. ما يتخبّطش » تذآّرت مثلاً شعبياً رائعاً، لم أآن قد تنبّهت له من قبل
طيادها، 􀑧 هل اص 􀑧 ي لا يس 􀑧 ور الت 􀑧 قور والنس 􀑧 لالة الص 􀑧 ى س 􀑧 وآنت أشعر آنذاك أنني ذلك الطائر المكابر الذي ينتسب إل
ع 􀑧 غير وق 􀑧 والتي عندما تُصطاد، تصبح شهامتها في أن تستسلم بكبرياء، دون أن تقاوم أو تتخبّط آما يفعل طائر ص
في فخّ.
عندما أجبتك يومها بذلك المثل الشعبي، صحتِ دهشة:
- ما أجمله.. لم أآن أعرفه!
أجبتك وسط تنهيدة:
ي 􀑧 ر ف 􀑧 ي تنتظ 􀑧 ة الت 􀑧 ور المدجّن 􀑧 ن للطي 􀑧 ه زم 􀑧 ور .. إن 􀑧 قور ولا للنس 􀑧 اً للص 􀑧 ذا زمن 􀑧 يس ه 􀑧 ال .. ل 􀑧 - لأنك لم تعرفي الرج
الحدائق العمومية!
ست سنوات مرّت على ذلك الحديث. وها أنا أذآره اليوم مصادفة، وأستعيد نصيحتك الأخيرة:
.«! قف حيث أنت ..المهم ألا تتحرك »
ي 􀑧 ا ف 􀑧 آيف صدّقت يومها أنك آنت تخافين عليّ من العواصف والزوابع.. والرمال المتحرآة. أنت التي أوقفتني هن
ين 􀑧 دم يّ.. وتحرّض 􀑧 ت ق 􀑧 ال تح 􀑧 واج الرم 􀑧 رآين أم 􀑧 ف وتح 􀑧 ولي العواص 􀑧 ين ح 􀑧 ت تنفخ 􀑧 نوات، ورح 􀑧 دة س 􀑧 مهب الجرح ع
القدر عليّ.
لم أتحرك أنا..
ظللت واقفاً بحماقة عند عتبات قلبك لسنوات عدة.
آنت اجهل أنك تبتلعينني بصمت، أنك تسحبين الأرض من تحت قدمي وأنني أنزلق نحو العمق.
آنت أجهل أن زوابعك ستعود آل مرة، وحتى بعد غيابك بسنوات لتغتالني.
واليوم.. وسط الأعاصير المتأخرة يأتي آتابك ليثير داخلي زوبعة من الأحاسيس المتطرّفة والمتناقضة معاً.
قلتِ.. « منعطف النسيان »
من أين يأتي النسيان..أسألك؟
***
124
مازلت أذآر ذلك اليوم من فبراير، عندما جاء صوت سي الشريف على الهاتف، ليدعوني إلى العشاء في منزله.
فوجئت بدعوته، ولم أسأله حتى عن مناسبتها. فهمت منه فقط أنه دعا آخرين للعشاء، وأننا لن نكون بمفردنا.
أعترف أنني آنت سعيداً ومرتبكاً بفرحي.
يّ أن أزوره 􀑧 ه عل 􀑧 رغم إلحاح 􀑧 د، ب 􀑧 بة العي 􀑧 دة بمناس 􀑧 رة واح 􀑧 وى م 􀑧 ه س 􀑧 خجلت من نفسي لأنني منذ لقائنا الأخير لم أطلب
ولو مرة في المكتب، لنأخذ قهوة معاً.
فجأة، أخذت قراراً ربما آان أحمق.
قررت أن آخذ إحدى لوحاتي لأهديها إياه.
ألم يهدني اليوم تلك الفرحة التي لم أعد أتوقعها؟
سأثبت له دون آلام، أن لوحاتي لا تتداول إلا بعملة القلب وليس بالعملات المشبوهة.
بعد ذلك وجدت لهذه الفكرة حسنة أخرى.
سأآون حاضراً في ذلك البيت الذي تسكنينه ولو معلّقاً على جدار.
في اليوم التالي، حملت لوحتي وذهبت إلى ذلك العشاء.
ى 􀑧 دى إل 􀑧 ن اهت 􀑧 ر م 􀑧 د أذآ 􀑧 م أع 􀑧 ي ل 􀑧 آان القلب يرآض بي، يسبقني في ذلك الحي الراقي بحثاً عن تلك البناية. حتى أنن
بيتك أولاً :عيناي.. أم قلبي.
ي 􀑧 ودين وجهت 􀑧 ا تق 􀑧 ت هن 􀑧 ك آن 􀑧 عد .. وأن 􀑧 ي المص 􀑧 دخل ..وف 􀑧 د الم 􀑧 ي عن 􀑧 ربص ب 􀑧 ان يت 􀑧 رك آ 􀑧 عندما دخلتها شعرت أن عط
بعطرك فقط.
استقبلني سي الشريف عند الباب. رحبّ بي بعناق حار، زادت حرارته رؤية تلك اللوحة الكبيرة التي آنت أحملها
بصعوبة.
ه : 􀑧 ول ل 􀑧 توقفته لأق 􀑧 ي اس 􀑧 ي، لكنن 􀑧 بدا لي في تلك اللحظة أنه لم يصدق تماماً أن تكون هدية له. تردد قبل أن يأخذها من
«.. هذه لوحة مني.. إنها هدية لك »
ي 􀑧 يئاً ف 􀑧 ح ش 􀑧 ن رب 􀑧 ول م 􀑧 ل، بفض 􀑧 ى عج 􀑧 لاف عل 􀑧 ا الغ 􀑧 زع عنه 􀑧 ادرة . وراح ين 􀑧 ة ن 􀑧 اً وغبط 􀑧 ه فرح 􀑧 ى وجه 􀑧 أة عل 􀑧 ت فج 􀑧 رأي
اليانصيب.
ثم صاح وهو يرى منظر تلك القنطرة معلّقة وسط الضباب إلى السماء:
- هذي قنطرة الجبال!
وقبل أن أقول شيئاً عانقني وقال وهو يربّت على آتفي:
- يعطيك الصحة.. تعيش آ حبيبي ..تعيش!
لم أتمالك نفسي من تقبيله بالحرارة نفسها، لأنه أهداني شيئاً ربما لم ينتبه لثمنه عندي.
ك 􀑧 و ذل 􀑧 ي نح 􀑧 ه ب 􀑧 رى . واتج 􀑧 د الأخ 􀑧 وحتي بالي 􀑧 ك ل 􀑧 د، ويمس 􀑧 ي بي 􀑧 ك ذراع 􀑧 و يمس 􀑧 الون وه 􀑧 رافقني سي الشريف إلى الص
دة، 􀑧 المجلس ليقدّمني إلى ضيوفه، آأنه يريد أن يشهد الجميع على امتنانه لي. أو ربما على علاقتنا وصداقتنا الوطي
التي آان شائعاً عني أنني لا أجود بها في هذا الزمن المبتذل.. إلا على القلّة.
125
لفظ أمامي عدة أسماء لعدة وجوه، صافحت أصحابها وأنا أتساءل من يكون معظمهم.
ا 􀑧 آم .« يئة 􀑧 ات الس 􀑧 النبت » ة ..أو 􀑧 ات الطفيلي 􀑧 مّيه النبت 􀑧 ا أس 􀑧 انوا م 􀑧 لم أآن أعرف منهم غير واحد أو اثنين، وأما البقية فك
أة 􀑧 ذورها فج 􀑧 دُّ ج 􀑧 ا تم 􀑧 ة، وإذا به 􀑧 ة ترب 􀑧 وض أو أي 􀑧 ي أي ح 􀑧 يء، ف 􀑧 ن اللاش 􀑧 و م 􀑧 ي تنم 􀑧 ة الت 􀑧 ك النبت 􀑧 يون تل 􀑧 مي الفرنس 􀑧 يس
وتضاعف أوراقها وفروعها، حتى تطغى وحدها ذات يوم على آل التربة.
م 􀑧 انو ا. فه 􀑧 ا آ 􀑧 ات أينم 􀑧 ن المخلوق 􀑧 لا أدري لماذا آنت دائماً أملك الحاسة القوية التي تجعلني أتعرّف على هذا النوع م
رط 􀑧 اء المف 􀑧 ف والري 􀑧 ذلك الزي 􀑧 حهم، ب 􀑧 ترآاً يفض 􀑧 راً مش 􀑧 ون مظه 􀑧 بهم يمتلك 􀑧 آتهم ومناص 􀑧 كالهم وهي 􀑧 تلاف أش 􀑧 ى اخ 􀑧 عل
ك 􀑧 ذي يوهم 􀑧 ديث ال 􀑧 ي الح 􀑧 ترك ف 􀑧 اموس المش 􀑧 ذلك الق 􀑧 ل .. وب 􀑧 ى عج 􀑧 وبمظاهر الغنى والوجاهة الحديثة التي لبسوها عل
أنهم أهم مما تتوقع.
م 􀑧 ذي يض 􀑧 ال « ي􀑧 الراق » س􀑧 ك المجل 􀑧 نظرة خاطفة واحدة، وبعض الجمل المتبادلة فقط، آانت آافية لأستنتج نوعية ذل
نخبة من وجهاء المهجر، الذين يحترفون الشعارات العلنية.. والصفقات السرية.
من الواضح أنني آنت في آوآب ليس آوآبي..
راح سي الشريف يطلع ضيوفه على تلك اللوحة بشيء من الفخر والمودة معاً..
والتفت إليّ ليقول لي:
- أتدري خالد.. لقد حققت لي اليوم أمنية عزيزة عليّ. آنت للذآرى أريد أن يكون في بيتي شيء لك. لا تنس
أتذآر ذلك الحيّ؟ ..« آوشة الزيات » أنك صديق طفولتي وابن حيّي
يء 􀑧 ا، ش 􀑧 ة وذاآرته 􀑧 آنت أحب سي الشريف. آان فيه شي من هيبة قسنطينة وحضورها، شيء من الجزائر العريق
من سي الطاهر، من صوته وطلّته..
وآان في أعماقه شيء نقيّ لم يلوّث بعد برغم آل شيء. ولكن حتى متى..
آنت أشعر أنه محاط بالذباب وبقذارة المرحلة. وآنت أخاف أن يتسلل إليه العفن حتى العمق ذات يوم.
أخاف عليه، وقد أخاف على ذلك الاسم الكبير الذي يحمله إرثاً من سي الطاهر من التدنيس.
ترى أآان شعوري ذلك حدساً، أم استنتاجاً منطقياً لذلك الواقع الموجع الذي آنت أراه محاطاً به؟
د أي 􀑧 ار وض 􀑧 ع أي تي 􀑧 بح .. م 􀑧 رة سيس 􀑧 ة بحي 􀑧 ي أي 􀑧 ار؟ ف 􀑧 فهل سينجو سي الشريف من هذه العدوى؟ وماذا عساه أن يخت
تيار.. ولا حياة للأسماك الصغيرة المعزولة في هذه المياه العكرة التي تحكمها أسماك القرش؟
آان الجواب أمامي ولم أنتبه في تلك السهرة، أنّ سي الشريف قد اختار بحيرته العكرة وانتهى الأمر.
قال جاري الأنيق خلف سيجاره الكوبي:
ي 􀑧 ر أنن 􀑧 ي لا أذآ 􀑧 اريعن ا.. ولكنن 􀑧 ض مش 􀑧 ي بع 􀑧 - لقد آنت دائماً معجباً برسومك.. وطلبت أن يتصلوا بك لتساهم ف
شاهدت لك أي لوحات عندنا.
ه 􀑧 ن نفس 􀑧 دث ع 􀑧 ي أن يتح 􀑧 ان يكف 􀑧 ن آ 􀑧 دثني . ولك 􀑧 ان يح 􀑧 اريع آ 􀑧 ة مش 􀑧 ن أي 􀑧 دثي .. ولا ع 􀑧 و مح 􀑧 ن ه 􀑧 ذاك م 􀑧 ن أدري آن 􀑧 م أآ 􀑧 ل
بصيغة الجمع، لأفهم أنه شخصية فوق العادة.
وآأن سي الشريف تنبّه إلى أنني أجهل هوية محدّثي فتدخل موضحاً:
126
- إن (سي..) مولع بالفن، وهو مشرف على مشاريع آبرى ستغيّر الوجه الثقافي للجزائر.
ثم أضاف وآأنه تنبّه إلى شيء:
ة 􀑧 ة والتجاري 􀑧 ات الثقافي 􀑧 ك المرآّب 􀑧 د تل 􀑧 رَ بع 􀑧 م ت 􀑧 ك ل 􀑧 حيح أن 􀑧 نوات.. ص 􀑧 دة س 􀑧 ذ ع 􀑧 ر من 􀑧 زر الجزائ 􀑧 م ت 􀑧 ك ل 􀑧 - ..ولكن
الجديدة.. لا بد أن تتعرف عليها..
ولم أجبه..
ك .. 􀑧 ن تل 􀑧 معته ع 􀑧 ا س 􀑧 ي بم 􀑧 ت لنفس 􀑧 ؤاً لا أدر ي. احتفظ 􀑧 اءً أو تواط 􀑧 يم، غب 􀑧 لّم الق 􀑧 ن س 􀑧 امي م 􀑧 دحرج أم 􀑧 ت أراه يت 􀑧 آن
ا 􀑧 اوب عليه 􀑧 فقات، وتن 􀑧 ولات والص 􀑧 ى العم 􀑧 راً عل 􀑧 راًً حج 􀑧 ت حج 􀑧 ة بُني 􀑧 الم وطني 􀑧 ن مع 􀑧 ا م 􀑧 ا جاوره 􀑧 ل م 􀑧 وآ « آت 􀑧 المنش »
السرّاق آباراً وصغاراً.. على مرأى من الشهداء الذين شاء لهم حظهم أن يكون مقامهم مقابلاً.. لتلك الخيانة.
اريعه 􀑧 ن مش 􀑧 ف ع 􀑧 ذي لا يتوق 􀑧 ه ال 􀑧 د اً.. وحديث 􀑧 ة ج 􀑧 ه الأنيق 􀑧 ها هو إذن (سي...) يبدو طيباً و رجلاً شبه بسيط، لولا بدلت
القريبة والبعيدة، التي تمر جميعها بباريس وبأسماء أجنبية مشبوهة، تبدو مخجلة في فم ضابط سابق.
ها هو إذن ..تراه ظاهرة ثقافية في عالم العسكر.. أم ظاهرة عسكرية في عالم الثقافة..
في أآثر من قيادة أرآان عربية! « رسمياً » أصبح رمزاً طبيعياً مذ شاع وباؤه « الزواج المنافي للطبيعة » أم أن
ة 􀑧 ن ا لعمل 􀑧 راً م 􀑧 ه نه 􀑧 ين يدي 􀑧 دفق ب 􀑧 آان الجميع يتملقونه، ويجاملونه، عساهم يلحسون شيئاً من ذلك العسل الذي آان يت
الصعبة، في زمن القحط والجفاف..
وآنت أتساءل طوال تلك السهرة، ماذا آنت أفعل وسط ذلك المجلس العجيب؟
ا 􀑧 ريف ذآرياتن 􀑧 ي الش 􀑧 ع س 􀑧 آنت أتوقع أن تكون تلك الدعوة، أو على الأقل موعداً نادراً لي مع الوطن، أستعيد فيه م
البعيدة.
ولكن الوطن آان غائباً من تلك السهرة. ناب عنه جرحه، ووجهه الجديد المشوّه.
ن 􀑧 ل م 􀑧 آانت سهرة في فرنسا.. نتحدث فيها بالفرنسية.. عن مشاريع سيتم معظمها عن طريق جهات أجنبية.. بتموي
الجزائر ..فهل حصلنا على استقلالنا حقاً؟!
ا 􀑧 باح ية.. وربم 􀑧 د ص 􀑧 ات ومواعي 􀑧 ه ارتباط 􀑧 اً ول 􀑧 ي ...) متعب 􀑧 ان (س 􀑧 ط آ 􀑧 ل . فق 􀑧 ف اللي 􀑧 دود منتص 􀑧 انتهت تلك السهرة في ح
ليلية أيضاً.
إن المال السريع الكسب، يعجّل في فتح شهيتنا لأآثر من ملذّات.
وآان يمكن أن أآون سعيداً ذلك المساء. لقد آنت في الواقع محطّ اهتمام الجميع لأسباب لم أشأ التعمق فيها..
ا، 􀑧 بل ربما آنت النجم الثاني في تلك السهرة مع (سي...) الذي فهمت أن الدعوة آانت على شرفه، وأنني دعيت له
لأنه آان يحب أن يكون محاطاً في سهراته بالفنانين دليلاً على ولعه بالإبداع.. وذوقه غير العسكري!
امين 􀑧 بعض الرس 􀑧 ه ل 􀑧 ة، وحب 􀑧 الات مختلف 􀑧 ي مج 􀑧 والواقع أنه آان لطيفاً ومجاملاً.. وأنه حدثني يومها عن آرائه الفنية ف
ة 􀑧 ي لوح 􀑧 ذ مع 􀑧 ت آخ 􀑧 ي إذا آن 􀑧 ة، وأنن 􀑧 ك اللوح 􀑧 ى تل 􀑧 ريف عل 􀑧 ي الش 􀑧 د س 􀑧 ه يحس 􀑧 اً، إن 􀑧 ال مازح 􀑧 الجزائريين بالذات. بل وق
حيث أذهب، فسيدعوني إلى بيته عند زيارتي للجزائر..
ضحكت من مزاحه.
127
ريري، 􀑧 ي س 􀑧 اء ف 􀑧 ك المس 􀑧 ي ذل 􀑧 رد بنفس 􀑧 ا أنف 􀑧 اء، وأن 􀑧 ة البك 􀑧 ولكنني آنت حزيناً بما فيه الكفاية بعد ذلك لأآون على حاف
وأتساءل أي حماقة أوصلتني إلى ذلك البيت؟
ان 􀑧 ذي آ 􀑧 ر ال 􀑧 ك المم 􀑧 ر ذل 􀑧 و يعب 􀑧 ك، وه 􀑧 بيت آنت أتوقعه بيتك، وإذا بي أدخله وأغادره دون أن ألمح حتى طرف ثوب
يفصلني.. عن عالمك.
في صباح اليوم التالي، دقّ الهاتف. توقعتك أنت، وآانت آاترين.. قالت:
- قبلات صباحية.. وأجمل الأماني لك..
وقبل أن أسأل عن المناسبة أضافت:
- ..اليوم عيد (السان فالنتان) القديس الذي يبارك العشاق.
فكّرت أن أطلبك بدل أن أبعث إليك بطاقة.. ماذا تريد أن أتمنى لك في عيد الحب؟
وأمام دهشتي.. أو تردّدي أضافت بلهجة ساخرة أحبها:
- اطلب أيها الأحمق.. فالدعوات تستجاب اليوم!
ضحكتُ..
آدت أقول لها أطلب شيئاً من النسيان فقط. ولكنني قلت شيئاً مشابهاً لذلك:
- أريد أن أحال إلى التقاعد العاطفي.. أيمكنك أن تبلّغي قديسك طلبي هذا!
قالت:
ذا 􀑧 ى ه 􀑧 ر إل 􀑧 دنا الأخي 􀑧 ك موع 􀑧 ل أتعب 􀑧 د .. ه 􀑧 ى الأب 􀑧 ه إل 􀑧 ن برآات 􀑧 ك م 􀑧 معك فيحرم 􀑧 ى ألا يس 􀑧 - يا لك من مجنون.. أتمن
الحد؟
يومها ضحكت مع آاترين. ثم وضعت تلك السماعة لأبكي معك.
آنت أآتشف لأول مرة ألم ذلك العيد الذي لم أآن سمعت به من قبل.
رته 􀑧 ذي حض 􀑧 د ال 􀑧 د المتعم 􀑧 ك الموع 􀑧 ارة، وذل 􀑧 ك الزي 􀑧 ى تل 􀑧 ى عل 􀑧 ة، أو حت 􀑧 ك اللوح 􀑧 لم يأتِ هاتفك حتى ليشكرني على تل
وتغيّبت عنه.
جاء عيد الحب إذن..
فيا عيدي وفجيعتي، وحبي وآراهيتي، ونسياني وذاآرتي، آلّ عيد وأنت آلّ هذا..
للحب عيدٌ إذن.. يحتفل به المحبّون والعشّاق، ويتبادلون فيه البطاقات والأشواق، فأين عيد النسيان سيّدتي؟
ين 􀑧 يس ب 􀑧 نة .. أل 􀑧 دار الس 􀑧 ى م 􀑧 د عل 􀑧 ديس جدي 􀑧 وم بق 􀑧 لّ ي 􀑧 ل آ 􀑧 د يحتف 􀑧 ي بل 􀑧 هم الذين أعدّوا لنا مسبقاً تقويماً بأعياد السنة، ف
قدّيسيهم الثلاثمائة والخمسة والستين.. قديس واحد يصلح للنسيان؟
رب 􀑧 يان يض 􀑧 د للنس 􀑧 اك عي 􀑧 ون هن 􀑧 اذا لا يك 􀑧 مادام الفراق هو الوجه الآخر للحب، والخيبة هي الوجه الآخر للعشق، لم
فّ 􀑧 ة .. ونك 􀑧 اني العاطفي 􀑧 ثّ الأغ 􀑧 فيه سُعاة البريد عن العمل، وتتوقف فيه الخطوط الهاتفية، وتُمنع فيه الإذاعات من ب
فيه عن آتابة شعر الحب!
128
ة 􀑧 رار آلم 􀑧 ن تك 􀑧 آم هو الحب عقيم، إنه لا يكف ع » : لحبيبته جوليات دروي يقول « فيكتور هوغو » منذ قرنين آتب
..« واحدة (أحبك) وآم هو خصب لا ينضب: هنالك ألف طريقة يمكنه أن يقول بها الكلمة نفسها
دعيني أدهشك في عيد الحب.. وأجرّب معك ألف طريقة لقول الكلمة الواحدة نفسها في الحب..
رّف 􀑧 رك، بتط 􀑧 اك وأذآ 􀑧 ف، وأنس 􀑧 ة الأل 􀑧 العواطف المتناقض 􀑧 قك ب 􀑧 ف، وأعش 􀑧 عّبة الأل 􀑧 رق المتش 􀑧 ك الط 􀑧 لك إلي 􀑧 ي أس 􀑧 دعين
النسيان والذاآرة.
وأخضع لك وأتبرأ منك، بتطرّف الحرية والعبودية.. بتناقض العشق والكراهية.
دعيني في عيد الحب.. أآرهك.. بشيء من الحبّ.
تراني بدأت أآرهك يومها؟
ومتى ولدت داخلي تلك العاطفة بالتحديد، وراحت تنمو بسرعة مدهشة، وأصبحت تجاور الحب بعنفه؟
وتر 􀑧 ك الت 􀑧 بب ذل 􀑧 ا، أم بس 􀑧 ذآرى لقائن 􀑧 روراً ب 􀑧 ا م 􀑧 ي أخلفته 􀑧 اد الت 􀑧 ك الأعي 􀑧 ل تل 􀑧 د آ 􀑧 ك، بع 􀑧 ررة مع 􀑧 اتي المتك 􀑧 ر خيب 􀑧 ترى إث
الغامض الذي آان يسكنني، ذلك الجوع الدائم إليك، الذي آان يجعلني لا أشتهي امرأة سواك.
هوته 􀑧 تِ ش 􀑧 رك . آن 􀑧 رى غي 􀑧 رأة أخ 􀑧 ه ام 􀑧 دّم ل 􀑧 ت أق 􀑧 اً آن 􀑧 دي . عبث 􀑧 ى جس 􀑧 ل عل 􀑧 ت أتحاي 􀑧 آنت أريدك أنت لا غير، وعبثاً آن
الفريدة.. ومطلبه الوحيد.
عيراتها 􀑧 طدم بش 􀑧 دي تص 􀑧 اترين. وإذا بي 􀑧 عر آ 􀑧 ى ش 􀑧 دي عل 􀑧 رر ي 􀑧 بّ أم 􀑧 ة ح 􀑧 ي لحظ 􀑧 ت ف 􀑧 دما آن 􀑧 ا، عن 􀑧 اً ربم 􀑧 ر إيلام 􀑧 الأآث
رش 􀑧 ن أن يف 􀑧 ان يمك 􀑧 ذي آ 􀑧 ك، ال 􀑧 ل الحال 􀑧 ري الطوي 􀑧 عرك الغج 􀑧 ذآر ش 􀑧 ا أت 􀑧 القصيرة الشقراء، فأفقد فجأة شهيّة حبّي وأن
بمفرده سريري.
دك . 􀑧 اريس جس 􀑧 ك وتض 􀑧 ذآرني بتعاريج 􀑧 طّحة ت 􀑧 تقيمة المس 􀑧 دها المس 􀑧 وط جس 􀑧 ك، وخط 􀑧 ذآّرني بامتلائ 􀑧 ا ي 􀑧 ان نحوله 􀑧 آ
ر 􀑧 ك العط 􀑧 ى، أن ذل 􀑧 ه الأول 􀑧 وآان عطرك يأتي بغيابه حتى حواسي ليلغي عطرها، ويذآّرني آطفلٍ يتصرف بحواس
لم يكن العطر السري لأمي!
آنت تتسللين إلى جسدي آلّ صباح وتطردينها من سريري.
يوقظني ألمك السري، وشهوتك المتراآمة في الجسد قنبلة موقوتة، ورغبة ليلية مؤجّلة يوماً بعد آخر.
هل تستيقظ الرجولة باآراً حقاً، أم الشوق هو الذي لا ينام؟
أجيبيني أيتها الأنثى التي تنام ملء جفونها آل ليلة..
أَوَحدهم الرجال لا ينامون؟
ي 􀑧 رى، وأنن 􀑧 رأة أخ 􀑧 ق ام 􀑧 ي عاش 􀑧 ا أنن 􀑧 رف له 􀑧 اد أعت 􀑧 اء، أآ 􀑧 ولماذا يرتبك الجسد، وأآاد أجهش على صدر غيرك بالبك
عاجز أمامها لأن رجولتي لم تعد ملكي، وإنما تتلقى أوامرها منك فقط!
متى بدأت أآرهك!
رير 􀑧 ك الس 􀑧 ترى في ذلك اليوم الذي لبست فيه آاترين ثيابها، مدّعية بمجاملة آاذبة موعداً ما لتترآني وحدي في ذل
الذي لم يعد يشبع نهمها.
129
ة 􀑧 ى لعب 􀑧 رفض حت 􀑧 ا، وت 􀑧 نكّس أعلامه 􀑧 اً أن ت 􀑧 ة أيض 􀑧 دث للرجول 􀑧 ه يح 􀑧 ابرة :أن 􀑧 ة مك 􀑧 يوم اآتشفت وأنا أذرف دمعة رجالي
المجاملة.. أو منطق الكبرياء الرجالي.. وأننا في النهاية لسنا أسياد أجسادنا آما نعتقد.
رعة .. 􀑧 ذه الس 􀑧 يومها تساءلت بشيء من السخرية المرة، إن آان ذلك القديس (السان فالنتان) قد استجاب لدعوتي به
وحوّلني حقاً إلى عاشق متقاعد!
وم 􀑧 ى ي 􀑧 ك حت 􀑧 م أب 􀑧 ذي ل 􀑧 ا ال 􀑧 اء .. أن 􀑧 اورة للبك 􀑧 أذآر أنني لعنتك.. وحقدت عليك آنذاك، وشعرت بشيء من المرارة المج
بترت ذراعي، آان يمكن أن أبكي يومها وأنت تسرقين منّي آخر ما أملك.
تسرقين رجولتي!
.«..؟ هل تحبينني » ذات يوم سألتك
قلتِ:
- لا أدري.. حبك يزيد وينقص آالإيمان!
يمكن أن أقول اليوم، إن حقدي عليك آان يزيد وينقص أيضاً آإيمانك..
يومها أضفتُ بسذاجة عاشق:
- وهل أنتِ مؤمنة؟
صحتِ:
- طبعاً.. أنا أمارس آل شعائر الإسلام ..وفرائضه
- وهل تصومين؟
- طبعاً أصوم.. إنها طريقتي في تحدّي هذه المدينة.. في التواصل مع الوطن.. ومع الذاآرة.
تعجّبت لكلامك. لا أدري لماذا لم أآن أتوقّعك هكذا. آان في مظهرك شيء ما يوهم بتحررك من آل الرواسب.
عندما أبديت لك دهشتي قلتِ:
- آيف تسمّي الدين رواسب، إنه قناعة؛ وهو آكل قناعاتنا قضية لا تخصّ سوانا..
ى 􀑧 ة إل 􀑧 ا الدائم 􀑧 ي خلوتن 􀑧 لا تصدق المظاهر أبداً في هذه القضايا. الإيمان آالحب عاطفة سرية نعيشها وحدنا ف
أنفسنا. إنها طمأنينتنا السرية، درعنا السرية.. وهروبنا السري إلى العمق لتجديد بطارياتنا عند الحاجة.
ل 􀑧 وا آ 􀑧 داخل ليعرض 􀑧 ن ال 􀑧 هم م 􀑧 وا أنفس 􀑧 د أفرغ 􀑧 أما الذين يبدو عليهم فائض من الإيمان، فهم غالباً ما يكونون ق
إيمانهم في الواجهة، لأسباب لا علاقة لها بالله!
ما آان أجمل آلامك يومها!
آان يأتي ليقلب ثنايا الذاآرة، ويوقظ داخلي صوت المآذن في صباحات قسنطينة.
ه 􀑧 ير نفس 􀑧 آان يأتي مع الصلوات، مع التراتيل، مع صوت (المؤدّب) في آتاتيب قسنطينة القديمة. فأعود إلى الحص
خها 􀑧 أجلس عليه بالارتباك الطفولي نفسه، أردّد مع أولاد آخرين تلك الآيات التي لم نكن نفهمها بعد، ولكننا آنّا ننس
دامنا 􀑧 ربص بأق 􀑧 ت تت 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 ا الطويل 􀑧 ك العص 􀑧 وتل .« ة􀑧 الفالاق » ن􀑧 اً م 􀑧 ان، خوف 􀑧 ا آ 􀑧 على ذلك اللوح ونحفظها آيف م
لتدميها عند أول غلطة.
130
آان يأتي ليصالحني مع الله، أنا الذي لم أصم من سنين.
ان .. 􀑧 ن الإيم 􀑧 غيرة م 􀑧 احة ص 􀑧 وم مس 􀑧 لّ ي 􀑧 ي آ 􀑧 رق منّ 􀑧 ي تس 􀑧 ة الت 􀑧 ذه المدين 􀑧 د ه 􀑧 آان يصالحني مع الوطن، ويحرّضني ض
ومن الذاآرة.
آنتِ يومها المرأة التي أيقظت ملائكتي وشياطيني في الوقت نفسه.
ثم راحت تتفرج عليّ بعدما حوّلتني إلى ساحة يتصارع الخير والشر فيها.. دون رحمة!
***
في ذلك العام.. آان النصر للملائكة.
.« العبادة درعنا السرية » قررت أن أصوم وقتها ربما بتأثير آلامك، وربما أيضا للهروب منك إلى الله. أما قلت
قلت سأحتمي من سهامك بالإيمان إذن..
رحت أحاول أن أنساك وأنسى قطيعتك.. وأنسى حتى وجودك معي في المدينة نفسها.
وع أن 􀑧 ى الج 􀑧 دي عل 􀑧 رويض جس 􀑧 اول بت 􀑧 ذهول ..أح 􀑧 ة وال 􀑧 ين الرهب 􀑧 ة . ب 􀑧 ة الديني 􀑧 ك الغيبوب 􀑧 ي تل 􀑧 يتها ف 􀑧 ام قض 􀑧 ن الأي 􀑧 آم م
أروّضه على الحرمان منك أيضاً.
آنت أريد أن أستعيد سلطتي على حواسي التي تسللت إليها، وأصبحت تتلقي أوامرها منك وحدك.
ي 􀑧 ه الت 􀑧 ه .. وقيم 􀑧 ه .. مبادئ 􀑧 ه .. حرمت 􀑧 ك .هيبت 􀑧 ى قبل 􀑧 ه الأول 􀑧 ا، مكانت 􀑧 اً أن 􀑧 ان يوم 􀑧 ذي آ 􀑧 ل ال 􀑧 ذلك الرج 􀑧 د ل 􀑧 د أن أعي 􀑧 ت أري 􀑧 آن
أعلنتِ عليها الحرب.
أعترف أنني نجحت في ذلك بعض الشيء ولكنني لم أنجح في نسيانك أبداً.
آنت أقع في فخّ آخر لحبك .وأنا أآتشف أنني آنت أثناء ذلك أعيش بتوقيتك لا غير.
آنت أجلس إلى طاولة الإفطار معك. وأصوم وأفطر معك.
أتسحّر وأمسك عن الأآل معك، أتناول نفس أطباقك الرمضانية، وأتسحّر بك.. لا غير.
لم أآن أفعل شيئاً سوى التوحّد معك في آلّ شي دون علمي.
آنت في النهاية آالوطن. آان آلّ شيء يؤدي إليك إذن..
مثله آان حبّك متواصلاً حتى بصدّه وبصمته.
مثله آان حبك حاضراً بإيمانه وبفكره.
فهل العبادة تواصل أيضاً؟
***
ك 􀑧 ت أمل 􀑧 انتهى رمضان. وها أنا أنزل من طوابق سموّي العابر، وأتدحرج فجأة نحو حزيران. ذلك الشهر الذي آن
أآثر من مبرر للتشاؤم منه.
ذي 􀑧 ران 71 ال 􀑧 ا حزي 􀑧 هر، آخره 􀑧 فقد آان في ذاآرتي ما عدا حزيران 67 ، ذآريات موجعة أخرى ارتبطت بهذا الش
قضيت بعضه في سجن للتحقيق والتأديب، يستضاف فيه بعض الذين لم يبتلعوا ألسنتهم بعد..
131
ات 􀑧 ع مئ 􀑧 نطينة م 􀑧 أما أول ذآرى مؤلمة ارتبطت بهذا الشهر فكانت تعود إلى سجن (الكدية) الذي دخلته يوماً في قس
المساجين إثر مظاهرات ماي 1945 حيث تمّت محاآمتنا في بداية حزيران أمام محكمة عسكرية.
أيّ حزيران آان الأآثر ظلماً، وأية تجربة آانت الأآثر ألماً؟
أصبحت أتحاشى طرح هذه الأسئلة، منذ اليوم الذي أوصلتني أجوبتي إلى جمع حقائبي ومغادرة الوطن.
ذي 􀑧 اجينه، وال 􀑧 حة لمس 􀑧 ة واض 􀑧 جنه؛ ولا تهم 􀑧 الوطن الذي أصبح سجناً لا عنوان معروفاً لزنزانته؛ لا اسم رسمياً لس
ي 􀑧 يس ف 􀑧 رف ل 􀑧 اً. ش 􀑧 ة أيض 􀑧 ة مجهول 􀑧 ى وجه 􀑧 أصبحت أُقاد إليه فجراً، معصوب العينين محاطاً بمجهولين، يقودانني إل
متناول حتى آبار المجرمين عندنا.
ي 􀑧 ذا، يجرّدن 􀑧 ب آه 􀑧 هل توقعت يوم آنت شاباً بحماسه وعنفوانه وتطرف أحلامه أنه سيأتي بعد ربع قرن، يوم عجي
ا 􀑧 ة أدخله 􀑧 رة ) زنزان 􀑧 ذه الم 􀑧 فيه جزائري مثلي من ثيابي.. وحتى من ساعتي وأشيائي، ليزجّ بي في زنزانة (فردية ه
باسم الثورة هذه المرّة..
الثورة التي سبق أن جرّدتني من ذراعي!
رّ 􀑧 ى م 􀑧 عادتي عل 􀑧 ن س 􀑧 ر م 􀑧 م الكثي 􀑧 ذي قض 􀑧 هر ال 􀑧 ك الش 􀑧 ن ذل 􀑧 ر م 􀑧 ي أتطيّ 􀑧 ت تجعلن 􀑧 رى آان 􀑧 ن ذآ 􀑧 ر م 􀑧 بب وأآث 􀑧 أآثر من س
السنوات.
هر 􀑧 ي ش 􀑧 ي ف 􀑧 ت ب 􀑧 ي حلّ 􀑧 ة الت 􀑧 ائع المذهل 􀑧 ك الفج 􀑧 ل تل 􀑧 اؤمي بك 􀑧 تراني في ذلك العام تحرّشت بالقدر أآثر، ليردّ على تش
واحد؟
ي 􀑧 عرة .. وآ 􀑧 ا ش 􀑧 ي تيجبه 􀑧 ي تجِ 􀑧 آ» دة 􀑧 ة واح 􀑧 وى دفع 􀑧 أتي س 􀑧 ي لا ت 􀑧 وارث الت 􀑧 ائع والك 􀑧 انون الفج 􀑧 أم فقط، آان ذلك هو ق
.« تروح تقطّع السلاسل
آانت تلك عبثيّة الحياة، التي يكفي لمصادفة رفيعة آشعرة أن تأتيك بالسعادة والحب والحظّ الذي لم تكن تتوقّعه.
وى 􀑧 ا أق 􀑧 ولكن.. عندما تنقطع تلك الشعرة الرفيعة، فهي تكسر معها آلّ السلاسل التي آنت مشدوداً إليها، معتقداً أنه
من أن تكسرها شعرة!
دما 􀑧 ي عن 􀑧 عرة الت 􀑧 ة آش 􀑧 ادفة الرفيع 􀑧 ك المص 􀑧 ان تل 􀑧 يان، آ 􀑧 ن النس 􀑧 رن م 􀑧 قبلها لم أنتبه إلى أن لقاءك ذات يوم، بعد ربع ق
جاد 􀑧 ي س 􀑧 ن تحت 􀑧 حبت م 􀑧 لام، وس 􀑧 ل الأح 􀑧 ل سلا س 􀑧 ت آ 􀑧 ت قطع 􀑧 دما رحل 􀑧 ه، وعن 􀑧 الم بأآمل 􀑧 عادة الع 􀑧 ا س 􀑧 رت معه 􀑧 جاءت ج
الأمان.
دما 􀑧 يّ، بع 􀑧 قف عل 􀑧 دّ الس 􀑧 ي، وته 􀑧 دة بيت 􀑧 ر أعم 􀑧 ر آخ 􀑧 وم لتكس 􀑧 ود الي 􀑧 نوات، تع 􀑧 تّ س 􀑧 د س 􀑧 ي ذي وبع 􀑧 تلك الشعرة التي ها ه
د 􀑧 يء واح 􀑧 ق ش 􀑧 اعتقدت أنني في حزيران 82 دفعت ما يكفي من الضريبة لينساني القدر بعض الوقت، بعدما لم يب
قائم في حياتي، يمكن أن أخاف عليه من السقوط..
آنت أجهل حين ذاك المادة الأولى في قانون الحياة:
.« إن مصير الإنسان إنما هو خلاصة تسلسلات حمقاء.. لا غير »
***
132
رّة 􀑧 ة م 􀑧 ة القومي 􀑧 ات الذاتي 􀑧 ين الخيب 􀑧 ع ب 􀑧 آان لبداية صيف 82 طعم المرارة الغامضة، ومذاق اليأس القاتل، عندما يجم
واحدة.
وآنت أعيش بين خبريْن: خبر صمتك المتواصل، وخبر الفجائع العربية.
يف، 􀑧 ك الص 􀑧 ي ذل 􀑧 روت ف 􀑧 اجئ لبي 􀑧 رائيل المف 􀑧 اح إس 􀑧 اء اجتي 􀑧 د ج 􀑧 آان قدري يتربّص بي هذه المرة من طريق آخر. فق
ي 􀑧 زل ب 􀑧 وإقامتها في عاصمة عربية لعدة أسابيع.. على مرأى من أآثر من حاآم.. وأآثر من مليون عربي.. جاء ين
عدّة طوابق في سلّم اليأس.
ر اً 􀑧 اوي منتح 􀑧 ل ح 􀑧 اني خلي 􀑧 اعر اللبن 􀑧 ات الش 􀑧 د م 􀑧 ار . فق 􀑧 ة الأخب 􀑧 أذآر أن خبراً صغيراً انفرد بي وقتها وغطّى على بقي
ع 􀑧 واءه م 􀑧 م ه 􀑧 ض أن يتقاس 􀑧 بطلقات ناريّة، احتجاجاً على اجتياح إسرائيل للجنوب الذي آان جنوبه وحده، والذي رف
إسرائيل..
آان لموت ذلك الرجل الذي لم أآن قد سمعت به من قبل، ألم مميّز فريد المرارة.
ق 􀑧 د أطل 􀑧 ون ق 􀑧 دها يك 􀑧 ده .. عن 􀑧 وى جس 􀑧 ه س 􀑧 ب علي 􀑧 اً يكت 􀑧 د ورق 􀑧 ه ..ولا يج 􀑧 وى موت 􀑧 ه س 􀑧 فعندما لا يجد شاعر شيئاً يحتجّ ب
النار أيضاً علينا.
ذهب قلبي طوال تلك الأيام عند زياد..
ات 􀑧 ذي م 􀑧 ال « ميشيما » آان وقتها مولعاً بالروائي الياباني .« الشعراء فراشات تموت في الصيف »: آان قديماً يقول
منتحراً أيضاً بطريقة أخرى احتجاجاً على خيبة أخرى..
رد 􀑧 ا بس 􀑧 دافع عنه 􀑧 أم أنها فكرة مسبقة مادام ي ،« الموت في الصيف » : تراه قالها يومها من وحي أحد عناوين ميشيما
قائمة بأسماء الشعراء الذين اختاروا هذا الموسم ليرحلوا؟
يّ. 􀑧 آنت أستمع إليه آنذاك، وأحاول أن أقابل نظرته التشاؤمية للصيف بشيء من السخرية، خشية أن ينقل عدواه إل
.«! يمكنني أن أسرد عليك أيضاً عشرات الأسماء لشعراء لم يموتوا في الصيف » : فأقول له مازحاً
عراء .. 􀑧 اد الش 􀑧 ا لعن 􀑧 ي» : ه􀑧 ك إلا أن أجيب 􀑧 لا أمل 􀑧 ف «! يفي نْ 􀑧 ين ص 􀑧 ون ب 􀑧 ن يموت 􀑧 اً م 􀑧 اك أيض 􀑧 اً.. هن 􀑧 طبع » : ر دّ 􀑧 حك وي 􀑧 فيض
.«! وحماقتهم
عاد زياد إلى الذاآرة. ورحت أتساءل فجأة أين يمكن أن يكون في هذه الأيام؟
في أية مدينة ..في أية جبهة.. في أي شارع، وآل الشوارع مطوقة، وآل المدن مقابر جاهزة للموت؟
ة 􀑧 منذ رحل لم تصلني منه سوى رسالة واحدة قصيرة، يشكرني فيها على ضيافتي. آان ذلك منذ رحيله.. منذ ثماني
أشهر. فماذا تراه أصبح منذ ذلك الحين؟
وت 􀑧 ه الم 􀑧 لم أآن قلقاً عليه حتى الآن. فقد عاش دائماً وسط المعارك والكمائن، والقصف العشوائي. آان رجلاً يخاف
أو يحترمه، فلم يشأ أن يأخذه بالجملة.
ك 􀑧 وت ذل 􀑧 يف .. وم 􀑧 ن الص 􀑧 ه ع 􀑧 ذآّر آلام 􀑧 ا أت 􀑧 وبرغم ذلك آانت عاطفة غامضة ما توقظ مخاوفي. ورحت أتشاءم وأن
الشاعر منتحراً.
133
الين 􀑧 ان الب 􀑧 ماذا لو آان الشعراء يقلّدون بعضهم في الموت أيضاً؟ ماذا لو لم يكونوا فراشات فقط؟ لو آانوا مثل حيت
الضخمة يحبّون الموت جماعياً في المواسم نفسها.. على الشطآن ذاتها؟
.« الصيف الخطر » لقد انتحر (همنغواي) أيضاً صيف 1961 تارآاً خلفه مسودّة روايته الأخيرة
فأية علاقة بين الصيف وبين آلّ هؤلاء الروائيين والشعراء الذين لم يتلاقوا؟
ك 􀑧 يف تل 􀑧 ك الص 􀑧 ي ذل 􀑧 ي ف 􀑧 داه، فيعطين 􀑧 در أو أتح 􀑧 ا الق 􀑧 تدرج به 􀑧 أنني أس 􀑧 رة، وآ 􀑧 ك الفك 􀑧 ي تل 􀑧 آان لا بد ألا أتعمّق آثيراً ف
الصفعة التي لم أنهض منها بعد، برغم مرور السنوات.
***
مات زياد..
وّر 􀑧 زمن . يتك 􀑧 ف ال 􀑧 ب .. فيتوقّ 􀑧 ى القل 􀑧 م إل 􀑧 ين .. ث 􀑧 ى الع 􀑧 دة إل 􀑧 ي جري 􀑧 غير ف 􀑧 ع ص 􀑧 ن مرب 􀑧 وها هو خبر نعيه يقفز مصادفة م
النبأ غصّة في حلقي، فلا أصرخ.. ولا أبكي.
أُصاب بشلل الذهول فقط، وصاعقة الفجيعة.
آيف حدث هذا؟. وآيف لم أتوقع موته ونظراته الأخيرة لي آانت تحمل أآثر من وداع؟
مازالت حقيبته هنا، في خزانة غرفتي تفاجئني عدة مرات في اليوم وأنا أبحث عن أشيائي.
ودة 􀑧 ي الع 􀑧 ر ف 􀑧 ان يفك 􀑧 رة، أم آ 􀑧 ه الأخي 􀑧 زاد لرحلت 􀑧 ن ال 􀑧 لقد عاد هناك دون أمتعة. أآان يعرف أنه لن يحتاج إلى آثير م
ليستقرّ هنا ويعيش إلى جوارك آما آنت أتوهم تحت تأثير غيرتي؟
ه . 􀑧 وس إلي 􀑧 ى الجل 􀑧 بحت أتحاش 􀑧 رة . وأص 􀑧 ام الأخي 􀑧 ي الأي 􀑧 ا ف 􀑧 مت بينن 􀑧 كن الص 􀑧 د س 􀑧 ر . لق 􀑧 راره الأخي 􀑧 ن ق 􀑧 ا ع 􀑧 لم أسأله يومه
وآأنني أخاف أن يعترف لي بأمر أخشاه أو بقرار أتوقعه.
ة 􀑧 ام الحقيب 􀑧 ذه الأي 􀑧 رك ه 􀑧 ك أن أت 􀑧 ألا يزعج » : ط􀑧 ذراً ف ق 􀑧 ي معت 􀑧 لم يقل شيئاً وهو يسافر محمّلاً بحقيبة يد صغيرة. قال ل
ى 􀑧 ار إل 􀑧 ن مط 􀑧 رى م 􀑧 رة أخ 􀑧 عندك.. أنت تدري أن مضايقات المطارات آثيرة هذه الأيام، ولا أريد أن أنقل أشيائي م
«.. آخر
.«! خاصةً أن لا شيء ينتظرني في المطار الأخير » : ثم أضاف بما يشبه السخرية
لم يخطئ حدسه إذن.. لم يكن في انتظاره سوى رصاصة الموت.
«.. لنا في آل وطن مقبرة.. على يد الجميع متنا ..باسم آل الثورات وباسم آلّ الكتب » : مازلت أذآر قوله مرة
ولم تقتله قناعاته هذه المرة.. قتلته هويته فقط!
نخب ضحكته سكرت ذلك المساء.
نخب حزنه المكابر أيضاً.. ذلك الذي لا يعادله حزن.
نخب رحيله الجميل.. نخب رحيله الأخير.
بكيته ذلك المساء..
ذلك البكاء الموجع المكابر الذي نسرقه سراً من رجولتنا.
وتساءلت أي رجل فيه آنت أبكي الأآثر.
134
ولِمَ البكاء؟
لقد مات شاعراً آما أراد.. ذات صيف آما أراد. مقاتلاً في معرآة ما آما أراد أيضاً.
لقد هزمني حتى بموته.
ه 􀑧 ه موت 􀑧 ور في 􀑧 يلم يتص 􀑧 الذي آتب يوماً سيناريو ف « جان آوآتو » تذآّرت وقتها تلك المقولة الرائعة للشاعر والرسام
ان 􀑧 ي آ 􀑧 ة الت 􀑧 خرية الموجع 􀑧 مسبقاً، فتوجه إلى بيكاسو وإلى أصدقائه القلائل الذين وقفوا يبكونه، ليقول لهم بتلك الس
يتقنها:
.«! لا تبكوا هكذا.. تظاهروا فقط بالبكاء.. فالشعراء لا يموتون. إنهم يتظاهرون بالموت فقط »
يف 􀑧 ي الص 􀑧 اً ف 􀑧 ون حق 􀑧 عراء يموت 􀑧 ي أن الش 􀑧 اد .. ليقنعن 􀑧 ن عن 􀑧 ك ع 􀑧 ل ذل 􀑧 و فع 􀑧 ط؟ ل 􀑧 الموت فق 􀑧 وماذا لو آان زياد يتظاهر ب
ويبعثون في آل الفصول؟
وأنتِ..
تراك تدرين؟ هل أتاك خبر موته؟ أم سيأتيك ذات يوم وسط قصة أخرى وأبطال آخرين؟
ودت 􀑧 ا تع 􀑧 اب، آم 􀑧 ي آت 􀑧 ين دفّت 􀑧 ه ب 􀑧 ات، وتدفني 􀑧 وماذا ستفعلين يومها؟ أستبكينه.. أم تجلسين لتبني له ضريحاً من الكلم
أن تدفني على عجل آلّ من أحببت وقررت قتلهم يوماً؟
هو الذي آان يكره الرثاء، آراهيته لربطات العنق والبدلات الفاخرة، بأية لغة سترثينه؟
في الواقع.. لقد هزمك زياد آما هزمني.
وضعك أمام الحد الفاصل بين لعبة الموت.. والموت. فليس آل الأبطال قابلين للموت على الورق.
هنالك من يختارون موتهم وحدهم.. ولا يمكننا قتلهم لمجرد رواية.
وآان يكذب.. آبطل جاهز لرواية.
ت 􀑧 آان يكابر ويدّعي أن فلسطين وحدها أمّه. ويعترف أحياناً فقط بعد أآثر من آأس، أن لا قبر لأمه، تلك التي دفن
في مقابر جماعية لمذبحة أولى آان اسمها (تلّ الزعتر).
وإنهم أخذوا صوراً تذآارية، ورفعوا علامات النصر ووقفوا بأحذيتهم على جثث.. قد تكون بينها جثّتها.
ولحظتها فقط آان يبدو لي أنه يبكي.
فَلِمَ البكاء زياد؟
لا 􀑧 ياء . ف 􀑧 ق الأش 􀑧 ك منط 􀑧 ل بموت 􀑧 ت ذا تواص 􀑧 ا أن 􀑧 في آل معرآة آانت لك جثّة. في آلّ مذبحة ترآت قبراً مجهولاً. وه
شي آان في انتظارك غير قطار الموت.
هنالك من أخذ قطار تلّ الزعتر، وهنالك من أخذ قطار (بيروت 82 ) أو قطار صبرا وشاتيلا..
وهناك من هنا أو هناك، مازال ينتظر رحلته الأخيرة، في مخيّم أو في بقايا بيت، أو في بلد عربي ما..
وبين آلّ قطار وقطار.. قطار.
بين آلّ موت وموت.. موت.
فما أسعد الذين أخذوا القطار صديقي. ما أسعدهم وما أتعسنا أمام آلّ نشرة أخبار!
135
ى 􀑧 ام عل 􀑧 لّ نظ 􀑧 ا آ 􀑧 ة يحترفه 􀑧 اهرة عربي 􀑧 بحت ظ 􀑧 أص. « ة􀑧 رحلات الجماعي 􀑧 ال » و « فريات 􀑧 الات الس 􀑧 وآ » رت 􀑧 دهم آث 􀑧 بع
طريقته..
ذه .. 􀑧 بعدهم أصبح الوطن مجرد محطة. وأصبحت في أعماق آلّ منّا سكّة حديدية تنتظر قطاراً ما.. يحزننا أن نأخ
ويحزننا أن يسافر دوننا.
رحل زياد إذن..
اثي 􀑧 بح أث 􀑧 ت، وتص 􀑧 اث البي 􀑧 ل أث 􀑧 وإذا بحقيبته السوداء المنسيّة في رآن خزانته، منذ عدة شهور، تغطّي فجأة على آ
الوحيد، حتى أنني لا أرى غيرها.
ا 􀑧 رب منه 􀑧 ي أه 􀑧 عر أنن 􀑧 ي، أش 􀑧 رك بيت 􀑧 دما أت 􀑧 ه . عن 􀑧 د مع 􀑧 ى موع 􀑧 ي عل 􀑧 ي وأنن 􀑧 ا تنتظرن 􀑧 عندما أعود إلى البيت. أشعر أنه
وأنها آانت بلغزها جاثمة على صدري، دون أن أدري.
ن 􀑧 داً لأدخ 􀑧 س وحي 􀑧 ون، وأجل 􀑧 از التلفزي 􀑧 ئ جه 􀑧 دم ا أطف 􀑧 اء، عن 􀑧 ل مس 􀑧 ي آ 􀑧 ربص ب 􀑧 ي تت 􀑧 ا وه 􀑧 روب منه 􀑧 ف اله 􀑧 ن آي 􀑧 ولك
سيجارة قبل النوم فيبدأ العذاب..
وأعود إلى السؤال نفسه: ماذا داخل هذه الحقيبة.. وماذا أفعل بها؟
ذاآرة 􀑧 ى ال 􀑧 أ) إل 􀑧 ود (أمّ 􀑧 ة . فتع 􀑧 اتهم الخاص 􀑧 ث لاً وحاج 􀑧 ابهم م 􀑧 وتى . بثي 􀑧 ياء الم 􀑧 أحاول أن أتذآّر ماذا يفعل الناس عادة بأش
ومعها تلك الأيام المؤلمة التي سبقت وتلت وفاتها.
د 􀑧 يّ. فق 􀑧 ا إل 􀑧 ب أثوابه 􀑧 ت أح 􀑧 ا آان 􀑧 ا، ولكنه 􀑧 ل أثوابه 􀑧 أتذآّر ثيابها وأشياءها، أتذآر (آندورتها) العنابي التي لم تكن أجم
تعودت أن أراها تلبسها في آل المناسبات.
يء 􀑧 ا، وش 􀑧 ن عرقه 􀑧 آانت الثوب الذي يحمل الأآثر عطرها ورائحتها المميزة، رائحة فيها شيء من العنبر، شيء م
شبيه بالياسمين المعتّق. مزيج من عطور طبيعية بدائية، آنت أستنشق معها الأمومة.
رى 􀑧 ياء أخ 􀑧 ع أش 􀑧 ت م 􀑧 ا أعطي 􀑧 تغراب إنه 􀑧 ن الاس 􀑧 يء م 􀑧 ي بش 􀑧 ل ل 􀑧 ا) فقي 􀑧 اة (أمّ 􀑧 سألت عن تلك (الكندورة) بعد أيام من وف
للنساء الفقيرات، اللاتي حضرن لإعداد الطعام في ذلك اليوم.
ل 􀑧 ت قب 􀑧 ن البي 􀑧 رج م 􀑧 ب أن تخ 􀑧 ت يج 􀑧 إن أشياء المي » : ولكن خالتي الكبرى قالت «.. إنها لي.. آنت أريدها » : صرخت
.« خروجه منه.. ما عدا بعض الأشياء الثمينة التي يحتفظ بها للذآرى أو للبرآة
ومقياس (أمّا) ..ذلك السوار الذي لم يفارق معصمها يوماً وآأنها ولدت به، ماذا تراهم فعلوا به؟
لم أجرؤ على السؤال.
ا 􀑧 ا) وغيابه 􀑧 اة (أمّ 􀑧 وى وف 􀑧 ه س 􀑧 دث حول 􀑧 ا يح 􀑧 يئاً مم 􀑧 ي ش 􀑧 ر، لا يع 􀑧 نوات العش 􀑧 اوز الس 􀑧 ن يتج 􀑧 آان أخي حسّان الذي لم يك
النهائي.
وآنت محاطاً بحشد من النساء اللاتي آن يقرّرن آل شيء. آأن ذلك البيت أصبح فجأة لهن:
ة 􀑧 ع بقي 􀑧 ي م 􀑧 ه أب 􀑧 تحوذ علي 􀑧 ا اس 􀑧 الات، أو ربم 􀑧 أين (مقياس) أمّا؟ من الأرجح أن يكون قد أصبح من نصيب إحدى الخ
صيغتها ليقدّمها هدية لعروسه الجديدة.
آلما عدت إلى هذه الذآرى وتفاصيلها، ازدادت علاقتي بهذه الحقيبة تعقيداً.
136
ة 􀑧 ل بحقيب 􀑧 اذا أفع 􀑧 ات .فم 􀑧 ة والمخلف 􀑧 رين للترآ 􀑧 فقد آان لبعض الأشياء على بساطتها، قيمة لا علاقة لها بمقاييس الآخ
ترآها صاحبها منذ ثمانية أشهر دون أية وصية أو توضيح خاص ..ومات؟
ا لا 􀑧 هل أتصدق بها على الفقراء، مادامت أشياء الموتى يجب أن تلحق بهم، أم أحتفظ بها آذآرى من صديق مادمن
نحتفظ إلا بالأشياء الثمينة؟
أهي عبءٌ ..أم أمانة؟
وإذا آانت عبئاً.. لماذا أخذتها منه دون مناقشة، لماذا لم أقنعه بحملها معه، بحجة أنني قد أترك باريس مثلاً؟
ة 􀑧 وإذا آانت أمانة.. ألم تتحول بموت صاحبها إلى وصية. فهل نتصدّق بوصايا الشهداء.. هل نضعها عند بابنا هدي
لأول عابر سبيل؟
ده 􀑧 ا وح 􀑧 وآنت أدري خلال تلك الأيام التي عشتها مسكوناً بهاجس تلك الحقيبة أنني أرهق نفسي هباءً، وأن محتواه
ن 􀑧 م أآ 􀑧 ذي ل 􀑧 ا ال 􀑧 أة، أن 􀑧 ا فج 􀑧 دأت أخافه 􀑧 ذا ب 􀑧 ا. ول 􀑧 ه به 􀑧 ن أن أفعل 􀑧 ا يمك 􀑧 الي م 􀑧 دد بالت 􀑧 فتها، ويح 􀑧 ا وص 􀑧 د د قيمته 􀑧 ن أن يح 􀑧 يمك
أعيرها اهتماماً من قبل.
ي 􀑧 ل ل 􀑧 اف أن تحم 􀑧 ت أخ 􀑧 ة، آن 􀑧 ي الحقيق 􀑧 ي ف 􀑧 ك، أم أنن 􀑧 ابع المرب 􀑧 ك الط 􀑧 ا ذل 􀑧 ترى أآان موت زياد هو الذي أضفى عليه
سرّك، تحمل شيئا عنك آنت أخاف أن أعرفه؟
***
آان لا بد أن أفتح تلك الحقيبة.. لأغلق أبواب الشكّ.
أخذت ذلك القرار ذات ليلة سبت، بعد مرور أسبوع على قراءتي خبر استشهاد زياد.
ل 􀑧 اك، ليتكفّ 􀑧 دهم هن 􀑧 لّمها لأح 􀑧 ة وأس 􀑧 ر المنظم 􀑧 ى مق 􀑧 ذها إل 􀑧 أن آخ 􀑧 ة، آ 􀑧 ن الحماق 􀑧 و م 􀑧 ط، لا يخل 􀑧 آان هناك احتمال آخر فق
بإرسالها إلى أقرباء زياد في لبنان أو في مكان آخر..
د 􀑧 ؤلاء .. وعن 􀑧 ولكنني عدلت عن هذه الفكرة الساذجة وأنا أتذآّر أنه لم يعد لزياد من أهل في لبنان. فلمن سيسلّمها ه
أية قبيلة وأية فصيلة سينتهي مصيرها؟
ث 􀑧 ه الوري 􀑧 طينية، وأن 􀑧 ية الفلس 􀑧 أبوّة القض 􀑧 ده ب 􀑧 رد وح 􀑧 ه ينف 􀑧 د أن 􀑧 يعتق « و􀑧 أب » ن􀑧 ر م 􀑧 ك أآث 􀑧 وهنال ..« ا􀑧 أبوه » يكون 􀑧 ن س 􀑧 م
الشرعي الوحيد للشهداء.. وأن الآخرين خونة؟
ومن أدراني على يد من مات زياد؟
اي ا.. 􀑧 ى قض 􀑧 إل « ية 􀑧 القض » وا 􀑧 د حوّل 􀑧 لق » : ول 􀑧 أم على يد المجرمين الأعداء؟ أما آان يق ..« الإخوة » على يد المجرمين
«.. حتى يمكنهم قتلنا تحت تسمية أخرى غير الجريمة
فبأية رصاصة مات زياد.. وخيرة الشباب الفلسطيني قتل برصاص فلسطيني.. أو عربي لا غير؟
في ذلك المساء ..ارتجفت يدي وأنا أفك أقفال تلك الحقيبة.
شيء ما جعلني أتذآّر أنني أملك يداّ واحدة.
اب 􀑧 د الب 􀑧 رك أح 􀑧 ا يت 􀑧 ة آم 􀑧 به مفتوح 􀑧 ي ش 􀑧 ا ل 􀑧 د أن يترآه 􀑧 ه تعمّ 􀑧 ة. وآأن 􀑧 ال جانبي 􀑧 اح ولا بأقف 􀑧 ة بمفت 􀑧 ة مغلق 􀑧 ن الحقيب 􀑧 م تك 􀑧 ل
موارباً، في دعوة صامتة للدخول.
137
اد 􀑧 ي زي 􀑧 ه ل 􀑧 ذي منح 􀑧 ه، ال 􀑧 ن أوان 􀑧 أخر ع 􀑧 ابق أو المت 􀑧 ذا الإذن الس 􀑧 وله ،« ة􀑧 الالتفات » ذه 􀑧 اح له 􀑧 ن الارتي 􀑧 يء م 􀑧 عرت بش 􀑧 ش
لدخول عالمه الخاص دون إحراج..
تراه فعل ذلك لأنه آان يكره الأقفال المخلوعة، والأبواب المفتوحة عنوة آراهيته للمخبرين ولأقدام العسكر؟
أم لأنه آان يتوقّع يوماً آهذا؟
آل هذه الافتراضات لم تمنع قشعريرة من أن تسري في جسدي، وفكرة أخرى تعبرني..
ذ 􀑧 ا من 􀑧 اني أن أفتحه 􀑧 ان بإمك 􀑧 لقد آان يعرف مسبقاً أنه ذاهب إلى الموت. وهذه الحقيبة آانت معدّة لي منذ البداية. وآ
عدة شهور. فهي لم تعد موجودة بالنسبة إليه منذ أن غادر هذا البيت.
إنها طريقته في قطع جذور الذاآرة.. آالعادة.
رفعت النصف الفوقي للحقيبة، بعد أن وضعتها على طرف السرير.. وألقيت نظرة أولى على ما فيها.
دي 􀑧 ه الجل 􀑧 ة، وجاآيت 􀑧 وفية الرمادي 􀑧 ه الص 􀑧 س آنزت 􀑧 امي، ألم 􀑧 ه أم 􀑧 وإذا بالموت والحياة يهجمان عليّ معاً، وأنا أرى ثياب
الأسود الذي تعوّدت أن أراه به..
ها 􀑧 القوة نفس 􀑧 اً وب 􀑧 ان مع 􀑧 وت تنبعث 􀑧 ها أنا أملك حجة حضوره، وحجة موته.. وحجة حياته. وها هي رائحة الحياة والم
من ثنايا تلك الحقيبة.
ها أنا معه ودونه.. أمام بقاياه.
ثياب.. ثياب.. أغلفه خارجية لكتاب بشريّ.
واجهة قماشية لمسكن من زجاج.
انكسر المسكن وظلّت الواجهة، ذاآرة مثنية في حقيبة، فلماذا ترك لي الواجهة؟.
ه 􀑧 د أن 􀑧 تنتج دون جه 􀑧 د . أس 􀑧 تح بع 􀑧 م يف 􀑧 فاف .. ل 􀑧 ع الش 􀑧 ه اللام 􀑧 ي غلاف 􀑧 ازال ف 􀑧 بين الثياب قميص حريري سماوي اللون، م
هدية منك.
اد 􀑧 ذآر أن زي 􀑧 ا أت 􀑧 اً وأن 􀑧 عها ج انب 􀑧 يكية أض 􀑧 ات آلاس 􀑧 ثم ثلاثة أشرطة موسيقية، أحدها لتيودورآيس، والأخرى مقطوع
آلما سافر ترك لي أشرطة وآتباً.. وثياباً.. وحبّاً معلّقاً أيضاً.
ل 􀑧 ولكن هذه هي المرة الأولى التي يترك أشياءه مجموعة في حقيبة، مرتبة بعناية وآأنه أعدها لنفسه وجمع فيها آ
ود 􀑧 ه الأس 􀑧 دي جاآيت 􀑧 د أن يرت 􀑧 ان يري 􀑧 ث آ 􀑧 يذهب وحي 􀑧 ث س 􀑧 ه حي 􀑧 ذها مع 􀑧 ه أراد أن يأخ 􀑧 ا. آأن 􀑧 فر م 􀑧 تعداداً لس 􀑧 ما يحب اس
المفضّل.. ويستمع إلى موسيقى تيودورآيس!
ك 􀑧 ل أن تمس 􀑧 ات قب 􀑧 ف لحظ 􀑧 دي، تتوق 􀑧 رتعش ي 􀑧 ى. ت 􀑧 زّة أول 􀑧 اب به 􀑧 ة. فأص 􀑧 فل الحقيب 􀑧 ك أس 􀑧 ى روايت 􀑧 دي عل 􀑧 ع ي 􀑧 أة تق 􀑧 وفج
بالكتاب. أجلس على طرف السرير قبل أن أفتحه. وآأنني سأفتح طرداً ملغوماً.
أتصفح الكتاب بسرعة. وآأنني لا أعرفه.
دة . دون 􀑧 ة واح 􀑧 اء ..دون آلم 􀑧 ة بيض 􀑧 ابلني ورق 􀑧 داء، فتق 􀑧 ن الإه 􀑧 اً ع 􀑧 ى بحث 􀑧 فحة الأول 􀑧 ثم أتذآّر شيئاً.. وأرآض إلى الص
توقيع أو إهداء. فأشعر بنوبة حزن تشلّ يدي، وبرغبة غامضة للبكاء.
لمن منّا أهديت نسختك المزوّرة؟ وآلانا يملك نسخة دون توقيع؟
138
من منا أوهمته أنه يسكن الصفحات الداخلية للكتاب_ آما يسكن قلبك _وأنه ليس في حاجة إلى إهداء؟
ث 􀑧 ا، حي 􀑧 د قراءته 􀑧 ة ليعي 􀑧 ذه الرواي 􀑧 ه ه 􀑧 ذ مع 􀑧 رّر أن يأخ 􀑧 ه ق 􀑧 ة أن 􀑧 اً_ لدرج 􀑧 و أيض 􀑧 دّقك _ه 􀑧 ل ص 􀑧 اد.. ه 􀑧 دّقك زي 􀑧 ل ص 􀑧 وه
سيذهب.. هناك!
آانت تلك الصفحة البيضاء آافية لإدانتك. آانت تقول بالكلمات التي لم تكتب، أآثر مما آان يمكن أن تكتبي.. فهل
آان مهماً بعد ذلك ألا أجد أية رسالة لك في تلك الحقيبة؟
لقد آنتِ امرأة تتقن الكتابة على بياض.. ووحدي آنت أعرف ذلك.
ما عدا روايتك لم أجد سوى مفكرة سوداء متوسطة الحجم موضوعة أسفل الحقيبة_أيضاً_ آسرّ عميق.
ة 􀑧 ا قصاص 􀑧 الميترو . داخله 􀑧 لّ ب 􀑧 اد للتنق 􀑧 تعملها زي 􀑧 ان يس 􀑧 ي آ 􀑧 الت « ة􀑧 ة البرتقالي 􀑧 البطاق » ما آدت أرفعها حتى وقعت منها
بتاريخ (أآتوبر) الشهر الأخير الذي رحل فيه.
أنظر على تلك البطاقة على عجل، وأنا لا أفكر إلا في الإطلاع على تلك المفكرة. ولكن صورته تستوقفني..
مربكةٌ صور الموتى..
ومربكة أآثر صور الشهداء. موجعة دائماً. فجأة يصبحون أآثر حزناً وأآثر غموضاً من صورتهم.
فجأة.. يصبحون أجمل بلغزهم، ونصبح أبشع منهم.
فجأة.. نخاف أن نطيل النظر إليهم.
فجأة.. نخاف من صورنا القادمة ونحن نتأمّلهم!
آَمْ آان وسيماً ذاك الرجل.
ة 􀑧 ائق، بخمس 􀑧 لاث دق 􀑧 تلك الوسامة الغامضة المخفيّة التي لا تفسير لها. ها هو حتى في صورة سريعة تلتقط له في ث
فرنكات، يمكنه أن يكون مميزاً.
يمكنه أن يكون حتى بعد موته مغرياً، بذلك الحزن الغامض الساخر. وآأنه يسخر من لحظة آهذه.
بهه، 􀑧 د أن نش 􀑧 ه ونري 􀑧 ب ب 􀑧 وأفهم مرة أخرى أن تكوني أحببته. لقد أحببته قبلك بطريقة أخرى. آما نحب شخصاً نعج
ال 􀑧 ا أن الجم 􀑧 ي أعماقن 􀑧 د ف 􀑧 ا نعتق 􀑧 ه. وآأنن 􀑧 ور مع 􀑧 ه والظه 􀑧 روج برفقت 􀑧 ه والخ 􀑧 وس إلي 􀑧 ن الجل 􀑧 ر م 􀑧 ر .فنكث 􀑧 بب أو لآخ 􀑧 لس
والجنون والموهبة والصفات التي تبهرنا فيه قد تكون قابلة للعدوى والانتقال إلينا عن طريق المعاشرة.
ي 􀑧 ب فرنس 􀑧 اً لكات 􀑧 ولاً رائع 􀑧 رأت ق 􀑧 دما ق 􀑧 ؤخر اً. عن 􀑧 ارثتي إلا م 􀑧 بب آ 􀑧 ت س 􀑧 أية فكرة حمقاء آانت تلك! لم أآتف أنها آان
«! لا تبحث عن الجمال..لأنك عندما تجده، تكون قد شوّهت نفسك » (.. (رسام أيضاً
ولم أآن فعلت شيئاً غير هذه الحماقة.
أعدت بطاقته وصورته إلى الحقيبة، ورحت أقلّب تلك المفكرة..
اذا 􀑧 مه ا. فم 􀑧 ن مواس 􀑧 أخرة ع 􀑧 ف المت 􀑧 اب للعواص 􀑧 رع الب 􀑧 ي ويش 􀑧 آنت أشعر أنها تحمل شيئاً قد يفاجئني، قد يعكر مزاج
تراه آتب في هذا الدفتر؟
ت 􀑧 ب .فخف 􀑧 رة جي 􀑧 آنت أدري أن الحقيقة تولد صغيرة دائماً. وآنت أشعر أن الحقيقة هنا آانت صغيرة في حجم مفك
المفكرة..
139
بحثت عن سيجارة أشعلها. واستلقيت على ذلك السرير لأتصفح جرحي على مهل..
رى 􀑧 ائد أخ 􀑧 م بقص 􀑧 ية .. ث 􀑧 ات الهامش 􀑧 ر . بالكتاب 􀑧 آانت الصفحات تتالى مليئة بالمقاطع الشعرية المبعثرة بين تاريخ وآخ
ر 􀑧 ون أحم 􀑧 فحة بل 􀑧 ط الص 􀑧 ة وس 􀑧 طور مكتوب 􀑧 عة س 􀑧 ن بض 􀑧 يرة م 􀑧 واطر قص 􀑧 م خ 􀑧 تشغل وحدها أحياناً صفحتين أو ثلاثاً .ث
دائماً.. وآأنه آان يريد أن يميزها عن بقية ما آتب.
ربما لأنها لم تكن شعراً وربما لأنها آانت أهم من الشعر.
اني 􀑧 ا عس 􀑧 لل إليه 􀑧 من أين أبدأ هذه المفكرة؟.. من أي مدخل أدخل هذه الدهاليز السرية لزياد، التي حلمت دائماً بالتس
أآتشفكِ فيها؟
وز 􀑧 ط الرم 􀑧 ك وس 􀑧 ث عن 􀑧 ة .. أبح 􀑧 ات المتقاط ع 􀑧 ز الكلم 􀑧 ك لغ 􀑧 آانت العناوين تستوقفني، فأبدأ في قراءة قصيدة. أحاول ف
تارة، ووسط التفاصيل الأآثر اعترافاً أحياناً أخرى.
ات 􀑧 ن آلم 􀑧 ر، ع 􀑧 ثم لا ألبث أن أترآها وألهث مسرعاً إلى صفحة أخرى، بحثاً عن حجج أخرى، عن إيضاحات أآث
تقول لي بالأسود والأبيض.. ما الذي حدث.
ري، 􀑧 لّ تفكي 􀑧 اد تش 􀑧 ت تك 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 ة المتناقض 􀑧 يس المتطرف 􀑧 ولكنني آنت في الواقع على درجة من الانفعال والأحاس
وتجعلني عاجزاً عن التمييز بين ما أقرأ وما أتوهم قراءته.
ه 􀑧 كاً ب 􀑧 ت ممس 􀑧 ذي آن 􀑧 غير ال 􀑧 ود الص 􀑧 دفتر الأس 􀑧 ذلك ال 􀑧 رة، وب 􀑧 يائها المبعث 􀑧 امي بأش 􀑧 ة أم 􀑧 ة المفتوح 􀑧 ك الحقيب 􀑧 آان منظر تل
يائها 􀑧 رة بأش 􀑧 اد المبعث 􀑧 ة زي 􀑧 ريح جثّ 􀑧 ر تش 􀑧 يئاً غي 􀑧 ل ش 􀑧 م أفع 􀑧 ا ل 􀑧 أنني بفتحه 􀑧 ة . وآ 􀑧 ك اللحظ 􀑧 تجعلني أخجل من نفسي في تل
وأشلائها على سريري، لأخرج منها هذا الدفتر الذي هو قلبه لا غير.
ات 􀑧 ع الكلم 􀑧 ى وق 􀑧 ديّ عل 􀑧 ين ي 􀑧 ه ب 􀑧 ل نبض 􀑧 ه يواص 􀑧 د موت 􀑧 ى بع 􀑧 وم حت 􀑧 اهو الي 􀑧 ذي ه 􀑧 ك، وال 􀑧 اً ل 􀑧 بض يوم 􀑧 ذي ن 􀑧 اد ال 􀑧 ب زي 􀑧 قل
المشحونة حسرة وخوفاً.. حزناً.. وشهوة..
على جسدي مررّي شفتيك »
فما مرّروا غير تلك السيوف عليّ
أشعليني أيا امرأة من لهب
يقرّبنا الحب يوماً
يباعدنا الموت يوماً
ويحكمنا حفنة من تراب..
تقرّبنا شهوة للجسد
ثم يوماً
يباعدنا الجرح لمّا يصير بحجم جسد
توحدت فيك
أيا امرأة من تراب ومرمر
سقيتك ثم بكيت وقلت..
140
أميرة عشقي..
أميرة موتي
«؟! تعالي
رف 􀑧 ن لا يحت 􀑧 ز م 􀑧 اءلت بعج 􀑧 رة، وتس 􀑧 ل م 􀑧 د آ 􀑧 كٍّ جدي 􀑧 رة، بش 􀑧 ل م 􀑧 دة آ 􀑧 يس جدي 􀑧 ع . بأحاس 􀑧 ذا المقط 􀑧 آم من مرة قرأت ه
الشعر.. أين ينتهي الخيال ..وأين يبدأ الواقع؟
أين يقع الحد الفاصل بين الرمز والحقيقة؟
ز 􀑧 ل أو التميي 􀑧 ه الفص 􀑧 د في 􀑧 م يع 􀑧 دٍ ل 􀑧 ى ح 􀑧 الأرض إل 􀑧 آانت آل جملة تلغي التي سبقتها. وآانت المرأة هنا جسداً ملتحماً ب
بينهما ممكناً.
ولكن آانت هناك آلمات لا تخطئ بواقعيتها وبشهوتها المفضوحة:
« مرري على جسدي شفتيك »
« أشعليني أيا امرأة من لهب »
« تقربنا شهوة للجسد »
« توحدت فيك »
أآانت الثورة إذن حشواً من الكلمات لا أآثر برّأ بها زياد نفسه؟
.«.. أميرة موتي.. تعالي » .. آان يفضّل أن يهزمه الموت ولا تهزمه امرأة. قضيّة آبرياء.. مراوغة شخصية
ها هو الموت جاء أخيراً. وأنت تراك جئت في ذلك اليوم؟
هل انفرد بك حقاً.. أمرّرت على جسده شفتيك.. أأشعلته.. أتوحّد فيك.. وهل..؟
من الأرجح أن يكون ذلك قد حصل .فتاريخ هذه القصيدة يصادف تاريخ سفري إلى إسبانيا.
آان القلب قد بدأ يطفح بعاطفة غريبة لا علاقة لها بالغيرة.
نحن لا نشعر بالغيرة من الأموات.. ولكننا لا يمكن أن نغيّر طعم المرارة في هذه الحالات.
فهل أمنع عيني اللتين يستوقفهما اللون الأحمر، من أن تقرأ هذه الخاطرة.. دون دموع.
لم يبق من العمر الكثير »
أيتها الواقفة في مفترق الأضداد
أدري..
ستكونين خطيئتي الأخيرة
أسألك.
حتى متى سأبقى خطيئتك الأولى
لك متّسعٌ لأآثر من بداية
وقصيرة آل النهايات.
إني أنتهي الآن فيك
141
«! فمن يعطي للعمر عمراً يصلح لأآثر من نهاية
تستوقفني بعض الكلمات، وتستدرجني إلى الذهول..
.«.. خطيئتك الأولى » ويأخذ الحبر الأحمر فجأة لوناً شبيهاً بدم وردي خجول يتدحرج على ورق.. ليصبح لون
فأسرع بإغلاق تلك المفكرة وآأنني أخاف إن أنا واصلت قلب الصفحات، أن أفاجئكما في وضعٍ لم أتوقعه!
يحضرني آلام قاله زياد مرة في زمن بعيد ..بعيد.
ان 􀑧 ا آ 􀑧 ا. ربم 􀑧 ا آلّه 􀑧 ا أآله 􀑧 مها، وإنم 􀑧 ف بقض 􀑧 م يكت 􀑧 ة ل 􀑧 ذوق التفاح 􀑧 أنا أآنّ احترماً آبيراً لآدم، لأنه يوم قرر أن ي » : قال
ا 􀑧 ار . وعلين 􀑧 ة والن 􀑧 ين الجن 􀑧 ث ب 􀑧 يدري أنه ليس هناك من أنصاف خطايا ولا أنصاف ملذّات.. ولذلك لا يوجد مكان ثال
«! _تفادياً للحسابات الخاطئة_ أن ندخل إحداهما بجدارة
آنت آنذاك معجباً بفلسفة زياد في الحياة. فما الذي يؤلمني اليوم في أفكار شاطرته إياها؟
اره 􀑧 م اختي 􀑧 ن حس 􀑧 هية م 􀑧 امي .. بش 􀑧 مها أم 􀑧 ه راح يقض 􀑧 رية؟ أم آون 􀑧 ديقتي الس 􀑧 ن ح 􀑧 رة م 􀑧 ترى آونه سرق تفاحته هذه الم
وارتاح؟
لا تملك الأشجار إلا »
أن تمارس الحب واقفةً أيضاً
يا نخلة عشقي.. قفي
وحدي حملت حداد الغابات التي
أحرقوها
ليرغموا الشجر على الرآوع
« واقفة تموت الأشجار »
تعالي للوقوف معي
أريد أن أشيّع فيك رجولتي
«.. إلى مثواها الأخير
فجأة بدأت أشعر بحماقة فتح تلك المفكرة.
أتعبتني تأويلاتي الشخصية لكل آلمة أصادفها.
وبدأت أشعر بالندم. فأنا برغم آل شيء لا أريد أن أآره زياد اليوم. لا أستطيع ذلك.
لقد منحه الموت حصانة ضد آراهيتي وغيرتي. وها أنا صغير أمامه وأمام موته.
ها أنا لا أملك شيئاً لإدانته، سوى آلماته القابلة لأآثر من تأويل. فلماذا أصرّ على تأويلها الأسوأ؟
ق 􀑧 م يُخل 􀑧 ذي ل 􀑧 الم ال 􀑧 ي الع 􀑧 ة ف 􀑧 وي، نكاي 􀑧 لماذا أطارده بكل هذه الشبهات، وأنا أدري أنه شاعر يحترف الاغتصاب اللغ
على قياسه، بل ربما خُلق على حسابه .فهل أطلق النار عليه بتهمة الكلمات؟
لقد ولد هكذا واقفاً.. ولا قدر له سوى قدر الأشجار. فهل أحاسبه حتى على طريقة موته.. وعلى طريقة حبّه؟
وأذآر الآن أنني عرفته واقفاً.
142
ه 􀑧 ت من 􀑧 ه، وطلب 􀑧 ن ديوان 􀑧 اتي ع 􀑧 أذآر ذلك اليوم الذي زارني فيه في مكتبي لأول مرة، عندما أبديت له بعض ملاحظ
أن يحذف بعض القصائد.
د 􀑧 ت بع 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 ك الجمل 􀑧 ول تل 􀑧 ل أن يق 􀑧 ورة، قب 􀑧 أذآر صمته، ثم نظرته التي توقفت بعض الوقت عند ذراعي المبت
«.. لا تبتر قصائدي..سيدي، ردّ لي ديواني. سأطبعه في بيروت » : ذلك سبباً في تغيير مجرى حياتي. قال لي
لماذا قبلت إهانته يومها، دون رد؟ لماذا لم أصفعه بيدي الثانية غير المبتورة وأرمي له بمخطوطه؟
ألأنني احترمت فيه شجاعة الأشجار ووحدتها، في زمن آانت فيه الأقلام سنابل تنحني أمام أول ريح؟
واقفاً عرفت زياد.. وواقفاً غادرني.
أمام مخطوط ترآني آأول مرة. ولكن دون أيّ تعليق هذه المرة.
لقد أصبح بيننا _منذ ذلك الحين_ تواطؤ الغابات... واليوم صمتها.
ر. وإذ 􀑧 ي ناش 􀑧 فحها بعين 􀑧 فحاته وأتص 􀑧 دّ ص 􀑧 دفتر وأع 􀑧 ك ال 􀑧 ب ذل 􀑧 ت أقلّ 􀑧 ابقة. ورح 􀑧 ة س 􀑧 ا مهن 􀑧 ي بقاي 􀑧 تيقظت داخل 􀑧 أة اس 􀑧 فج
بحماس مفاجئ يدبّ في قلبي ويغطّي على بقية الأحاسيس. وقرار جنوني يسكنني.
د 􀑧 ر ق 􀑧 اً آخ 􀑧 أو عنوان ..« ك􀑧 ل أحب 􀑧 مسودات رج » أو « الأشجار » سأنشر هذه الكتابات في مجموعة شعرية، قد أسمّيها
أعثر عليه أثناء ذلك.
ن 􀑧 اً م 􀑧 عراء دائم 􀑧 تقم الش 􀑧 ذا ين 􀑧 المهم.. أن تصدر هذه الخواطر الأخيرة لزياد. أن أمنحه عمراً آخر لا صيف فيه.. فهك
القدر الذي يطاردهم آما يطارد الصيف الفراشات..
إنهم يتحوّلون إلى دواوين شعر. فمن يقتل الكلمات؟
***
أنقذني دفتر زياد من اليأس دون أن أدري..
خ 􀑧 ا أنس 􀑧 ا وأن 􀑧 اعات بأآمله 􀑧 يت س 􀑧 ام أن قض 􀑧 منحني مشاريع لأيام آانت فارغة من أي مشروع. فقد حدث في تلك الأي
ي 􀑧 عها ف 􀑧 رة، لوض 􀑧 اطع المبعث 􀑧 واطر والمق 􀑧 ك الخ 􀑧 ى تل 􀑧 ب فوض 􀑧 اول ترتي 􀑧 رى، وأح 􀑧 وان لأخ 􀑧 ن عن 􀑧 ث ع 􀑧 يدة، أو أبح 􀑧 قص
سياق صالحٍ للنشر.
آنت أشعر بلذّة ومرارة معاً..
لذّة الانحياز للفراشات، وبعث الحياة في آلماتٍ وحدي أملك حق وأدها في مفكرة، أو منحها الخلود في آتاب.
ومرارة أخرى..
ه 􀑧 ول عالم 􀑧 وته، ودخ 􀑧 ه ونش 􀑧 ه وحزن 􀑧 ي نبض 􀑧 ة، ف 􀑧 ه الدموي 􀑧 ي دورت 􀑧 ول ف 􀑧 ات، والتج 􀑧 اعر م 􀑧 مرارة التنقيب في أوراق ش
المغلق السري دون تصريح ولا رخصة منه، والتصرف نيابة عنه في الاختيار وفي الإضافة والحذف.
أحقاً آنت أملك صلاحية آهذه..؟ ومن يمكن أن يدّعي أنه لسبب أو لآخر موآّل بمهمة آهذه؟
ولكن من يجرؤ أيضاً على الحكم بالموت على آلمات الآخرين، ويقرر الاستحواذ عليها وحده؟
143
رين، 􀑧 وت الآخ 􀑧 ن م 􀑧 زهم ع 􀑧 افية، تمي 􀑧 زن إض 􀑧 ة ح 􀑧 اب نكه 􀑧 عراء والكتّ 􀑧 وت الش 􀑧 ان لم 􀑧 ه إذا آ 􀑧 اقي، أن 􀑧 آنت أدري في أعم
لام، 􀑧 لام .. رؤوس أح 􀑧 دعين، رؤوس أق 􀑧 ل المب 􀑧 فربما تُعزى لكونهم وحدهم عندما يموتون يترآون على طاولتهم آك
ومسودات أشياء لم تكتمل.
ولذا فإن موتهم يحرجنا.. بقدر ما يحزننا.
امتهم، 􀑧 ع ابتس 􀑧 وم م 􀑧 ل ي 􀑧 ونها آ 􀑧 م يلبس 􀑧 وقهم .إنه 􀑧 اعرهم ف 􀑧 ومهم ومش 􀑧 م وهم 􀑧 ون أحلامه 􀑧 م يحمل 􀑧 اديون، فه 􀑧 اس الع 􀑧 ا الن 􀑧 أم
وآآبتهم، وضحكتهم، وأحاديثهم، فتموت أسرارهم معهم.
في البدء، آان سر زياد يحرجني، قبل أن يستدرجني إلى البوح، وإذا بكتاباته تخلق عندي رغبة لا تقاوم للكتابة.
ه 􀑧 رغبة آانت تزداد في تلك المرات التي آنت أشعر أن آلماته لا تطال أعماقي، وأنها أقصر من جرحي. ربما لأن
آان يجهل النصف الآخر للقصة، تلك التي آنت أعرفها وحدي.
متى ولدت فكرة هذا الكتاب؟
ع الأدب 􀑧 ي م 􀑧 ع ل 􀑧 ر المتوق 􀑧 اء غي 􀑧 ك اللق 􀑧 ي ذل 􀑧 عريّ، ف 􀑧 اد الش 􀑧 إرث زي 􀑧 راً ب 􀑧 يتها محاص 􀑧 ي قض 􀑧 رة الت 􀑧 ك الفت 􀑧 ي تل 􀑧 رى ف 􀑧 ت
والمخطوطات التي انفصلت عنها منذ انفصالي عن وظيفتي.. منذ عدة سنوات في الجزائر؟
أم في لقائي غير المتوقع الآخر، مع مدينة حجز لي القدر نفسه موعداً متأخراً معها؟
لالات 􀑧 ة، ش 􀑧 ي الدهش 􀑧 ر داخل 􀑧 ذار، دون أن تنفج 􀑧 ابق إن 􀑧 نطينة، دون س 􀑧 أآان يمكن لي أن أجد نفسي وجهاً لوجه مع قس
شوق وجنون وخيبة..
فتجرفني الكلمات.. إلى حيث أنا!
144
الفصل الخامس
مازلت
أذآر ذلك السبت العجيب.. عندما رن الهاتف ذلك المساء بتوقيت نشرة الأخبار.
آان سي الشريف على الخط بحرارة وشوق أسعداني في البداية، وأخرجاني من رتابة صمتي الليلي ووحدته.
آان صوته عندي عيداً بحد ذاته والصلة الوحيدة التي ظلت تربطني بك، بعدما سدّت آل الطرق الموصلة إليك.
وآنت أستبشر خيراً به. إنه يحمل دائماً احتمال لقاءٍ بك بطريقة أو بأخرى.
ولكنه هذه المرة آان يحمل لي أآثر من هذا..
راح سي الشريف يعتذر أولاً عن انقطاعه عني منذ سهرتنا الأخيرة، بسبب مشاغله الكثيرة، وزيارات المسؤولين
التي لا تتوقف إلى باريس.. قبل أن يضيف:
ت 􀑧 إنني لم أنسك طوال هذه الفترة.. لقد علّقت لوحتك في الصالون وأصبحت أتقاسم معك البيت.. أتدري، لقد ترآ »
داقتنا 􀑧 رين ص 􀑧 رح للآخ 􀑧 د أن أش 􀑧 رة لا ب 􀑧 ل م 􀑧 د.. وآ 􀑧 ن حاس 􀑧 ر م 􀑧 ي أآث 􀑧 ت ل 􀑧 ي، وخلق 􀑧 ي نفس 􀑧 راً ف 􀑧 راً آبي 􀑧 ك أث 􀑧 ك تل 􀑧 التفاتت
.« وعلاقتنا التي تعود إلى أيام الشباب
آنت أستمع له وآان القلب قد ذهب بحماقة على عجل إليك..
آان يكفي أن أعرف أن تلك المكالمة تأتي من بيتٍ أنتِ فيه، لأعود عاشقاً مبتدئاً بكل انفعالات العشّاق وحماقاتهم.
ولكن صوته أعادني إلى الواقع عندما سألني:
ا 􀑧 نطينة وأن 􀑧 ن قس 􀑧 - أتدري لماذا طلبتك الليلة؟ إنني قررت أن أصحبك معي إلى قسنطينة ..لقد أهديتني لوحة ع
سأهديك سفرة إليها..
صحت متعجّباً:
- قسنطينة.. لماذا قسنطينة؟
قال وآأنه يزفّ لي بشرى:
- لحضور عرس ابنة أخي الطاهر..
ثم أضاف بعد شيء من التفكير.
- ..ربما تذآرها. لقد حضرت افتتاح معرضك منذ شهور مع ابنتي ناديا..
شعرت فجأة أن صوتي انفصل عن جسدي، وأنني عاجز عن أن أجيب بكلمة واحدة.
أيمكن للكلمات أن تنزل صاعقة على شخص بهذه الطريقة؟
أيمكن للجسد أن يصبح إثر آلمة، عاجزاً عن الإمساك بسماعة؟
يحدث في لحظات آهذه، أن أتذآر فجأة أنني أملك يداً واحدة..
سحبت بقدمي آرسياً مجاوراً وجلست عليه.
وربما لاحظ سي الشريف صمتي وحدوث شيء ما.. فقطع ذهولي قائلاً:
145
ن، 􀑧 ي الأم 􀑧 دقاء ف 􀑧 ض الأص 􀑧 ع بع 􀑧 ة م 􀑧 ي جلس 􀑧 ام ف 􀑧 - يا خويا.. ما الذي يخيفك في سفرٍ آهذا؟ لقد جاء ذآرك منذ أي
رت 􀑧 د تغي 􀑧 ئت. لق 􀑧 ى ش 􀑧 ر مت 􀑧 زور الجزائ 􀑧 ك أن ت 􀑧 أنك، وأن بإمكان 􀑧 ي ش 􀑧 ات ف 􀑧 ة تعليم 􀑧 د أي 􀑧 ه لا توج 􀑧 ي أن 􀑧 دوا ل 􀑧 وأآ
ؤولية 􀑧 ل مس 􀑧 ي أتحم 􀑧 ة .. إنن 􀑧 ارة خاطف 􀑧 ي زي 􀑧 و ف 􀑧 ر ول 􀑧 ى الجزائ 􀑧 ود إل 􀑧 د أن تع 􀑧 ك، ولا ب 􀑧 ذ مجيئ 􀑧 راً من 􀑧 ور آثي 􀑧 الأم
عودتك.. ستسافر معي وعلى حسابي.. فما الذي يقلقك إلى هذا الحد؟
أجبته وأنا أبحث عن مخرجٍ لتوتري:
- الحقيقة أنني لست مستعداً نفسياً بعد لزيارة آهذه.. وأفضّل أن تكون في ظروف أخرى..
قال:
د 􀑧 رة، فق 􀑧 ذه الم 􀑧 دك ه 􀑧 ن ي 􀑧 ذا م 􀑧 رّك هك 􀑧 م أج 􀑧 ي إذا ل 􀑧 ن أنن 􀑧 ق م 􀑧 ا واث 􀑧 - أنت لن تجد ظروفاً أحسن من هذه للعودة ..أن
تمضي عدة سنوات أخرى قبل أن تعود إليها. هل ستقضي عمرك في رسم قسنطينة؟ ثم ألا يسعدك حضور
ذ ا 􀑧 ل ه 􀑧 ة .. افع 􀑧 ها للبرآ 􀑧 ر عرس 􀑧 ب أن تحض 􀑧 ة ويج 􀑧 ا طفل 􀑧 د عرفته 􀑧 اً، لق 􀑧 زواج ابنة سي الطاهر؟ إنها ابنتك أيض
لوجه أبيها، يجب أن تقف معي في ذلك اليوم مكان سي الطاهر..
اء 􀑧 ن وف 􀑧 ي م 􀑧 ى داخل 􀑧 ا تبقّ 􀑧 رّك م 􀑧 راح يح 􀑧 آان سي الشريف يعرف نقطة ضعفي، ويدري مكانة سي الطاهر عندي. ف
لماضينا وذاآرتنا المشترآة.
آان في ذلك الموقف شيء من السريالية واللامعقول.
آنت أقف على الحد الفاصل بين العقل والجنون، بين الضحك والبكاء..
ي، 􀑧 ن ابنت 􀑧 م تك 􀑧 لا ل «.. اً􀑧 ك أيض 􀑧 إنها ابنت » . لا يا صديقي! عرفتها أنثى أيضاً وهذه هي المشكلة «.. لقد عرفتها طفلة »
آان يمكن فقط أن تكون زوجتي.. آان يمكن أن تكون لي.
سألته:
- لمن ستكون؟
قال:
ب 􀑧 ل طي 􀑧 ه رج 􀑧 د أن 􀑧 ي أعتق 􀑧 ه، ولكنن 􀑧 - أعطيتها ل (سي....) لقد سهرت معه المرة الماضية.. لا أدري ما رأيك في
برغم ما يُقال عنه.
آان في جملته الأخيرة جواب مسبق على ردٍ آان يتوقعه.
(سي....) إذن ولا أحد غيره!
ن إذن أن 􀑧 ان يمك 􀑧 ب آ 􀑧 ل طي 􀑧 ن رج 􀑧 ر م 􀑧 ا أآث 􀑧 رف أن 􀑧 ى؟ أع 􀑧 زة الأول 􀑧 فته الممي 􀑧 اً ص 􀑧 ي حق 􀑧 ة ه 􀑧 هل الطيب «.. رجل طيب »
يصبح زوجها.
عبة 􀑧 ة الص 􀑧 ل العمل 􀑧 ان رج 􀑧 ة . آ 􀑧 ات الأمامي 􀑧 رية وا لواجه 􀑧 فقات الس 􀑧 ل الص 􀑧 ان رج 􀑧 ك . آ 􀑧 ولكن (سي....) آان أآثر من ذل
والمهمات الصعبة. آان رجل العسكر.. ورجل المستقبل .فهل مهم بعد هذا أن يكون طيباً أو لا يكون؟
ؤالاً 􀑧 ريف س 􀑧 ي الش 􀑧 أل س 􀑧 خص، وأس 􀑧 تجمّعت في الحلق أآثر من غصة، منعتني من أن أبدي رأيي فعلاً في ذلك الش
واحداً فقط :تراه يعتقد حقاً أن بإمكان رجل لا أخلاق له.. أن يكون طيباً؟
146
ن 􀑧 ل يمك 􀑧 ر .. ه 􀑧 ؤالاً آخ 􀑧 ي س 􀑧 أل نفس 􀑧 ا أس 􀑧 وأن « هره 􀑧 ص» ين 􀑧 ه وب 􀑧 را بين 􀑧 رق آثي 􀑧 دأت لا أف 􀑧 ت ب 􀑧 أم تراني صمتّ لأنني آن
لشخص يتصاهر مع رجل قذر.. أن يكون نظيفاً حقاً؟
دة 􀑧 ة واح 􀑧 ي جمل 􀑧 لام ف 􀑧 ل الك 􀑧 رت آ 􀑧 دة . فاختص 􀑧 ة واح 􀑧 ي مكالم 􀑧 فقدت فجأة شهية الكلام .أخرستني الصدمات المتتالية ف
قابلة لأآثر من تفسير:
- آل شيء مبروك..
ردّ سي الشريف حسب التقاليد:
- الله يهنيك.. ويبارك فيك..
ثم أضاف بسعادة من نجح في امتحان:
ي 􀑧 و .. أطلبن 􀑧 ي 15 يولي 􀑧 يكون ف 􀑧 الزواج س 􀑧 اً ف 􀑧 ام تقريب 􀑧 رة أي 􀑧 د عش 􀑧 افر بع 􀑧 ك .. سنس 􀑧 - -إذن سنراك..راني نعوّل علي
هاتفياً آي نتّفق على تفاصيل سفرك.
انتهت المكالمة، وبدأت مرحلة جديدة من حياتي.
بدأ عمري الآخر الذي أعلنت يومها رسمياً خروجك منه. ولكن.. هل خرجت حقاً؟
ع 􀑧 ل القط 􀑧 ر .. وآ 􀑧 د لا غي 􀑧 ون واح 􀑧 ات بل 􀑧 ل المربع 􀑧 ت آ 􀑧 ي . آان 􀑧 ة إلا من 􀑧 بحت فارغ 􀑧 طرنج أص 􀑧 ة الش 􀑧 ت أن رقع 􀑧 أحسس
أصبحت قطعة واحدة أمسكها وحدي.. بيدٍ واحدة!
ب، 􀑧 ل والترق 􀑧 احة الأم 􀑧 فهل آنت الرابح أم الخاسر الوحيد.. آيف لي أن أعرف ذلك؟ لقد تقلصت الرقعة، ومعها مس
حسمها طرف آخر، آنا نلعب جميعاً منذ البدء نيابة عنه: إنه القدر!
د 􀑧 ل يري 􀑧 ول رج 􀑧 ة وبفض 􀑧 ذّة غام ض 􀑧 ة . بل 􀑧 ه دون مقاوم 􀑧 آنت أحقد على ذلك القدر أحياناً، ولكن آنت آثيراً ما أستسلم ل
ون 􀑧 ة، وأن تك 􀑧 ر عادل 􀑧 ون غي 􀑧 اة أن تك 􀑧 ذه الحي 􀑧 ق، وله 􀑧 ون أحم 􀑧 در أن يك 􀑧 ا الق 􀑧 ن له 􀑧 دٍ يمك 􀑧 ى أي ح 􀑧 رة، إل 􀑧 أن يعرف آلّ م
عاهرة لا تهب نفسها سوى لذوي الثروات السريعة، ولأصحاب السلوك المشبوه الذين يغتصبونها على عجل..
ى 􀑧 يلاً عل 􀑧 ة، دل 􀑧 ي الذاتي 􀑧 ي هزائم 􀑧 د ف 􀑧 رين. وأج 􀑧 ة الآخ 􀑧 ي بتفاه 􀑧 ة نفس 􀑧 ي مقارن 􀑧 ادرة ف 􀑧 عادتي الن 􀑧 د س 􀑧 ت أج 􀑧 دها آن 􀑧 وعن
انتصارات أخرى ليست في متناول الجميع.
ن أن 􀑧 ي يمك 􀑧 تراني في لحظة جنون آهذه قبلت أن أحضر عرسك، وأن أآون شاهداً على مأتمي، وعلى الحقارة الت
يصلها البعض دون خجل؟
ق، وأن 􀑧 ي المطل 􀑧 يش حزن 􀑧 ة، أن أع 􀑧 أم تراني آكل المبدعين، آنت مازوشيّاً بتفوق، وأصرّ في غياب السعادة المطلق
أذهب معك إلى أبعد نقطة في تعذيب النفس، فأمارس آيّ هذا القلب بنفسي ليشفى منك؟
آرهتك ذلك اليوم بشراسة لم أآن عرفتها من قبل.
انقلبت عواطفي مرة واحدة إلى عاطفة جديدة، فيها مزيج من المرارة والغيرة والحقد.. وربما الاحتقار أيضاً.
ما الذي أوصلك هنا؟
وهل النساء حقاً مثل الشعوب، يشعرن دائماً بإغراء.. وبضعف ما تجاه البدلات العسكرية.. حتى الباهتة منه؟!
ما زلت حتى اليوم أتساءل.. آيف قبلت يومها أن أذهب إلى قسنطينة لحضور عرسك؟
147
آنت أعرف مسبقاً أن دعوتي لم تكن مجرد نية حسنة، والتفاتة ود وصداقة لرجل تجمعني به أآثر من قرابة.
ن 􀑧 ي زم 􀑧 ة ف 􀑧 ت نظيف 􀑧 ي ظلّ 􀑧 ة الت 􀑧 ماء القليل 􀑧 ن الأس 􀑧 م م 􀑧 يئاً لاس 􀑧 تعمالاً س 􀑧 ولكن آانت قبل آلّ شيء، استغلالاً للذاآرة واس
انتشر فيه وباء القذارة.
ب 􀑧 ل منص 􀑧 هدائنا مقاب 􀑧 ار ش 􀑧 د آب 􀑧 ه، وأح 􀑧 م أخي 􀑧 ه اس 􀑧 ع بزواج 􀑧 آان سي الشريف يدري أنه سيقوم بصفقة قذرة، وأنه يبي
وصفقات أخرى..
وأنه يتصرف باسمه، بطريقة لم يكن ليقبلها لو آان حياً.
وآان يلزمه أنا.. ولا أحد غيري لأبارك اغتصابك، أنا صديق سي الطاهر الوحيد ورفيق سلاحه.
أنا الهيكل المفتت الأطراف الأخير، الذي بقي من ذلك الزمن الغابر.
مه 􀑧 ن اس 􀑧 اش م 􀑧 ذي ع 􀑧 و ال 􀑧 ه، ه 􀑧 يغفر ل 􀑧 اهر س 􀑧 ي الط 􀑧 د أن س 􀑧 ميره ويعتق 􀑧 وري ض 􀑧 كت بحض 􀑧 آانت تلزمه مبارآتي، ليُس
طويلاً.
فلماذا قبلت الدخول في تلك اللعبة؟ لماذا قبلت دون نقاش أن أسلمك لأظافرهم؟
ن 􀑧 ت م 􀑧 ي ....) لكن 􀑧 ن (س 􀑧 ك م 􀑧 ألأنني أدري أن مبارآتي قضية شكلية، لن تقدم ولن تؤخر في شيء، وأنه لو لم يزوّج
نصيب (سي....) آخر من السادة الجدد.
فماذا يهم في النهاية، أي اسم من أسماء الأربعين لصاً ستحملين!
اردني 􀑧 ي ويط 􀑧 ان يلاحقن 􀑧 ذي آ 􀑧 رّي ال 􀑧 دائها الس 􀑧 نطينة، ولن 􀑧 لماذا قبلت السفر.. ألكل هذا أم لأنني استسلمت لإغراء قس
ة 􀑧 واخرهم لعن 􀑧 ى ب 􀑧 ت عل 􀑧 ذين نزل 􀑧 ارة ال 􀑧 ك البح 􀑧 حورة أولئ 􀑧 زر المس 􀑧 ي الج 􀑧 ات ف 􀑧 داء الحوري 􀑧 ارد ن 􀑧 ا يط 􀑧 ن الأزل، آم 􀑧 م
الآلهة..
أم تراني آنت عاجزاً عن أن أخلف موعداً معك، حتى ولو آان ذلك مناسبة زواجك؟
هنالك قرارات وليدة ضدها، فكيف يمكن لي اليوم أن أفسّر قراراً أخذته خارج المنطق؟
يغتين 􀑧 نطينة، ص 􀑧 ت .. وقس 􀑧 ه : أن 􀑧 ت نفس 􀑧 ي الوق 􀑧 رتين ف 􀑧 يغتين متفجّ 􀑧 ين ص 􀑧 آنت آعالم فيزيائي مجنون، يريد أن يجمع ب
اً 􀑧 صنعتهما بنفسي في نوبة شوق وعشق وجنون، قست قدرتهما التدميرية آلا على انفراد، وأردت أن أجربهما مع
آما تجرّب قنبلة ذرية في صحراء.
ق 􀑧 أردت أن أعيشهما معاً في انفجار داخلي واحد.. يهزّني وحدي.. يدمرني وحدي.. وأخرج بعده من وسط الحرائ
والدمار، إما رجلاً آخر.. أوأشلاء رجل.
؟« شهوة اللهب » ألم تقولي مرة إن هناك رغبة سرية تسكننا جميعاً اسمها
اآتشفت بعدها بنفسي التطابق بينك وبين تلك المدينة.
آان فيكما معاً، شيء من اللهيب الذي لم ينطفئ.. وقدرة خارقة على إشعال الحرائق..
ات 􀑧 اق بن 􀑧 ة .. ونف 􀑧 ة المحترم 􀑧 دن العريق 􀑧 ف الم 􀑧 ه زي 􀑧 وس . إن 􀑧 ى المج 􀑧 رب عل 􀑧 إعلان الح 􀑧 اهران ب 􀑧 ا ت تظ 􀑧 ولكنكما معاً، آنتم
العائلات.. أليس آذلك؟
***
148
ل 􀑧 اك ولا أي خج 􀑧 زة .. دون ارتب 􀑧 رح ممي 􀑧 زن أو ف 􀑧 رة ح 􀑧 ة نب 􀑧 دمات . دون أي 􀑧 ذا دون مق 􀑧 ين هك 􀑧 وم الاثن 􀑧 وتك ي 􀑧 اء ص 􀑧 ج
واضح.
ن 􀑧 ر م 􀑧 ذ أآث 􀑧 اتفي من 􀑧 ط اله 􀑧 ذا الخ 􀑧 ر ه 􀑧 ورحت تتحدّثين إليّ، وآأنك تواصلين حديثاً بدأناه البارحة، آأن صوتك لم يعب
ستّة أشهر.
ما أغرب علاقتك بالزمن.. وما أغرب ذاآرتك!
- أهلاً خالد.. هل أيقظتك؟
آان يمكن أن أقول لا، وآان من الأصح أن أقول نعم. ولكنني قلت بصوت من يخرج من غيبوبة عشق:
- أنتِ..؟!
ضحكتِ.. تلك الضحكة الطفولية التي أسرتني يوماً وقلتِ:
- أعتقد أنني أنا.. هل نسيت صوتي؟!
ثم أضفتِ أمام صمتي:
- آيف أنت؟
- أحاول أن أصمد..
- تصمد في وجه من.؟
- في وجه الأيام..
قلتِ بعد شيء من الصمت.. وآأنك شعرتِ بذنبٍ ما:
- آلنا نحاول ذلك..
ثم أضفتِ:
- هل أخباري هي التي أزعجتك؟
عجيب سؤالك. عجيب آذاآرتك. آعلاقتك بمن تحبّين!
قلتُ:
- أخبارك ليست سوى جزء من تقلّبات الأيام.
أجبتِ ببراءة آاذبة:
اتف، 􀑧 ى اله 􀑧 س عل 􀑧 ك أم 􀑧 دث إلي 􀑧 ي يتح 􀑧 معت عم 􀑧 د س 􀑧 رى. لق 􀑧 ة أخ 􀑧 ي بطريق 􀑧 ر زواج 􀑧 تقبل خب 􀑧 ع أن تس 􀑧 ت أتوق 􀑧 - آن
ررت أن 􀑧 راً، وق 􀑧 ك آثي 􀑧 عدني ذل 􀑧 د أس 􀑧 ردد . لق 􀑧 ة أو ت 􀑧 نطينة دون مناقش 􀑧 ى قس 􀑧 يء إل 􀑧 ت المج 􀑧 وتعجبت أن تكون قبل
روري أن 􀑧 ن الض 􀑧 رس .. م 􀑧 ذا الع 􀑧 ى ه 􀑧 ر إل 􀑧 د أن تحض 􀑧 ا أري 􀑧 يّ ..فأن 􀑧 اً عل 􀑧 د عاتب 􀑧 م تع 􀑧 ك ل 􀑧 تنتجت أن 􀑧 ك.. اس 􀑧 أطلب
تحضر..
ان 􀑧 دم ا آ 􀑧 ب، عن 􀑧 ف العجي 􀑧 ك الموق 􀑧 ى ذل 􀑧 ريف، وإل 􀑧 ي الش 􀑧 ع س 􀑧 ابقة م 􀑧 المتي الس 􀑧 ى مك 􀑧 ك إل 􀑧 ادتني آلمات 􀑧 لا أدري لماذا أع
يقنعني أنك ابنتي.
شعرت مرة أخرى أنني أقف على الحد الفاصل بين العقل واللاعقل، بين البكاء والضحك..
149
سألتك بشيءٍ من المرارة الساخرة:
- أتمنى أن أفهم سرَّ إصرارآم جميعاً على حضوري..
قلتِ:
ن 􀑧 ت ع 􀑧 و تغيّب 􀑧 ة ل 􀑧 أآون تعيس 􀑧 ي س 􀑧 ي أدري أنن 􀑧 اً. ولكنن 􀑧 ي إطلاق 􀑧 ورك لا يهمن 􀑧 ى حض 􀑧 ي عل 􀑧 رار عم 􀑧 بب إص 􀑧 - س
المجيء..
أجبتك بتهكم:
- هل السادية .. آخر هواياتك؟
قلتِ بنبرة فاجأتني:
- لقد أحببت هذه المدينة من أجلك.
ي ألا 􀑧 ان ينبغ 􀑧 آ» تِ􀑧 فقل « ك􀑧 لقد أحببتك يوم قرأت » أجبتك بتلك الطريقة نفسها التي أجبتني بها يوماً، وأنا أعترف لك
.«.. تقرأني
قلتُ:
- آان ينبغي ألا تحبّيها إذن..
وإذا بجوابك يدهشني.. يوقظني.. ويبثّ شحنة آهربائية في جسدي..
- ...ولكنني أحببتك!
لّ 􀑧 اذا آ 􀑧 اذا الآن .. ولم 􀑧 ها هي الكلمة التي انتظرتها عاماً دون جدوى. فهل أشكرك أم أبكي. أم أسألك لماذا اليوم.. لم
هذا العذاب إذن؟
سألتك فقط:
- وهو؟
أجبتني وآأنك تتحدّثين عن شيء لا يعنيك تماماً:
- إنه قدر جاهز.
قاطعتك:
- لكل شخصٍ القدر الذي يستحقّه. آنت أتوقع قدراً غير هذا.. آيف قبلت أن ترتبطي به؟
قلتِ:
تحيلة 􀑧 الأحلام المس 􀑧 ا ب 􀑧 دما أثثته 􀑧 كن، بع 􀑧 لح للس 􀑧 د تص 􀑧 م تع 􀑧 رة ل 􀑧 ن ذاآ 􀑧 ط م 􀑧 ه فق 􀑧 رب إلي 􀑧 ا أه 􀑧 ه.. أن 􀑧 بط ب 􀑧 ا لا أرت 􀑧 - أن
والخيبات المتتالية..
لا 􀑧 ن، أف 􀑧 ت وط 􀑧 ط، أن 􀑧 رأة فق 􀑧 - ولكن لماذا هو.. آيف يمكن أن تمرّغي اسم والدك في مزبلة آهذه.. أنت لست ام
يهمّك ما سيكتبه التاريخ يوماً؟
أجبتِ بشيء من السخرية المرة:
150
غيرة 􀑧 اراتنا الص 􀑧 جّل انتص 􀑧 ا، ليس 􀑧 ى جانبين 􀑧 ر عل 􀑧 ر والخي 􀑧 ة الش 􀑧 ل ملائك 􀑧 ال سٌ مث 􀑧 اريخ ج 􀑧 د أن الت 􀑧 دك تعتق 􀑧 - وح
المجهولة.. أو آبواتنا وسقوطنا المفاجئ نحو الأسفل .التاريخ لم يعد يكتب شيئاً. إنه يمحو فقط!
لم أسألكِ ما الذي تريدين محوه بالضبط. ولم أناقشكِ في نظرتك الخاطئة للقيم..
سألتك:
- ما الذي تريدينه مني على التحديد؟
قلتِ آأنك طفلة يسألونها عن أيّ حلوى تريد:
- أريدك..
ي 􀑧 ا ف 􀑧 لان. آان 􀑧 اً رج 􀑧 ك دائم 􀑧 ه يلزم 􀑧 د، وأن 􀑧 ل واح 􀑧 ب رج 􀑧 ن ح 􀑧 اجزة ع 􀑧 رأة ع 􀑧 ت ام 􀑧 ا آن 􀑧 ك ربم 􀑧 ا أن 􀑧 ذهني لحظته 􀑧 ر ب 􀑧 خط
الماضي زياد وأنا. وأصبحا اليوم أنا ..والآخر.
عاد صوتك يقول:
اً.. 􀑧 ي يوم 􀑧 - خالد.. أتدري أنني أحببتك.. إنه حدث أن أردتك واشتهيتك حدّ الجنون.. شيء فيك جرّدني من عقل
ولكنني قررت أن أشفى منك.. آانت علاقة حبّنا علاقة مرضيّة، أنت نفسك قلت هذا..
سألتكِ:
- لماذا عدت اليوم إذن؟
قلتِ:
د 􀑧 ذباً، لق 􀑧 و آ 􀑧 ا ول 􀑧 دة .. تبارآن 􀑧 رة واح 􀑧 و م 􀑧 ة ول 􀑧 ك المدين 􀑧 ا تل 􀑧 - عدت لأقنعك بالمجيء إلى قسنطينة. أريد أن تبارآن
ن 􀑧 افح .ولك 􀑧 د لا نتص 􀑧 دث .. وق 􀑧 د لا نتح 􀑧 ا.. ق 􀑧 ي فيه 􀑧 ن نلتق 􀑧 ا ل 􀑧 ذ ا.. أدري أنن 􀑧 تواطأَتْ معنا وأوصلتنا إلى جنوننا ه
عدك 􀑧 ى .. أيس 􀑧 ي الأول 􀑧 سأآون لك ما دمنا فيها. سنتحداهم على مرأى منها.. ووحدها ستعرف أنني أمنحك ليلت
هذا؟
ك 􀑧 تِ روايت 􀑧 ا وهب 􀑧 اض، آم 􀑧 آم من ليلة أولى آنت تملكين؟ آم من ليلة وهمية أولى آنت قادرة على أن تهبي على بي
الأولى.. نسختين مزوّرتين لي ولزياد.. موقّعتين على بياض.
لمن ستكونين بعد آل ليلة وهمية؟ ومع من بدأت آذبتك الأولى؟ لمن أهديت هديّتك الملغومة الأولى؟
هية 􀑧 اق الش 􀑧 ن الأطب 􀑧 ة م 􀑧 ه قائم 􀑧 ردون علي 􀑧 ائع يس 􀑧 أثيوبي ج 􀑧 ذاك ب 􀑧 ي آن 􀑧 عندما أذآر آلامك اليوم، أضحك وأنا أشبّه نفس
التي لن يذوقها، ويسألونه بعدها آيف وجدها.. وإذا آان ذلك يسعده..
.«.. يسعدني » .. ولكن وقتها لم أضحك، بل ربما بكيت وأنا أجيبك بحماقة عاشق
لم أنتبه إلى أنك آنت تمنحينني ليلةً وهمية، عليّ أن أتنازل عنها مباشرة لرجل آخر، سيستفيد منها فعلياً!
ولكن هل يهم ذلك.. مادمت أتنازل عن شيء ليس في جميع الحالات لي؟
هكذا التاريخ دائماً عزيزتي وهكذا الماضي.. ندعوه في المناسبات ليتكفّل بفتات الموائد.
نتحايل على الذاآرة، نرمي لها عظمة تتلهى بها، بينما تُنصب الموائد للآخرين.
151
ر 􀑧 تغضّ النظ 􀑧 ة، ف 􀑧 عادة المؤجل 􀑧 ن الس 􀑧 ة، م 􀑧 لام المعلّب 􀑧 ن الأح 􀑧 راً م 􀑧 ام .. آثي 􀑧 وهكذا الشعوب أيضاً، نهبها آثيراً من الأوه
عن الولائم التي لن تدعى إليها..
ولكن لم أعِ آل هذا إلا بعد فوات الأوان. بعدما رفعت الموائد، وانسحب الجميع لأبقى وحدي.. أمام فتات الذاآرة.
قلتُ:
- أريد أن أراكِ..
صحتِ:
تكن 􀑧 تن ا. ل 􀑧 اً لقصّ 􀑧 ل وجع 􀑧 ة أق 􀑧 ن نهاي 􀑧 ث ع 􀑧 ب أن نبح 􀑧 ل . يج 􀑧 ذ ا أفض 􀑧 ان ه 􀑧 ا آ 􀑧 اً الآن .. وربم 􀑧 - لا.. لم يعد لقاؤنا ممكن
قسنطينة لقاءنا وفراقنا معاً ..فلا داعي لمزيد من العذاب.
ي .. 􀑧 ك ب 􀑧 ا أرأف 􀑧 د . فم 􀑧 راقٍ واح 􀑧 اءٍ وف 􀑧 هكذا إذن.. قررت قتلي حسب الأصول، بجرّة سكّين واحدة، ذهاباً وإياباً.. في لق
وما أغباني!
أآثر من سؤال ظلّ معلّقاً في الحلق، لم أطرحه عليك يومها.
أآثر من لوم.. أآثر من عتاب.. أآثر من رغبة..
ولكن هاتفك انتهى آما جاء خارج الزمان، وأنا بين الصحوة واليقظة ممدد بذهول في فراشي.
حتى أنني تساءلت بعدها: هل طلبتني حقاً في ذلك الصباح أم أنني حلمت ..فقط؟
ها نحن مثل أطفال إذن..
نمحو آل مرة آثار الطباشير على الأرض لنرسم قوانين لعبة جديدة.
ع 􀑧 ن مرب 􀑧 دة م 􀑧 ل واح 􀑧 ى رِجْ 􀑧 ز عل 􀑧 ن نقف 􀑧 دوش ونح 􀑧 اب بخ 􀑧 ا ونص 􀑧 خ ثيابن 􀑧 يء . فتتّس 􀑧 ل ش 􀑧 ربح آ 􀑧 يء لن 􀑧 نتحايل على آل ش
مستحيل إلى آخر.
آل مربع فخٌّ نُصب لنا، وفي آل مربع وقفنا وترآنا أرضاً شيئاً من الأحلام.
ات 􀑧 ي مربع 􀑧 ة ف 􀑧 ال، والإقام 􀑧 ى الحب 􀑧 ز عل 􀑧 دة، والقف 􀑧 ل واح 􀑧 ى رِجْ 􀑧 نط عل 􀑧 ر ال 􀑧 ا عم 􀑧 ا تجاوزن 􀑧 رف أنن 􀑧 د أن نعت 􀑧 ان لا ب 􀑧 آ
الطباشير الوهمية.
أخطأنا حبيبتي..
الوطن لا يرسم بالطباشير، والحب لا يكتب بطلاء الأظافر.
أخطأنا.. التاريخ لا يكتب على سبورة، بيد تمسك طباشير وأخرى تمسك ممحاة..
والعشق ليس أرجوحة يتجاذبها الممكن والمستحيل.
ن 􀑧 ط، ومَ 􀑧 ا الق 􀑧 نْ مِنّ 􀑧 ة مَ 􀑧 ذه اللعب 􀑧 ي ه 􀑧 ينا ف 􀑧 ات .نس 􀑧 ل الاتجاه 􀑧 ي آ 􀑧 ري ف 􀑧 ن الج 􀑧 ة ع 􀑧 ب . لحظ 􀑧 دعينا نتوقف لحظة عن اللع
الفأر.. ومن منا سيلتهم مَنْ.
نسينا أنهم سيلتهموننا معاً.
لم يعد أمامنا متّسعٌ للكذب. لا شيء أمامنا سوى هذا المنعطف الأخير. لا شيء تحتنا غير هاوية الدمار.
فلنعترف أننا تحطّمنا معاً.
152
لستِ حبيبتي..
أنتِ مشروع حبي للزمن القادم. أنت مشروع قصّتي القادمة وفرحي القادم.. أنتِ مشروع عمري الآخر.
في انتظار ذلك ..أحبّي من شئتِ من الرجال، واآتبي ما شئتِ من القصص..
وحدي أعرف قصّتك التي لن تصدر يوماً في آتاب. وحدي أعرف أبطالك المنسيين وآخرين صنعتهم من ورق.
وحدي أعرف طريقتك الشاذة في الحب، طريقتك الفريدة في قتل من تحبين ..لتؤثثي آتبك فقط.
أنا الذي قتلتني لعدة أسباب غامضة، وأحببتك لأسباب غامضة أخرى.
أنا الرجل الذي حوّلك من امرأة إلى مدينة، وحولته من حجارة آريمة إلى حصى.
لا تتطاولي على حطامي آثيراً.
لم ينته زمن الزلازل، وما زال في عمق هذا الوطن حجارة لم تقذفها البراآين بعد.
دعينا نتوقف لحظة عن اللعب .آفاك آل ما قلته من آذب..
أعرف اليوم أنك لن تكوني لي.
دعيني إذن، أنحشر معك يوم الحشر حيث تكونين، لأآون نصفك الآخر.
لأى 􀑧 ك م 􀑧 ت مفكّرت 􀑧 ا دام 􀑧 ا، وم 􀑧 ك هن 􀑧 وزة حول 􀑧 دعيني أحجز مسبقاً مكاناً لي إلى جوارك، ما دامت آل الأماآن محج
بالمواعيد حتى آخر أيامك..
يا امرأة على شاآلة وطن..
أيهمّ بعد اليوم أن نبقى معاً؟
* * *
حقيبة صغيرة فقط لملاقاة الوطن.
ولا شي سوى بدلة سوداء لحضور حفل زفافك. زجاجتيْ وسكي.. قمصان.. وشفرات حلاقة.
هنالك أوطان تنتج آل مبرّرات الموت، وتنسى أن تنتج شفرات حلاقة!
على أصابع الجرح أعود إلى الوطن.
دون أمتعة شخصية، دون زيادة في الوزن ولا زيادة في حساب.
وحدها الذاآرة أصبحت أثقل حملاً، ولكن من سيحاسبنا على ذاآرة نحملها بمفردنا؟
مشياً على جرحي الأخير أعود إليه على عجل.
عشر سنوات من الغياب، وها هوذا الرجوع المفاجئ. آنت أتوقع لقاءً غير هذا..
ي 􀑧 وس ف 􀑧 رفض الجل 􀑧 بات، أن ت 􀑧 ذه المناس 􀑧 ل ه 􀑧 ي مث 􀑧 ذاآرة ف 􀑧 دث لل 􀑧 آنت سأحجز لي مكاناً في الدرجة الأولى مثلاً. فيح
الكراسي الخلفية.
اً 􀑧 وطن أيض 􀑧 ي ال 􀑧 زوا آراس 􀑧 ذين حج 􀑧 ك ال 􀑧 بقاً، لأولئ 􀑧 وزة مس 􀑧 ة محج 􀑧 ي الأمامي 􀑧 ولكن، لا يهم سيدتي.. آانت آل الكراس
بأمر..
فلأعد إليه آما جئت منه إذن، على آرسي جانبي للحزن.
153
نغادر الوطن، محمّلين بحقائب نحشر فيها ما في خزائننا من عمر. ما في أدراجنا من أوراق.
نحشر ألبوم صورنا، آتباً أحببناها، وهدايا لها ذآرى..
نحشر وجوه من أحببنا.. عيون من أحبّونا.. رسائل آتبت لنا.. وأخرى آنّا آتبناها.
آخر نظرة لجارة عجوز قد لا نراها، قبلة على خد صغير سيكبر بعدنا، دمعة على وطن قد لا نعود إليه.
رة 􀑧 ي نظ 􀑧 ا، دون أن يلق 􀑧 ي وجهن 􀑧 ه ف 􀑧 ق قلب 􀑧 دما يغل 􀑧 نحمل الوطن أثاثاً لغربتنا، ننسى عندما يضعنا الوطن عند بابه، عن
على حقائبنا، دون أن يستوقفه دمعنا.. ننسى أن نسأله من سيؤثثه بعدنا.
وعندما نعود إليه.. نعود بحقائب الحنين.. وحفنة أحلام فقط.
الرخيصة الثمن. « تاتي » فالحلم لا يُستودر من محلات ،« بأآياس وردية » نعود بأحلام وردية.. لا
عارٌ أن نشتري الوطن ونبيعه حلماً في السوق السوداء .هنالك إهانات أصعب على الشهداء من ألف عملة صعبة!
ها أنذا.. بحقيبة يدٍ صغيرة، هنا في اللامكان.
ة 􀑧 ي الدرج 􀑧 د ف 􀑧 ى مقع 􀑧 س عل 􀑧 رى . أجل 􀑧 ى أخ 􀑧 رة إل 􀑧 ن ذاآ 􀑧 ي م 􀑧 ة ب 􀑧 ماء . والهارب 􀑧 ين الأرض والس 􀑧 ة ب 􀑧 في هذه النقطة المعلق
الثانية للنسيان.
وات الأوان: 􀑧 م ف 􀑧 اءل رغ 􀑧 يان . وأتس 􀑧 أحلّق على تضاريس حبّك. على ارتفاع تصعب معه الرؤية، ويصعب معه النس
تراني أرتكب آخر حماقات عمري، وأهرب منك إلى الوطن؟ أحاول أن أشفى منك به .أنا الذي لم أشف بك منه؟
ها هي اللوحة التي أحضرتها هدية لعرسك تشغل مكانك الفارغ إلى جواري.
ها نحن نسافر _ أخيراً معاً _ أنا وأنت..
نأخذ طائرة واحدة لأول مرة. ولكن ليس للرحلة نفسها.. ولا للاتجاه نفسه.
ها هي قسنطينة..
ساعتان فقط ليعود القلب عمراً إلى الوراء.
تشرع مضيفةٌ باب الطائرة، ولا تتنبّه إلى أنها تشرع معه القلب على مصراعيه. فمن يوقف نزيف الذاآرة الآن؟
ة .. 􀑧 ذه المدين 􀑧 ه ه 􀑧 ن وج 􀑧 ار ع 􀑧 ع الخم 􀑧 ادة، ليرف 􀑧 من سيقدر على إغلاق شبّاك الحنين، من سيقف في وجه الرياح المض
وينظر إلى عينها دون بكاء.
ها هي قسنطينة إذن..
اة 􀑧 ن الحي 􀑧 نة م 􀑧 رين س 􀑧 س وعش 􀑧 د خم 􀑧 ر، بع 􀑧 فره ا الأخي 􀑧 ي س 􀑧 افر مع 􀑧 ة تس 􀑧 د، ولوح 􀑧 وها أنذا أحمل بيدي الوحيدة حقيبة ي
المشترآة.
النسخة الناقصة عن قسنطينة، في لقاء ليليّ مع اللوحة الأصل.. ،« حنين » ها هي
تكاد مثلي تقع من على سلّم الطائرة تعباً.. ودهشة.. وارتباآاً.
دران 􀑧 تتقاذفنا النظرات الباردة المغلقة، تتقاذفنا العبارات التي تنهى وتأمر. وآل هذه الوجوه المغلقة، وآل هذه الج
الرمادية الباهتة..
فهل هذا هو الوطن؟
154
قسنطينة..
آيف أنتِ يا أميمة.. واشك؟
أشرعي بابك واحضنيني.. موجعة تلك الغربة.. موجعة هذه العودة..
باردٌ مطارك الذي لم أعد أذآره. باردٌ ليلك الجبلي الذي لم يعد يذآرني.
دثّريني يا سيدة الدفء والبرد معاً.
أجّلي بردك قليلاً ..أجّلي خيبتي قليلاً.
قادمٌ إليك أنا من سنوات الصقيع والخيبة، من مدن الثلج والوحدة.
فلا تترآيني واقفاًً في مهب الجرح.
ي 􀑧 ي أنن 􀑧 آانت الإشارات المكتوبة بالعربية، وبعض الصور الرسمية، وآل تلك الوجوه المتشابهة السمراء، تؤآد ل
أخيراً أقف وجهاً لوجه مع الوطن. وتشعرني بغربة من نوع آخر تنفرد بها المطارات العربية.
وحده وجه حسّان ملأني دفئاً مفاجئاً عندما أطلّ، وأذاب جليد اللقاء الأول.. مع ذلك المطار.
وعندما احتضنني، وأخذ عني حمولة يدي، وقال بلهجة جزائرية مازحة وهو يحمل عني تلك اللوحة:
وفك 􀑧 ال نش 􀑧 ي ق 􀑧 و الل 􀑧 ن ه 􀑧 روك م 􀑧 ار مب 􀑧 ذا نه 􀑧 يدي.. ه 􀑧 آ س » اف 􀑧 م أض 􀑧 ث «؟.. ات 􀑧 ي الطابلوه 􀑧 ل ف 􀑧 ت تنقّ 􀑧 واش.. مازل »
.«..! هنا
شعرت أن قسنطينة أخذت فجأة ملامحه، وأنها أخيراً جاءت ترحّب بي.
وهل آان حسان غير تلك المدينة نفسها. غير حجارتها.. قرميدها.. وجسورها ومدارسها.. وأزقّتها وذاآرتها؟
ى 􀑧 ونس أو إل 􀑧 ى ت 􀑧 يرة إل 􀑧 ارات قص 􀑧 ي زي 􀑧 ادراً ف 􀑧 ا إلا ن 􀑧 م يغادره 􀑧 ا .ل 􀑧 بح مدرّس 􀑧 ا أص 􀑧 ى ودرس، وهن 􀑧 ا تربّ 􀑧 د، وهن 􀑧 ا ول 􀑧 هن
باريس.
ت 􀑧 ا فتئ 􀑧 ي م 􀑧 ه الت 􀑧 وازم عائلت 􀑧 آان يحضر لزيارتي من سنة إلى أخرى، لكي يطمئنّ عليّ وليشتري بالمناسبة بعض ل
ي 􀑧 ن تزويج 􀑧 ئس م 􀑧 دما ي 􀑧 ة، بع 􀑧 م العائل 􀑧 دثار اس 􀑧 دم ان 􀑧 تكبر وتتضاعف. وآأن حسان قرر أن يتحمل بمفرده مسؤولية ع
ل 􀑧 رد بحم 􀑧 ي تنف 􀑧 ات الت 􀑧 ك اللوح 􀑧 دا تل 􀑧 ا ع 􀑧 ون .. م 􀑧 ات و لا بن 􀑧 ي بن 􀑧 ون ل 􀑧 ن يك 􀑧 ه ل 􀑧 لة، أن 􀑧 راء فاش 􀑧 اولات إغ 􀑧 وأدرك بعد مح
اسمي.
ادهم 􀑧 اتذة وعن 􀑧 ة الأس 􀑧 اً بحماس 􀑧 دث دائم 􀑧 ذي يتح 􀑧 ر، وال 􀑧 ذّب المظه 􀑧 ة، المه 􀑧 ارع القام 􀑧 ل الف 􀑧 ذ ا الرج 􀑧 وم، أن ه 􀑧 فُ الي 􀑧 أآتش
وتكرارهم، وآأنه يواصل حديثه لتلاميذه وليس للآخرين، هو أخي.. لا غير.
أآنت أجهل هذا؟ لا!
ي 􀑧 دة الت 􀑧 لبة الوحي 􀑧 بح الأرض الص 􀑧 ي تص 􀑧 ه ب 􀑧 عر أن قرابت 􀑧 ولكن في هذا اليوم الاستثنائي الألم والخيبة.. والفرحة! أش
يمكن أن أقف عليها وسط زلازلي الداخلية، والصدر الوحيد الذي آنت لولا الكبرياء، بكيت عليه في تلك اللحظة.
عشر سنوات.. حدث خلالها في بعض المرّات أن انتظرته أنا في مطار (أورلي الدولي).
ه، 􀑧 اُ ب 􀑧 آانت الأدوار معكوسة. آان هو القادم.. وأنا المنتظر. وآنت أشعر آنذاك أنني أقوم بواجب عائلي لستُ ملزم
ه . 􀑧 بكل مسؤولياته وواجبات « الأخ الكبير » ولكن آنت أحرص عليه. فقد آانت تلك إحدى فرصي القليلة لألعب دور
155
ت أدرك 􀑧 ذي آن 􀑧 ان ال 􀑧 ان، حس 􀑧 ن حسّ 􀑧 داً ع 􀑧 اً بعي 􀑧 ع دائم 􀑧 ي الواق 􀑧 ت ف 􀑧 د عش 􀑧 ه . فق 􀑧 ي أدائ 􀑧 اً ف 􀑧 ق دائم 􀑧 م أوفّ 􀑧 ذي ل 􀑧 ذلك الدور ال
جوعه للحنان ويتمه المبكّر.. وتعلقه العاطفي بي.
ا 􀑧 رم منه 􀑧 ي حُ 􀑧 ة الت 􀑧 ك العائل 􀑧 راً بتل 􀑧 ه أخي 􀑧 يط نفس 􀑧 ن الأولاد ليح 􀑧 ر م 􀑧 ل، وراح يكث 􀑧 ى عج 􀑧 اآرا عل 􀑧 تُراه لهذا أيضاً تزوّج ب
دائماً في طفولته، والتي آنت عاجزاً عن أن أعوضها له بحضوري العابر ..وغيابي المتنقّل من منفى إلى آخر.
ي الأخ 􀑧 فلماذا يقلب لقائي بحسان اليوم آل مقاييسي السابقة، ويشعرني برغم فارق العمر، وبرغم أولاده الستة، أنن
الأصغر وأنه في هذه اللحظة يكبرني بسبع سنوات، وربما بأآثر..
تفزّ 􀑧 ذي يس 􀑧 ار ال 􀑧 ذا المط 􀑧 فري .. أم أن ه 􀑧 يل س 􀑧 ن تفاص 􀑧 ألني ع 􀑧 امي، ويس 􀑧 ي أم 􀑧 ي ويمش 􀑧 ل حقيبت 􀑧 تُرى لأنه هو الذي يحم
ة 􀑧 ذه المدين 􀑧 رجولتي وآبريائي يجرّدني من وقار عمري. فأترك حسان يتصرف فيه نيابة عني، وآأن تجربته مع ه
ومعايشته لطباعها المتقلّبة، جعلته اليوم يبدو أآبر..
دة 􀑧 دم واح 􀑧 أة ق 􀑧 أم تراها قسنطينة.. تلك الأم المتطرفة العواطف، حباً وآراهية.. حناناً وقسوة، هي التي حوّلتني بوط
على ترابها، إلى ذلك الشاب المرتبك الخجول الذي آنته قبل ثلاثين سنة؟
نظرت إليها من زجاج سيارة آانت تنقلني من المطار إلى البيت، وتساءلت :أتراها تعرفني؟
رفيّة.. 􀑧 ا الش 􀑧 ن أبوابه 􀑧 ذرة م 􀑧 دي الق 􀑧 ة والأي 􀑧 اف العريض 􀑧 حاب الأآت 􀑧 رين وأص 􀑧 دخل المخب 􀑧 ي تُ 􀑧 وطن، الت 􀑧 ة ال 􀑧 ذه المدين 􀑧 ه
وتدخلني مع طوابير الغرباء وتجّار الشنطة.. والبؤساء.
أتعرفني.. هي التي تتأمل جوازي بإمعان.. وتنسى أن تتأملني؟
غيرهم 􀑧 فى .. وص 􀑧 ى يش 􀑧 هم حت 􀑧 ود .. ومريض 􀑧 ى يع 􀑧 ائبهم حت 􀑧 غ» : ت􀑧 قال «؟ من أحبّ أولادك إليك » : سُئِلت أعرابية يوماً
.« حتى يكبر
وآنت أنا غائبها الذي لم يعد.. ومريضها الذي لم يشف وصغيرها الذي لم يكبر..
راث 􀑧 ب الت 􀑧 ن آت 􀑧 رأت م 􀑧 ا ق 􀑧 ى م 􀑧 ت عل 􀑧 ا. عتب 􀑧 ب عليه 􀑧 م أعت 􀑧 ة . فل 􀑧 ك الأعرابي 􀑧 ول تل 􀑧 ولكن قسنطينة لم تكن قد سمعت بق
العربي!
لم أنم تلك الليلة..
ول 􀑧 اد أق 􀑧 هية أآ 􀑧 ه بش 􀑧 لمت ل 􀑧 ذي استس 􀑧 ة، وال 􀑧 دّ وليم 􀑧 ا تع 􀑧 ان، وآأنه 􀑧 ة حس 􀑧 ة زوج 􀑧 ه عتيق 􀑧 ذي أعدت 􀑧 اء ال 􀑧 ك العش 􀑧 ان ذل 􀑧 أآ
تاريخية، هو الذي آان سبب قلقي، بعدما تناولت الكثير من أطباقه التي لم أذق معظمها من سنين؟
ه 􀑧 ى جدران 􀑧 ذي عل 􀑧 ت، وال 􀑧 ه وتربّي 􀑧 دت في 􀑧 ذي ول 􀑧 ت، ال 􀑧 ك البي 􀑧 ع ذل 􀑧 ر م 􀑧 اطفي الآخ 􀑧 ائي الع 􀑧 دمة لق 􀑧 و ص 􀑧 بب ه 􀑧 أم أن الس
ت 􀑧 رى، تراآم 􀑧 ة أخ 􀑧 ام عادي 􀑧 اد ..وأي 􀑧 آتم وأعي 􀑧 راح وم 􀑧 ن أف 􀑧 ي، م 􀑧 ن ذاآرت 􀑧 ر م 􀑧 ه، آثي 􀑧 ه وممرات 􀑧 ذه وغرف 􀑧 وأدراجه ونواف
ذآراها في أعماقي لتطفو الآن فجأة.. آذآريات فوق العادة تلغي آل شيء عداها؟
ها أنا أسكن ذاآرتي وأنا أسكن هذا البيت، فكيف ينام من يتوسّد ذاآرته؟
يء 􀑧 روح ويج 􀑧 مازال طيف الذين غادروه يعبر هذه الغرف أمامي. أآاد أرى ذيل آندورة (أمّا) العنابي يمر هنا، وي
ق.. 􀑧 الطري » درج 􀑧 فل ال 􀑧 ن أس 􀑧 يح م 􀑧 وء، أو يص 􀑧 اء للوض 􀑧 ب بالم 􀑧 ي يطال 􀑧 وت أب 􀑧 ة. وص 􀑧 ري للأموم 􀑧 ور الس 􀑧 ذلك الحض 􀑧 ب
156
اء 􀑧 ذهبن للاختب 􀑧 ق وي 􀑧 حن الطري 􀑧 يهن أن يفس 􀑧 ب، وأن عل 􀑧 ل غري 􀑧 حبة رج 􀑧 لينبّه النساء في البيت أنه قادم بص « الطريق
في الغرف البعيدة.
ين 􀑧 ذ أربع 􀑧 ة من 􀑧 هادتي الابتدائي 􀑧 اً ش 􀑧 ي يوم 􀑧 ه أب 􀑧 ق علي 􀑧 ذي عل 􀑧 مار ال 􀑧 ار المس 􀑧 اض آث 􀑧 أآاد أرى خلف الجدران الجديدة البي
سنة. ثم جوارها بعد سنوات شهادة أخرى..
وبعدها لا شيء..
اهزاً 􀑧 ان ج 􀑧 ذي آ 􀑧 ه ال 􀑧 ا) وزواج 􀑧 وت (أم 􀑧 ت بم 􀑧 رى، انته 􀑧 اريع أخ 􀑧 رى، ومش 􀑧 توقّف اهتمامه بي ليبدأ اهتمامه بأشياء أخ
للاستهلاك، ومعداً في ذهنه منذ مدة.
اء 􀑧 رفن البك 􀑧 اء يحت 􀑧 رآن .. ونس 􀑧 رّاء الق 􀑧 ن ق 􀑧 د م 􀑧 أآاد أرى جثمان (أما) يخرج مرة أخرى من ها الباب الضيق يليه حش
في المآتم.
أآاد أرى موآباً آخر يعود بعد أسابيع، بعروسٍ صغيرة هذه المرة.. ونساء يحترفن الزغاريد والمواويل.
ثم تلك الليلة التي قبّلت فيها حسان وودعته قبل أن ألتحق بالجبهة.
لم يسألني ليلتها إلى أين آنت ذاهباً. آان حسان وهو في عامه الخامس عشر، قد سبق عمره بسنوات.
آان مثلي جعله اليتم يكبر على عجل.. وعلّمه ذلّه أن يصمت ويحتفظ لنفسه بالأسئلة.
سألني:
- ..وأنا؟
وأجبته بالذهول نفسه:
- مازلت صغيراً يا حسان.. انتظرني..
فقال وآأنه يتقمّص فجأة صوت (أما) وخوفها المرضيّ عليّ:
- عندك على روحك.. آ خالد..
وأجهش بالبكاء.
ها هو الوطن الذي استبدلته بأمي يوماً.
آنت أعتقد أنه وحده قادرٌ على شفائي من عقدة الطفولة، من يتمي ومن ذلّي.
ة 􀑧 ك مذلّ 􀑧 اليوم.. بعد آل هذا العمر، بعد أآثر من صدمة وأآثر من جرح، أدري.. أن هناك يُتم الأوطان أيضاً. هنال
الأوطان، ظلمها قسوتها، هنالك جبروتها وأنانيتها.
هنالك أوطان لا أمومة لها.. أوطان شبيهة بالآباء.
***
لم أنم ليلتها حتى ساعة متقدمة من الصباح.
غر أو لاد 􀑧 وتي أص 􀑧 ن غف 􀑧 ي م 􀑧 ى أيقظن 􀑧 و حت 􀑧 دت أغف 􀑧 ا آ 􀑧 ا. وم 􀑧 رارة م 􀑧 بق لم 􀑧 آان للقائي الليلي مع تلك المدينة مذاق مس
حسان، الذي استيقظ باآراً وراح يبكي بكاء رضيع يطالب بحضن أمه، ووجبته الصباحية.
حسدت براءته وجرأته الطفولية.. وقدرته على قول ما يريد دون آلام.
157
في ذلك الصباح، وفي أول لقاء لي مع تلك المدينة، فقدت لغتي.
شعرت أن قسنطينة هزمتني حتى قبل أن نلتقي، وأنها جاءت بي إلى هنا، لتقنعني بذلك لا غير!
ولم أشعر برغبة في مقاومة قدري.
لقد هزمتْ من مرّوا قبلي، وصنعت من جنونهم بها أضرحة للعبرة.
وأنا آخر عشّاقها المجانين..
ون 􀑧 ى جن 􀑧 الآخر، وأحمق قسنطينة الآخر.. ما الذي أوصلني إل « أحدب نوتردام » أنا ذا العاهة الآخر الذي أحبها، أنا
آهذا؟ ما الذي أوقفني عند أبواب قلبها عمراً؟
وآانت تشبهك..
تحمل اسمين مثلك، وعدة تواريخ للميلاد. خارجة لتوّها من التاريخ، باسمين: واحد للتداول.. وآخر للتذآار.
قاهرة آانت.. آمدينة أنثى. .« سيرتا » آان اسمها يوماً
وآانوا رجالاً.. في غرور العسكر!
من هنا مرّ صيفاآس.. ماسّينيسا.. ويوغررطة ..وقبلهم آخرون.
ترآوا في آهوفها ذاآرتهم. نقشوا حبّهم وخوفهم وآلهتهم.
ترآوا تماثيلهم وأدواتهم، وصكوآهم النقدية، أقواس نصرهم وجسوراً رومانية..
..و رحلوا.
اً 􀑧 رة قرن 􀑧 تة عش 􀑧 الذي منحه لها من س « قسنطينة » لم يصمد من الجسور سوى واحد. ولم يبق من أسمائها سوى اسم
.« قسطنطين »
رن 􀑧 ا اقت 􀑧 ى .. وإنم 􀑧 ة الأول 􀑧 ه بالدرج 􀑧 ن حبيبت 􀑧 م تك 􀑧 ة ل 􀑧 أحسد ذلك الإمبراطور الروماني المغرور، الذي منح اسمه لمدين
بها لأسباب تاريخية محضة.
وحدي منحتك اسماً لم يكن اسمي.
لأعيدها إلى شرعيّتها الأولى. « سيرتا » وربما لذلك، يحدث أن أعاآس قانون الحماقات هذا. وأنادي تلك المدينة
.« حياة » تماما.. آما أناديك
آكلّ الغزاة.. أخطأ قسطنطين.
المدن آالنساء.. نحن لا نمتلكها لمجرد أننا منحناها اسمنا.
ه 􀑧 مت ل 􀑧 مدينة نُذرت للحب والحروب، تمارس إغراء التاريخ، وتتربّص بكل فاتح سبق أن ابتس « سيرتا » لقد آانت
يوماً من علوّ صخرتها.
آنسائها آانت تغري بالفتوحات الوهمية..
ولكن لم يعتبر من مقابرها أحد!
اً 􀑧 ين باي 􀑧 د وأربع 􀑧 انيين .. وواح 􀑧 يين .. والعثم 􀑧 اطميين ..والحفص 􀑧 زنطيين .. والف 􀑧 دال .. والبي 􀑧 ان .. والون 􀑧 رحة الروم 􀑧 هنا أض
تناوبوا علها قبل أن تسقط في يد الفرنسيين.
158
هنا وقفت جيوش فرنسا سبع سنوات بأآملها على أبواب قسنطينة.
راً 􀑧 الكة مم 􀑧 نة 1837 ، س 􀑧 خرة، إلا س 􀑧 ى ص 􀑧 ة عل 􀑧 ة الجالس 􀑧 فرنسا التي دخلت الجزائر سنة 1830 ، لم تفتح هذه المدين
جبليا ترآت فيه نصف جيشها، وترآت فيه قسنطينة خيرة رجالها.
منذ ذلك اليوم، ولد أآثر من جسر حول تلك المدينة، وآثرت الطرقات المؤدية إليها.
ولكن، آانت الصخرة دائماً أآبر من الجسور، لأنها تدري أن لا شيء تحت الجسور سوى الهاوية!
ها هي مدينة تتربص بكل فاتح.. تلف نفسها بملاءتها السوداء وتخفي سرّها عن آل سائح.
ى 􀑧 رحتهم عل 􀑧 رت أض 􀑧 الح، تبعث 􀑧 يّ ص 􀑧 ن ول 􀑧 ر م 􀑧 رية وأآث 􀑧 ا الس 􀑧 تحرسها الوهاد العميقة من آل جانب، تحرسها آهوفه
المنعرجات الخضراء تحت الجسور.
بهم 􀑧 دوار الم 􀑧 ين ال 􀑧 دام، ب 􀑧 ى الأق 􀑧 ياً عل 􀑧 مها، مش 􀑧 أنني أرس 􀑧 هنا القنطرة.. أقرب جسر لبيتي ولذاآرتي. أعبرها تلقائيا وآ
والتذآار وآأنني أعبر حياتي، أجتاز العمر من طرفٍ إلى آخر.
رهم 􀑧 ان ينتظ 􀑧 ا آ 􀑧 يئاً م 􀑧 أن ش 􀑧 ور، وآ 􀑧 ى الطي 􀑧 ابرون وحت 􀑧 يارات والع 􀑧 ر .الس 􀑧 ذا الجس 􀑧 آل شيء آان يبدو مسرعاً على ه
على الطرف الآخر.
ي 􀑧 ين طرف 􀑧 رق ب 􀑧 ة، لا ف 􀑧 ي الحقيق 􀑧 ه ف 􀑧 ه، وأن 􀑧 ه خلف 􀑧 ون ترآ 􀑧 د يك 􀑧 ه، ق 􀑧 ث عن 􀑧 ذي يبح 􀑧 ربما آان بعضهم يجهل آنذاك أن ال
الجسر. الفرق الوحيد هو ما في فوقه.. وما تحته.
ان 􀑧 ا لأن الإنس 􀑧 ا، ربم 􀑧 تلك الهاوية المخيفة التي يفصلك عنها حاجز حديدي لا أآثر، والتي لا يتوقف أحد لينظر إليه
بطبعه لا يحب أن يتأمل الموت ..آثيراً.
وحدي تستوقفني هذه الهاوية الموغلة في العمق.
ترى لأنني أتيتها بأفكار مسبقة وذاآرة متوارثة؟ أم سلكت هذا الطريق، لأنفرد بهذه المدينة على جسر؟
***
هنالك حماقات يجب عدم ارتكابها، آأن تأخذ موعداً مع ذاآرتك على جسر.
خاصةً عندما تتذآر فجأة، تلك القصة التي نسيتها تماماً منذ سنين..
اءه 􀑧 دما ج 􀑧 ل .. عن 􀑧 ات بالقت 􀑧 د الباي 􀑧 ده أح 􀑧 دم ا توع 􀑧 ذ ا.. بع 􀑧 ان ه 􀑧 قصة جدك البعيد الذي رمى بنفسه يوماً من جسر ربما آ
ل 􀑧 اص .. ورج 􀑧 وله الخ 􀑧 ه ورس 􀑧 ان مبعوث 􀑧 ذي آ 􀑧 خبر خيانته وتآمره عليه مع بعض وجهاء قسنطينة للإطاحة به. هو ال
ثقته.
ف 􀑧 اد ليق 􀑧 ن أن يُق 􀑧 آان جدّي يومها أضعف من أن يقف بمفرده في وجه ذلك الأمر القاطع بالقتل. وآان أيضاً أآبر م
بين يدي ذلك الباي ذليلاً..
ض أن 􀑧 د رف 􀑧 ولذا عندما أرسل الباي من يحضره إليه.. آان جدي جثة في هوة سحيقة آهذه، أسفل وادي الرمال، فق
يمنح الباي شرف قتله.
سمعت هذه القصة مرة واحدة من فم أبي، يوم سألته عن سر هذا الاسم الذي نحمله.
يبدو أنه آان لا يحب رواية هذه الحادثة. فقد آان الانتحار في حدّ ذاته عاراً وآفراً في مجتمع قسنطيني متدين.
159
د 􀑧 نطينة إلا بع 􀑧 ى قس 􀑧 د إل 􀑧 م تع 􀑧 مها الأول . ول 􀑧 رة اس 􀑧 ولهذا هاجرت عائلتنا بعد ذلك إلى غرب الجزائر مستبدلة باسم نك
جيل وأآثر، باسمٍ لمدينة أخرى.
أعيد نظري إلى أسفل.
ذي 􀑧 وف الأرض، وال 􀑧 ن ج 􀑧 راً م 􀑧 بعين مت 􀑧 ة وس 􀑧 اع مئ 􀑧 ى ارتف 􀑧 ق عل 􀑧 ر المعلّ 􀑧 ذا الجس 􀑧 ي ه 􀑧 ا، ف 􀑧 ث هن 􀑧 ت أبح 􀑧 ماذا تراني جئ
تعبره أسراب الغربان على عجل؟
يء 􀑧 ل ش 􀑧 تراني أبحث عن بقايا جدّ ما، آان اسمه أحمد.. يقال إنه آان وسيماً وذا مالٍ وعلم آبير، وأنه رمى يوماً آ
من هنا.. ليترك حزنه وجرحه إرثاً لتلك العائلة.
هذه هي قسنطينة..
تري 􀑧 وق . وتش 􀑧 مدينة لا يهمها غير نظرة الآخرين لها، تحرص على صيتها خوفاً من القيل والقال الذي تمارسه بتف
شرفها بالدم تارة.. والبُعد والهجرة تارةً أخرى.
تراها تغيّرت؟
ا 􀑧 ي م 􀑧 اني الت 􀑧 دى الأغ 􀑧 أذآر أنني سمعت وأنا شاب بعائلة غادرت قسنطينة فجأة إلى مدينة أخرى، بعدما شاع أن إح
اليوم، قد نظمها أحدهم تغزّلاً في إحدى بناتها! « الفرقاني » يزال يغنّيها
ويظل السؤال.. ما الذي جئت أفعل هنا فوق هذا الجسر؟
تراني على موعد مع ذاآرتي، أم فقط مع لوحتي في هذا الصباح؟
ها أنا أقف أمامها اليوم دون فرشاة ولا ألوان، وبلا قلق أو خوف من مربّع القماش الأبيض.
ن 􀑧 زءاً م 􀑧 ى ج 􀑧 بح حت 􀑧 ي أن أص 􀑧 ا. ويمكنن 􀑧 زء منه 􀑧 ا ج 􀑧 دعه ا. أن 􀑧 امها ولا مب 􀑧 ت رسّ 􀑧 ة . لس 􀑧 ذه اللحظ 􀑧 ي ه 􀑧 أنا لست خالقها ف
تفاصيلها وتضاريسها.
كنها 􀑧 ا لأس 􀑧 أنني أخترقه 􀑧 ة .. آ 􀑧 ار لوح 􀑧 از إط 􀑧 أنني أجت 􀑧 ا، وآ 􀑧 لني عنه 􀑧 ذي يفص 􀑧 يمكنني أن أجتاز هذا الحاجز الحديدي ال
إلى الأبد.
ر أردت أن 􀑧 ة، لمنظ 􀑧 ةٍ أبدي 􀑧 ى لوح 􀑧 ا.. عل 􀑧 ونٍ م 􀑧 رة لل 􀑧 رية، قط 􀑧 ة بش 􀑧 ق نقط 􀑧 خري العمي 􀑧 وادي الص 􀑧 ذ ا ال 􀑧 و ه 􀑧 دحرج نح 􀑧 أت
أرسمه.. فرسمني.
أليست هذه أجمل نهاية لرسّام، أن يتوحد مع لوحته في مشهد واحد؟
ر 􀑧 طرها نه 􀑧 ي يش 􀑧 خرية الت 􀑧 اق الص 􀑧 ك الأنف 􀑧 ى تل 􀑧 ي، إل 􀑧 ة تحت 􀑧 اد العميق 􀑧 ى الوه 􀑧 ر إل 􀑧 ا أنظ 􀑧 ة وأن 􀑧 آنت أدري في تلك اللحظ
تي 􀑧 ان فرص 􀑧 ا آ 􀑧 ر، ربم 􀑧 بقيّ أخي 􀑧 آانت تستدرجني إلى العمق، في موت ش « الهاوية الأنثى » الرمال ببطء زبديّ، أن
الأخيرة للتوحد الجسديّ مع قسنطينة، ومع ذاآرة جدّ بدأت أشعر بتواطؤ غامض معه.
ترى شهوة السقوط والتحطم هي التي أشعرتني عندئذٍ بالدوار، وأنا معلّق على ذلك الجسر وحدي؟
ى 􀑧 دوار. فمت 􀑧 عرون بال 􀑧 ا يش 􀑧 اء هن 􀑧 دهم الغرب 􀑧 ا. وح 􀑧 ذر له 􀑧 اد أعت 􀑧 ة.. وأآ 􀑧 ذه المدين 􀑧 ن ه 􀑧 ل م 􀑧 أة بالخج 􀑧 عر فج 􀑧 ي أش 􀑧 وإذا ب
بالتحديد وضعتني قسنطينة في خانتهم؟
ورغم ذلك أعترف، أنني لم أآن يومها مستعداً للموت.
160
ة، 􀑧 ذه المدين 􀑧 ت ه 􀑧 ليس تمسكاً منيّ بالحياة. ولكن لأنني وصلت بذلك الحزن الجارف العميق الذي اجتاحني منذ وطئ
إلى عاطفة غامضة متطرفة أخرى.
لقد وصلت بمرارتي وخيبتي حد الطمأنينة والسعادة المبهمة.
فلقد تعلّمت أن أسخر من استفزاز الأشياء لي، وأقابل تلك المواجهة مع الذاآرة بشيء من التهكم المرّ.
ة 􀑧 ذه اللعب 􀑧 راً به 􀑧 ذّذ س 􀑧 دأت أتل 􀑧 ذا ب 􀑧 ه ! ول 􀑧 اد تحترف 􀑧 ة تك 􀑧 ي مدين 􀑧 ون ف 􀑧 ن الجن 􀑧 اً ع 􀑧 ا بحث 􀑧 وني، ربم 􀑧 رارٍ جن 􀑧 ر ق 􀑧 ا إث 􀑧 ألم آت هن
ي 􀑧 ة، ه 􀑧 ذه المدين 􀑧 ع ه 􀑧 وم م 􀑧 ي الي 􀑧 ت خيبت 􀑧 ا آان 􀑧 دة. فربم 􀑧 يّة متعمّ 􀑧 دماتي بمازوش 􀑧 يش ص 􀑧 ى أن أع 􀑧 الموجعة، وأحرص عل
منجم جنوني وعبقريتي القادمة.
وبرغم ذلك قررت فجأة أن أهرب من ذلك الجسر الذي آان بداية جنوني يوماً.
ه . 􀑧 خة من 􀑧 فجأة تطيّرت منه، أن الذي أولعت به طويلاً وحولته إلى ديكور لحياتي، بعدما أحطت نفسي بأآثر من نس
قائق 􀑧 ة بش 􀑧 اً مرشوش 􀑧 ت يوم 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 فوح الجبلي 􀑧 ك الس 􀑧 ت تل 􀑧 ث آن 􀑧 ن حي 􀑧 ح م 􀑧 ا ألم 􀑧 اءني، وأن 􀑧 اس ج 􀑧 أيكون ذلك الإحس
النعمان.. وأزهار النرجس المنثور بين الممرات الخضراء، والتي آان أهل قسنطينة يأتون إليها آل سنة لاستقبال
أن 􀑧 ة، وآ 􀑧 وم حزين 􀑧 دو الي 􀑧 ي تب 􀑧 وة .. والت 􀑧 ات و قه 􀑧 وحلوي « راج 􀑧 ب» ن􀑧 بة م 􀑧 الربيع.. محمّلين بما أعدّته النساء لتلك المناس
أزهارها غادرتها لسبب غامض؟
ي 􀑧 ؤخراً ف 􀑧 ه م 􀑧 أم تراه منظر مزار (سيدي محمد الغراب) الذي يعود فجأة إلى الذاآرة. وإذا بي أستعيد ما قرأته عن
آتاب تاريخي عن قسنطينة. فتعبرني قشعريرة غامضة.
ذا 􀑧 بب ه 􀑧 لاق بس 􀑧 ى الإط 􀑧 نطينة عل 􀑧 ات قس 􀑧 ر باي 􀑧 اي أآب 􀑧 الح ب 􀑧 ت ص 􀑧 ي لاحق 􀑧 ة الت 􀑧 ي دون أن أدري اللعن 􀑧 و لاحقتن 􀑧 اذا ل 􀑧 م
ة، 􀑧 ك المدين 􀑧 ا لتل 􀑧 ي وهبه 􀑧 ة الت 􀑧 لاحاته المختلف 􀑧 ة، وإص 􀑧 ة الهائل 􀑧 ه المعماري 􀑧 تم إنجازات 􀑧 د أن يخ 􀑧 ان يري 􀑧 الجسر؟ هو الذي آ
ن 􀑧 مد م 􀑧 ذي ص 􀑧 د ال 􀑧 ر الوحي 􀑧 ارج، والجس 􀑧 ة بالخ 􀑧 بإصلاح جسر القنطرة، اللسان الترابي الوحيد الذي آان يربط المدين
بين خمسة جسور رومانية.
تقول أسطورة شعبية، إن هذا الجسر آان أحد أسباب هلاك (صالح باي) ونهايته المفجعة..
ولي 􀑧 ل ال 􀑧 قط رأس الرج 􀑧 دما س 􀑧 رة . وعن 􀑧 عبية آبي 􀑧 ون بش 􀑧 انوا يتمتّع 􀑧 ذين آ 􀑧 اء ال 􀑧 د الأولي 􀑧 فقد قتل فوقه (سيدي محمد)، أح
فوح . 􀑧 ك الس 􀑧 ى تل 􀑧 ت عل 􀑧 ي آان 􀑧 على الأرض، تحول جسمه إلى غراب، وطار متوجهاً نحو دار صالح باي الريفية الت
ولعنه واعداً إياه بنهاية لا تقل قسوة ولا ظلماً عن نهاية الولي الذي قتله.
فما آان من صالح باي إلا أن غادر بيته وأراضيه إلى الأبد، تطيّراً من ذلك الغراب، واآتفى بداره في المدينة.
ي 􀑧 ود ف 􀑧 لمين واليه 􀑧 زار المس 􀑧 رنين م 􀑧 د ق 􀑧 ى بع 􀑧 ليبق ،« راب 􀑧 د الغ 􀑧 يدي محم 􀑧 س » م􀑧 ان اس 􀑧 ك المك 􀑧 هكذا أطلق الناس على ذل
ا 􀑧 ؤدون به 􀑧 ة، ي 􀑧 اً وردي 􀑧 ه ثياب 􀑧 دون خلال 􀑧 ل يرت 􀑧 بوع آام 􀑧 اء أس 􀑧 قسنطينة، يأتونه في نهايات الأسبوع وفي المواسم، لقض
ث 􀑧 خر ية حي 􀑧 ه الص 􀑧 ة لبرآت 􀑧 اه الدافئ 􀑧 ي المي 􀑧 تحمّون ف 􀑧 ام، ويس 􀑧 ائح الحم 􀑧 ه 􀑧 طقوساً متوارثة جيلاً عن جيل، فيقدّمون ل
ات 􀑧 ي حلق 􀑧 ة، ف 􀑧 ص بدائي 􀑧 ات رق 􀑧 لام لنوب 􀑧 ر، والاستس 􀑧 لا غي « العروق » آانت تستحمّ السلاحف، ويعيشون على شرب
.« الفقيرات » جماعية يؤدونها في الهواء الطلق.. على وقع بندير
ولكن قسنطينة، لم تحقد على بايها الذي وهبها الكثير من الوجاهة والرفاهية.
161
سوّت فقط بطيبة أو بجنون.. بين القاتل والقتيل.
م 􀑧 ا اس 􀑧 صنعت من (سيدي محمد الغراب) أشهر مزار وليّ قسنطيني على الإطلاق، في مدينة يحمل آل شارع فيه
وليّ.
ه 􀑧 ة موت 􀑧 ت فجيع 􀑧 عارها، وغنّ 􀑧 وخلّدت من بين واحد وأربعين باياً حكمها، اسم صالح باي وحده، فكتبت فيه أجمل أش
في أجمل أغنية رثاء. ومازالت تلبس حداده حتى اليوم مع ملاءات نسائها السوداء.. دون أن تدري!
هذه هي قسنطينة..
لا فرق بين لعنتها ورحمتها، لا حاجز بين حبّها وآراهيّتها، لا مقاييس معروفة لمنطقها.
تمنح الخلود لمن تشاء، وتنزل العقاب بمن تشاء.
راءةً.. دون أن 􀑧 اً أو ب 􀑧 ة.. إجرام 􀑧 اً أو آراهي 􀑧 ا، حب 􀑧 ه منه 􀑧 م موقف 􀑧 اه يحس 􀑧 ن عس 􀑧 ا، وم 􀑧 ى جنونه 􀑧 بها عل 􀑧 اه يحاس 􀑧 ن عس 􀑧 فم
يعترف أنها تحمل في آل الحالات ضدّها؟
***
ان، 􀑧 ع حس 􀑧 هراتي م 􀑧 ي س 􀑧 ث ف 􀑧 ت أبح 􀑧 ا، فرح 􀑧 ي ذاآرته 􀑧 ر ف 􀑧 ورط أآث 􀑧 ت أت 􀑧 ة، آن 􀑧 في آل يوم آنت أقضيه في تلك المدين
وأحاديثنا الجانبية الطويلة، التي تمتد بنا أحياناً حتى ساعة متأخرة من الليل.. عن وصفة أخرى للنسيان.
أبحث في ذلك الجو العائلي الذي افتقدته طويلاً عن طمأنينة أخرى خارج فضائها.
ندي 􀑧 ان س 􀑧 ا آ 􀑧 ام . وربم 􀑧 ك الأي 􀑧 ي تل 􀑧 يّتي ف 􀑧 ى نفس 􀑧 أثير عل 􀑧 ي، ت 􀑧 آان لوجودي في ذلك البيت العائلي الذي أعرفه ويعرفن
ن 􀑧 اً م 􀑧 بح جنين 􀑧 دة، لأص 􀑧 ولتي البعي 􀑧 السريّ الذي لم أتوقّعه. لقد آنت أعود إليه آل ليلة، وآأنني أصعد نحو دهاليز طف
جديد..
أختبئ في جوف أمٍ وهمية، مازال مكانها هنا فارغاً منذ ثلاثين سنة.
ه 􀑧 دّد ل 􀑧 يحدث في تلك الليالي أن أذآر زياد، يوم أقام عندي لبضعة أشهر في الجزائر، عندما رفض مستأجره أن يج
عقد إيجار البيت.
تعوّدت وقتها أن أترك له سريري، وأنام على فراش آخر وضعته على الأرض في غرفة أخرى.
وآان زياد يحتج ويشعر بشيء من الإحراج، معتقداً أنني أفعل ذلك مجاملة له.
ي 􀑧 راش الأرض 􀑧 ك الف 􀑧 ان ذل 􀑧 وآنت أؤآّد له آل مرة، أنني اآتشفت بفضله أنني أسعد أآثر بالنوم على الأرض. فقد آ
ه 􀑧 ر لون 􀑧 ت أذآ 􀑧 ا زل 􀑧 ذي م 􀑧 وفي ال 􀑧 رح الص 􀑧 ك المط 􀑧 ى ذل 􀑧 نوات، عل 􀑧 دة س 􀑧 ي لع 􀑧 وار أم 􀑧 ى ج 􀑧 ومي إل 􀑧 ولتي وبن 􀑧 ذآّرني بطف 􀑧 ي
وفية 􀑧 ارح الص 􀑧 ك المط 􀑧 د تل 􀑧 وف وتجدي 􀑧 ل الص 􀑧 ف، لغس 􀑧 ل خري 􀑧 ا) آ 􀑧 الأزرق. بل وتلك الأيام التي آانت تخصّصها (أمّ
التي آانت الأثاث الأساسي لغرفة نومي.
امون 􀑧 تمنّيت لو طلبت من عتيقة أن تضع لي في المستقبل فراشاً على الأرض، تماماً آما تفعل مع أولادها الذين ين
وفية 􀑧 ه الص 􀑧 ت أغطيت 􀑧 الانزلاق تح 􀑧 ة ب 􀑧 دفء والرغب 􀑧 وحي بال 􀑧 ترك ي 􀑧 ي مش 􀑧 راش أرض 􀑧 ى ف 􀑧 رى، عل 􀑧 رف الأخ 􀑧 ي الغ 􀑧 ف
الجميلة التي تثير غيرتي وحنيني لزمنٍ لم أعد أدري لبعده، إن آنت عشته حقاً.. أم تخيّلته.
162
دّة 􀑧 رية المع 􀑧 ا العص 􀑧 ة نومه 􀑧 ا، غرف 􀑧 رف بيته 􀑧 ل غ 􀑧 ي أجم 􀑧 ولكن أيعقل أن أطلب هذا الطلب من عتيقة؟ هي التي أعطتن
لاستقبال الضيوف، أآثر منها لقضاء ليالٍ زوجية ..للحب؟
هرتنا، 􀑧 ي س 􀑧 اً ف 􀑧 ارك أحيان 􀑧 ة تش 􀑧 ت عتيق 􀑧 د آان 􀑧 ذا. فق 􀑧 وني ه 􀑧 يراً لجن 􀑧 دت تفس 􀑧 ا وج 􀑧 ا، ولم 􀑧 ا أحرجته 􀑧 ذا فلربم 􀑧 ت ه 􀑧 و فعل 􀑧 ل
ي 􀑧 ت العرب 􀑧 ذا البي 􀑧 ن ه 􀑧 التخلي ع 􀑧 ي ب 􀑧 ع أخ 􀑧 اريس، لأقن 􀑧 ن ب 􀑧 اً م 􀑧 راً قادم 􀑧 لاً متحضّ 􀑧 فتي رج 􀑧 ي، بص 􀑧 تنجد ب 􀑧 اول أن تس 􀑧 وتح
ة .. 􀑧 ري جميل 􀑧 ي نظ 􀑧 دو ف 􀑧 ت تب 􀑧 ي آان 􀑧 ياء الت 􀑧 ل الأش 􀑧 ن آ 􀑧 ي ع 􀑧 ذر ل 􀑧 القديم، وهذه الطريقة المتخلّفة في العيش. وتكاد تعت
ونادرة.
ها 􀑧 ى نق اش 􀑧 تماع إل 􀑧 ولأنني لم أآن أملك القدرة على إقناعها برأيي، ولا الجرأة على معاآسة رأيها، آنت أآتفي بالاس
به 􀑧 ان ش 􀑧 ق حس 􀑧 وم، ويعلّ 􀑧 ى الن 􀑧 ي إل 􀑧 حب ه 􀑧 ل أن تنس 􀑧 جار قب 􀑧 ى ش 􀑧 اً إل 􀑧 ول أحيان 􀑧 اد يتح 􀑧 ذي يك 􀑧 اش ال 􀑧 ك النق 􀑧 ان، ذل 􀑧 ع حس 􀑧 م
معتذر:
وا 􀑧 د أن يوقف 􀑧 د الله.. لا ب 􀑧 ذا وتحم 􀑧 اً آه 􀑧 كن بيت 􀑧 ون، أن تس 􀑧 لا يمكن أن تقنع امرأة تشاهد مسلسل (دالاس) على التلفزي »
.«.. هذا المسلسل، ماداموا عاجزين عن منح الناس سكناً محترماً ..وحياة أفضل
آنت أحسد قناعة حسان. وأعجب بفلسفته في الحياة.
يس 􀑧 ن ل 􀑧 رت لم 􀑧 ف، ونظ 􀑧 ة رغي 􀑧 دك قطع 􀑧 ي ي 􀑧 ان ف 􀑧 إذا آ 􀑧 لكي تكون سعيداً عليك أن تنظر إلى من تحتك. ف » : آان يقول
ن 􀑧 ت ل 􀑧 فأن « ك􀑧 آع » ة􀑧 دهم قطع 􀑧 ي ي 􀑧 ن ف 􀑧 رت لم 􀑧 راً ونظ 􀑧 ك آثي 􀑧 ت رأس 􀑧 ا إذا رفع 􀑧 د الله . وأم 􀑧 عد وتحم 􀑧 يء، ستس 􀑧 ده ش 􀑧 في ي
.«! تشبع، بل ستموت قهراً فقط.. وتتعس باآتشافك
غيرة 􀑧 يلها الص 􀑧 ة، بتفاص 􀑧 اً مزعج 􀑧 دو أحيان 􀑧 ي تب 􀑧 لبياته الت 􀑧 ل س 􀑧 رغم آ 􀑧 وهكذا ففي نظر حسان أن العيش في بيت آهذا ب
ذا 􀑧 عاً آه 􀑧 اً واس 􀑧 دوا بيت 􀑧 م يج 􀑧 ذين ل 􀑧 رات الآلاف ال 􀑧 التي تجاوزها العصر، يظل أفضل مما يعانيه آلاف الناس. بل وعش
اً 􀑧 ون بيت 􀑧 ي تك 􀑧 يقة الت 􀑧 يسكنونه بمفردهم مع أولادهم وزوجتهم. بل آثيراً ما يتقاسمون مع أهلهم وأقاربهم، الشقة الض
لعائلتين لعدة سنوات.
هكذا آان حسان..
.«.. لقد آانت نظرته إلى الأشياء نظرة عمودية، فقد تعلم آل ما تعلمه في صباه على سبورة بالحائط »
وآان سعيداً بتلك النظرة التي قد تعود أيضاً إلى عقليته آموظف محدود الدخل.. ومحدود الأحلام!
دامى 􀑧 عراء الق 􀑧 اب والش 􀑧 يرة الكتّ 􀑧 رد س 􀑧 ة، وس 􀑧 فَبِمَ يمكن أن يحلم أستاذ للعربية يقضي يومه في شرح النصوص الأدبي
ان 􀑧 ا آ 􀑧 رح م 􀑧 رأة_ لش 􀑧 ت _أو الج 􀑧 ن الوق 􀑧 عاً م 􀑧 د متس 􀑧 ائية، ولا يج 􀑧 ة والإنش 􀑧 ائهم النحوي 􀑧 حيح أخط 􀑧 ذه.. وتص 􀑧 ى تلامي 􀑧 عل
اموس 􀑧 دخل ق 􀑧 ة، لت 􀑧 ن اللغ 􀑧 أة م 􀑧 ت فج 􀑧 يحدث أمامه، وتصحيح أخطاء أآبر ترتكب على مرأى منه باسم آلمات خرج
الشعارات والمزايدات؟.
آان في أعماق حسان مرارة غامضة تبدو على آل تفاصيل حياته .ولكنه آان يحتفظ بها لنفسه.
اة 􀑧 ر حي 􀑧 رى غي 􀑧 اة أخ 􀑧 م بحي 􀑧 ي تحل 􀑧 ابة الت 􀑧 ه الش 􀑧 تّة وزوجت 􀑧 كلات أولاده الس 􀑧 ي مش 􀑧 اً ف 􀑧 من الواضح أنه آان متعباً وغارق
ه 􀑧 ط ل 􀑧 قسنطينة المغلقة. وأما هو فلم يكن يجرؤ على الحلم، أو بالأحرى آان يحلم آنذاك بالعثور على شخص يتوس
ليحصل على ثلاجة جديدة.. لا غير!
163
ت 􀑧 ا آن 􀑧 ط، آم 􀑧 ا فق 􀑧 ا وفرنس 􀑧 ن أورب 􀑧 ين ع 􀑧 عندما عرفت أمنيته البسيطة الصعبة، حزنت وأنا أآتشف أننا لم نكن متخلّف
ت 􀑧 ا تح 􀑧 وم آنّ 􀑧 ر . ي 􀑧 رن وأآث 􀑧 ف ق 􀑧 ذ نص 􀑧 ه من 􀑧 ا علي 􀑧 ا آنّ 􀑧 ين عم 􀑧 ا متخلّف 􀑧 د آن 􀑧 اً. لق 􀑧 دا منطقي 􀑧 ر.. وب 􀑧 ان الأم 􀑧 د، وإلا له 􀑧 اعتق
الاستعمار.
يومها آانت أمنياتنا أجمل.. وأحلامنا أآبر.
يكفي أن تتأمل وجوه الناس اليوم وأن تسمع أحاديثهم وأن تلقي نظرة على واجهات المكتبات لتفهم ذلك.
يومها آنّا وطناً يصدّر الأحلام.. مع آل نشرة أخبار إلى آل شعوب العالم.
ة لا 􀑧 ات الوطني 􀑧 وم المؤسس 􀑧 دّره الي 􀑧 ا لا تص 􀑧 ب م 􀑧 لات والكت 􀑧 د والمج 􀑧 ن الجرائ 􀑧 دّر م 􀑧 ا تص 􀑧 ة بمفرده 􀑧 ذه المدين 􀑧 ت ه 􀑧 وآان
نوعاً.. ولا عدداً.
يومها آان لنا من المفكرين والعلماء.. والشعراء والظرفاء والكتاب، ما يملأنا زهواً وغروراً بعروبتنا.
اليوم.. لم يعد أحد يشتري الجرائد ليحتفظ بها في خزانة، إذ لم يعد في الجرائد ما يستحق الحفظ.
ك 􀑧 ل إلي 􀑧 د تنتق 􀑧 دوى ق 􀑧 ة، وع 􀑧 اهرة جماعي 􀑧 افي ظ 􀑧 ؤس الثق 􀑧 بح الب 􀑧 د أص 􀑧 يئ اً .لق 􀑧 ه ش 􀑧 ولم يعد أحد يجلس إلى آتاب ليتعلّم من
تكلم 􀑧 ا ت 􀑧 تكلم آم 􀑧 يحاً ي 􀑧 ا فص 􀑧 لقد آانت الكتب دائماً على صواب في ذلك العهد، وآان الواحد منّ ». وأنت تتصفّح آتاباً
.«.. الكتب
ديثنا 􀑧 بح ح 􀑧 ذ أص 􀑧 احتنا، من 􀑧 ت فص 􀑧 دقن ا.. ومات 􀑧 واليوم أصبحت الكتب تكذب أيضاً.. مثلها مثل الجرائد. ولذا تقلّص ص
يدور فقط حول المواد الاستهلاآية المفقودة!
ن 􀑧 يء م 􀑧 عندما قلت يومها هذا الكلام لحسان، ظل يتأملني بذهول وآأنه اآتشف شيئاً لم ينتبه له من قبل.. ثم قال بش
الحسرة:
ون 􀑧 د تك 􀑧 ة، ق 􀑧 ة وهمي 􀑧 ارات فردي 􀑧 ر . وانتص 􀑧 ايا العص 􀑧 ا بقض 􀑧 ة له 􀑧 غيرة لا علاق 􀑧 دافاً ص 􀑧 ا أه 􀑧 وا لن 􀑧 - صحيح.. لقد خلق
بالنسبة للبعض الحصول على شقة صغيرة بعد سنوات من الانتظار.. أو قد تكون الحصول على ثلاجة، أو
ن 􀑧 التمكن من شراء سيارة.. أو حتى دواليبها فقط! ولا أحد عنده متسع من الوقت والأعصاب ليذهب أآثر م
هذا، ويطالب بأآثر من هذا..
ة. 􀑧 يلها العادي 􀑧 ل تف اص 􀑧 اطة لح 􀑧 ى وس 􀑧 اً إل 􀑧 اج دائم 􀑧 ي تحت 􀑧 دة الت 􀑧 ة المعقّ 􀑧 اة اليومي 􀑧 نحن متعبون.. أهلكتنا هموم الحي
ذا 􀑧 دا ه 􀑧 ا ع 􀑧 ر .. وم 􀑧 اة لا غي 􀑧 ا الحي 􀑧 ن همّن 􀑧 فكيف تريد أن نفكّر في أشياء أخرى، عن أيّ حياة ثقافية تتحدث؟ نح
ترف.. لقد تحولنا إلى أمة من النمل، تبحث عن قوتها وجحر تختبئ فيه مع أولادها لا أآثر..
سألته بسذاجة:
- وماذا يفعل الناس؟
قال مازحاً:
ك 􀑧 دم ل 􀑧 ة تق 􀑧 ذه مدين 􀑧 ر، ه 􀑧 ر ينتح 􀑧 بعض الآخ 􀑧 رق ..وال 􀑧 بعض يس 􀑧 ر .. وال 􀑧 بعض ينتظ 􀑧 يء.. ال 􀑧 اس..؟ لا ش 􀑧 - الن
الاختيارات الثلاثة بالمبررات نفسها ..والحجة نفسها!
يومها خفت على حسان من تلك المدينة.. وانتابتني فجأة قشعريرة مبهمة.
164
سألته دون تفكير.. وآأنني أسأله أي الوصفات الثلاثة أختار:
- وهل لك أصدقاء هنا تلتقي بهم.. وتخرج معهم؟
أجابني وآأنه يعجب لسؤالي، أو يسعد لاهتمامي المفاجئ بكل تفاصيل حياته:
ا، 􀑧 ن أهله 􀑧 نطينة م 􀑧 ت قس 􀑧 د فرغ 􀑧 - لي أصدقاء معظمهم مدرسون معي في الثانوية.. ما عدا هذا ليس لي أحد.. لق
ورحلت آل العائلات القديمة التي عرفناها.
ة 􀑧 ك المدين 􀑧 رك تل 􀑧 ارج، لتت 􀑧 ي الخ 􀑧 وراح يسرد عليّ أسماء عائلات آبيرة هاجرت أو راحت تستقر في العاصمة أو ف
لآخرين.. جاء معظمهم من القرى و المدن الصغيرة المجاورة.
قبل أن يضيف تلك الجملة التي لم تستوقفني ساعتها، والتي أخذت بعد ست سنوات آل أبعاد القدر الأحمق، قال:
- لقد أصبح سكان هذه المدينة الأصليون، لا يزورونها سوى في الأعراس.. أو في المآتم!
وقبل أن أعلّق على آلامه، أضاف وآأنه تذآّر شيئاً:
د 􀑧 ترى .. لق 􀑧 ه . س 􀑧 ور زواج أخت 􀑧 دٍ لحض 􀑧 د غ 􀑧 يأتي بع 􀑧 ه س 􀑧 د أن 􀑧 ن المؤآ 􀑧 اهر .. م 􀑧 ي الط 􀑧 - سأعرفك على ناصر ابن س
ه 􀑧 نطينة . إن 􀑧 ي قس 􀑧 تقر ف 􀑧 رّر أن يس 􀑧 أصبح رجلاً بطولك وبضخامتك، وهو يتردد عليّ منذ بضعة أشهر، منذ ق
دما 􀑧 ذ ا.. عن 􀑧 دّق ه 􀑧 د يص 􀑧 ور ! لا أح 􀑧 ارج .. تص 􀑧 ى الخ 􀑧 ة إل 􀑧 ى منح 􀑧 ض حت 􀑧 الوحيد الذي قام بهجرة معاآسة. لقد رف
ل 􀑧 د اً.. آ 􀑧 ود أب 􀑧 افرت ألا أع 􀑧 اف إن س 􀑧 أخ » : ي􀑧 ال ل 􀑧 د، ق 􀑧 ذا البل 􀑧 ن ه 􀑧 سألته لماذا لم يسافر مثل الآخرين ويهرب م
.«.. أصحابي الذين سافروا لم يعودوا
ديث 􀑧 ك الح 􀑧 ة ذل 􀑧 ي إطال 􀑧 ة ف 􀑧 عرت برغب 􀑧 ة . وش 􀑧 مة عائلي 􀑧 ضحكت وأنا أآتشف هذا التطرف الذي يذآّرني بكِ، وآأنه س
الذي آان يؤدي إليكِ بطريقة.. أو بأخرى..
سألته:
- وماذا يفعل الآن؟
ردداً، 􀑧 ائعاً مت 􀑧 ازال ض 􀑧 ه م 􀑧 ر . ولكن 􀑧 دخل آبي 􀑧 ه ب 􀑧 ودان علي 􀑧 - لقد أعطوه بصفته ابن شهيد محلاً تجارياً وشاحنة يع
ن 􀑧 يفكر أحياناً في مواصلة دراسته، ثم أحياناً أخرى في التفرّغ للتجارة. والحقيقة أنني عاجز عن نصحه. فم
ة 􀑧 ن ناحي 􀑧 ه .. وم 􀑧 وال حيات 􀑧 نقص ط 􀑧 ذلك ال 􀑧 عر ب 􀑧 يظل يش 􀑧 ه س 􀑧 ا، لأن 􀑧 ته العلي 􀑧 ن دراس 􀑧 ان ع 􀑧 ع إنس 􀑧 ف أن ينقط 􀑧 المؤس
ن 􀑧 اطلين ع 􀑧 ا ع 􀑧 هادات علي 􀑧 باباً بش 􀑧 رى ش 􀑧 و ي 􀑧 ه، وه 􀑧 ب قول 􀑧 يء حس 􀑧 ي ش 􀑧 وم ف 􀑧 هادات الي 􀑧 د الش 􀑧 د تفي 􀑧 م تع 􀑧 أخرى، ل
العمل، وآخرين جهلة يتنقّلون في سيارات مرسيدس ويسكنون فيلات فخمة.. ليس هذا زمناً للعلم.. إنه زمن
اييس 􀑧 ت المق 􀑧 د اختلّ 􀑧 ة؟ . لق 􀑧 ي المعرف 􀑧 اني ف 􀑧 ذك بالتف 􀑧 ى تلمي 􀑧 ديقك أو حت 􀑧 وم ص 􀑧 ع الي 􀑧 الشّطارة.. فكيف يمكن أن تقن
نهائياً..
قلت لحسان:
ه 􀑧 - المهم أن يعرف الإنسان ما هو هدفه الحقيقي في الحياة.. هل المال هو مشكلته الأولى.. أم المعرفة وتوازن
الداخلي؟
ردّ حسان مازحاً:
165
اذا 􀑧 بط .. ولا م 􀑧 د بالض 􀑧 ا يري 􀑧 دري م 􀑧 ا ي 􀑧 د فين 􀑧 لّ. لا أح 􀑧 - توازن..؟ عن أي توازن تتحدث ..نحن شعب نصف مخت
ه 􀑧 ينتظر بالتحديد ..إن المشكل الحقيقي هو هذا الجو الذي يعيشه الناس، وهذا الإحباط العام لشعبٍ بأآمله .إن
طاء ولا 􀑧 اهلون ولا البس 􀑧 عداء .. ولا الج 􀑧 ون س 􀑧 لا المثقف 􀑧 يفقدك شهية المبادرة والحلم والتخطيط لأي مشروع. ف
دير 􀑧 الأغنياء. قل لي يرحم والديك.. ماذا يمكن أن تفعل بعلمك إذا آنت ستنتهي موظفاً يعمل تحت إشراف م
ن أن 􀑧 جاهل، وُجِد في منصبه مصادفة ليس لسعة معرفته، وإنما.. لكثرة معارفه وعرض أآتافه.! وماذا يمك
م 􀑧 ي معظ 􀑧 كن ف 􀑧 الحة للس 􀑧 ر ص 􀑧 قة غي 􀑧 تفعل بأموالك في قسنطينة مثلاً.. سوى أن تدفعها عمولة لتحصل على ش
ار .. 􀑧 أما إذا آان آل ما تملكه لا يتجاوز العشرين ألف دين ؟« الفرقاني » الأحيان.. أو تقيم عرساً بها يغنّي فيه
فر 􀑧 وازات س 􀑧 ع ج 􀑧 ر، ليبي 􀑧 ف آخ 􀑧 ف أيّ موظّ 􀑧 ئ خل 􀑧 لمسؤول محليّ يختب « شراب قهوة » فيبقى أمامك أن تدفعها
إلى الحجّ. وهكذا يمكنك أن تؤدي فريضتك وتحجز لك غرفة صغيرة في الآخرة.. بعدما ضاقت بك الدنيا!
صحتُ عجباً:
- واش.. أحقاً تقول ..هل يبيعون جوازات سفر إلى الحج بمليونين!؟
- طبعاً.. لأن الحكومة حددت عدد الحجاج آل عام بسبب تكاليفهم الباهظة بالعملة الصعبة، بعدما اآتشفت أن
معظمهم يسافر عدة مرات لأسباب لا علاقة لها بالحج، وإنما لأغراض تجارية محض. وإلا آيف تفسر أن
اً 􀑧 يكون بعضهم قد حج ست مرات أو سبعاً دون أن يكون ذلك واضحاً على سلوآه وأخلاقه؟ أنا أعرف حاج
عبة 􀑧 ة الص 􀑧 ر العمل 􀑧 وتغيي ..« زنيس 􀑧 الب » لا تفارق الخمرة بيته، وأعرف آخر متفرغاً للترافيك و « سوآارجي »
ار 􀑧 ف دين 􀑧 رين أل 􀑧 في الأسواق السوداء.. هؤلاء مازالوا يسافرون آل عام للحج. يمكنهم أن يحصلوا على عش
ي 􀑧 ار ف 􀑧 ة آلاف دين 􀑧 اوز الأربع 􀑧 ي لا يتج 􀑧 بسهولة. وأما أنا فمن أين لي هذا المبلغ لأقوم بتأدية فريضتي، ودخل
الشهر؟
قلتُ له وأنا أنتقل من دهشة إلى أخرى:
- علاش.. هل تنوي الحج؟
ن 􀑧 ف يمك 􀑧 اً. آي 􀑧 بحت مجنون 􀑧 اني لأص 􀑧 - طبعاً.. ولم لا.. ألست مسلماً؟ لقد عدت إلى الصلاة منذ سنتين ولولا إيم
ر 􀑧 مود .. انظ 􀑧 ى الص 􀑧 درة عل 􀑧 ك الق 􀑧 وى تعطي 􀑧 دها التق 􀑧 ان؟ وح 􀑧 أن تصمد أمام آل هذا المنكر وهذا الظلم دون إيم
حولك:
ذا 􀑧 ي ه 􀑧 ى ف 􀑧 حية الأول 􀑧 م الض 􀑧 رهم لأنه 􀑧 ن غي 􀑧 ر م 􀑧 باب أآث 􀑧 ا الش 􀑧 ة وربم 􀑧 ذه النتيج 􀑧 ى ه 􀑧 اس إل 􀑧 ع الن 􀑧 ل جمي 􀑧 د توصّ 􀑧 ق
الوطن.. وحتى ناصر نفسه أصبح يصلّي منذ عاد إلى قسنطينة، ربما لهذا السبب وربما لأن الدين آالكفر ..
عدوى أيضاً! والله يا خالد.. لو رأيتهم يوم الجمعة يتجهون إلى المساجد بالآلاف حتى تضيق بهم جدرانها..
وتفيض بهم الشوارع.. لوقفت معهم تصلي دون أن تتساءل لماذا!
ان 􀑧 ان حس 􀑧 د آ 􀑧 باحاً . فق 􀑧 لم أجد شيئا أعلّق به على آلام حسان في تلك السهرة العجيبة، التي طالت بنا حتى الثانية ص
نوات 􀑧 ذه الس 􀑧 ل ه 􀑧 د آ 􀑧 ويلاً بع 􀑧 يّ ط 􀑧 دث إل 􀑧 هر والتح 􀑧 ه بالس 􀑧 مح ل 􀑧 ي تس 􀑧 سعيداً بوجودي، وسعيداً ببدء العطلة الصيفية الت
التي باعدتنا.
166
فترآته يتحدث.. ويُعرّي أمامي هذا الوطن الذي آنت آسوتُهُ حنيناً وعشقاً وجنوناً.
ف 􀑧 ان يتوق 􀑧 دما آ 􀑧 رى، عن 􀑧 رة أخ 􀑧 وطن م 􀑧 أآان يخاف عليّ من خيبتي، ويخشى أن يفقد فرحة عودتي إليه وإلى هذا ال
وى 􀑧 ى التق 􀑧 أحياناً عن الحديث لينتقل بي إلى موضوع آخر؟ آأن يستدرجني مثلاً بطريقة غير مباشرة إلى الدين وإل
والإيمان. ويغريني بالتوبة، وآأن وجودي في فرنسا بحد ذاته قد أصبح ذنباً وآفراً.
أهذا هو حسان؟.
لم أمنع نفسي ساعتها من الابتسام وأنا أتذآر أنني أحضرت له معي زجاجتيْ ويسكي آالعادة..
ري، 􀑧 وب غي 􀑧 ن ذن 􀑧 ر م 􀑧 دها أآب 􀑧 م أج 􀑧 تساءلت ليلتها وأنا في فراشي عن ذنوبي. حاولت أن ألخصها، أن أحصرها.. فل
بل وربما وجدتها أقل بدرجات..
لم أآن مجرماً.. ولا مقامراً.. ولا آافراً.. ولا آاذباً.. ولا سكّيراً.. ولا خائناً..
لم تكن لي زوجة ولا سرير شرعي استبدلت به آخر.
دة، 􀑧 ذراعٍ واح 􀑧 يتها ب 􀑧 ي قض 􀑧 ك الت 􀑧 تل « ة􀑧 السنوات المعطوب » خمسون سنة من الوحدة. نصفها تماماً ما يمكن أن أسمّيه
مشوّه الجسد والأحلام.
ة 􀑧 ك الممرض 􀑧 ى تل 􀑧 ا. إل 􀑧 ي أغريته 􀑧 ة الت 􀑧 ارة اليهودي 􀑧 ك الج 􀑧 ي الأول لتل 􀑧 ذ حبّ 􀑧 ر . من 􀑧 د أذآ 􀑧 م أع 􀑧 اء؟ . ل 􀑧 ن النس 􀑧 ت م 􀑧 م أحبب 􀑧 آ
باب 􀑧 ريري لأس 􀑧 ى س 􀑧 اوبن عل 􀑧 ن، تن 􀑧 ماءهن ولا ملامحه 􀑧 ر أس 􀑧 د أذآ 􀑧 م أع 􀑧 ات .. ل 􀑧 التونسية التي أغرتني. إلى نساء أخري
جسدية محض، وذهبن محملات بي لأبقى فارغاًً منهن..
وجئتِ أنتِ..
أآبر ذنوبي على الإطلاق آنت أنتِ. المرأة الوحيدة التي لم أمتلكها، والذنب الوحيد الذي لم أقترفه حقاً.
رتك 􀑧 اليد الوحيدة التي رسمتك بها ..واستحض ..« ذنوب اليد اليمنى » لقد آانت ذنوبي معك، هي ما يمكن أن أسميه
بها.. واغتصبتك بها.. وهماً!
فهل سيعاقبني الله على ذنوب يدٍ لم يترك لي سواها!؟
!« ليس الفضيلة تجنّب الرذيلة، الفضيلة في ألا تشتهيها » : لا أذآر من قال
وأعتقد أنني بهذا المفهوم فقط.. لم أآن رجلاً فاضلاً.
ا، 􀑧 ب تجنّبه 􀑧 ي يج 􀑧 ات الت 􀑧 ات والمقدس 􀑧 م المحرم 􀑧 فقد آان لا بد ألا أشتهيك أنتِ.. وألا أبدأ رذيلتي معك. آان لحبك طع
والتي آنت أنزلق نحوها دون تفكير.
ب أن 􀑧 ان يج 􀑧 ي آ 􀑧 ي الت 􀑧 ك، ه 􀑧 ي أحب 􀑧 ي جعلتن 􀑧 ررات الت 􀑧 ون المب 􀑧 ك، أن تك 􀑧 تي مع 􀑧 ي قص 􀑧 اً ف 􀑧 دهش حق 􀑧 ر الم 􀑧 ان الأم 􀑧 د آ 􀑧 لق
ل 􀑧 ه آ 􀑧 التطرف نفس 􀑧 وم . وب 􀑧 ي الي 􀑧 رة ف 􀑧 ن م 􀑧 ر م 􀑧 ك .. أآث 􀑧 تجعلني أعدل عن حبك. ولهذا ربما آنت أحبك وأعدل عن حب
مرة.
وأنا لا أفعل شيئاً في النهاية هنا، سوى البحث عن حدٍ لهذا المدّ والجزر العاطفي الذي أعيشه معك آل لحظة.
167
دريجياً 􀑧 زل ت 􀑧 ه ين 􀑧 عر أن 􀑧 ه يش 􀑧 ه مثل 􀑧 ه، وأن 􀑧 آنت أدري أن العاشق مثل المدمن، لا يمكن أن يقرر بمفرده الشفاء من دائ
يم، 􀑧 ي الجح 􀑧 ة ف 􀑧 د نقط 􀑧 ى أبع 􀑧 آل يوم أآثر نحو الهاوية. ولكنه لا يمكن أن يقف على رجليه ويهرب، مادام لم يصل إل
ويلامس بنفسه قعر الخيبة والمرارة القصوى.
وآنت سعيداً في تلك الليلة..
ة أو 􀑧 ي بطريق 􀑧 ادمين، وأنن 􀑧 ومين الق 􀑧 ي الي 􀑧 م ف 􀑧 وف يحس 􀑧 ي س 􀑧 ل ش 􀑧 ت أدري أن آ 􀑧 تلك السعادة الغامضة المرة، لأنني آن
بأخرى سأنتهي منك.
ى 􀑧 د إل 􀑧 ي الغ 􀑧 ائي ف 􀑧 آانت زوجة حسان في تلك السهرة منهمكة في إعداد نفسها للحدث الهام، ولمرافقة الموآب النس
الحمام، ثم إلى ليلة الحنة.
ام، 􀑧 اب للحم 􀑧 ن ثي 􀑧 ا م 􀑧 ي حقيبته 􀑧 تأخذه ف 􀑧 ا س 􀑧 ائية، وبم 􀑧 ا النس 􀑧 ا بهمومه 􀑧 وآانت آثيرة الحرآة ومشغولة عنا وعن أولاده
حيث ستستعرض النساء مثل العادة آل شيء حتى ثيابهن الداخلية.. ليتظاهرن بغناهنّ الكاذب في معظم الأحيان..
ي 􀑧 روس الت 􀑧 ك الع 􀑧 ل تل 􀑧 اً مث 􀑧 ل، تمام 􀑧 راء رج 􀑧 ى إغ 􀑧 ادرات عل 􀑧 يء ق 􀑧 ل ش 􀑧 رغم آ 􀑧 ازلن ب 􀑧 ن م 􀑧 ط، أنه 􀑧 هن فق 􀑧 نعن أنفس 􀑧 أو ليق
يرافقنها.. والتي يتأمّلنها بحسدٍ سريّ.
فليكن.. غداً تبدأ طقوس أفراحك.. وينتهي ذلك الزمن الذي سرقناه من الزمن.
أجمل الأحلام إذن سيدتي في انتظار غدك.
ولتصبح على خيرٍ.. أيها الحزن!
***
يوقظني الحب المضاد في هذا الصباح الصيفي.. ويرمي بي في الشوارع.
ماء 􀑧 ن أس 􀑧 ل، وع 􀑧 يم الحف 􀑧 ن مراس 􀑧 ع ع 􀑧 ذي لا ينقط 􀑧 ة ال 􀑧 ديث عتيق 􀑧 ن ح 􀑧 ت، وم 􀑧 ن البي 􀑧 قررت حال استيقاظي أن أهرب م
الشخصيات والعائلات الكبيرة التي جاءت خصيصاً لتحضر ذلك الحدث الذي لم تشهد قسنطينة مثله منذ سنوات.
ولكنها لحقت بي حتى الباب لتواصل حديثها:
ت 􀑧 و رأي 􀑧 رس .. ل 􀑧 وازم الع 􀑧 ل ل 􀑧 ائرة تنق 􀑧 هر والط 􀑧 ذ ش 􀑧 ا.. من 􀑧 ن فر نس 􀑧 يء م 􀑧 ل ش 􀑧 روا آ 􀑧 - على بالك.. يقال إنهم أحض
«..! واحد عايش في الدنيا ..وواحد يوانس فيه » جهاز العروس وما لبسته البارحة.. يا حسرة.. قال لك
أجبتها وأنا أغلق خلفي الباب، وآأنني أغلق بعنف أبواب قلبي:
- ما عليهش.. البلد لهم والطائرات أيضاً. ويمكنهم أن يجلبوا إليه آما أخذوا منه ما شاؤوا!
أين أهرب؟
ها أنا أوصدت الباب خلفي، وإذا لا شي أمامي.. سواي.
رميت بخطاي دون تفكير وسط أفواج المارة الذين يجوبون الشوارع هكذا آل يوم دون جهة محددة.
ون 􀑧 ون أو يتكئ 􀑧 ذين يمش 􀑧 ل ال 􀑧 ى لتتأم 􀑧 ي مقه 􀑧 س ف 􀑧 دار، أو تجل 􀑧 ى ج 􀑧 ئ عل 􀑧 ي، أو تتك 􀑧 ين أن تمش 􀑧 هنا.. أنت تملك الخيار ب
أمامك.. على حائط الرصيف المقابل..
رحت أمشي..
168
ل 􀑧 ب أن نفع 􀑧 اذا يج 􀑧 اً.. م 􀑧 دري تمام 􀑧 خرة، دون أن ن 􀑧 ة الص 􀑧 ذه المدين 􀑧 ول ه 􀑧 اً ح 􀑧 وف جميع 􀑧 ا نط 􀑧 ا، أنن 􀑧 شعرت في لحظة م
بغضبنا، ماذا يجب أن نفعل ببؤسنا.. وعلى من نرمي هذا الحصى الذي امتلأت به جيوبنا الفارغة.
من الأَوْلى بالرّجم في هذا الوطن؟ من؟ ذلك الجالس فوق الجميع.. أم أولئك الجالسون فوقنا؟
.« الأصفار تدور حول نفسها » .. حضرني لحظتها عنوان رواية لمالك حداد
تمنيت لو أنني قرأتها، عساني أجد تفسيراً لكل هذه الدوائر التي تحولنا إليها.
يدي 􀑧 احة (س 􀑧 ي س 􀑧 ف ف 􀑧 دور دون توق 􀑧 ين، ي 􀑧 ض العين 􀑧 ل مغم 􀑧 ونس لجم 􀑧 ي ت 􀑧 ثم قادتني أفكاري إلى مشهد شاهدته يوماً ف
بوسعيد)، ليستخرج الماء من بئر أمام متعة السواح ودهشتهم.
ه 􀑧 استوقفني يومها عيناه اللتان وضعوا عليهما غمامة ليتوهم أنه يمشي إلى الأمام دائماً، ويموت دون أن يكتشف أن
آان يدور في حلقة مفرغة.. وأنه قضى عمره دائراً حول نفسه!
ه 􀑧 ول هموم 􀑧 أخرى ح 􀑧 ة أو ب 􀑧 ه بطريق 􀑧 دور ب 􀑧 ترانا أصبحنا ذلك الجمل الذي لا يكاد ينتهي من دورة حتى يبدأ أخرى ت
الصغيرة اليومية؟
ع 􀑧 دمة الواق 􀑧 ا ص 􀑧 تُرى هذه الجرائد التي تحمل لنا أآياساً من الوعود بغدٍ أفضل، ليست سوى رباط عينين، يخفي عن
وفجيعة الفقر والبؤس الحتمي الذي أصبح لأول مرة يتربص بنصف هذا الشعب؟
وطن 􀑧 ذا ال 􀑧 ى ه 􀑧 وراء .. إل 􀑧 ى ال 􀑧 اً إل 􀑧 ي تلقائي 􀑧 ود ب 􀑧 تقيم لا يع 􀑧 ط مس 􀑧 ي خ 􀑧 ام ف 􀑧 ى الأم 􀑧 ي إل 􀑧 رف المش 􀑧 د أع 􀑧 م أع 􀑧 ي ل 􀑧 وأنا.. تران
الذاآرة؟
وهذا الوطن.. من أين له هذه القدرة الخارقة على لَيّ المستقيمات، وتحويلها إلى دائرة.. وأصفار!
ها هي الذاآرة سياج دائري يحيط بي من آل جانب.
تطوّقني أول ما أضع قدمي خارج البيت .وفي آل اتجاه أسلكه تمشي إلى جواري الذآريات البعيدة..
فأمشي نحو الماضي مغمض العينين.. أبحث عن المقاهي القديمة تلك التي آان لكل عالم أو وجيه مجلسه الخاص
ه 􀑧 ان يكفي 􀑧 ه . آ 􀑧 ك بطلبات 􀑧 ادل أن يلاحق 􀑧 ل ن 􀑧 الجزوة .. ويخج 􀑧 دم ب 􀑧 فيها، حيث آانت تعد القهوة على الوجاق الحجري وتق
شرف وجودك عنده.
ى 􀑧 مه (مقه 􀑧 ان اس 􀑧 ة . آ 􀑧 ى المدرس 􀑧 ه إل 􀑧 ي طريق 􀑧 و ف 􀑧 في ذلك الزمن آان لابن باديس المقهى الذي آان يتوقف عنده، وه
بن بامينة).
ذا 􀑧 ر به 􀑧 ا أم 􀑧 اً وأن 􀑧 وآان هنالك (مقهى بو عرعور) حيث آان مجلس بلعطّار وباشتارزي وحيث آنت ألمح أبي أحيان
الطريق.
أين ذلك المقهى لأحتسي فيه هذا الصباح فنجان قهوة نخب ذآراه؟
اهي 􀑧 ه المق 􀑧 رت في 􀑧 ذي آب 􀑧 زمن ال 􀑧 ذا ال 􀑧 ي ه 􀑧 ده .. ف 􀑧 ف أج 􀑧 ماء رواده؟ آي 􀑧 وى بأس 􀑧 راً س 􀑧 ن آبي 􀑧 آيف أعثر على مقهى لم يك
وآثرت، لتسع بؤس المدينة .وإذا بها متشابهة وحزينة آوجوه الناس؟
بح 􀑧 اً، أص 􀑧 ألق بياض 􀑧 رنس المت 􀑧 لم يعد يميزها شيء. حتى تلك الهيبة التي آانت سمة أهل قسنطينة، وذلك الشاش والب
نادراًً وباهتاً اليوم.
169
امض . 􀑧 زن غ 􀑧 ام بح 􀑧 ا تن 􀑧 تيقظ آم 􀑧 ي تس 􀑧 ة الت 􀑧 ك المدين 􀑧 ربما آان أول ما لفت نظري ذلك الصباح، ذلك الزيّ الموحّد لتل
ذلك اللون القاتم المتدرج والمشترك بين الجنسين.
النساء ملفوفات بملاءاتهن السوداء التي لا يبدو منها شيء سوى عيونهن.
أنهم 􀑧 دون وآ 􀑧 ي يب 􀑧 عرهم . والت 􀑧 ون ش 􀑧 رتهم ..ولا ل 􀑧 ون بش 􀑧 ن ل 􀑧 ف ع 􀑧 والرجال في بدلاتهم الرمادية أو البنية التي لا تختل
اشتروها جميعاً عند خياط واحد.
وقلما آان يبدو من بين الحشود نقطة ضوء، أو لون زاهٍ لفستانٍ أو لبدلةٍ صيفية.
واها 􀑧 رى س 􀑧 اد لا ي 􀑧 وان، ويك 􀑧 وى الأل 􀑧 ره س 􀑧 ت نظ 􀑧 ام لا تلف 􀑧 تراني آنت أنظر ذلك الصباح إلى تلك المدينة، بعيون رس
في آل شيء. أم تراني آنت أراها فقط بعيون الماضي وخيبة الحاضر؟
رميت بنفسي وسط أمواج الرجال الضائعين مثلي في تلك المدينة. شعرت لأول مرة أنني بدأت أشبههم.
لاً 􀑧 ون .. محم 􀑧 ا يمش 􀑧 مثلهم أملك وقتاً ورجولة لا أدري ماذا أفعل بها .فلا أملك إلا أن أمشي ساعات في الشوارع آم
ببؤسي الحضاري.. وبؤسي الجنسي الآخر.
ها نحن نتشابه فجأة في آل شيء. في لون شعرنا ولون بدلتنا وجرّ أحذيتنا وخطانا الضائعة على الأرصفة.
نتشابه في آل شيء، وأنفرد وحدي بك .ولكن هل يغير ذلك شيئاً؟
ة، 􀑧 وع الرجالي 􀑧 ذه الجم 􀑧 ط ه 􀑧 ي وس 􀑧 ى ب 􀑧 ي . رم 􀑧 ي دون علم 􀑧 ى تخلّف 􀑧 ادني إل 􀑧 ة، أع 􀑧 ذه المدين 􀑧 حبك الذي استدرجني حتى ه
ا 􀑧 ي تخ تزنه 􀑧 عة الت 􀑧 ك الأش 􀑧 ل بتل 􀑧 التي تسير ببطء تحت الشمس الصيفية، دون وجهة محددة، ودون أن تدري ماذا تفع
الأجساد المحمومة في النهار، وتنفقها الأيدي البائسة سرّاً في الليل.. في الملذات الفردية.
تتوقف فجأة خطواتي أمام جدران بيت لا يشبه بيوتاً أخرى.
يرتادها الرجال. وآان لها ثلاثة أبواب تؤدي إلى شوارع وأسواق مختلفة. « دار مغلقة » هنا آانت أآبر
ة 􀑧 ة جه 􀑧 ن أي 􀑧 ا م 􀑧 وا منه 􀑧 ة، ويخرج 􀑧 ة جه 􀑧 ن أي 􀑧 لقد آانت في الواقع داراً مغلقة مشرعة، مدروسة ليتسلل إليها الرجال م
أخرى.
آان الرجال يؤمونها من آل صوب، هرباً من المدن والقرى المجاورة، التي لا ملّذات فيها ولا نساء.
فرة، 􀑧 دران المص 􀑧 ذه الج 􀑧 ف ه 􀑧 ين خل 􀑧 اورة ليختف 􀑧 دن المج 􀑧 ل الم 􀑧 ن آ 􀑧 اً م 􀑧 وآانت النساء الجميلات والبائسات، يأتين أيض
وبتهن 􀑧 م ت 􀑧 ي موس 􀑧 ام ف 􀑧 ر الأيت 􀑧 نات، وتطهي 􀑧 دقات والحس 􀑧 ي الص 􀑧 روتهن ف 􀑧 نفقن ث 􀑧 ائز ليُ 􀑧 ا إلا عج 􀑧 رجن منه 􀑧 ي لا يخ 􀑧 الت
الأخيرة.
هنا أنفق أبي ثروته ورجولته!..
أحاول ألا أتوقف عند ذلك البيت الاستثنائي، الذي آان لعدة سنوات سبب حزن أمي السري، وربما موتها قهراً.
ى 􀑧 رؤ عل 􀑧 ه ولا أج 􀑧 م ب 􀑧 ت أحل 􀑧 وم آن 􀑧 باي، ي 􀑧 ام ص 􀑧 ة أي 􀑧 ي المكبوت 􀑧 رية، وأحلام 􀑧 وتي الس 􀑧 وآان لعدة سنوات أيضاً سرّ نش
وق 􀑧 روقة ف 􀑧 ابرة المس 􀑧 امراتي الع 􀑧 اً بمغ 􀑧 ت مكتفي 􀑧 ي آن 􀑧 اً لأنن 􀑧 ا أيض 􀑧 اك، وربم 􀑧 أبي هن 􀑧 ي ب 􀑧 ن أن ألتق 􀑧 دخوله، ربما خوفاً م
السطح تارة، أو في غرف المؤونة التي قلما يفتحها أحد..
من الدخول. « البيت » اليوم لم يعد أبي هناك ليمنعني احتمال وجوده في هذا
170
لقد رحل بعدما ترك تاريخه بامتياز خلف هذه الجدران، تماماً آما يفعل أيّ قسنطيني ثري ومحترم على أيامه.
رّز 􀑧 ال .. ط 􀑧 ه الرج 􀑧 ا يف عل 􀑧 إن م » : ر􀑧 ة بفخ 􀑧 ك الخيان 􀑧 ألم تكن جدتي تقول وقتها لتعلّم أمي الصبر، وتعودها على تقبّل تل
.«! على أآتافهم
وآان أبي يطرّز مغامراته جرحاً ووشماً على جسد (أمّا) دون أن يدري.
لست أدري.. « البيت » ماذا أصبح هذا
ي 􀑧 ذات ف 􀑧 يص المل 􀑧 ة تقل 􀑧 يُقال إنهم أغلقوه وربما ظل له باب واحد فقط.. بعدما أغلقت أبوابه الأخرى، في إطار سياس
ة 􀑧 وتها مجتمع 􀑧 ع ص 􀑧 ي يرتف 􀑧 خرة، والت 􀑧 ذه الص 􀑧 در ه 􀑧 ى ص 􀑧 ت عل 􀑧 ي نبت 􀑧 اجد الت 􀑧 رات المس 􀑧 اً لعش 􀑧 ة، أو احترام 􀑧 ذه المدين 􀑧 ه
مرات في اليوم، ليذآّر الناس بمزايا الإيمان والتوبة..
اذبني 􀑧 روح . يتج 􀑧 وآنت في تلك اللحظة، آمعظم رجال هذه المدينة، أقف في الحد الفاصل بين شهوة الجسد وعفة ال
داء 􀑧 ك الن 􀑧 ى ذل 􀑧 ى أعل 􀑧 ي إل 􀑧 مو ب 􀑧 ا.. ويس 􀑧 و الخطاي 􀑧 ث تحل 􀑧 بقية .. حي 􀑧 ة الش 􀑧 ر ف المظلم 􀑧 ك الغ 􀑧 ري لتل 􀑧 داء الس 􀑧 فل الن 􀑧 ى أس 􀑧 إل
اليز 􀑧 ه ده 􀑧 رق بقوت 􀑧 الآخر، لتلك المآذن التي افتقدت طويلاً تكبيرها، ورهبة آذانها الذي آان يدعو إلى الصلاة، فيخت
نفسي، ويهزني لأول مرة منذ سنوات.
لقد أصبحت في بضعة أيام رجلاً مزدوجاً آهذه المدينة، وبدأت أعي أن ليس في هذا العالم المسكون بالأضداد من
مدن بريئة. ومدن فاجرة.
هنالك مدن منافقة.. وأخرى أقل نفاقاً فقط..
وليس هناك من مدن بوجه واحد.. وحرفة واحدة. وقسنطينة أآثر المدن وجوهاً.. وتناقضاً.
ها هي مدينة تستدرجك إلى الخطيئة. ثم تردعك بالقوة نفسها التي تستدرجك بها.
ي .. 􀑧 ي لا تنته 􀑧 ا الت 􀑧 روق : قيلولاته 􀑧 ب المس 􀑧 ري بالح 􀑧 ة يغ 􀑧 آل شيء هنا دعوة مكشوفة للجنس.. شيء ما في هذه المدين
وءة 􀑧 رية الموب 􀑧 ا الس 􀑧 خور .. أنفاقه 􀑧 ين الص 􀑧 ة ب 􀑧 ا المعلّق 􀑧 اجئ . طرقاته 􀑧 وحش المف 􀑧 ا الم 􀑧 لى .. وليليه 􀑧 ة الكس 􀑧 باحاتها الدافئ 􀑧 ص
اق 􀑧 الرطوبة ..منظر جبل الوحش وما حوله من ممرات متشعّبة.. غابات الغار والبلّوط.. وآل تلك المغارات والأنف
المختبئة.
ي 􀑧 ة ف 􀑧 ذه المدين 􀑧 ى ه 􀑧 ر إل 􀑧 ولكن.. عليك أن تكتفي بالتفرج على عادات النفاق المتوارثة هنا من أجيال، وتتحاشى النظ
عينيها حتى لا تربكها ..وترتبك!
رعية، 􀑧 ر الش 􀑧 ب غي 􀑧 ص الح 􀑧 ة، وقص 􀑧 يقة الملتوي 􀑧 ة الض 􀑧 ئ الأزقّ 􀑧 فالجميع هنا يعرفون أن خلف شوارعها الواسعة تختب
ة 􀑧 واللذة التي تسرق على عجل خلف باب.. وتحت ملاءتها السوداء الوقور، تنام الرغبة المكبوتة من قرون. الرغب
ادر . 􀑧 ق الن 􀑧 ك البري 􀑧 ار)، ذل 􀑧 ت (العج 􀑧 ونهن تح 􀑧 نح عي 􀑧 ردة، وتم 􀑧 نطينية المنف 􀑧 ية القس 􀑧 ك المش 􀑧 اءها تل 􀑧 ي نس 􀑧 ي تعط 􀑧 الت
ي 􀑧 ا إلا ف 􀑧 ن آبته 􀑧 ق م 􀑧 تعوّدت النساء هنا منذ قرون، على حمل رغبتهنّ آقنبلة موقوتة، مدفونة في اللاوعي. لا تنطل
ة . 􀑧 ي البداي 􀑧 ل ودلال ف 􀑧 ب، بخج 􀑧 لمن للح 􀑧 أنهن يستس 􀑧 رقص وآ 􀑧 دأن ال 􀑧 الأعراس، عندما تستسلم النساء لوقع البندير، فيب
يغتهن . 􀑧 ابهن وص 􀑧 ل ثي 􀑧 ت ثق 􀑧 ة تح 􀑧 وثتهن ا لمخنوق 􀑧 تيقظ أن 􀑧 فتس ..« دالي 􀑧 الزن » ع􀑧 ى وق 􀑧 رة عل 􀑧 ة ويس 􀑧 ارم يمن 􀑧 رآن المح 􀑧 يح
يصبحن أجمل في إغرائهن المتوارث.
171
تهتز الصدور وتتمايل الأرداف، ويدفأ فجأة الجسد الفارغ من الحب.
د 􀑧 وم، فتزي 􀑧 د المحم 􀑧 ع الجس 􀑧 بقاً م 􀑧 اء مس 􀑧 خنه النس 􀑧 تشبّ فيه فجأة الحمى التي لم يطفئها رجل. ويتواطأ البندير الذي تس
رقص 􀑧 ات ال 􀑧 ي حلب 􀑧 نطلقن ف 􀑧 عرهن، وي 􀑧 لات ش 􀑧 اير خص 􀑧 اء، وتتط 􀑧 فائر النس 􀑧 ك ض 􀑧 رعة . وتنف 􀑧 وة وس 􀑧 أة ق 􀑧 ربات فج 􀑧 الض
رجن 􀑧 أنهن خ 􀑧 ولهن، وآ 􀑧 ا ح 􀑧 ة بم 􀑧 ل علاق 􀑧 آمخلوقات بدائية تتلوى وجعاً ولذة في حفلة جذب وتهويل، يفقدن خلالها آ
فجأة من أجسادهن، من ذاآرتهن وأعمارهن، ولم يعد يمكن أحدا أن يعيدهنَّ إلى هدوئهنَّ السابق.
ا 􀑧 ع وقعه 􀑧 دير، ولا قط 􀑧 ربات البن 􀑧 ف ض 􀑧 ب وق 􀑧 ه لا يج 􀑧 ع أن 􀑧 دري الجمي 􀑧 ذاب، ي 􀑧 وس الع 􀑧 ذة.. وطق 􀑧 وس الل 􀑧 ي طق 􀑧 ا ف 􀑧 وآم
اء 􀑧 كهن نس 􀑧 يهن، تمس 􀑧 ى عل 􀑧 ى الأرض مغم 􀑧 ن عل 􀑧 المتزايد، قبل أن تصل النساء إلى ذروة لا شعورهن ولذتهن، ويقع
من خصورهن، وترشهن أخريات بالريحة والعطر الجاهز لهذه المناسبات.. حتى يعدن تدريجياً إلى وعيهن.
هكذا تمارس النساء الحب.. وَهْماً في قسنطينة!
قسنطينة التي أغرتني.. بليلة حب وهمية، وقبلت صفقتها السرية، مقابل شيء من النسيان.
فأين النسيان قسنطينة.. وفي آل منعطف يتربص بي جرح؟
هل الحنين وعكة صحية؟
مريض أنا بك قسنطينة.
آان موعدنا وصفة جرّبتها للشفاء، فقتلتني الوصفة.
تراني تجاوزت معك جرعة الشوق المسموح بها في هذه الحالات؟
لم أشتركِ في صيدلية جاهزة في طريق، لأرفع دعوى على بائع الأقدار الذي وضعك في طريقي.
لقد صنعتك أنا بنفسي، وقست آل تفاصيلك على مقاييسي..
أنت مزيج من تناقضي، من اتّزاني وجنوني، من عبادتي وآفري..
أنت طهارتي وخطيئتي. وآل عقد عمري.
الفرق بينك وبين مدينة أخرى.. لا شيء.
لعلك آنت فقط المدينة التي قتلتني أآثر من مرة لسبب مناقض للأول.. آل مرة.
راً 􀑧 روباً م 􀑧 ذاآرة مش 􀑧 بح ال 􀑧 ة، تص 􀑧 م الخيب 􀑧 ي مواس 􀑧 فأين الحد الفاصل بين جرعة الشفاء وجرعة الموت هذه المرة؟ وف
يُبتلع دفعة واحدة، بعدما آان حلماً مشترآاً يُحتسى على مهل؟
هنا تبدأ الذاآرة المشترآة، وشوارع يسكنها التاريخ وينفرد بها.
بعضها مشيتها مع سي الطاهر وأخرى مع آخرين.
هنا شارع يحمل اسمه.. وشوارع تذآر عبوره. وها أنذا أتوحد بخطاه وأواصل طريقاً لم نكمله معاً.
تمشي العروبة معي من حيّ إلى آخر. ويملؤني فجأة شعور غامض بالغرور.
لا يمكن أن تنتمي لهذه المدينة، دون أن تحمل عروبتها.
العروبة هنا.. زهوٌ ووجاهة وقرون من التحدّي والعنفوان.
مازالت لحية (ابن باديس) وآلمته تحكم هذه المدينة حتى بعد موته.
172
مازال يتأملنا في صورته الشهيرة تلك. ملتحياً وقاره، متّكئاً على يده، يفكر في ما أُلنا إليه بعده.
ومازالت صرخته التاريخية تلك بعد نصف قرن .النشيد غير الرسمي الوحيد.. الذي نحفظه جميعاً.
لم 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ر مس 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 عب الجزائ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ش
له 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن أص 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 اد ع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ال ح 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن ق 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 م
ه􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 اً ل 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 أو رام إدماج
بْ􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ة ينتس 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ى العروب 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 وإل
ذ بْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 د آ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ات فق 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ال م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 أو ق
بْ􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن الطل 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ال م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 رام المح
صدقت نبوءتك لنا يا ابن باديس.. لم نمت.
فقط ماتت شهيّتنا للحياة. فماذا نفعل أيها العالم الفاضل؟
لا أحد توقّع لنا الموت يأساً. آيف يموت شعب يتضاعف آل عام؟
ا􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ت رجاؤن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 شء أن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا ن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ي
ر بْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 د اقت 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 باح ق 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ك الص 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 وب
واخر 􀑧 ب الب 􀑧 ه يترق 􀑧 اً. إن 􀑧 مس أيض 􀑧 ذلك النشء الذي تغنيت به.. لم يعد يترقب الصباح، مذ حجز الجالسون فوقنا.. الش
والطائرات.. ولا يفكر سوى بالهرب.
أمام آل القنصليات الأجنبية تقف طوابير موتانا، تطالب بتأشيرة حياة خارج الوطن.
ام .. 􀑧 و لأي 􀑧 ا ول 􀑧 إليه « ز ا 􀑧 في » ى􀑧 ول عل 􀑧 دار التاريخ وانقلبت الأدوار. أصبحت فرنسا هي التي ترفضنا، وأصبح الحص
!« المحال من الطلب » هو
لم نمت ظلماً.. متنا قهراً. فوحدها الإهانات تقتل الشعوب.
ات 􀑧 ردده زنزان 􀑧 دة، لت 􀑧 ة واح 􀑧 ن زنزان 􀑧 ق م 􀑧 ي أن ينطل 􀑧 ان يكف 􀑧 نطينة . آ 􀑧 جن قس 􀑧 ي س 􀑧 يد ف 􀑧 ذا النش 􀑧 ردد ه 􀑧 ا ن 􀑧 ا آن 􀑧 في زمن م
أخرى، لم يكن مساجينها سياسيين.
آان لكلماته قدرة خارقة على توحيدنا. اآتشفنا مصادفة هناك صوتنا الواحد.
آنا شعباً واحداً ترتعد الجدران لصوته. قبل أن ترتعد أجسادنا تحت التعذيب.
هل بحّ صوتنا اليوم.. أم أصبح هناك صوت يعلو على الجميع. مذ أصبح هذا الوطن لبعضنا فقط؟
***
ن 􀑧 ولدت آل هذه الأفكار في ذهني وأنا أعبر ذلك الشارع، وألتقي بعد 37 سنة مع جدران سجن آنت يوماً أراها م
الداخل.
وم، 􀑧 ذاآرة الي 􀑧 ي ال 􀑧 ين أن تلغ 􀑧 ن للع 􀑧 ل يمك 􀑧 ارج، وه 􀑧 ن الخ 􀑧 ه م 􀑧 ر إلي 􀑧 ا ننظ 􀑧 رد أنن 􀑧 ر لمج 􀑧 ولكن هل يصبح السجن شيئاً آخ
وهل يمكن لذاآرة أن تلغي أخرى؟
جزءاً من ذاآرتي الأولى التي لن تمحوها الأيام. « الكديا » آان سجن
نة 1945 􀑧 ن س 􀑧 وم م 􀑧 ه ذات ي 􀑧 ا دخلت 􀑧 د آم 􀑧 ن جدي 􀑧 ه م 􀑧 وها هي الذاآرة تتوقف أمامه وترغم قدميّ على الوقوف، فأدخل
مع خمسين ألف سجين ألقيّ عليهم القبض بعد مظاهرات 8 ماي الحزينة الذآر.
وآنت أآثر حظاً، قياساً إلى الذين لم يدخلوه يومها.
173
ة 􀑧 طيف وقالم 􀑧 نطينة وس 􀑧 ين قس 􀑧 ه ب 􀑧 ري آل 􀑧 رق الجزائ 􀑧 زّت الش 􀑧 اهرة ه 􀑧 ي مظ 􀑧 قطوا ف 􀑧 هيد س 􀑧 ف ش 􀑧 ون أل 􀑧 ة وأربع 􀑧 خمس
وخرّاطة.
وآانوا أول دفعة رسمية لشهداء الجزائر. جاء استشهادهم سابقاً لحرب التحرير بسنوات.
هل أنساهم؟
ن 􀑧 أآثر م 􀑧 اتوا ب 􀑧 ذين م 􀑧 ك ال 􀑧 ذيب؟ وأولئ 􀑧 رف التع 􀑧 ي غ 􀑧 ثهم ف 􀑧 ت جث 􀑧 ه، وظلّ 􀑧 وا من 􀑧 م يخرج 􀑧 وه ول 􀑧 ذين دخل 􀑧 ك ال 􀑧 ى أولئ 􀑧 أأنس
طريقة للموت، رفاقنا الذين اختاروا موتهم وحدهم؟
يفه 􀑧 وأرش « عب 􀑧 الش 􀑧 ح» ائق 􀑧 ظ وث 􀑧 ة حف 􀑧 ه مهم 􀑧 ت ل 􀑧 اء. وآان 􀑧 ي البن 􀑧 ل ف 􀑧 رد عام 􀑧 ان مج 􀑧 علال . آ 􀑧 ماعيل ش 􀑧 ك إس 􀑧 هنال
ارخين 􀑧 اهقة ص 􀑧 غيرة الش 􀑧 ه الص 􀑧 اب غرفت 􀑧 وا ب 􀑧 ذين دقّ 􀑧 ة ال 􀑧 تخبارات العام 􀑧 ارة الاس 􀑧 ى زي 􀑧 ن تلقّ 􀑧 ان أول م 􀑧 ري. وآ 􀑧 الس
.« البوليس..افتح »
ي 􀑧 رّه ف 􀑧 و وس 􀑧 وبدل أن يفتح إسماعيل شعلال الباب.. فتح نافذته الوحيدة. ورمى بنفسه على وادي الرمال، ليموت ه
وديان قسنطينة العميقة.
ت 􀑧 مائنا تح 􀑧 وح بأس 􀑧 ى لا يب 􀑧 ات حت 􀑧 ذي م 􀑧 و ال 􀑧 وع، ه 􀑧 ماعيل دون دم 􀑧 ر إس 􀑧 أيمكن اليوم، وحتى بعد نصف قرن، أن أذآ
التعذيب؟
دنا 􀑧 رق جس 􀑧 راً يخت 􀑧 ا، خنج 􀑧 ى ز نزانتن 􀑧 ل حت 􀑧 ه تص 􀑧 وهنالك صوت (عبد الكريم بن وطاف) الذي آانت صرخات تعذيب
ة .. 􀑧 ازيّيين والقتل 􀑧 أيضاً ويبعث فيه الشحنات الكهربائية نفسها. وصوته يشتم بالفرنسية معذّبيه ويصفهم بالكلاب والن
فيأتي متقطّعاً بين صرخة وأخرى.
«criminels.. assassins.. salauds.. Nazis»
فيرد عليه صوتنا بالأناشيد الحماسية والهتاف.
ويصمت صوت بن وطاف.
وهنالك (بلال حسين) أقرب صديق إلى سي الطاهر، أحد رجال التاريخ المجهولين، وأحد ضحاياه.
ر 􀑧 ت جس 􀑧 ائم تح 􀑧 ه الق 􀑧 ان محلّ 􀑧 د آ 􀑧 ة . فق 􀑧 ل الوطني 􀑧 ل بأآم 􀑧 م جي 􀑧 ده تعلّ 􀑧 ى ي 􀑧 ن عل 􀑧 م ولك 􀑧 ل عل 􀑧 ن رج 􀑧 م يك 􀑧 ار اً. ل 􀑧 لال نجّ 􀑧 آان ب
(سيجي راشد) مقرّ الاجتماعات السرية.
أو « ة􀑧 الأم » دة 􀑧 راءة جري 􀑧 يّ ق 􀑧 رض عل 􀑧 نطينة، فيع 􀑧 ة قس 􀑧 ى ثانوي 􀑧 اً إل 􀑧 ه متجه 􀑧 رّ بمحلّ 􀑧 ا أم 􀑧 توقف ني وأن 􀑧 ان يس 􀑧 ه آ 􀑧 ر أن 􀑧 أذآ
منشوراً سرياً.
ان لا 􀑧 ويضعني أمام أآثر من امتحان ميداني، آ . « حزب الشعب » وآان خلال سنتين يهيؤني سياسياً للانخراط في
ددها 􀑧 ان يح 􀑧 ي آ 􀑧 بد لكل عضو أن يمر به قبل أن يؤدي قسم الانخراط في الحزب. ويبدأ نشاطه في إحدى الخلايا الت
بلال.
ه 􀑧 رة . وفي 􀑧 ه الأخي 􀑧 اج ) تعليمات 􀑧 في ذلك المحل الذي لا أثر له اليوم، آان يلتقي القادة السياسيون. ويعطي (مصالح الح
نوقشت الشعارات التي رفعها المتظاهرون، وآُتبت ليلاً على اللافتات لتكون مفاجأة فرنسا.
174
ا 􀑧 هل معه 􀑧 ة، يس 􀑧 باب تكتيكي 􀑧 لال لأس 􀑧 ا ب 􀑧 ط له 􀑧 ا خط 􀑧 د ) آم 􀑧 يدي راش 􀑧 ر (س 􀑧 وق جس 􀑧 ن ف 􀑧 اهرة م 􀑧 وعندما انطلقت تلك المظ
ر 􀑧 ا غي 􀑧 دقتها ونظامه 􀑧 ية ب 􀑧 وات الفرنس 􀑧 ت الق 􀑧 ر . أدهش 􀑧 ة للجس 􀑧 ات المؤدي 􀑧 ل الطرق 􀑧 ن آ 􀑧 رهم م 􀑧 تجمع المتظاهرين ثم تبعث
المتوقع. وآان بلال أول من أُلقي القبض عليه يومها.. ومن عذّب للعبرة.
ولم يمت بلال حسين آغيره. قضى سنتين في السجن والتعذيب. ترك فيهما جلده على آلات التعذيب.
ة، 􀑧 أذآر أنه ظلّ لعدة أيام عاري الصدر، عاجزاً حتى أن يضع قميصاً على جلده، حتى لا يلتصق بجراحه المفتوح
بعدما رفض طبيب المستشفى تحمل مسؤولية علاجه.
اً 􀑧 ة، ملاحق 􀑧 ارك المجهول 􀑧 ي المع 􀑧 لاً ف 􀑧 ين مناض 􀑧 لال حس 􀑧 اش ب 􀑧 ددة . وع 􀑧 ة المش 􀑧 النفي والرقاب 􀑧 ه ب 􀑧 اً علي 􀑧 رج محكوم 􀑧 م خ 􀑧 ث
ه 􀑧 هر نفس 􀑧 ي الش 􀑧 اي 1988 ، ف 􀑧 ي 27 م 􀑧 انين ف 􀑧 د والثم 􀑧 ه الواح 􀑧 ي عام 􀑧 ؤخراً ف 􀑧 ت إلا م 􀑧 م يم 􀑧 تقلال . ول 􀑧 مطارداً حتى الاس
الذي مات فيه لأول مرة.
مات بائساً، وأعمى، ومحروماً من المال والبنين.
ى 􀑧 ا إل 􀑧 وا عليه 􀑧 ه، وقض 􀑧 ويه رجولت 􀑧 دوا تش 􀑧 ذّبوه تعم 􀑧 دما ع 􀑧 م عن 􀑧 د، أنه 􀑧 ديقه الوحي 􀑧 هر لص 􀑧 اعترف قبل موته ببضعة أش
الأبد.
وأنه في الواقع مات منذ أربعين سنة..
ان 􀑧 اذا آ 􀑧 اً بم 􀑧 ألوه يوم 􀑧 م يس 􀑧 ذين ل 􀑧 ك ال 􀑧 ر . أولئ 􀑧 واه الأخي 􀑧 ى مث 􀑧 يوم وفاته، جاء حفنة من أنصاف المسؤولين لمرافقته إل
يعيش، ولا لماذا لا أهل له.
مشوا خلفه خطوات.. ثم عادوا إلى سياراتهم الرسمية، دون أدنى شعور بالذنب.
لم يكن أحد يعرف سره الذي احتفظ به أربعين سنة آاملة، بحياء رجلٍ من جيله ومن طينته.
فهل آان يستحق ذلك السر، آل ذلك الكتمان؟
آان بلال حسين آخر الرجال في زمن الخصيان..
وآان المبصر في زمن عميت فيه البصائر..
فهل أنسى بلال حسين؟
***
ها هوذا سجن (الكديا)..
أتأمله آما نتأمل جدران سجن أول، دخلناه آما ندخل حلماً مزعجاً لم نكن مهيأين له.
وان 􀑧 ن عن 􀑧 ه م 􀑧 ن ل 􀑧 م يك 􀑧 ر . ول 􀑧 ريين لا غي 􀑧 رة جزائ 􀑧 مرت سنوات آثيرة، قبل أن أدخل سجناًً آخر، آان جلادوه هذه الم
ل 􀑧 رّعة لك 􀑧 ة متض 􀑧 ي، باآي 􀑧 ي الماض 􀑧 ا ف 􀑧 ارتي هن 􀑧 أتي لزي 􀑧 معروف، ليعرف طيف (أمّا) طريقه إليّ فيأتيني آما آانت ت
حارس..
ن 􀑧 ر م 􀑧 ه أآث 􀑧 اوب علي 􀑧 ذي تن 􀑧 جن، ال 􀑧 ذا الس 􀑧 ا ه 􀑧 ة عرفه 􀑧 رى مدهش 􀑧 ها هوذا سجن (الكديا).. آم من قصص مؤلمة، وأخ
ثائر، لأآثر من ثورة.
175
دة 􀑧 ة جدي 􀑧 دارة، بدفع 􀑧 جن للص 􀑧 ذا الس 􀑧 اد ه 􀑧 اي 1945 . ع 􀑧 داث 8 م 􀑧 د أح 􀑧 بط بع 􀑧 نوات بالض 􀑧 ر س 􀑧 نة 1955 .. أي عش 􀑧 س
لسجناء استثنائيين آانت فرنسا تعدّ لهم عقاباً استثنائياً.
في الزنزانة رقم 8.. المعدة لانتظار الموت. آان ثلاثون من قادة الثورة ورجالها الأوائل، ينتظرون موثقين، تنفيذ
دوش 􀑧 ق دي 􀑧 ب رفي 􀑧 راه يم الطي 􀑧 ا وإب 􀑧 د لايف 􀑧 ري ومحم 􀑧 اهر الزبي 􀑧 د والط 􀑧 ن بولعي 􀑧 الحكم بالإعدام عليهم، بينهم مصطفى ب
مراد وباجي مختار وآخرون.
ي 􀑧 د ف 􀑧 طفى بولعي 􀑧 د مص 􀑧 هيد القائ 􀑧 ر الش 􀑧 ام، أخب 􀑧 ق الع 􀑧 اجين الح 􀑧 لاق مس 􀑧 ى أن ح 􀑧 ا، حت 􀑧 وت يومه 􀑧 آان آل شيء معداً للم
.« نفذوا » الصباح، أنهم غسلوا المقصلة بالأمس، وأنه حلم أنهم
دي ا).. 􀑧 ن (الك 􀑧 رب م 􀑧 ة لله 􀑧 ام خط 􀑧 ذ أي 􀑧 دّ من 􀑧 ان يع 􀑧 وآانت هذه الكلمة تحمل معنييْن بالنسبة لمصطفى بن بولعيد، الذي آ
ة 􀑧 احة مغلق 􀑧 وآان شرع مع رفاقه منذ عدة أيام، في حفر ممر سري تحت الأرض، أوصلهم في المرة الأولى إلى س
داخل السجن. فأعادوا الحفر من جديد، ليصلوا بعد ذلك إلى خارج السجن.
د 􀑧 طفى بولعي 􀑧 ان مص 􀑧 د، آ 􀑧 اءً بالتحدي 􀑧 ة مس 􀑧 يوم 10 نوفمبر 1955 ، بعد صلاة المغرب، وبين الساعة السابعة والثامن
د 􀑧 ا أح 􀑧 م يغادره 􀑧 ة ل 􀑧 ن زنزان 􀑧 روب م 􀑧 ومعه عشرة آخرون من رفاقه، قد هربوا من (الكديا)، وقاموا بأغرب عملية ه
منذ ذلك اليوم.. سوى إلى المقصلة.
ة 􀑧 ن عملي 􀑧 جاعة ع 􀑧 ل ش 􀑧 رى لا تق 􀑧 ارك أخ 􀑧 ي مع 􀑧 هداء ف 􀑧 ه، ش 􀑧 رّوا مع 􀑧 بعد ذلك سقط القائد مصطفى بولعيد وبعض من ف
فرارهم، فتصدّروا برحيلهم آتب التاريخ الجزائري، وأهم الشوارع والمنشآت الجزائرية.
بينما نُفِّذ حكم الإعدام، في من ظلّوا بالزنزانة، دون أن يتمكنوا من الهروب.
ة 􀑧 ال الثماني 􀑧 ات الرج 􀑧 اة .وم 􀑧 ولم يبق اليوم من السجناء الأحد عشر الذين هربوا من الكديا، سوى اثنين على قيد الحي
والعشرون الذين جمعتهم الزنزانة رقم ثمانية يوماً، لقدرٍ آان مقرراً أن يكون.. واحداً.
ن 􀑧 ر م 􀑧 آلما وقفت أمام الجدران العالية لهذا السجن تبعثرت ذاآرتي، وذهبت لأآثر من وجه، لأآثر من اسم، ولأآث
ردّ 􀑧 داً ي 􀑧 اً واح 􀑧 د آاتب 􀑧 رارها، دون أن تج 􀑧 ى أس 􀑧 ة عل 􀑧 ت مغ لق 􀑧 رى مازال 􀑧 جلاد. وشعرت برغبة في فتح أبواب سجون أخ
دين من مرّوا بها.
وقتها آنت أحسد ذلك الرفيق الذي جمعتني به زنزانة هنا لبضعة أسابيع.
آنا آنذاك.. أنا وهو، أصغر معتقلينْ سياسيينْ. وربما آان ياسين يصغرني ببضعة أشهر.
آان عمره ستة عشر عاماً فقط.
ورغم أنهم أطلقوا سراحي لصغر سنّي، فقد رفضوا أن يطلقوا سراح ياسين. وبقي في سجن (الكديا) أربعة عشر
مها 􀑧 ان اس 􀑧 ا.. وآ 􀑧 ن عمره 􀑧 رين م 􀑧 ة والعش 􀑧 ي السادس 􀑧 ت ف 􀑧 نوات، آان 􀑧 ر س 􀑧 ره بعش 􀑧 امرأة تكب 􀑧 ة.. وب 􀑧 م بالحري 􀑧 هراً. يحل 􀑧 ش
!« نجمة »
.« نجمة » وبينما عدت أنا بعد ستة أشهر من السجن إلى الدراسة، راح ياسين يكتب بعد عدة سنوات رائعته
ة 􀑧 رارة والخيب 􀑧 اض الم 􀑧 ي مخ 􀑧 ل، وف 􀑧 ل الطوي 􀑧 ك اللي 􀑧 ي ذل 􀑧 ا. ف 􀑧 ى هن 􀑧 ا الأول 􀑧 دت فكرته 􀑧 ي ول 􀑧 ة، الت 􀑧 ة الفجيع 􀑧 ك الرواي 􀑧 تل
والأحلام الوطنية الكبرى.
176
أذآر أن ياسين آان مدهشاً دائماً. آان مسكوناً بالرفض وبرغبة في التحريض والمواجهة.
هد 􀑧 ا نش 􀑧 ر، وأنن 􀑧 ا) الجزائ 􀑧 ام (لورآ 􀑧 ا أم 􀑧 ا أنن 􀑧 ل وقته 􀑧 ه، ونجه 􀑧 ولذا آان ينقل عدواه من سجين إلى آخر. وآنا نستمع إلي
ميلاد شاعر سيكون يوماً، أآبر ما أنجب هذا الوطن من مواهب.
مرت عدة سنوات، قبل أن ألتقي بالكاتب ياسين في منفاي الإجباري الآخر بتونس.
اآتشفت بفرح لا يخلو من الدهشة أنه لم يتغير.
وع 􀑧 ة الخض 􀑧 يهم رائح 􀑧 مازال يتحدث بذلك الحماس نفسه، وبلغته الهجومية نفسها، معلناً الحرب على آل من يشتمُّ ف
لفرنسا أو لغيرها.
لقد آانت له حساسية ضد الإهانات المهذبة، وضد قابلية البعض للانحناء.. الفطري!
ية 􀑧 لطات التونس 􀑧 رب، والس 􀑧 يين الع 􀑧 آان يومها يلقي محاضرة في قاعة آبرى بتونس، عندما راح فجأة يهاجم السياس
بالتحديد.
ولم يستطع أحدٌ يومها إسكات ياسين.
فقد ظل يخطب ويشتم حتى بعدما قطعوا عليه صوت الميكروفون، وأطفأوا الأضواء ليرغموا الناس على مغادرة
القاعة.
يش.. آ 􀑧 تع » ين 􀑧 ى ياس 􀑧 افي عل 􀑧 امي وهت 􀑧 ف الأم 􀑧 ي الص 􀑧 وري ف 􀑧 ن حض 􀑧 وليس ثم 􀑧 ع الب 􀑧 ق م 􀑧 ة تحقي 􀑧 ي جلس 􀑧 ت ف 􀑧 يومها دفع
.«.. ياسين
ة 􀑧 دة المرفوع 􀑧 دي الوحي 􀑧 ى ي 􀑧 وا إل 􀑧 ر انتبه 􀑧 يهم الأم 􀑧 ان يعن 􀑧 ن آ 􀑧 ض م 􀑧 ن بع 􀑧 لم ينتبه أحد وقتها إلى وجوه من صفّقوا. ولك
تأييداً ..وإعجاباً.
الات .. 􀑧 ع الح 􀑧 ي جمي 􀑧 ه ف 􀑧 اً، لأن 􀑧 اً ورافض 􀑧 ون معارض 􀑧 احبها أن يك 􀑧 در ص 􀑧 دة . فق 􀑧 د الواح 􀑧 ر للي 􀑧 د الآخ 􀑧 فت البع 􀑧 ا اآتش 􀑧 يومه
عاجز عن التصفيق!
«.. ياسين.. لو رزقت ولداً سأسميه ياسين » : احتضنته بعدها وقلت
وشعرت بشيء من العنفوان والمتعة، آأنني أقول له أجمل ما يمكن أن نقوله لصديق أو لكاتب.
فضحك ياسين وهو يربت على آتفي بيدٍ عصبية آعادته عندما يربكه اعتراف ما.
«! أنت أيضاً لم تتغير.. مازلت مجنوناً » : وقال بالفرنسية
وضحكنا لنفترق لعدة سنوات أخرى.
،« ة􀑧 نجم » اه 􀑧 دتي تج 􀑧 تراني آنت أريد أن أآون وفيّاً لذاآرتنا المشترآة، أم فقط، آنت أريد أن أعوّض بذلك عن عق
ح 􀑧 اتي، بملام 􀑧 أحلامي وخيب 􀑧 الرواية التي لن أآتبها، والتي آنت أشعر أنها بطريقة أو بأخرى، آانت قصّتي أيضاً. ب
د 􀑧 يدي محم 􀑧 ذبائح لس 􀑧 دّم ال 􀑧 الحين، تق 􀑧 اء الص 􀑧 جن والأولي 􀑧 ين الس 􀑧 ة ب 􀑧 ون، الراآض 􀑧 أس والجن 􀑧 ة الي 􀑧 ى حاف 􀑧 (أمّا) الواقفة عل
ذي 􀑧 ل ال 􀑧 ة الأآ 􀑧 ر بقفّ 􀑧 ين والآخ 􀑧 ين الح 􀑧 الغراب، والعمولات لحارس السجن اليهودي، الذي آان جارنا.. حتى يأتيني ب
ا، 􀑧 ي وعنه 􀑧 ي عن 􀑧 غال أب 􀑧 ام انش 􀑧 ي أم 􀑧 هر، والت 􀑧 تة أش 􀑧 د س 􀑧 تعدّه لي. (أمّا) التي آدت لا أعرفها عندما غادرت السجن بع
177
بتجارته وعشيقاته، أصبحت لا تطلب من الله إلا عودتي لها. وآأنني الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبرر وجودها،
والشاهد الوحيد على أمومتها وأنوثتها المسلوبة.
نعم آنا في النهاية جيلاً بقصة واحدة، بجنون الأمهات المتطرفات في الحب، بخيانة الآباء المتطرفين في القسوة،
دها 􀑧 ى ي 􀑧 وبقصص حب وهمية، وخيبات عاطفية، يصنع منها البعض روائع عالمية في الأدب، ويتحول آخرون عل
إلى مرضى نفسانيين.
تراني لا أفعل شيئاً بكتابة هذا الكتاب، سوى محاولة الهروب من صنف المرضى إلى صنف المبدعين؟
آه ياسين.. آم تغير العالم منذ ذلك اللقاء.. منذ ذلك الوداع..
أنت الذي أنهيت روايتك قائلاً على لسان ذلك البطل:
«!. وداعاً أيها الرفاق.. أيّ شباب عجيب ذاك الذي عشناه »
لم تكن تتوقع وقتها، أن عمرنا سيكون أعجب من سنوات شبابنا بكثير!
* * *
غداً سيكون عرسكِ إذن..
وعبثاً أحاول أن أنسى ذلك، وأمشي في شوارع قسنطينة، يسلّمني زقاق إلى آخر.. وذاآرة إلى أخرى.
أما قلتِ إنك لي مادمنا في هذه المدينة؟
ي 􀑧 ك، والت 􀑧 ة آقلب 􀑧 ات والأزق 􀑧 عّبة الطرق 􀑧 ة المتش 􀑧 ذه المدين 􀑧 ن ه 􀑧 اق م 􀑧 ي أي زق 􀑧 ارع .. ف 􀑧 ي أي ش 􀑧 ونين الآن إذن؟ ف 􀑧 ن تك 􀑧 أي
تذآّرني بحضورك وغيابك الدائم، وتشبهك حد الارتباك؟
لستِ لي..
ى 􀑧 ي لأنس 􀑧 ى جرح 􀑧 ا عل 􀑧 يم أن 􀑧 ا أه 􀑧 ا. بينم 􀑧 يس أن 􀑧 أدري أنهم يعدّونك الآن لليلة حبك القادمة .يعدّون جسدك لرجل آخر ل
الذي يحدث هناك.
مليئاً آان يومك، آيوم عروس، وفارغاً آان يومي، آيوم موظّف متقاعد.
رى 􀑧 رح وأخ 􀑧 داهما للف 􀑧 تينْ، إح 􀑧 رتين متناقض 􀑧 يش بمفّك 􀑧 ن نع 􀑧 منذ زمان أخذ آلّ واحد منا طريقاً مخالفاً للآخر. وها نح
للحزن. فكيف أنسى ذلك؟
آانت آل الطرق تؤدي إليك، حتى تلك التي سلكتها للنسيان، والتي آنت تتربّصين لي فيها.
ات 􀑧 ل الحمام 􀑧 اهي .. آ 􀑧 ل المق 􀑧 جون .. آ 􀑧 لّ الس 􀑧 آ.. « ة􀑧 البيوت المغلق » آلّ المدارس والكتاتيب العتيقة.. آل المآذن.. آلّ
اهزة 􀑧 اب الج 􀑧 يغة والثي 􀑧 رض الص 􀑧 ي تع 􀑧 ات الت 􀑧 ل الواجه 􀑧 ب، آ 􀑧 اهزات للح 􀑧 امي ج 􀑧 اء أم 􀑧 ا النس 􀑧 رج منه 􀑧 ت تخ 􀑧 ي آان 􀑧 الت
تعين 􀑧 ا)، وأس 􀑧 ر (أمّ 􀑧 ن قب 􀑧 ا ع 􀑧 ث فيه 􀑧 ت أبح 􀑧 رة، ورح 􀑧 يارة أج 􀑧 ي س 􀑧 ي ف 􀑧 ت نفس 􀑧 ي ألقي 􀑧 رة الت 􀑧 للعرائس. وحتى.. تلك المقب
بسجلات حارسها لأتعرف على أرقام الممرات التي آانت توصل إليها.. أوصلتني إليك لا غير.
ن 􀑧 ت أدف 􀑧 ط .. أم رح 􀑧 ا فق 􀑧 ت أزوره 􀑧 ذات؟ أرح 􀑧 ك بال 􀑧 ة عرس 􀑧 ي ليل 􀑧 (أمّا).. لماذا قادتني قدماي إليها ذلك اليوم بالذات، ف
جوارها امرأة أخرى توهمّتها يوماً أمي؟
178
دموع 􀑧 ك ال 􀑧 دت تل 􀑧 دماي، وتجمّ 􀑧 مّرت ق 􀑧 ي، تس 􀑧 ار آقلب 􀑧 ر الغب 􀑧 عند قبرها الرخامي البسيط مثلها، البارد آقدرها.. والكثي
التي خبأتها لها منذ سنوات الصقيع والخيبة.
ئ .. 􀑧 ة الممتل 􀑧 در الأموم 􀑧 وز . ص 􀑧 ن آن 􀑧 ك م 􀑧 ت أمل 􀑧 ا آن 􀑧 ل م 􀑧 ي آ 􀑧 ة تخف 􀑧 ة رخامي 􀑧 ها هي ذي (أمّا).. شبر من التراب، لوح
.«.. عندك يا خالد يا ابني » .. رائحتها.. خصلات شعرها المحنّاة.. طلّتها ..ضحكتها.. حزنها.. ووصاياها الدائمة
(أمّأ) عوّضتها بألف امرأة أخرى.. ولم أآبر.
عوّضت صدرها بألف صدر أجمل.. ولم أرتوِ. عوّضت حبها بأآثر من قصة حب.. ولم أشف.
آانت عطراً غير قابل للتكرار .لوحة غير قابلة للتقليد ولا للتزوير.
ن 􀑧 دور ل 􀑧 ا، و ب 􀑧 ياء لا تفهمينه 􀑧 ك بأش 􀑧 فلماذا في لحظة جنون تصوّرت أنك امرأة طبق الأصل عنها؟ لماذا رحت أطالب
تطاليه؟
هذا الحجر الرخاميّ الذي أقف عنده أرحم بي منك.
لو بكيت الآن أمامه.. لأجهش بدوره بالبكاء.
لو توسّدت حجره البارد، لصعد من تحته ما يكفي من الدفء لمواساتي.
.«؟.. واش بيك آ ميمة » لو ناديته (يا أمّا..) لأجابني ترابه مفجوعاً
ولكن آنت أخاف حتى على تراب (أمّا) من العذاب، هي التي آانت حياتها مواسم للفجائع لا غير.
آنت أخاف عليها حتى بعد موتها من الألم، وأحاول آلّما زرتها أن اخفي عنها ذراعي المبتورة.
ماذا لو آان للموتى عيون أيضاً؟
ماذا لو آانت المقابر لا تنام.. آم آان يلزمني من الكلام وقتها لأشرح لها آل ما حلّ بي بعدها؟
لم أجهش ساعتها بالبكاء، وأنا أقف أمامها بعد آلّ ذلك العمر.
نحن نبكي دائماً فيما بعد.
مرّرت فقط يدي على ذلك الرخام، وآأنني أحاول أن أنزع عنه غبار السنين وأعتذر له عن آل ذلك الإهمال.
ثم رفعت يدي الوحيدة لأقرأ فاتحة على ذلك القبر..
دل 􀑧 ة ب 􀑧 ب الرحم 􀑧 ا تطل 􀑧 ة وآأنه 􀑧 بدا لي وقتها ذلك الموقف، وآأنه موقف سريالي. وبدت يدي الوحيدة الممدودة للفاتح
أن تعطيها..
فتنهّدت ..وأخفيت يدي.
ألقيتها داخل جيب سترتي.. وألقيت بخطاي خارج مدينة التراب ..والرخام.
***
ائلات 􀑧 آان ترقب حسان وزوجته للعرس، واستعداداتهما الدائمة له، للقاء آل الذين سيحضرونه من شخصيات وع
ا 􀑧 م يزره 􀑧 ة ل 􀑧 يحلّ بمدين 􀑧 س ،« يرك 􀑧 س» ن􀑧 دثون ع 􀑧 ال يتح 􀑧 ى أطف 􀑧 تمع إل 􀑧 أنني أس 􀑧 اً، وآ 􀑧 ا أحيان 􀑧 تمع لهم 􀑧 آبيرة، يجعلني أس
سيرك ولا مهرّجون من قبل.
وآنت لذلك أشفق عليهما.. وأعذرهما.
179
يرك 􀑧 الس » ران 􀑧 ا ينتظ 􀑧 لقد آانت قسنطينة في النهاية، مدينة لا يحدث فيها شيء ما عدا الأعراس. فترآتهما لفرحتهم
واحتفظت لنفسي بخيبتي. ،« عمَّار
آان آل شيء استثنائياً في ذلك اليوم. وآنت أعرف مسبقاً برنامجه من أحاديث السهرة.
سيذهب حسان لقضاء حاجاته في الصباح، ثم يصلّي صلاة الظهر في المسجد، وبعدها سيمر بي صحبة (ناصر)
لنذهب جميعاً إلى حضور العرس.
ات 􀑧 اء أخري 􀑧 أما عتيقة فقد تأخذ الأولاد وتذهب منذ الصباح لترافق العروس إلى الحلاق. ثم تبقى هناك لتقوم مع نس
بخدمة الضيوف وإعداد الطاولات.
ب 􀑧 بب متاع 􀑧 ا بس 􀑧 ر، ربم 􀑧 ل الظه 􀑧 ه قب 􀑧 دم مغادرت 􀑧 باح، وع 􀑧 ك الص 􀑧 ي ذل 􀑧 ريري ف 􀑧 ي س 􀑧 اء ف 􀑧 ي البق 􀑧 ةٍ ف 􀑧 عر برغب 􀑧 ت أش 􀑧 آن
البارحة، وربما استعداداً للسهر والمتاعب الأخرى التي تنتظرني في ذلك اليوم..
ة 􀑧 ك المدين 􀑧 ي تل 􀑧 ي ف 􀑧 ى وجه 􀑧 وربما فقط لأنني لم أعد أدري أين يمكنني أن أذهب، بعدما قضيت أسبوعاً وأنا أهيم عل
التي آانت تتربّص بذاآرتي في آل شارع. وآنتِ تختبئين لي فيها خلف آل منعطف..
ه 􀑧 ي في 􀑧 ل ألتق 􀑧 ى الأق 􀑧 ه . أو عل 􀑧 ك إلي 􀑧 رب من 􀑧 ن أن أه 􀑧 ذي يمك 􀑧 د ال 􀑧 وجدت بعد تفكير قصير، أن السرير هو المكان الوحي
معك بلذّة وليس بألم.
ولكن..
هل سأجرؤ حقاً على استحضارك اليوم.. في هذه اللحظة التي آنت أدري أنك تتجمّلين فيها استعداداً لرجل آخر؟
ابقة 􀑧 ك الس 􀑧 لّ خيانات 􀑧 زوة آ 􀑧 ة ن 􀑧 ي لحظ 􀑧 هل سأجرؤ على استحضارك في هذا الصباح.. وهل سيغفر لك جسدي حقاً ف
واللاحقة؟ آان ذلك جنوناً في جنون!!
.«.. سأآون لك في تلك الليلة » : ولكن أليس هذا الذي آنت تريدينه في النهاية، عندما قلت
آنت أشعر برغبة في امتلاآك في ذلك الصباح.
ة 􀑧 ذه اللعب 􀑧 تنتهي ه 􀑧 ي، وس 􀑧 وني ل 􀑧 ن تك 􀑧 وم ل 􀑧 د الي 􀑧 د . فبع 􀑧 ى الأب 􀑧 دك إل 􀑧 ل أن أفتق 􀑧 يء، قب 􀑧 وآأنني أريد أن أسرق منك آل ش
الموجعة الحمقاء التي لم تكن هوايتي قبلك.
موجعاً آان لقائي معك ذلك الصباح.
فيه آثير من الشراسة والمرارة الغامضة.
فيه آثير من الحقد والشهوة الجنونية.
لو آنتِ لي..
ة 􀑧 ذآريات الطفول 􀑧 ع ب 􀑧 ت الشاس 􀑧 ك البي 􀑧 آه لو آنتِ لي ذلك الصباح.. في ذلك السرير الكبير الفارغ البارد دونك. في ذل
المبتورة.. وشهوة الشباب المكبوت الذي مر على عجل.
ى 􀑧 ع .. إل 􀑧 لو آنت لي.. لامتلكتك آما لم أمتلك امرأة هنا. لاعتصرتك بيدي الوحيدة في لحظة جنون .لحوّلتك إلى قط
روراً 􀑧 لّ غ 􀑧 يء أق 􀑧 ت، أي ش 􀑧 رك أن 􀑧 يء غي 􀑧 ى أي ش 􀑧 رأة ..إل 􀑧 نع ام 􀑧 لح لص 􀑧 ة تص 􀑧 ى عجين 􀑧 مواد أولية.. إلى بقايا امرأة.. إل
وآبرياءً.. أقلّ ظلماً وجبروتاً منك.
180
م 􀑧 د الأم، ث 􀑧 ك ح 􀑧 م أحببت 􀑧 م، ث 􀑧 دّ الأل 􀑧 وم ح 􀑧 ك الي 􀑧 ربتك ذل 􀑧 ت ض 􀑧 ا آن 􀑧 رأة، ربم 􀑧 ه ام 􀑧 ي وج 􀑧 دة ف 􀑧 دي الوحي 􀑧 ع ي 􀑧 أنا الذي لم أرف
جلست إلى جوار جسدك أعتذر له..
دما 􀑧 اك عن 􀑧 ل، عس 􀑧 ة القُبَ 􀑧 مك بشراس 􀑧 اء، لأوشّ 􀑧 بة بالحن 􀑧 ك المخضّ 􀑧 رة أطراف 􀑧 فتيّ حم 􀑧 و بش 􀑧 ك، أمح 􀑧 يء في 􀑧 ل ش 􀑧 ل آ 􀑧 أقبّ
تستيقظين تكتشفينني مرسوماً على جسدك آالوشم، بذلك اللون الأخضر الوحيد الذي لا يرسم إلا على الجسد!
رارٍ 􀑧 دسٍ أو بق 􀑧 ا بح 􀑧 ت أدري يومه 􀑧 ه، أم آن 􀑧 ك قبل 􀑧 ك وأمتلك 􀑧 رد ب 􀑧 د أن أنف 􀑧 ت أري 􀑧 ون؟ أآن 􀑧 ك الجن 􀑧 لّ ذل 􀑧 اءني آ 􀑧 ن ج 􀑧 من أي
مسبق أنني أنفق معك آخر رعشات اللذّة، وأنني سأضعك خارج هذا السرير بعد اليوم إلى الأبد؟
لم تكن مشكلتي معك مجرد شهوة. لو آانت لحسمتها يومها بطريقة أو بأخرى.
هنالك أآثر من امرأة هنا يمكن أن يمتلكها رجل دون جهد.
هنالك أآثر من باب نصف مفتوح ينتظر أن يفتحه رجل.
هناك جارات تتقاطع خطواتي بهنّ مراراً في هذه البيوت العربية المشترآة، وأدري رغبتهن السرية في الحب.
تعلمت مع الزمن، أن أفكّ رموز نظرات النساء المحتشمات.. والمبالغات في اللياقة والمفردات المؤدبة.
ولكنني آنت أتجاهل نظرتهن ودعوتهن الصامتة إلى الخطيئة.
لم أعد أدري اليوم.. إن آنت أتصرف آذلك عن مبدأ.. أم عن حماقة وشعور غامض بالغثيان؟
آنت في الواقع أشفق عليهن ..وأحتقر أزواجهن الذين يسيرون آالديوك المغرورة دون مبرر..
سوى أنهم يمتلكون في البيت دجاجة ممتلئة متشحّمة لم يقربها أحد ربما عن قرف!
أو أخرى شهيّة ومدجّنة حسب التقاليد ولا يتوقع صاحبها أنّ جناحيها القصيرين.. مازالا يمارسان القفز.. فطرياً!
يا لحماقة الديوك!
تثناء 􀑧 م دون اس 􀑧 ؤلاء إذن؟ وآله 􀑧 ي ه 􀑧 ن يزن 􀑧 ع م 􀑧 وناً، فم 􀑧 ال مص 􀑧 ل الرج 􀑧 رف آ 􀑧 ا، وش 􀑧 ات هن 􀑧 اء عفيف 􀑧 ل النس 􀑧 ت آ 􀑧 إذا آان
يتبجّح في المجالس الرجالية بمغامراته؟
أليس آل واحد منهم يضحك على الآخر.. ولا يدري أن هناك من يضحك عليه؟!
آم أآره ذلك الجو الموبوء بالنفاق.. وتلك القذارة المتوارثة.. بنزاهة!
ى .. 􀑧 ك الأول 􀑧 ي روايت 􀑧 اء ف 􀑧 ا ج 􀑧 تي مم 􀑧 ك دهش 􀑧 يحدث عندما تتقاطع نظراتي بهنّ، أن أستعيد قولك مرة، عندما أبديت ل
ورحت أستجوبك بحثاً عن ذاآرة مشبوهة.
قلتِ:
ا. 􀑧 فافة بطبعه 􀑧 لا تبحث آثيراً.. لا يوجد شيء تحت الكلمات. إن امرأة تكتب هي امرأة فوق آل الشبهات.. لأنها ش »
«! إن الكتابة تطهّر مما يعلق بنا منذ لحظة الولادة.. أبحث عن القذارة حيث لا يوجد الأدب
وآانت القذارة المتوارثة أمامي في آل مكان، في عيون معظم النساء الجائعات لأي رجل آان.
في عصبية الرجال الذين يحملون شهوتهم تراآماً قابلاً للانفجار.. أمام أول أنثى.
ولكن آان عليّ أن أقاوم رغبتي الحيوانية ذلك اليوم. وألا أترك تلك المدينة تستدرجني إلى الحضيض.
فهنالك مبادئ لا يمكنني التخلّي عنها مهما حدث. آأن أعاشر امرأة متزوجة، تحت أي مبرر آان.
181
ك 􀑧 ا، وأن 􀑧 رى يومه 􀑧 وربما آان هذا سر حزني الآخر. فقد آنت أدري أن مستحيلاً آخر قد أضيف إلى مستحيلات أخ
لن تكوني لي أبداً بعد اليوم.
لم أآن خجولاً من يدي اليمنى ذلك اليوم.
شعرت بشيء من الارتياح، وأنا أآتشف أنني برغم آل ما حلّ بي مازلت أحترم جسدي.
المهم في هذه الحالات، ألا نفقد احترام جسدنا ونحن نمنحه لأول عابر سبيل.
فأين يمكن أن نسكن بعد ذلك إن نحن أهنّاه.. وإن رفض أن ينسى ذلك؟
ور 􀑧 دخل الن 􀑧 د، وي 􀑧 ى الأب 􀑧 ا إل 􀑧 ك منه 􀑧 رج طيف 􀑧 ا ليخ 􀑧 أنني أفتحه 􀑧 رميت فجأة بالغطاء، واتّجهت نحو النافذة وأشرعتها وآ
إلى تلك الغرفة.
يّ 􀑧 صّ عل 􀑧 واري، تق 􀑧 ى ج 􀑧 ام إل 􀑧 في هذه المدينة المسكونة بالجنّ والسحرة، ماذا لو آنت جنّية تتسلل إليّ مع العتمة، تن
قصصاً عجيبة، تعدني بألف حلّ سحري لمأساتي.. ثم تختفي مع أول شعاع وتترآني لهواجسي وظنّي؟
هل خرج طيفك حقاً يومها من سريري.. من غرفتي وذاآرتي. وهرب من تلك النافذة؟ لا أدري!
أدري فقط أن قسنطينة، دخلت من تلك النافذة نفسها، التي قلّما فتحتها.
ل 􀑧 ي آ 􀑧 رعة ف 􀑧 دام المس 􀑧 ام الأق 􀑧 اني أم 􀑧 ي مك 􀑧 مّرني ف 􀑧 د، ويس 􀑧 ي آن واح 􀑧 ة ف 􀑧 ن مئذن 􀑧 ر م 􀑧 ن أآث 􀑧 اجئني م 􀑧 الأذان يف 􀑧 وإذا ب
الاتجاهات.
ة، 􀑧 ه اليومي 􀑧 وآان جسر (سيدي راشد) يبدو بدوره منهمكاً في حرآة دائمة آامرأة تستعد لحدثٍ ما.. مأخوذاً بهموم
وبحماس نهايات الأسبوع.
وجدت في انشغاله عن حزني ذلك الصباح بالذات شيئاً شبيهاً بالخيانة.. وعدم العرفان بالجميل.
قررت بدوري ألا أجامله.. فأغلقت في وجهه وجهي.. ورَدَدْت النافذة..
اً 􀑧 اويها عنف 􀑧 ابقة وتس 􀑧 ية الس 􀑧 ي الجنس 􀑧 وازي رغبت 􀑧 اد ت 􀑧 وان .. تك 􀑧 وفجأة.. انتابتني رغبة جارفة للرسم. زوبعة شهوة الأل
وتطرّفاً.
لم أعد في حاجة إلى امرأة.. شفيت من جسدي وانتقل الألم إلى أطراف أصابعي..
ب 􀑧 ى الخش 􀑧 دودة إل 􀑧 اء المش 􀑧 احة البيض 􀑧 ك المس 􀑧 في النهاية لم يكن السرير مساحة للذّتي ولا لطقوس جنوني. وحدها تل
آانت قادرة على إفراغي من ذاتي.
فيها أريد أن أصبّ الآن لعنتي، أبصق مرارة عمرٍ من الخيبات.
ي 􀑧 ي تخف 􀑧 رون، والت 􀑧 ذ ق 􀑧 واد من 􀑧 ة _ بالس 􀑧 ة _حماق 􀑧 ة الملتحف 􀑧 ذه المدين 􀑧 زت له 􀑧 أفرغ ذاآرة انحازت للون الأسود.. مذ انح
وجهها _تناقضاً_ تحت مثلث أبيض للإغراء.
نس – 􀑧 دين – الج 􀑧 رم ( ال 􀑧 ا المح 􀑧 ط ثالوثه 􀑧 ة وس 􀑧 يش مغلق 􀑧 ي تع 􀑧 ة الت 􀑧 ا المدين 􀑧 لاماً أيته 􀑧 تحيل .. س 􀑧 ث المس 􀑧 ا المثل 􀑧 سلاماً أيه
السياسة).
هيته 􀑧 ودا ) وش 􀑧 ث (برم 􀑧 وس مثل 􀑧 ك طق 􀑧 ون ل 􀑧 ع أن تك 􀑧 د يتوقّ 􀑧 ن أح 􀑧 م يك 􀑧 ال . فل 􀑧 ن رج 􀑧 آم تحت عباءتك السوداء.. ابتلعت م
للإغراق..
182
آانت الأفكار الرمادية تتوالد في ذهني في ذلك الصباح. والغيظ يملؤني تدريجياً آلما تقدّمت الساعة واقترب وقت
قدوم حسان وناصر لمرافقتي إلى ذلك البيت، لأحضر عرسك.
وآان غيظي وخيبتي قد شلاّ يدي ومنعاني حتى من أن أحلق ذقني أو أستعد لذلك الفرح المأتم.
آنت أذهب وأجيء فجأة في تلك الغرفة بعصبية مدمن تنقصه رشفة أفيونه.
ة 􀑧 ك الرغب 􀑧 م؟ تل 􀑧 ة للرس 􀑧 ة الجارف 􀑧 ذه الرغب 􀑧 اة، وبه 􀑧 اك فرش 􀑧 وم لإمس 􀑧 يّة الي 􀑧 آيف لم أتوقع أن أشعر بهذه الحاجة المرض
التي لا تقاوم، والتي تصبح ألماً في أطراف الأصابع، وتوتراً جسدياً ينتقل من عضو إلى آخر؟
آنت أريد أن أرسم.. وأرسم.. حتى أفرغ من آل شيء. وأقع ميتاً.. أو مغمى عليّ إرهاقاً ونشوة.
اء .. 􀑧 ات بيض 􀑧 وداء .. ومثلث 􀑧 لاءات س 􀑧 ا ءً بم 􀑧 مت نس 􀑧 ا رس 􀑧 من الأرجح أنني هذه المرة لن أرسم جسوراً ولا قناطر. ربم
وعيون آاذبات، واعدات بفرح ما. فاللون الأسود لون آاذب في معظم الأحيان.. تماماً مثل اللون الأبيض.
وقد لا أرسم شيئاً، وأموت هكذا واقفاً، عاجزاً أمام لوحة بيضاء.
ة، 􀑧 ي النهاي 􀑧 يئاً ف 􀑧 ع ش 􀑧 م نوقّ 􀑧 ا ل 􀑧 فهل أروع من أن نوقّع مساحة بيضاء ببياض، وننسحب على رؤوس الأصابع، مادمن
ووحدها الأقدار توقّع حياتنا، وتفعل بنا ما تشاء؟
لماذا التحايل على الأشياء إذن.. لماذا المراوغة؟
ى 􀑧 ماته عل 􀑧 ع بص 􀑧 أما آنتِ لوحتي؟ ما فائدة أن أآون رسمتك ألف مرة، مادام آخر سيضع توقيعه عليك اليوم، سيض
جسدك، واسمه جوار أوراقك الثبوتية؟
وماذا تفيد عشرات المساحات التي غطيتها بك، أمام سرير سيحتوي جسدك.. ويخلّد أنوثتك الأبدية؟
أيّ جدوى لما أرسمه.. إذا آان هناك دائماً من سيضع توقيعه نيابة عني آالعادة؟
***
و 􀑧 في تلك اللحظة المتقدمة من اليأس، دقّ فجأة الهاتف، وأخرجني للحظة من وحدتي وهواجسي. فرحت أسرع نح
الغرف البعيدة الأخرى، لأردّ عليه.
آان حسان على الخط. سألني دون مقدمات:
- واش راك تعمل..؟
أجبته بشيء من الصدق:
- آنت غافياً شيئاً ما..
قال:
ت . 􀑧 ض الوق 􀑧 أخر بع 􀑧 د أت 􀑧 ي ق 􀑧 - حسناً إذن.. توقعت أن تكون جاهزاً وتنتظرني منذ مدة. آنت أريد أن أخبرك أنن
هنالك مشكل صغير يجب أن أحلّه.
سألته متعجباً:
- أيّ مشكل؟
قال:
183
- تصور بماذا طلع لي ناصر اليوم؟ إنه لا يريد أن يحضر عرس أخته..
قلت وأنا أزداد فضولاً:
- لماذا؟
قال:
- إنه ضد هذا الزواج.. ولا يريد أن يلتقي بالضيوف ولا بالعريس.. ولا حتى بعمّه!
ولكنني سألته: ..« معه حق » آدت أقاطعه
- وأين هو الآن؟
قال:
!«... القوّا » - لقد ترآته في المسجد. قال لي إنه يفضّل أن يقضي يومه هناك بدل أن يقضيه مع هؤلاء
ولأول مرة ضحكت من قلبي. ولم أستطع أن أمنع نفسي من التعليق بصوت عالٍ:
.!« نستعرف بيه » - رائع ناصر ..والله
ولكن حسان قاطعني بصوتٍ فيه شيء من العتاب والعجب:
- واش بيك هبلت إنت تاني.. عيب.. شفت واحد ما يروّحش لعرس أختو ..واش يقولوا الناس..
الناس.. الناس.. يقولوا واش يحبوا.. خلينا يا راجل يرحم والديك..
وقبل أن أقول له شيئاً قال:
ى، 􀑧 ن مقه 􀑧 دثك م 􀑧 ا أح 􀑧 د، فأن 􀑧 ا بع 􀑧 ع فيم 􀑧 - ابق في البيت إذن.. سأمر عليم حال ما انتهي. سنتحدث في هذا الموض
وحولي آثير من الناس (... على بالك!..).
ثم أضاف:
- ستجد في المطبخ أآلاً أعدّته لك عتيقة..
وضعت السماعة. وعدت إلى غرفتي.
أة 􀑧 ا فج 􀑧 ار له 􀑧 ي ص 􀑧 رارة الت 􀑧 ن الم 􀑧 يء م 􀑧 باحي، وبش 􀑧 أ الص 􀑧 ن الظم 􀑧 لم أآن في حاجة إلى أآل .آنت فقط أشعر بشيء م
بعد ذلك الهاتف، مذاق السعادة الغامضة.
ذا 􀑧 دّ ه 􀑧 ي ض 􀑧 ف مع 􀑧 ه، ويق 􀑧 ي دون علم 􀑧 ارآني حزن 􀑧 ر يش 􀑧 اً آخ 􀑧 لقد ملأني موقف ناصر غبطة. شعرت أن هناك شخص
الزواج، ولكن على طريقته..
فحلٌ ناصر، جدير بأن يكون ابن سي الطاهر.
لم ألتقِ به بعد. ولكن أتوقع أن يكون (راسو خشين..) مثل أبيه. أن يكون عنيداً ومباشراً مثله.
وإذا آان فعلاً مثله فلن ينجح حسان أبداً في تغيير رأيه.
مازلت أذآر عناد سي الطاهر وقراراته النهائية دائماً، التي لا يمكن لأحد أن يزيحه عنها.
ورة 􀑧 د للث 􀑧 ان لا ب 􀑧 ه آ 􀑧 ت أن 􀑧 وقتها آنت أجد في تلك المواقف شيئاً من الدآتاتورية، وغرور القائد. ثم مع الزمن، أدرآ
م 􀑧 وا رأيه 􀑧 ى يفرض 􀑧 النفس، حت 􀑧 ة ب 􀑧 ة المطلق 􀑧 ك الثق 􀑧 اد، وتل 􀑧 ذلك العن 􀑧 اهر، ب 􀑧 ي الط 􀑧 ل س 􀑧 الٍ مث 􀑧 ن رج 􀑧 ى م 􀑧 ا الأول 􀑧 ي أيامه 􀑧 ف
184
ارات 􀑧 ات والاعتب 􀑧 ال للخلاف 􀑧 وسلطتهم على الآخرين، ليس حباً بالجاه والسلطة، إنما للمّ شمل الثورة وعدم ترك مج
الشخصية، وحتى لا تموت تلك الشعلة الأولى وتبعثرها الرياح..
عادت ذآرى سي الطاهر فجأة. في لحظة لم أحجزها له..
ر 􀑧 تقلال الجزائ 􀑧 هد اس 􀑧 وعادت طلّته، موجعة آتلك الرصاصات التي أفرغوها في جسده يوماً، وأودت به قبل أن يش
بأشهر.
أين هو ليحضر هذا اليوم الاستثنائي الذي سيخلف موعده أيضاَ؟
أآان قدره أن يخلف فرحتين؟
ذين 􀑧 لّ ال 􀑧 رارة، أن آ 􀑧 ن الم 􀑧 يء م 􀑧 ي بش 􀑧 ت أع 􀑧 ي . آن 􀑧 زمن الآت 􀑧 رحل آما جاء، سابقاً لزمنه، وآأنه أدرك أنه لم يخلق لل
أحبّوكِ لن يحضروا عرسك هذا.
سيتغيب عن فرحك آل الذين آنتِ فرحتهم. سي الطاهر وزياد.. وناصر أيضاً.
لماذا وحدي وقعت عليّ تلك القرعة، وقادتني الأقدار إليك؟
لأت 􀑧 ولماذا استدرجتني حتى هنا، باسم الذاآرة والحنين.. وذلك الحب الجنوني المستحيل، وقلتِ تلك الجملة التي م
.«.. سأآون لك مادمنا في قسنطينة » .. جيوب الأحلام وهماً
آيف صدّقتك ..وجئت؟
وآنت أدري أنك تكذبين، وتهدينني الغيوم البيضاء.. لصيف طويل. ولكن ..من يقاوم مطر الكذب الجميل؟
ع 􀑧 ف دم 􀑧 ن يجف 􀑧 هنالك أآاذيب نحاول أن نصدّقها حتى نحرج النشرات الجوية. لكن عندما تهطل الأمطار داخلنا.. م
السماء؟
في الواقع آنتِ امرأة ساديّة، وآنت أعرف ذلك.
.«! لو خلّف هتلر ابنة في هذا العالم.. لكنتِ ابنته الشرعية » : أذآر ذلك اليوم الذي قلت لك فيه
ذي 􀑧 ا ال 􀑧 لا أدري م » : حية 􀑧 ذاجة الض 􀑧 ا بس 􀑧 تُ أن 􀑧 ه . وعلّق 􀑧 ن قوّت 􀑧 ق م 􀑧 ار واث 􀑧 اآم جبّ 􀑧 حكة ح 􀑧 ضحكتِ يومها. ضحكت.. ض
.«..! أوصلني إلى حبك، أنا الهارب من حكم الجبابرة.. أيمكن بعد هذا العمر أن أقع في حبّ امرأة طاغية
ة .. 􀑧 وع للكتاب 􀑧 ن موض 􀑧 ر م 􀑧 يَّ أآث 􀑧 رُ ف 􀑧 مدهش أنت عندما تتحدث، تفجّ » : ابتسمت فجأة.. ثم قلت بعد شيء من الصمت
.«.. سأآتب يوماً هذه الفكرة
اآتبيها إذن ذات يوم.. صحيح أنها تصلح لرواية!
* * *
في ذلك الصباح، آانت الخمرة ملجئي الوحيد، لأنسى خيبتي معك.
م 􀑧 م، ل 􀑧 وازم الرس 􀑧 ن ل 􀑧 ة م 􀑧 ة فارغ 􀑧 ور، وطاول 􀑧 في تلك الغرفة التي يؤثثها سرير فارغ، ونافذة تطل على المآذن والجس
أجد لي من طوق نجاة سوى بضع أوراق وأقلام فقط، وزجاجة ويسكي أحضرتها لحسان قبل أن يتوب، ومازالت
في حقيبتي تنتظر. فأحضرتها ورحت أشرب ذلك الصباح نخب زياد وسي الطاهر.. ونخب قسنطينة.
185
.« آأسك يا قسنطينة » تذآّرت مسرحية أعجبت بها يوماً. فكتبت أعلى الصفحة، دون آثير من التفكير
وضحكت لهذا الدور الذي آان جاهزاً لي في هذه المدينة التي تمنع عنك الخمرة، وتوفر لك آل أسباب شربها.
دت 􀑧 ا ول 􀑧 ذي ربم 􀑧 اب، ال 􀑧 ذا الكت 􀑧 اً له 􀑧 لحان عنوان 􀑧 د تص 􀑧 ين ق 􀑧 ي آلمت 􀑧 ة خيبت 􀑧 طّ خلاص 􀑧 ت أخ 􀑧 لم أآن أدري وقتها، أنني آن
فكرته يومها.
آانت بي رغبة لتحديك وتحدّي هذه المدينة.. وهذا الوطن الكاذب.
رفعت آأسي الملآى بك.. نخب ذاآرتك التي تحترف مثله النسيان. نخب عينيك اللتين خلقتا لتكذبا.
نخب فرح الليلة الجاهز للبكاء.. نخب بكائي العاجز عن الدموع.
يّ 􀑧 ين عل 􀑧 ي، وتطلق 􀑧 ين دم 􀑧 ة .. تحلّ 􀑧 ة جمع 􀑧 ونين ني ليل 􀑧 أنت التي صالحتني مع الله، وأعدتني يوماً إلى العبادة. ها أنت تخ
رصاص الغدر..
فلماذا لا أسكر اليوم ..من أآثرنا آفراً يا ترى!
ة . 􀑧 في الواقع، لم تكن الخمرة هوايتي. آانت مشروب فرحي وحزني المتطرف. ولذا ارتبطت بك وبتقلباتك الجنوني
ففي آل مرة شربت فيها آنت أؤرخ لحدثٍ ما في قصتنا التي لا تنتهي.
ي 􀑧 وم . لأنن 􀑧 د الي 􀑧 كر بع 􀑧 د أس 􀑧 ي ق 􀑧 د أنن 􀑧 لا أعتق 􀑧 ر . ف 􀑧 وني الأخي 􀑧 ب جن 􀑧 رة ..وأرتك 􀑧 وها أنا أفتح على شرفك زجاجتي الأخي
سأغسل يدي منك اليوم.. وأشيّعك على طريقتي.
م 􀑧 ي، أنه 􀑧 ى مثل 􀑧 ة، لينس 􀑧 ذه المدين 􀑧 اجد ه 􀑧 د مس 􀑧 وحده أمر ناصر يعنيني الآن، أخيك الذي يصلي في هذه اللحظة في أح
سيتناوبون على وليمتك الليلة.. وأن هناك من سيتمتع بك في غفلةٍ منا..
في الواقع.. آنت أسكر نخبه ..لا غير!
إيه ناصر..
أنا.. وأنت.. وهذه المدينة.
عتنا 􀑧 د .ووض 􀑧 ا دون جه 􀑧 ت بن 􀑧 ا. حبل 􀑧 ذيب أولاده 􀑧 ذذ بتع 􀑧 تتل « سادية » مدينة تواطأت معنا في التطرف والجنون. مدينة
آما تضع سلحفاة بحرية أولادها عند شاطئ وتمضي دون اآتراث، لتسلمهم لرحمة الأمواج والطيور البحرية..
في ذلك المثل الشعبي وهو يتخلى عن أولاده. « الفكرون » يقول «.. إفكروا.. وإلا الله لا يجعلكم تفكِّروا »
وها نحن بلا أفكار ..نبحث عن قدرنا بين الحانات والمساجد.
ها نحن سلحفاة تنام على ظهرها. قلبوها حتى لا تهرب، قلبوها في محاولة انقلاب على المنطق..
فكم يشبه الميلاد الموت في المدن العريقة، حيث نولد ونموت وسط مجرى الهواء والرياح المضادة!
وما أآبر يتم السلاحف في هذه المدينة!
اد 􀑧 ة، آ 􀑧 ف فارغ 􀑧 كي نص 􀑧 ة و يس 􀑧 امي زجاج 􀑧 ة وأم 􀑧 ك الطاول 􀑧 ام تل 􀑧 ب أم 􀑧 اً أآت 􀑧 عندما جاء حسان بعد ذلك، وفاجأني جالس
يشهق من العجب. وظل ينظر إلي مدهوشاً وآأنني بفتح تلك الزجاجة أخرجت له مارداً، أو جنّاً أطلقته في البيت.
حاولت أن أمازحه فسألته بسخرية:
- لماذا تنظر إليّ هكذا.. ألم ترَ زجاجة آهذه قبل اليوم؟
186
اً 􀑧 ولكنه دون أي رغبة في المزاح أخذ الزجاجة من أمامي، وذهب بها إلى المطبخ، وهو يسبّ ويتحدث لنفسه آلام
لم يكن يصلني.
وعندما عاد قال لي بنبرة فيها شيء من اليأس وبقايا من متاعب ناصر:
- يا أخي واش بيكم.. البلاد متّخذة وأنتما واحد لاتي يصلي.. وواحد لاتي يسكر.. آيفاش نعمل معاآم؟
دة .. 􀑧 ة قاع 􀑧 والذي يعني أن البلاد قائم « البلاد متّخذة » توقف سمعي عند ذلك التعبير الذي لم أسمعه منذ عدة سنوات
أو تشهد حدثاً استثنائياً، والذي هو في الواقع تعبير جنسي محض.
ابتسمت وأن أآتشف مرة أخرى قدرة هذه المدينة على زجّ الصور الجنسية في آل شيء. وذلك ببراءة مدهشة..
رفعت عيني نحوه وقلت له بشيء من السخرية المرة:
!«.. ياخذوا في البلاد » - هذه هي الجزائر يا حسان.. البعض يصلّي.. والبعض يسكر.. والآخرون أثناء ذلك
ولكن حسان لم يبدُ على استعداد للتمادي معي في النقاش.
ربما لأنه بعد ذلك الوقت الذي قضاه في إقناع ناصر لم يعد قادراً على المزيد من المناقشة. فقال وهو يقاطعني:
اك 􀑧 ا هن 􀑧 اس ينتظرونن 􀑧 دث . إن الن 􀑧 م نتح 􀑧 كرة .. ث 􀑧 ذه الس 􀑧 ك ه 􀑧 ر عن 􀑧 ق وتطي 􀑧 ى تفي 􀑧 وة، حت 􀑧 - سأذهب لأحضر لك القه
وبعضهم لم يرَك منذ سنوات. يجب ألا تذهب إليهم في هذه الحالة!
عندما عاد بعد لحظات بالقهوة سألته:
- ماذا فعلت مع ناصر؟
قال:
ك 􀑧 ك أش 􀑧 رغم ذل 􀑧 وي لاً. وب 􀑧 ث ط 􀑧 ن يمك 􀑧 ه ل 􀑧 ط، ولكن 􀑧 - لقد وعدني أنه سيمر هناك وقت العشاء إرضاءً لخاطري فق
ي 􀑧 ف ف 􀑧 ن ألا يق 􀑧 ة .. ولا يمك 􀑧 ي النهاي 􀑧 دة ف 􀑧 ت واح 􀑧 وى أخ 􀑧 في أن يحضر فعلاً. لا أفهم عناده هذا.. إنه لا يملك س
عرسها أمام الناس.
جنون!
كراً أو 􀑧 ي أزداد س 􀑧 ع أنن 􀑧 ي الواق 􀑧 عر ف 􀑧 آنت أحتسي تلك القهوة حتى يطير سكري، حسب تعبير حسان. ولكن آنت أش
جنوناً، وأنا أستمع إليه.
آتلك اللحظة التي سألته فيها عن سبب مقاطعة ناصر لهذا العرس، وإذا بالحديث يجرّنا إلى أآثر من موضوع.
قال:
ة 􀑧 ير زوج 􀑧 تم بمص 􀑧 ا اه 􀑧 ه قلّم 􀑧 اهر، وأن 􀑧 ي الط 􀑧 م س 􀑧 ن اس 􀑧 راً م 􀑧 تفاد آثي 􀑧 - إنه على خلاف مع عمه. فهو يعتقد أنه اس
ار 􀑧 د اختي 􀑧 و ض 􀑧 ض .. فه 􀑧 ية مح 􀑧 امع سياس 􀑧 وليّة ومط 􀑧 باب وص 􀑧 ر أس 􀑧 ه غي 􀑧 دف ل 􀑧 رس لا ه 􀑧 أخيه وأولاده. وهذا الع
ي 􀑧 اها ف 􀑧 ي يتقاض 􀑧 ولات الت 􀑧 ن العم 􀑧 دّث ع 􀑧 الجميع يتح 􀑧 اً. ف 􀑧 ياً وأخلاقي 􀑧 يت سياس 􀑧 يئ الص 􀑧 ريس الس 􀑧 ذا الع 􀑧 ه له 􀑧 عم
ون 􀑧 ى آ 􀑧 افة إل 􀑧 ات . إض 􀑧 ات .. والأجنبي 􀑧 يقاته الجزائري 􀑧 ن عش 􀑧 ارج .. وع 􀑧 صفقاته المختلفة.. وعن حساباته في الخ
هذا الزواج زواجه الثاني، وأن له أولاداً يقارب عمرهم عمر عروسه الجديدة..
سألته:
187
- وهل تجد أنت هذا الزواج طبيعياً؟
قال:
يس أول 􀑧 ه ل 􀑧 ي . إن 􀑧 دنا زواج طبيع 􀑧 ياء عن 􀑧 ق الأش 􀑧 ه بمنط 􀑧 - لا أدري بأي منطق تريد أن أحكم عليه. من المؤآد أن
وا 􀑧 م تخلّ 􀑧 يقة . وآله 􀑧 ن عش 􀑧 ر م 􀑧 ا أآث 􀑧 ين هن 􀑧 ال المهمّ 􀑧 م الرج 􀑧 ر ..إن لمعظ 􀑧 ون الأخي 􀑧 ن يك 􀑧 وع، ول 􀑧 زواج من هذا الن
ة 􀑧 الاً وثقاف 􀑧 ر جم 􀑧 راً وأآث 􀑧 غر عم 􀑧 بطريقة أو بأخرى عن زوجاتهم وأولادهم، ليتزوجوا من عروس جديدة أص
ه، أو 􀑧 ي بيت 􀑧 من الأولى.. إنك لا تستطيع أن تمنع رجلاً عندنا زادوا له نجمة على أآتافه، من أن يزيد امرأة ف
تمنع رجلاً حصل على منصب جديد لم يحلم به، من أن يبدأ في البحث عن فتاة أحلامه.
وأضاف:
ل إن 􀑧 زواج . ب 􀑧 ذا ال 􀑧 ه به 􀑧 تقبل أخت 􀑧 ى مس 􀑧 - أنا حاولت فقط أن أقنع ناصر أن عمه لم يقصد بالضرورة القضاء عل
كلاته 􀑧 ل مش 􀑧 دة ليح 􀑧 ة الوحي 􀑧 ا الطريق 􀑧 اً.. إنه 􀑧 أي شخص سواه آان سيرحّب بهذه المصاهرة.. ويسعى إليها لاهث
ومشكلات ابنته مرة واحدة، ويوفر عليها آثيراً من المتاعب..
سألته:
- لو آانت لك بنت وخطبها منك هذا الرجل، أآنت زوّجته منها؟
قال:
- طبعاً.. ولم لا؟ إن الزواج حلال.. الحرام هو ما يمارسه بعضهم بطرقٍ عصرية. آأن يرسل أحدهم ابنته أو
م 􀑧 و يعل 􀑧 ه، وه 􀑧 ة عن 􀑧 اري نياب 􀑧 زوجته.. أو أخته لتحضر له ورقة من إدارة، أو تطلب شقّة أو رخصة لمحل تج
ا 􀑧 ون به 􀑧 داول ويقض 􀑧 رى للت 􀑧 ة أخ 􀑧 هم عمل 􀑧 طاء بأنفس 􀑧 ق البس 􀑧 د خل 􀑧 ل . لق 􀑧 لا مقاب 􀑧 يئاً ب 􀑧 ك ش 􀑧 ا يعطي 􀑧 د هن 􀑧 أن لا أح
حاجاتهم.. هات امرأة.. وخذ ما تشاء!
تمتمتُ بذهول:
- أحقٌ ما تقول؟
أجاب:
ي 􀑧 ا ف 􀑧 ب م 􀑧 رّ بمكت 􀑧 اة تم 􀑧 ن لأي فت 􀑧 ث يمك 􀑧 ذات .. حي 􀑧 مة بال 􀑧 ي العاص 􀑧 ة .. وف 􀑧 ن مدين 􀑧 ر م 􀑧 ي أآث 􀑧 دث الآن ف 􀑧 - إنه ما يح
الحزب أن تحصل على شقة أو خدمة أخرى.. والجميع يعرف العنوان طبعاً، ويعرف اسم من يوزّع الشقق
والخدمات على النساء والشعارات على الشعب بالتساوي.. يكفي أن ترى منظر الفتيات اللاتي يدخلن هناك
لتفهم آل شيء..
سألته:
- ومن أدراك بها؟
قال متذمراً:
.. 􀑧 ي الح 􀑧 اً ف 􀑧 ديقاً موظّف 􀑧 ل ص 􀑧 - من؟ لقد سمعته بأذني وشاهدته بعيني يوم ذهبت هناك منذ بضعة أشهر لأقاب
يّ.. 􀑧 ديث إل 􀑧 قة الح 􀑧 ه مش 􀑧 ف نفس 􀑧 م يكل 􀑧 واب ل 􀑧 ى الب 􀑧 ور .. حت 􀑧 يم . تص 􀑧 لك التعل 􀑧 ن س 􀑧 روج م 􀑧 ي الخ 􀑧 اعدني ف 􀑧 اه يس 􀑧 عس
188
اك .. 􀑧 ة هن 􀑧 ديرات بالعناي 􀑧 ن ج 􀑧 اء آ 􀑧 دهن النس 􀑧 ر ض. وح 􀑧 ذا الغ 􀑧 نطينة له 􀑧 ن قس 􀑧 وعبثاً رحت أشرح له أنني قادم م
رات 􀑧 م الزائ 􀑧 أن معظ « ناف 􀑧 التش » بية، و 􀑧 ن العص 􀑧 يء م 􀑧 ابني بش 􀑧 أج « رّاش 􀑧 لأخ الف 􀑧 ل» ذمّري 􀑧 ديت ت 􀑧 دما أب 􀑧 وعن
» و􀑧 عض « أي 􀑧 ب» موظفات في الاتحادات الحزبية.. أو مناضلات. وآدت أسأله وأنا أرى إحداهن تمر أمامي
ولكنني سكتّ. «؟.. ناضلن على التحديد
ك 􀑧 ت أمل 􀑧 و آن 􀑧 ذا ل 􀑧 ة . ول 􀑧 الس الخاص 􀑧 إيه.. يا ولدي روح.. آل شي أصبح يمر بالنساء اليوم. بالسهرات.. المج
ا 􀑧 يش معه 􀑧 ي يع 􀑧 د مثل 􀑧 ا لواح 􀑧 الخيار لزوّجت ابنتي من واحد يمكنه بهاتف أن يأتيها بكل شيء. على أن أعطيه
في البؤس آما أعيش أنا.. أو يدخل في هذه الحلقة القذرة.. ويبعثها تدقّ على مئة باب؟
اف 􀑧 دما أض 􀑧 ذهول، عن 􀑧 ن ال 􀑧 كتتني م 􀑧 ي أس 􀑧 رارة الت 􀑧 ك الم 􀑧 ي .. وتل 􀑧 ربما لاحظ وقتها آثار الصدمة المدهشة على ملامح
وآأنه يستدرك ليخفف من خيبتي:
م لا 􀑧 ا. إنه 􀑧 ل به 􀑧 ن يقب 􀑧 ه ل 􀑧 د أن 􀑧 ن المؤآ 􀑧 - على آل حال.. لن يحدث هذا. حتى لو عرضت ابنتي على (سي....) فم
هم 􀑧 منوا لأنفس 􀑧 ويض «!. ا􀑧 ي دقيقن 􀑧 ا ف 􀑧 ى زيتن 􀑧 يبق » ى􀑧 يتزوجون إلا من بعضهم. ففلان لا يريد إلا بنت فلان، حت
ل 􀑧 ه؟ آ 􀑧 ي حيات 􀑧 يط أن يبن 􀑧 ابٌّ بس 􀑧 تطيع ش 􀑧 و أن يس 􀑧 ذا الج 􀑧 ي ه 􀑧 د ف 􀑧 ف تري 􀑧 ر، فكي 􀑧 ى آخ 􀑧 لطة إل 􀑧 التنقل من آرسي س
روطهم 􀑧 ن ش 􀑧 دون م 􀑧 ك فيزي 􀑧 البنات يبحثن عن المسؤولين والمديرين والرجال الجاهزين.. وهؤلاء يعرفون ذل
آل مرة.. بينما عدد العوانس يزيد آل يوم.. إنه قانون العرض والطلب.
ه 􀑧 ا ولنفس 􀑧 من له 􀑧 ه، ويض 􀑧 إذا رأيت الأمور بهذه العين، فإنك حتماً تعذر سي الشريف. المهم أن يستر بنت أخي
مستقبلاً سعيداً قدر الإمكان.
ن 􀑧 ك م 􀑧 الون . هنال 􀑧 رّاق ومحت 􀑧 م س 􀑧 ل؟ آله 􀑧 د أن تفع 􀑧 اذ ا تري 􀑧 ة .. فم 􀑧 لاك الدول 􀑧 اً لأم 􀑧 ارقاً وناهب 􀑧 ريس س 􀑧 ون الع 􀑧 ا آ 􀑧 أم
انفضحت أموره، وهنالك من عرف آيف يحافظ على مظهر محترم.. فقط!
أصبت بذهول وأنا أستمع إليه.
آدت أقول له إنه في النهاية على حق. وربما آان سي الشريف أيضاً على حقّ.. لا أدري.
ولكن آان هناك شيء ما في هذا الزواج، يرفض أن يدخل عقلي وأقتنع به.
189
الفصل السادس
لعرسك لبست بدلتي السوداء.
مدهشٌ هذا اللون .يمكن أن يُلبس للأفراح.. وللمآتم!
لماذا اخترت اللون الأسود؟
ربما لأنني يوم أحببتك أصبحت صوفياً، وأصبحتِ أنتِ مذهبي وطريقتي. وربما لأنه لون صمتي.
لكل لون لغته. قرأت يوماً أن الأسود صدمة للصبر.
قرأت أيضاً أنه لون يحمل نقيضه. ثم سمعت مرة مصمم أزياء شهيراً، يجيب عن سر لبسه الدائم للأسود قال :
.« إنه لون يضع حاجزاً بيني وبين الآخرين »
ويمكن أن أقول لك اليوم الكثير عن ذلك اللون .ولكني سأآتفي بقول مصمم الأزياء هذا.
ى 􀑧 فقد آنت في ذلك اليوم أريد أن أضع حاجزاً بيني وبين آل الذين سألتقي بهم، آل ذلك الذباب الذي جاء ليحط عل
مائدة فرحك.
وربما آنت أريد أن أضع حاجزاً بيني وبينك أيضاً.
ك 􀑧 دّ ل 􀑧 ه أع 􀑧 ال إن 􀑧 ذي يق 􀑧 ور، وال 􀑧 اللآلئ والزه 􀑧 وش ب 􀑧 يض، المرش 􀑧 ك الأب 􀑧 مت ثوب 􀑧 ه بص 􀑧 ود، لأواج 􀑧 ي الأس 􀑧 ت طقم 􀑧 لبس
خصيصاً في دار أزياء فرنسية..
هل يمكن لرسام أن يختار لونه بحياد؟
ة 􀑧 ال بلهج 􀑧 ي، وق 􀑧 ه ب 􀑧 أة ثقت 􀑧 تعاد فج 􀑧 ذي اس 􀑧 ان، ال 􀑧 رة حس 􀑧 ك . ونظ 􀑧 رآة ذل 􀑧 ي الم 􀑧 وآنت أنيقاً .فللحزن أناقته أيضاً. أآّدت ل
.«..! هكذا نحبك آ خالد ..إهلكهم » : جزائرية أحبها، وهو يتأملني
نظرت إليه.. آدت أقول له شياً.. ولكني صمتّ.
عند الباب المشرع للسيارات، وأفواج القادمين، استقبلني سي الشريف بالأحضان..
- أهلاً سي خالد.. أهلاً.. زارتنا البرآة.. يعطيك الصحة اللي جيت.. راك فرحتني اليوم.
اختصرت ذلك الموقف العجيب مرة أخرى في آلمة. قلت:
- آل شيء مبروك..
وضعت قناع الفرح على وجهي. وحاولت أن أحتفظ به طوال تلك السهرة.
ي 􀑧 تعلم وجه 􀑧 اً. وي 􀑧 ي حزن 􀑧 ئ قلب 􀑧 ي . يمتل 􀑧 ا وتحرقن 􀑧 ي أحرقه 􀑧 جائر الت 􀑧 دخان الس 􀑧 دري ب 􀑧 يمتلئ البيت زغاريد. ويمتلئ ص
ذي 􀑧 ذي أدري وال 􀑧 تلقائياً الابتسامات الكاذبة. فأضحك مع الآخرين. أجالس من أعرف ومن لا أعرف. أتحدث في ال
لا أدري. حتى لا أخلو بك لحظة واحدة.. حتى لا أفاجئك داخلي.. فأنهار.
أسلّم على العريس الذي يقبّلني بشوق صديق قديم لم يلتق به منذ مدة:
- هاك جيت للجزائر آ سيدي.. آان موش هاذا العرس.. ما آناش شفناك!
190
ي 􀑧 ة الت 􀑧 ي اللحظ 􀑧 ا ف 􀑧 ر ربم 􀑧 و يفك 􀑧 ل، وه 􀑧 ى عج 􀑧 ة عل 􀑧 يّ مجامل 􀑧 دث إل 􀑧 ل يتح 􀑧 ك، لرج 􀑧 دث لزوج 􀑧 أحاول أن أنسى أنني أتح
سينفرد فيها بك في آخر الليل..
ى 􀑧 وّد عل 􀑧 ن تع 􀑧 ة م 􀑧 أتأمل سيجاره الذي اختاره أطول للمناسبة.. بدلته الزرقاء الحريرية التي يلبسها _أو تلبسه_ بأناق
الحرير. أحاول ألا أتوقف عند جسده .أحاول ألا أتذآر. أتلهّى بالنظر إلى وجوه الحاضرين.
وتطلّين..
تدخلين في موآب نسائي، يحترف البهجة والفرح، آما أحترفُ أنا الرسم والحزن.
ى، 􀑧 واب والخط 􀑧 أراك لأول مرة، بعد آل أشهر الغيبة تلك، تمرين قريبة وبعيدة، آنجمة هاربة. تسيرين.. مثقلة الأث
ي 􀑧 ة . ف 􀑧 نطينة القديم 􀑧 وت قس 􀑧 ي بي 􀑧 ض ف 􀑧 لاً أرآ 􀑧 ي طف 􀑧 ود ب 􀑧 ي، وتع 􀑧 تفزّ ذاآرت 􀑧 وسط الزغاريد ودقّات البندير. وأغنية تس
مواآب نسائية أخرى.. خلف عروس أخرى.. لم أآن أعرف عنها شيئاً يومذاك.
وم 􀑧 ا الي 􀑧 ا. وإذا به 􀑧 ي دون أن أفهمه 􀑧 ت تطربن 􀑧 ي آان 􀑧 رائس، والت 􀑧 آه آم آنت أحب تلك الأغاني التي آانت تزفّ بها الع
تبكيني!
يقال إن العرائس يبكين دائماً عند سماع هذه الأغنية. «.. شرّعي الباب يا أم العروس »
تراك بكيت يومها؟
آانت عيناك بعيدتين.. يفصلني عنهما ضباب دمعي وحشد الحضور. فعدلت عن السؤال.
اآتفيت بتأمّلك، في دورك الأخير.
ة، 􀑧 ة .. مربك 􀑧 اب .. مرتبك 􀑧 ار والإعج 􀑧 رات الانبه 􀑧 ة بنظ 􀑧 هية، محاط 􀑧 ة ش 􀑧 طورية، مغري 􀑧 أميرة أس 􀑧 دّمين آ 􀑧 ت ذي تتق 􀑧 ا أن 􀑧 ه
بسيطة.. مكابرة.
ها أنت ذي، يشتهيك آل رجل في سرّه آالعادة.. تحسدك آل النساء حولك آالعادة..
وها أنذا _ آالعادة _أواصل ذهولي أمامك.
آالعادة.. يغنّي لأصحاب النجوم والكراسي الأمامية. ..« الفرقاني » وها هوذا
يصبح صوته أجمل، وآمنجته أقوى عندما يزفّ الوجهاء وأصحاب القرار والنجوم الكثيرة.
تعلو أصوات الآلات الموسيقية.. ويرتفع غناء الجوقة في صوتٍ واحد لترحب بالعريس:
يا ديني ما أحلالي عِرسو.. بالعوادة.. »
الله لا يقطعلو عادة..
« وانخاف عليه.. خمسة. والخميس عليه
تعلو الزغاريد ..وتتساقط الأوراق النقدية.
ما أقوى الحناجر المشتراة. وما أآرم الأيدي التي تدفع آما تقبض على عجل!
ها هم هنا..
آانوا هنا جميعهم ..آالعادة.
أصحاب البطون المنتفخة.. والسجائر الكوبية.. والبدلات التي تلبس على أآثر من وجه.
191
عادة 􀑧 حاب الس 􀑧 بوهة، أص 􀑧 ات المش 􀑧 حاب المهم 􀑧 ية، أص 􀑧 ب الدبلوماس 􀑧 حاب الحقائ 􀑧 ن.. أص 􀑧 ل زم 􀑧 د وآ 􀑧 ل عه 􀑧 حاب آ 􀑧 أص
وأصحاب التعاسة، وأصحاب الماضي المجهول.
ها هم هنا..
ون 􀑧 وليون يبحث 􀑧 وليون .. ووص 􀑧 ديرون وص 􀑧 رّاق .م 􀑧 وزراء سابقون.. ومشاريع وزراء. سرّاق سابقون.. ومشاريع س
عن إدارة. مخبرون سابقون.. وعسكر متنكّرون في ثياب وزارية.
ها هم هنا..
ي 􀑧 الس الت 􀑧 اهقة، والمج 􀑧 يلات الش 􀑧 ة، والف 􀑧 ول الفارغ 􀑧 حاب العق 􀑧 ريع .أص 􀑧 ب الس 􀑧 ة، والكس 􀑧 ات الثوري 􀑧 حاب النظري 􀑧 أص
يتحدث فيها المفرد بصيغة الجمع.
ها هم هنا.. مجتمعون دائماً آأسماك القرش. ملتفون دائماً حول الولائم المشبوهة..
«! ما تقول أنا.. حتى يموت آبار الحارة » أعرفهم وأتجاهل معظمهم
أعرفهم وأشفق عليهم.
ما أتعسهم في غناهم وفي فقرهم. في علمهم وفي جهلهم. في صعودهم السريع.. وفي انحدارهم المفجع!
ما أتعسهم، في ذلك اليوم الذي لن يمدّ فيه أحد يده حتى لمصافحتهم.
ا 􀑧 ردد آم 􀑧 اني ي 􀑧 تمعوا للفرق 􀑧 في انتظار ذلك.. هذا العرس عرسهم. فليأآلوا وليطربوا. وليرشقوا الوراق النقدية. وليس
.« صالح باي » في آل عرس قسنطيني أغنية
ذي 􀑧 اه ال 􀑧 م والج 􀑧 ة الحك 􀑧 اي ) وخدع 􀑧 تلك التي مازالت منذ قرنين تُغنّى للعبرة، لتذآّر أهل هذه المدينة بفجيعة (صالح ب
لا يدوم لأحد..
والتي أصبحت تُغنّى اليوم بحكم العادة للطرب دون أن تستوقف آلماتها أحداً..
لاطين ووزراء 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 انوا س 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 آ»
رةْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ال آُث 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن الم 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الوا م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن
الو ا 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 رب ق 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الوا الع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ق
زاهمْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا ع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 اتوا وقبلن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 م
اهُمْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 زّهم.. لا غن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 لا ع
« الُو 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الح و لا م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 وْ ص 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا نعطي 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 م
زّل 􀑧 ة .. تتغ 􀑧 يقى راقص 􀑧 ذياع بموس 􀑧 ن م 􀑧 ا م 􀑧 لتني آلماته 􀑧 رى وص 􀑧 رية أخ 􀑧 ة عص 􀑧 ات، أغني 􀑧 ذه الكلم 􀑧 تمع له 􀑧 ا أس 􀑧 ذآر وأن 􀑧 أت
.«.. صالح.. يا صالح.. وعينيك عجبوني » بصالح آخر
باياً ..وليس آل حاآم صالحاً! « صالح » ولكن ليس آل ..« صالحه » إيه يا قسنطينة، لكل زمن
ها هوذا الوطن الآخر أخيراً أمامي.. أهذا هو الوطن حقاً؟
في آل مجلس وجه أعرف عنه الكثير. فأجلس أتأمّلهم، وأستمع لهم يشكون ويتذمّرون.
لا أحد سعيد منهم حسب ما يبدو.
المدهش أنهم هم دائماً الذين يبادرونك بالشكوى، وبنقد الأوضاع.. وشتم الوطن.
عجيبة هذه الظاهرة!
192
وا 􀑧 أنهم ليس 􀑧 وطن . آ 􀑧 ذارة ال 􀑧 ن ق 􀑧 زءاً م 􀑧 و ا ج 􀑧 أنهم ليس 􀑧 يء . آ 􀑧 آأنهم لم يرآضوا جميعاً خلف مناصبهم زحفاً على آل ش
سبباً في ما حلّ به من آوارث..
ت أن 􀑧 ة .ورفض 􀑧 ي لوح 􀑧 تري من 􀑧 ه ليش 􀑧 ي في 􀑧 ذي زارن 􀑧 وم ال 􀑧 ك الي 􀑧 ذ ذل 􀑧 راً من 􀑧 بح وزي 􀑧 د أص 􀑧 أسلِّم على (سي مصطفى). لق
أبيعه إياها.
لقد نجحت تكهّنات (سي الشريف) إذن، فقد راهن على حصان رابح..
أسأله مجاملةً:
- واش راك سي مصطفى؟
فيبدأ دون مقدمات بالشكوى:
- رانا غارقين في المشاآل.. على بالك!..
ون 􀑧 ى أن يك 􀑧 ره عل 􀑧 د أجب 􀑧 لا أح 􀑧 كو .. ف 􀑧 ر أن يش 􀑧 ق وزي 􀑧 ن ح 􀑧 يس م 􀑧 ل» : ديغول 􀑧 ة ل 􀑧 ادفة، مقول 􀑧 ا، مص 􀑧 رني وقته 􀑧 تحض
.«! وزيراً
أحتفظ بها لنفسي وأقول له فقط..
- إيه.. على بالي..
ة 􀑧 نعم.. آنت (على بالي..) بتلك المبالغ الهائلة التي تقاضاها في آندا آعمولة لتجديد معدّات إحدى الشرآات الوطني
ن 􀑧 وا أحس 􀑧 م يفعل 􀑧 ب .. ل 􀑧 ك المنص 􀑧 ى ذل 􀑧 بقوه إل 􀑧 ذين س 􀑧 ي أدري أن ال 􀑧 الكبرى. ولكنني آنت أخجل أن أقول له ذلك، لأنن
منه.
اآتفيت فقط بالاستماع إليه وهو يشكو، بطريقة تثير شفقة أي مواطن مسكين..
ي 􀑧 فيراً ف 􀑧 أة .. س 􀑧 بح فج 􀑧 ل أن يص 􀑧 ة .. قب 􀑧 تاذ اً للعربي 􀑧 ان أس 􀑧 ديم .. آ 􀑧 ديق ق 􀑧 ع ص 􀑧 ديث م 􀑧 ي بالح 􀑧 بينما آان حسان مشغولاً عن
دولة عربية!
آيف حدث ذلك؟
ت 􀑧 ا ليس 􀑧 يات.. وأنه 􀑧 دى الشخص 􀑧 د إح 􀑧 تاذ بوال 􀑧 ك الأس 􀑧 ع ذل 􀑧 ة تجم 􀑧 داقة قديم 􀑧 وص « ة􀑧 ترآ » ية 􀑧 ن.. وقض 􀑧 ه ردّ دي 􀑧 ال إن 􀑧 يق
الوحيدة! « الحالة الدبلوماسية »
ه 􀑧 ر . وإذا ب 􀑧 دير اً للنش 􀑧 مثل (سي حسين) الذي أعرفه جيداً والذي آان مدير إحدى المؤسسات الثقافية، يوم آنت أنا م
ى 􀑧 ه إل 􀑧 هر وبعث 􀑧 عة أش 􀑧 ه بض 􀑧 وا بلفّ 􀑧 بين ليلة وضحاها يعيّن سفيراً في الخارج.. بعدما طلعت رائحته في الداخل. فتكفل
الخارج مع آل التشريفات الدبلوماسية خلف علم الجزائر!
ها هوذا اليوم هنا.. في جوّه الطبيعي.
ن 􀑧 ة ..ولك 􀑧 ة حزبي 􀑧 ى وظيف 􀑧 جيج إل 􀑧 اد دون ض 􀑧 ارج، ليع 􀑧 ي الخ 􀑧 ة ف 􀑧 لقد استدعي إثر قضية احتيال وتلاعب بأموال الدول
على آرسي جانبي هذه المرة.
هنالك دائماً في هذه الحالات.. سلة مهملات شرفيّة!
193
ذا 􀑧 ورات ه 􀑧 دى ث 􀑧 ورات . وإح 􀑧 ن ث 􀑧 يليها م 􀑧 في مجلس آخر، مازال أحدهم ينظّر ويتحدث وآأنه مفكّر الثورة وآل ما س
وز 􀑧 ؤول عج 􀑧 ى مس 􀑧 ه إل 􀑧 ديم طالبات 􀑧 رّغ لتق 􀑧 دما تف 􀑧 الشخص.. أنه وصل إلى الصفوف الأمامية في ظروف مشبوهة، بع
مولع بالفتيات الصغيرات..
هذا هو الوطن..
ون 􀑧 ن يحترف 􀑧 رّجين، ولم 􀑧 ه إلا للمه 􀑧 ان في 􀑧 يرك لا مك 􀑧 س ..« ار 􀑧 يرك عمّ 􀑧 الس » ه􀑧 ه . إن 􀑧 وتني إلي 􀑧 ذي دع 􀑧 ك ال 􀑧 و عرس 􀑧 وها ه
الألعاب البهلوانية.. والقفز على المراحل.. والقفز على الرقاب.. والقفز على القِيَم.
سيرك يضحك فيه حفنة على ذقون الناس، ويروّض فيه شعب بأآمله على الغباء.
فكم آان ناصر محقاً عندما لم يحضر هذا الكرنفال!
آنت أدري بحدسٍ ما أنه لن يحضر.. ولكن أين هو الآن.؟
تراه مازال يصلي في ذلك المسجد ..لكي لا يلتقي بهم. وهل تغيّر صلاته.. أو يغيّر سكري شيئاً؟
ال 􀑧 لاة ..وتع 􀑧 ن الص 􀑧 آه يا ناصر! آفّ عن الصلاة يا ابني. لقد أصبحوا يصلّون أيضاً ويلبسون ثياب التقوى. آفّ ع
نفكّر قليلاً. فأثناء ذلك ها هوذا الذباب يحطّ على آل شيء، والجراد يلتهم هذه الوليمة.
ذوات، 􀑧 اء ال 􀑧 دام نس 􀑧 د أق 􀑧 ة عن 􀑧 ر الأوراق النقدي 􀑧 ل مط 􀑧 رب . وانهط 􀑧 م الط 􀑧 دم به 􀑧 ي، وتق 􀑧 زن ب 􀑧 دم الح 􀑧 ل، تق 􀑧 دم اللي 􀑧 ا تق 􀑧 آلم
المستسلمات لنشوة الرق، على وقع موسيقى أشهر أغنية شعبية..
اتُو 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن انب 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ل وَيْ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 اح اللي 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 إذا ص »
« دّاتُو 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ر ومَخ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 راش حري 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 وق ف 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ف
أمان.. أمان..
إيه آ الفرقاني غَنِّ..
رّة 􀑧 راء والأس 􀑧 الي الحم 􀑧 د للي 􀑧 ط تمجي 􀑧 ا فق 􀑧 ى . إنه 􀑧 ة الأول 􀑧 ن الوهل 􀑧 دو م 􀑧 د يب 􀑧 ا ق 􀑧 كن، آم 􀑧 ة الس 􀑧 ة بأزم 􀑧 ذه الأغني 􀑧 ة له 􀑧 لا علاق
الحريرية التي ليست في متناول الجميع.
اتو ا.. 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ي م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ع الل »
«.. اتو ا 􀑧􀑧􀑧 ي م 􀑧􀑧􀑧 يش ع الل 􀑧􀑧􀑧 ا تبك 􀑧􀑧􀑧 ين م 􀑧􀑧􀑧 ا ع 􀑧􀑧􀑧 ي
أمان.. أمان.
لن أبكي.. ليست هذه ليلة لسي الطاهر.. ولا لزياد.
ليست للشهداء ولا للعشاق. إنها ليلة الصفقات التي يحتفل بها علناً بالموسيقى والزغاريد.
ةْ􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 امْ بالريحيّ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ن الحمّ 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ة م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 خارج »
« يّ􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ر وإلا ل 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 دراشْ للغي 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا لِن 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ي
أمان.. أمان.
لن أطرح على نفسي هذا السؤال. الآن أعي أنكِ للغير ولستِ لي. تؤآد ذلك الأغنيات، وذلك الموآب الذي يهرب
بك، ويرافقك بالزغاريد إلى ليلة حبّك الشرعية.
194
يس 􀑧 دي، ل 􀑧 ى جس 􀑧 ين عل 􀑧 كِ تمش 􀑧 عر أن 􀑧 ك، أش 􀑧 رائس تل 􀑧 ية الع 􀑧 ين مش 􀑧 ت تمش 􀑧 رين.. وأن 􀑧 دما تم 􀑧 ي، عن 􀑧 رّين ب 􀑧 دما تم 􀑧 وعن
وإنما بقدميك المخضّبتين بالحناء.. وأن خلخالك الذهبي يدّق داخلي، ويعبرني جرساً يوقظ الذاآرة.. « بالريحيّة »
قفي..
قسنطينة الأثواب مهلاً! ما هكذا تمرّ القصائد على عجل!
ى 􀑧 ر عل 􀑧 د آخ 􀑧 يلاً بع 􀑧 نطينة ج 􀑧 ا قس 􀑧 عر آتبته 􀑧 ة ش 􀑧 ة، معلّق 􀑧 كوك الذهبي 􀑧 وش بالص 􀑧 ذهب، والمرش 􀑧 وط ال 􀑧 رّز بخي 􀑧 ثوبك المط
القطيفة العنابي. وحزام الذهب الذي يشد خصرك، لتتدفّقي أنوثة وإغراءً، هو مطلع دهشتي.
هو الصدر والعجز في آل ما قد قيل من شعرٍ عربيّ.
فتمهّلي..
د 􀑧 ق الزغاري 􀑧 رس، ودون أن تنطل 􀑧 ي ع 􀑧 ون ل 􀑧 وت دون أن يك 􀑧 د أم 􀑧 ذي ق 􀑧 ا ال 􀑧 دعيني أحلم أن الزمن توقّف.. وأنك لي. أن
يوماً من أجلي.
آم أتمنى اليوم لو سرقت آل هذه الحناجر النسائية، لتبارك امتلاآي لك!
ي 􀑧 ك أمتط 􀑧 هنّ، لجئت 􀑧 ة عرس 􀑧 يلات ليل 􀑧 العرائس الجم 􀑧 رب ب 􀑧 ذي يه 􀑧 ي ال 􀑧 ل الخراف 􀑧 ذلك البط « خطّاف العرائس » لو آنت
الريح وفرساً بيضاء.. وخطفتك منهم..
زن 􀑧 لو آنتِ لي.. لبارآتنا هذه المدينة، ولخرج من آل شارع عبرناه وليّ يحرق البخور على طريقنا.. ولكن ما أح
الليلة ..قسنطينة!
يّاً 􀑧 رى آرس 􀑧 ذاآرتي الأخ 􀑧 زوا ل 􀑧 ح ..وحج 􀑧 بب واض 􀑧 ما أتعس أولياءها الصالحين.. وحدهم جلسوا إلى طاولتي دون س
أمامياً..
وإذا بي أقضي سهرتي في السلام عليهم واحداً واحداً..
سلاماً يا سيدي راشد..
ا 􀑧 سلاماً يا سيدي مبروك.. يا سيدي محمد الغراب.. يا سيدي سليمان.. يا سيدي بوعنّابة.. يا سيدي عبد المؤمن.. ي
سيدي مسيد.. يا سيدي بومعزة.. يا سيدي جليس..
سلاماً يا من تحكمون شوارع هذه المدينة.. أزقّتها وذاآرتها.
قفوا معي يا أولياء الله.. متعب أنا هذه الليلة ..فلا تتخلوا عني.. أما آان منكم أبي؟
أباً عن جَد؟ « عيساوي » أبي يا
ر 􀑧 فود الأحم 􀑧 أنت الذي آنت في تلك الحلقات المغلقة، في تلك الطقوس الطُرقيّة العجيبة، تغرس في جسدك ذلك الس
الملتهب ناراً.. فيتخرق جسدك من طرفٍ إلى آخر، ثم تخرجه دون أن تكون عليه قطرة دم؟
أنت الذي آنت تمرّر حديده الملتهب والمحمّر آقطعة جمر، فينطفئ جمره من لعابك، ولا تحترق.
علّمني الليلة آيف أتعذّب دون أن أنزف.
علّمني آيف أذآر اسمها دون أن يحترق لساني.
195
رقص 􀑧 ت ت 􀑧 ل، وأن 􀑧 والتهوي 􀑧 ات الج 􀑧 ي حلق 􀑧 ف « اوة 􀑧 عيس » ة􀑧 علّمني آيف أشفى منها، أنت الذي آنت تردد مع جماع
مأخوذاً باللهب:
«.. أنا سيدي عيساوي.. يجرح ويداوي »
من يداويني يا أبي ..من؟
وأحبها..
في هذه الساعة المتأخرة من الألم، أعترف أنني مازلت أحبها.. وأنها لي.
ي لا 􀑧 أتحدّى أصحاب البطون المنتفخة.. وذلك صاحب اللحية.. وذلك صاحب الصلعة.. وأولئك أصحاب النجوم الت
تعدّ.. وآل الذين منحتهم الكثير.. واغتصبوها في حضرتي اليوم.
أتحداهم بنقصي فقط.
بالذراع التي لم تعد ذراعي، بالذاآرة التي سرقوها منّي، بكل ما أخذوه منّا.
أتحداهم أن يحبوها مثلي. لأنني وحدي أحبها دون مقابل.
ام 􀑧 وأدري أنه في هذه اللحظة، هناك من يرفع عنها ثوبها ذاك على عجل. يخلع عنها صيغتها دون آثير من الاهتم
ويرآض نحو جسدها بلهفة رجل في الخمسين يضاجع صبية.
حزني على ذلك الثوب.. حزني عليه.
ي 􀑧 ى آرس 􀑧 ه عل 􀑧 ي ب 􀑧 ل يلق 􀑧 د . رج 􀑧 ل واح 􀑧 ه رج 􀑧 آم من الأيدي طرّزته، وآم من النساء تناوبن عليه، ليتمتع اليوم برفع
آيفما آان، وآأنه ليس ذاآرتنا، آأنه ليس الوطن.
فهل قدر الأوطان أن تعدّها أجيال بأآملها، لينعم بها رجل واحد؟
ن 􀑧 م يك 􀑧 ي ل 􀑧 ياء الت 􀑧 أتساءل الليلة.. لماذا وحدي تستوقفني آل هذه التفاصيل. وآيف اآتشفت الآن فقط، معنى آل الأش
لها معنى من قبل؟
أتراه عُشق هذا الوطن.. أم البعد عنه، هو الذي أعطى الأشياء العادية قداسة لا يشعر بها غير الذي حرم منه؟
ال 􀑧 ة، ح 􀑧 ألأنَّ المعايشة اليومية تقتل الحلم وتغتال قداسة الأشياء آان أحد الصحابة ينصح المسلمين بأن يغادروا مك
ى 􀑧 ادة إل 􀑧 م الع 􀑧 ول بحك 􀑧 ى لا تتح 􀑧 وبهم، وحت 􀑧 انتهائهم من مراسيم الحج، حتى تبقى لتلك المدينة رهبتها وقداستها في قل
مدينة عادية يمكن لأي واحدٍ أن يسرق ويزني ويجور فيها دون رهبة؟
إنه ما يحدث لي منذ وطئت قدماي هذه المدينة. وحدي أعاملها آمدينة فوق العادة.
ا، 􀑧 ن رجاله 􀑧 ا وع 􀑧 ن أوليائه 􀑧 ا، ع 􀑧 أعامل آل حجر فيها بعشق. أسلم على جسورها جسراً جسراً. أسأل عن أخبار أهله
واحداً.. واحداً..
م 􀑧 ة يحل 􀑧 ي بمدين 􀑧 رّ تعلّق 􀑧 وني وس 􀑧 م جن 􀑧 د يفه 􀑧 أتأملها وهي تمشي، أتأملها وهي تصلي، وتزني وتمارس جنونها ولا أح
الجميع بالهرب منها.
هل أعتب عليهم؟
196
ل 􀑧 ن بط 􀑧 ر م 􀑧 هل يشعر سكان أثينا أنهم يمشون ويجيئون على ذاآرة التاريخ.. وعلى تراب مشت عليه الآلهة، وأآث
أسطوري؟
ون 􀑧 نهم، يحكم 􀑧 ازالو بي 􀑧 ة م 􀑧 زة، وأن الفراعن 􀑧 هل يشعر سكان الجيزة في بؤسهم وفقرهم، أنهم يعيشون عند أقدم معج
مصر بحجرهم وقبورهم؟
ن 􀑧 أتون م 􀑧 وحدهم الغرباء الذين قرأوا تاريخ اليونان والفراعنة، في آتب التاريخ، يعاملون تلك الحجارة بقداسة، وي
أطراف العالم لمجردّ الاقتراب منها.
ة 􀑧 ر، وخيب 􀑧 د آخ 􀑧 اً بع 􀑧 ي يوم 􀑧 راق، وإذا ب 􀑧 ى الاحت 􀑧 لام حت 􀑧 تراني أطلت المكوث هنا، واقترفت حماقة الاقتراب من الأح
بعد أخرى، أشفى من سلطة اسمها عليّ، وأفرغ من وهمي الجميل.. ولكن ليس دون الم؟
في هذه اللحظة، لا أريد لهذه المدينة أن تكون أآثر من رصاصة رحمة.
ة 􀑧 آخر طلق 􀑧 ك، آ 􀑧 خ ببراءت 􀑧 ك الملطّ 􀑧 ارك قميص 􀑧 ولذا أتقبّل تلك الزغاريد التي انطلقت في ساعة متقدّمة من الفجر، لتب
رات 􀑧 ذهول النظ 􀑧 د اً.. م 􀑧 ا جام 􀑧 مير .فأتلقاه 􀑧 اتم ض 􀑧 نارية تطلقها في وجهي هذه المدينة، ولكن دون آاتم صوت.. ولا آ
آجثة، بينما أرى حولي من يتسابق للمس قميصك المعروض للفرجة.
ها هم يقدمونك لي، لوحة ملطّخة بالدم، دليلاً على عجزي الآخر. دليلاً على جريمتهم الأخرى.
ور . وإلا 􀑧 از للث 􀑧 ياء، وينح 􀑧 ولكنني لا أتحرك ولا أحتجّ. ليس من حق مشاهد لمصارعة الثيران، أن يغير منطق الأش
!« الموتادور » خلقت أساساً لتمجيد « آوريدا » آان عليه أن يبقى في بيته ولا يحضر
والهتافات أمام ثوب موقّع بالدم، يذآّرني ..« الدخلة » شيء ما في هذا الجو المشحون بالزغاريد والزينة وموسيقى
وت 􀑧 احة، ويم 􀑧 ا الس 􀑧 دخل به 􀑧 ة ي 􀑧 يقى راقص 􀑧 ع موس 􀑧 ى وق 􀑧 بطقوس الكوريدا. وذلك الثور الذي يعدّون له موتاً جميلاً عل
على نغمها بسيوفٍ مزيّنة للقتل، مأخوذاً باللون الأحمر.. وبأناقة قاتله!
من منّا الثور؟ أنتِ أم أنا المُصاب بعمى الألوان، والذي لا يرى الآن غير اللون الأحمر.. لون دمك؟
ثور يدور في حلبة حبّك، بكبرياء حيوان لا يهزم إلا خِدعة، ويدري أنه محكوم عليه بالموت المسبق.
الواقع أن دمك هذا يربكني، يحرجني، ويملأني تناقضاً.
أما آنت أتحرّق دائماً لمعرفة نهاية قصتك معه، هو الذي أخذك مني، تراه أخذ منك آل شيء؟
درك 􀑧 ام ق 􀑧 عتك أم 􀑧 ك . ووض 􀑧 اد ) أمام 􀑧 ه (زي 􀑧 عت في 􀑧 ذي وض 􀑧 وم ال 􀑧 ذ ذاك الي 􀑧 سؤال آان يشغلني ويسكنني حد الجنون ، من
الآخر.
تراك فتحت له قلاعك المحصّنة، وأذللت أبراجك العالية، واستسلمت لإغراء رجولته؟
تراك ترآت طفولتك لي، وأنوثتك له؟
ها هو الجواب يأتيني بعد عام من العذاب. ها هو أخيراً لزج.. طريّ ..أحمر.. ورديّ.. عمره لحظات.
ها هو الجواب آما لم أتوقّعه، مقحماً، محرجاً، فلِمَ الحزن؟
ي 􀑧 ه ف 􀑧 ك، وأن 􀑧 ع ب 􀑧 ات دون أن يتمت 􀑧 ه م 􀑧 ي، وأن 􀑧 اد اً بظن 􀑧 ت زي 􀑧 ي ظلم 􀑧 ة .. أن أدري أنن 􀑧 ذه الليل 􀑧 ر ه 􀑧 ؤلمني الأآث 􀑧 ذي ي 􀑧 ا ال 􀑧 م
النهاية آان هو الأجدر بك الليلة؟
197
أم أن تكوني فقط، مدينة فتحت اليوم عنوة بأقدام العسكر، آكل مدينة عربية؟
د 􀑧 يئاً بع 􀑧 ك ش 􀑧 رف عن 􀑧 ن أع 􀑧 ي ل 􀑧 وني أدري أنن 􀑧 راً، أم آ 􀑧 زك أخي 􀑧 ت لغ 􀑧 د عرف 􀑧 ون ق 􀑧 ة؟ أن أآ 􀑧 ر الليل 􀑧 ي أآث 􀑧 ما الذي يزعجن
اليوم، ولو تحدّثت إليك عمراً، ولو قرأتك ألف مرة؟
أآنتِ عذراء إذن، وخطاياك حبر على ورق؟
فلماذا أوهمتني إذن بكل تلك الأشياء؟ لماذا أهديتني آتابك وآأنك تهدينني خنجراً للغيرة؟
لماذا علّمتني أن أحبكِ سطراً بعد سطر.. وآذبة بعد أخرى.. وأن أغتصبك على ورق!
فليكن..
عزائي اليوم، أنك من بين آل الخيبات.. آنت خيبتي الأجمل.
***
يسألني حسان: لماذا أنت حزين هذا الصباح؟
أحاول ألا أسأله: ولماذا هو سعيد اليوم؟
ع 􀑧 جم م 􀑧 ن أن ينس 􀑧 ه م 􀑧 م يمنع 􀑧 ه ل 􀑧 ه .ولكن 􀑧 ا مزاج 􀑧 اً م 􀑧 ر نوع 􀑧 د عكّ 􀑧 رس، ق 􀑧 ة للع 􀑧 ه البارح 􀑧 ر ومقاطعت 􀑧 أدري أن غياب ناص
وأن يضحك.. ويحادث آثيراً من الناس الذين لم يلتق بهم من قبل. ،« الفرقاني » أغاني
آنت ألاحظه. وآنت سعيداً شيئاً ما، لسعادته الساذجة تلك.
ذي 􀑧 رس ال 􀑧 ك الع 􀑧 ور ذل 􀑧 دعى لحض 􀑧 ة، وأن ي 􀑧 تح للعام 􀑧 ا تف 􀑧 ي قلم 􀑧 واب الت 􀑧 ك الأب 􀑧 راً تل 􀑧 ه أخي 􀑧 تح ل 􀑧 عيداً أن تُف 􀑧 آان حسان س
ن 􀑧 ماء م 􀑧 ن أس 􀑧 ئلة، ع 􀑧 يلاحقونه بالأس 􀑧 ذين س 􀑧 رين ال 􀑧 فه للآخ 􀑧 ام؛ ويص 􀑧 الس لأي 􀑧 ي المج 􀑧 ه ف 􀑧 دث عن 􀑧 ه الآن أن يتح 􀑧 يمكن
حضروا وما قُدِّم من أطباق.. وما لبست العروس..
ارب، 􀑧 ران والأق 􀑧 ن الجي 􀑧 رس م 􀑧 ا الع 􀑧 رت به 􀑧 ويمكن لزوجته أيضاً أن تنسى أنها استعارت صيغتها والثياب التي حض
ط 􀑧 ه، فق 􀑧 اً في 􀑧 أة طرف 􀑧 بحت فج 􀑧 ا أص 􀑧 رس، وآأنه 􀑧 ك الع 􀑧 ي ذل 􀑧 ذخٍ ف 􀑧 ن ب 􀑧 ه م 􀑧 ا رأت 􀑧 وتبدأ بدورها في التفاخر على الجميع بم
لأنها دعيت للتفرّج على خيرات الآخرين.
قال فجأة:
- إن سي الشريف يدعونا غداً للغداء عنده. لا تنسَ أن تكون في البيت وقت الظهر لنذهب معاً..
قلت له بصوت غائب:
- غداً سأعود إلى باريس.
صاح:
- آيف تعود غداً ..ابقَ معنا أسبوعاً آخر على الأقلّ.. ما الذي ينتظرك هناك؟
حاولت أن أوهمه أن لي بعض الالتزامات، وأنني بدأت أتعب من إقامتي في قسنطينة.
ولكنه راح يلحّ:
- يا أخي عيب.. على الأقل احضر غداء سي الشريف غداً ثم سافر..
أجبته بلهجة قاطعة لم يفهم سببها:
198
- فرات.. غدوة نروّح.
ا 􀑧 ل أن ألفظه 􀑧 ل قب 􀑧 ت طوي 􀑧 ر وق 􀑧 د يم 􀑧 ه ق 􀑧 ا، أن 􀑧 ة ألفظه 􀑧 ل آلم 􀑧 آان يحلو لي أن أحدّثه بلهجة قسنطينية. آنت أشعر مع آ
مرة أخرى.
قال حسان وآأنه يقنعني بضرورة عدم رفض تلك الدعوة:
ه 􀑧 ا إن 􀑧 ول هن 􀑧 بعض يق 􀑧 دري أن ال 􀑧 - والله سي الشريف ناس ملاح.. مازال برغم منصبه وفيّاً لصداقتنا القديمة. أت
قد يصبح وزيراً. ربما يفرجها الله علينا في ذلك اليوم على يده..
قال حسان هذه الجملة الأخيرة بصوت شبه خافت، وآأنه يقولها لنفسه..
مسكين حسان!
ر، 􀑧 فقة لا غي 􀑧 و ص 􀑧 رس ه 􀑧 ك الع 􀑧 مسكين أخي الذي لم يفرجها الله عليه بعد ذلك. أآان من السذاجة بحيث يجهل أن ذل
وأن سي الشريف لا بدّ أن يتلقّى شيئاً ما مقابله. نحن لا نصاهر ضبّاطاً من الدرجة الأولى ..دون نوايا مسبقة.
أما بالنسبة لما يمكن أن يربح حسان من وراء منصب سي الشريف المحتمل.. فمجرد أوهام.
المؤمن يبدأ بنفسه، وقد تمر سنوات قبل أن يصل دور حسان.. وينال بعض ما يطمح إليه من فتات.
سألته مازحاً:
- هل بدأت تحلم أن تصبح أنت أيضاً سفيراً؟
قال وآأن السؤال قد جرحه نوعاً ما:
تلم 􀑧 يم، وأن أس 􀑧 ن التعل 􀑧 رب م 􀑧 ن أن أه 􀑧 ر م 􀑧 د أآث 􀑧 ا لا أري 􀑧 أن «.. ري 􀑧 ف بك 􀑧 اللي خطف.. خط » .. - يا حسرة يا رجل
ة .. 􀑧 به عادي 􀑧 اة ش 􀑧 ائلتي حي 􀑧 ا وع 􀑧 ا أن 􀑧 يش منه 􀑧 ة أع 􀑧 ة وظيف 􀑧 ة، أي 􀑧 ة أو إعلامي 􀑧 ة ثقافي 􀑧 ة مؤسس 􀑧 وظيفة محترمة في أيّ
الملايين 􀑧 ي ب 􀑧 ن آت 􀑧 آيف تريد أن نعيش نحن الثمانية بهذا الدخل؟. أنا عاجز حتى عن أن أشتري سيارة. من أي
د 􀑧 رض وأفق 􀑧 رس، أم 􀑧 ك الع 􀑧 ي ذل 􀑧 س ف 􀑧 طفّة أم 􀑧 ت مص 􀑧 ي آان 􀑧 ة الت 􀑧 يارات الفخم 􀑧 ك الس 􀑧 لأشتريها؟. عندما أتذآّر تل
شهية التعليم. لقد تعبت من هذه المهنة، أنت لا تشعر بأية مكافأة مادية أو معنوية فيها. لقد تغيّر الزمن الذي
ة لا 􀑧 يفون اً) وخرق 􀑧 ون (ش 􀑧 م أن يك 􀑧 اد المعل 􀑧 آ» اليوم حسب تعبير زميل لي ..« آاد فيه المعلم أن يكون رسولاً »
.« أآثر
اس 􀑧 تمه الن 􀑧 ثلهم . ويش 􀑧 م « يطبّع » و « يدزّ » لقد أصبحنا ممسحة للجميع. فالأستاذ يرآب الحافلة مع تلاميذه. و
ة 􀑧 كنها ثماني 􀑧 رفتين، يس 􀑧 قّة بغ 􀑧 ي ش 􀑧 ات ف 􀑧 حّح الامتحان 􀑧 ه ويص 􀑧 دّ دروس 􀑧 ذا، ليع 􀑧 ي ه 􀑧 ل زميل 􀑧 ود مث 􀑧 م يع 􀑧 امهم. ث 􀑧 أم
أشخاص وأآثر.
ر 􀑧 قياته أو يعي 􀑧 ا عش 􀑧 تقبل فيه 􀑧 ه أن يس 􀑧 طاته .. يمكن 􀑧 ه أو واس 􀑧 م وظيفت 􀑧 اً بحك 􀑧 قّتين وثلاث 􀑧 ك ش 􀑧 ن يمل 􀑧 اك م 􀑧 ا هن 􀑧 بينم
مفاتيحها لمن سيفتح له أبواباً أخرى .
الكش واش 􀑧 ى ب 􀑧 ا عل 􀑧 اريس .. م 􀑧 ي بب 􀑧 ك الراق 􀑧 ي حيّ 􀑧 وم، ف 􀑧 ذه الهم 􀑧 ن ه 􀑧 دا ع 􀑧 يش بعي 􀑧 ت تع 􀑧 صحّة عليك يا خالد.. أن
صاير في الدنيا!.
199
دماً 􀑧 آه حسان.. عندما أذآر حديثنا ذلك اليوم، تصبح المرارة غصّة في الحلق، تصبح جرحاً، تصبح دمعا، تصبح ن
وحسرة.
آان يمكن أن أساعدك أآثر، صحيح.
لاً 􀑧 ب مح 􀑧 رب؟ اطل 􀑧 ذه الح 􀑧 ي ه 􀑧 ك ف 􀑧 د ذراع 􀑧 م تفق 􀑧 داً؟ أل 􀑧 ت مجاه 􀑧 ا، ألس 􀑧 ت هن 􀑧 د مادم 􀑧 ا خال 􀑧 يئاً ي 􀑧 ب ش 􀑧 اطل » : ول 􀑧 ت تق 􀑧 آن
ه 􀑧 تفيد من 􀑧 ي لأس 􀑧 ه ل 􀑧 ئت دع 􀑧 ك . وإذا ش 􀑧 ذا حق 􀑧 يئاً . ه 􀑧 ك ش 􀑧 وا ل 􀑧 ن يرفض 􀑧 م ل 􀑧 احنة، إنه 􀑧 ة أرض .. أو ش 􀑧 تجارياً.. اطلب قطع
ذا 􀑧 ن ه 􀑧 ك م 􀑧 ذ حق 􀑧 وأعيش عليه أنا وأولادي.. أنت يحترمونك ويعرفونك، وأما أنا فلا يعرفني أحد. إنه جنون ألا تأخ
ت 􀑧 ورة . أن 􀑧 ي الث 􀑧 يء ف 􀑧 م بش 􀑧 م يق 􀑧 و ل 􀑧 د وه 􀑧 هادة مجاه 􀑧 ل ش 􀑧 د يحم 􀑧 ن واح 􀑧 ر م 􀑧 يء . أآث 􀑧 الوطن. إنهم لا يتصدّقون عليك بش
«.. تحمل شهادتك على جسدك
ذه 􀑧 ل ه 􀑧 د آ 􀑧 وم، بع 􀑧 اً الي 􀑧 د ممكن 􀑧 م يع 􀑧 ه ل 􀑧 م أن 􀑧 ن تفه 􀑧 م تك 􀑧 إيه حسان.. لم تكن تفهم أن هذا هو الفرق الوحيد بيني وبينهم. ل
السنوات، وآل هذا العذاب، أن أطأطئ رأسي لأحد.. ولو مقابل أية هبة وطنية.
ربما آنت فعلت هذا بعد الاستقلال. ولكن اليوم مع مرور الزمن، أصبح ذلك مستحيلاً.
لم يبق من العمر الكثير أخي. لم يبق من العمر الكثير، لأطأطئ رأسي قبل الموت.
م 􀑧 أطئوا ه 􀑧 ي، أن يط 􀑧 وا ب 􀑧 دما يلتق 􀑧 وا عن 􀑧 د أن يخجل 􀑧 ميرهم . أري 􀑧 ي ض 􀑧 وآة ف 􀑧 اً آش 􀑧 امهم، مغروس 􀑧 ذا أم 􀑧 ى هك 􀑧 د أن أبق 􀑧 أري
رؤوسهم ويسألوني عن أخباري، وهم يعرفون أنني أعرف آل أخبارهم، وأنني شاهد على حقارتهم.
آه لو تدري حسان!
لو تدري لذّة أن تمشي في شارع مرفوع الرأس، أن تقابل أيّ شخص بسيط أو هامّ جداً، دون أن تشعر بالخجل.
ان 􀑧 هناك من لا يستطيع اليوم أن يمشي خطوتين على قدميه في الشارع، بعدما آانت آل الشوارع محجوزة له. وآ
يعبرها في موآب من السيارات الرسمية.
بك . 􀑧 يارة تناس 􀑧 ر س 􀑧 ي، واخت 􀑧 ال مع 􀑧 تع » : ه􀑧 ت ل 􀑧 يارة . قل 􀑧 لم أقل شيئاً لحسان. وعدته فقط آمرحلة أولى أن أشتري له س
.«.. تأخذها معك من فرنسا. لا أريد أن تعيش هكذا في هذه الحالة بعد اليوم
ي . 􀑧 ه من 􀑧 ن طلب 􀑧 اجزاً ع 􀑧 فرح حسان يومها آطفل. شعرت أن ذلك آان حلمه الكبير الذي آان عاجزاً عن تحقيقه، وع
ولكن آيف لي أن أعرف ذلك وأنا لم أزره منذ سنوات؟
ت، 􀑧 ض الوق 􀑧 عدته بع 􀑧 ي أس 􀑧 عادة، لأنن 􀑧 ن الس 􀑧 يئاً م 􀑧 ي ش 􀑧 ي قلب 􀑧 ث ف 􀑧 ة تبع 􀑧 ك الالتفات 􀑧 دها تل 􀑧 وم، وح 􀑧 ان الي 􀑧 ر حس 􀑧 دما أذآ 􀑧 عن
ومنحته راحة لبضع سنوات.
سنوات.. لم أآن أتوقع أن تكون الأخيرة.
عاد حسان إلى موضوعه قال:
- هل أنت مصرٌّ حقاً على السفر غداً؟
قلت له:
- نعم.. من الأرجح أن أسافر غداً..
قال:
200
- إذن لا بد أن تطلب سي الشريف اليوم، لتعتذر منه. فقد يسيء تفسير موقفك.. ويأخذ على خاطره..
فكرت قليلاً فوجدته على حقّ. قلت لحسان:
- اطلب لي رقم سي الشريف لأعتذر إليه..
آنت أتوقع أن تتوقف الأمور هناك. ولكن سي الشريف راح يرحّب بي.. ويحرجني بلطفه، ويلحّ لأحضر لزيارته
ولو في ذلك الحين..
قال:
ل 􀑧 ين قب 􀑧 ك للعروس 􀑧 ديتك بنفس 􀑧 دم ه 􀑧 ك أن تق 􀑧 م يمكن 􀑧 - تعال إذن وتغدّ معنا اليوم.. المهم أن نراك قبل أن تسافر.. ث
أن يسافرا أيضاً هذا المساء..
ى 􀑧 ل، حت 􀑧 ى عج 􀑧 فر عل 􀑧 ررت الس 􀑧 ذي ق 􀑧 ا ال 􀑧 ك . أن 􀑧 دري مع 􀑧 لم يكن هناك من مخرج. وجدت نفسي مرة أخرى، أواجه ق
أنتهي من العيش في هذه الأجواء التي آانت تدور آلها بطريقة أو بأخرى حولك.
ك . 􀑧 ها أنا مرة أخرى ألبس بدلتي السوداء نفسها، أحمل لوحة توقّفت أمامها يوماً وآانت سبب آل ما حلّ بي بعد ذل
وأذهب مع حسان إلى الغداء..
بق 􀑧 دس مس 􀑧 اك ح 􀑧 ان هن 􀑧 رة. آ 􀑧 ذه الم 􀑧 كِ ه 􀑧 ألتقي ب 􀑧 ي س 􀑧 ت أدري أنن 􀑧 وك . آن 􀑧 رى نح 􀑧 رة أخ 􀑧 ودانني م 􀑧 دماي تق 􀑧 ا ق 􀑧 ا هم 􀑧 ه
يشعرني أننا لن نخلف هذا الموعد اليوم.
ك 􀑧 ى تل 􀑧 اق عل 􀑧 ن أطب 􀑧 ا م 􀑧 دم لن 􀑧 اذا ق 􀑧 اس؟ وم 􀑧 ن الن 􀑧 ت م 􀑧 ن قابل 􀑧 ه وم 􀑧 ذي قلت 􀑧 ا ال 􀑧 وم؟ م 􀑧 ك الي 􀑧 ريف ذل 􀑧 ي الش 􀑧 ه س 􀑧 ما الذي قال
السفرة.. لم أعد أذآر.
ي 􀑧 ك ف 􀑧 ي من 􀑧 وى أن أراك .. وأن أنته 􀑧 ة، س 􀑧 ك اللحظ 􀑧 ي تل 􀑧 يء ف 􀑧 ي ش 􀑧 ن يهمن 􀑧 م يك 􀑧 رة . ول 􀑧 آنت أعيش لحظات حبك الأخي
الوقت نفسه!
ي 􀑧 ى ف 􀑧 اً حت 􀑧 لّ مخيف 􀑧 ر، يظ 􀑧 ب الكبي 􀑧 رى . فالح 􀑧 ولكن.. آنت أخاف حبك. آنت أخاف أن يشتعل حبك من رماده مرة أخ
لحظات موته.. يظلّ خطراً حتى وهو يحتضر.
وجئت..
كِ، 􀑧 لم علي 􀑧 ا لأس 􀑧 ت فيه 􀑧 ي وقف 􀑧 ك الت 􀑧 ت تل 􀑧 خرية، آان 􀑧 ات س 􀑧 ر اللحظ 􀑧 اً، أآث 􀑧 ات جنون 􀑧 ر اللحظ 􀑧 اً، أآث 􀑧 ات وجع 􀑧 ر اللحظ 􀑧 أآث
وأضع على وجنتيك قبلتين بريئتين، وأنا أهنئك بالزواج، مستعملاً آل المفردات اللائقة بذلك الموقف العجيب.
ابرة، 􀑧 رّة ع 􀑧 وى م 􀑧 وم، س 􀑧 آم آان يلزمني من القوة، من الصبر ومن التمثيل، لأوهم الآخرين أنني لم ألتقِ بك قبل الي
وأنكِ لم تكوني المرأة التي قلبت حياتي رأساً على عقب؟
المرأة التي تقاسمني سريري الفارغ منذ عدة أشهر، والتي آانت حتى البارحة.. لي!
ن 􀑧 آم آان يلزمني من التمثيل، لأهديك تلك اللوحة، دون أي تعليق إضافي، دون أية إشارة توضيحية، وآأنها لم تك
اللوحة التي بدأت بها قصتي معك منذ خمس وعشرين سنة.
تطيع 􀑧 وآم آنتِ مدهشة أنتِ في تمثيلك، وأنتِ تفتحينها وتلقين نظرة معجبة عليها، وآأنك ترينها لأول مرة! فلا أس
إلا أن أسألك بتواطؤ سريٍ جمعنا يوماً:
201
- هل تحبين الجسور؟
ويخيم بيننا فجأة صمت قصير، يبدو لي طويلاً آلحظة تسبق حكماً بالإعدام.. أو العفو.
قبل أن ترفعي عينيك نحوي وينزل حكمكِ عليّ:
- نعم أحبها!
آم من السعادة منحتني لحظتها في آلمتين!
شعرت أنك تبعثين لي آخر إشارة حبّ.
ة 􀑧 تظلّين وفيّ 􀑧 يء س 􀑧 ل ش 􀑧 م آ 􀑧 ك رغ 􀑧 ة .. وأن 􀑧 ة وهمي 􀑧 ن ليل 􀑧 ر م 􀑧 ة . أآث 􀑧 ة قادم 􀑧 روع لوح 􀑧 ن مش 􀑧 ر م 􀑧 ديني أآث 􀑧 ك ته 􀑧 عرت أن 􀑧 ش
لذاآرتنا المشترآة.. ولمدينة تواطأت معنا، ومدّت آل هذه الجسور.. لتجمعنا.
ة 􀑧 بعهما ليل 􀑧 م تش 􀑧 ين ل 􀑧 ك بعين 􀑧 وارك . يلتهم 􀑧 ى ج 􀑧 ا إل 􀑧 ر فيه 􀑧 ولكن ..أآنت حبيبتي حقاً؟ في تلك اللحظة التي آان رجل آخ
ا 􀑧 ت أن 􀑧 ل، وآن 􀑧 هر العس 􀑧 ي ش 􀑧 تزورينها ف 􀑧 ي س 􀑧 حب آاملة، في تلك اللحظة التي آان فيها الحديث يدور حول المدن الت
أشيّعك بصمت، لسفرك الأخير عن قلبي..
ك 􀑧 ل ذل 􀑧 تحق آ 􀑧 اء يس 􀑧 ذا اللق 􀑧 ان ه 􀑧 راً، أآ 􀑧 ك أخي 􀑧 ا قابلت 􀑧 ا أن 􀑧 يء إذن . ه 􀑧 لقد آانت تلك هزيمتك الأولى معي.. انتهى آل ش
الانتظار، آل ذلك الألم؟
ع 􀑧 ارغ .. موج 􀑧 آم آان حلمي به جميلاً! وآم هو اليوم مدهش ومسطّح في واقعه! آم آان مليئاً بانتظارك، وآم هو ف
بحضورك!
أآانت نصف النظرة التي تبادلناها بين نظرتين، تستحق آل ذلك الوجع، آل ذلك الشوق والجنون؟
تريدين أن تقولي لي شيئاً، وتتلعثم الكلمات.. تتلعثم النظرات.
لقد نسيت عيناك الحديث إليّ.. ولم أعد أعرف فكّ رموزك الهيروغليفية.
فهل عدنا يومها إلى مرتبة الغرباء، دون أن ندري؟
افترقنا..
قبلتان أخيرتان على وجنتيك. نظرة.. نظرتان.. وآثير من التمثيل، وألم سريٌّ صامت.
تبادلنا جميعاً آلمات المجاملة والتهاني والشكر الأخير.
ى 􀑧 ت إل 􀑧 ا احتج 􀑧 ة م 􀑧 ي حال 􀑧 ب ف 􀑧 ي المكت 􀑧 ت وف 􀑧 ي البي 􀑧 ه ف 􀑧 م هاتف 􀑧 تبادلنا عناويننا، بعدما أصرّ زوجك على أن يعطيني رق
شيء.
وانصرفنا آل بوهمه.. وقراره المسبق.
ن 􀑧 يء م 􀑧 ق بش 􀑧 وال الطري 􀑧 ها ط 􀑧 ت أتحسّس 􀑧 ي آن 􀑧 ة الت 􀑧 ك البطاق 􀑧 ى تل 􀑧 ويلاً إل 􀑧 رت ط 􀑧 ك، نظ 􀑧 د ذل 􀑧 عندما عدت إلى البيت بع
الذهول.. ومذاق ساخر للمرارة. وآأنك انتقلت معها من قلبي إلى جيبي تحت اسم ورقم هاتفي جديد.
ت 􀑧 ك، ومادم 􀑧 ى ذل 􀑧 درة عل 􀑧 ك الق 􀑧 ت أمل 􀑧 وراً، مادم 􀑧 ا ف 􀑧 ودون آثير من التردد.. أو التعمّق في التفكير، قرّرت أن أمزّقه
مصمماً على أن ينتهي آل شيء هنا في قسنطينة.. آما أردتِ يوماً، وآما أصبحت أريد أنا اليوم.
***
202
ما الذي آنت تريدينه ذلك المساء؟ عندما جاء هاتفك فجأة ليخرجني من دوامة أفكاري وأحاسيسي المتناقضة؟
توقّعت آل شيء إلا أن تكوني أنتِ. «.. هناك امرأة تريد أن تتحدث إليك » : حين مدّ حسان نحوي الهاتف وقال
سألتكِ بدهشة:
- ألم تسافري بعد؟
قلتِ:
- سنسافر بعد ساعة.. أردت أن أشكرك على اللوحة.. لقد وهبتني سعادة لم أتوقّعها..
قلتُ لكِ:
ذي 􀑧 درنا ال 􀑧 ة ق 􀑧 ا هدي 􀑧 نة .. إنه 􀑧 رين س 􀑧 س وعش 􀑧 ذ خم 􀑧 كِ م ن 􀑧 اهزة ل 􀑧 ت ج 􀑧 ة آان 􀑧 كِ لوح 􀑧 - أنا لم أهبك شيئاً.. لقد أعدت ل
تقاطع يوماً. وأما أنا فلي هدية أخرى أتوقع أن تعجبك، سأقدمها لك ذات يوم فيما بعد..
قلتِ بصوت خافت وآأنك تخافين أن يسترق أحد السمع إليك أو يسرق منكِ تلك الهدية:
- ماذا ستهديني؟
قلتُ:
- إنها مفاجأة.. لنفترض أنني سأهبك غزالة.
قلتِ مدهوشة:
- إنه عنوان آتاب!
قلتُ:
ب 􀑧 دما نح 􀑧 لاً. وعن 􀑧 ا طف 􀑧 رأة نهبه 􀑧 ب ام 􀑧 دما نح 􀑧 من ا. عن 􀑧 ا اس 􀑧 اة نهبه 􀑧 ب فت 􀑧 دما نح 􀑧 اً .عن 􀑧 أهبك آتاب 􀑧 ي س 􀑧 - أدري.. لأنن
آاتبة ..نهبها آتاباً. سأآتب من أجلك رواية.
قية 􀑧 رة عش 􀑧 أة بنب 􀑧 تِ فج 􀑧 م قل 􀑧 امض . ث 􀑧 أحسست في صوتك بشيء من الفرح والارتباك.. شيء من الدهشة والحزن الغ
لم أعهدها منك:
- خالد.. أحبك.. أتدري هذا؟
وانقطع صوتك فجأة، ليتوحد بصمتي وحزني، ونبقى هكذا لحظات دون آلام. قبل أن تضيفي بشيء من الرجاء:
- خالد ..قل شيئاً.. لماذا لا تجيب؟
قلتُ لك بشيءٍ من السخرية المرة:
- لأن رصيف الأزهار لم يعد يجيب..
- هل تعني أنك لم تعد تحبني؟
أجبتك بصوت غائب:
- أنا لا أعني شيئاً بالتحديد.. إنه عنوان لرواية أخرى للكاتب نفسه!
دة 􀑧 رق لع 􀑧 مّاعة، ونفت 􀑧 ع الس 􀑧 ل أن أض 􀑧 ك قب 􀑧 ه ل 􀑧 ا قلت 􀑧 ر م 􀑧 ذا آخ 􀑧 ون ه 􀑧 ح أن يك 􀑧 ن الأرج 􀑧 ر . م 􀑧 دها، لا أذآ 􀑧 ك بع 􀑧 تُ ل 􀑧 اذا قل 􀑧 م
سنوات.
203
***
.« لا تطرقي الباب آل هذا الطرق.. فم أعد هنا »
ي 􀑧 بابيك الت 􀑧 ن الش 􀑧 ة، وم 􀑧 لام المطويّ 􀑧 ا الأح 􀑧 ذاآرة، وثناي 􀑧 وب ال 􀑧 ن ثق 􀑧 لا تحاولي أن تعودي إليّ من الأبواب الخلفية، وم
أشرعتها العواصف.
لا تحاولي..
مها 􀑧 فأنا غادرت ذاآرتي. يوم وقعت على اآتشاف مذهل: لم تكن تلك الذاآرة لي، وإنما آانت ذاآرة مشترآة أتقاس
معك. ذاآرة يحمل آل منا نسخة منها حتى قبل أن نلتقي.
لا تطرقي الباب آل هذا الطرق سيدتي.. فلم يعد لي باب.
لقد تخلّت عني الجدران يوم تخلّيت عنك، وانهار السقف عليّ وأنا أحاول أن أهرّب أشيائي المبعثرة بعدك.
فلا تدوري هكذا حول بيت آان بيتي.
لا تبحثي عن نافذة تدخلين منها آسارقة. لقد سرقت آلّ شيء منّي، ولم يعد هناك من شيء يستحقّ المغامرة.
لا تطرقي الباب آلّ هذا الطرق الموجع..
هاتفك يدقّ في آهوف الذاآرة الفارغة دونك، ويأتي الصدى موجعاً ومخيفاً.
؟« وادي الرمال » ألا تدرين أنني أسكن هذا الوادي بعدك، آما يسكن الحصى جوف
تمهّلي سيدتي إذن..
ا 􀑧 يرميك هن 􀑧 ك س 􀑧 ه وٍ من 􀑧 تمهّلي وأنت تمرّين على جسور قسنطينة. فأية زلة قدم سترميني بسيلٍ من الحجارة. وأيُّ س
عندي لتتحطمي معي.
يا امرأة متنكّرة في ثياب أمي.. في عطر أمي وفي خوف أمي عليّ..
متعبٌ أنا.. آجسور قسنطينة. معلّق أنا مثلها بين صخرتين وبين رصيفين.
فلماذا آل هذا الألم..؟ ولماذا.. أآذب الأمهات أنت، وأحمق العشاق أنا؟
لا تطرقي أبواب قسنطينة الواحد بعد الآخر ..أنا لا أسكن هذه المدينة.. إنها هي التي تسكنني.
لا تبحثي عني فوق جسورها، هي لم تحملني مرة.. وحدي أنا حملتها.
لا تسألي أغانيها عنّي، وتأتني لاهثة بخبرٍ قديم _جديد، وأغنية آانت تغنّى للحزن فصارت تغنّى للأفراح..
الو ا 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 رب ق 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الوا الع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ق»
ات 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 رب هيه 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الوا الع 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ق
الُو 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 الح ولا م 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 وْ ص 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 ا نعطي 􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧􀑧 م
« ات 􀑧􀑧􀑧􀑧 اي الباي 􀑧􀑧􀑧􀑧 الح ب 􀑧􀑧􀑧􀑧 وْ ص 􀑧􀑧􀑧􀑧 ا نعطي 􀑧􀑧􀑧􀑧 م
أعرف عن ظهر قلب ما قاله العرب، وما لم يجرؤوا اليوم على قوله.
يّته 􀑧 ا وص 􀑧 ت أن 􀑧 نطينة .. وآن 􀑧 ات قس 􀑧 ر باي 􀑧 ان آخ 􀑧 دي . آ 􀑧 ل أن تول 􀑧 ى قب 􀑧 دادك الأول حت 􀑧 وب ح 􀑧 ث « الح 􀑧 ص» ان 􀑧 وأدري.. آ
.«.. يا حمودة.. آخ يا وليدي تها الله لي في الدار.. آه.. آه » : الأخيرة
أي دار يا صالح.. أي دار توصيني بها؟
204
وا 􀑧 ة .خرّب 􀑧 بابيكها الحديدي 􀑧 ا، وش 􀑧 لقد زرت (سوق العصر) وشاهدت دارك فارغة من ذاآرتها. سرقوا حتى أحجاره
ممراتها وعبثوا بنقوشها.. وظلّت واقفة، هيكلاً مصفرّاً يبول الصعاليك والسكارى على جدرانه.
أيّ وطن هذا الذي يبول على ذآرته يا صالح؟
أي وطن هذا؟
ها هي ذي مدينة تلبس حداد رجل لم تعد تذآر اسمه. وها أنت ذي طفلة لا أحد يعرف قرابتها بهذه الجسور..
بعد اليوم.. وارفعي عن وجهك الخمار، ولا تطرقي الباب آل هذا الطرق.. « ملايتك » فانزعي
فلم يعد صالح هنا.. ولا أنا.
افترقنا إذن..
الذين قالوا الحب وحده لا يموت، أخطأوا..
يئ اً 􀑧 ون ش 􀑧 اطفي .. لا يفهم 􀑧 تثناء ع 􀑧 ض اس 􀑧 والذين آتبوا لنا قصص حب بنهايات جميلة، ليوهمونا أن مجنون ليلى مح
في قوانين القلب.
إنهم لم يكتبوا حباً، آتبوا لنا أدباً فقط
ات 􀑧 ي النهاي 􀑧 اً ف 􀑧 اره دائم 􀑧 يس انتص 􀑧 ذا ل 􀑧 ورة . ول 􀑧 اطق المحظ 􀑧 ي المن 􀑧 ام، وف 􀑧 ول الألغ 􀑧 ط حق 􀑧 ي وس 􀑧 د إلا ف 􀑧 ق لا يول 􀑧 العش
الرصينة الجميلة..
إنه يموت آما يولد.. في الخراب الجميل فقط!
افترقنا إذن..
فيا خرابي الجميل سلاماً. يا وردة البراآين، ويا ياسمينة نبتت على حرائقي سلاماً.
يا ابنة الزلازل والشروخ الأرضية! لقد آان خرابك الأجمل سيدتي، لقد آان خرابك الأفظع..
قتلت وطناً بأآمله داخلي، تسللت حتى دهاليز ذاآرتي، نسفت آل شيء بعود ثقاب واحد فقط..
من علّمكِ اللعب بشظايا الذاآرة؟ أجيبي!
ن 􀑧 وم م 􀑧 ك الي 􀑧 لا ذل 􀑧 ا ت 􀑧 ل م 􀑧 ت بك 􀑧 ن أتي 􀑧 ن أي 􀑧 ار . م 􀑧 ن الن 􀑧 ة م 􀑧 واج المحرق 􀑧 ذه الأم 􀑧 ل ه 􀑧 اً_ بك 􀑧 من أين أتيت هذه المرة _أيض
دمار؟
افترقنا إذن..
ي 􀑧 تِ أم 􀑧 ي .. ولا آن 􀑧 تِ ابنت 􀑧 اً. لا آن 􀑧 ة حق 􀑧 تِ خائن 􀑧 لم تكوني آاذبة معي.. ولا آنتِ صادقة حقاً. لا آنتِ عاشقة.. ولا آن
حقاً.
آنت فقط آهذا الوطن.. يحمل مع آل شيء ضده.
أتذآرين؟
في ذلك الزمن البعيد، في ذلك الزمن الأول، يوم آنت تحبينني وتبحثين فيّ عن نسخة أخرى لأبيك.
قلتِ مرة:
205
ا 􀑧 اً ي 􀑧 اً مزيف 􀑧 - انتظرتك طويلاً.. انتظرتك آثيراً، آما ننتظر الأولياء الصالحين.. آما ننتظر الأنبياء.. لا تكن نبي
خالد.. أنا في حاجة إليك!
..« أنا في حاجة إليك » لاحظت وقتها أنكِ لم تقولي أنا أحبك. قلتِ فقط
نحن لا نحب بالضرورة الأنبياء. نحن في حاجة إليهم فقط.. في آل الأزمنة.
أجبتكِ:
- أنا لم أختر أن أآون نبياً..
قلتِ مازحةً:
- الأنبياء لا يختارون رسالتهم، إنهم يؤدّونها فقط!
أجبتكِ:
ة 􀑧 ت لرعي 􀑧 ي بُعث 􀑧 ك لأنن 􀑧 ون ذل 􀑧 د يك 􀑧 ف .. ق 􀑧 يّ مزيّ 􀑧 ي نب 􀑧 فتِ أنن 􀑧 دث واآتش 􀑧 - ولا يختارون رعيّتهم أيضاً. ولذا لو ح
تحترف الردّة!
ضحكتِ ..وبعناد أنثى يغريها التحدّي قلتِ:
- أنت تبحث عن مخرج لفشلك المحتمل معي، أليس آذلك؟..
لن أمنحك مبرراً آهذا. هات وصاياك العشر وأنا أطبقها.
ماوية . 􀑧 اليم الس 􀑧 ل التع 􀑧 ي ثق 􀑧 ن أن تحمل 􀑧 عف م 􀑧 ي، أض 􀑧 ايا نب 􀑧 ي وص 􀑧 ن أن تطبّق 􀑧 ل م 􀑧 نظرتُ إليكِ طويلاً يومها. آنت أجم
ولكن آان فيك نور داخلي لم أشهده في امرأة قبلك.. بذرة نقاء لم أآن أريد أن أتجاهلها..
أليس دور الأنبياء البحث عن بذور الخير فينا؟
قلتُ:
- دعي الوصايا العشر جانباً واسمعيني.. لقد جئتك بالوصية الحادية عشرة فقط..
ضحكتِ وقلتِ بشيءٍ من الصدق:
- هات ما عندك أيها النبي المفلس.. أقسم أنني سأتبعك!
ت 􀑧 ي . وآن 􀑧 لام نب 􀑧 ك آ 􀑧 ن ذل 􀑧 م يك 􀑧 ن ل 􀑧 ولك «.. ط􀑧 ي فق 􀑧 وني ل 􀑧 آ» : ك􀑧 لحظتها شعرت برغبة في أن أستغلّ قسمك .وأقول ل
ي 􀑧 دون أن أدري قد بدأت أمثّل أمامك الدور الذي اخترته لي.. فرحت أبحث في ذهني عن شيء يمكن أن يقوله نب
يباشر وظيفته لأول مرة.. قلتُ:
ت 􀑧 رأة . أن 􀑧 ن ام 􀑧 ر م 􀑧 ك أآث 􀑧 ق أن 􀑧 وعي عمي 􀑧 ن ب 􀑧 رور، ولك 􀑧 رورة بغ 􀑧 يس بالض 􀑧 ر .. ل 􀑧 اء أآب 􀑧 م بكبري 􀑧 - احملي هذا الاس
يم 􀑧 ى الق 􀑧 ه إل 􀑧 ز في 􀑧 م ننح 􀑧 ر، إذا ل 􀑧 ن حقي 􀑧 ذا زم 􀑧 م .. ه 􀑧 وز أن تتهشّ 􀑧 ق الرم 􀑧 وطن بأآمله.. هل تعين هذا؟ ليس من ح
وى 􀑧 داً س 􀑧 املي أح 􀑧 ادئ.. لا تج 􀑧 وى المب 􀑧 يء س 􀑧 ازي لش 􀑧 ل. لا تنح 􀑧 اذورات والمزاب 􀑧 ة الق 􀑧 ي خان 􀑧 نا ف 􀑧 نجد أنفس 􀑧 س
ضميرك.. لأنك في النهاية لا تعيشين مع سواه!
قلتِ:
- أهذه وصيتك لي ..فقط؟!
206
قلتُ:
- لا تستهيني بها.. إن تطبيقها ليس سهلاً آما تتوهّمين ..ستكتشفين ذلك بنفسك ذات يوم..
آان لا بد ألا تسخري يومها من وصية ذلك النبي المفلس.. وتستسهليها إلى هذا الحد!..
* * *
مرّت ستّ سنوات على ذلك السفر. على ذلك اللقاء، ذلك الوداع.
ياء 􀑧 د الأش 􀑧 ي . أن أعي 􀑧 ي قلب 􀑧 حاولت خلالها أن ألملم جرحي وأنسى .حاولت منذ عودتي، أن أضع شيئاً من الترتيب ف
يم 􀑧 ان الق 􀑧 ة، ولا مك 􀑧 ان لوح 􀑧 ر مك 􀑧 ة، دون أن أغيّ 􀑧 ر مزهري 􀑧 ذمّر، دون أن أآ س 􀑧 جيج ولا ت 􀑧 ا الأول، دون ض 􀑧 ى مكانه 􀑧 عل
القديمة التي تكدّس الغبار عليها داخلي منذ زمن.
حاولت أن أعيد الزمان إلى الوراء، دون حقد ولا غفران أيضاً.
ل 􀑧 ن يقت 􀑧 ل، لم 􀑧 ر أق 􀑧 ه. ونغف 􀑧 اء قبل 􀑧 ا تعس 􀑧 م آن 􀑧 ف آ 􀑧 ابرة، نكتش 􀑧 عادة ع 􀑧 ا بس 􀑧 ن يجعلن 􀑧 هولة لم 􀑧 ذه الس 􀑧 ر به 􀑧 ن لا نغف 􀑧 لا.. نح
أحلامنا أمامنا دون أدنى شعور بالجريمة.
ولذا لم أغفر لك.. ولا لهم.
حاولت فقط أن أتعامل معك ومع الوطن بعشقٍ أقل. واخترت اللامبالاة عاطفة واحدة نحوآما.
عوده 􀑧 ن ص 􀑧 ك، ع 􀑧 ن زوج 􀑧 دث ع 􀑧 ن يتح 􀑧 ى م 􀑧 تمع إل 􀑧 ا أس 􀑧 ادفة، وأن 􀑧 ق المص 􀑧 ن طري 􀑧 لني ع 􀑧 ارك أن تص 􀑧 دث لأخب 􀑧 ان يح 􀑧 آ
المستمر.. وعن صفقاته وشؤونه السرية والعلنية التي تشغل أحاديث المجالس.
ان 􀑧 ي حس 􀑧 دما زارن 􀑧 وآان يحدث لأخبار الوطن أن تأتيني أيضاً تارةً في جريدة، وتارةً في مجالس أخرى. وتارةً عن
بعد ذلك لآخر مرة ليشتري تلك السيارة التي وعدته بها..
وآل مرة، آنت أواجه آل ما أسمعه باللامبالاة نفسها التي لا يمكن أن يولّدها سوى اليأس الأخير.
ي 􀑧 ى ل 􀑧 ا تبقّ 􀑧 ل م 􀑧 ه آ 􀑧 بدأت أتعلّق بحسان فقط، وآأنني اآتشفت فجأة وجوده. أصبح أمره وحده يهمني بعدما وعيت أن
ارتي 􀑧 ل زي 􀑧 في هذا العالم، وبعدما اآتشفت تلك الحياة البائسة التي آان يعيشها، والتي آنت أجهل آل شيء عنها قب
إلى قسنطينة.
بعض 􀑧 ه ب 􀑧 وم في 􀑧 وي أن يق 􀑧 ان ين 􀑧 ذي آ 􀑧 ت ال 􀑧 ن البي 􀑧 ن الأولاد، وع 􀑧 اره وع 􀑧 ن أخب 􀑧 أله ع 􀑧 أصبحت أطلبه هاتفياً بانتظام. أس
الإصلاحات، والذي وعدته أن أتكفّل بمصاريف ترميمه وتجديده.
ض 􀑧 ن بع 􀑧 اريعه، وع 􀑧 ض مش 􀑧 ن بع 􀑧 ارةً ع 􀑧 دثني ت 􀑧 ان يح 􀑧 ر . آ 􀑧 ى آخ 􀑧 اتف إل 􀑧 ن ه 􀑧 ع م 􀑧 نخفض وترتف 􀑧 ه ت 􀑧 ت معنويات 􀑧 آان
الاتصالات التي يقوم بها ليتم نقله إلى العاصمة.. ثم يعود ويفقد فجأةً حماسه.
آنت أعرف ذلك عندما يسألني في آخر مكالمته:
- متى ستأتي يا خالد؟
أشعر عندئذٍ أنه باخرة تغرق، وتبعث إشارة ضوئية تطلب النجدة مني.
ي 􀑧 اقي أنن 􀑧 ي أعم 􀑧 رف ف 􀑧 ت أع 􀑧 ادم . وآن 􀑧 يف الق 􀑧 وبرغم ذلك، آنت أسايره فقط، وأعده آل مرة أنني قد أزوره في الص
أآذب، وأنني قطعت الجسور مع الوطن حتى إشعارٍ آخر.
207
اً 􀑧 ن ممكن 􀑧 م يك 􀑧 رعة ل 􀑧 اآس، وبس 􀑧 اه المع 􀑧 ي الاتج 􀑧 ير ف 􀑧 ار يس 􀑧 ان القط 􀑧 في الواقع، أصبحت عندي قناعة بانعدام الأمل. آ
معها أن نفعل شيئاً.. أي شيء، غير الذهول وانتظار آارثة الاصطدام.
وآنت أحزم حقائب القلب.. وأمضي دون أن أدري في اتجاهٍ آخر أيضاً، في الاتجاه المعاآس للوطن.
رحت أؤثث غربتي بالنسيان. أصنع من المنفى وطناً آخر لي، وطناً ربما أبدياً، عليّ أن أتعوّد العيش فيه.
ت 􀑧 ي آان 􀑧 الم ا لت 􀑧 ل المع 􀑧 ع آ 􀑧 و .. م 􀑧 ر ميراب 􀑧 ع جس 􀑧 ين .. م 􀑧 ر الس 􀑧 ع نه 􀑧 ة م 􀑧 بدأت أتصالح مع الأشياء. أقمت علاقات طبيعي
تقابلني من تلك النافذة، والتي آنت أعيش في معاداةٍ لها دون سبب.
ك 􀑧 ر، وأقتل 􀑧 رة أآث 􀑧 ل م 􀑧 هن آ 􀑧 ت أدهش 􀑧 اخترت لي أآثر من عشيقة عابرة. أثثت سريري بالملذّات الجنونية.. بنساء آن
بهن آل مرة أآثر، حتى لم يبق شيء منكِ في النهاية.
نسي هذا الجسد شوقه لك، نسي تطرّفه وحماقاته وإضرابه عن آل لذة ما عدا لذّتك الوهمية.
تعمدت أن أفرغ النساء من رموزهن الأولى.
من قال إن هناك امرأة منفى، وامرأة وطناً، فقد آذب..
ر .. 􀑧 د لا أآث 􀑧 ق واح 􀑧 لا مساحة للنساء خارج الجسد. والذاآرة ليست الطريق الذي يؤدي إليهن. في الواقع هنالك طري
يمكنني أن أجزم اليوم بهذا!
اآتشفت شيئاًً لا بد أن أقوله لك اليوم..
م 􀑧 الرغبة محض قضية ذهنية. ممارسة خيالية لا أآثر. وهمٌ نخلقه لحظة جنون نقع فيها عبيداً لشخص واحد، ونحك
عليه بالروعة المطلقة لسبب غامض لا علاقة له بالمنطق.
رغبة تولد هكذا من شيء مجهول، قد يعيدنا إلى ذآرى أخرى ..لعطر رائحةٍ أخرى.. لكلمة، لوجهٍ آخر..
ا 􀑧 للت إليه 􀑧 رغبة جنونية تولد في مكان آخر خارج الجسد، من الذاآرة أو ربما من اللاشعور، من أشياء غامضة تس
أنتِ ذات يوم، وإذا بك الأروع، وإذا بك الأشهى، وإذا آل النساء أنتِ.
أفهمت لماذا قتلتك تلقائياً يوم قتلت قسنطينة في داخلي؟
ولم أعجب يومها وأنا أرى جثتك ممدة في سريري.
لم تكونا في النهاية سوى امرأة واحدة.
ك 􀑧 ررت أن أدفن 􀑧 ي ق 􀑧 ط، وأنن 􀑧 ل فق 􀑧 ي القت 􀑧 ك ف 􀑧 ستقولين: لماذا آتبت لي هذا الكتاب إذن؟ وسأجيبك أنني أستعير طقوس
في آتاب لا غير.
د 􀑧 ذ بُعْ 􀑧 دما يأخ 􀑧 ة عن 􀑧 اً، خاص 􀑧 ة أيض 􀑧 ة آريه 􀑧 وت، رائح 􀑧 د الم 􀑧 ب بع 􀑧 ا. فللح 􀑧 ي قلبن 􀑧 ا ف 􀑧 تفظ به 􀑧 ب ألا نح 􀑧 ث يج 􀑧 اك جث 􀑧 فهن
الجريمة.
تحق 􀑧 ماء لا تس 􀑧 ك أس 􀑧 م . هنال 􀑧 لا اس 􀑧 ك ب 􀑧 لاحظي أنني لم أذآر اسمك مرة واحدة في هذا الكتاب. قررت هكذا أن أترآ
الذآر.
وربما آان لها اسم آخر.. فهل مهم اسمك حقاً؟ ،« حياة » لنفترض أنك امرأة آان اسمها
208
وطن 􀑧 ذا ال 􀑧 وحدها أسماء الشهداء غير قابلة للتزوير، لأن من حقهم علينا أن نذآرهم بأسمائهم آاملة. آما من حق ه
علينا أن نفضح من خانوه، وبنوا مجدهم على دماره، وثروتهم على بؤسه، مادام لا يوجد هناك من يحاسبهم.
وأدري.. ستقول إشاعة ما إن هذا الكتاب لك. أؤآد لك سيدتي تلك الإشاعة.
ه 􀑧 م ل 􀑧 ل لا عل 􀑧 ذيان رج 􀑧 ا ه 􀑧 ة، وإنم 􀑧 يس رواي 􀑧 اب ل 􀑧 ذا الكت 􀑧 رى، إن ه 􀑧 سيقول نقّادٌ يمارسون النقد تعويضاً عن أشياء أخ
بمقاييس الأدب.
ك 􀑧 أؤآد لهم مسبقاً جهلي، واحتقاري لمقاييسهم. فلا مقياس عندي سوى مقياس الألم، ولا طموح لي سوى أن أدهش
أنتِ، وأن أبكيك أنت، لحظة تنتهين من قراءة هذا الكتاب..
فهناك أشياءٌ لم أقلها لك بعد.
اقرئي هذا الكتاب ..وأحرقي ما في خزانتك من آتبٍ لأنصاف الكتّاب، وأنصاف الرجال، وأنصاف العشاق.
م 􀑧 دوا وزنه 􀑧 و ا.. دون أن يفق 􀑧 من الجرح وحده يولد الأدب. فليذهب إلى الجحيم آل الذين أحبوك بتعقّل، دون أن ينزف
ولا اتزانهم..
تصفّحيني بشيءٍ من الخجل.. آما تتصفّحين ألبوم صور مصفرّة، لطفلة آانت أنتِ.
آما تطالعين قاموساً لمفردات قديمة معرّضة للانقراض والموت.
آما تقرأين منشوراً سرياً، عثرت عليه يوماً في صندوق بريدك.
افتحي قلبك.. واقرأيني.
آنت يوماً أريد أن أحدثك عن سي الطاهر وعن زياد وعن آخرين.. عن آل ما آنت تجهلين.
ولكن مات حسان.. ولم يعد اليوم وقت للحديث عن الشهداء.. أصبح آل واحد منا مشروع شهيد.
ولم يبق لي ما يمكن أن أهديكِ اليوم. .« الغزلان لا تكون غزلاناً إلا عندما تكون حيّة » . يحزنني ألا أهبك غزالة
ا 􀑧 ام فيه 􀑧 ة ين 􀑧 رة جماعي 􀑧 ى مقب 􀑧 ب إل 􀑧 ول القل 􀑧 أخرى . وتح 􀑧 لقد أخذت مني آل من أحببت، الواحد بعد الآخر، بطريقة أو ب
دون ترتيب آل من أحببت. وآأن قبر (أمّا) قد اتسع ليضمهم جميعاً.
ولم أعد أنا سوى شاهد قبر لسي الطاهر.. لزياد ولحسان. شاهد قبر للذاآرة.
آنت أدري الكثير عن حماقة القدر، الكثير عن ظلمه وعن عناده، عندما يصرّ على ملاحقة أحد.
ولكن أآان يمكن لي أن أتوقع أن شيئاً آذلك يمكن أن يحدث؟
ت 􀑧 ي تل 􀑧 نوات الت 􀑧 ك الس 􀑧 ر، وتل 􀑧 ذا العم 􀑧 د ه 􀑧 ي بع 􀑧 ان ل 􀑧 آنت اعتقد أنني دفعت لهذا القدر الأحمق ما فيه الكفاية، وأنه ح
فجيعة زياد، وفجيعة زواجك، أن أرتاح أخيراً.
احة 􀑧 ي س 􀑧 ان ف 􀑧 ة، ولا آ 􀑧 ي جبه 􀑧 ان ف 􀑧 ق . لا آ 􀑧 ن منط 􀑧 فكيف عاد القدر اليوم ليأخذ مني أخي، أخي الذي لم يكن لموته م
قتال ليموت ميتة سي الطاهر، وميتة زياد، رمياً بالرصاص.. أيضاً.
***
209
ه 􀑧 ذي تخفي 􀑧 ة ال 􀑧 وت عتيق 􀑧 وش، وص 􀑧 اتفي مش 􀑧 ط ه 􀑧 ا خ 􀑧 اعقة يحمله 􀑧 ذا ص 􀑧 ه هك 􀑧 ر موت 􀑧 اء خب 􀑧 ذات يوم من أآتوبر 88 ، ج
الدموع.
ظلت تجهش بالبكاء وتردد اسمي، وأنا أسألها مفجوعاً:
«؟.. واش صار » -
ا 􀑧 ابق بنقله 􀑧 ية تتس 􀑧 ار الفرنس 􀑧 رات الأخب 􀑧 د ونش 􀑧 ت الجرائ 􀑧 ي آان 􀑧 بلاد، والت 􀑧 زّت ال 􀑧 ي ه 􀑧 داث الت 􀑧 ك الأح 􀑧 م بتل 􀑧 آنت على عل
مصورة، مفصلة، مطوّلة، باهتمام لا يخلو من الشماتة.
ع 􀑧 ي أن أتوقّ 􀑧 ن ل 􀑧 آنت أعرف تفاصيلها، وأدري أنها مازالت وهي في يومها الثاني مقتصرة على العاصمة. فمن أي
الذي حدث؟
آان صوت عتيقة يردد مقطّعاً:
- قتلوه.. آ خالد.. يا وخيدتي قتلوه..
وصوتي يردد مذهولاً:
- آيفاش.. آيفاش قتلوه؟
آيف مات حسان؟
هل مهمٌ السؤال، وموته آان أحمق آحياته، ساذجاً آأحلامه.
أقرأ آل الجرائد لأفهم آيف مات أخي، بين الحلم والحلم.. بين الوهم والوهم.
هناك، هو الذي لم يزر العاصمة إلا نادراً. « جماعة » ما الذي ذهب به إلى العاصمة ليقابل
ذهب هكذا في نهاية أسبوع.. ليبحث عن نهايته.
ضاقت به قسنطينة، ولم توصله جسورها الكثيرة إلى شيء.
.«! ستوصلك الطرق القصيرة هناك.. ولن توصلك الجسور هنا .« خيوط » في العاصمة ستكون لك » : قالوا له
آخر.. « فلان » من قبل « فلاناً » صدّق حسان، وذهب إلى العاصمة ليقابل
لك 􀑧 اً س 􀑧 ادر نهائي 􀑧 دخلات، ويغ 􀑧 اطات والت 􀑧 ن الوس 􀑧 نوات م 􀑧 دة س 􀑧 د ع 􀑧 وآان مقرراً أن تحل قضيته أخيراً هذه المرة، بع
التعليم، لينتقل إلى العاصمة ويعيّن موظفاً في مؤسسة إعلامية.
هذه المرة. « ملفه » ولكن القدر هو الذي حسم
مات حسان، خطأً برصاصةٍ خاطئة، على رصيف الحلم. « فلان » و « فلان » بين
فالحلم ليس في متناول الجميع أخي.. آان عليك ألا تحلم!
ا 􀑧 رد به 􀑧 ة، لأ نف 􀑧 ائع المذهل 􀑧 ذه الفج 􀑧 ل ه 􀑧 ي آ 􀑧 ار ل 􀑧 ولهذا اختارني أنا، واخت « إن الشقاء يعرف آيف يختار صفاته » أحقاً
وحدي.
أنا الذي لم أآن أحلم سوى بأن أهبك غزالة..
آيف لي أن أفعل ذلك.. وأنت تهبينني آل هذا الدمار.. آل هذا الخراب؟
***
210
ويعود فجأةً، حديثٌ قديم بيننا إلى البال.
ذي 􀑧 الرجل ال .« زوربا » حديث مرّت عليه اليوم ست سنوات. في ذلك الزمن الذي آنت تجدين فيه شبهاً بيني وبين
أحببته الأآثر حسب تعبيرك، والذي آنتِ تحلمين بكتابة رواية آروايته، أو حب رجل مثله.
ن 􀑧 فى م 􀑧 م أن أش 􀑧 ه أتعل 􀑧 ي مثل 􀑧 ترى لأنك آنت عاجزة عن آتابة رواية آتلك، اآتفيت بتحويلي إلى نسخة منه، وجعلتن
الأشياء التي أحبها بأآلها حتى التقيؤ..
جعلتني أعشق الخراب الجميل، وأتعلم آطائر يُذبح أن أرقص من ألمي..
ها هوذا الخراب الجميل، الذي حدّثتني عنه يوماً بحماسٍ مدهش لم يثر شكوآي، يوم قلتِ:
ي 􀑧 زائم ف 􀑧 ل اله 􀑧 ت آ 􀑧 اً. فليس 􀑧 زائم أيض 􀑧 ات واله 􀑧 ي الخيب 􀑧 ز ف 􀑧 ه تميّ 􀑧 رقص . إن 􀑧 د ال 􀑧 ه ح 􀑧 ان بفجائع 􀑧 ل الإنس 􀑧 دهش أن يص 􀑧 م»
ى 􀑧 ك إل 􀑧 ك تل 􀑧 ل بعواطف 􀑧 ادة، لتص 􀑧 وق الع 􀑧 ات ف 􀑧 راح وطموح 􀑧 ادة، وأف 􀑧 وق الع 􀑧 لام ف 􀑧 متناول الجميع. لا بد أن تكون لك أح
.«.. ضدها بهذه الطريقة
آه سيدتي لو تدرين!
آم آانت أحلامي آبيرة. وما أفظع هذا الخراب الذي تتسابق قنوات التلفزيون على نقله اليوم!
ما أفظع هذا الدمار، وما أحزن جثة أخي الملقاة على رصيف، يخترقها رصاص طائش!
ما أحزن جثته، وهي تنتظرني الآن في ثلاجة الموتى لأتعرف عليه، وأرافقه جثماناً إلى قسنطينة.
ها هي ذي قسنطينة مرة أخرى..
تلك الأم الطاغية التي تتربص بأولادها، والتي أقسمت أن تعيدنا إليها ولو جثة.
ها هي قد هزمتنا، وأعادتنا إليها معاً. في تلك اللحظة التي اعتقدنا فيها أننا شفينا منها، وقطعنا معها صلة الرحم.
لا حسان سيغادرها إلى العاصمة.. ولا أنا سأقدر على الهرب منها بعد اليوم..
ها نحن نعود إليها معاً..
أحدنا في تابوت.. والآخر أشلاء رجل.
وقع حكمك عليّ أيتها الصخرة.. أيتها الأم الصخرة..
هدائك، 􀑧 الحين، وش 􀑧 ك الص 􀑧 وار أوليائ 􀑧 غيراً ج 􀑧 اً ص 􀑧 ه مكان 􀑧 حي ل 􀑧 أخي ..افس 􀑧 آتيك ب 􀑧 ي. س 􀑧 ابرك، وانتظرين 􀑧 رعي مق 􀑧 فأش
وباياتك.. آان حسان آل هذا على طريقته.
آان غزالاً..
في انتظار ذلك.. تعالي سيدتي وتفرّجي على آل هذا الخراب الجميل!
فبعد قليل سيحضر زوربا ليمسك بكتفي ولنبدأ الرقص معاً.
تعالي..
لا بد ألا تخلفي هذا المشهد، سترين آيف يرقص الأنبياء عندما يفلسون حقاً.
تعالي.. سأرقص اليوم آما لم أرقص يوماً، آما اشتهيت أن أرقص في عرسك ولم أفعل..
سأقفز وآأن جناحينْ قد التصقا بقدمي فجأة، وآأن ذراعي المفقودة قد نبتت من جديد لتصبح ذراعي.
211
.« عيساوة » تعالي.. وليعذرني أبي الذي لم أشارآه يوماً في طقوس
اور 􀑧 ذي يج 􀑧 م ال 􀑧 وة الأل 􀑧 ر .. بنش 􀑧 ى آخ 􀑧 رف إل 􀑧 ن ط 􀑧 ده م 􀑧 ي جس 􀑧 فود ف 􀑧 ك الس 􀑧 في حفل جذبه ورقصه الجنوني، وغرسه ذل
اللذة.
للحزن أآثر من طقس، وليس للألم وطن على التحديد. فليعذرني الأنبياء والأولياء الصالحون!
ليعذروني جميعاً. لا أدري ماذا يفعل الأنبياء بالتحديد عندما يحزنون، ماذا يفعلون في زمن الردّة؟
هل يبكون أم يصلّون؟
أنا قررت أن أرقص. الرقص تواصل أيضاً. الرقص عبادة أيضاً..
فانظر أيها الأعظم.. بذراع واحدة سأرقص لك.
ما أصعب الرقص بذراعٍ واحدة يا ربي! ما أبشع الرقص بذراعٍ واحدة يا ربي! ولكن..
ستعذرني أنت الذي أخذت ذراعي الأخرى.
ستعذرني ..أنت الذي أخذتهم جميعاً.
ستعذرني.. لأنك ستأخذني أيضاً!
هادة 􀑧 تلاك ش 􀑧 رح ام 􀑧 ائبنا ف 􀑧 دل مص 􀑧 هل المؤمن مصابٌ حقاً؟.. أن ترى تلك مقولة خلقت لتعلمنا الصبر فقط، لتبيعنا ب
بالتقوى؟
فليكن..
شكراً لك أيها الأعظم، أنت الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
أنت الذي لا تخصّ بمصابك سوى المؤمنين من عبادك ..والأتقياء منهم.
اعترف أنني لم أآن احلم بشهادة حسن سلوك آهذه!
أفرغ منك سيدتي وأمتلئ لحناً يونانياً.
نحوي، دعوة للجنون المتطرف. « زوربا » تتقدم موسيقى
ذ 􀑧 ث، يأخ 􀑧 راب والجث 􀑧 ط الخ 􀑧 وم وس 􀑧 ادم الي 􀑧 تأتي على شريط تعودت الاستماع إليه بمتعة غامضة. وإذا بذلك اللحن الق
فجأةً بُعده الأول الحقيقي.
.«.. هيا زوربا.. دربني على الرقص » فأنتفض فجأة من أريكتي وهو يفاجئني، وأصرخ آما في تلك القصة
الذي جعلتنا نشتهيه. لم أآن أعتقد أن يكون بشعاً إلى هذا الحد.. موجعاً إلى هذا الحد! « الخراب الجميل » ها هوذا
تزحف موسيقى تيودراآيس نحوي. وتخترقني نغمة.. نغمة. جرحاً.. جرحاً.
بطيئة.. ثم سريعة آنوبة بكاء.
خجولة.. ثم جريئة آلحظة رجاء.
حزينة.. ثم نشوى آتقلبات شاعرٍ أمام آأس.
مترددة.. ثم واثقة آأقدام عسكر.
فأستسلم لها. أرقص آمجنون في غرفة شاسعة، تؤثثها اللوحات والجسور.
212
ة 􀑧 نطينة الخمس 􀑧 ور قس 􀑧 ا جس 􀑧 وأقف أنا وسطها وآأنني أقف على تلك الصخرة الشاهقة، لأرقص وسط الخراب، بينم
تتحطم وتتدحرج أمامي حجارة نحو الوديان.
إيه زوربا!
تزوجت تلك المرأة التي آنت أحبها، وآانت تحبك أنت. وآنت أريد أن أجعلها نسخة مني، فجعلتني نسخة منك.
ع 􀑧 ان يتوق 􀑧 ه آ 􀑧 ا لأن 􀑧 ا، وربم 􀑧 ومات زياد.. ذلك الصديق الذي اشترى هذا الشريط لأنه ربما آان يحبك أيضا من أجله
لي يوماً آهذا، ويعدُّ لي على طريقته آل تفاصيل حزني القادم.
وربما يكون تلقّاه هدية منها.. وورثته أنا في جملة ما أورثني من أحزان.
ومات حسان.. أخي الذي لم يكن يهتم آثيراً بالإغريق، وبالآلهة اليونانية.
آان له إله واحد فقط، وبعض الأسطورات القديمة.
مات ولا حب له سوى الفرقاني.. وأم آلثوم.. وصوت عبد الباسط عبد الصمد.
ولا حلم له سوى الحصول على جواز سفر للحج.. وثلاجة.
لقد تحققت نصف أحلامه أخيراً. لقد أهداه الوطن ثلاجة ينتظرني فيها بهدوء آعادته، لأشيعه هذه المرة إلى مثواه
الأخير.
لو عرفك، ربما لم يكن ليموت تلك الميتة الحمقاء.
لو قرأك بتمعّن، لما نظر إلى قاتليه بكل الانبهار، لما حلم بمنصب في العاصمة، بسيارة وبيت أجمل..
لبصق في وجه قاتليه مسبقاً.. لشتمهم آما لم يشتم أحداً، لرفض أن يصافحهم في ذلك العرس، لقال:
ئتم .. 􀑧 ا ش 􀑧 وتكم بم 􀑧 وا بي 􀑧 أيها القوّادون.. السراقون.. القتلة. لن تسرقوا دمنا أيضاً. املأوا جيوبكم بما شئتم. أثث » -
ذا 􀑧 نعمّر ه 􀑧 ا س 􀑧 نطاردآم .. بهم 􀑧 ا س 􀑧 بكم .. بهم 􀑧 وحساباتكم بأية عملة شئتم.. سيبقى لنا الدم والذاآرة. بهما سنحاس
.« الوطن.. من جديد
آه زوربا.. مات زياد وها هوذا حسان يموت غدراً أيضاً.
آه لو تدري يا صديقي، لم يكن أحدهما ليستحق الموت.
آان حسان نقياً آزئبق، وطيباً حد السذاجة. آان يخاف حتى أن يحلم، وعندما بدأ يحلم قتلوه.
و 􀑧 كر .. ل 􀑧 ي .. يس 􀑧 ن .. يبك 􀑧 وآان زياد.. آه آان يشبهك بعض الشيء. لو رأيت ضحكته، لو سمعته يتحدث.. يكفر.. يلع
عرفتهما، لرقصت.. حزناً عليهما الليلة آما لم ترقص من قبل.
اهن 􀑧 ت الك 􀑧 د أن لعن 􀑧 ة، بع 􀑧 ك الرواي 􀑧 ي تل 􀑧 ولكن لا يهم.. أدري بأنك أنت أيضاً لن تحضر الليلة. ربما لأنك متّ، آما ف
الذي جاء ليناولك القربان المقدس قبل الموت..
ة 􀑧 ن خراف 􀑧 ه ع 􀑧 ون في 􀑧 اس يبحث 􀑧 ان الن 􀑧 زمن آ 􀑧 ي ل 􀑧 ل خراف 􀑧 ك بط 􀑧 ذه الأرض . لأن 􀑧 ى ه 􀑧 داً عل 􀑧 أو ربما لأنك لم توجد يوماً أب
آهذه. عن آلهة إغريقية جديدة، تعلّمهم الجنون والتحدي.. وعبثية الحياة.
فهل مهم أن تتغيب الليلة، آما تغيبوا جميعاً؟
لن أعتب عليك يا صديقي. أنت لست مسؤولاً في النهاية عن آل ما يمكن أن يرتكب من حماقات بسبب رواية!
213
ولكن أجبني فقط.. أنت الذي قتلت من الأتراك، وقتلوا من رفاقك الكثيرين. هل هناك من فرقٍ بين القتلة؟
على يد الفرنسيين مات سي الطاهر.. وعلى يد الإسرائيليين مات زياد.. وها هو حسان يموت على يد الجزائريين
اليوم.
فهل هناك درجات في الاستشهاد؟ وماذا لو آان الوطن هو القاتل والشهيد معاً؟
فكم من مدينة عربية دخلت التاريخ بمذابحها الجماعية، ومازالت مغلقة على مقابرها السرية!
آم من مدينة عربية أصبح سكانها شهداء.. قبل أن يصبحوا مواطنين!
فأين تضع آل هؤلاء.. في خانة ضحايا التاريخ، أم في خانة الشهداء؟
وما اسم الموت عندما يكون بخنجرٍ عربي!
***
ما آادت آاترين تراني في ذلك الصباح حتى صاحت:
- إن لك وجه رجل يستيقظ من ليلة سكر!
ثم أضافت بشيءٍ من السخرية والتلميح الواضح:
- ماذا فعلت أمس أيها الشقي، لتكون في هذه الحالة؟
قلتُ:
- لا شيء.. ربما لم أنم فقط!
قالت وهي تلقي نظرة على الصالون، وتبحث بفضول امرأة عن آثار تدلها على نوعية من قضيت معهم السهرة:
- هل استقبلت أصدقاء أمس؟
ابتسمت لسؤالها، شعرت برغبة في أن أجيبها: نعم.
يحدث للحزن عندما يجاور الجنون، أن يبدأ هكذا في السخرية من نفسه..
واصلَتْْ:
- وهل قضوا الليلة هنا؟
قلتُ:
- لا ..رحلوا..
أضفتُ بعد شيء من الصمت:
- أصدقائي يرحلون دائماً!
ين 􀑧 ة، والحقيبت 􀑧 ى الغرف 􀑧 وربما لم يقنعها آلامي، أو زاد في فضولها فقط. فراحت تواصل بعينيها البحث وسط فوض
المفتوحتين في الصالون عن شيء ما.
ان 􀑧 اد وحس 􀑧 ار زي 􀑧 ف آث 􀑧 اترين أن تكتش 􀑧 ان آ 􀑧 ي إمك 􀑧 ن ف 􀑧 م يك 􀑧 ذا ل 􀑧 ادهن، ول 􀑧 ن أجس 􀑧 د م 􀑧 رين أبع 􀑧 ا: لا ي 􀑧 ذا دائم 􀑧 اء هك 􀑧 النس
وزوربا.. في ذلك البيت.
في الحقيقة.. لقد آانت آاترين دائماً تعيش على هامش حزني.
214
ولا ربما اقتنعت دون آثير من الكلام أنني أستيقظ من ليلة حب.
سألتني وآأنها لا تجد فجأة مبرراً لوجودها عندي في تلك اللحظة:
- لماذا طلبتني على عجل؟
قلتُ:
- لأسباب آثيرة..
ثم أضفتُ فجأة:
- آاترين.. هل تحبين الجسور؟
قالت بنبرة لا تخلو من التعجب:
- لا تقل لي إنك أحضرتني في هذا الصباح لتطرح علي هذا السؤال!
قلتُ:
- لا.. ولكن أود لو أجبتني عليه.
قالت:
اريس 􀑧 دا ب 􀑧 ا ع 􀑧 ا. م 􀑧 ور فيه 􀑧 دن لا جس 􀑧 ي م 􀑧 - لا أدري.. أنا لم أسأل نفسي سؤالاً آهذا قبل اليوم. لقد عشت دائماً ف
ربما..
قلتُ:
- لا يهم.. فأنا أفضّل في النهاية ألا تحبيها. يكفي أن تحبي رسمي..
أجابت:
- طبعاً أحب ما ترسمه.. لقد راهنت دائماً على أنك رسام استثنائي..
قلتُ:
- فليكن إذن.. آل هذه اللوحات لك.
صاحت:
- أأنت مجنون؟ آيف تهبني آل هذه اللوحات؟ إنها مدينتك.. قد تحنّ إليها يوماً.
قلتُ:
ا 􀑧 ن، وأنه 􀑧 دّرين الف 􀑧 ك تق 􀑧 ي أدري أن 􀑧 ك، لأنن 􀑧 ا ل 􀑧 ا. أهبه 􀑧 - لم يعد هناك من ضرورة للحنين بعد اليوم، أنا عائد إليه
معك لن تضيع..
قالت آاترين وصوتها يأخذ نبرة جديدة لحزن وفرح غامض:
- سأحتفظ بها جميعاً.. فلم يحدث لرجل أن أهداني يوماً شيئاً آهذا..
قلتُ وأنا ألقي نظرة أخيرة على جسدها المختبئ دائماً تحت الأثواب الخفيفة الفضفاضة:
- ولم يحدث لامرأة قبلك أن منحتني غربة أشهى..
قالت:
215
- أخاف أن تندم يوماً وتشتاق إلى إحدى هذه اللوحات.. اعلم أنك ستجدها دائماً عندي.
قلتُ:
- ربما سيحدث ذلك.. فنحن في جميع الحالات نندم على شيء ما..
تقاطعني وآأنها اآتشفت جدّية الموقف:
لا يمكن أن نفترق هكذا! Mais ce n'est pas possible .. -
نا 􀑧 ب بعض 􀑧 اً.. ولا نح 􀑧 ض تمام 􀑧 ن بع 􀑧 بع م 􀑧 اريخ ألا نش 􀑧 ا الت 􀑧 م علين 􀑧 د حك 􀑧 وع . لق 􀑧 ى ج 􀑧 - أوُ آاترين.. دعينا نفترق عل
و 􀑧 ى ول 􀑧 ي، حت 􀑧 درانك ذاآرت 􀑧 ى ج 􀑧 ي عل 􀑧 ي .. علّق 􀑧 خة من 􀑧 ن نس 􀑧 ر م 􀑧 وم أآث 􀑧 ين الي 􀑧 ك تملك 􀑧 تماما.. لأآثر من سبب. إن
آانت ذاآرة مضادة.. لقد آنت أيضاً طرفاً فيها!
لا تفهم آاترين لماذا آل هذه الرموز اليوم.
ولماذا هذا الحديث الغامض الذي لم أعوّدها عليه؟
ي 􀑧 ف فرنس 􀑧 دها موظ 􀑧 اً. جس 􀑧 وع د ائم 􀑧 ن الموض 􀑧 رج ع 􀑧 دها يخ 􀑧 م . جس 􀑧 رفض أن يفه 􀑧 ان ي 􀑧 دها آ 􀑧 ن جس 􀑧 وربما فهمت، ولك
يحتج دائما. يطالب دائماً بالمزيد.. يفرط في حرية التعبير، في حرية الإضراب.
ولكن..
من أين سآتي بالكلمات التي ستشرح لها حزني؟
ة، 􀑧 من أين سآتي بالصمت الذي سيقول لها دون أن أقول شيئاً، إن حسان هناك في مدينة أخرى، ينتظرني في ثلاج
وأن أولاده الستة لم يعد لهم غيري.
داها 􀑧 ت ي 􀑧 ا راح 􀑧 اعات، وآلم 􀑧 ي الس 􀑧 دمت ب 􀑧 آيف أشرح لها سر قدميّ الباردتين، والصقيع الذي يزحف نحوي آلما تق
تفتحان أزرار قميصي دون انتباه.. بحكم العادة.
- آاترين.. ليس لي شهية للحب، اعذريني..
- وماذا تريد إذن؟
- أريد أن تضحكي آالعادة.
- لماذا أضحك؟
- لأنك عاجزة عن الحزن.
- وأنتَ؟
- وأنا سأنتظر أن تذهبي لأحزن. حزني مؤجل فقط آالعادة..
- ولماذا تقول لي هذا اليوم.؟
- لأنني متعب.. ولأنني سأرحل بعد ساعات..
- ولكن لا يمكنك أن تسافر. لقد ألغوا آل الرحلات إلى الجزائر..
- سأذهب، وأنتظر في المطار أول طائرة تقلع. لا بد أن أسافر اليوم أو غداً. هناك من ينتظرني..
216
ى أن 􀑧 ة إل 􀑧 ي حاج 􀑧 ت ف 􀑧 د آن 􀑧 اء . فق 􀑧 ش بالبك 􀑧 وأجه «.. اترين 􀑧 ا آ 􀑧 لقد مات أخي.. أخي الوحيد ي » : آان يمكن أن أقول لها
أبكي أمام أحدٍ يومها.
ولكن لم أآن قادراً على ذلك معها. لعلها عقدة قديمة ..فالحزن قضية شخصية، قضية أحياناً وطنية..
يس 􀑧 ن ل 􀑧 ذلك . ولك 􀑧 أخبرها ب 􀑧 ر س 􀑧 وم آخ 􀑧 ولذا احتفظت بجرحي داخلي. وقررت أن أواصل حديثي آالعادة. لعلني في ي
اليوم. الصمت اليوم أآبر.
شعرت فجأة أنني أسأت للفراشات.
قلت:
د 􀑧 ك . لق 􀑧 رغم ذل 􀑧 ة ب 􀑧 ا جميل 􀑧 يء .. ولكنه 􀑧 ض الش 􀑧 دة بع 􀑧 ت معق 􀑧 ذلك؟ آان 􀑧 - آاترين.. لقد آانت قصتنا جميلة، أليس آ
ل 􀑧 زت آ 􀑧 ا عج 􀑧 ق م 􀑧 ي تحقي 􀑧 آنت المرأة التي آانت دائماً، على وشك أن تكون حبيبتي. وربما سينجح الفراق ف
سنوات القرب هذه من تحقيقه..
- هل ستحبني عندما نفترق؟
ي 􀑧 د ل 􀑧 ادة . ولا ب 􀑧 ن ع 􀑧 ر م 􀑧 ك أآث 􀑧 - لا أدري.. من المؤآد أنني سأفتقدك آثيراً. إنه منطق الأشياء. لقد آان لي مع
بعد اليوم أن أغيّر عاداتي..
- وهل ستعود؟
ر 􀑧 - ليس قبل مدة طويلة.. لا بد أن أتعلم الآن الوجه الآخر للنسيان. الغربة أمّ أيضاً ليس سهلاً أن نجتاز الجس
الذي سيفصلنا عنها..
- خالد.. لماذا تحيط نفسك بكل هذه الجسور؟
ين 􀑧 الم ب 􀑧 ى الع 􀑧 اؤوا إل 􀑧 ق. ج 􀑧 ر معلّ 􀑧 ى جس 􀑧 ذ ا عل 􀑧 - أنا لا أحيط نفسي بها.. أنا أحملها داخلي. هناك أناس ولدوا هك
ين 􀑧 الحوا ب 􀑧 اولون أن يص 􀑧 م يح 􀑧 روا وه 􀑧 رصيفينْ وطريقينْ وقارّتينْ. وُلِدوا وسط مجرى الرياح المضادة، وآب
ور . 􀑧 ب الجس 􀑧 ي لا أح 􀑧 فت أنن 􀑧 رّ. اآتش 􀑧 ك بس 􀑧 الأضداد داخلهم. ربما آنت من هؤلاء.. في الحقيقة دعيني أبوح ل
ذه 􀑧 ل ه 􀑧 ك آ 􀑧 ت ل 􀑧 ذا ترآ 􀑧 دان. وله 􀑧 الان، وض 􀑧 ان، واحتم 􀑧 ان، ووجهت 􀑧 ه طرف 􀑧 يء ل 􀑧 ل ش 􀑧 ي لك 􀑧 ا آراهيت 􀑧 وأآرهه
اللوحات.
ه 􀑧 ار لباخرت 􀑧 راق بحّ 􀑧 ا لأن إح 􀑧 اد . ربم 􀑧 ن زي 􀑧 ارق ب 􀑧 جاعة ط 􀑧 آنت أود إحراقها، راودتني هذه الفكرة. ولكن لست في ش
في معرآة حربية، يظلّ أسهل من إحراق رسام للوحاته في لحظة جنون..
وبرغم ذلك، أريد أن أحرقها حتى أقطع على قلبي طريق العودة إلى الخلف.
لا أريد أن أقضي حياتي، وأنا أسلك هذا الجسر في الاتجاهين.
أريد أن أختار لقلبي مسقطه الأخير..
ل، 􀑧 ك ا لجب 􀑧 أريد أن أعود إلى تلك المدينة الجالسة فوق صخرة، وآأنني أفتحها من جديد. آما فتح طارق بن زياد ذل
ومنحه اسمه..
217
ارج 􀑧 تفهام، خ 􀑧 ..منذ غادرتها أضعت بوصلتي. قطعت علاقتي بالتاريخ وبالجغرافية .ووقفت سنوات على نقطة اس
خطوط الطول والعرض.
أين يقع البحر وأين يقف العدوّ؟ أيهما أمامي وأيهما ورائي؟
ولا شيء وراء البحر سوى الوطن.. ولا شيء أمامي سوى زورق الغربة.. ولا شي بينهما سواي..
على من أعلن الحرب ولا شيء حولي سوى الحدود الإقليمية للذاآرة؟
نظرت إليّ آاترين، ولم تفهم شيئاً..
نا 􀑧 لقد آانت علاقتنا دائماًً ضحية سوء فهم وقصر نظر. فافترقنا آما التقينا منذ أآثر من قرن، دون أن نعرف بعض
حقاً.. دون أن نحب بعضنا تماماً.. ولكن دائماً بتلك الجاذبية الغامضة نفسها.
***
وقلتِ:
.« الحب هو ما حدث بيننا.. والأدب هو آل ما لم يحدث »
نعم ولكن..
بين ما حدث وما لم يحدث، حدثت أشياء أخرى، لا علاقة لها بالحب ولا بالأدب.
فنحن في النتيجة، لا نصنع في الحالتين سوى الكلمات. ووحده الوطن يصنع الأحداث. ويكتبنا آيفما شاء.. مادمنا
حبره.
غادرت الوطن في زمن لحظر التنفس.. وها أنا أعود إليه مذهولاً في زمن آخر لحظر التجول.
نوات 􀑧 ت س 􀑧 ذ س 􀑧 ان من 􀑧 ه حس 􀑧 اً قال 􀑧 داد آلام 􀑧 ة بالح 􀑧 ة الملتحف 􀑧 ك المدين 􀑧 ار تل 􀑧 رة مط 􀑧 ذه الم 􀑧 دي ه 􀑧 ه وح 􀑧 ا أواج 􀑧 ذآر وأن 􀑧 أت
واستوقفتني آلماته دون سبب واضح.
.« إن قسنطينة فرغت من أهلها الأصليين. لقد أصبحوا لا يأتونها سوى في الأعراس و في المآتم » : قال
يذهلني اآتشافي.. ها أنا أصبحت إذن الابن الشرعي لهذه المدينة التي جاءت بي مكرهاً مرتين.
ك 􀑧 ذ ذل 􀑧 ا من 􀑧 تّ أن 􀑧 ا م 􀑧 ع مثلم 􀑧 ي الواق 􀑧 مرة لأحضر عرسك.. ومرة لأدفن أخي .فما الفرق بين الاثنين؟ لقد مات أخي ف
العرس.
قتلتنا أحلامنا..
هو لأنه أصيب بعدوى الأحلام الفارغة الكبيرة.
وأنا لأنني غادرت وهمي.. ولبست نهائياً حداد أحلامي.
ي، 􀑧 ي وجه 􀑧 رخ ف 􀑧 راح يص 􀑧 ي .. ف 􀑧 توقفته ذراع 􀑧 ي ولا اس 􀑧 توقفه حزن 􀑧 م يس 􀑧 يسألني جمرآيّ عصبي في عمر الاستقلال ل
بلهجة من أقنعوه أننا نغترب فقط لنغنى، وأننا نهرّب دائماً شيئاً ما في حقائب غربتنا..
- بماذا تصرّح أنت؟
آان جسدي ينتصب ذاآرة أمامه.. ولكن لم يقرأني.
يحدث للوطن أن يصبح أميّاً.
218
آان آخرون لحظتها يدخلون من الأبواب الشرفيّة بحقائب أنيقة دبلوماسية.
ه 􀑧 ي تجيب 􀑧 ابرة بعين 􀑧 ة مك 􀑧 وآانت يداه تنبشان في حقيبة زياد المتواضعة، وتقعان على حزمة من الأوراق.. فتكاد دمع
لحظتها:
- أصرّح بالذاآرة.. يا ابني..
ولكنني أصمت.. وأجمع مسودّات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة، رؤوس أقلام.. ورؤوس أحلام.
باريس _ تموز 1988
219
على غلاف الكتاب
د في بيروت. ￿ ا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلا ￿ قرأت رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي، وأ
بعد أن فرغت من قراءة الرواية، خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق كسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة
وجسدها يقطُر ماء..
ادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق، فهو ￿ ا￿ روايتها دوختني. وأ
ون مثلي. ولو أن أحداً طلب مني أن أوقع اسمي ￿ ي.. وخارج على القا ￿ ي ، وشهوا ￿ سا ￿ مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وإ
تحت هذه الرواية الإستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة..
ت مث لي تهجم على الورقة البيضاء، بجماليةٍ لا حد ￿ ت أحلام مستغانمي في روايتها (تكَتُبني ) دون أن تدري .. لقد كا ￿ هل كا
لها.. وشراسةٍ لا حد لها.. جنونٍ لا حد له...
الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر الإيديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها،
بيائها وسارقيها.. ￿ وأبطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وأ
هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن
لها أن تنتهي..
وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي : لا ترفع صوتك عالياً .. لأن أحلام إذا سمعت كلا مك
الجميل عنها، فسوف تجُن...
ين!! ￿ أجبته: دعها تجُن.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين!!

النهاية
  #2  
قديم 03-03-2011, 02:26 AM
 
بأنتظار ردودكم:ht:
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
احلام مرعبة (فقط الذين حلمو احلام مرعبة)......ارجو التثبيت راكبة التكسي ومدلعة نفسي تسالي و ألعاب 5 06-12-2016 04:38 AM
الحسد وما ادراك ما الحسد (البافاري) حوارات و نقاشات جاده 3 07-10-2011 03:16 AM
البوم احلام الجديد 2009 اخر ما غنته احلام نغمات لجوالك الاسم النارى أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 04-19-2009 02:13 AM
ارجو الرد بسرعة في المشكلة دي واكون شاكرة جدا اجمل حورية عيون الزوار 1 03-10-2006 02:50 PM


الساعة الآن 10:31 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011