عرض مشاركة واحدة
  #106  
قديم 02-14-2019, 02:58 PM
 
ذهبي



[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






هالة







[12]



فتحَ عينيه بفزع لينهض بسرعةِ جالساً بأرقِ بانَ على وجهه المُتعرق ، أدركَ أنّه حُلم ومع ذلك قلبه ظلَ ينبضُ بشدةٍ فجوّلَ نظره حوله مُبصراً رِفاقه النيّام تحتَ ضوءِ القمرِ ، سكنَ للحظاتٍ يحدقُ بهم بتوترِ يغزو زرقاوتيّه إلى أنْ استقام مُتجهاً لأغراضِهم تحتَ الشجرةِ باحثاً عن شيء فيها ، بعدها عاد واقفاً بهدوءِ أمامَ كين النائم مُتمعناً النظر به لتظهرَ لمعةُ حزنِ برقتْ على زرقاوتيّه فأغمضهُما هامِساً بخليطِ مِن المشاعرِ المضطربةٍ :
" آسفُ ياكين "




فجرُ كغيّره بزغَ بضيائه حاملاً بيّن طياته المجهول ؛ ما جهِلوا حدوثه بنومهم غير متداركين لغيابِ مُسود الشعرِ عنهم !، فالرُبما كان من البديهي فعله بالنسبةِ لهم لذا لم يشغلهم همُ ، وبيّنما يجمعُ كين مفرشه بُنيَ اللونِ كرفيقيّه المُنشغليّنِ بالأمرِ نفسه لمحتْ عيناه كريستالية سيمون الزرقاءَ مع ورقةِ مطويةِ مُرفقةِ بها كانتا تحته ، أخذتّه الدهشةُ لينطقَ بلا وعي مِنه لإحساسٍ سيءِ خالجَه :
" قِلادةُ سيمون ! "
جذبَ انتباه الاثنين إليّه بتلفظهِ المُتعجبِ ثُمّّ التقطهُما سريعاً مُطلِعاً على مافي الورقةٍ لتتبدلَ ملامحهُ لفزعِِ بانَ عليّه فأقبلَ أليكس ومانكس إليّه مستفسريّنِ حاله ، أسفرَ مانكس بسؤاله المُستغرب :
" ما الأمر ؟! "
تزعّزعَ بِسؤاله لتهتزَ خضراوتاه بترددٍ واضحٍ ، بالكادِ صانَ مظهرَه بالهدوءِ مُخفيّاً انهيّار نفسهِ المصدومةِ فأشاحَ ببصرِه بعيداً عن الذينِ ينتظرانِ بتوترٍ خروجَ أحرُفهِ ، بعد برهةِ من صمتهِ نطقَ بنبرةٍ مزجتها معاني شتى لم يتضحْ مِنها غير الخيبةٍ :
" سيمون .. رحل! "
تفاجأ الاثنان بشدةٍ ليندفعَ مانكس في كلامهِ الأشبهِ بالمصدومٍ :
" ماهذا الذي تتفوه بِه ؟! ، قُلْ إنكَ تمزح ولا تُصِبنا بالجنونٍ "
والآخر لزمَ صمته بصدمةٍ بلغتهٍ ، كل ما فعله هو التحديق يقلادةٍ سيمون التي بيدِ كين ليدركَ صدقَ ما سمعه فتثاقلتْ عيناه بالهمِ ، بقيّ بشكلهِ المُبهمٍ إلى أنْ طرقتْ سمعَه كلماتُ كين الجادةٍ :
" لا أظنّه ابتعدَ كثيراً مادامَ لم يأخذْ حِصانه "
فرفعَ نظره لمِنْ تكلمَ ليجده استدارَ مُنصرفاً عنهما مُلقياً بقيّةَ قوله وهو يسيرُ حيث الأحصنةِ الأربعةِ المربوطةِ بإحدى الأشجارِ :
" هيّا عليّنا أنْ نجدَه قبل أنْ يبتعدَ أكثر "




قصدَ كلُ واحدٍ مِنهم إتجاهاً ظلوا يبحثونَ لمدةٍ ليّستْ بالقصيرةٍ دونَ أنْ يجدوا ضالتَهم ،فكبّلتْ الخيبةُ نُفوسَهم المُرهقةً جراءَ الجُهدٍ المبذولٍ مِن أجلٍ إيجادٍ رفيقهم وليّتَ النتيجةَ تُرضي قلوبَهم المصدومةَ ؛ مازالوا للحظةَ غيّر مستوعبين لِما فعله بِهم سيمون لتتفرقَ أمكنّتهم بيّنَ مجموعةٍ صغيرةٍ مِن التلالٍ الصخريةٍ بحيث أنّهم برحوا الغابةَ مُذّ الفجرِ .

عقدَ أشقرُ الشعرِ حاجبيّه مُتفكراً في نفسِه عن السببِ الذي دفعَ سيمون لفعلتِه النكراءِ ليطفوَ
غضبه بلا إرادةٍ مِنه وينفسه بلكمةٍ استقبلتها الصخرةُ الواقفُ قُربها ، تمتّمَ بسخطٍ بلغَ زهريتيّه المُنزعجتيّن غير مُلقي بالاً لقبضةٍ يّده التي تأذتْ بفعلهِ ونزفَ دمها :
" تباً ، تباً لكَ سأُلقنكَ درساً لن تنساه أبداً "
والآخرانِ لم يكونا بأفضلٍ مِنه بَتاتاً وإنّما تسترَ الهدوءُ الكئيبُ لهُما مُضِيفاً لمسة حزنٍ غريبةٍ طفتْ على محيّاهِما ، تشابّه حالهُما المكتئبُ رغم اختلافِ مكان كل واحدِ مِنهما كما اختلفَ مبرحُ مانكس ، فالرُبما الصدمةُ المفجعةُ جعلتهم مُشتتين هكذا ؛ كلِ اختارَ لنفسه مَعزلاً بيَّن صخورِ التلالٍ ليعبرَ عما يعتريهِ كيّف يشاءُ.


شارفتْ الشمسُ على المغيبِ مُعلنةً انتهاء اليومِ كسابقه إلا أنْ هذا اليوم كانَ عصيباً عليّهم ؛ باهتُ ومَريرُ جاعلاً عقولَهم في أزمةِ تفكيرِ وتحسيرِ ، أشدّهم عُشبي العيّنيّن غدا بعيداً وحيٍدَ المطرحِ يتكيُ بظهرهِ على جدارِ التلٍ بوهنٍ بانَ على خضراوتيّه المتعلقتيّن بالورقةٍ التي بيمناه ، عادَ يتلفظُ بما كُتِب فيها بهدوءٍ يائسٍ وقد تكونُ مرّته المئة مِن شدةٍ كآبته الظاهرةٍ :
" وجودي معكم ليّسَ له قيمة وقد أصبحُ عائقاً أمامكم أيّضاً ، أنصحكَ ألا تبحث عنّي ؛ فحتى إنْ وجدتني فإنّي لن أرجعَ معكَ ككلِ مرة ، لذا لا تضيّع وقتكَ و جِدْ المالكَ الحقيقي للقلادةٍ

بالتوفيقِ لك "

اعتصرَ الورقةَ بحسرةٍ حيّن أنهى قرائتها ليُغمضَ عيّنيّه الذابلتيّنِ ناطقاً بأسى :
" ها قد فعلتها مُجدداً ! ، أحقاً تُفضل ذلك ؟! أنْ تبـ .."
صمتَ مُفضلاً الكِتمان على الإكمالٍ لعلّه يحفظُ مابقيّ فيه مِن ثباتِ نفسه الجريحةِ ففتحَ عيّنيّه مُحدقاً بالشمسٍ المودعةٍ بخيبةٍ تترأسُ تعابيرَه .
انتشله من سهوهِ نداء مانكس لينتبه لقبوله نحوه ، بهدوءٍ سأله قبل أنْ يصله :
" ما الأمر ؟ "
أجابه ببعضِ الاستياءٍ وقد توقفَ أمامه :
" تسألني ما الأمر ! وماذا سأُجيبك إذاً وأنتَ على حالكَ هذا مِن قبلِ الظهيرة ؟ ! "
صمتَ للحظةٍ مُشيحاً ببصره المنزعجٍ بعيداً ثمّ أكملَ بضجرٍ :
" أنتَ تجلسُ مُنفرِداً بهذه الكآبةٍ و أليكس ليّسَ بأفضلِ مِنك ، لا أدري ما الذي أصابَه وأصابَك ؟! "
أخذتْ الدهشةُ كين ليهمسَ مُستفسِراً :
" مابِه أليكس ؟! "
ردّ بنوعٍ مِن الجديةٍ :
" حاله كحالك مُكتئب ومُنعزل ،
حتّى أنّه لا يُجيبُ عليّ ولو بحرفٍ واحدٍ ! "
تزايدتْ دهشةُ فضي الشعرِ بيّنما أردفَ مانكس بقوله الجاد :
" عليّنا البحث عنه عِوضاً عن هذا الوضعِ المُذري الذي نحن فيّه الآن "


كساه الهدوءُ وهو يحدقٌ به مِن بعيد ليّجده كما وصفه مانكس ؛ يتوارى بجلوسهِ خلفَ صخرةٍ شمّاءٍ ترابيةِ اللونٍ فسرحَ بمظهرِه الأشبّه بالمصدومٍ ، لمسَ فيّه أسى امتزجَ مع زرقاوتيّه ليجعله يتأمله بصمتٍ مُحتارٍ دونَ أن يُنبّهه لوجوده فطرقَ سمعه همسُ مانكس المُتعجبُ :
" لستُ أدري ماباله ! ، أولم يكنْ كثير التنافر مِنه ؟! "
نظرَ كين حيّث مانكس الواقف يساره ليّجده في حالةِ تعجبِ ككلماته ، أكملَ زهريُ العيّنيّنِ تلّفظه بتحيٍّر :
" حاولتُ معرفةَ سبب حاله هذا أو مالذي يشغله لكن دونَ جدوى ، رفضَ الإفصاحَ بل لم يكترثْ لوجودي حتى ! "
أزاحَ نظرَه باستياءٍ بعيداً ليُكملَ بتذمرٍ مصطنعٍ :
" كما أنّه لم يستجبْ لفكرة الصيّد التي طرحتها عليّه أو يتحمسْ على الأقل "
رمقه كين بالصمتٍ للحظةٍ مُتفكراً فيما قاله ثمّ صرفَ بصره عنه وخطى بسكينةٍ إلى أنْ استقرَ أمامَ جليس الأرضِ جاذباً انتباه إليّه ، ترددَ ليليُ الشعرِ برؤيةِ كين هادئ الملامح أمامه لسبب يجهله وازدادَ تردده حيّن سأله :
" ما بكَ ؟! "
فأشاحَ بنظره المُرتبكِ مُتجنباً نظرات كين التي حملتْ بعضُ القلقٍ داخلها لينزلَ جالساً أمامه مُعيداً سؤاله بصيغةٍ مختلفةٍ ويُمناه رستْ على كتفِه بهدوءٍ:
" ما الذي يجري معك ؟! "
اهتزتْ زرقاوتا أليكس بحسرةٍ لتنبلجَ كلماتُه النادمةُ دون النظر بمِن يُكلمه :
" أنا آسف .."
تعجبَ كين بتصريحه كما فعل مانكس الواصل تواً لهما فشرع فضي الشعر مُستفسراً :
" وعلى ماذا تأسف ؟! "
رد ولا يزال كما هو :
" بسببي حدث هذا "
تملكت الدهشة مستمعيِّه لينطقَ كين بحيرة أكبر:
" مالذي تقصده ؟!"
تزعزعتْ دواخلُ أليكس أكثر حتى وجهه ملأه الهم فرمى ببصره أرضاً مُجيباً بندم صاحب صوته:
" رحيل سيمون لم يكن إلا بسببي "

ذُهِلَ الاثنانِ بشدةٍ مِن اعترافِه الغريب ليستنكرَ مانكس بدهشةٍ بلغتَه :
" بماذا تتفوه ! ، أجننتَ أم ماذا دهاك ؟! "
فأكدَ له بجديةٍ منزعجةٍ :
" إنّها الحقيقة "
تخرّسَ أشقرُ الشعرِ في ريبةٍ مِن أمره والآخر لم يكنْ بمختلفٍ عنه ورغم ذلك استرسلَ كلِماته بهدوءٍ :
" هلا وضحتَ أكثر ؟، لم نفهمْ شيئاً مِمّا تعنيه ! "
شدّته كلِماتُه الهادئةُ ليُعلقَ نظرَه به ويسفرَ لَسانه عن كل ما يكبُته في نفسِه ، فحدّثَه بكلِ ما جرى ولم ينكرْ أنّه أزعجه ولمراتِ عِدة ليبلغَه الندمُ ويُثقلَ الهمُ عيّنيّه حيّن أقبلَ لسردِ آخر مشاحنةِ جرتْ بيّنهما ، أو بالأخص وصف مُسود الشعرِ للقلادةٍ أنّها سخافهُ بحوذتِه وما كانَ سيلتفظُ بذلك لولاه ؛ بالأساسٍ هو من جعلَه غاضِباً وهوَ من ذكّرَه بصفةِ كريستاليته عديمةِ النفعٍ معه! .

برّرَ لهُما موقفَه لتُخيَّم لحظاتُ صمتٍ أطبغتْ عليّهم بثقلِ الهمٍ المُجتاح قلوبهم ، لاسيّما أخضر العيّنيّن أنزلَ يّده التي تعلقتْ بكتفٍ أليكس طيّلة مُحادثته معه باحباطٍ بانَ عليّه ، كانَ سينجذبُ لوهنه أكثر لولا تداركه لمشاعرِ أليكس النادمةٍ فاستنجدَ نفسه المُنهارة التي كانتْ ستزيدُ الوضع سوءاً على سوءٍ لينطقَ ببعضِ الجدٍ :
" لستَ سبباً في رحيله وإنّما هو اعتادَ ذلك "
رفعَ أليكس نظره إليّه مُتعجباً قوله فتابعَ كين بثقةٍ لايُشوّبِها أيُ ترددٍ أو خِداعٍ :
" ليّستْ مرّته الأولى لتركي هكذا ، لطالما فعلها من قبلِ وقد عادَ لفِعلها مُجدداً "
تراكمتْ الدهشةُ بكثرةٍ على سامعيّه بالحقيقةٍ التي ذكرها ، بيّنما هو جلبَ لمُخيلته ذكرى قديمةَ لاحتْ بقوله ليغوصَ بيّن ثناياها مُستأنساً بها ، كانَ الوقتُ غروباً كما هو الآن حيّن صرّح فتى الرابعة عشر عاماً ـ مُسوّد الشعرٍ أزرقُ العيّنيّن الحادتيّن رغم صغر سنه بكلماتٍ صادقةٍ متأثرةٍ نبستْ مِنه مع مزجةٍ من الألمٍ :
" مالذي يدفعكَ لذلك ؟ ، ما مِن سببٍ واحد يجعلك مُلتزماً بوعدك ، وعدك الذي قطعته بلا سبب مُقنع !! "
صمتَ قليلاً يتمالكُ نفسه المُنفعلة تحت أنظارِ كين الهادئة و الواقف أمامه بعمر أصغر بقليلٍ مِن حاضره ، ثّم صاحَ بانفعالٍ مُنزعجٍ :
" أخبرتك ألا تبحثْ عني ولا تحاولْ إيجادي ولكنّك عنيدُ ، ليّسَ هُناك مُبرر واحد يجعلك تتعرضُ لكل المصاعب بسببي "
هُنا أجابَه كين بهدوءٍ جادٍ :
" أي مصاعب ؟! ، بقائك معيّ لا يتسببُ بشيء مِما ذكرته لي قَبلاً "






[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

فقدَ الفتى صوابَه بنقدٍ كين له ليتكلمَ بكلِ انفعالٍ :
" وتنكرُ ما حدثَ بسببي ؟! ، أستظلُ تتبعني أيّنما ذهبت لوعدّ أحمقٍ وبلا سببٍ يُقنعني لقبولٍ ذلك ؟!! "
تبسّمَ كين بلطفٍ فدنى مِنه مُخفِضاً جسده حتى صارَ بمستوى طُوله لينطقَ بطيبة ويده ربتت على رأسِ سيمون بحنو :
" أخبرتُكَ مِن قبلٍ وسأُخبرك مِراراً وتِكراراً إنْ أردتَ ذلك.."
تبددَ انزعاجه سريعاً لتحلَ محله لمحةُ مِن التأثرٍ فهمسَ بما فيّه بعد أنْ أزاغ زرقاوتيّه بارتباكٍ عن الذي أمامه :
" وكذلك أخبرتك أنّي أريّد سبباً مُقنعاً "
أجابَه بابتسامةٍ هادئةٍ واثقةٍ علَتْ محيّاه :
" هذا لأنكـ ... "

أجفلَ لهمسٍ مُحتارٍ مُترددٍ سحبَه فجأةً مِن ماضيّه وأرسآه على واقعه الكئيبٍ :
"ماهيّ حقيقةُ علاقتكما ؟! "
نظرَ لسائله ولمْ يكنْ غير أليكس مُتعجبِ العقلٍ ، أجابَه بالصمتٍ للحظةٍ وكأنّه لا يُدركُ إجابةَ لسؤاله أو لم تسعفه الكلماتُ لتعبرَ عن ما يختبئُ داخله ، فتزعّزعَ هدوئُه مسبباً الإرباك لسائله إذ تلمّسَ فيه توتره قليل الوضوحِ ، فسحبَ سؤاله بنبرةٍ مترددةٍ وعيّناه هربتا بعيّداً :
" أعتذرُ لتطفُلي ، لستَ مُضطراً للإجابة على فُضولي "
تبسّمَ بعفويةٍ مِن قوله فتبجّله الهدوءُ المعهودُ فيّه مُعيداً له ثباتَه ، ثّم خاطب أليكس بطيبةٍ احتوتّها كلماته :
" لا عليك ، لم تتطفلْ في شيء "
وسرعان ما ذبلت ابتسامته حيّن نطق بـ :
" إنّه أخي "
صُعقَ الاثنان بمعني العبارة الطارقة لسمعهما ليُصبهما الذُهل بأقصى درجاته ويتلفّظا معاً من شدةِ وقع الصدمة عليّهما :
" أخوك !! "






كآبة أُخرى اعترتْ الشابَ رماديَ العيّنيّن بشدةٍ ، بدى مخنوقاً يعجزُ حتى عن التقاطِ أنفاسه فنهضَ مِن بيّن الظُلمة القابعُ بها مُتجهاً نحو نافذةِ كبيرةِ توسطتْ جدرانَ الغرفة باهتةَ الوضوحِ ، فتحها بغيّة أنْ يجلبَ لنفسه سكينةَ معدومةَ الوجودٍ فبقيّ يُحدقُ بامتدادٍ من الظلام أمامه ليزاددَ همه ويثقلَ قلبه باعياءٍ ، مايزيده أسآه تذكّره ماحدث صباح البارحة ؛ كيّف شهِدَ مصرعَ قريةٍ كاملةٍ أمامَ مرآه ، بل كيّف وجدَ أباه سفاحاً يعشق سفك الدماء كأتباع زيرايا !
أغمضَ عيّنيّه بوهنٍ بالغٍ مُترجيّاً لقلبه الصمودَ أو التوقفَ عن الخفقانٍ لينعمَ بالراحة بعيّدة المَنالٍ عنه .

قُطِعَ سُكونه بدخولٍ والده للغرفةٍ عنوةً بتعابيرَ خاليّة التجسيٍّد ، لم يُعره ويليام بالاً رغم ادراكه لهوية من أتاه فظلَ يُلقي بنظرِه خارجاً لتصلَه كلماتُ هلان الجادة :
" مابك ؟ ، أنتَ تحبسُ نفسكَ مُذّ البارحة ففيّما تُفكر ؟! "
أجابه بهدوءٍ غيّر ملتفتٍ إليّه :
"ينتابني القليلُ مِن التعبٍ ، هذا كل ما في الأمر "
حدجّه هلان بنظراتٍ باردةٍ لثواني كأنّه يتحسسُ مِن خلالها صدق قوله رغم أنّه لا يُبصر مِنه سوى ظهره ، ثمّ صرح بعدها بجديةٍ يالغةٍ :
" لا تقلقْ قريّباً جداً ستكونُ النهايّة لسببٍ تعبك هذا "
أفزّعته كلماته ليّلتفتَ صوّبه بسرعةٍ ناطقاً ببعضِ القلقٍ :
" ماالذي تقصده ؟! "
رد بانفعال :
" تعلمُ جيّداً ما أعنيّه فلا تتظاهرْ بالغباء أمامي "
مكثَه هدوءُ كئيبُ ليستديرَ إلى نافذته مُتكلماً بثقةٍ هادئةٍ :
" أخطأت يأبي ، ليّس له دخل كما تظن وإنّما ما فعلتَه البارحة "
قطعَ وتيّرةَ صوته ليُكملها بأسى تخلّخلها :
" أتسائلُ كيّف أمكّنك القتلُ بهذه البساطةٍ ، لوثتَ يديّك بدماءِ الأبرياءٍ كما لوثتها مِن قبل ! "
لم تتغيّرْ ملامحُ والده عن برودها ولن تتغيرَ مادام قلبُه يفيّضُ بالحقدٍ ، فخاطبه بقسوةٍ وقد تقدمَ نحوه :
" البقاءُ للأقوى في هذا العالم تماماً كقانونِ الغاب ، لامكان لضعفاء النفوس "
تألّم قلبُ مُستمِعه بشدةٍ ومع ذلك ظلّ يحفظُ نفسه بصمته رغم تعابيرَ وجهه المُنزعجة الفاضحة له .
توقفَ هلان بيميّنه يشاركه النظر للخارجٍ فأسفرَ بالقولٍ الجادٍ :
" وقريّباً سأحققُ انتقامي كاملاً وأقتله كما قتلت أباه "
تزعزعتْ دواخلُ ويليام فبانَ ذلك على رماديتيّه المُهتزتيّن ليسألَ بصدمةٍ :
" أبي ما سر حقدك على عمي هكذا ؟، فحتى بعد موته لم تكتفِ بل بقيّتَ تحقدُ على ابنه أيّضاً !! "
رمقة بنظرةٍ قاسيّةٍ ساندها البرودُ المُحيّطُ بِها ليهمسَ بغرابةٍ :
" تريدُ أنْ تعرفَ سببَ كُرهي لإرياس إذاً ! "
صمتَ لبرهةٍ ليُردفَ بذاتِ النبرةٍ :
" لو قتلته عشرات المرّات بيّديّ فلن يُشفى غليلي مِنه ، إنّه مَنْ حرمني وحرمك "
تفاقمتْ صدمةُ ويليام بيّنما أتمّ الأبُ خِطابه المملوء بالكره :
"كنتُ يتيّمَ الأبويّن بسببِ الحربٍ المندلعةٍ آنذاك فأوآني الحاكمُ والدُ إرياس عِنده ، عاملني هو وزوجته كما لو أنّي ابنهما حقاً "
فجأةً ضربَ بكل غضب يّده بحافةِ النافذةٍ داكنةِ اللونٍ مُتلفظاً بكل حقدٍ وسخطٍ :
"كنتُ ابنهما الوحيّد إلى أنْ أتى إرياس لهذه الحيّاة "
صمتَ لبرهةٍ ولم يصمتْ غضبه بعد بل بلغَ عُلوه ليُتابعَ بحقدٍ دفينٍ طفى على عيّنيّه :
" إرياس لم يسرقْ والديّ وحسب بل سرق منّي الحكم أيّضاً ، كنتُ سأكونُ أنا الحاكم لا هو وكنتَ مَنْ سيرث الكُرسي وليس ابنه "
طرحَ كلَ مافيّه مِن كُرهٍ وحقدٍ لينصرفَ بسخطٍ يصحبه ، حتى الباب لم يسلمْ مِنه ليُصفعَه بقسوةٍ ورائه.
أمّا ويليام تصاعدتْ صدمته أكثر ؛ هو لم يكنْ يدركُ مدى حقد والده الدفين إلا اللحظة وليّته لم يدركْ ذلك ! ، فما جلبَ لنفسه غير همٍ على هم فهمسَ بأسى أختلجَ صدره :
" حريُ بكَ أنْ تظلَ مديّناً لهُما يا أبي ، لا أنْ تحقدَ على ابنهما "
صمتَ للحظاتٍ مُحدقاً بظلامِ الأفقٍ ليُصرّحَ بعدها في نفسه :
" أليكس أقوى مِن أنْ ينالَ مِنه أبي أو أي أحد من هؤلاء ، أثقُ بذلك "





بدتْ نظراتُ الاثنيّن مُترقبةً حدّثاً مُهماً وتتلهفُ بشدةٍ لخروج كلمات فضي الشعر والذي لم يكنْ مُباليّاً لانتظارهما ، بل ظلّ يحدقُ بالنارٍ المتقدةٍ والمتوسطة مجلسهم مُضيئة ما حولها، والحقيقة لم يكنْ يُبصرها بالتحديدٍ لشرودَ عقله بعيّداً .
أدركَ الاثنان موقفه وقد طالَ صبرهما فتكلمَ مانكس بتوترٍ :
" مازلنا ننتظر! ، لم تفسرْ لنا حقيقة ما سمعناه منك مُتحججاً بحلولِ الليلٍ وأنْ عليّنا جمع عيدان لإشعال النار وغيّرها مِن التفاهااتـ .. "
لكزه أليكس الجالس قربه بخفةٍ دون لفت كين لفعله مُنبّهه لما يتلفظُ به فسكتَ بضجرٍ دون اكمال كلماته ، ومع ذلك لم تضعْ محاولته سُدّاً حيّث استدرك كين نفسه فأجابه بهدوءٍ بعد أنْ علقَ نظره به :
" الأمرُ واضحُ جِداً ولا يحتاجُ توضيّحاً "
تشتتْ أفكارُ مانكس لتجلبَ له مُخيّلته هيئةَ كين وسيمون مع فارقِ الاختلافٍ بيّنهما ، توسعتْ عيناه ببلاهة كما لو أنّهما مُعادلة يصعبُ حلها فصرّح عن رأيّه بكل بساطةٍ :
" مُستحيل ، لا أصدق ذلك ! ، سيمون ليّس بأخيك! "
استاءَ كين قليلاً فاتضحَ ذلك في نبرّته :
"وما المستحيل في كونّه كذلك ؟! "
ارتبكَ من جديّة كين اللامعة في عيّنيّه على غير العادة فأجابَ بابتسامةٍ بلهاءٍ حاكاً مُؤخرةَ رأسه بيسراه :
" إنّه فقط لا يشبهك في شيء البتة ، أنتُما مُختلفان تماماً عن بعضكما ! "
وختمَ قوله بضحكةٍ بلهاءٍ .

تجاهلَ تبريّره ليُغمضَ عيّنيّه مُستحضراً بقيّة ذِكراه ، حيّنّ هدأ سيمون مِن انفعاله ببضعٍ كلماتٍ ! وذابَ عِناده بجملته الصادقةٍ عميقة المدى والتأثيّر :
" هذا لأنكَ أخي ، ولن أٌخلفَ كلامي معك "
أعادَ مُجريات الماضي كما لو أنّه يرجو عودته فهمسَ بهدوءٍ بعد أنْ فتحَ خضراوتيّه مُحدقاً في اللاشيء :
" التقيتّه قبل خمس سنوات أي عندما كان في الثالثة عشر مِن عمره "
تفاجأة أليكس وكذلك مانكس فاندفعَ الأشقر واقفاً يسترسلُ كلامه بتعجبٍ شديدٍ :
" قلتَ إنّه أخوك والآن تنفي ذلك ! ، مابالك اليّوم ياكين ؟! ، صِرتَ تتكلمُ بالألغاز !! "
حيّره كثيراً كما حيّر أليكس إلا أنّه فضل الصمتَ مُحدقاً بكين كما لو يطالبه بالتوضيح ، وذلك ما فعله كين بإتمامه بثقةٍ لم تفارقه :
" أنا لم أنفِ ذلك هو أخي كما أعتبره "
أرخى المنفعلُ أعصابه المشدودة بعدم حيّلة ليصغي لتتمة كين بغباء بانَ في شكله :
" التقيّته صدفةَ في شوارع احدى القرى العامرة ، علمتُ أنّه بلا مأوى ولا أهل فأخذته معي "
صمتَ لثواني بحزنٍ اجتاح تعابيره ثم أكملَ :
" فقدَ كل عائلته ولم أدري كيّف حدث ذلك ،هو لم يفصحْ عن ما جرى لهم وأنا لم أشَ نبش جراحه وأذكّره بسؤالي "
صمتَ بعدها ليُخيّم نوع من الكآبة على ثلاثتهم بلا استثناء وكأنّ أمطار التعاسة هطلت على رؤوسهم خاصة أليكس ومانكس بسبب ما علموه ولإدراكهما أنّ ماضي أليّم يقبعُ خلفَ هدوء سيمون .
أول من نفضَ الصمتَ عنه هو كين لنطقه بصوتٍ هادئ مزجه بعض الجد :
" والآن هل توضحتْ لكُما الصورة ؟ "
أشاحَ مانكس ببصره المُتأثر عنه غير راقبٍ في الرد لما اعتراه من حزن ، والآخر لم ينبس بحرف ونظراته سرحتْ بالنار أمامه وفجأة طرأه أمراً ليواجه كين بسؤال شغله :
" قلتَ إنه اعتادَ ذلك فهل كان يعود وحده ؟! "

أجابه بابتسامة خفيفة علته :
" أبداً ، طالما كان يظن أنّه ثقل عليّ لذا كرر الرحيل بخفية وقد كنت أجده بعد بحث طويل "
أنصتا له باهتمام تام بيّنما هو سرد بقية حديثه :
" رغم عناده إلا أنّه كان يرجع معي بسهولة حيّن أجده وسيعود هذه المرّة كغيّرها لذا لا تقلق "
دُهشَ أزرقُ العيّنيّن من أخر لفظه ليُكمل كين بطيبةٍ سكنتْ أحرفه :
" رحيله ليّس بسببك كما تدعي ..لذا ازلْ عنك شعورَ الذنب "
زادتْ دهشته لتُلجِمه بصمتِ متأثرٍ انتابه فأزاحَ بنظره جانباً وشعور الذنب لن يكفَ عن العبث بقلبه رغم ما تلقآه من لين كلمات كين وعرفه بشأن سيمون ! .
والغريب أنْ كين عادَ للشرود بهم كساه رغم ما تلفظ به ، حدّث نفسه بأرق تأرجح في عيّنيّه :
" ولكن هذه المرة الأمر مُختلف ! ، لم يسبق له أنْ ترك قلادته ورائه بل ورسالة أيضاً !! "



يُتبْـع ..




[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
-
__________________






سُبحان الله العظيم
سُبحان الله وبحمدِه

التعديل الأخير تم بواسطة Mārionēttē ; 11-15-2019 الساعة 03:48 PM
رد مع اقتباس