عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > حوارات و نقاشات جاده

حوارات و نقاشات جاده القسم يهتم بالمواضيع الحوارية والنقاشات الجادة والمتنوعة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-14-2010, 02:59 PM
 
Thumbs up حسن الصحبة

إن مما جُبل عليه البشر أن يجدوا هويتهم في البيئة الجغرافية التي فتحوا أعينهم عليها وفي الإلف الأسري، والشمل العشائري، أو القومية التي تقوم مقام العشيرة في المجتمعات المتطورة التي اندمجت وتوارت منها المعالم القبلية. هذا الانتماء الجبلِّي العاطفي العام في البشر قد يبقى عفويا، وقد تلتقطه الحزبية السياسية، فتستثمره وتوجهه وتستنبت منه عصبية خاصة طلائعية، تحافظ على ماض ومجد ضاع، أو تستأنف مطالبة لهدف مرجو، رجعية أو تقدمية، محافظة أو ثورية.
بالانتماء العفوي يتعرف الفرد إلى نفسه، وتتعرف الجماعة إلى نفسها بالتقابل النسبي مع هوية أخرى، مع نفس أخرى، مع قوم آخرين. هذه أسرتي تميزني عن الأسر، هذا وطني بين الأوطان، هذه قوميتي. وبالانتماء الحزبي، ذي التكتل المنظم، والإديولوجية إن كانت، يتعرف الفرد على طموحه المستقبلي، وعلى ماضي مجده، ويتعرف الحزب على ساحة الصراع وما فيها من أضداد. كل ذلك لا يرفع قيمة الإنسان وقيمة المجتمع، عفويا كان أم منظما موجها، أعلى من النسبية بين البشر في التنافس الاقتصادي والسياسي،والوجاهة الاجتماعية والرئاسة والسلطة، وأقصى ما يبلغه هذا الانتماء الطموح إلى الهيمنة على مصير البشرية، والاستعلاء على الجميع. ألمانيا فوق الجميع، هذا كان شعار القومية النازية.
نحن مستقبلا بحول الله بصدد إعادة تنظيم الجماعة نواة الأمة، وإعادة تركيب المجتمع المسلم على قواعد الولاية الجهادية والولاية الإيمانية، والنسبة لله عز وجل . نحن إن شاء الله بصدد إعادة النظم الفتيت لعقد الأمة، ومعنا النموذج الأول، ومعنا كتاب الله عز وجل، وأمامنا القومية الناشئة لا تزال، والناشئ أصلب عودا من الشائخ. أمامنا النداء القومي المتأجج عاطفة وحماسا، حوله يلتم القومي القومي، والقومي الماركسي، والماركسي القومي. والرهان بيننا جبلية الانتماء، والشراكة في نفس الماضي العربي فيما يخص القومية العربية، ذلك الماضي المتألق الذي ننتمي إليه وينتمون، كل من وجهته وحسب تفسيره. والإشكالية التي تنتظر الجواب والحل هي : كيف نجلب جماهير الأمة، المختلفة القوميات، العفوية منها والمنظرة المنظمة، من أحضان الانتماءات النسبية، ليسمعوا نداء الإسلام، ويرتفعوا إلى الانتماء المطلق الذي تدل عليه كلمة : "مسلم" ؟
لقب "مسلم" يضعك مباشرة في مدار آخر غير مدار القومية. أنت مسلم لله. أسلمت له. تنتسب له بالعبودية، وهذا لا يقتلعك طبعا من الانتماءات الأخرى الجبلية والضرورية، إنما يحررك من عبوديتها المعنوية، ويملي إسلامك لله عليها حدودها ووظيفتها .
الجواب على الإشكالية نلتمسه في التربية. لا يطرح في التحزبات السياسية أي مشكل أخلاقي تربوي عقدي كما يطرح في التحزب لله عز وجل. الناس هناك تقتنع بفكر، وتتعهد بانضباط ثوري مهدد، ثم الممارسة وجدليتها .
في التجميع الإسلامي لا تكفي العقيدة والنظرية، لابد من تربية أهم أهدافها وأسبقه رفع همة المؤمن من النسبي إلى المطلق. والأرضية الاجتماعية في غالبية الجماهير طبقات متراكمة على مر التاريخ من عفويات، وفي الطبقة المتعلمة ركام ثقافي فكري العنصر الغالب فيه الوطنية والقومية والأصالة والتحديث والتنمية .
تتضاعف الصعوبة أمامنا من كون التكتلات النسبية ذات الأهداف السياسية والطبقية المحدودة لها فاعلية وتأثير في الواقع، فمن يصحبنا على درب الجهاد لا ينبغي أن تفصله النسبة لله عز وجل المترتبة على التقوى والعمل الصالح عن واجبات الفاعلية والتأثير والصراع اليومي الدائم. وإلا انحذفت الحركة الإسلامية في الأجواء العليا، وفقدت مواقع أقدام على الأرض. كيف الجمع ؟ كيف يكون إسلامنا لله رافعا معنويا ومؤثرا عمليا معا ؟
شبيه موقفنا بموقف البعثة النبوية من كون المجتمع المراد تغييره أرضي الانتماء في الجملة. عبارة "في الجملة" هذه تستثني شرائح اجتماعية واسعة هي على إسلاميها الموروث الفردي غير المؤثر، وعبارة "أرضي الانتماء" نتحاشى بها استعمال كلمة "جاهلي الانتماء" لما في إطلاق اسم الجاهلية على المسلمين، ولو كان الفسق سائدا والردة فاشية والحكم جاهليا، من فتح خطير لذرائع الفتنة .
لهذا الشبه، ولوحدة الهدف، لا يصح أمر التجديد الإسلامي إلا بما صلح به أمر التأسيس الإسلامي. وحسن الصحبة مفتاح الموقف اليوم وغدا كما كان في العهد الأول. حسن الصحبة يعني حسن التربية، يعني أولويتها، يعني أخذ الفرد بالإحسان، واكتنافه بالصحبة، ورفعه مع الجماعة، وصونه في محضنها، وإشراكه في حيويتها الإيمانية، وأخذه عاطفيا وعمليا، وقلبيا وعقليا. في السفر الجماعي من أرضية الانتماء إلى سماويته، من قطرية القومية ومحليتها إلى عالمية الإسلام .
إن القومية، عربية أو عجمية، رباط جديد مصطنع مستورد في بلاد المسلمين. إنه في نظر قادة القومية العلمانيين بديل عن كل دين، بديل عقلاني مصلحي أرضي انفعالي عنيف. تكتسب القومية خصائصها العقلانية المصلحية الأرضية من الإديولوجية القومية المتبناة المستوردة، وتكتسب العضلات والعنف من الانفعالية الموروثة، ومن المواقف السياسية القومية التي سلحت أمس العربي ضد التركي، والبنغالي ضد البنجابي، وتسلح اليوم بشكل أفظع وألعن العربي ضد الإيراني.
أيكفي أن نرفع شعار الإسلام والسلام والأخوة وحسن الصحبة في وجه المارد القومي الفاتك ؟ هل نجد فسحة السنوات الثلاث عشرة التي خصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتربية أصحابه الكرام لا يحملون طيلتها أعباء المقاومة والقتال ؟ هل تتركنا تهويشات الصراع الداخلي والخارجي وتشويهاته لنتفرغ ريثما نعقد عهد حسن الصحبة ونربط العلاقات الإيمانية الإسلامية ؟
على محك الكيف العملي، على معيار الممارسة، توضع مبادئنا كلها، ومنها حسن الصحبة فيما بين أعضاء الكيان الإسلامي الزاحف. لا يكتمل عملنا إلا إذا أحسنَّا أيضا، وفي نفس الوقت، وعلى مدى مراحل التغيير الإسلامي، صحبة الدعوات المضادة والمنافسة، المسالمة والمقاتلة. نقابل كلا منها بما يليق، بما شرع الله عز وجل لا بما يستفزه من كوامن انفعالاتنا عنف الآخرين. ولسنا بمستطيعين اختيار الظروف التي نواجه فيها الواقع ونقتحم فيها العقبة، ولا بقادرين على إيقاف عجلة الأحداث وتكييف سردها، ولا بناجحين إن ظننا أن الكائن الإسلامي يفيد يوما ويؤثر إن بدأنا برعايته وتأليفه في ظل الخفاء والأمن الكاذب الخطير في أحضان السرية. كل كيان عضوي لا يصبر على شراسة الصراع سيفنى لرخاوته. كلمة حكمة، لا علينا إن استغلها بالباطل أصحاب نظرية "النشوء والارتقاء".
لنترك الآن، إلى رجعات إن شاء الله، شأن التربية وكيف تتزاوج مع المقاومة. إن هذا التزاوج من أهم ما يتوقف عليه الفوز بثمرات النصر في الدنيا والكرامة في الآخرة.
ولنذكر العناصر الاجتماعية الإيمانية الأخلاقية التي يتألف من مجموعها النسيج الإنساني لمحضن التربية، والجو المعنوي الذي يستنشق فيه، والعلاقات الرافعة إلى النسبة العليا منه.
كنت كتبت في "المنهاج النبوي" تصنيف شعب الإيمان البضع والسبعين في فئات عشرة أولها وفاتحتها خصلة"الصحبة والجماعة" أي وجود المحضن التربوي الرافع ووظيفته. وأذكر بالأثر الذي ورد فيه قول الله تعالى : "فاليوم أرفع نسبي وأضَع نسبكم"، ليفهم ما أقصد بعبارات "المحضن التربوي الرافع".
على مدى إحدى عشرة مرحلة يتخلق المؤمن ويتقي ربه ويتكرم ويرتفع إلى النسب الأعلى . يكون حب الله و رسوله أول ما يلوح لبادرته عند لقاء حزب الله، يرى ذلك سلوكا كاملا. إن كانت الجماعة كاملة. وهذا أفق يطمح إليه، ولا كمال إلا لله عز وجل . ثم يتعلم عمليا محبة إخوانه في الله سبحانه وتعالى، يخرج تدريجيا من الانتماء الجبلي الآسر إلى هذا الانتماء الأخوي. ثم يقرن هذه العاطفة الأخوية الوليدة بالصحبة العملية لإخوته، بمعايشتهم وإكرامهم ومشاركاتهم. ثم يرتفع عاطفيا بواسطة محبة الإخوة وصحبتهم وعلى مثالهم إلى التعلق والتأسي بالنموذج الكامل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتخلق بأخلاقه العليا الجامعة بين عظائم الأمور وبين الممارسة اليومية المتواضعة مثل حياة الأسرة. ثم يتعلم المؤمن الأهمية القصوى ويطبق واجب الإحسان إلى الوالدين. وإنها لمن عويصات التربية عندما تتعارض واجبات المؤمن المتحزب لله سبحانه الحركية مع رغبات الوالدين. لا يريد الله عز وجل للمؤمن، مهما كانت الظروف، إلا الإحسان للوالدين والأقربين بالمعروف. لا يريد أن نقطع الانتماء الجبلي، بل نستقيه ونبني عليه ونأمل فيه الخير. ثم يستقر المؤمن في حضن التربية في بيته مع زوجه بآداب فوق آداب الألفية الجبلية، نحافظ على تلك الألفة ونصعدها. ثم يتعلم المؤمن الإحسان إلى الجار، والإحسان باب مفتوح. بل هو فتح ومفتاح للدعوة ولتوسيع دائرة الانتماء، وجذب الأمة إلى النسبة العليا الأقرب فالأقرب. وإكرام الضيف الوارد عليك، والذي ترد أنت عليه للدعوة وسيلة أخرى رافعة. ثم يكتسب المؤمن وسط الجماعة وتكتسب الجماعة بنشاط أفرادها، الفضيلة الخلقية و السياسية بالقدرة على رعاية حقوق المسلمين والدفاع عنها، وبإصلاح ما أفسدته ذات البين الاجتماعي وما أفسده الظلم السياسي. ومن هنا نرى أن التربية تدخل من الأبواب القاعدية لمجال الصراع، ومجال الوقوف مع المستضعفين. وتتم الملامح الخلقية التأهيلية للتربية المجاهدة باكتساب المؤمن صفة البر وحسن الخلق و هي جماع الخير، ومعقد الفاعلية الجهادية،و الوجه الباسم المحبب الجذاب للدعوة. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-14-2010, 03:16 PM
 

سأعود للقرائة


__________________
امرايف علي نسمتها نعشق سبخها وشطها وبركتها ......
اخريبيشنا والصابري وحومتها....
بعيد عن بحرها مايروق مزاجي...
فيها العرب عاشت علي فطرتها ...
فيها صحابي ورفقتي ...واعزازي
الام الحنونه غيرها مانوازي يومين والثالث علي بنغـــــــــازي
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-14-2010, 05:09 PM
 
شكرا للمرور الطيب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-15-2010, 05:25 AM
 


موضوع جميل اخى جواد
لكننى احتاج لمعاوده القرائه
لأننى لم ادرك الربط بينه وبين العنوان الا فى النهايه


كون حسن التربيه ينتج عن مخالطه الجماعه الصالحه اي انه
بمجالست ذوي الخلق نأخذ ونكتسب حسن اخلاقهم؟

وذا يؤثر على حال الامه والاسلام بصفه عامه

لا أدري فعلا هل فهمت بالشكل الصحيح




__________________
امرايف علي نسمتها نعشق سبخها وشطها وبركتها ......
اخريبيشنا والصابري وحومتها....
بعيد عن بحرها مايروق مزاجي...
فيها العرب عاشت علي فطرتها ...
فيها صحابي ورفقتي ...واعزازي
الام الحنونه غيرها مانوازي يومين والثالث علي بنغـــــــــازي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-15-2010, 08:37 AM
 
جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مستر بين محترف الشحتة!! الغامض1 نكت و ضحك و خنبقة 4 12-04-2009 06:59 PM
الصحبة الصالحة .. وفضلها .. وشروطه .. ووسائل تعميقها .. فلسطيني الهوية مواضيع عامة 8 07-14-2007 10:42 AM
آداب الصحبة والمحبة في الله. أمة الله أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 26 05-30-2007 01:00 PM
الصحبة في الله جل وعلا درع الفيصل قصائد منقوله من هنا وهناك 7 04-23-2007 05:55 PM
آداب الصحبة والمحبة في الله. أمة الله أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 04-13-2007 09:17 PM


الساعة الآن 06:41 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011