عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 08-24-2019, 09:19 PM
 
ذهبي

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.arabsharing.com/uploads/153355728368832.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




C R Y S T A L





الفصلُ العاشر



*ناتاليا*





لقد تأخر ، اليس كذلك ؟ لقد بدىا مهتمًا بالموضوع ! كان يُصغي بإهتمام و يُفكر بعمق ... أتسائل عن كيف يشعر تاكامورا !
أنهُ يملك تلك الملامح الجامدة التي تحمل الحزن و الأسى ، و يشرد كثيرًا ! أتذكر أول مرة رأيته على الشاطئ .... كان يبدو مُكتئبًا نوعًا ما !

أو ربما هيَّ تلك الفكرة التي تتملكنا حين نراقب ظهر أحدهم فيبدو وحيدًا ومهمومًا !



لقد بدأت السماء تُكسى بألوان نارية ولم يأتي بعد ! ربما سيكون من الأفضل أن أستقل القطار قبل أن أتأخر عن المنزل !
هذا ما كنتُ أفكر به وأنا أراقب ساعتي التي تشير للخامسة مساء ، حين بان لي بسيارتهُ السوداء بداية الشارع ...
لا أصدق أني انتظرتهُ ساعة كاملة !



ترجل من السيارة قلقًا وهو يقول : " أنا أعتذر لقد انشغلتُ بتولي بعض أعمالي المكتبية ! أرجو أنك لم تتأذي أو يزعجكِ أحد ! "

ابتسمتُ بتعب : " إطلاقًا ! "

لم أدرك سبب تصرفي هذا الكثير من الأفكار راودتني لكن لم أتخيل أن أنتظر أحدًا كما أنتظرتهُ ... ركبت في سيارتهُ بهدوء
وربطت حزام الأمان ، أخذت نفسًا عميقا لقمع غضبي واحباطي لهذا الموقف الذي وضعني فيه تاكامورا .... حرك السيارة
وهو يقود بحذر ، وكالعادة كان يقود بحذر واحترافية خاوية من أية تهور .... بعد مسافة ليست بهينة ترجل من السيارة
واشترى باقة زهور كاميليا بيضاء ثمة عاد لحيث يقتلني الفضول وأنا أراقبه ، لكنه بقي صامتًا ولم يسأل أي شيء !
أو لم يكن يريد أن يحصل على المزيد من المعلومات مني !؟ نظر نحوي حين بدأ بالحديث فجأة :

" بالنسبة لتأخري ... أنا حقًا اعتذر ! في المرة القادمة ، اذا تأخرت عشر دقائق عن الموعد فاعتبريني لن آتي لأخذك !
لقد واجهت ظرفًا في العمل ولذلك لن آتي لأخذك ! ولأنني لم أنبهك من قبل فقد قررت أن آتي مهما حدث ! "

عقدتُ حاجبي مبتسمة : " فهمت ! ولكن ألا تريد أن نكمل حديثنا عن المختب... "

لم أكمل فقد قطع كلامي بحزم : " آنسة ناتاليا ، لا داعي أن تشغلي بالك في ذلك فقد تدبرت الأمر بما قدمته بالفعل ، سأنجز باقي عملي بنفسي ! "



أنه يُخبرني أني خارج الموضوع اذًا ! وكوني كشفت أمره صدفة في غرفة المعدات الرياضية لا يعني أن لي حق في
التدخل في عمله .... هذا قاسي لكنه الواقع .

أومأت برأسي صامتة ، توقف حينها بجانب بيت ياجيما ، نزلتُ مودعة اياه واتجهت نحو الجانب الآخر حيث الرصيف بعد خطوتين
لاحظت انطفاء محرك السيارة ، ترجل وهو يُمسك باقة الزهور التي اشتراها ، تقدم نحوي وتجاوزني وأنا قد تجمدت بذهول !
وراح يقطع مسافة جيدة نحو البحر ، جلس متقابلًا مع الأمواج التي تلونت بتدرجات الذهبي ... وضع الباقة على الأرض وهو
ينظر لزوال القرص البرتقالي . تقدمت وجلست بجانبه بلا وعي وخطفت نظرة لملامحه ، بدا حزينًا وشارد الذهن !

" أنت تحب الجلوس هُنا ، صحيح ؟ مالذي أقوله ! بالتأكيد لا تحب هذا المكان .... "

" أنه مكان جميل ! لكن ، أعتبر هذه البقعة من الشاطئ بالذات بداية حياتي الجديدة ! "

" لماذا تعتبر ذلك ؟ "
سألت بفضول جلي ...

" قبل فترة ، تم انقاذي من قبل شريكي في العمل هنا ! في ذلك اليوم كان المفترض أن أكون أنا وليس هو ! "

توسعت عيني على أوجها ، أنه يقصد أنه كان يجب أن يكون هو من مات وليس شريكه ! ويقولها ببساطة ، كيف يفكر تاكامورا ؟
أنا لا أفهم إطلاقًا !

" وكيف يجعلك ذلك تفكر أو تشعر ؟ "

نظر نحوي مدهوشًا ! لم أفهم سبب دهشته ، نظر نحو الشمس مجيبًا :

" أنا لا أعلم ! الندم والذنب ربما ... فقد كان رجلَ أسرة ، شابتين وصبي وطفلة في الطريق ! في حين لم يكن ليكون
من السيء الموت بدلًا عنه ! فأنا لا يربطني بالحياة الكثير ! "


اليس هذا التفكير طبيعي ؟! ولكن ...

" أنت مخطئ ! فلا يُمكننا أن نلوم القدر لما تأوله به حياتنا ! وما حدث معك جزء من خطط الإله لمسار حياتك !
لا يمكنك أن تعترض عليه بل عليك أن تجاريه لتثبت له أنك تستحق البقاء على قيد الحياة لفترة أطول فأنت
لم تتذوق الكثير من ما تخبأه لك الحياة ! "

ابتسم بألم وكانت أول مرة أراه يبتسم منذ عرفته :

" التكلم عن القدر وخطط الإله بهذه الطريقة .... يالك من فتاة ! أي نوع من الخطط تنتظرني برأيك ؟
طريقة أسوء للموت في مكانٍ قذر ! فكري بالأمر ... أين كُنتُ سأحضى بمشهد أجمل من هذا للموت ؟! "

" فكر بالأمر من ناحية أخرى ! الموت موجودٌ دائمًا ! لما تفكر به كثيرًا !
فكر بالمواقف الجميلة التي تفقدها بالتفكير بالحياة من هذه الناحية ! كجمال هذه اللحظات التي تسبق إنجلاء القرص المشع هذا !
أو النسيم الذي يحمل عبق الرمال المبللة والمياه الباردة التي تنسل بين أصابعنا ! هذا مجرد موقف واحد يحدث خلال هذه
الثواني المعدودة ! فما بالك باليوم الكامل ؟ الشهر ! السنة وتراكم الكثير منها ! أليست هذه الحياة الروعة بحد ذاتها !
الموت كان موجودًا قبلنا و سيبقى بعدنا ! التفكير به لن يفيد بشيء علينا أن نكنز لحظات حياتنا بالإبتسامات والذكريات الدافئة ! "

خلل أصابعه بين خصلات شعري التي تجاوزت عيني و أعادهما لخلف أذني قائلًا :

" ناتاليا ناكاموري !
رغم أنني أجد طريقة تفكيركِ غبية جدًا ، لكنني أتمنى لو كُنتُ قادرًا أن أغدو بهذا الغباء ، لكانت حياتي أسهل بأشواط ! "

نهضتُ منفعلة :

" ليس غباءً بل يقين ! فكر بما جمعنا معًا في هذه اللحظة مثلا ، ألا تعتقد أن من الممكن أن يكون أحد أعظم ألعاب القدر بنا ؟! "

أمسك بيدي وجذبني نحو الأرض لأجلس وهو يضغط على يدي بقوة :

" منذ كنت صغيرًا وأنا أنتظرها ...
اللحظة المقدسة التي أموت فيها ! لايمكن لكلماتك الجميلة مهما كانت جميلة أن تُبشعَها في ناظري ! "

" لا تقل ذلك "
قلتُ بيأس ...

" كل ما أتمناه في تلك اللحظة ، أن لا أترك الكثير من التذكارات خلفي ! "

" تذكارات ! "
قلتُ هامسة لأكمل مُنفعلة : " هذه قسوةً منك ! أن تعتبر من حولك تذكارات ، هذا لا يجوز يا تاكامورا !
أن يحبك الآخرون ويخلدوا ذكراك ويستحضروها كل فترة وفترة هو أجمل ما يُمكن للحياة أن تكون ... مشاعر الآخرين نحوك
بغض النظر عن ماهيتها ، ليست تذكارات ... بل شيء أجمل من أن يكون له مُسمى ! "

" جميلة ... طريقة تفكيركِ جميلة ! حافظي عليها . "
قال مغمض العينين ....

" تاكامورا ! أنا لن أستسلم منك ! رجاء لا تخذلني ! فكر بلأمر من زاويتي ولو قليلًا ! "



كست السماء بالعتمة وشعشعت بألوان خافتة ، وتغير عبير الرمال .....

" تأخر الوقت ! صديقتك تنتظرك ! "
نهض متهربًا من الحديث ...

نظرت خلفي كانت ياجيما تنظر نحوي من خلف النافذة ، حركت يدي الوح لها مبتسمة من بعيد
ثم أمسكت بذراع تاكامورا وسحبته نحو البيت قائلة :

" تناول العشاء معنا الليلة ! "

" لا داعي لذلك ! لدي عملٌ أؤديه في مكتبي الليلة ! "
قال مُتهربًا ...

" لاداعي للتهرب نحن لن نأكلك بل سنأكل معًا ! العشاء سيجهز في أقل من ساعة وحسب ! "

قلت باصرار و أنا مازلت أسحبه نحو بيت ياجيما ... في الواقع لم يكن يبدي أية اعتراض على سحبي له ، فاستنتجت
أنه محرج وحسب ! اذكر ما قاله عن عدم أكله شيء منذ الأمس هذا الصباح ولا أريد له أن يبقى جائعًا حتى الغد !
فالرجال اذا انغمسوا في عملهم لايشعرون بالوقت أو الجوع ! بل يغلبهم التعب نائمين جوعًا ! كما حدث مع أبي مرارًا و تكرارًا !


دخلنا البيت معًا وكانت أختي وجوان يتجادلان معًا ولم أفهم لماذا لكن حين رأوا تاكامورا معي وقفوا مذهولين وخاصة جوان !
لاشك أنهُ لم يتوقع أن أحضره معي !

دخلت غرفة ياجيما وغيرت ثيابي ببلوزةٍ صفراء وبنطال جينز من خزانتها ، ثم انضممت لياجيما في المطبخ وبدأت بمساعدتها
بما أمكنني وحين جهز العشاء بدأت بترتيب الطاولة معها ، كانت تبتسم طوال الوقت فسألتها وأنا أضع سلة الخبز :

" لما هذه الإبتسامة ياجي ؟ "

بدأت تدندن بلحن غريب وهي تبتسم وتبدو سعيدة : " من يدري ؟! "

نظرت نحو جوان الذي يبدو منزعجًا قليلًا ، بل كثيرًا وهو ينظر نحوي بحدة ! فبادلته ابتسامة واسعة ... نظر للجهة الأخرى
وقد نلت منه ! اذا كانت تبتسم بهذه الطريقة بسبب تحديها لجوان ، فهيّ حقًا شخصية انتحارية !

في حين كانت آكاني تتعرف على تاكامورا بأحاديث صغيرة ... وتبدو متفائلة ومستمتعة في حديثها معه .

جلسنا خمستنا حول الطاولة وشرعنا نأكلُ من طبخ ياجيما الشهي ، ولم تغب عني حدقتا تاكامورا المتوسعتين
حين أخذ أول لقمة من الاستيك مع صلصة ياجيما الخاصة ! نظر نحوي باستغراب فابتسمت قائلة :

" لذيذ جدًا ، أليس كذلك ؟ "


أومئ برأسه وتابع الأكل ففعلت المثل . نهض جوان بعد العشاء و شرع بغسل الأطباق و تبعه تاكامورا قائلًا :

" آنسة ياجيما ، كان العشاء لذيذًا بحق ! شكرًا على الطعام وأعتذر اذا تطفلتُ عيكم ! "

" ابدًا لم تزعجنا ، يُسعدني أن تنظم لنا متى شئت ! "

" سيسعدني ذلك أيضا! عمتم مساء ! "

قلتُ باصرار : " لما العجلة ؟! ابقى لبعض الوقت ! "

نظر نحوي بحدة : " في المرة القادمة ، ستدعينني لمنزكِ صحيح ! "

ابتسمت بغباء : " لن يُعجبك طبخ جدتي والخادمة ! ألا ترى أننا نأكل عشائنا هنا كثيرًا "

اغمض عينيه بهدوء قائلًا : " ربما يمكنك أن تعديه بنفسك اذا ؟! "

ارتفع مستوى الحدة في كلامنا

" أنظنني لا افقه بالطبخ ؟! "

" من يعلم ؟! "

" أتظنني سيئة في الطبخ ؟ "

" من يعلم ؟! "

" أنت أتيت بهذا لنفسك اذا ! "

" ولربما ، أنت من أتت بذلك لنفسها ! "



أنه محق ! أنا لم أطبخ شيئا مميزا في حياتي ! بل لم أحاول حتى ! كان جوان ينظر نحونا بشك وهو يجفف الطبق مصدومًا
وآكاني أشد صدمةً منه ! وياجيما تخفي ضحكتها بيدها .... لقد قضيتُ على نفسي بنفسي !

غادر تاكامورا بغير أن يضيف شيء لكلامه السابق بل اكتفى بتكرار جملة :

" عمتم مساءً ! "


ما إن غادر تاكامورا حتى انفجرت ياجيما من الضحك لما ورطت نفسي فيه وآكاني تقول لي

" جننت ؟! "


اقترب جوان منها مستفسرًا

" لماذا ؟ما الذي سيحدث ؟! "

غطت وجهها بيدها قائلة :

" من يعلم !؟ لم يسبق أن رأيت أختي تدخل المطبخ وتعد شيئا على الإطلاق ! "

" الى هذه الدرجة ؟! "
قال مستفسرًا ... نظرت آكاني نحوه بوجهٍ مظلم

" تم تدمير ناتاليا ! "


ابتسم لي جوان بخبث : " مسكينة ! "

رميت بنفسي على الأريكة بتعب ، قائلة :

" لا تستهينوا بي ! سأفاجئكم جميعًا ! "



*هيروشي*



قضيت طوال النهار وأنا غير قادر على التوقف في التفكير بما يجب أن أفعل ! مايزال والد اوريليا في بكين
ولن يعود قبل نهاية الأسبوع ......

أمست السادسة حين وصلت لشارع الشاطئ وكانت السماء مظلمة ، وقفت قُرب منزل ياجيما وأنا أتأمل المكان ،
لقد قضيت كثيرًا من الوقت مع ياجيما وناتاليا هُنا ، أين ما نظرت ثمة ذكرى ، ابتسمت لإحداها حين مرت من أمام ناظري !

ترجلت من سيارتي وأنا أنظر لتلك البقعة الصغيرة ، في ذلك اليوم الصيفي حين اشتريتُ المثلجات لياجيما و ناتاليا ،
كان الجو كالفرن فذابت المثلجات بسرعة وشرعت هيَّ بالبُكاء ! .... كم كان عمرها ؟! آه صحيح أنا كنتُ في العاشرة !
اذا فقد كانت في السادسة من عمرها حينها ! بقيت ناتاليا تحاول ارضائها بمثلجاتها لكنها كانت تذوب أيضًا ! فشرعتا بالبكاء معًا !
في ذلك الوقت كنا نسكن في المجتمع السكني الذي خلف بيت ياجيما ! كنا صغارًا جدًا ولم نكن ننفصل !
ويوم قال أبي أنه سيشتري بيتًا كبيرًا و لن نعيش في شقة صغيرة بعد اليوم ،كنا سعداء لأننا سنحصل على غرف خاصة غافلين
أن بيوتنا ستبتعد ! مع ذلك كنا نأتي لهذا المكان كل يوم .... لقد ابتعدت منازلنا وليس قلوبنا !

توجهت نحو بيت ياجيما وأنا أسير ببطئ والكثير من الأفكار تعصف في داخلي .... ارتطمتُ بأحدهم فاعتذرت منه وأكملتُ طريقي ...
يقابل باب بيت ياجيما الشاطئ ويعطي ظهره للشارع الرئيسي ، حين وصلتُ للباب ضغطتُ الجرس ففتح الباب بسرعة !
وكان جوان هو من فتح الباب ورحب بي ، نهضت آكاني :

" مرحبا أخي ! أحان وقت العودة ؟! ألا يمكننا البقاء أكثر ! "

" ليس بعد ! "

دخلت وأنا أخلع حذائي عند عتبة الباب وجلست على الأريكة متعبًا ، نظرت في أرجاء الصالة :

" أين ياجيما و ناتاليا ؟! "


لم أنتظر الإجابة بل توجهت نحو غرفة ياجيما ودخلت بحكم العادة ! ووجدت ياجيما تقف بجانب المرآة مبتسمة ،
لمحتني عند الباب فاقتربت قائلة بسخرية و مكر مبتسمة :

" آه أنظر من شرفنا ! كيف حالك أيها الأخ ؟! "

" ماذا مع هذه اللهجة الساخرة ياجي ؟! "
سحبتني و هي تقول :

" تعال ! "
طوقت ذراعي وهي تكمل مشيرة لناتاليا :

" أنظر من قررت أن تصبح امرأة حقيقية ! "


كانت تقرأ كتابًا ما وهي تجلس على السرير ! لم أفهم فسحبتني وأجلستني بجانب ناتاليا ثم جلست خلفي وهي تقول :

" ماذا تقرأين ناتاليا ؟! "


اقتربت مني وهي تطوق عنقي بذراعيها وأكملت : " ماذا تقرأين ؟ ماذا تقرأين ؟! "

كانت تحدثني أنا وليس ناتاليا ... تسألني أنا ! أعرف اسلوبها هذا ! نظرت نحو الكتاب فكان .... لحظة !
أهذا ؟ سحبته منها غير مصدق :

" أهذا كتاب طبخ ؟! "

" أخي ! أعده ! "
أخذت الكتاب وعادت تقرأه وتعلو وجهها تكشيرة كبيرة ! أكانت ياجيما تزعجها قبل قدومي أيضًا ؟

نظرت للملتصقة بظهري و أنا أسأل :

" ماذا حدث معها ؟! "


ابتسمت وهي تخفي وجهها خلف ظهري كي لا أراه :

" من يدري ! "


نهضت ناتاليا وأخذت كيس ورقي من خزانة ياجيما ووضعت بعض الكتب به ، بدى لي أنها جميعها عن الطبخ !
سمعت من قبل أن كل الفتيات يمرن بمرحلة من الجنون ! ويبدو أن هذه احداها ! xD

بعد قليل كنا قد غادرنا لأعيد الفتاتين للبيت قبل العودة لبيت اوريليا ، فما دام والدها ليس هنا يطلب مني البقاء معها طوال الوقت !

قبل سنة ، تعرضت اوريليا للخطف عبر مجرمين محترفين ، وكان لأجل طلب فدية من والدها ،
قيل لي أنهم كانوا يتكلمون بلهجة لاتينية ! وقد تعرضت لضغط نفسي كبير حتى بعد عودتها سالمة !

لهذا قام والدها بتوظيف حراس لها وقد وجدته مسليًا فتقدمت للعمل وحين عرف أنها تعرفني مسبقا طلب مني
مرافقتها طوال الوقت ! مع أن هذا ليس عملي ، انما لأنني أجيد فنون القتال وقد كسبت بطولة في الأعدادي
وثلاث في الثانوي واثنين في الكلية ، فقد قبل توظيفي !

في الواقع طالما اردت ان أحترف الكاراتيه لكنني حين بدأت ممارستها بشكل رسمي ، طلب والدي مني أن أدرس ادارة الأعمال
حين أكبر ليسمح لي بالمشاركة في البطولات ! كنت في الثاني الأعدادي حينها ولم يكن هنالك ما يهمني غير المشاركة
في الدروس والبطولات !

مازلت أتمنى أن أعود لجو البطولات والتدريبات التي تسبقها لكنني لا أستطيع أن أخلف وعدي ! مع أني قد حصلت
على دعوة لحضور البطولة الوطنية للمحترفين ! الفائز سيحصل فرصة تحدي ابطال باقي الدول والذهاب لأولمبياد
العام المقبل لكن .... لا يمكنني القبول أو بالأحرى لا أستطيع على الأطلاق !

ترجلت من السيارة وتوجهت نحو البيت لأغير ملابسي قبل أن أعود وما أن دخلنا حتى لاحظنا الجو الغريب في البيت !
كان والدي قد عاد من استراليا .

كان يجلس في الصالة الكبيرة وجدتي تجلس معه وترتوي من شوقها له ! لقد مر شهرين ونصف منذ سافر
وكانت هذه اطول فترة سافر أبي فيها !

ما ان سمعت آكاني صوته عند الباب حتى هرولت اليه واحتضنته بقوة وبدأت تقبل وجهه كثيرًا ! تقدمت ناتاليا
غير راضية لأن الأخرى سبقتها ! وما أن ابتعدت قليلًا حتى رمت نفسها عليه وهي تقول

" اشتقت اليك كثيرًا ! "


ضمها اليه و هو يقول : " صدقيني ليس اكثر مني حبيبتي الصغيرة ! "

بقيت تجلس على قدمه وهي تحتضنه بقوة وآكاني تحاول ابعادها لتبقى قربه أكثر من الأخرى ! يبدو أن لا حاجة لي هنا !
مددت يدي وسلمت عليه وهو جالس محاط بالفتاتين تصافحنا ثم جلست استمع لأحاديثهم وأخذني الوقت وأنا مع العائلة ...
لم أنتبه للوقت الا مع عودة أمي للبيت وقد تفاجئت كثيرًا حين رأت والدي ، نظرت لساعتي فاذا بها التاسعة ليلًا !

أخذت جوالي و أرسلت رسالة لماتسو زميلي في العمل قائلًا فيها أني لن أعود قبل منتصف الليل ! مر الوقت كالسحر ....





كان الوقت متأخرًا جدًا ، خلد الجميع للنوم بقيت جالسًا في مكتب والدي ، يجب أن اعود لاوريليا الآن ! لكن لا رغبة لي بالتحرك
أو فعل أي شيء ، أنا حقًا متعب ! تعبت من العمل الحياة و التفكير .... لأول مرة اشعر أني عاجز ! نظرة للدعوة بين يدي ،
أحلامي بين يدي وواقعي على ظهري ! أمسكت بالظرف من زاويتيه لأمزقه لكنني لم أستطع ! لأول مرة في حياتي اشعر
أني لا اريد التقدم في أي شيء ! اتمنى لو كنت ساكنا كالنجوم !



غافلني والدي و أنا أحاول أن أمزق الظرف من جديد عاجزًا ..... تقدم وأخذه من يدي فجأة وبدأ يقرأ محتواه !
استغربتُ بشدة فقد كان يبتسم بهدوء ......

" أهذا ما يؤرقك يا بني ؟! أم شيء آخر ؟ "

" أبي ... لدي رجاء منك اعرف أنك لن تخيبني به ! سأفعل أي شيء تطلبه فقط حقق لي امنيتي ! "

" أتريد الذهاب ؟! "
قال بملامح جامدة وهو يرفع ظرف الدعوة ..

عضضتُ شفتي السُفلى وأنا أنزل رأسي .... جمعت شتاتي وقد اتخذت موقفي :

" لا ! بل هنالك امر أهم من ذلك ! "


رفعت رأسي وأنا أنظر اليه بتحدي انزلت رأسي من جديد وأكملت

" أنت تعرف أن السيدة جمين توفيت بعد ذهابك بعشرين يومًا .... السيد يوتاشي توشيري عم ياجيما وجوان
ينوي بيع عقار البيت ليجبر ياجيما أن تذهب معه للعاصمة ! كما تعرف بيتهم ملكٌ له وهو يضغط عليها كثيرًا
لم يمر على وفاة الأم سوى قرابة خمسون يومًا وها هو يحاول تفريقها عنا وعن شقيقها ! "

رفع والدي يده وحركها على ذقنه ليستوعب الموقف جيدًا قال برزانة :

" وتريد مني أن أفعل ماذا تحديدًا ؟ انه ملكه ويحق له أن يفعل به ما يشاء ! "

" انا أعلم "
قلت بألم ... ثم أكملت :

" أرجوك اشتري البيت من أجلي ! اذا فعلت فلن يضغط عليها عمها بعد الآن ! "

تفاجئ قليلًا ثم قال بتحدي :

" هيروشي ... أنت تعلم أني لن أفعل ذلك لك بدون مقابل حتى لو كنت ابني الوحيد ! "

اعرف ذلك جيدًا ! لم يسبق أن قام أبي بفعل شيء بلا مقابل ! في نهاية الأمر هو رجل أعمال ناجح بنى عمله من الصفر
في وقت لم يكن يملك بيتًا يسكُن به !

" أي شيء تطلبه ! "

" تعال للعمل في الشركة معي ! "
قال بهدوء ...

رفعت عيناي مستغربًا .. توقعت ذلك لكن لم أتوقع أن يطلب ذلك مباشرةً بدون لف ودوران ! الى أن كسر ذلك مكملًا :

" ستبدأ بالعمل كمبتدئ ، لتفهم اساسيات العمل وبعد سنة اذا كنت تستحق فسأضيفك مع الموظفين الدائمين ريثما تثبت نفسك
لتترقى كمدير تنفيذي ! لن تترك العمل قبل سبعة سنوات ... لا يمكنك الإنسحاب بأي شكلٍ كان ان فعلت فتعرف ما سأفعل !
حين تنتهي السنوات السبع سأعطيك الملكية لعقار البيت وحينها يمكنك أن تفعل ما تشاء ! تبقى أو تترك العمل يكون خيارك حينها ! "



كان ذلك سيحدث في نهاية الأمر ! لكن ليس بهذه القسوة ! ابتسمت بالم وأنا أمد يدي لأصافحه موافقًا لشروطه ! تصافحت معه
وأنا أدرك أني استسلمت ولأول مرة في حياتي وتخليت عن كل طموحاتي وغروري .... ما كان يواسيني أن ذلك كان يستحق التضحية .

أخذت الظرف منه وذهبت لغرفتي ، نظرت لزواياه بدت لي خاوية بوسعتها رغم أنها ممتلئة ! ولم أدرك أن ذاتي هيّ التي خوت
من كل شيء الا الهزيمة . يالها من حياة قاسية ، فيّ دقائق معدودة حولت شاب طموح لرجل مهزوم !



استيقضت صباحًا وقد أدركتُ أني نمت في البيت ! لقد نسيت نفسي ! بدلت ملابسي بسرعة وغادرت غرفتي ...
استوقفتني ضوضاء تقدمت لأجد ناتاليا وجدتي تطبخان معًا ! شيء نادر حقًا ! كانت جدتي تقدم ملاحظات لناتاليا والأخرى تنفذها !
يبدو أنها جادة حقًا ! لم يخفى عني أن جدتي كانت سعيدة لإنضمام ناتاليا للمطبخ !

أخذت كعكة من على الطاولة بخفة وغادرت بغير أن تتم ملاحظة ذلك ، كان طعمها جيدًا لكنها لم تكن كما تعدها جدتي
منتفخة وطرية أيضًا ! بل كانت جافة نوعًا ما ! جعلني ذلك استنتج أنها من اعداد ناتاليا ! لابأس بها كأول تجربة !

جلست في سيارتي وأدرت محركها وبعد مسافة قصيرة جدًا أوقفت السيارة .... تذكرت حديثي مع أبي أمس وأدركت أن هذه
آخر مرة اذهب لبيت اوريليا بحجة العمل ! وأنني قد لا أراها الا نادرًا بعد اليوم ! بقيت جالسًا في السيارة وأنا افكر مطولًا !
وحين لاحظت أني تأخرت عدلت نفسي لأتحرك ، حينها لاحظت ناتاليا تخرج من البيت ، كُنت على وشك العودة لأيصالها فقد تتأخر
لأصدم بها تركب سيارة سوداء وتغادر مَعهُ ! ما الذي حدث ؟ لم أستطع استيعابَ ذلك !






*يتبع*




[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
رد مع اقتباس