عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 04-25-2018, 06:22 PM
 
الفصل السادس : أسئلة بلا أجوبة



تناولت ليجي ملء فمها من الحلوى اللذيذة ونظرت إلى فيكتور عبر الطاولة المزينة بالشموع
- إذا كم جاسوسا اكتشفت حتى الآن ؟
كان يرتدي بنطلوناً أسود اللون ، وسترة بيضاء ، وقميصاً أبيض ، مع ربطة عنق في نور الشموع كانت خطوط وجهه الخشنة أحياناً ترق وتزداد سحراً وهو يبتسم كانت تزداد زرقة عينيه بشكل مذهل وقال :
- ليس بعد إنهم مختفون عن الأنظار لكن لاتقلقي ، فالليل لا زال في أوله
هذا صحيح والقصد من مجيئهما لهذا النادي الفخم لم يكن للمتعة فقط كانت نية فيكتور وفكرته إغراء أعدائه بالظهور علناً منذ وصولهما على الجزيرة في الأيام القليلة الماضية ، كان مقتنعاً في مناسبتين منفصلتين مرة على الشاطئ ومرة في الفيلا ، أن شخصا كان يراقبهما وهو يأمل هنا في النادي أن يكشف النقاب عنه ، أو عنهم قال يقنعها
- في مكان محصور كهذا لن يكون من السهل بقاؤهم مختبئين ، وسيكون من السهل أن نكشف أي إنسان يتصرف بطريقة مشبوهة
- ما يحيرني كيف ستتمكن من التفريق بين جواسيسك الذين تدفع لهم من وكالة التحري ، وبين من يفترض أنهم يلاحقوك لكنني أعتقد أنك في هذه الأمور أكثر خبرة مني
ابتسم بكسل :
- ربما لهذا أجد براءتك ساحرة مع إنك تبدين أقل براءة هذا المساء
أحست بالاحمرار يتسلل من عنقها صعوداً
ونظرته الكسولة تتركز على وجهها ثم فوق ياقة الفستان المتعدد الأوان بتنوره الواسعة ، وخصر يحيط به حزام عريض ، وقلادة ذهبية صغيرة ، تلمع عند عنقها
ابتسم لها :
- هذا الفستان يناسبك عزيزتي أنت هذا المساء افتن من العادة
ارتجفت حين تقابلت نظراتهما :
- ستفسدني دلالاً بكل هذه الإطراءات تذكر نحن الانكليزيات العمليات لسنا معتادات على الفتنة الفرنسية
طبعاً في ظروف أخرى ستصده لكن الشيء الذي يمنعها أنها بحاجة لأن تسحره إنه جزء محسوب بدقة من خطتها

وخطتها الآن تعمل بنجاح فقد تجاوب فيكتور مع تغيير تصرفاتها نحوه بحماس الرجل المتمرس ، فقد تبادل معها الابتسامات والنظرات لكنه لم يخطو خارج الحدود التي كانت تضعها بحزم في ذهنها :
- إذاً ، أنت مسرورة لإصراري على المجئ معك ؟ لا بد وأن تعترفي أنك تمضين وقتاً أفضل معي مما لو كنت مع صديقك الآخر آلن
رفرفت عينيها لعجرفته ، لكنها لم تستطع أن تنكر أن في كلامه بعض الحقيقة فخلال البضعة أيام الماضية كان عند وعده بأن يحرص على أن تتمتع بعطلتها ولم يكن هناك لحظة ملل واحدة
أجابت :
- آلن ليس صديقي كما تظن ، إنه صديق عادي ، كما سبق وقلت لك
- أنا مسرور لسماع هذا وهل لديك آلن آخر في وطنك ؟
- إذا كنت تقصد أصدقاء من الرجال أجل لدي البعض منهم
- لكن ،دون شخص مميز ؟
- ليس في الوقت الحاضر
- إذاً كان هناك في الماضي ؟
كانت على وشك أن تقول له إن هذا ليس من شأنك ، لكن لسبب ما وجدت نفسها ترد :
- مرة ، كان هناك شخص مميز وتبين لي أنني كنت مخطئة
أحست أنه ابتسم :
- هذا ما كنت أظن ، وهذا ما يفسر قلقك لكن يجب أن تتعلمي أن تكوني أكثر ثقة بالناس ، فتاة مثلك يجب أن يكون لها شخص مميز في حياتها لا بد أنك تدركين أنك قد لاتجدين هذا الشخص إذا استمريت في إضاعة الوقت مع شبان مثل آلن

- وما الخطب في آلن ؟
- لا شيء أبداً لفتاة غيرك لكن ليس لك عزيزتي ليجي ما تحتاجين إليه نوع مختلف من الرجال
وهو يميل نحوها فجأة ، ويثبت نظره تجاهها ، قالت :
- وكيف تعرف ما أحتاج إليه ؟ أنت لا تعرف عني في الواقع أي شيء
هب واقفاً وقال :
- دعينا نوضح شيء عما أعنيه تعالي عزيزتي ، دعينا نرقص
استطاعت بصعوبة أن تسيطر على خفقان قلبها وهو يراقصها هل هذا ما يعنيه ؟! هل هذا الإيضاح الذي ينويه ؟ هل يريد أن يظهر لها أنه قادر على التأثير فيها كما لم يؤثر عليها رجل من قبل ؟
- أترين تدعين أنني لا أعرف شيئاً عنك لكنني أعرف الكثير ، أكثر مما تظنين
أحست ببرودة مفاجئة في داخلها هل كشف سرها ؟ أيعرف من هي ؟ بل الأسوأ : هل اكتشف ما تنوي القيام به ؟
لكنه أكمل :
- وكيف يمكن غير هذا ؟ في الأيام الماضية عشنا معاً وأظنك أصبحت تعرفين قليلاً عني كذلك ولم تعودي تعتقدين أنني متوحش

للأسف الشديد هذا صحيح مع مرور كل يوم ، كانت تجد صعوبة أكبر في متابعة النظر إليه كما كانت تنظر من قبل ، وكأنه تجسيد للمكر ، بل لذهولها وجدت فيه أشياء تعجبها ، ولهذا بالرغم من تعاظم القلق بينهما ، لم تحاول أن تنتزع منه أي أسرار ، وهذا يجعلها تحس بالذنب العميق :
- هل أنا محقة أم مخطئة في اعتقادي أنك متوحش ؟
ابتسم بتسلط ، قائلاً :
- سأكون ما تريدين أن أكون إذا كنت تحبين الوحوش فأنا متوحش وإذا كنت تفضلين شيء أكثر رقة ، فسأكون دميتك
مالت إليه تحس بارتباك أكثر من السابق فقد شكت في وجود حقيقة في هذا القول الصادر من قلب خالي فيكتور دوما رشيه كالحرباء المتقلبة ، قادر على أن يكون ما يشاء
توقفت الموسيقى وعادا إلى الطاولة فجأة نادى صوت نسائي :
- فيكتور دمارشيه ! هذا أنت ! على أي حال ! من بين كل الناس ممن التقي بهم صدفة !
لحقت ليجي بعيني فيكتور عبر الطاولات إلى حيث تجلس امرأة شقراء الشعر في ثوب أسود ناعم مسترسل ، تلوح لجذب انتباهه صاح عجباً ، وأسرع نحوها :
- نادين !
بعد عشر دقائق ، جرى إعادة ترتيب الطاولات ، لتجلس ليجي وفيكتور مع نادين وزوجها اللطيف كينيث ، معاً يضحكون ويتبادلون أطراف الحديث

كانت نادين ، كما اكتشفت ليجي على علاقة سابقة مع فيكتور وهذا أدهش ليجي !!
لم تكن مسألة أنهما كانا على علاقة هو الذي صعب على ليجي تصديقه !! فغرام فيكتور بالنساء الجميلات أمر معروف جداً ، ما أدهشها وأربكها هو كونهما الآن وبشكل واضح صديقان عزيزان وهذا شيء لا ينطبق على سمعته العامة كرجل يتخلى عمن يحب بقساوة ، بحيث لا يمكن لصديقة سابقة أن تشعر بمثل هذه اللهفة تجاهه ليست صديقته السابقة فقط ، بل زوجها كذلك ، فمن الواضح أن الثلاثة هم أصدقاء مقربون جداً وتزايد تشوش ليجي
كانوا يتحدثون عن ذوقهم في الموسيقى ، نادين تتحدث عن موسيقى الآلات النحاسية في الكاريبي حين وافق فيكتور ، أطلقت ضحكة خبيثة :
- أرى أنك تتوسع في ذوقك الموسيقي ما كنا نصغي سوى للموسيقى الكلاسيكية !
رد ملاحظتها بمرح :
- هذا غير صحيح ! فأنا لي ذوق عام وواسع في الموسيقى إلى أقصى حد !
قاطعته ليجي بلا تفكير :
- سمعت أنك مولع بالأوبرا ؟
ولم تكن أبداً مستعدة لرد نادين
- ومن قال لك هذا ؟ فيكتور يكره الأوبرا ! لطالما حاولت إقناعه أكثر من مرة ، لكنه كان يرفض حتى الإصغاء إليها !
- لكنني ظننت
وصمتت تتذكر مصدر معلوماتها الخاطئة إنها اليانور ، المتعلقة بحب ( فيردي ) والتي قصت لها تفاصيل رحلتها إلى باريس مع فيكتور ألى دار الأوبرا ، لعرض خاص لأوبرا ( عايدة )
وهي تتراجع في كرسيها مرتبكة ، أكد لها فيكتور :
- نادين محقة تماماً وأنا واثق أن هذه فجوة رهيبة في ثقافتي الموسيقية لكنني لم أحضر أوبرا في حياتي
هزت ليجي كتفيها وضحكت
- لا بد أنني حلمت بالأمر !
مع متابعة الحديث في مواضيع أخرى كان دماغها يمتلئ بسؤال مقلق لماذا تخترع اليانور تلك القصة ؟ هذا لايبدو منطقيا أبداً وهذا قادها لسؤال آخر ، وأكثر بعثاً للقلق إذا كانت اليانور قد اخترعت هذه القصة حول الأوبرا ، أمن الممكن أن تكون اخترعت أشياء أخرى ؟
أحست بخفة غادرة من الإثارة لهذه الفكرة لو كان اتهام اليانور لفيكتور غير صحيح ، فهذا سيبرر تغير مشاعرها نحوه ، ولن تعود تشعر بعقدة الذنب
لكن على الفور شعرت بالخجل من نفسها اليانور شقيقتها ويجب أن يكون ولاءها لها فكذبة صغيرة روتها لا تلغي قصتها كلها
بطريقة ما انتقل الحديث إلى التزلج كانت نادين تسأل فيكتور :
- ألا زلت تحتفظ بالشاليه في ( الهوت سافوا ) ؟
هز فيكتور رأسه ، فالتفتت نادين إلى ليجي :
- يجب أن تقنعيه أن يأخذك يوماً إلى هناك ، خاصة إن كنت تهتمين بالتزلج
دست يدها بعاطفة في ذراع زوجها :
- كينيث وأنا أمضينا أجمل عطلة تزلج هناك منذ سنتين
تجنبت ليجي النظر لفيكتور متعمده ، فهي تتصور مدى تسليه اقتراح نادين !
ردت :
- في الواقع أنا مولعة جداً بالتزلج مع أنني لا زلت مبتدئة
- فليعلمك فيكتور إنه خبير ومعلم صبور ، أؤكد لك هذا
ضحك كينيث :
- وأنا أؤكده أيضاً فهو الذي أخرجني من منحدرات التدريب
مالت نادين نحو زوجها :
- كينيث زوج رائع لكنه قطعاً ليس رياضي وإن كان صادقاً سيقول لك إنه يفضل ما بعد التزلج ، على التزلج نفسه !
وغمزت ليجي مبتسمة وافقها كينيث :
- أنا أحب الجانب الاجتماعي في رحلات التزلج ولحسن الحظ حين تكونين مع فيكتور لا ينقصك هذا
ابتسمت ليجي موافقة فقد أصبحت تعرف عنه هذا ثم أخذت تنظر إلى نادين التي أخذت تضحك فجأة :
- بينما نحن نتحدث في الحياة الاجتماعية ، ما رأيك بتلك الحفلة التي أقمتها السنة الماضية ، وشاركت فيها تلك السيدة المعروفة التي لم تكن هناك لأجل التزلج ؟
سمت رجل سياسي فرنسي وتابعت :
- يالها من قصة فظيعة قديمة الطراز مالذي حدث بالضبط يا فيكتور ؟ لم تخبرنا أبداً بالتفاصيل
بدا مترددا ثم قال :
- كانت قضية غامضة ، واخشي أن أكون نسيت معظم التفاصيل
لكن طريقة إشاحته بعينيه وهو يتكلم ليبدي اهتمام مفاجئ بطاولة قرب الغرفة ، هي
التي أطلقت أجهزة الإنذار في رأس ليجي
استدار كينيث بدبلوماسيه إلى زوجته يدعوها للرقص مدركاً تلميح فيكتور ، وثبتت ليجي عينيها على جانب وجه فيكتور بإحساس ندم مختلط بالخوف
لقد أدركت أنه يخفي شيئاً ربما تكون القصة التي صممت أن تحصل عليها وفي نفس اللحظة ، في أعماق قلبها كانت تصلي أن لا تكون هناك قصة إطلاقاً
افترق الفريق الرباعي بعد منتصف الليل بقليل ، وبعد الاتفاق على اللقاء مجدداً بعد يومين ،وقضاء يوم كامل في عرض البحر وعد كينيث وهما يصعدان كل لسيارته :
- سأتدبر أمر القارب من فندقنا سأتصل بك فيما بعد ، ونتفق على التفاصيل
صعد فيكتور إلى الكاديلاك ، وأدار المحرك ونظر إليها :
- هل تمتعت بالأمسية ؟
- جداً إن نادين وكينيث شخصان رائعان حقاً وأنا سعيدة للقائنا بهما ومع ذلك ، من المؤسف أنك لم تلق القبض على أي جاسوس !
دفع فيكتور مقبض المحرك لمستوى القيادة ، وغمزها قائلاً :
- لكنك مخطئة ! قد لا أكون نجحت في إلقاء القبض على أحد إلا أنني تمكنت من ملاحظتهم على أي حال كانت هناك امرأة حمراء الشعر ، وشاب نحيل يجلسان على بعد طاولتين منا وكان لهما بكل تأكيد اهتمام بنا تمكنت من النظر إليهما جيداً ، وأنا واثق تماماً أنني سأعرفهما لو رأيتهما مرة أخرى
- هذا جيد
لكنها لاحظت بأنها تجد صعوبة في فهم كلمة مما يقول لأنه كان ينظر إليها بثبات
أخذت نفساً عميقاً لتوقف نبض قلبها وسألته :
- إذاً ، ما هي الخطوة الثانية ؟
- لست واثقاً بالضبط أعتقد أنني سأبقى مترقباً لأرى ما إذا كنت سأراهما مرة أخرى يبدو أن خطتنا بدأت تعمل
هزت رأسها كالمسحورة وأجابت :
- عظيم
لكنها في الواقع لم تعرف أهذا جيد أم لا
توقف فيكتور تحت الشرفة المضيئة للفيلا وشد المكبح اليدوي وليجي تمد يدها إلى المقبض ، استدار إليها ووضع ذراعه على مقعدها ليتأملها من جديد بنظراته
نظرت إلى عينيه بإحساس شوق يائس وفي تلك اللحظة صدمتها فكرة فقطبت في وجهه بينما خفق قلبها بشدة :
- ذانك الشخصان اللذان شاهدتهما في النادي متى لمحتهما بالضبط ؟ في أية مرحلة من الأمسية ؟
انضم حاجباه معاً :
- لا أتذكر كان ذلك حوالي النهاية
- حين كنا نتكلم عن التزلج ؟ قبل أن يذهب نادين وكينيث للرقص ؟
هز رأسه :
- أجل في الواقع أعتقد ذلك وما الفرق ؟ ولماذا أردت أن تعرفي ؟
- لا سبب لا سبب أبداً
ابتسامة كبيرة ملأت وجهها فقد عرفت لماذا تغير مزاجه عندما أثارت نادين موضوع تلك الفضيحة فوق جبال الألب ، وليس السبب ما ارتابت به ليجي من قبل فهو لم يكن يشعر بالذنب إطلاقاً بل السبب أنه في تلك اللحظة شاهد الشخصين يراقبانهما
رقص قلبها في داخلها كانت مخطئة في أن تشك به لم يكن يحاول إخفاء شيء ما ! ثم تذكرت كذبة اليانور حول الأوبرا وخاصية صداقة فيكتور لنادين ، صديقته السابقة كل الأشياء السيئة التي سمعتها عنه لا يمكن أن تكون صحيحة ! هي وبقية العالم أساءوا الحكم عليه!!
أحست بقبضة مفاجئة من الحزن تمزق قلبها فقد أدركت فجأة ، وهو يستدير عنها ، أن الشوق في داخلها ، لن يستجاب ومع أنها بالنسبة له مجرد امرأة من بين الآلاف ، صورة مارة سرعان ما ينساها إلا أنها في تلك اللحظة كانت مستعدة لبيع روحها من أجل أن تسمع منه تمتمة لكلمة حب واحدة !
__________________

يا رفاق ،ترقبوا ، زمن من المفرقعات قادم!

┊سبحان الله ┊ الحمدلله لا إله إلا اللهالله أكبراستغفر الله
هل لديك ما تخبرني إياه ؟| مدونتي | معرضي