عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 02-22-2018, 06:06 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('https://f.top4top.net/p_772ibz7i5.png');"][cell="filter:;"][align=center]
الفصل التاسع والعشرون
--------








صرخت دنيا فى وجه وائل وصاحت بعصبية شديدة :
- أنت بتستهبل يعنى أيه مش لاقيه هيكون راح فين أختفى يعنى
تبادل معها الصراخ وأخذ يصيح بأنهيار :
- وأنا هستهبل ليه هو انا مش رايح معاكى فى نفس الداهية ولا أيه بقولك أختفى أختفى لا تليفون ولا مكتب ومعرفش بيته عاوزانى أعمل أيه اضرب الودع ولا افتح الكوتشينه
جلست ودفت راسها بين كفيها وهى تنوح وتبكى ثم تنهض وتدور حول نفسها فى المكان هائمةً على وجهها وهى تقول بهيستيرية :
- يعنى ايه .. وقعنا فى المصيبة دى وسابنا وخلع ..ده أحنا قدامنا أقل من شهر والتحقيقات تبدأ معانا وساعتها هنتحبس على ذمة التحقيق وياعالم هنطلع تانى ولا لاء .. ألتفتت إليه صارخه بجنون :
- ما ترد عليا يا بنى آدم هنعمل ايه
أتجه نحوها ودفعها من كتفها وهو يصيح :
- معرفش معرفش .. ياريتنى ما كنت سمعت كلامه ياريتنى ماكنت بصيت لفلوس القضيه دى أدينى هتحبس معاكى ومستقبلى هيضيع
نظرت له بذهول وهى تقول غاضبة :
- طب ليه عمل كده ليه .. كان قصده أيه من كده ياخد الفلوس ويحبس فارس ويضيع مستقبلى ويحبسنى وخلاص طب ليه
ضرب وائل قبضته فى الجدار وهو يقول بخزى :
- هو أنتى لوحدك .. منا كمان ضيعلى مستقبلى وهيحبسنى بسببه ..قالى مكلش دعوه أنا هوقف الظابط عند حده ومش هيروح المحكمه وطلع بيضحك علينا .. زى ما يكون كان قاصد يعمل فينا كده من الاول وكان بيلاعبنا بصوابعه زى عرايس الخشب ..يخلينا نروح نتفق مع سكرتير النيابه وندفعله الفلوس وهو بعيد ويخالينى اروح للظابط اساومه هو الشهود وهو بعيد ضربالجدار بقبضته مرة تلو مرة وهو يهتف حانقاً :
- غبى أنا غبى كان لازم أخد بالى
لمعت فكرة فجأة فى رأسها وهى تقول :
- لاء أنا مش هسمح بكده .. أنا هجدد جواز سفرى وهخرج بره مصر باقصى سرعة مفيش وقت
ألتفت إليها وقد واتته نفس الفكرة ولكنه قال :
- وأنا بقى لو سافرت وهربت .. أسيب مراتى وعيالى لمين هنا
تقدمت نحو الباب وفتحته بعنف وهى تصرخ فيه :
- أطلع بره يا وش النحس أنت أطلع بره
خرج وهو ينظ إليها نظرات محتقرة بإزدراء فصفعت الباب خلفه بقوة وأخذت تتنفس بصعوبة وهى تفرك يديها بتوتر وخوف وتدور حول نفسها ذهاباً وأياباً وهى تفكر فى كيفية أنجاز جواز السفر سريعاً لتستطيع الهرب وفى خضم أفكارها المتلاطمة المتناثرة غفلت شىء مهم جدا وهو أنها لاتستطيع السفر دون أذن الزوج ...
**********************************************
أجتازت مُهرة أمتحانات الثانوية بصعوبة بعد كل تلك الظروف التى كانت تحيط بها قرب وقت أختباراتها لم تكن النتيجة مرضيه بالنسبة لها بشكل كبير ولكنها كانت كافية لتدخلها عالمه الكبير الذى كانت تنظر إليه من بعيد منذ صغرها ... فتحت أم فارس الباب لتجد مُهرة واقفة أمامها والابتسامة الواسعة على شفتيها ورفعت أمام عينيها خطاب كبير نوعا ما وقالت بشغف كبير :
- كلية الحقوق جامعة القاهرة
ضحكت أم فارس وهى تجذبها للداخل وتقول :
- والله أنتى مجنونة حقوق أيه يابنتى هو أ،تى تنفعى فى الحقوق
رفعت كتفيها وهى تقول بطفولة مخلطوة بالخجل :
- مش مهم المهم أنى دخلتها أخيرا
حركت أم فارس رأسها بدهشة يمنة ويسرا وهى تقول :
- طب وأنتى فين أحلامك لنفسك
ألفت مُهرة بجسدها على الاريكة وهى تقول بتلقائية :
- هو ده حلمى وأدينى حققته خلاص
كادت أم فارس أن تتابع حديثها لولا أن سمعت طرقات أخرى على باب الشقة .. عدلت مُهرة من جلستها بينما أتجهت أم فارس لتنظر من الطارق .. فتحت الباب فوجدت شاب لم ترى من قبل ولكنه أبتسم وقال بأحترام :
- السلام عليكم يا حجه
نظرت إليه بتسائل وهى تقول :
- وعليكم السلام يابنى
قال بأهتمام :
- مش دى شقة الدكتور فارس سيف الدين
قالت وهى تومىء برأسها :
- أيوا يابنى هيا
مد يده لها بخطاب قائلاً :
- الجواب ده للأستاذ فارس
وقبل أن تتكلم قال بسرعة :
- أنا عارف أنه مش موجود دلوقتى بس لو سمحتى الجواب ده مهم جدا من فضلك تحاولى توصليه ليه بأى طريقه عن أذنك
حاولت أن توقفه ولكنه لم يعطيها الفرصة وهبط درجات السلم سريعاً
أغلقت الباب وهى تقلب الخطاب بين يديها بدهشة متسائلة :
- ياترى من مين الجواب ده
نهضت مُهرة وتوجهت إليها وهى تنظر الى الخطاب بين يدها وقالت :
- من مين الجواب ده يا ماما
- معرفش يا بنتى بس بيقولى أنى لازم أوصله لفارس ضرورى
قالت كلمتها وهى تفتحه وتقول :
- لما نشوف فى أيه ده كمان
حاولت أن تدقق النظر فيه ولكن الخط كان صغيرا فلم تستطع أن تقرأه بوضوح فدفعته لمُهرة وهى تقول :
- خدى أقريهولى يا مُهرة لحسن الخط صغير أوى
أخذته مُهرة من يدها ونظرت فيه وبدأت فى القراءة بصوت مسموع ... عزيزى دكتور فارس مش مهم تعرف أنا مين المهم انى عندى معلومات مهمه جدا ليك .. أنا مش عارف أنت أتخدعت بسهوله كده أزاى لكن أنا أحب أنى اشيل الغمامه دى من على عينك وأقولك أن مراتك بعد أبوها ما مات على طول راحت لباسم مكتبه بعد ما حطت لامها منوم و........ لم تستطع مُهرة القراءة شهقت وهى تضع يدها على فمها .. حثتها أم فارس على المتابعه وهى تمسكها من ذراعها وتقول بجديه :
- كملى يا مُهرة سكتى ليه
تلعثمت مُهرة وهى لا تعرف ماذا تفعل فقالت :
- ماما الجواب ده مش لازم يوصل فارس أبدا
شدت أم فارس على ذراعها وقالت بتصميم :
- هتكملى ولا أنده حد تانى يكملهولى
أعادت مُهرة قراءة الخطاب فى ترتت وبصوت مضطرب ... بينما أخذ وجه أم فارس متقع وهى تحدق فى الراغ حتى أنهت مُهرة قراءته فرفعت وجهها إلى أم فارس وربتت على كتفها قائلة :
- ماما الله يخاليكى أهدى شويه أنتى الضغط بيعلى عندك بسرعة
لمعت الدموع فى عينيها وهى تقول :
- يا حبيبى يابنى وكنت كاتم فى نفسك كل ده وساكت طب ليه يا فارس سكت ليه
نظرت لها مُهرة بعدم فهم وقالت متسائلة :
- يعنى أيه الكلام ده هو فارس كان عارف
عقدت حاجبيهاوهى تقول غير مصدقة :
- مش عارفه اذا كان عارف ولا لاء بس كل تصرفاته بعد رجعوا من اسكندرية كانت بتقول أنهم مش كويسين مع بعض .. مع أنهم مكانش لسه بقالهم اسبوع متجوزين جديد .. وهو شكله كان كأنه شايل هم كبير أوى ومش عارف يا حبيب أمه يتكلم مع حد .. دمعت عينيها وهى تقول بتاثر :
- أتاريه مكنش عاوز يفضحها ..ز تقوم فى الاخر تعمل فيه كده .. بقى يسترها ويخبى سرها وفى اخلار تبهدله البهدله دى وكل ده علشان انت طمعانه فى القضيه وفلوسها ..
وضعت مُهرة الخطاب بجوارها ولفت ذراعيها حول ذراع أم فارس واسندت راسها على كتفها وقد أنزلفت دمعتين من عينيها فى صمت .. ثم قالت :
- مش لازم يشوف الجواب ده يا ماما أحنا لازم نقطعه ده ممكن يتهور ويعمل فيها حاجه
قالت كلمتها ومدت يدها للخطاب وقبضت عليه فى راحتها تريد بقوة ونهضت لتلقى به فى القمامه ولكن أم فارس أوقفتها وجذبت الخطاب منها وقالت بتصميم :
- مش هنسترها تانى لا انا ولا أبنى خلاص .. لازم يشوف الجواب ولام تاخد جزائها علشان نارى تبرد شويه وأنا عارفه انه مش هيأذى نفسه بس كفايه انه يبرد ناره شويه ويعرف اللى حواليه عملوا فيه كد ليه ...
مسحت مُهرة دموعها براحتيها عندما سمعت رنين هاتف المنزل وتوجهت لتجيب المتصل وهى تقول :
- السلام عليكم
أتاها صوتاً محملاً بالفرحة واللهفة .. صوتاً كان ولا يزال محملاً بالحنان الجارف دائماً ..سقطت السماعة من يدها المرتعشة على اثر المفاجأة الغير متوقعة عندما سمعته يقول بشوق :
- مُهرة ...
ألتقطت السماعة سريعاً ووضعتها على أذنها غير مصدقة وأم فارس تنظر إليها متعجبة منها ولكن دهشتها زالت وقفزت فرحاً من مكانها عندما سمعتها تقول بأنفاس متقطة :
- فارس ...
أخذت أم فارس سماعة الهاتف من يدها ووضعتها على أذنها تمسكها بيدها الاثنتين فى شوق ولهفة وهى تقول :
- فارس أبنى أنت بتتكلم منين
وضعت مُهرة يدها على صدرها وهى تشعر أن قلبها سيقفز من مكانه فرحاً وأحتقن وجهها بشدة وهى تستمع لأم فارس تقول من بين دموعها :
- يعنى أنت طلعت يا فارس ؟..بجد يابنى طلعت طب أنت فين
ثم أخذت تقبل السماعة وهى تبكى قائلة :
- تعالى بسرعة يا فارس تعالى بسرعة نفسى أخدك فى حضنى يابنى وحشتنى أوى
أنهى فارس المكالمه وهو يمسح دموعه ويد الدكتور حمدى تربط على كتفه قائلا بمرح :
- أيه ده هو أنت لسه شوفت حاجه أومال لما تروح بقى هتعمل أيه
ثم مد يده بالهاتف الى بلال قائلاً :
- يالا خد أنت كمان التليفون وكلم والدتك وبلغها أنت خرجت
ابتسم بلال وأستنشق الهواء النقى خارج جدران المعتقل حتى أمتلى ء صدره به ثم زفر بهدوء وقال :
- لا يا دكتور معلش أنا عاوز أعملهم مفاجأة
ضحك الدكتور حمدى وهو يقول :
- حرام عليك يلاقوك قدامهم كده فجأة
ضحك فارس ثم قال :
- طول عمره بتاع مقالب يا دكتور هو كده من زمان
ضحك ثلاثتهم وهم يستقلون سيارة الدكتور حمدى فى طريقهم الى منازلهم ...
كان الدكتور حمدى يقود السيارة وهو ينظر الى فارس الجالس بجواره نظرات خاطفة ورأسه يدور لا يعلم ماذا يفعل .. لابد أن يخبره بأمر زوجته التى قدمت ضده بلاغ وزجت به فى معتقلات الاهوال تلك ظلماً ولكن هل يخبره الان أم ماذا ؟... قطع فارس عليه تفكيره وقال متسائلا :
- معرفتش يا دكتور مين اللى عمل فينا كده ؟
ألتفت اليه الدكتور حمدى ثم أعاد النظر للطريق وقد حسم أمره ثم قال :
- فارس .. لازم تعرف الدنيا دى كلها فيها الكويس وفيها الوحش فيها اللى بيعمل خير لوجه الله من غير سبب وفيها برضه اللى بيأذى الناس من غير سبب ولو الاذيه جاتلك من اقرب الناس ليك أوعى تزعل نفسك ابدا واعرف ان ربنا بيكشفلك اللى حواليك علشان متفضلش عايش موهوم ومخدوع فيهم .. أستدار فارس بجسده إليه ونظر للخلف الى حيث بلال ألتقت نظراتهما فى تسائل صامت قطعه فارس وهو يلتفت الى الدكتور حمدى قائلا :
- الكلام ده معناه ان حضرتك عرفت مين
أومأ الدكتور حمدى برأسه وهو يقول :
- أيوا عرفت ... بس كنت محتار اقولك دلوقتى ولا لما تروح بيتك وترتاح شويه من اللى شفته
أعتدل بلال فى جلسته وقد شعر أن الدكتور حمدى يقصد شخصاً قريب جدا من فارس بينما قال فارس سريعاً :
- مين يا دكتور قولى مين
أضطرب صوت الدكتور حمدى وهو يقول ببطء :
- مراتك دنيا
أتسعت عين فارس هلعاً ونظر إلى بلال الذى لم تكن الصدمة عليه اقل من فارس .. حدقا فى بعضهما البعض بينما هتف فارس :
- دنيا مراتى .. أزاى وليه .. حضرتك متأد يا دكتور متأكد أنها مراتى اللى عملت فيا كده
ظهر الاسف على وجة الدكتور حمدى وهو يقول بإشفاق :
- هو ده اللى أنا عرفته ولعلمك محدش هيقدر يجاوب على سؤال ليه ده.. الا أنت بس .. أنت بس اللى ممكن تقولنا ليه هى عملت كده
أعتدل فارس فى جلسته مصدوماً واستند بظهره الى مقعده وقد أحتق وجهه غضباً وحنقاً وضرب باب السيارة بقبضة بقوة وهو يهتف :
- سؤال ايه اللى اجاوب عليه .. هو فى حاجه بين راجل ومراته مهما كانت تخاليها تعمل كده فيه .. ليه يا دنيا تعملى فيا كده ليه ده أنا .. بتر كلمته وابتلعها قبل أن يكملها .. كان سيقول ده انا سترتك ومرضتش افضحك .. ولكن فروسيته المعهودة أبت ذلك ... ربت بلال على كتفه من الخلف ثم قال :
- أستنى يا فارس لما تقابلها وتتكلم معاها بهدوء شويه أحنا لسه مش عارفين حاجه أستنى لما تسمعلها الاول
ألتفت إليه فارس غاضباً وهو يقول :
- هتقولى ايه يا بلال هتقولى بلغت عنى وعن صحابى ليه .. ليه
ربت على كتفه مرة أخرى وهو يدعوه للهدوء مرة أخرى وأن ينتظر حتى يسمع منها حتى هدأ فارس بعض الشىء وصمت غضبه خارجياً ولكن قلبه كان مشتعلاً .. كيف تفعل فيه ذلك بعد كل ما فعله من أجلها ...
**************************************
أقتربت سيارة الدكتور حمدى من منزل بلال الذى شعر بنشوة وأنتشاء حينما لاح جانب المنزل من بعيد فقال سريعاً :
- كفايه هنا يا دكتور معلش تعبناك معانا
أبتسم الدكتور حمدى بوقارحيث قال :
- تعب أيه بس هو أنا اللى أتعلقت ...
قال كلمته وضحك بينما أنفجر بلال ضاحكاً ثم قال :
- بعد اللى شوفته فى المعتقل ده بيتهيألى مفيش مصرى متعلقش
ضحكا هما الاثنان بينما كان فارس واجماً شارداً فى عالمه الخاص ... ترجل بلال من السياره وأنحنى بأتجاه فارس وضع يده على كتفه قائلا :
- الهدوء هو اللى هيعرفك السبب مش الغضب أهدى وتوكل على الله
أومأ له فارس برأسه بينما شرع الدكتور حمدى فى الانظلاق بالسيارة الى حيث منزل فارس
صعد بلال درج منزله بهدوء ومر بجوار باب المركز الخاص به ونظر نظرةً فى الخفاء متعجباً .. المركز خاوى ولكنه مفتوح وكأنه يعمل وكأنه لم يُغلق يوماً وفى هذه اللحظة شعر بمن يضع يده على كتفه من الخلف قائلا بخشونه :
- مين حضرتك
ألتفت إليه بلال وأبتسم فى وجه الممرض المساعد له فى المركز والذى ما أن رآه حتى كاد أن يهتف متفاجأً بأسمه لولا أن وضع بلال يده على فمه وكممه حتى هدأ ثم رفع يدهعنه وهو يشير له بالصمت .. هتف المساعد بسعادة:
- دكتور بلال أنت رجعت من السفر أمتى وأيه المفجأة الحلوه دى
أبتسم بلال وهو يجيبه بصوت خفيض :
- الله يسلمك ها أخبار المركز أيه
رفع المساعد كتفيه وهو يقول :
- حضرتك مشيت من غير ما تقولى وطبعا الناس ابتدت تضايق من سفرك المفاجىء.. قفلنا شويه بس زوجة حضرتك فتحته تانى ورجعنا كلمنا الناس وبلغناهم ان سبب سفرك كان ضرورى ومسألة حياة أو موت والناس تفهمت الوضع وبلغناهم أننا هنتصل بيهم تانى لما المركز يرجع يشتغل تانى
ظهرت البشاشة على وجه بلال مقدراً لمجهود زوجته فى الحفاظ على سمعته كطبيب فلم تكن عبير تطمح فى أن ينتظره المرضى فالمرض لا يمكن الصبر عليه ولكن كل طموحها كان فى الحفاظ على سمعته طبيب حتى لا تتأثر بهذا الاختفاء المفاجىء وأنتقطاعه عن متابعة المرضى ... ألتفت إلى مساعده وقال متسائلا:
- وأنت كنت فاتح ليه دلوقتى
قال المساعد :
- مش أنا دى زوجة حضرتك وأنا كنت نازل أشترى شوية أدوات نظافة للمركز
رفع بلال حاجبيه قائلا:
- يعنى هى جوه دلوقتى ؟
أومأ المساعد برأسه ثم قال :
- قالتلى اجيب الحاجات دى ولما أنا أرجع هى هتمشى على طول
أخذ بلال الادوات من يد المساعد وقال :
- خلاص أمشى أنت النهارده أجازة بمناسبة رجوعى
كانت عبير تجلس على مقعده خلف مكتبة وهى تقلب أوراقه وتحاول فهم ما بها برغم صعوبتها ولكنها شعرت بمقبض الباب يفتح فعقدت جبينها وأنزلت النقاب على وجهها ونهضت واقفة بتوتر .. عقدت جبينها بقوة وهى لا تعلم أنها سترى أحب الوجوه إليها على الاطلاق .. فُتح الباب ولكن أحداً لم يدخل ولكنها سمعت صوته يقول :
- خايف أدخل فجأة تتخضى
صرخت عبير ووضعت يدها على فمها وجرت بأتجاه الباب وفتحته بلهفة لتنظر إليه والى أبتسامتة التى زينة وجهه وابتبعت ريقها وهى تحدق به غير مصدقة أنه يقف امامها .. لم تمضى عليها ثوانى حتى دارت رأسها وسقطت مكانها ولكنها لم تفقد الوعى ... حملها بلال وأغلق الباب خلفه بقدمه وتوجه بها الى مقعد الكشف الكبير ووضعها برفق ورفع النقاب من على وجهها وهو يقول بلوعة :
- عبير أنتى كويسه
نظرت إليه بعيون دامعة وهى تقول بوهن :
- أنت بجد ولا حلم
أبتسم وهو يمسح على وجنتها ويمرر أنامله على وجهها وهو يقول هامساً :
- بجد يا حبيبتى ..أنا طلعت النهارده وقلت أعملكم مفجأة بس أظاهر انى غلط
وضعت يدها على وجهه تتحسسه بإضطراب وهى مازالت غير مصدقة وتقول :
- يعنى أنا مش بحلم .. قالت كلمتها وبدأت فى بكاء مرير ولفت ذراعيها حول رقبته وعانقته بقوة وهى تتشممه وتبكى وتنتفض وتقول هاتفة :
- يارب مكنش بحلم يارب تكون حقيقى يا بلال يارب تكون رجعتلى اخيرا يا حبيبى
عانقها بلال وضمها إليه بقوة وهو يمسح على ظهرها برقه وقد أغرورقت عيناه بالدموع من فرط تأثرة بكلماتها وهو يقول مطمئناً :
- أطمنى يا حبيبتى أنا هنا والله أنا بجد والله أطمنى ... وحشتينى وحشتينى أوى
رفعت راسها من صدره ونظرت إليه مرة أخرى وهى تمسك بوجهه بن راحتيها وقالت :
- شفت الولاد وماما ولا لسه
هز راسه نفياً وهو يقول مبتسماً :
- لاء أنا لما عرفت أنك هنا مقدرتش أروح فى حته تانيه دخلتلك على طول
أنتبهت عبير وهى تقول :
- هو بره ؟
هز رايه نفياً مرة أخرى وتلمس وجنتها وهو يتأملها قائلاً بشوق :
- متقلقيش أنا مشيته وقفلت باب المركز من جوه .. يعنى أحنا لوحدنا دلوقتى
نرت له وابتسمت بحب فقال بمرح :
- فاكرة الكرسى ده لما قعدتى عليه أول مرة وكنتى خايفه أحسن أكشف عليكى
ضحكت وهى تحيط عنقه بيدها قائلة :
- فاكره


نهض من على مقعده وجلس جوارها قائلا بخفوت :
- ألا هى رجلك عامله ايه دلوقتى !!!!
ضحكت عبير برقة وحب وشوق كبير .. ها قد استعادت الزهرة عبيرها وشذاها الخلاب وكأنها عادت للحياة من جديد بلمسة من بستانيها الخبير لتتفتح وتزدهر على ألحان قلبه وهو يسقيها بعذب كلماته التى ينتقيها دائما لها كما ينتقى البستانى زهوره بحب وأهتمام ورقة ... وضمير .
*************************************
هتفت أم فارس وهى توجه كلامه لأم يحيى قائلة :
- يالا بسرعه يا أم يحيى زمانهم على وصول
وضعت أم يحيى القدر على النار وهى تقول :
- مش كانوا بلغونا من بدرى كنا عاملنا اصناف كتير
مسحت مُهرة العرق من جبينها بظهر يدها وهى تقول :
- كده خلاص الرز كمان خلص .. يعنى قربنا نخلص الاكل بس يستوى وخلاص كده
قالت أم يحيى لمُهرة :
- تصدقى يا بت يا مُهرة أول مرة أعرف أنك بتعرفى تطبخى
قالت أم فارس بسرعه معاتبة :
- وهتعرفى منين متخاليناش نتكلم بقى
ضحكت مُهرة وهى تضع قبله صغيرة على وجنة أم فارس قائلة :
- خلاص بقى المسامح كريم
غيرت أم يحيى مجرى الحديث قائلة :
- طب ايه رأيكوا أنزل أجيب شويه ملوخيه بالمره اصلى حاسه أن الاكل ده قليل
قالت مُهرة مبتسمة وهى تنظر تقطع خضروات السلطة بحماس :
- اصلاً الدكتور فارس لما بيكون مبسوط مش بياكل كتير علشان كده متتعبيش نفسك المهم بس السلطه جنب الاكل علشان بيحبها أوى كده
توجهت أم يحيى خارج المطبخ وهى تقول :
- أنا سامعه دوشه تحت هروح أشوف خناقه دى ولا أيه
خرجت أم يحيى بينما أنتفض قلب مُهرة وهى تقول بخفوت :
- شكلهم وصلوا


نظرت لها أم فارس متسائله بينما خرجت مُهرة تهرول متوجهة الى غرفة أم فارس وبدلت ملابسها التى كانت ترتديها فى المنزل وارتدت ملابسها المحتشمة ووضعت الحجاب على راسها وخرجت مسرعة الى المطبخ فلم تجد أم فارس وسمعت صوتها وصوت والدتها آتى من الشرفة فخرجت إليهم سريعاً وهى تلتقط انفاسها بصعوبة والابتسامة الواسعة مرتسمة على شفتيها وقد ايقنت أنه قد جاء .. وقفت بجوارهما فى الشرفة لتنظر الى جيرانهم وأهل شارعهم البسيط وهم ملتفون حوله والدكتور حمدى يقف بجواره مبتسماً وسعيداً بهذا الحب الذى يحظى به فارس من الجميع ... شعرت أن قلبها سيخرج من صدرها ويقفز من الشرفة إليه وضعت يدها على صدرها تمنعه وتصده عن الجنون وأحمر وجهها بشدة وتسللت الدموع من مقلتيها رغماً عنها مختلطة بابتسامتها التى ملئت وجهها ... رفع فارس وجهه للشرفة وهو يحاول تخطى الجميع بصعوبة ليستطيع أن يرى والدته التى كانت تهتف باسمه وتدعوه للصعود بسرعة .. كانت تلك النظرة كفيلة أن يراها ولو لثوانى ويرى تعابير وجهها ودموعها .. تراجعت مُهرة خطوة للوراء وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة وشعرت أنها لن تستطيع أن تحتمل هذا اللقاء .. خرجت من الشرفة تجرى الى باب الشقة فتحته وصعدت بسرعة وهى تسمع وق اقدامه على السلم يصعد بسرعة أكبر من التى تصعد هى بها ولكن خوفها من لقاءه جعلها تسرع أكثر حتى وصلت لباب شقتها .. أختفت بعيدة عن السلم واستمعت لوقع اقدامه وهو يقترب من شقته ويتبعه الدكتور حمدى .. وسمعت والدته وهى تبكى وتهتف باسمه ... عانقته والدته بلهفة وحنان وضمته الى صدرها بقوة وهى تبكى .. جعل يمسح على رأسها وظهرها وهو يقول :
- وحشتينى أوى يا أمى .
دخل شقت وهو يلف ذراعه حول كتفها وهو يقول للدكتور حمدى :
- أتفضل يا دكتور أتفضل
ثم نظر الى أم يحيى التى كانت تقول بفرحة :
- ألف حمدلله على سلامتك يا دكتور
أبتسم فارس وهو يومىء براسه قائلا:
- الله يسلمك يا ست أم يحيى
تجولت عيناه فى المكان سريعاً ... كان يتوقع أن يراها ولكنها غير موجوده .. تحول بنظرة الى المطبخ فربما تكون هناك وهنا قالت والدته وهى تضيق عينيها بمكر :
- بتدور على حد ؟
ألتفت برأسه إليها وقال متلعثماً :
- ها لالا مفيش ..أنا بس هموت من الجوع وحشنى أكلك اوى يا ماما
قالت وهى تشير لعينيها :
- من عنيا يا حبيبى
سمع أم يحيى وهى تقول موجهة كلامها لأم فارس :
- هى البت مُهرة مش كانت واقفة معانا فى البلكونه أختفت فين البت دى فجأة
قالت أم فارس مبتسمة :
- شكلها طلعت فوق


ظلت مُهرة واقفة أعلى الدرج أمام باب شقتها لا تعرف ماذا تفعل تخاف من مواجهته وان ينظر إليها بعد الخخطارة التى كتبتها على ظهر الصورة وأرسلتها إليه قاصدة أن تخفف عنه وتلهمه الحل وهدوء النفس فى حالة معرفته بما فعلت زوجته به .. وضعت أم فارس الطعام على المائدة بمساعدة أم يحيى التى قالت :
- معلش بقى يا دكتور لو لقيت الاكل فيه حاجه متعيبش عليا أصل مُهرة هى اللى عامله معظمه تقريبا .. جلس الى المائدة هو والدكتور حمدى وهو يقول لها :
- تسلم ايدها وايدك يا أم يحيى .. تنتحنح ثم قال :
- هى عامله ايه صحيح .. فى الامتحانات يعنى


قالت أم يحيى بتلقائية:
- الحمد لله يا دكتور نجحت بالعافيه بس معذورة والله دى بتذاكر جامد أوى وشاطره بس ابوها لما ضربها ومنعها من الدروس والخروج نفسيتها تعبت
أعتدل فارس وقطب جبينه وقال بضيق :
- وابوها يضربها ليه يعنى
وضعت أم فارس يدها على كتف أم يحيى وقالت :
- خلاص بقى يا أم يحيى سيبيهم ياكلوا
كرر فارس جملته مرة أخرى بتصميم فقالت أم يحيى :
- أصله كان عاوز يرجعها للواد اللى اسمه علاء ده وهى رفضت ونشفت دماغها قام ابوها أتغاظ منها شويه كده ومد ايده عليها وكان هيمنعها من الامتحانات كمان لولا الست أم فارس جات خدتها بالعافيه من فوق وقعدتها معاها هنا لحد ما خلصت امتحانات
نظر فارس لوالدته التى قالت على الفور للدكتور حمدى :
- معلش يا دكتور وجعنالك دماغك .. ونظر الى فارس وقالت :
- يالا بقى أتغدوا أنتوا على ما نعملكوا الشاى
لم يأكل الدكتور حمدى الا القليل ثم نظر الى فارس الذى كان شارداً فلم يأكل الا القيلي هو أيضا ثم قال :
- بقولك ايه يا فارس لما تقرر تروح لمراتك قولى علشان اجى معاك مش هينفع اسيبك لوحدك لتتهور عليها ولا حاجه
هز فارس رأسه وهو واجم وقال بامتنان :
- متخافش عليا يا دكتور أنا همسك أعصابى على الاخر معاها
رفع فارس وجهه من الخطاب الذى قدمته اليه والدته بعد أنصراف الدكتور حمدى وأم يحيى وكان وجهه محتقناً بشدة وصدره يعلو ويهبط بجنون ثم هب واقفاً وأتجه نحو الباب بغضب شديد حاولت والدته منعه ولكنها لم تستطع ...
أتجه الى بيتها فى غضب شديد وبمجرد أن اقترب أخرج سلسلة مفاتيحه الخاصه لسوء حظ دنياكان مازال محتفظ بمفتاح شقتها منذ ان كان معها هناك بعد وفاة والدتها .. وبدون مقدمات فتح الباب ودخل فلم يجد الا الهدوء والسكون .. دار فى الشقة سريعاً وقسمات وجهه تنطق ضيقا وغضبا فلم يجدها دخل غرفتها مرة أخرى وأخرج ملابسها من الخزانة بعصبية وقذف بها فى كل مكان باحثا عن أى شىء آخر يدينها أمتلئة أركان غرفتها بملابسها وأنقلبت الغرفة رأساً على عقب .. وأخذ مقعد وجلس ينتظرها والشرر يتطاير من عينيه .. مرت ساعة من الوقت وأذا به يسمع المفتاح يدور فى الباب من الخارج فعلم أنها قد حضرت أخيراً .. فتحت دنيا الباب بارهاق واضح ووضعت بعض الاطعمه التى أحضرتها على الطاولة ثم توجهت الى غرفة نومها لتبدل ملابسها ولكنها تسمرت مكانها بمجرد أن فتحت الباب لتجد ملابسها مبعثرة فى كل مكان حدقت فى الغرفة لبرهة قبل أن تشعر بيد تمتد إليها من خلف الباب لتجذبها من شعرها بقوة وتطرحها ارضاً ... سقطت دنيا على الارض وهى تصرخ ولكن صرختها تحاشت فى حلقها عندما نظرت الى وجه مهاجمها .. وقالت بفزع :
- فارس !!!!
تقدم نحوها وعينيه ينبعث من الشرر والغضب تراجعت للخلف وكأن لسعات غضبه تطولها فتحرقها .. نظر لها بأحتقار ورفع يده وصفعها بقوة على وجهها وهو يهتف بها :
- حقيييييرة
وقعت على المقعد الصغير وقبل أن تنهض تقدم منها بسرعة وقبض على شعرها بقوة وهو ينظر إليها بتقزز واشمئزاز قائلا بصوت مُخيف :
- قبلتى تتجوزينى ليه لما انتى مش عاوزانى من الاول .. روحتى لباسم علشان يخلصك منى ها ..


صرخت من قبضتة التى تمزق شعرها وهو يهزها منه بعنف متابعاً :
- وتضحكى عليا وتقوليلى سواق تاكسى خطفنى وأغتصبنى .. وكمان عملتى عملية علشان تخدعينى أكتر لولا أن ربنا كشفك وعمليتك باظت ... وبعد ما سترت عليكى ومفضحتكيش تسجنينى أنا واصحابى علشان القضيه يا حقيرة ... دفعها بقوة الى الفراش وهى تصرخ وتنظر اليه بفزع .حاولت أن تتبث بالفراش لتنهض ولكنه جذبها إليه ووضع يده حول رقبتها وهو يحدق بها بنظرات لم تراها منه و من غيره طيلة حياتها .. نظرات مُميتة ...
وسمعت صوته التى كان يأتى من بئر سحيق وهو يقول بصوت أرعبها :
- كنتى عاوزاهم يقتلونى فى أمن الدوله وتخلصى منى .. كنتى مستعجله على الفلوس أوى كده .. بتحبى الدنيا اوى كده يا دنيا .. طالما بتحبيها كده أنا بقى هحرمك منها ودلوقتى .. حالا .. وبدا يقبض على رقبتها بقبضته بقوة وهى تنتفض بين يديه وتحدق به مزعورة وقد أحتق وجهها وبدأت دماء الحياه تفارقه .. وشعرت انها ستموت فى هذه اللحظه وتنتهى .. ولكن فجاة شعرت أن الدماء بدأت تعود إليها من جديد والهواء يعانق رئتيها وشعرت بأرتخاء اصابعه حول رقبتها ونظرت إليه وهو يقول لها :
- أنتى خسارة فيكى الواحد يضيع نفسه علشانك .. وأرتطمت وجنتها بصفعة أخرى وصرخ فيها قائلا:
- بس مش هطلقك واريحك خاليكى مرميه هنا علشان وقت ما يجيلى مزاجى وأعوز اقتلك ابقى عارف طريقك
بصق عليها ونظر إليها بإختقار وغادر المكان وهو يشعر بالتقزز والنفور وأغلق الباب خلفه بقوة ارعبتها وأنتفضت لها جسدها الذى لم يعد يستطع أن يتحمل كل هذا الرعب والخوف والفزع فأغمضت عينيها وابتلعت ريقه وهى ترتعش وبدات فى بكاء هيستيرى .. كانت تريد كل شىء ففقدت كل شىء حتى حياتها كادت أن تفقدها ...فى لحظة غضب
**************************************


عاد الى منزله مساءا وهو يشعر أنه قد فقد جميع قواه وبذل مجهوداً نفسياً مضياً .. هبت والدته منتفضةً وأتجهت إليه متلهفةً وقالت :
- كده يا فارس تعمل كده فيا انا كنت هموت من الخوف عليك
تنفس بعمق ثم ربط على كتفها مطمئناً وهو يقول بإرهاق:
- معلش يا أمى أنا آسف كان جوايا شحنه وعاوز أطلعها فى مكانها اللى يستهالها
نظرت إليه متفحصة بقلق وهى تتسائل :
- روحتلها مش كده ؟ عملت فيها حاجه ؟
هز رأسه نفياً وهو يقول بأبتسامة واهنة :
- متخافيش عليا انا فشيت غلى فيها وخلاص.. هو أنا مجنون أضيع نفسى فى واحده زى دى
أخذته من يده كالاطفال وذهبت به الى غرفته وأجلسته الى فراشة قائله :
- نام شويه طيب ..شكلك تعبان أوى ده أنت حتى مستريحتش من ساعة ما رجعت
خرجت وتركته يهوى بجسده المنهك فوق فراشه وهو يفكر فى زوجته وما فعلته به منذ أول يوم زواجهما وحتى هذه اللحظة ويتسائل عن سبب واحد فعله معها جعلها تنكر كل شىء وتقذف به خلف ظهرها وتخطوا فى طريقها على جثتة بهذا الشكل القبيح .. فلم يجد شىء الا دنائتها .. نعم فالشخص الدنىء لا يؤثر فيه معروف ولا يستقبح مُنكراً ..لقد اخطاء منذ اللحظه الاولى عندما قبل الارتباط بفتاة بيعدة كل البُعد عن دينها ومنهجها لم يعطى بالا وهو يقرر الارتباط بها لحديث النبى صل الله عليه وسلم أظفر بذات الدين تربت يداك...وكانت هذه هى النتيجة غطى الطمع عينيها ولم تجد ديناً يُردعها فما كان منها الا الخيانة ... أغمض عنينيه فى سكون وهو يشعر فيهما بألم شديد وكأن نغزات شوك شديده تنغزة من كثرة الارهاق والتعب والجهد ورغم انها الليلة الاولى التى سينامها على فراشه بعد كا ما مر به الا أنه لم يرتاح ابدا وظلت راسه تدور حتى سقط فى نوم عميق فجأة وكأن النوم بئر قد أُسقط فيه رغما عنه على حين غرة...
***************************************
فى الصباح أستيقظ على صوت رنين الهاتف فنهض وهو يشعر بألم فى عظامه شديد .. نهض بتاكسل وتثاقل وعندما فتح الباب سمع والدته تتحدث فى الهاتف قائلة :
- لاء لسه مصحيش .. يابنتى أطمنى قى ايه القلق اللى انتى فيه ده قلتلك امبارح أنه جه كويس ودخل نام .. لاء متخافيش لو كان حصل حاجه كان هيبان عليه يعنى ..... طيب ماشى خلاص مع السلامه
أنهت المكالمه واستدارت لتجده يقف بجوار باب غرفته عاقداً ذراعيه أمام صدرة والابتسامة على وجهه وهو يقول :
- كانت بتطمن عليا مش كده ؟
أبتسمت والدته بمكر وهى تقول بلامبالاة :
- هى مين دى قصدك مين
اقترب منها وقبل وجنتها وهو يقول بمرح :
- مش عارفه مين يا ست أم فارس
ضحكت وهى تتجه للمطبخ فدخل خلفها وهو يقول بأصرار :
- ممكن بقى تحكيلى كل حاجه مكنتش واخد بالى منها
ألقت عليه نظرة وهى تعد الافطار ثم قالت :
- وأنا مالى اسأل صاحبة الشأن
تنهد بقوة وهو يقول :
- اسألها ازاى بس مش هينفع أكلمها اصلا
وضعت والدته طبقين فى يديه ثم أخذت بقية الاطباق وخرجت من المطبخ وهو يتبعها وقالت :
- والله لو دخلت البيت من بابه هينفع تكلمها ونص كمان
جلس على المقعد خلف المائدة وهو يقول بلؤم:
- أنتى شايفه كده يعنى
نظرت له نظرة جانبية وضربته على كتفه وهى تقول :
- يا واد بطل تتلائم عليا .. ده أنت عاوزها النهارده قبل بكره
ضحك وهو يمسك يدها التى ضربته بها وقبلها ثم قال :
- هو أنا معرفش أهزر معاكى شويه يا حجه علطول فقسانى كده
ابتسمت فى سعادة وقالت :
- تحب احددلك معاد أمتى
أخرج هاتفه من جيبه ووضعه امامه على المائدة قائلا:
- دلوقتى
نظرت الى الهاتف ثم نظرت إليه بدهشة وقالت :
- أنت بتكلم جد يا واد
أخذ الهاتف وضغط رقم منزلها وأعطاها الهاتف وهو يومىء براسه :
أخذت الهاتف مبتسمة بدهشة من تصرفاته الصبيانية وكأنها ترى ولدها لاول مرة .... نظرت أم يحيى الى مُهرة التى كانت تفرك يديها بتوتر بالغ وقد أحمرت وجنتيها بشدة بعد أن أخبرتها بطلب فارس وقالت لها :
- يعنى مردتيش عليا يا مُهرة ولا أوعى تكونى مستغربة زيى انا وابوكى
لم تستطع أن ترفع وجهها كان الخبر كفيل بان يفقدها وعيها ويلجم لسانها .. ها هو حبيب العمر يتقدم طالباً الزواج منها ثانى يوم تحرره من الاسر وكأنه لم يكن فى اسر السجون فقط .. هزتها أمها من كتفها وهى تقول :
- يابنتى ردى على أبوكى
رفعت مُهرة راسها الى والدها الذى قال :
- هتعملى فيها مكسوفه ما تردى على طول ها اقوله ايه موافقه ولا رافضه
همهمت فى خفوت فلم يسمعها أحد منهما ...هتف والدها بصوت عالى أنتفضت له وهو يقول :
- متعلى صوتك
جلست والدتها بجوارها وهى تقول :
- حبيبتى المرا دى مش هنجبرك على حاجه أنتى حره متخافيش أنا عارفه أنه أكبر منك بعشر سنين وأنتى بتعتبريه زى أخوكى الكبير و........
قاطعتها مُهرة فجأة وهى تقول بسرعة :
- موافقة
***************************


- فارس أنت بتهزر ولا بتكلم جد
ضحك فارس وهو يجيب عمرو عبر الهاتف النقال ثم قال :
- هى الحاجات دى فيها هزار يا عبيط أخواتك أنت .زلاء طبعاً مبهزرش
قال عمرو بمرح :
- أصل مش معقول .. أنت عارف أنت أكبر منها بكام سنه ولا ناسى .طب وهى وافقت ازاى


تنحنح فارس وهو يقول :
- ايوا عارف انا أكبر منها بعشر سنين وايه المشكله يعنى شوف الرسول كان أكبر من السيدة عائشة بكام سنه ورغم كده كانت أحب زوجاته لقلبه وهى كمان كانت بتحبه جدا عليه الصلاة والسلام .. ده الرسول عليه الصلاة والسلام كان بيأخذ منها الاناء بعد ما تشرب ويدور على مكان موضع شفتيها ويشرب من نفس المكان شفت انت حب أكتر من كده
تنهد عمرو وقال :
- طب وهى قالتلك ايه وافقت على اساس ايه يعنى


أبتسم فارس ابتسامة واسعة وهو يقول :
- بينى وبينك أنا كنت هموت وأشوفها اتكلم معاها لما طلعت عندهم فى البيت لما كنت بتفق مع والدها على التفاصيل بس هى بقى مرضيتش تخرج وأمها قالتلى أنها لو خرجت دلوقتى هيغمى عليها من الكسوف ..
ضحك مرة أخرى وهو يقول :
- حتى لما اتلككت وقلتلهم طيب لو هى عاوزه تسألنى على حاجه هتعمل ايه ولا انا لو عاوز اسالها على حاجه هعمل ايه ... مامتها دخلت كلمتها وخرجت تقولى .. بتقولك لو عاوز تسألها على حاجه قول لماما وماما هتقولى وأنا هرد عليك عن طريقها ..وانا مش عاوزه اسأله على حاجه علشان أنا عارفه كل حاجه
ضحك عمرو ضحكات رنانه قال :
- يا سلام للدرجادى مكسوفه منك سبحان مُغير الاحوال ... قولى بقى الخطوبة امتى كده
رفع فارس حاجبيه وقال :
- خطوبة ايه يا عم الحج هو انا بتاع خطوبه ..تفتكر يعنى لسه هخطب بقى وأغض البصر وكده وبعدين هى كمان بقت تكسف منى أوى وأنا عاوز اخاليها تاخد عليا شويه .. أحنا أتفقنا على كتب الكتاب على طول
- طب قولى أمتى بقى علشان أجى احضر
- كنا هنخاليها الخميس بس علشان سيادتك بقى هنخاليها الجمعه
قال عمرو مداعباً :
- تصدق يا فارس انا عمرى ما شوفتك كده ابداً حتى فى جوازتك الاولى مكنتش فرحان اوى ,,كده للدرجادى بتحبها؟


زفر فارس بقوة محاولا أخراج جميع انفعالاته وقال :
- بحبها ايه يا أخى أنا مش لاقى كلمة توصف أحساسى بيها .. انا لما بلال كلمنى فى السجن ونبهنى حسيت بعدها أنى عاوز أكسر حيطان الزنزانة وأخرج اشوفها كان نفسى اشوفها أوى يا عمرو ساعتها حسيت بالسجن فعلا كان هو ده سجنى الحقيقى .. انا مش عارف أنا ازاى مخدتش بالى العمر ده كله...
------
الفصل الثلاثون
-------------



فى مساء اليوم التالى دخل فارس مكتب الدكتور حمدى بعد أن هاتفة وطلب منه الحضور على الفور لأن والد هانى الذى قد حكم عليه بالاعدام قد جاء الى المكتب وينتظره هناك ... طرق فارس باب حجرة مكتب الدكتور حمدى ودلف إليه وهو ينقل بصره بين الدكتور حمدى ووالد هانى الذى كان يقبع أمام حمدى وقد ظهر حول عينيه السواد من شدة الارهاق والأكتئاب الذى يعانيه منذ ان حُكم على ولده بالاعدام ..
بمجرد أن رأى فارس هب واقفاً وهتف فيه بحدة :
- حرام عليك أنت ومراتك تعملوا فى ابنى كده حرام عليك ضيعتوا مستقبله وضيعتونى معاه
نظر فارس للدكتور حمدى الذى وضع يده على كتفه قائلا :
- يا استاذ عبد القادر هو مش أنا فهمت حضرتك ان فارس مالوش ذنب وأنه كان عنده ظروف منعته من متابعة القضيه
صاح عبد القادر ببكاء :
- ولما عنده ظروف معتذرش عن القضيه ليه ضحكوا عليا ليه
ثم نظر الى فارس ورفع يده بأتجاه لحيته قائلا بحدة :
- أنا عارف اللى مربين دقنهم دول كلهم نصابين وبيتاجروا بيها
أمسك فارس يده الممتدة الى لحيته ونظر له بحدة وقال :
- أقعد وأفهم اللى حصل الاول قبل ما تتهمنى بالنصب
نظر له الدكتور حمدى نظرة ذات معنى وقال :
- مش وقته يا فارس
هز فارس رأسه نفياً وقال بأصرار :
- لاء لازم يعرف كل حاجه
جلس عبد القادر يستمع الى فارس وهو يقص عليه ما حدث معه منذ أن دخل مكتبه اول مرة وطلب منه الدفاع عن ابنة هانى فى قضية القتل ولقد كان يستمع إليه وهو محدق به تتسع عينيه شيئاً فشيئاً غير مصدق ما تسمعه أذنه حتى أنتهى فارس قائلا:
- يعنى مش ابنك لوحده اللى أترمى فى السجن بسبب القضيه دى .. انا كمان اترميت ظلم وده الفرق بينى وبين ابنك
ضاقت عينيى عبد القادر وهو يقول بذهول :
- يعنى مراتك هى اللى عملت كل ده لوحدها بعد ما رميتك فى السجن هى و وائل
أومأ فارس براسه وقال باسى :
- أيوا مراتى ووائل
وفجأة صاح عبد القادر مرة أخرى :
- يعنى مراتك تتمتع بالفلوس وأنا ابنى يتعدم وأخسره
رفع فارس رأسه إليه وقال بجدية :
- ومين قالك أنها هتتمتع بالفلوس .. دى زورت أوراق رسميه يعنى هتتحبس هى واللى ساعدها فكده
دفن عبد القادر وجهه بين كفيه وهو يبكى هتفاً :
- وابنى يا ناس أبنى هيروح مني ظُلم
مال فارس للأمام وقال بهدوء:
- أهدى يا استاذ عبد القادر .. أولا الحكم ده مش نهائى يعنى أى محامى يقدر يعمل استئناف والحكم يتخفف وينزل للمؤبد والمحكمة هتراعى أنه أعترف على نفسه وهتراعى سنهُ الصغير .. والمؤبد احسن من الاعدام
رفع عبد القادر رأسه ونظر إليه وهو يضرب كفيه بحسرة :
- يعنى كل التعب اللى تعبت فيه ده كله وأنا بربيه وبكبره وبصرف عليه وبعمله اللى هو عايزة وفى الاخر ياخد مؤبد .. ليه كده يا هانى انا قصرت معاك فى ايه يابنى
تبادل فارس مع الدكتور حمدى النظرات المشفقة على الرجل وأنحنى فارس بأتجاهه وربت على كتفه قائلا:
- التربية يا استاذ عبد القادر مش معناها أنك تديله فلوس وتخليه مش عاوز حاجه .. أنت كنت بتشوفه بيخرج مع بنات وكنت بتشوف بنات فى عربيته وكنت مخصصله شقه بتاعته يروحها وقت ماهو عاوز مع اللى هو عاوزه من غير رقيب ولا حسيب على تصرفاته .. أنت أديته فى أيده الاداه اللى دمر بيها نفسه وأنت فاكر أنك بتسعده ومش مخليه عايز حاجه
مسح الرجل دموعه وهو يقول بحزن:
- أنا كنت بقول ده راجل مش بنت علشان أخاف عليه
ربت فارس على كتفه وقال :
- الحلال والحرام مفيهوش راجل وست .. وأنت لو كنت ربيته على الحلال والحرام كنت كسبت راجل فى ضهرك دلوقتى يقف جنبك ويساندك.. لكنت أنت سبته للبنات والعربيات والخروجات والفسح ونسيت حديث الرسول عليه الصلاة والسلام :
( ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع مسئول عن رعيته )
أعتدل فارس فى جلستة وقال:
- يعنى حضرتك أنت وأمه هتتسئلوا عن تربيتكوا ليه وعن الحال اللى وصله علشان معلمتهوش دينه وأنه حرام اصلا أنه يبص لبنت مش كمان يعمل معاها علاقة وتركب عربيته ويقعدوا يحبوا فى بعض وكل ده حرام فى حرام
نهض الرجل بتثاقل وقد شعر أن جبلاً قد وُضع على ظهره فلم يعد يحتمله وقال بوهن :
- متشكر يا دكتور فارس بس أنا فوقت متأخر أوى بعد ما ابنى ضاع مني وماليش حيلة خلاص
ياريت كل اب وأم ينتبهوا على ولادهم وبناتهم قبل ما يضيعوا من أيديهم وساعتها مفيش رجوع
وقبل أن يخرج من حجرة المكتب تبعة الدكتور حمدى مربتاً على كتفه مطمئناً له وقال :
- متقلقش حكم الاعدام هيتخفف ان شاء الله
أومأ الرجل برأسه حزناً وهو يشعر بالضياع .. لم تنفعه امواله فى أن ينشىء رجلا حقيقياً يعتمد عليه فى مراحل عمره المتقدمة ومرضه الذى بدا يزحف إليه رويداً رويدا ...
بعد خروج الرجل من مكتبة أخرج فارس جواب استدعاء من النيابه وقدمة للدكتور حمدى قائلا:
- الآستدعاء ده جالى النهارده الصبح علشان قضية التزوير
قرأ الدكتور حمدى جواب الاستدعاء وهو يومىء براسه ثم قال :
- ده كان متوقع يا فارس طبعا .. متنساش أن اسمك فى التوكيل أول اسم ..
مط شفتيه قائلا:
- عموما متقلقش فى أكتر من اثبات أنك مكنتش شغال القضية دى
تنهد فارس بعمق وقال :
- أنا مش قلقان يا دكتور أنا عارف انى هطلع منها بسهوله ان شاء الله .. أنا هروح بكره وأحط أقوالى وربنا ييسر الامر والموضوع يخلص على كده
نظر له الدكتور حمدى بإشفاق قائلا:
- معلش يا فارس أنا عارف أن اللى حصل مش سهل عليك وصدمتك فى مراتك مش قليلة بس أنت قدها ان شاء الله وهتتجاوز الازمة دى بسرعه زى عادتك دايما .. ثم ابتسم قائلا :
- وبعدين عندى ليك خبر حلو هينسيك كل ده
نظر فارس إليه بفضول فقال حمدى على الفور بمرح :
- هو أنت يابنى مش معاك الدكتوراه ولا ايه
أومأ فارس براسه وهو ينظر إليه بفضول كبير فأردف الدكتور حمدى قائلا:
- طب استعد بقى علشان تستلم شغلك فى الجامعه يا دكتور
حدق فارس به غير مصدق وعلى وجهه ابتسامة وقال بسرعة:
- بجد يا دكتور
ابتسم الدكتور حمدى وقال بخشوع:
- قال الله عزوجل ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً )

*********************************************
كانت عبير تضع الأطباق على المائدة وقد ارتسمت ابتسامة رضى على شفتيها ثم ضحكت ضحكة صغيرة وهى ترى بلال يمرح مع الاولاد ويداعبهم ويقوم بتعليمهم الملاكمة وهم يتدربون فيه ,,فمنهم من يلكمة فى معدته ومنهم يلكمة فى وجهه ومنهم من يقفزون على ظهره ويلكمونه فى ساعديه وهو يصرخ بمرح ويصيح :
- ألحقينى يا عبير ولادك هيموتونى
ضحكت وهى تقول :
- أحسن ..أنت اللى علمتهم
ثم صفقت بيدها وهى تقول للاولاد:
- يالا يا ولاد أدخلوا صحوا تيتة علشان نتغدى سوا
ولكنهم لم يعبأوا ظلوا يلكمونه ويضربونه ولكنه استطاع أن يفلت منهم جميعاً ويهرول بأتجاه عبير وهو يصيح بمرح ألحقونى هيموتونى وهم يجرون خلفه ويضحكون بشدة .. جرى بلال حتى وصل عند عبير ولف خلفها وأحاط خصرها من الخلف وهو يحتمى بجسدها منهم وكلما جاؤه عن يمينه أدارها ناحية اليمين واذا جاؤه عن شماله أدارها بأتجاههم وكأنها دمية يلعب بها وهى تضحك ولا تستطيع الفكاك من ذراعيه المحيطة بها من الخلف .. خرجت أم بلال من غرفتها على اصوات الضحك ونظرت إلي بلال محدقة به وهو يحيط عبير من الخلف ويضمها الى صدره والاولاد يضحكون وهى تضحك ..
نظر بلال الى والدته وقال :
- لا ارجوكى يا أمى متفهمنيش غلط
حاولت عبير فكاك يده من حولها وهى تشعر بالخجل وهو مازال مطبقاً عليها بقوة لا يريد تركها فصاحت فى والدته :
- ألحقينى يا ماما خاليه يسيبنى
جلست والدته على الاريكة وهى تهتف به :
- سبها وبطل استعباط
نظر الاولاد الى بعضهم البعض وكأنهم يقررون خطةً ما لفك اسر والدتهم ... أندفعوا بقوة نحوهما وسقط الستة أرضا وسط ضحكات عالية .. استطاعت عبير أن تتحرر وتنهض مسرعةً تجرى باتجاه المطبخ وهى تصيح :
- حرام عليكوا الاكل هيتحرق
دخل بلال خلفها بعد أن أعطى والدته دوائها ووقف خلفها ينظر إليها وهى تُعد الطعام والعرق ينبت على جبينها من الأبخرة المتصاعدة فى وجهها وهى تزيل غطاء القدر وتقلب فيه بهمة وتتذوقه لتشعر بالرضا تجاهه .. وضعت الغطاء مرة أخرى وألتفتت لتجده واقفاً يشاهدها قالت وهى تضيق عينيها :
- نعم يا فندم جاى تكمل هزار هنا ولا أيه
ضحك وهو يقول :
- لا والله مش قصدى
ثم تقدم منها ومسح حبات العرق التى تجمعت على جبينها وقال :
- أنتى بتتعبى اوى يا عبير ربنا يخاليكى لينا يارب أنا مش عارف من غيرك كنت هعيش أزاى
نظرت له بحب وقد تناست تعبها تماماً على اثر كلماته العذبة المُقدرة لمجهودها وقالت :
- ما أنت كمان بتتعب فى شغلك بره البيت
هز راسه نفياً وقال :
- لا أنا لازم اساعدك قوليلى اعمل ايه وأنا هتلاقينى فوريره على طول
قالت بخجل :
- ممكن تحضر الاكل معايا بس
رفع حاجبيه قائلا بدهشة :
- بس كده
أومأت براسها فأنحنى بخفة أمامها وهو يقول بأحترام :
- تحت أمرك يا مولاتى
ضحكت وضربته بخفة على كتفه ثم أعطته أحد الاطباق فى يده قائلة :
- أتفضل بقى للخلف دور
ألتفوا جميعاً حول المائدة وشرعوا فى تناول الطعام ولكنه فجأة ترك الملعقة من يده لتصدر صوتاً عاليا وهى ترتطم بالطبق امامه وعقد جبينه هاتفاً :
- ايه ده يا عبير ايه الاكل ده
نظر الجميع إلي وقالت عبير بتوتر :
- ايه ماله
عقد جبينه أكثر وقال بصرامه:
- طبيخ ده ولا بسبوسة
تذوقت والدته الطعام وقالت :
- ماهو كويس أهو يابنى
بينما قالت عبير بإضطراب :
- بسبوسة ازاى يعنى
ألتفت إليها بنفس الصرامة وقال :
- المعلقه يا هانم اللى دوقتى بيها الاكل ولمست بؤقك حطتيها فى الحلة تانى علشان كده الطبيخ بقى مسكر
رفعت عبير حاجبيها بينما نظرت له والدته ثم ضحكت وقالت :
- والله أنت عاوز علقة
ثم نظرت لعبير وقالت :
- الله يعينك عليه يا بنتى أنتى مستحمله رخامته دى أزاى
زفرت عبير وهى ترى ضحكاته وقالت :
- الله يسامحك يا بلال خضتنى انا قلت حطيت سكر بدل الملح
ضحك وهو يمسك بيدها ويقبلها وهو يقول :
- مش انا قلتلك قبل كده اى حاجه بتمسكيها بتبقى مسكره
قاطعه أحد الاولاد قائلا:
- أبى أنا عاوز حته من الفرخه دى
نظر له بلال وقال لعبير :
- الواد ده طالعلى بياكل بضمير أوى

بعدما هدأت الضحكات قالت عبير وقد تبادلت النظرات مع أم بلال :
- بقولك ايه يا بلال أنا عندى فكره كده يارب توافق عليها
ابتلع الطعام وقال :
- خير يا حبيبتى
- ايه رايك تعلمنى الحجامه زى ماما كده ونعمل جزء فى المركز للستات .. الحجامه ابتدت تنتشر والستات مش لاقيه واحده ست تعمل عندها ..
فكر بلال قليلا ثم قال :
- طب والبيت والولاد
تدخلت والدته قائلة :
- انا هساعدها وهنتبادل الشغل وبعدين يعنى مش هتبقى زحمة ... الناس لسه لحد دلوقتى ميعرفوش فوايدها ومش هيبقى فيه اقبال كتير وخصوصا فى الاول كده ..
اردفت عبير قائلة :
- حتى لو بقت زحمة ممكن نجيب ممرضة تساعدنا
نظر بلال اليهما وقال :
- شكلكوا متفقين وانا اخر من يعلم
تبادلت مع أم بلال النظرات القلقه فقال بهدوء :
- بصى يا عبير أنا مش ضد شغل الستات بالعكس الست ممكن تفيد الست اللى زيها واللى مش عاوزه تعرى نفسها قدام دكتور راجل .. علشان كده أنا نفسى الدكاتره الستات يبقوا اكتر من كده ويبقوا فى كل التخصصات
قالت بفرحه :
- يعنى موافق
اشار بيده قائلا:
- موافق بشرط أن ده مياثرش على بيتك وولادك
أومأت براسها بفرحة وهى تنظر الى والدته التى ابتسمت بسعادة وهى تنظر الى عبير بأمتنان فلقد كانت هذه رغبتها هى ولكنها خشيت من رفض بلال للفكرة خوفا على صحتها وسنها المتقدم ولكنها كانت تشعر أنها لابد أن تفعل شىء يخدم دينها لن تظل هكذا حبيسة الجدران تهتم باحفادها وفقط لابد أن يكون لها دور فى المجتمع مفيد ويخدم دينها بدون أختلاط وهى وسط النساء بجوار زوجة ولدها التى تعتبرها أبنتها منذ أن رأتها فى بيت والدها ... فهناك أُناس يموتون فنشعر بعد موتهم بفقد الكثير والكثير وهناك أُناس يموتون فنتفاجىء بأنهم كانوا لايزالون أحياء
*****************************************

وقف فارس ماثلاً أمام النيابة يدلى باقواله فى القضية وهو يذكر كل تفصيلة مرت به فى هذه الاثناء وقدم الدكتور حمدى ما يفيد بأنه كان معتقلاً فى هذا التوقيت وبعد أدلاء سكرتير النيابة بأعترافاته وأنه فعل ذلك بعد تحريض من وائل وأنه استلم المال من دنيا يداً بيد بشكل مباشر وأنه لم يتقابل مع فارس ولم يراه من قبل .. خرج فارس من هناك دون أن توجه له تهمة واحدة ..
وهو فى طريقة فى الرواق أمام مكتب النيابة تقابل مع دنيا ووائل وهم فى حالة مذرية ومن الواضح أنهم قد تم حبسهم على ذمة التحقيق .. نظر لها فارس بأزدراء وأطرقت هى براسها ارضاً تخشى من مواجهته وحثة الدكتور حمدى على عدم التوقف والحديث معها ولكنه لم يفعل ..
وقف امامها قائلا :
- أنا عمرى ما عملت فيكى حاجه وحشة ومغصبتكيش علشان تتجوزينى ليه وافقتى على كتب الكتاب وانتى رافضانى بدل ما كنتى تهربى من أمك كنتى كلمينى وقوليلى مش عاوزاك صدقينى كنت هحترم ده وأنسحب من حياتك بهدوء كنتى وفرتى علينا سنين ضاعت فى لاشىء ..
صمتت وأطرقت الى الارض تريد أن تبتلعها الارض فى أحشائها ولا تقف أمامه مثل هذا الموقف .. سمعت صوتا من الخلف يقول :
- حمدلله على سلامتك يا دكتور
ألتفت فارس ودنيا ليجدا حسن الذى اقترب منها وقال :
- مش كنتى وفرتى على نفسك البهدله دى
حدقت به وقالت صارخه :
- يعنى انت اللى قلتله مش كده يا ندل
ابتسم حسن وقال لها :
- مش انتى اللى مسمعتيش الكلام وكنتى عاوزه تاخدى نص الفلوس لوحدك أديكى هتصرفيها على المحامين
ثم نظر الى فارس وقال بزهو :
- انا اللى بعتلك الجواب يا دكتور فارس علشان أعرفك الحقيقة
أحتقن وجه فارس وهو يسمتع الحديث الذى يدور بين حسن ودنيا وشعر أنه سيتقيأ ما فى معدته من فرط التقزز الذى يشعر به تجاهمها وتجاه ما يقولون ..
دفعها أمين الشرطة تجاه مكتب وكيل النيابة لتدخل اليه تستكمل التحقيقات بينما ألتفت إليها فارس وناداها قائلا :
- دنيا
ألتفتت إليه بنظرات متسائله وعيون باكيه .. فقال بهدوء :
- أنتى طالق
وأستدار بجسده الى حسن الذى كان ينظر إليها بشماته .. فأمسك بتلابيبة ودفعه بالاتجاه الاخر وهو يصيح به :
- أمشى من هنا يا ديل الكلب أنت
نظر الدكتور حمدى إليه متسائلا وهو يقول :
- ايه علاقة حسن باللى بيحصل يا فارس
أطرق فارس برأسه وهو يحركها يمينا ويسارا قائلا بأسف:
- معلش يا دكتور أنا تعبان ومحتاج أروح دلوقتى
وضع حمدى يده على كتف فارس وقال متفهماً :
- روح أنت أرتاح ... ثم أبتسم وهو يقول :
- بس أعمل حسابك بعد كتب كتابك على طول هتنزل الشغل ..ماشى
- ماشى يا دكتور
*******************************

وقبل عقد القران بيوم واحد كانت عزة وعبير فى زيارة مُهرة التى كانت كانت تظن ان شمس اليوم التالى ستشرق من أجلها وأن القمر سينطصف السماء من أجلها لا لينير الارض كما يفعل كالعادة ولكن سيحذو حذو الشمس وسيفعل ذلك لها وحدها ...
قبلتهم مُهرة وهى ترحب بهم فى منزلها بسعادة وجلست أمامه وهى تلاعب الاطفال وعزة تنظر اليها بدهشة بينما قالت عبير بمرح :
- علشان تعرفى بس أن قلبى كان حاسس ها
ضحكت مُهرة بخجل وهى تدفن وجهها بين الاطفال حياءا منها وقالت عزة متسائلة :
- بصراحه يا مُهرة انا مستغربة أوى محدش كان يفكر ابدا ان العلاقه بينك وبين فارس تبقى أكتر من علاقة بنت باخوها الكبير
نظرت لها عبير معاتبه بينما قالت مُهرة بخفوت :
- مش عارفه يا عزة بس أنا عمرى ما شوفت فارس أخويا الكبير كنت دايما بشوفه قدوتى وأنى نفسى ابقى زيه حتى ساعات كنت بتمنى ابقى شبهه فى الشكل من كتر منا كنت بحب اقلده فى كل حاجه ..عارفة العلامات اللى بتبقى مرسومة على الطريق علشان ترشد الناس أهو كان بالنسبالى كده ,,لاء ده أنا كنت بحس انه هو الطريق نفسه اللى من غيره اضيع وأتوه ...
تبادلت عزة مع عبير النظرات وهما ينظران إلى مُهرة وهى تتحدث بعيون حالمة وهائمة فقالت عبير على الفور :
- بصى يا مُهرة أنا بكره إن شاء الله هبقى عندك من أول اليوم وهجيبلك الكوافيرة هنا فى البيت وهجيبلك الاخوات اللى هيعملولك فرح أسلامى محصلش زى فرحى بالظبط مش أنتى فاكراه ولا نسيتى ..
كانت عبير تحدثها وهى مازالت حالمة ومحلقة فى عالمها ولكنها عادت فجأة إلى ارض الواقع وهى تقول بمرح مفاجى وكأنها تذكرت شيئا لا يحتمل التأجيل وقالت :
- شفتى يا ابله عبير فارس بعد ما بقى عنده لحيه بقى أمور أزاى
ضحكت عبير وأستجابت لدعابتها وقالت :
- من غير ما أشوف انا متأكده من كده أصل يابنتى اللحيه دى بتدى الراجل وسامة كده ورجولة
نظرت عزة إليهما وقالت بحيرة:
- تصدقوا بالله أنا عمرى ما تخيلت عمرو باللحيه ومش عارفه هيبقى أمور فيها ولا لاء
قاطعتها عبير قائلة بشغف:
- تعالى ياختى شوفى لما بنخرج أنا وبلال نتشمى ونتفسح فى حته البنات بتبقى هتاكله بعنيها أكل .. بيبقى هاين عليا أجيبهم من شعرهم وأخرملهم عنيهم دى
ضحكت مُهرة وهى تضع كفيها على وجهها فتابعت عبير بحماس وهى تتحدث الى عزة :
- وبعدين يا عبيطة اللحية بتزود قدرة الراجل ال ..... بترت كلمتها وأحمر وجهها وهى تنظر الى عزة التى كانت تحدق بها ..تنحنحت عبير بينما قالت مُهرة ببراءة :
- ال أيه ؟
ضحكت عزة وهى تنظر لمُهرة التى تسألها ببراءة وقالت لها :
- ابقى اسألى فارس ياختى
قالتها وتبادلت الضحكات العاليه مع عبير ومُهرة تنظر إليها بغيظ وحيرة ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت متبرمة :
- بتضحكوا عليا طب ايه رايكوا هسألوا
زادت ضحكات عبير وعزة وكل منهما تضع يدها على معدتها من كثرة الضحك وهما ينظران الى مُهرة التى زادت غضبا وتبرما كلما أزدادوا ضحكاً .........

**********************************************
نظر إلى سترته فى المرآة متمماً عليها بقلق ثم خرج إلى والدته التى كانت تنتظرة بالخارج ودار حول نفسه ببطء مستعرضاً حلته أمامها وقال متسائلاً:
- ها أيه رأيك يا ست الكل
أبتسمت والدته وأقبلت عليه وقبلته بعينين دامعتين وقالت :
- زى القمر يا حبيبى
قال على الفور :
- تفتكرى هعجبها كده
ضحكت وهى ترفع كتفيها وتنزلهما قائلة :
- أنت ياخويا عاجبها من زمان من ساعة ما كانت فى اللفة
قبل يد والدته ولف ذراعه حولها قائلا:
- تصدقى يا أمى مشوفتهاش من ساعة ما رجعت غير مرة واحده لما كانت فى البلكونه ومن ساعتها مش عارف اشوفها ولا حتى صدفة مش عارف مكسوف منى كده ليه كأنى غريب عنها كأنها متعرفنيش مش عارف أخاليها تاخد على الوضع الجديد ده أزاى
أجلستة والدته على الاريكة وجلست بجواره وقالت بجدية :
- أنا عاوزة اقولك كلمتين يا فارس تحطهم حلقة فى ودنك ..
أعتدل وبدا عليه الاهتمام وهو يستمع لها وهى تقول :
- مُهرة يابنى بالنسبالك مش هتبقى مراتك وبس .. دى كمان هتبقى بنتك ولازم تاخد بالك من كده وأنت بتتعامل معاها ... أنا عارفه أن فارق السن بينكوا مش كبير ولا حاجه ,,أنا بينى وبين ابوك الله يرحمه 15 سنه وطول عمره وأحنا متفقين الحمد لله لحد آخر لحظه .. عارف ليه يا فارس ,, علشان ابوك طول عمره كان حنين ومكنتش بحس أنه جوزى وبس كنت بحس أنى بنته بيدينى حنان الاب زى ما بيدينى حب الزوج ,, فاهمنى يا فارس
أومأ برأسه وهو يحاول استيعاب نصائحها فقالت متابعة:
- لو عملت كده مراتك هتحبك أكتر وأكتر وهتبقى أغلى حاجه فى حياتها ومش هتقدر تزعلك ابداً
أبتسم ونهض يقبل رأسها قائلا:
- ربنا يخليكى ليا يا أمى ممكن بقى نطلع أحسن من ساعة ما قولتليلى كلمة مراتك دى وأنا عاوز أطلع مش عارف ليه
ضحكت والدته بشدة وهى تضع يدها على قلبها وتقول :
- سبحان الله كأنى أول مرة اشوفك بتتجوز فيها كأنك واحد تانى خالص
أخذ بيديها يساعدها على النهوض وأتجه بها نحو الباب وقد ملئت نظرات الحب عينيه وهو يقول :
- صدقينى يا ماما أنا كمان حاسس أنى أول مرة بتجوز وأول مرة بحب
******************************************

تزينت مًهرة حتى أصبحت تبدو أكبر من عمرها الحقيقى ووقفت تنظر لزينتها بالمرآة وهى تستغرب شكلها الجديد وهيئتها شردت بعقلها بعيداً وتذكرت يوم عقد قرانها على علاء ذلك اليوم الذى لم تنظر لنفسها فيه فى مرآتها أبداً ولا تعرف كيف كان يبدو شكلها وقتها ..
لم ترى الا فستانها وهى تنظر اليه وهى مطرقة براسها حتى لا تراه وهى تجلس بجواره مطرقةً براسها حزناً...... تذكرت كيف ابدت موافقتها على الزواج منه بدون عقل واعى رغم النفور الذى شعرت به تجاهه عندما تقدم لخطبتها ..
نطق لسانها بالموافقة رفض عقلها وقلبها .. حدقت بوجهها فى المرآة أكثر وقد تذكرت الطريقة التى كانت تتعامل بها مع علاء لم تعتبره يوما زوجها حتى أنها لم تظهر أمامه الا بالملابس المحشمة وبالحجاب ..
لم يرى شعرها رغم الحاحه الدائم كانت ترفض دائما لشعورها انه غريب عليها لا تعرفه ولا تطيقه .. كانت تعتبر رفض قلبها له دليل على عدم صحة زواجهما لذلك هو ليس زوج ولا حتى خطيب ...كان طلاقها تحصيل حاصل سيحدث فى أى وقت ولكن فى اى حال من الاحوال ما كانت ستكمل معه مشوار حياتها أبدا ..
كانت تراه مُختطف قد أختطفها من بيئتها التى نشأت بها يريد أن يقذف بها فى مجتمع آخر غريب عليها خالى من دفء المشاعر التى أعتادت عليه فى مجتمعها الصغير مجمتعها التى تربت ونشأت فيه وأحبته بكل ذرة فيها .....
أنتفض جسدها فجأة عندما هزتها أمها بقوة هاتفة بها :
- مالك يا مُهرة سرحانه فإيه كل ده
أنتبهت الى والدتها بعيون شاردة ولكنها عادت الى ارض الواقع سريعاً وهى ترى عبير وعزة ووالدة فارس يدخلون غرفتها وقد ملاءت الضحكات عيونهم وعبير تقول :
- الفرقه داخله يا مُهرة أجهزى ببدلة الرقص
ضحك الجميع وبدأت البنات فى الدخول إليها وجلست هى كالملكة بين الجميع تنظر إليهم وتضحك ببراءة وهم ينشدون وعبير وعزة يرقصان ويرتطمان فى بعضهما البعض ويضحكان فى سعادة وبعد قليل أخذوا بيد والدة فارس لترقص معهم ولكنها خجلت وأحتضنتهم وخرجت من حلبة الرقص وجلست بجوار مُهرة وهى تربط على قدمها بسعادة وحب ضحكت مُهرة اكثر بخجل عندما أخذت عبير الدُف من احدى الاخوات وبدأت تنشد وهم يرددون ورائها

فارس حلم بتتمنيه
واللى حلمتى فى يوم تلاقيه
بيكون وصفه يا مسلمة ايييه
يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه

* ما تشوف عينه الا حلاله
ولا غير ربه بيشغل باله
ويطاطى ويراضى الوالد
والوالدة بتبات داعياله
ومصلى والمولى هاديه
آدى اللى حلمت انى الاقيه

قولى كمان يا صبيه عليه
فارس حلم بتتمنيه
بيكون وصفه يا مسلمة ايه
يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه

*يتعب جسده ويعرق اكتر
ليرتاح قلبه الاخضر
وبيرجعلى بايده نضيفة
نفسه عفيفة وزى السكر
وطيابته بتبان فى عينه
آدى اللى حلمت انى الاقيه

قولى كمان يا صبيه عليه
فارس حلم بتتمنيه
بيكون وصفه يا مسلمة ايه
يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه

* بتمناه انه يقدرنى
يبقى ولى القلب وأمرى
والليل لو بتطول اوقاته
يبقى ونيسى ونجمى وقمرى
وانا عمرى عمرى ما اعصيه
آدى اللى حلمت انى الاقيه

قمر العاطى انك تلاقيه
زى ما كنتى بتحلمى بيه
واهو جالك دلوقتى الفارس
يسعد قلبك ويهنيه
يسعد قلبك ويهنيه

قمر العاطى انك تلاقيه
زى ما كنتى بتحلمى بيه
واهو جالك دلوقتى الفارس
يسعد قلبك ويهنيه
يسعد قلبك ويهنيه

أما فى الخارج وعند الرجال جلس فارس أمام والد مُهرة وبدا المأذون فى أجراءات عقد القرآن .. نظر فارس حوله نظرة سريعة فلم يجد أثر ل عمرو رغم وجود والده ووالدته وزوجته بالداخل ولكنه لم يأتى حتى الان ..
كان يريد أن يكون عمرو أحد الشهود على الزواج ولكنه تأخر جدا عن الموعد المتفق عليه ... لاحظ بلال نظرات فارس فنهض من مكانه وذهب الى فارس وأنحنى يحدثه فى اذنه
قائلا :
- يتدور على ايه عاوز حاجه
همس له فارس :
- عمرو أتاخر أوى
أخرج بلال هاتفه وأتصل به ولكن الهاتف مغلق .. أنحنى مرة أخرى وقال لفارس:
- التليفون مقفول .. بس متقلقش يمكن الشبكه واقعه ولا حاجه وبعدين ده جاى من سفر يعنى يمكن السوبر جيت أتأخر على ما طلع ولا حاجه
أومأ فارس براسه بقلق وأنشغل مع المأذون فى الاجراءات حتى أنتهى العقد وبدات رحلة الامضاءات الطويله أنهى فارس آخر توقيع له وارتسمت على وجهه علامات السعادة والفرحة والشوق والحب قد عبرت تسللت وأنطلقت مرتحلة أخيرا من بين قضبانها بداخل قلبه ولتنطق بها قسمات وجهه معلنةً عن شوقها البالغ لزوجة العمر وشريكة الطفولة والصبى ..
خرجت والدة فارس وأخذت الدفتر الكبير ودخلت الى مُهرة لتوقع هى الاخرى موافقةً على أهداء عمرها وقلبها وكيانها له بدون منازع ولا شريك كما كان دائما ولكن هذه المره يرتبطان برباط مقدس لا ينفك بينهما أبدا ..
كانت توقع على العقد ويديها ترتعش وجسدها ينتفض لا تستطيع تفسير هذه الحالة ولن نستطيع نحن ايضا تفسيرها ولكن من الجائز ان نقول عنها .. حالة حب
أغلق المأذون دفتره وهو يدعوا لهما بالبركة والرزق وبدأ الجميع فى ترديد الدعاء لهم خلف بلال الذى كان يردد .. بارك الله لهما وبارك عليهما وجميع بينهما فى خير...
غادر المأذون وبعد قليل وقف بلال فى المنتصف بين الجميع وقال بصوت عالى .. ودلوقتى جه وقت الامتحان وده للكل ها
نظر له الجميع بتسائل فقال :
- انا هسأل سؤال واحد ولازم الكل يجاوب عليه
بدأت الابتسامات تعلو الوجوه وبلال يقول :
- هو سؤال واحد ... كل واحد فيكوا أتجوز ليييييه؟
نظر له الجميع وبدأوا بالضحك فاشار لهم أن يصمتوا وقال :
- مبهزرش انا عاوز أجابه
بدأ الجميع فى الهتاف بمرح :
- ايه يا عم ده بنتجوز علشان نتجوز
- بنتجوز علشان نخلف ويبقى عندنا عيال
- بنتجوز علشان أهالينا يرتاحوا
- بنتجوز علشان أمهاتنا دعوا علينا فى ساعة عصارى
ضحك الجميع من اجابات بعضهم البعض فتوجه بلال الى فارس وأخذ بيده يوقفه وقال :
- وأنت بقى يا عريس بتتجوز ليه
أبتسم بلال وقال :
- علشان أفتح بيت مسلم وأخلف عيال أربيهم تربية اسلاميه أنفع بيهم الدنيا والدين من الانسانه اللى أخترها قلبى
صفق بلال بيديه فاستجاب له الجميع وصفقوا وهم يضحكون
بينما قال بلال :
- هى دى الاجابه النموذجيه يا جماعه ... ثم نظر الى أبو مُهرة وقال متعجبا:
- ينفع بقى البنت اللى أخترها قلبه تبقى قاعده جوا وهو قاعد مع الشنابات دى
ضحك الجميع مرة أخرى ونهض والد مُهرة مبتسماً وهو يقول :
- طب استنى لما أدخل أشوف الطريق
دخل والد مُهرة وطرق على الباب فخرجت له أم يحيى فقال لها :
- خلى البنات تلبس علشان العريس عاوز يقعد مع عروسته شويه
ابتسمت ودخلت على الفور وقالت بصوت عالى :
- يالا البسوا يا بنات العريس عاوز يدخل
أحتقن وجه مُهرة وهى تبحث عن ملابس او حجاب أو اى شىء
فضحكت عزة وهى تقول لها :
- يابنتى ده خلاص بقى جوزك أنتى أتهبلتى ولا ايه
أرتدت النساء ملابسها ووضعت عبير نقابها على وجهها وقبلت مُهرة وأنصرفت ..
بدأت النساء فى الانصراف ونهض فارس ليدخل لحبيبة قلبة ليراها لاول مرة دون محاذر أو قيود او خجل ولكن تأتى الرياح دائما بما لا تشتهى السفن .. دخل والد عمرو وأخيه محمود وهو يهتف موجها حديثه لفارس :
- أحلقنا يا فارس يابنى عمرو أتقبض عليه وهو جاى فى السكة
حدق به فارس وابتلع ريقة وهو يصيح به :
- أتقبض عليه يعنى ايه وليه
صاح والد عمرو وهو يلتقط انفاسه بصعوبه
_ وهو جاى فى السكة طلعت حمله تفتش السوبر جيت ولقوا فى شنطته حتة آثار فرعونى
تمتم فارس بذهول :
- آثــار فرعـونـى !!!!!
---------
يًتبع

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]

__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب