الموضوع: Magic Labyrinth
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-01-2018, 09:46 PM
 
في صباحٍ ربيعي دافئ ، توسطت الشمس السماء تمنح الدفء لكل ما احتوته الأرض ، دون تمييز منها لما امتلك روحًا و حياة و ما لم يمتلك ، مثبتةً حكمها العادل الخالي من الظلم و المليء بالمساواة ، في أحد المنازل البسيطة المصنوعة من الطوب التي تقبع وسط مملكة كبيرة ، كان ذلك الفتى صاحب الشعر الأسود الناعم و العينين الزمردتين يجلس على كرسي بني يحمل بيمناه كتابا ما و هو يقرأه بتمعن و تركيز شديدين مبحرا بين سطوره .

بعد مرور وقت ليس بطويل أغلق الكتاب بين يديه و اتجه بخطوات بطيئة نحو مكتبته الصغيرة يعيده إلى مكانه ، تلك المكتبة التي ورثها عن والده الطبيب الشهير ، السيد جيفّين الذي كان ذا صيت واسع في أرجاء المملكة كونه استطاع إنقاذ المرضى و ذلك بصنعه لعدد كبير من الأدوية .

نفض الفتى تلك الأفكار التي استمرت تتدافع إلى عقله سريعا متجها نحو نافذة غرفته يفتحها ، أغلق عينيه يملأ رئتيه بالهواء المنعش و قد منحه هذا شعورا مريحا ، أفرج عن زمرديتيه محدقا بالسماء فهمس " ساطع "

تمتم بهذه الكلمة بشرود مثل كل مرة ، و كأنه يرى الشمس للمرة الأولى في حياته ، حسنا هذا غريب حقا فشمس هذه المملكة الواسعة تتربع على عرش السماء ، فهي تشرق دائما سواء كان صيفا أو شتاء ، تختفي بضع وقت في الليل ثم تعود لتعتلي المنصة بأبهى حلة .

لم تنزل قطرة مطر واحدة مما جعل الحياة صعبة حقا ، فلا يوجد لما يسمى بـ " الزراعة " مكان في المملكة .

و لكن هذا لم يكن كافيا لتنتشر أجنحة اليأس في قلوب الناس ، كان أغلبهم من أصحاب الأرواح المشتعلة تفيض بالنشاط و الحماس ، لم يفقدوا الأمل يوما في أن يزدهر العالم من جديد ، راحوا يبحثون في الكتب السحرية عن طريقة من شأنها أن تعيد الحياة لهذا العالم الداكن مرة أخرى

مع ذلك كان هناك استثناء واحد ، ذلك الفتى صاحب الـ 18 ربيعا ، الذي شاركه الليل في لون شعره و ربما لون قلبه أيضا ، لفحته الخيبات و تساقطت أحلامه اليابسة و تجمد في صقيع الوحدة و كأن حياته لم تزهر ، منذ ذلك اليوم أمسى فتى بارد المشاعر ، مسلوب الأمل ، لم تعرف السعادة طريقها إلى قلبه المتجمد .

تلك الخصلات السوداء الناعمة تتحرك بخفة تزامنا مع معزوفة الطبيعة المسماة بالرياح و عينيه الزمردتين تلمعان ببريق من الثقة و البرود ، أخذ يسير بهدوء في تلك المملكة الواسعة بلا هدف ، يتجول بضع وقت ثم يعود إلى المنزل ليغرق بين كتبه كما اعتاد دائما .

و كأن الوقت تجمد و تركه مكانه بدون أدنى تغيير يطرأ على حياته ، ليس و كأن الأمر أزعجه فهو قد اعتاد على هذا ، فلا فائدة من التذمر الآن ، هذا ما كان يردده لنفسه دائما .

" سأبذل جهدي لهذا أمهلنا بعض الوقت رجاءً "

كان هذا ما قطع سلسلة أفكاره ، التفت إلى مصدر الصوت ليجد صبيا لم يتجاوز الثانية عشر من عمره ، ذا شعر بني و عينين زرقاوتين ، لم تحملا ذلك البريق المميز كبقية أقرانه ، بل تفردتا بلمعةٍ فريدة من الألم .

ابتسامة مرتبكة ارتسمت على تعابير ذلك الصغير و هو يحاول أن يقنع من أمامه بمنحه القليل من الوقت ، كان محادثه شخصا طويل القامة ، ضخم البنية ، قاسي الملامح .

" سأمهلكم شهرا واحدا فقط ، يجب أن تدفعوا لي المبلغ كاملا "

كانت نبرته قاسية جافة ما جعل بعض الخوف يشق طريقه إلى الطفل الذي و الذي أومأ إيجابا فردّ من فوره بارتباك " شكرا لمنحك لنا هذا الوقت يا سيدي ، ستحصل على مال الإيجار فلا تقلق أبدا "

رمقه الرجل بنظرة مخيفة و تحدّث بنبرة قاسية " من الأفضل أن تلتزم بكلامك أيها الغر فأنا لن أتهاون في المرة القادمة "

ازدرد الطفل ريقه بصعوبة و هو على يقين تام بأن هذا الرجل لن يتوانى في تنفيذ تهديده أبدا

أخذت خطوات أقدام الرجل قاسي الملامح تبتعد عن أنظار الطفل فتنهد الأخير بتعب و هو يحاول جمع شتات نفسه .

كان ذلك الشاب ذو الشعر الأسود يتابع ما يحدث أمامه بهدوء شديد ، ثم أخذ يقترب ببطء من الطفل الصغير الذي شعر بالارتباك ، امتدت يد أسود الشعر نحو الصغير فسارع الأخير يغمض عينيه بخوف .

" يدك تنزف "

نبرة هادئة أجبرت الطفل على فتح عينيه و التحديق بمعصم يده اليسرى باستغراب ، فهو قد انتبه للتو إلى ذلك الجرح الذي امتد بشكل أفقي على معصم يده اليسرى .

أخذ أسود الشعر يبحث في حقيبته السوداء الصغيرة عن علبة الإسعافات الأولية التي اعتاد أن يحملها معه دائما ، سحب يد الطفل يشرع بتضميد جرحه فسأله بهدوء " كيف أصبت بهذا الجرح ؟ "

" على الأرجح عندما كنت أعمل " أجابه الطفل بشرود ثم تابع بنبرة هادئة يلفها الحزن " أمي مريضة و والدي توفي منذ وقت طويل و لديّ أخ صغير لهذا فأنا أعمل من أجل توفير المال الكافي لعلاج أمي و لإيجار المنزل أيضا "

كان أسود الشعر يستمع إلى الطفل كارتر بهدوء و هو يفكر كم هو قاسي أن يتحمل طفل في الثانية عشر من عمره المسؤولية في سن صغيرة ، لكنها كانت من عادات القدر القاسي الذي هيمن على هذا العالم إغراق أيّا كان بالأعباء و بالطبع لم يُستثنى الأطفال من هذا .

انتهى أسود الشعر من تضميد يد كارتر فربت على رأس الأخير و هو يقول بنبرة هادئة " ابذل جهدك يا صغير "

أومأ كارتر إيجابا و ردّ من فوره بنبرة مرحة " أجل "

بعد مرور وقت ليس بطويل ، اتجه صاحب الشعر الأسود نحو المقبرة ، و أمام ثلاث قبور جلس القرفصاء يركز بصره نحو شواهدها التي كتب عليها ثلاث أسماء " جريفّين " " بريانّا " " آراف "

عيناه حملتا بريقا فاض بالألم هيمن عليه اليأس ، و لوهلة تلاشى المشهد من أمامه مشوها ، لتصبح نظراته موجهة إلى الفراغ قبل أن يشعر ، هو لا يزال يرفض التصديق أنه فقد عائلته في ليلة واحدة ... جميعا دفعة واحدة ... إنه أمر صعب حقا ...

مشاعره مشوشة تماما كمرآه الآن ، فكيف له أن يدرك شعوره تجاه ما لم يعترف به واقعا حتى الآن ، آملا لو كان كابوسا كتلك التي تراوده كل حين مرتقبا الوقت الذي يصحو فيه فيقصه إلى والدته متذمرًا

اتجهت حدقتا عينيه نحو القبرين اللذان حملا اسم جريفّين و بريانّا ، بصوت حزين و نبرة مكسورة أخذ يحادث صاحبا القبرين " مرحبا أبي ، أمي ... أنا هنا مجددا ... " ثم أردف " غدا هو اليوم المنشود ، سأحرص على وجودي بين النخبة ... و سأذهب إلى هناك بكل تأكيد ... "

تنهد بحزن و أردف " لا أريد أن يعاني أشخاص آخرون ما عانيته ... "

طأطأ رأسه و غرته تغطي عينيه الزمرديتين اللتان حدقتا بقبر حمل شاهده اسم آراف ... تنهد بألم " آراف ... متأكد أنك ستقلق لكن لا تفعل ، سأكون بخير ... "

اعتدل في وقفته مغادرا المكان بسرعة ، يغض النظر عن حقيقة كون جروحه فتحت بالفعل متظاهرا بكونها لم تفعل بعد ...

عند حلول المساء راقب أسود الشعرالسماء الداكنة التي شابه لونها خصلاته الناعمة من نافذة غرفته ثم اتجه إلى مكتبه و حمل دفترا صغيرا ، التمعت عينيه ببريق من العزم عندما ولجت إليهما عبارة "يوم واحد " .

التعديل الأخير تم بواسطة - كاورين. ; 07-01-2018 الساعة 10:22 PM
رد مع اقتباس