عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 02-22-2018, 05:35 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('https://f.top4top.net/p_772ibz7i5.png');"][cell="filter:;"][align=center]
الفصل الحادي والعشرون
--------------------





عاد الفارس إلى صهوة جواده مرة أخرى وأستأنف حياته العملية ثانية ولكن هذه المره وهو يجلس خلف مكتب الدكتور حمدى مهران كنائباً عنه ومديراً للمكتب وشريك فيه بمجهوده بنسبة الثلث ...لينفذ فكر استاذه فى قبول القضايا ورفضها حسب ما يترائى له من حلها وحرمتها مهما كانت باهظة الثمن ...وعادت دنيا تقبع خلف مكتبها تقلب أوراقها بملل غير راضية عن وضعها القديم فقط كانت تتصور أن شأنها سيرتفع لمجرد أنها زوجته وأنه سيعطيها مكتب مخصص لها ولكنها تركها كما هى حتى عندما غضبت وطلبت منه ذلك رد ببرود:
- لو هارقى حد هيبقى على حسب كفائته مش على حسب هو يقربلى ايه
وقد كانت الضربة الموجعة لها والقاسمة لغرورها وكبريائها أنه أعطى نورا صلاحية مدير المكتب وخصص لها مكتبه سابقاً بل وخفف عنها عبء عمل النهار وأصبحت تعمل مساءا كمديرة للمكتب فقط مما جعل دنيا تستشيط غضباً وحنقاً وتستعر النار بداخلها ...خرجت من المكتب دون أستئذان وتوجهت لوالدتها لتحكى لها مأساتها معه والظلم الذى تلاقيه فى عملها فاجابتها والدتها بهدوء:
- فى حاجه مش طبيعيه بينك وبينه ومحدش فيكوا عاوز يقول عليها
جلست دنيا تقلم اظافرها وهى ترفع كتفيها وتقول بدهاء :
- بصراحه يا ماما فيه بس يعنى ..ضميرى مش سامحلى انى افضح جوزى
نظرت لها والدتها مستفهمة وقد عقدت حاجبيها قائلة:
- يعنى ايه يابنتى مش عاوزه تفضحيه هو فى ايه بالظبط
رفعت رأسها إلى والدتها وتصنعت الخجل وهى تقول :
- اصله بصراحه يعنى مش قد كده معايا ..يمكن بقى علشان كده علطول مضايق وبيعاملنى وحش زى ما اكون أنا المسؤله عن حالته ديه
زاد أنعقاد حاجبى والدتها وهى تنظر إليها قائلة:
- طب ليه ما يروحش لدكتور بدل ما العلاقه بينكوا متوترة كده
زفرت دنيا متبرمة وهى تقول بملل:
- يووه حاولت كتير معاه وكل مره بيزعل ويعمل خناقه ..خلاص بقى قسمتى ونصيبى انا راضيه
جلست والدتها واستندت إلى ظهر مقعدها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر لأبنتها بشك ثم قالت :
- غريبه أوى الحكايه دى
عادت دنيا لتقليم أظافرها ثانية وهى تقول بأسى :
- شايفه يا ماما انا مستحمله أيه وكمان قاعده مع أمه فى مكان واحد ومعاملتها بقت حاجه صعبه اوى
مالت أمها للأمام بأبتسامة متهكمه وقالت :
- اهى دى بقى لو حلفتيلى عليها عمرك كله مش هصدقك ..ده أنا شفت بعينى محدش قالى
نظرت دنيا إليها وقالت بحزن:
- كده يا ماما بقى أنتى برضه تخيل عليكى حركات الست دى ...دى بتعمل كده قدامك بس
ضحكت أمها بسخريه وقالت :
- روحى شوفيلك كدبه تانيه بس تكون محبوكه شويه عن دى
هبت دنيا واقفة وهى تقول بإنفعال :
- كده يا ماما ...ماشى ...أنا هدخل اناملى شويه
- انتى مش هتروحى
- لاء لازم يعرف انه غلط ..دخلت غرفتها وتنفست بقوة وهى تزفر بضيق متسائلة بداخلها.. لماذا دائما يكذبها الجميع حتى والدتها لا تصدقها فى شىء !!
ألهذه الدرجة هى مكروهة منهم ...هوت إلى فراشها بقوة وغضب وهى تلوم نفسها على سذاجتها التى أودت بها ..تذكرت يوم وفاة ابيها واليوم الذى توعدتها أمها أنها ستجعل عمتها تأخذها معها إلى الصعيد لتعيش هناك بقية عمرها وتذكرت يوم أن قررت مصيرها وحددت معاد عقد قرانها على فارس دون الرجوع إليها عادت لتذكر الشعور الذى مر بها والغضب الذى تملكها حينها وهى ترى حياتها تسير فى الاتجاه الخاطىء وسينتهى بها الامر فى حاره مع حماتها فى شقة واحده ...أستعادت ذاكرتها هذا اليوم المشؤم الذى بحثت فيه عن الدواء المنوم خاصتها ووضعت منه لوالدتها فى مشروبها والذى جعلها تنام نوما عميقا مما أتاح الفرصه لها أن تخرج وأول ماتوجهت كان لمكتب باسم الذى رحب بها وأغلق الباب قائلا:
- ولا يهمك محدش يقدر يجوزك غصب عنك
- كل ده بسببك أنت ..ماما عملت كده علشان سمعتك وانت بتكلمنى فى التليفون بالليل فى الليله اللى بابا مات فيها ...أسمع بقى أنا مش هغرق لوحدى لازم تطلعنى من الحكايه دى فورا
- يعنى عاوزانى اعمل أيه
- أنت مش قلت هتجوزى وتخلينى شريكتك فى المكتب ؟...يبقى تيجى بكره وتطلب ايدى رسمى أنت فاهم ولا لاء
- أيه ده يعنى بتفضلينى على حبيب القلب ولا ايه مش فاهم
- حبيب قلب أيه دلوقتى ..يعنى ارمى نفسى بايدى فى الحاره مع أمه علشان بحبه ..لاء طبعا
فكر قليلا ثم قال :
- أومال انتى خرجتى ازاى دلوقتى .. مش بتقولى أمك كانت حابساكى فى البيت ؟
- حطيت منوم لماما هينيمها طول الليل وقلت أجيلك وارجع البيت من غير ما تحس أنى خرجت ..وطبعا أنت هتتقدم بكره رسمى ومش هتسيبنى فى اللى أنا فيه ده لوحدى مش كده يا باسم مش كنت بتقول أنك بتحبنى وأنك مستعد تعمل أى حاجه علشانى ...
أغمضت عينيها وهى تتذكر نظرة عينيه فى تلك اللحظه وكيف عادت لبيتها وهى تجر أذيال الخيبة ... مترنحة لا تصدق ما فعله بها بعد أن وثقت به وعاد صوته يتردد داخلها مرة أخرى وهو يقول بمنتهى الوقاحة :
- أعرف دكتور كويس هيرجعك زى ما كنتى وأحسن كمان ..
شعرت بغصة فى حلقها عندما وصلت لهذه النقطة من ذكرياتها المقززة ... و أخذت تفكر فى طريقة تعيد بها مكانتها مرة أخرى .. فكان لابد أن تبدأ بفارس أولا ...لابد أن تستعيد مكانتها فى قلبه بأى شكل من الاشكال وبشتى الطرق ..
******************************************
ظلت مُهرة تداعب أبناء عبير الاربعة وتجرى وهم يجرون خلفها وصوت ضحكاتهم يتردد بين جدران المنزل فى سعادة بينما قالت أم بلال وهى تضع يدها على صدرها :
- كفايه يا مُهرة قلبى وجعنى من الضحك يابنتى
قالت عبير وهى تجرى خلف أحدهم بطبق الطعام:
- سيبيها يا ماما دول كده بياكلوا وجبتهم كلها
جلست مُهرة على الارض والاطفال تجذبها من يدها لتقوم مرة اخرى وهى تتنفس بصعوبه وتقول بأنفاس متقطعة:
- كفايه مش قادره قطعتوا نفسى يا ولاد الدكتور
ضحكت عبير وهى تقول بمرح:
- أنتى خلاص يا مُهرة بقى عندك خبرة ينفع نجوزك من بكره
نهضت أم بلال وهى تقول أنا هدخل اريح شويه دماغى وجعنى من كتر الضحك
نهضت مُهرة وأخذت طفلين على قدماها تداعبهم وشرعت عبير فى إطعام الاثنين الاخرين وهى تنظر إلى مُهرة نظرات متفحصة ثم قالت :
- مُهرة أنتى فى حاجه مضايقاكى
ألتفتت إليها مُهرة بحيرة وقالت بتردد :
- أبدا يا ابله عبير ليه بتقولى كده
ركزت عبير على عينيها وقالت بثقه:
- علشان عارفاكى كويس لما بتبقى مضايقه ومهمومه بتقعدى تجرى وتلعبى وتضحكى أكتر من الطبيعى بتاعك
حاولت مُهرة تغير مجرى الحديث وهى تقول :
- أحنا مش هنروح لـ عزة ولا ايه يالا بقى قومى ألبسى
نهضت عبير وهى ترمقها بنظراتها وقالت :
- ماشى يا مُهرة بس خليكى فكرة أنى أختك الكبيرة لو أحتاجتى تتكلمى انا موجوده
قالت عبير كلمتها الاخيرة وتوجهت لغرفتها مصطحبة اطفالها لتبدل لهم ملابسهم بينما كانت عينان مُهرة تتابعها فى شرود وقد عاد الاسى يسكن قسمات هذا الوجه الملائكى مرة أخرى .
سمع صلاح طرقات منغمه على باب غرفته فالتفت إلى الباب وقال بمرح :
- ادخل يا عريس
أطل عمرو برأسه من فتحة الباب بابتسامته العذبه المرحه ودخل إليه يعانقه قائلا:
- وحشنى والله يا أستاذ صلاح
نظر إليه صلاح متأملا وهو يقول :
- وأنت والله يا عمرو ..بس ايه الحلاوه دى هو الجواز عامل عمايله معاك ولا ايه
رفع عمرو يديه يستعرض عضلاته وقال بغرور مصطنع :
- لا ولسه مشفتش المجانص كمان
لم يضحك صلاح فنظر إليه عمرو فوجده ينظر خلفه ووجهه قد عاد إليه جموده فألتفت عمرو خلفه فوجد إلهام واقفة خلفه عند الباب وتنظر إليه بنظرات إعجاب جريئة تكاد تلتهمه بعينيها وقالت برقه :
- حمد لله على السلامه يا بشمهندس ..تعال المكتب شويه لو سمحت ضرورى
وخرجت متوجهة لمكتبها فوضع صلاح يديه على كتف عمرو وقال :
- ربنا يخليلك مراتك يابنى
نظر له عمرو نظر مبهمة وأتجه إلى مكتب إلهام ..طرق الباب ودخل فقالت :
- أقفل الباب يا بشمهندس
أغلق عمرو الباب ووقف مكانه قائلا :
- خير يا بشمهندسه
أشارت له بالجلوس أمامها فأقترب قائلا:
- أنا أصلى لسه هستلم الشغل من أستاذ صلاح
قالت ببطء وهى تتفحصه :
- مش هعطلك كتير أتفضل
جلس عمرو على المقعد أمام المكتب متحاشيا النظر إليها ..مالت للأمام وأسندت ذقنها إلى راحتها وهى تنظر إليه مبتسمة وقالت :
- تعرف أنك أحلويت فعلا بعد الجواز
نهض عمرو على الفور وقال بضيق:
- معلش أنا لازم أمشى عندى شغل كتير
نهضت من مقعدها ودارت حول مكتبها ووقفت امامه ..مدت يدها إليه ولمست بأناملها أزرار قميصه وقالت هامسة:
- أنت ليه مش حاسس بيه يا عمرو
نظر ليدها وابتعد خطوة للخلف ونظر فى الاتجاه الاخر وهو يقول بجدية:
- يا بشمهندسه اللى بيحصل ده مينفعش خالص
أقتربت هى الخطوة التى أبتعدها ونظرت إليه برجاء وقالت بضعف:
- مينفعش أيه ..مينفعش أحبك
نظر إليها بدهشة وقال :
- يا مدام إلهام انا راجل متجوز وبحب مراتى وحضرتك كمان متجوزة و..
قاطعته بسرعه وهى تتلمس قميصه مرة أخرى وقالت بعينين ملتهبتين :
- وبحبك أنت ..
أشاح بوجهه وهو يبتعد عن يدها فقالت تستعطفه:
- يا عمرو أنا بحبك ومش عاوزه منك أى حاجه... أنت ليه مش قادر تحس بالى جوايا
شعر بالحرج والاضطراب وحاول أن ينتقى عبارات غير جارحه وهو يسمع نبرتها الواهنه التى ترجوه بها ..ألتفت إليها قائلا بهدوء:
- يا بشمهندسه أحنا كلنا هنا بنحترمك وبنقدرك لكن غير كده مش هينفع صدقينى أنا محبتش ومش هحب حد غير مراتى ...عن أذنك
وتركها وأنصرف وهى ترمقه وتراقب حركته العصبيه وهو يفتح الباب ويخرج ويغلقه خلفه مسرعاً ... فرت دمعة من عينيها فمسحتها بسرعة وهى تقول بأبتسامه :
- غلطان يا عمرو ..
توجه عمرو مباشرة إلى مكتبه وعانق زميله احمد بحرارة والتفت إلى زميله نادر متناسياً المشاحنه التى كانت بينهما وقال:
- أزيك يا بشمهندس نادر
نظر له نادر نظرة متعاليه وقال:
- كويس
ربت أحمد على كتفه وقال بمرح :
- واحشنى والله يا عمرو ووحشانى خفة دمك ..ايه خلاص هترجعلنا تانى ولا ايه
قال عمرو وهو يجلس خلف مكتبه بخفه :
- اه ان شاء الله ..هرجع أرخم عليكوا تانى
ضحك أحمد وهو يضع امامه بعض الرسومات الهندسية وبدأ عمرو فى العمل بينما كان نادر يراقبه عن كثب ويتتبعه وهو يعمل بنظرات محتقنة حاقدة ...

**************************************


أنهى بلال جلسته العلاجية لاحد مرضاه الذى قال مرحاً :
- بجد يا دكتور بلال أنت ايدك مرهم ولا حسيت بحاجه
رفع بلال رأسه إليه وقال مداعباً:
- أنت محسسنى أنك جاى تاخد حقنه فى الصيدليه وبعدين لو محستش بحاجه تبقى الجلسه فشلت يا كابتن
ضحك كابتن علاء وهو يقول :
- لا نجحت ان شاء الله ...بس حلو أوى حكاية التسبيح والتكبير والاستغفار اللى انت بتعملها دى يا دكتور بجد أنت ليك سبق فى الحكايه دى ...ده انا أول ما سمعت عنك وعن اللى بتعمله من زميلى فى الفرقه قلت لازم أجى أجرب بنفسى وسبت دكتور الفريق..
ابتسم بلال وهو ينهض من خلف مكتبه قائلا:
- الكلام كله عاجبنى الا الحته الاخيره ناقصلك شويه وتقولى أعملى خصم
ضحكا الاثنان بينما نهض بلال وهو يأخذ مفاتيحه من فوق المكتب وقال :
- يالا يا كابتن يدوب نلحق العصر
ساعده بلال على النهوض وهو يقول له مشجعاً:
- لا بقولك ايه بلاش دلع أنجز علشان عاوزين الكاس السنه دى
ابتسم علاء بإجهاد وهو يتحرك معتمدا على يديى بلال وقال :
- أنا معتمد على الله وعليك يا دكتور
رد بلال مبتسماً وقال معلماً:
- يا ابو الكباتن قول على الله ثم عليك
نظر له علاء مستفهماً وقال :
- وايه الفرق ؟؟
شرع بلال فى الشرح له وهما يتوجهان خارج المركز وقال :
- يعنى لما اقول خرجت من المركز انا وعلاء يعنى خرجنا احنا الاتنين سوا... زى زيك يعنى
لكن لما اقول أنت ثم أنا يعنى أنت الاول وبعدين أجى انا فى المرتبه التانيه ..كده أحنا مش متساويين مع بعض
هز علاء راسه بدهشة وقال :
- تصدق أول مرة أعرف ده احنا بنقولها كتير اوى
ما كاد ينتهى من كلمته حتى أصطدم بمُهرة التى كانت تهبط الدرج بسرعة مداعبة الطفل على يديها ..نظرت له مُهرة وقالت بإندفاع:
- مش تحاسب يا استاذ أنت ..ايه الناس دى
نظر بلال إلى عبير التى كانت تهبط السلم بهدوء وهى تساعد الأطفال على تعلم هبوط السلم بحذر ويبدو ان مُهرة قد سبقتها كما تفعل دائما وسمع علاء يقول لها وهو يتأملها ملياً:
- المفروض انتى اللى تعتذريلى على فكره أنا اللى تعبان وانتى اللى خبطى فيها
نظرة له مُهرة شذراً قائلة بحنق :
- وأنت مبتشوفش يعنى
بينما قال بلال بسرعه :
- خلاص يا كابتن حصل خير خلاص يا انسه مُهرة
قالت عبير بتلقائيه :
- خلاص بقى يا مُهرة محصلش حاجه
اقترب بلال من عبير وهمس فى اذنها :
- مش قلت محبش راجل غريب يسمع صوتك ..ماشى لما نطلع بيتنا بس
أبتسمت عبير بصمت فهى مازالت وستظل تحب غيرته عليها حتى من ان يستمع رجل غريب لصوتها فقط ...نظر علاء ل مُهرة وقال بإعجاب :
- وكمان اسمك مُهرة لا بصراحه اسم على مسمى
نهره بلال على الفور وهو يأخذ بيديه للاسفل قائلا:
- بقولك ايه يا كابتن أنت هتعاكسها قدامى كمان طب أحترمنى على الاقل يا أخى
همس علاء فى اذنه قائلا:
- هى تقربلك ولا ايه
قال بلال وهو يعبر به باب البناية قائلا:
- حاجه زى كده ..وبعدين وانت مالك
************************************
وفى أحد الليالى أفترش فارس الارض بعيدا عن الفراش ووضع وسادته واستلقى بجسده المنهك وأغمض عينيه فى أنهاك شديد تحت عينيى دنيا المتابعة له وهى جالسة على الفراش ترقبه وقد عزمت على تنفيذ ما قررته وأن تستعيد مكانتها لديه ثانية ..نهضت من فراشها وتعطرت وارتدت ثياباً مكشوفة شفافه وجلست على الارض بجواره وأتكأت على طرف وسادته لينفذ عطرها لأنفه رغماً عنه وقالت بدلال :
- هتفضل تنام على الارض لحد أمتى ...هو احنا مش متجوزين ولا ايه
قال بجدية دون أن يفتح عينيه:
- أنا حذرتك قبل كده يا دنيا ...أرجعى على سريرك وابعدى عنى
غلفت صوتها بنبرة ناعمه وهى تتلمس خصلات شعره :
- ولو مبعدتش هتعمل ايه
فتح عينيه وألتفت إليها بعصبيه وقال بغضب :
- هتشوفى فارس اللى عمرك ما شوفتيه قبل كده ..ثم قال محذرا:
- والكام شهر اللى هتقعدي على ذمتى فيهم تتجنبينى خالص وتبطلى محاولاتك دى علشان أنا بحس بقرف لما بتقربى منى ...ألقى عليها نظرة أحتقار أخيرة وأغمض عينيه ثانية وولاها ظهره غير مباليا بها ...نظرت إليه بغضب وحقد شديد وهبت واقفة فى عصبية كبيرة وبدلت ملابسها ونامت وهى تعض على يديها من كثرة الغيظ والغل ...
******************************
جلس فارس بجوار والدته على مائدة الافطار وقبل يديها قائلا بابتسامه :
- تسلم ايدك يا ست الكل
ربتت على كتفه برضا وهى تقول :
- بالهنا والشفا يابنى ...ثم نظرت إالى دنيا وقالت بود:
- مبتاكليش ليه يابنتى
اشاحت دنيا بوجهها وقالت بغطرسة :
- ماليش نفسى ..هشرب الشاى بس
تناولت ام فارس أحد الاطباق ووضعته امامها وقالت بأهتمام:
- ملكيش نفس أزاى بصى بقى ده انا عملتلك بسطرمه بالبيض أنما هيعجبك اوى
نظرت دنيا إلى الطبق ساخره وقالت :
- بسطرمه ..لا ميرسى مش عاوزه
ثم نظرت للمائدة وقالت بترفع :
- أومال فين الشاى
شرعت أم فارس فى النهوض وهى تقول بطيبة:
- يوه نسيت أحطه على النار
أمسكها فارس من يدها وأجلسها مرة اخرى وقال ل دنيا بعصبيه:
- اللى عاوز حاجه يقوم يعملها لنفسه ...ثم التفتت إلى والدته وقال :
- متتعبيش نفسك يا ماما من فضلك كتر خيرك اصلا انك عملتى الفطار
رفعت حاجبيها وقالت بأستفزاز :
- الله هو انا عملت حاجه دلوقتى انت بتلكك ولا ايه
زفر فارس بضيق ولم يرد عليها فقالت متهكمه:
- هو أنت مش ناوى تحلق دقنك دى ولا ناوى تستشيخ زى صاحبك الدكتور
نظر إليها بحدة وقال :
- أه ناوى أستشيخ زى صاحبى الدكتور عندك مانع
تبادلت معه النظرات الحاده ونهضت الى المطبخ لتعد الشاى وهى تتمتم بخفوت:
- ماهو ده اللى ناقص كمان
ظهرت سحابة حزن فى عينيى أم فارس ...فما يحدث الان هى ما كانت تتوقعه تماما ولكن مع الاسف سبق السيف العزل وانتهى كل شىء ..ولا بد من التعامل مع الواقع كما هو ..
************************************
بدأت مُهرة فى العام الجديد وبداية مرحلة جديده ..مرحلة الثانويه العامه وعكفت على المذاكره من بداية العام وحتى أنتصافه تحاول ان تمحى من أفكارها كل ماهو ليس له علافة بمستقبلها ومذاكرتها وتتعايش مع الواقع بشكل أكثر حسمأ وواقعية ..ولكن الواقع هو الذى لم يتركها لشأنها كثيرا..
تزوج والدها بامرأة اخرى واصبح اكثر أهمالا لهم ماديا ومعنويا ولم يكن هذا هو العبء الوحيد عليها وأنما لحق به عبأً آخر .. بدأ العرسان يتوافدون عليها وبدأت هى الصراع فى الرفض دائما مماجعل والدها يزداد سخطاً عليها وعلى رفضها المستمر بدون اسباب حتى كانت الطامة الكبرى بالنسبة لها وتقدم للزواج منها احد الاشخاص الذين يصعب على والدها الانصياع إليها ولم يقتنع باسبابها ..ولكنها اصرت مما جعله يضربها لاول مرة ..ولكنها اصرت على الرفض بعناد ...وأخيرا أضطر والدها إلى الاستماع إلى راى زوجته أم يحيى واللجوء الى الشخص الوحيد الذى يظن الجميع انه يمكن له أن يقنعها بالموافقة ...
فتح فارس باب منزله ليجد امامه والد مُهرة ثائرا جدا و لكنه قال بحرج:
- معلش يا أستاذ فارس عملنالك أزعاج بس كنت محتاجك عندى ضرورى لو سمحت
قال فارس بدهشة متسائلاً:
- طيب اتفضل شويه مينفعش من على الباب كده
- معلش يا أستاذنا مش هينفع
أومأ فارس براسه وقد بدأ القلق يتسرب لنفسه وقال :
- حاضر ثوانى هغيرهدومى واجى معاك
بدل ملابسه سريعاً وهو يشعر بقلق بالغ وتوجه الى والدته بالمطبخ قائلا:
- ماما انا هطلع مع عم ابو يحيى اشوفه عاوزنى فأيه
ألتفتت إليه متسائلة :
- طب مقالكش عاوزك فايه؟
هز راسه نفيا وقال وهو يربت على ذراعها:
- متقلقيش ان شاء الله خير هروح اشوفه ولما ارجع هقولك
أخذه والد مُهرة وصعد به إلى شقته ..وجلس معه فى غرفة استقبال الضيوف وقال بحنق:
- بص بقى يا استاذ فارس البت دى غلبتنى وطلعت عينى وبصراحه كده امها شارت عليا ان مفيش حد غيرك هيقنعها ويخليها تغير رايها بما انك مربيها ومن صغرها وهى بتسمع كلامك ..
عقد فارس بين حاجبيه وقال بقلق :
- فى ايه طيب فهمنى
لوح الرجل بيديه وقال بعصبيه:
- عماله ترفض عريس ورا التانى وانا ساكت عليها ومش عاوز أغصبها لكن العريس ده بقى هتجوزه حتى ولو غصب عنها .. يا أستاذ فارس ده لاعيب كورة معروف وغنى وهتتبسط اوى معاه وهتخرج من الحاره لمستوى تانى خالص هو حد يطول أنا مش عارف البت دى مالها كده
مال فارس للأمام وواستند بمرفقيه على قدمه وفرك كفيه فى توتر وعصبيه وقال :
- مُهرة لسه صغيره مش لما تخلص الثانويه العامه الاول
قال والدها بحنق:
- وأيه المشكله هى يعنى هتجوز النهارده ..الراجل عاوز يكتب الكتاب بس ولما تدخل الجامعه تبقى تتنيل تروح بيته
حك فارس ذقنه بعصبيه وقال متهكما:
- ياااه كمان عاوز يكتب الكتاب مش يخطب ده شكله مستعجل على كده
- اومال أيه يا استاذ فارس وبعدين ده هيخطب ليه ده جاهز من مجاميعه ومش عاوز مننا حاجه خالص ولا حتى شنطة هدومها
زاد أضطرابه وتوتره وتعرقت يديه بشدة وقال محاولا التحكم بعصبيته:
- اه علشان كده بقى
دخلت ام يحيى وقدمت له الشاى قائلة :
- والله يا أستاذ فارس شاب يفرح ويشرح القلب ومن ساعة ما شفها عند الدكتور بلال وهو يتجنن عليها انا مش عارفه البت دى هتفضل دماغها ناشفه لحد امتى
ثم توجهت للخارج وهى تقول :
- انا هناديهالك وأنت بقى تحاول تاثر عليها انا عارفه انها بتسمع كلامك
دخلت أم مُهرة غرفتها وقالت لها بلهفة:
- قومى بسرعه أستاذ فارس عاوزك بره
نهضت مُهرة من خلف مكتبها الصغير وهى تحدق بوالدتها وقالت بحزن:
- يعنى هو جاى يقنعنى انى اوافق على العريس
أومأت أمها براسها وقالت مؤكده:
- طبعا اومال معطل نفسه كتر خيره وطالع مع ابوكى ليه ... وبعدين يا مُهرة خلى بالك لو فضلتى رافضه ابوكى هيبهدلنا ويمكن يطلقنى يابنتى يرضيكى امك تطلق على كبر كده
زاغت نظراتها وهى تجلس على مقعدها مرة اخرى ترمى بثقل جسدها عليه دفعة واحدة بعد ان خذلتها قدميها وقد شعرت ان الالم يعتصر قلبها أعتصارا محاولا أن يتخلص من هذا الرجل الذى طالما أحبه وعشق كل سكناته وخلجاته وحروف كلماته وضحكاته بل وآلامه وأحزانه ,,خرجت كلماتها بصعوبه بعد أن بللت الدموع شفاهها وقالت :
- قوليلوا مفيش داعى يتعب نفسه يا ماما ..أنا خلاص موافقه
خرجت أم يحيى من غرفة ابنتها وهى تطلق الزغاريد فنهض فاروس ووالدها متسائلين فقالت أم يحيى بسعادة كبيرة:
- بركاتك يا استاذ فارس أول ما خطيت بيتنا عنادها أتفك
ونظرت الى زوجها قائلة:
- كلم العريس وقوله البنت وافقت يا ابو العروسه
خفق قلبه بقوة وهو ينظر إليها مشدوها قائلا:
- هى قالتك انها موافقه يا ام يحيى
ضحكت ام يحيى وهى تقول:
- طبعا يا استاذ فارس موافقة ...
توجه والد مُهرة إلى الهاتف قائلا :
- انا هكلمه أقوله أنها وافقت علشان نحدد معاد كتب الكتاب قوام قوام قبل ما ترجع فى كلامها
شعر ان الدنيا تميد به وأنه يتنفس من ثقب إبرة لا تروى ظمأ رأتيه فاتجه إلى الباب خارجاً وهو يتمتم غاضباً:
- مبروك
**********************************
عاد الفارس مهزوما الى شقته ولكنه غاضباً لاقصى حد ..فتح الباب بعنف واغلقه خلفه بقوة .. خرجت والدته من المطبخ فزعة ورأته غاضباً بشدة لا يرد عليها ودخل الى الحمام وضع رأسه تحت الصنبور لعله يطفأ النار التى نشبت برأسه وهو لا يدرى مصدر النار الحقيقيه .. وقفت والدته بجواره ترجوه ان يتحدث ويخبرها ما به وأخيرا أغلق الصنبور وأعتدل واقفا وهو يتكأ على الحائط أمامه بكلتا يديه ناظرا لوجه بالمرآة والمياه تقطر من كل مكان بوجهه وشعره لتغرق ملابسه
قائلا بصوت يشبه أصوات الفراغ القاتل حول المقابر :
- هتتجوز ..
رفعت والدته حاجبيها دهشة وهى تقول :
- هى مين يابنى
وفجأة أنقلب الصمت الى زوبعة شديدة تتلوها الاعاصيرا تترا ..وأخذ يهدر فى غضب شديد:
- خلاص مبقاش ليا لازمه عندها ..انا بقيت ولا حاجه عند الهانم..رايحه تقرر وتوافق من غير ما ترجعلى ...خرج من الحمام متوجها الى المائدة وراح يركل المقاعد واحداً تلو الاخر فينقلب على عقبيه محدثا جلبة شديدة وهو يصيح :
- كانت بتاخد رأيى فى لون الفيونكه اللى فى شعرها كانت بتاخد رأيى فى القلم اللى بتكتب بيه
دلوقتى بتقرر تتجوز ...كده من نفسها ...خلاص كبرت وعاوزه تجوز خلاص مبقاليش قيمه عندها ...
حاولت والدته ان تهدىء من روعه وتتشبث به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفه الهوجاء يطيح بكل ما يقابله امامه يمينا ويسارا ...لم تعد تعرف كيف تعيده الى رشده ...
أخذت تمسح على ذراعيه تاره وعلى راسه تاره وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى هدأ أخيرا وجلس وقد أحتقن وجهه بشدة ودفن راسه بين كفيه محاولا السيطرة على غضبه يلتقط انفاسه بصعوبه كأنه كان يعدو بقوة ...
وقفت والدته بجواره تمسح راسه وتقرا المعوذتين والاخلاص بينما وهم كذلك صدح رنين هاتف المنزل ..تركته والدته يهدأ وأجابت المتصل أمتقع وجهها وهى تنظر ل فارس الذى بدأ يهدأ قليلا وأنفاسه تنتظم ...وقالت:
- أمتى حصل ده يابنتى...
رفع راسه ونظر الى والدته متسائلا حينما سمعها تقول لمحدثتها:


- لاحول ولا قوة الا بالله ..البقاء لله يابنتى ....
-------
الفصل الثاني والعشرون
-----------



أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب ..نظر إليها فوجدها تدفن راسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها ...أقتربت والدته منهما ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة:
- كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط أدعيلها بالرحمه
ثم نظرت لـ فارس وأردفت :
- قوم يابنى خد مراتك وأدخلوا أرتاحوا شويه انتوا منمتوش من أمبارح
نهض فارس بتثاقل فكم كان محتاجاً لقسط من الراحه لبعض الوقت بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين ...أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق:
- تعالى ارتاحى شويه جوه يا دنيا قومى يالا
نهضت وهى تجفف دموعها وقد اطرقت راسها إلى الارض وكادت أن تسقط من فرط اجهادها وحالتها النفسية السيئة لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها ..ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلاً:
- يالا ناميلك شويه علشان أعصابك تهدى
رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء:
- أقعد لو سمحت
جلس بجوارها على الفراش وألتفت إليها مشفقاً لحالها ..فأرتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلةً:
- متسبنيش يا فارس أنا ماليش غيرك دلوقتى ...أرجوك متسبنيش لوحدى ...أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك بس أنا عارفه أنك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى ..وشهقت بقوة أكبر وهى تقول بإنهيار:
- اخر حاجه ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك
رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئناً وقال :
- متخافيش يا دنيا متخافيش ..ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلاً:
- أنا جنبك متقلقيش من حاجه ابدا
أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة:
- بجد يا فارس يعنى مش هتطلقنى
ربت على يدها وقال بهدوء :
- متفكريش فى الكلام ده دلوقتى انا عاوزك تنامى وترتاحى أنتى مش شايفه نفسك عامله ازاى
أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها ..ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق .. ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه ..خرج فوجد والدته قد غفوت على الاريكة الخارجيه ..حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الارهاق ... هوى بجسده على المقعد جانبها واستند الى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الامر من جديد ...
لقد أصبحت وحيدة الان وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها ..لقد أستنجدت به وتوسلت اليه ان لا يتركها فكيف يفعل تأبى رجولته ودينه أن يفعل ذلك ولكن كيف يحتفظ بها وهى من هى ...لن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع ان يطلقها فى مثل هذه الظروف ..وضع كفيه على وجهه ملتجأً إلى الله عزوجل هاتفاً بقلبه :
- ما العمل ياربى ما العمل ......
*************************************
لم يشعر أحد بغيابهم عن المنزل نظراً لاستعدادات عقد القران التى خيمت أجوائها على بنايتهم بل على شارعهم كله ..جلست مُهرة بجوار علاء بعد ان وقعت عقد زواجها منه وأنهمرت عليها القبلات المهنئة السعيده من الجارات والصديقات ودوت اصوات الزغاريد معلنةً أشهار زواجهما ..حضرت الحفلة جميع الجارات ماعدا والدة عمرو فقلد كانت غاضبة لغضب ولدها محمود فلم تذهب لتبارك الزواج ... بينما كان يحيى سعيدا جدا لان أخته تزوجت من لاعب كره شهير فجلس بجواره وأخذ يلتقط معه بعض الصور ... أما والدتها فقد فرت دموع الفرح من عينيها وهى ترى طفلتها وقد اصبحت عروساً جميله فمالت على زوجها قائلة :
- شايف يا ابو يحيى مُهرة زى القمر أزاى
- لازم تبقى قمر طبعا مش بنتى
نظرت له مستنكرة وتركته وذهبت لتقف بجوار عمرو متسائلة:
- متعرفش يا بشمهندس الاستاذ فارس ووالدته فين اصلى خبطت عليهم كتير اوى النهارده محدش رد
وضع عمرو قطعة من الكعك فى فمه وقال :
- عند مراته فى شقة أمها اصل حماته ماتت من يجى اسبوع كده
عقدت أم يحيى حاجبيها وقالت بأستغراب:
- لا حول ولا قوة الا بالله ومحدش قالنا ليه
قال عمرو بلا مبالاة:
- تلاقيهم مرضيوش يبوظوا فرحتكوا يا ست أم يحيى ..ثم اردف وهو يمد طبقه اليها قائلا:
- اومال فين الجاتوه بتاعى يا ام العروسه
ابتسمت ام يحيى وهى تأخذ منه الطبق قائلة :
- من عنيه يا بشمهندس
مال علاء على مُهرة بشكل ملفت للنظر وهمس فى اذنيها قائلاً :
- مبروك يا حبيبتى
ألتفتت إليه بحرج وابتعدت قليلا وهى تقول :
- الله يبارك فيك بس من فضلك ابعد شويه مينفعش كده
أردف هامساً دون أن يبتعد :
- وابعد ليه هو انتى مش مراتى ولا ايه هو انا صممت اكتب الكتاب علشان تيجى تقوليلى ابعد شويه
همت بالنهوض بإنفعال من جانبه ولكنه امسك يديها قائلا :
- خلاص خلاص هبعد أهو خاليكى
سحبت يدها من يده بضيق وقالت :
- أنا هروح اصلى العشاء عن اذنك
أبتسم ساخرا وقال :
- سلامات يا شيخه مُهرة
ألقت عليه بنظرة غاضبة ونهضت بضيق ودخلت غرفتها أرتدت ثياب الصلاة ووقفت تصلى وهى تبكى غير مصدقة ما فعلته بنفسها ..كيف تلقى جزيرتها فى مياه غريبةً الشطئان كيف لم يشغلها أن تبحث عن زورق للنجاة ..كانت تكفى الخطبه فلماذا وافقت على عقد القران لماذا سبحت فى بحر متلاطم الامواج ليس لديها بوصلة للطريق تنظر خلفها فلا طريق للعودة ولا سبيل للرجوع ولا فناراً تتقدم على ضوءه ...أين السبيل أذن وكيف النجاة

وبعد يومين عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهم هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته فى شقة والدتها ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها قليلاً ..وتفاجأت بأن زواج مُهرة قد تم بالفعل
فقالت بضيق:
- كده برضوا هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا أيه يا أم يحيى
قالت أم يحيى بحرج:
- والله سألت عليكى يا ست أم فارس ملقتكيش وبعدها عرفت من عمرو ان حماة الاستاذ فارس تعيشى أنتى وأتلخمت فى كتب الكتاب ومعرفتش اوصلك
- مُهره فين علشان أباركلها
اشارت لها أم يحيى الى غرفتها قائلة:
- قاعده جوه بتذاكر ثوانى أندهالك
خرجت مُهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين ام فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن مُهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر ..جرت بسرعة وأرتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكى وتبكى وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى:
- ايه يا بت مالك بتعيطى ليه كده
رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة:
- تلاقيها واخده على خاطرها منى علشان محضرتش فرحها
مطت ام يحيى شفتيها وهى تقول :
- انا عارفه ايه دلع البنات ده ..دى من ساعة كتب الكتاب وهى لويه بوزها كده حتى عريسها مبتديلوش ريق حلو ابدا
أزداد بكاء مُهرة ولكنها لم ترفع راسها من حضن أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت ام فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها :
- ايه يا ست انتى... انتى بقيتى بخيله ولا ايه فين الشربات بتاعى
ضحكت أم يحيى بسعادة وهى متوجهة الى المطبخ قائلة:
- من عنيا يا ست الكل
تبعتها أم فارس بعينيها حتى أختفت داخل المطبخ فربتت على راس مُهرة وقالت بخفوت:
- متقهريش نفسك يا بنتى كل شىء قسمة ونصيب
توقفت مُهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر فى عينيها متعجبة بإستغراب :
- فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت :
- انتى ناسيه انى انا اللى مربياكى واقدر أحس بيكى كويس ولا فاكرانى مش حاسه بيكى كل ده
..ثم امسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان:
- ركزى فى مذاكرتك ومتفكريش فى حاجه وأرضى بقضاء ربنا علشان ربنا يرضى عنك ويرضيكى
***********************************
دخلت مُهرة هى وأخيها يحيى النادى الرياضى تتطلع حولها منبهرة بما ترى بينما كان علاء الذى يسير بجوارها بزهو وهو يشاهد الانبهار فى عينيها هى وأخيها وهو يشعر بالسعاده فتلك المرة الاولى التى وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها ..مرت بجوارهما مجموعة من الفتيات أستوقفوه بلهفة وهن يصافحنه ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد أن يلتهمهن بعينيه.. ألتفت علاء الى مُهرة فوجدها موصوبة نظرها عليهم بملامح خاليه من أى تعبير ولكن يغلب عليها بعض الدهشة ...أنصرفت الفتيات وأقترب منها قائلا :
- أيه يا حبيبتى غيرانه ولا أيه... لا لازم تتعودى على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى
قال يحيى مؤكداً :
- طبعا يا نجم
نظرت إليهما مُهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات
وقالت :
- هو مين اللى بيصرف على كل الحاجات الفخمه اللى فى النادى دى
نظر لها متعجباً وقال بإستنكار:
- هو ده كل اللى لفت نظرك
أومأت برأسها وقالت بأهتمام:
- غريبة أوى أنا كنت بشوف الحاجات دى فى التيلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بحق وحقيق
عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء:
- وأيه الغريب فى كده أذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكفأة ..مستغربه ان النادى نفسه يبقى فخم
ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس وجلس قبالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة الصغيرة
وقالت :
- ومين اللى بيدفع كل ده
رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة :
- تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زى كده يعنى
اسندت ذقنها على راحة يدها وقالت بإستغراب:
- سبحان الله مصر ماليانه أحياء شعبيه محتاجه نص اللى بيتحط فى النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الاعمال دول لو أتبرعوا للأحياء الشعبيه ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللى محتاجه أجهزة وأدويه كان هيبقى ثوابهم أكبر عند ربنا مش يجوا يحطوا فلوسهم فى حمام سباحه ولا ماتش ..
عقد حاجبيه وقال بحنق:
- أحنا بندى البلد دى جوايز ومسابقات عالميه ودورى وكاس
ضحكت وهى تقول :
- غريبه أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دورى وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا بيهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على ابحاثهم اللى هتخدم البشريه كلها ...
قال يحيى بحماس معترضاً:
- والماتشات دى برضه حاجه كويسه يا مُهرة مش بتخرج الطاقه صح والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد
نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية:
- يابنى ده انا أختك وبشوفك أنت وصحابك وأنتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمه اللى بتقعدوا تشتموها للاعيبه وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على اول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسى وفى الاخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافات وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض
وبلد ايه اللى بتستفاد دى ؟! الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم فى البلد التانيه وفى الاخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسرت طب مصر كسب ايه وخسرت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وبنقولهم فوت علينا بكره ..كسبت كاس بيتحط على رف النادى مكتوب عليه تاريخ الانتصار وفلوس تتوزع على اللاعيبه زى الرز وفى ناس أحق بالفلوس دى بيباتوا من غير اكل ولا دوا وبيموتوا من كتر الاهمال فى المستشفيات الحكوميه...الكلام ده لو فى عدل لو كل واحد بياخد حقه
نسى علاء أنه فى مكان عام وهتف غاضباً:
- سيبك من كل ده تنكرى أن الرياضه شىء مهم جدا وسيدنا عمر بن الخطاب حث عليها وقال علموا أولادكم السباحه والرمايه وركوب الخيل
رفعت حاجبيها متهكمةً وقالت :
- بيتهيألى سيدنا عمر لو عرف أن الكوره بيتصرف عليها ملايين وفى ناس جعانه مش لاقيه تاكل وناس تعبانه وبتموت ومش لاقيه دوا كان زمانه منع حاجه اسمها كوره ...ضحكت عندما وصلت لاخر كلمة قالتها
بينما هب هو اقفا وقال بضيق :
- وحضرتك بقى وافقتى تتجوزينى ليه طالما شايفه أن شغلى تافه أوى كده
حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية :
- منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا فى التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللى أنا شايفاه أكدلى ..وبعدين مالك زعلان أوى كده ليه أختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وأنا بقول رأيى
نظر لها يحيى مندهشاً وهو يقول :
- سبحان الله كأنى سامع الاستاذ فارس هو اللى بيتكلم
نظرت له مُهرة بتأثر ولمعت عينيها حنيناً بينما قال علاء متسائلاً:
- مين الاستاذ فارس ده
ضحك يحيى وهو يقول :
- ده بقى يا سيدى الاب الروحى لمراتك هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده
ظن علاء أن الشخص الذى يتحدث عنه يحيى رجل طاعن فى السن مثلاً فلم يبالى بالامر وقال بأستهزاء :
- وأنا أقول برضه اتعلمتى منين التخاريف دى
هتفت مُهرة وهى تنظر له بغضب :
- أتكلم باسلوب أحس من كده
تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئاً للموقف :
- صلوا على النبى يا جماعه دى مجرد مناقشة
تأملها علاء لبعض الوقت ثم قال حانقاً :
- يالا نمشى
سارت بجواره وهو يمشى بخطوات واسعة وهى تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الاخيرة على النادى الذى حلم دائما بدخوله ..حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذى كان يبدو عليه أنه فى أوائل العقد الخامس من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا :
- دى مُهرة مراتى يا كوتش وده يحيى أخوها
نظر إليها الرجل مبتسماً ومد يده يصافحها قائلا :
- أهلا وسهلا نورتى النادى
عقد ذراعيها وقالت بجمود:
- أهلا بحضرتك بس معلش مش بسلم ...
مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة نارية وضغط اسنانه حتى خُيل إليها أنها استمعت الى صوت صكيكها وقال آمراً :
- سلمي يا مُهرة ده الكوتش بتاعى انتى متعرفيهوش ولا أيه
نظرت إليه وظلت عاقدة ذراعها ولم ترد فقال الرجل بسرعة وهو يربط على كتف علاء :
- خلاص يا كابتن مش مشكله يالا اشوفك فى التدريب سلام
جذبها من ذراعها بقوة وهو يقول :
- انا غلطان أنى جبتك هنا..أمسكه يحيى وهو يحاول تخليص ذراعها منه هاتفاً :
- مش كده يا كابتن التفاهم بالراحه
دفعت يده بعيدا بضيق وأسرعت الخطى وقد لمعت عيناها بالدموع ظلت جالسه فى المقعد الخلفى فى السياره وعلاء يقودها حانقاً فى طريقة الى المنزلها وهى تنظر من النافذة بجوارها وكلما فرت دمعة من عينيها رغماً عنها مسحتها بسرعة حتى لا يراها فى المرآة ..أما هو فكان يصيح طول الطريق بغضب قائلاً:
- بتحرجينى مع الكوتش بتاعى يا مُهرة يعنى لو كنت قابلت حد من الرجال الاعمال اللى بيرعانى كنتى برضه هتحرجينى قدامه كده مش كفايه مش عاجبك شغلى ومستخسرة فيا الفلوس اللى باخدها ..
كانت تستمع الى يحيى وهو يحاول تهدئته أما هى فقد ظلت صامتة ولم ترد عليه وتركته يخرج ما فى صدره من حنق وغضب عليها كانت تشعر أنها وحيدة لا تشعر بالامان معه تريد ان تصل لمنزلها سريعا لتحتمى بجدرانه بعد ان فقدت النصير الذى غاب عنها وتاه فى دنياه !...

**********************************************
وضع فارس حقيبة دنيا فى غرفتها وخرج منها وأغلق الباب خلفه قائلا لوالدته فى عجلة من أمرة :
- لازم أمشى حالا أتأخرت اوى على المكتب
همست له والدته بخفوت:
- مش تستنى مع مراتك شويه يا فارس وبعدين تنزل
ربت على كتفها برقه وقال وهو يضع الهاتف فى جيبه ويأخذ مفاتيحه :
- هستنى أعمل أيه يا ماما هى خلاص بقت كويسه معلش عندى شغل متأخر يالا مع السلامة
ترجل يحيى فى بداية المنعطف المؤدى الى شارعهم عندما ألتقت عيناه بعينيى محمود الذى قاطعه منذ زواج مُهرة وهو يقول :
- معلش يا كابتن واحد صاحبى زعلان منى عاوز ألحقه يالا سلام
تابع علاء طريقة بتثاقل ووضع السيارة بجوار المنزل هبطت مُهرة بسرعه دون أن تنتظره .. لحق بها على الدرج وأمسكها من ذراعها وجذبها اليه بحدة وهو يقول :
- كمان مش معبرانى ده بدل ما تعتذريلى يا هانم
ألتفتت إليه وقد أغرورقت عيناها بالدموع وقالت :
- لو سمحت سيب أيدى مش كفايه الكلام الجارح اللى عمال تقوله طول الطريق جاى تكمل هنا كمان
حاولت أن تتملص منه ولكنه جذبها مرة أخرى وقال بعصبية :
- مُهرة انتى متعرفنيش كويس أنا عصبى متخلنيش أمد ايدى عليكى ..أعتذرى حالاً
بدأت تبكى بصوت مرتفع وهى تحاول التملص منه عندها سمعت وقع اقدام تهبط الدرج بسرعة ..وما أن اقتربت حتى زادت من سرعتها على صوت بكائها واخيرا ظهر فارس وهو ينزل سريعاً نظر إليهما متسائلاً وهو ينقل بصره بينهما ولكنه قال وهو ينظر اليها والى دموعها التى أنسابت على خديها وقال بلوعه :
- مالك بتعيطى ليه ؟
قبض علاء على يدها أكثر حتى تالمت ثم قال :
- وأنت مالك أنت خاليك فى حالك ..لم يكد علاء أن يتم عبارته حتى وجد فارس قد قبض بعنف على يده الممسكة بذراعها وضغط رسغه بقوة تألم لها علاء وأضطر أن يترك ذراع مُهرة التى بمجرد ان تحررت من يد علاء حتى صعدت أربع درجات خلف فارس ..نظر له علاء بغضب وصاح هائجاً:
- وانت مالك أنت دى مراتى
ألتفت فارس أليها فوجدها تنظر إليهما بألم و تمسح دموعها بكلتا يديها وقد أطلت من عينيها نظرت أستغاثة ملهوفة مخلوطة بالعتاب..ألتفت إليه وقال محذرا والشرر يتطاير من عينيه :
- هى الرجوله أنك تفرد عضلاتك على بنت وتقول مراتى أنت كده مفكر نفسك راجل
حاول علاء أن يتخطاه إليها ولكن فارس وضع يده على سور السلم ففصل بينهما بجسده فقال علاء غاضبا:
- بقولك وأنت مالك أنت مين انت علشان تدخل أضربها ولاحتى اكسر دماغها مدام عاوزه تتربى
لم يكد أن يتم كلمته حتى وجد لكمة شديدة توجهت ألى أنفه ارتد على آثارها الى الخلف ولكن لحسن قدره أن يحيى كان فى طريقة الى الصعود فارتطم بجسده مما منعه من السقوط وربما ما هو أكثر من ذلك
بكت مُهرة بشدة وصعدت تعدو الى شقتها بينما وضع علاء يده على أنفه فوجد الدماء تسيل منها نظر الى راحته برعب وهو ينظر الى الدماء التى لوثتها ..دفعهما فارس الاثنان معا وغادر البناية على الفور وهو فى قمة غضبه
أخذه يحيى وصعد به الى شقتهم ..جلس والد مُهرة بجوار علاء يعطيه بعض المناديل الورقيه ليمسح دمائه التى لوثت وجهه ..بينما كان يحيى وأمه يؤنبانها فى الداخل وهى ملقاة على الفراش وتبكى بحرارة ..ولم يكتفوا بذلك وأنما أجبروها هم ووالدها على الخرج والاعتذار منه ..وعادت لغرفتها مكسورة مهزومة ورغم أحساسها بالدونية والضياع والمهانه الا أنها شعرت انها لم تفقد المظلة التى كانت وظلت وستظل تحميها من عوادى الدنيا وزخات السُحب ...
********************************
ألتفت بلال الى فارس ورفع حاجبيه بإستغراب شديد وقال متعجباً :
- ضربته !!!
أشاح فارس بوجهه وضرب بيده على قدمه وقال وهو غاضب :
- تصدق بالله انا لو مكنتش مسكت أعصابى مكنش هيبقى ضرب بس أنا كان ممكن اقتله
أستند بلال بمرفقيه الى مكتبه فى المركز ونظر اليه متفحصاً وقال بهدوء :
- أنت لو بتتخانق مع مراتك تحب حد يدخل بينكوا بالطريقه دى
هتف فارس حانقاً :
- يعنى كنت اسيبه يعمل فيها كده قدامى واقول سلام عليكم وأنزل عادى كده
هز بلال راسه نفيا وقال :
- لا يا سيدى محدش قالك كده بس برضه فى حاجه اسمها بالمعروف بالنصيحه .. تسمع عنهم ولا لاء؟
- دمى غلى فى عروقى يا بلال مفكرتش ومقدرتش استحمل سفالته
شبك بلال بين اصباعه وقال بثقة :
- طبعا مش هقولك أنك غلطان علشان أنت عارف انك غلطان
أومأ فارس براسه بعصبية وهو ينظر أمامه بشرود قائلا :
- معاك حق انا غلطان...غلطان انى ضربته بس .. كان المفروض أكسرله عضمه علشان بعد كده ايده متلمسهاش تانى
صمت بلال لبعض الوقت وهو يفكر هل من الحكمة أن يتكلم معه بصراحه ويكشف له عن ما يراه ويشعربه أم يصمت مادام فارس يفسر افعاله على انها شهامة منه تجاهها ...ولو صارحه فما جدوى ذلك وهو متزوج وهى متزوجة ..الامر يحتاج لتفكير أكثر من هذا قبل المصارحه ...
أخرجه فارس من تفكيرة العميق على صوته الهادر وهو ينهض واقفاً ويقول :
شوف يا بلال أنا جيتلك علشان عرفت أنه عرفها عن طريقك يعنى انت تعرفه كويس ..عاوزك تبلغه أنى لو عرفت أنه مد ايده عليها بحلو ولا بوحش هتبقى اخر مره يستعمل فيها ايده دى.. سلام
نهض بلال وحاول ايقافه ولكنه لم يفلح فى ذلك فلقد كان غاضبا جدا عاد الى مكتبه وجلس خلفه فى وجوم وهو يشعر ان المصارحه بعد ما راه وسمعه الان منه ستكون تبعتها أكبر من الكتمان بكثير فلابد من التمهل ...فهذه النبرة وهذا الزئير وهذه التصرفات ليست لرجل يغار فقط أو يحب فقط وأنما هو يراها كنزه الثمين ومهرته الاصيلة الذى لابد ان يحافظ عليه دائما وابدا من ان تمتد اليه يداً غريبة ويرى نفسه حاميها وحارسها وفارسها النبيل الذى يبذل الغالى والرخيص فداءا لها فهى مازالت وستظل طفلته التى تحتاجه ومن الجائز ان نعشق أطفالنا أحيانا ..

**********************************************
بمجرد أن دخل فارس مكتبه وقد هدأت ملامحه قليلاً حتى لحقت به نورا على الفور قائلة بسعادة:
- دكتور فارس اتأخرت ليه
جلسه خلف مكتبه واسند ظهره للخلف وهو يشعر بإرهاق ذهنى رهيب وأغمض عينيه قائلاً :
- خير يا استاذه نورا فى حاجه ؟
قالت بسرعة وهى مبتسمة ببهجه :
- فى زبون معايا فى المكتب وجاى لحضرتك ومصمم أنك انت اللى تمسكله القضيه بتاعته بنفسك مش حد تانى
فتح عينيه ببطء وقال مستفهماً :
- أشمعنى يعنى
قالت بحماس :
- القضية اللى حضرتك اشتغلتها من شهر وجبت فيها براءة للقاتل سمعت أوى والرجل جاى ملهوف وعنده استعداد يدفع اى مبلغ تطلبه ..ده ملياردير يا دكتور فارس مليادريييييير ..
ابتسم فارس لحماسها المفرط وقد تسلل حماسها إليه وقال :
- خليه يدخل
فرقعت نورا اصابعها بحماس وفرحة وخرجت مسرعة وسمحت للرجل بالدخول إليه ... نهض فارس وصافحه بأدب وتواضع قائلا وهو يشير اليه بالجلوس :
- أتفضل يا فندم
جلس الرجل وهو ينظر الى فارس مندهشا وقال بدون مقدمات :
- الحقيقة انا كنت فاكر حضرتك اكبر من كده يا دكتور فارس
ابتسم فارس وقال بلباقه :
- ده مدح ولا ذم
أستدرك الرجل بسرعة وقال بإحترام :
- مدح طبعا يا دكتور يعنى حضرتك سمعتك مسمعى كده وانت فى السن ده ..يعنى اكيد حضرتك نبغه فى مهنتك ..دى خبرتى كراجل فى السوق من زمان وعلشان كده انا جيتلك مصمم انك أنت اللى تترافع عن ابنى
قال عبارته الاخيره ووضع الملف الذى بيده امامه على المكتب ..فتحه فارس وبدا يقلب اوراقه
بينما قال الرجل بحزن :
- ابنى يا دكتور شاب فى عز شبابه ومتربى واخلاقه عاليه ..يتهموه ظلم فى قضية زى دى ..أنا ابنى مش ممكن يقتل يا دكتور مش ممكن ابدا انا متأكد أن تقرير التحريات اللى اتقدم ده افترى وظلم علشان أعدائى فى السوق عايزين ينتقموا منى بأى شكل ويشوهوا سمعتى بأى طريقة ...
هز فارس رأسه وقال متفهماً :
- طيب حضرتك سبلى القضة ادرسها واقلبها فى دماغى من كل النواحى وهرد عليك بكره أن شاء الله بس حضرتك أعملى توكيل علشان أعرف أطلع أزوره وأتكلم معاه شويه قبل ما اقول رايى فى القضيه
قال الرجل على الفور :
- انا يا دكتور مستعد ادفع اللى حضرتك تطلبه ملايين الدنيا كلها فدى ابنى
قال فارس بإشفاق :
- متقلقش أن شاء الله لو بريء فعلا ربنا مش هيتخلى عنه وانا هبذل كل جهدى علشان اطلعه منها
حياه الرجل وغادر المكتب وقبل أن يبدأ فى فتح الملف لقراءته بتمعن قفزت مُهرة الى ذهنه مرة اخرى وصورتها التى رآها عليها اليوم وهى تنظر له تستنجده أن لا يتخلى عنها ولكن الذى حيره فعلا هى النظرة الاخرى التى رآها فى لمحة لم تتعدى ثانية من الوقت لقد كانت نظرة عتاب ..
وجد نفسه يخرج هاتفه النقال ويكتب رساله من كلمتين :
- بتعاتبينى ليه ؟!
أعلن هاتفها على وصول رسالة نصية فتحتها وهى تجلس على طرف فراشها دون أن تنظر لاسم الراسل ..استعت عيناها دهشة وخفق قلبها بقوة وهى تقرأ حروفه التى ارسلها دون وعى فوجدت دمعتين قد فرتا من مقلتيها وابتلعت ريقها بصعوبه وكتمت انفاسها وهى تكتب بشرود :
- السؤال ده لوحده محتاج عتاب ..

قرا رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه ودفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشعلت التساؤلات فى قلبه من جديد ...زفر بقوة وتناول القهوة التى وضعت امامه بتمهل وبدا فى فتح ملف القضيه ...وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم
------
يُتبع

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]


__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب