عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 02-22-2018, 04:51 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('https://f.top4top.net/p_772ibz7i5.png');"][cell="filter:;"][align=center]
الفصل التاسع عشر
------------------


أنتشت روحه أبتهاجاً وسعادة ما بعدها سعادة ودوت دقات قلبه بين جنباته فى اصرار لترسم خطوطها على قسمات وجهه البسام وعينيه المشعتان أملاً وأنتصاراً وهو يعانق الزملاء والمحبين والمهنئين له وقد اقترن أسمه بلقب الدكتور .. وأصبح يدعى الدكتور فارس سيف الدين ..
جائزته التى طالما أنتظرها طويلاً بعد جهد وعناء ومشقة وسنوات دراسة وبذل وسهر وتعب وأرهاق مضاعف ...كم هى مذاقها طيب لذة الانتصار وكم هو مرهق مشوار النجاح وتحقيق الاهداف .. بحث بعينيه كثيراً عنها بين المهنئين فلم يجدها كيف ذلك وقد وعدته بالحضور لتشاركه أحلامه وسعادته تلك اللحظة شعر بالقلق حيالها هل ربما قد تكون أصابها مكروه ...أخرج هاتفه الخلوى وهاتفها سمع صوتها فرد بلهفة:
- حبيبتى أنتى كويسه؟
أنتفضت دنيا من فراشها هاتفة:
- أيه ده هى الساعه كام دلوقتى
أطاحت المرارة بابتسامة ثغره ووضعت مرارتها على شفتيه وأحتلتها أحتلالاً وهو يقول:
- أنتى كنتى نايمه ؟! ..معلش صحيتك روحى كملى نوم ..سلام
أمسكت الهاتف بكلتا يديها وقالت بلوعة:
- والله يا حبيبى راحت عليا نومه مش عارفه ازاى ... اصلى نايمه بعد الفجر .. بس أنت غلطان مكلمتنيش ليه قبل ما تنزل الصبح
قال بضيق :
- خلاص خلاص محصلش حاجه يلا سلام

أغلق الهاتف وهو يشعر أن مرارة ابتسامتة قد أستعمرت قلبه ورفعت رايتها معلنةً أحكامها وبعثرت غصتها فى حلقه تباعاً لتجبره على الانصياع لها بلا مقاومه.. ولم يكن ليفعل .. لم يكن ليقاوم ذاك الشعور المرير بأهمالها الدائم له وعدم حرصها عليه وتفكيرها الأبدى فى شخصها وفقط .. كيف يكون ذلك حباً ..
عاد إلى بيته وهو يحاول التخلص من تلك المشاعر التى أحتلته فلا يريد أن يزعج احداً بما يعانيه ..كل ما كان يفكر به هو اسعاد تلك المرأة الطيبة التى بذلت عمرها لأجله ولم تبقى لنفسها عافية إلا وقدمتها بحب وأرتياح وهى تراه يحقق الانجازات يوماُ بعد يوم فكأنها هى التى تنجح وهى التى تتقدم وهى التى تخطو نحو المستقبل بخطاً ثابته..
أحضر لها معه بعض الأشياء التى تحبها ورسم ابتسامة سعيدة على محياه ليدخل البهجة على قلبها ..قابلته .. وجدها تقف فى الشرفة تنتظره على أحر من الجمر فابتسم لها وخطى خطوات واسعة نحو المنزل صعد درجات السلم فى سرعة كبيرة فوجدها قد سبقته ونزلت هى إليه ..عانقته وهى تضحك بين دموعها وتحسست وجهه بيديها الواهنتين وهى تقول ببكاء:
- مبروك يا حبيبى ألف مبروك يا ما انت كريم يارب الحمد لله يابنى
وكأن دموعها قد سمحت لدموعه بالافلات أخيراً من محبسهم وبغزارة..وهو يقول :
- أيه يا ست الكل أنتى تفرحى تعيطى تزعلى تعيطى
قبلت كتفه وأحاطها بذراعه وهى تقول:
- دى دموع الفرح يا دكتور
جائهم صوت مُهرة من خلفهم وهى تقول بصوت يشبه البكاء:
- كده خلتونى أعيط..
ألتفتا فوجداها تقف اعلى الدرج وعيناها تلمع بعبراتها السعيدة التى هطلت بغزارة على جنتيها وهى تنظر إليهم بأبتسامة كبيرة فأعطت مظهراً يُرسم له لوحة فنية بكل تلك المشاعر المتناقضة على وجهها الدموع المنهمرة بلا توقف والابتسامة الكبيرة السعيدة وتلك الملامح البريئة التى لا تخطئها عين...
هبطت درجتين من السلم حتى اقتربت ثم توقفت وأخرجت من جيب تنورتها ميدالية مرصعة بفصوص من الفضة مكتوب وسطها وبخط فضى صغير د/فارس سيف الدين ....وقدمتها له وهى تقول ببراءة :
- مبروك يا دكتور ممكن تقبل منى الهدية البسيطه دى
أخذها فارس وهو ينظر لها ويقلبها بين يديه متأملاً وقد تملكته الدهشة وقال:
- الله يبارك فيكى يا مُهرة..بس جبتيها أمتى دى وعملتيها أزاى
رفعت كتفيها وقالت بتلقائية:
- من سنة كده وأنا عند ابله عبير شفت واحد جنبهم بيعمل حاجات فضه طلعت فى دماغى ووصيته عليها ولسه مستلماها منه من اسبوع بس
رفع حاجبيه وقد أندمج مع عباراتها التلقائية ولم يكن حال والدته باقل من حالته وهما ينصتان لكلماتها العفوية وقال متسائلاً:
- من سنه ولسه مستلماها من أسبوع
أبتسمت فى خجل وهى تطرق برأسها وقالت:
- أصل أنا كنت بحوش تمنها ولما خلصت أدهالى
أتسعت ابتسامته وهو يتبادل النظرات مع والدته التى شعرت كأنها تراها لأول مرة أما هو فقد شعر بمتعة وهو يتسائل مرة اخرى ويقول :
- وانتى بقى عرفتى منين المعاد بتاع مناقشة الرسالة علشان تظبطيها كده وتخلصى تمنها قبلها بأسبوع
أستندت بذراعها إلى سور الدرج ولوحت بيدها الاخرى بعفوية وهى تقول:
- مرة سمعتك وانت بتتكلم مع طنط
رفع حاجبية مندهشاً وقال :
- سمعتى المعاد مره من سنه !!!!
أومأت بخجل ثم عقدت جبينها ونظرت لأم فارس ثم نظرت إليه وقالت:
- هى معجبتكش ولا ايه
أجاب بدون وعى وبدون تفكير:
- بالعكس دى جميله جدا
نظرت له والدته فوجدته شارداً أو حائراً وهو ينظر إلى الميدالية فى يده ويقول فى وجوم:
- شكلك كنتى متأكده أنى هاخد الدكتوراه حتى من قبل ما أكون انا متأكد
صعدت والدته درجتين وربتت على كتف مُهرة ثم مسحت على ذراعها فى حنان وقالت :
- طول عمرك جدعه يا مُهرة وفاكره الناس اللى حواليكى ثم نظرت لملابسها وقالت متسائلة:
- انتى رجعتى من المدرسه بدرى النهارده ولا ايه
نظرت مُهرة لملابسها المدرسية ومطت شفتاها وهى تقول بحزن:
- انا مروحتش أصلاً النهارده الصبح صحيت بدرى علشان أروح أتفرج على فارس وهو بياخد الدكتوراه بس ماما مرضيتش وقعدت تتخانق معايا علشان الامتحانات قربت وصممت ألبس وأروح المدرسه ..طبعا بقى على ما الخناقه خلصت ولبست كان عدى وقت المدرسه لقيت ماما بتقولى خلاص اتأخرتى هتروحى فين..ومن ساعتها بقى وانا مغيرتش هدومى وقاعده اذاكر فى البلكونه علشان لما فارس يرجع اشوفه وأديله الهديه...
شعر فارس بكلمات مُهرة تُطيح بالمرارة التى كانت قد احتلت قلبه من قبل وتنزع رايتها وتحررقلبه من القسوة التى كانت تحاول فرض سيطرتها عليه بالقوة وتُميت عواطفه وتكاد تدفنها فى اعماقه فلا تظهر مرة أخرى على السطح
ولكنها جائت فى الوقت المناسب لتعيد تشغيله واعادته إلى الحياة مرة ثانية ..
قبض على هدية مُهرة فى راحته ولا يعلم لماذا شعر فى هذه اللحظة بالذات انه يجب أن يغض بصره عنها لأنها ...لأنها قد كبرت ...كبرت إلى هذه الدرجة ..كبرت النبتة التى زرعها بيديه وزرع ما بها من معانى جميلة وعواطف نبيلة مخلصة لتصبح وارفة الظلال لتظله هو ايضا ببعض ظلالها حينما تسحقه رمضاء الحياة

********************************************
ومرت الأيام الخمس ووقف فارس يرتدى سترته الانيقة السوداء امام المرآة وهو يستعد لحفل زفافه ..لم يكن متحمساً كما كان يظن فى ذلك اليوم .. مشط شعره فى عناية شديدة ووقف ينظر للمرآة ويتمم على أناقته حينها سمع صوت بلال وعمرو فى الخارج ابتسم وهو يفتح باب غرفته وسمع عمرو يصيح بمرح:
- وأنا هاخد وقت فى اللبس ليه انا حلو من غير حاجه
خرج فارس ورد عليه قائلاً:
- ده ايه التواضع ده كله
ضحك بلال وهو يضرب على كتف فارس قائلاً:
- نحن السابقون و انتم اللاحقون
نظر بلال إلى فارس وقال متسائلاً:
- أنتوا مسافرين بعد الفرح فعلا يا فارس
أومأ فارس براسه وقال:
- أيوا الدكتور حمدى عزمنا نقضى اسبوع فى شقته اللى فى اسكندرية ..هنقضى ساعه كده فى الفرح ونسافر على طول
وضع عمرو يديه فى خصره وهو يتصنع الحقد وقال:
- ماشيه معاك يا عم مين قدك
- بقولك ايه يا عمرو مابدل الحقد اللى مالى قلبك ده.. يومين تلاته كده وتعالوا قضوا معانا يومين فى اسكندرية
حك عمرو راسه وهو يقول:
- ممم هفكر واخد رأى الحكومه
ضحك ثلاثتهم بينما قال عمرو :
- يالا يا سيدنا العرايس فى الكوافير مستنينا على نااااااار
نظر فارس حوله وهو يقول متسائلاً:
- هى ماما راحت فين
قال بلال وهو يضع يديه فى جيب بنطاله:
- طلعت تودى الولاد عند مُهرة ونازله على طول ان شاء الله
عقد فارس بين حاجبيه وقال متسائلاً بقلق:
- ليه هما مش جايين معانا
جذبه عمرو من ذراعه وهو يتجه به صوب باب الشقة ويقول :
- ياعمنا يالا بقى هنستناهم تحت الستات دول يومهم بسنه
خرج ثلاثتهم وأغلق فارس الباب خلفة ونزل الدرج خلفهم فى توتر وقلق وهو ينظر للأعلى ثم ينظر امامه ويكمل طريقة فى الهبوط
وقف الجميع اسفل بنايتهم وتبادلوا العناق والتهنئة مع الجيران والاحبة والمدعوين منهم للحفل ...تأخرت والدته قليلاً فقال عمرو:
- ما تطلع تشوف الحاجه يا فارس عزة عماله تتصل شكلنا بقى وحش أوى
نظر فارس الى هاتفه فوجد مكالمتين من دنيا لم ينتبه إليهم..
كان على وشك أن يهاتفها ليخبرها أنهم فى طريقهم ولكنه وجد يحيى يهبط الدرج بسرعة ويتجه إلى بلال مباشرة وهو يقول:
- لو سمحت يا دكتور ممكن تطلع معانا اصل مُهرة تعبانه اوى
لم يتحدث فارس كثيرا بل لم يسأله من الاصل أنما توجه للأعلى مباشرة وطرق الباب ..فتحت له أم يحيى الباب وفى عينيها اثر البكاء معلنا عن نفسه بوضوح فقال بلوعة:
- فى ايه مُهرة مالها
كان بلال ويحيى قد لحقا به ..غض بلال نظره وهو يقول :
- خير يا جماعه مالها
افسحت لهم أم يحيى الطريق وهى تقول:
- مش عارفه يا دكتور سخنه اوى وبتترعش والكمادات مش جايبه نتيجه خايفه تكون حمى
قال بلال بسرعة دون ان ينظر إليها:
- طب غطيها وحطى حاجه على شعرها
دخلت ام يحيى سريعاً إلى غرفة مُهرة وخرجت بعد ثوانى وهى تقول بلهفه:
- خلاص يا دكتور اتفضل
هم بلال بالدخول ولكنه تفاجأ بفارس يمسك بذراعه يوقفه فنظر بلال إلى يد فارس الممسكة به ثم نظر إليه فى تسائل ....فقال فارس بصوت كأنه خرج من شخص آخر غيره ومن حلق آخر غير حلقه وكأنه آتى من بئر عميق وبعيد :
- هو انت بتكشف على بنات؟
شيئاً ما فى عينى فارس جعل بلال ينظر إليه بعمق وهو حائراً من امره ثم قال:
- انا مش هكشف عليها أنا هشوفها بس حمى ولا لاء وده مش محتاج كشف زى ما أنت فاهم ..علشان لو حمى مش هينفع نستنى اكتر من كده
ثم أشار بلال إلى أم يحيى أن تتبعه ..دخلت معه والدتها لغرفتها فوجد أم فارس تجلس بجوارها وتبكى على حالها وما أصابها ومُهرة نائمة وجبينها متعرق من اثر الحرارة العالية والكمادات التى غطتها....
وقف فارس حائراً فى الخارج يريد الدخول ولكن لا يستطيع بعد دقائق خرج بلال وهو يحادث زوجته على الهاتف ويقول:
- خلاص نازلين اهو ..لا الحمد لله كويسه..اه طبعا هجيب الولاد معايا
لم يستطع الانتظار أكثر ..أمسك بلال من يده التى يحمل بها الهاتف وقال بسرعه :
- طمنى يا بلال
أنهى بلال مكالمته مع عبير ووضع الهاتف فى جيبه وقال ل فارس وهو يتفرس فى ملامحه:
- متقلقش دى حرارة عاديه مش حمى ...كويس أن والدتها بتعرف تدى حقن انا كتبتلها اسم حقنه لما تاخدها هتبقى كويسه بأذن الله
مر يحيى من جوارهم سريعاً فى طريقة للخروج ليحضر الحقنه التى طلبها بلال وخرجت على اثره ام فارس من الغرفه وتوجهت ل فارس وهى تقول:
- انت لسه هنا يابنى يالا أنت اتوكل على الله علشان تلحق عروستك فى الكوافير مش عاوزين مشاكل فى ليله زى دى
جاء صوت رنين هاتف فارس فى هذه اللحظه فنظر فى الهاتف فوجده عمرو الذى تكلم بسرعة قائلا:
- انتوا هتباتوا عندكوا يا فارس
قال فارس بدون تردد:
- أمشى انت يا عمرو روح خدهم من الكوافير ووديهم القاعة وماما وبلال هيحصلوك
هتف عمرو مستنكراً:
- هما مين اللى أخدهم دول اروح اقول لمراتك تعالى معايا وجوزك جاى ورانا فى ايه يا فارس
صاح فارس بغضب:
- اعمل اللى بقولك عليه يا عمرو ..ماما هتنزل دلوقتى وهتاخدها معاك من الكوافير وتروحوا على القاعه وانا هبقى أحصلكوا ..وبعدين كده ولا كده قاعة الرجاله مفصوله عن قاعة الستات يعنى محدش هياخد باله انى هتأخر
أنتزعت أم فارس الهاتف من يده وهى تنظر له بحدة وقالت ل عمرو:
- فارس نازلك يا عمرو دلوقتى سلام
أغلقت الهاتف ونظرت إليه بصرامه وقالت:
- يالا روح خد عروستك من الكوافير وأنا هقعد معاها لحد ما تتحسن
زفر فارس بضيق وهو يشعر ان حفل زفافه تحول إلى جبل على صدره يريد التخلص منه ...لاحظ بلال الحيرة فى عينيه ونفس الشىء الغامض الذى استشعره سابقاً وهو لا يريده أن يدخل للكشف عليها فتدخل لحل المشكلة قائلاً:
- بص يا فارس السخونيه دى حاجه عادية بتيجى وتروح ومتقلقش هى هتاخد الحقنه وهتبقى زى الحصان
عاد يحيى سريعاً بالحقنه ودخل غرفة أخته مسرعاً كانت أم يحيى واقفة تستمع للحوار بجوار باب غرفة ابنتها فحزمت امرها ورسمت ابتسامة على شفتيها وخرجت مبتسمة وهى تقول:
- الحمد لله الحرارة نزلت شويه وابتدت تتحسن
ألتفت بلال إليها دون النظر لها مباشرة وقد أستشعر خدعتها فهو كطبيب يعلم أن الحرارة تحتاج لوقت أكبر من هذا لتعود لطبيعتها..
أنهالت المكالمات على هاتف فارس وبلال وأحتالت أم يحيى كثيرا عليهم حتى لا يتأخروا أكثر من هذا على زفافهم بسبب مرض ابنتها فهم لا ذنب لهم فيما يحدث لها ...
وبعد مداولات كثيرة أستقل فارس السيارة ويكاد يكون فى عالم آخر.. يأكله القلق والتوتر والاضطراب وتكاد أن تفتك به أناتها التى كانت تخرج منها عالية فتصل إلى اذنيه وتنهش صدره عن بعد وهو ينظر خلفه ويكاد أن يراها من خلف الابواب المغلقة والجدران ... والسيارة تبتعد به وتفصله عن عالمه الذى طالما أحبه ....
*******************************************
وقف فارس وعمرو على باب الكوافير ينتظر كل منهما عروسه ولم ينتظرا طويلاً فقد كانتا كل منهما تجهزت منذ وقت وأنتهت من زينتها ...
دلفت عبير إلى الداخل ووضعت الكاب الابيض على عزه لتغطى به زينتها التى زينت بها وجهها بينما رفضت دنيا أن تفعل ذلك واصرت على الخروج وهى تحمل الغيظ والحنق بين جنباتها وعلى قسمات وجهها لاصرار فارس أن ترتدى الحجاب فى هذا اليوم ولتاخره عليها كل هذا الوقت ...
خرجت كل منهما إلى زوجها وتأبطت ذراعه إلى السيارة وأنطلق الجميع وسط الزغاريد وأصوات أبواق السيارات حتى وصلوا إلى قاعة الافراح...
كانت قاعة الرجال فى الدور الارضى بينما قاعة النساء فى الدور الاول ..صعدت النساء للأعلى بينما دلف الرجال إلى القاعة الارضيه ...
كانت هناك فرقة من النساء تقف فى بهو القاعه ينتظرون حضور العروستان فى صفين يحملن المشاعل وصفين آخرين يحملن الدفوف
مرت عزة بين صفى الدفوف بينما مرت دنيا بين صفى المشاعل ..كانت أستقباليه رائعه بين ضرب الدف والانشاد وبين أنوار المشاعل الملونه جلست كل منهما فى مقعدها المخصص لها والمزين بالتول والورود والقلوب الحمراء وبدات الفرقه فى أداء فقراتها المدربة عليها ولكن كل هذا لم يعجب دنيا وكانت تشاهد ما يحدث بملل وكأنهم نساء من كوكب آخر وتنظر إلى عزة بدهشه وتتعجب كيف يبدو عليها السعادة والبهجه بل وتشاركهم الرقص على ضرب الدف هل هذه حفلة زفاف !!
أين الراقصات والمغنيات اين الاختلاط اين الاغانى كل هذا كان ليس له وجود فقد كانت عبير هى متعهدة هذه الحفله وقد رتبتها بما يرضى الله وجهزتها لتخرج بدون معاصى وايضا فى أبهى حلة لها ...
أما فى الاسفل عند الرجال وقف عمرو يتضاحك مع اصدقائه ومحبيه ويتبادلون النكات ووقف فارس بجوراه يصافح المهنئين له ويبتسم لهم ولكن عقله كان فى مكان آخر فيتجه إلى ركن ما فى القاعة ويخرج هاتفت ويتصل على هاتف يحيى الذى يجيبه ببعض الكلمات المطمئنه التى لقنته اياها والدته ...
ترك عمرو اصدقائه وأتجه إلى ركن هادىء بالقاعه وأتصل على والدته وقال وهو يتلفت حوله :
- بقولك ايه يا ست الكل مش كفايه كده بقالنا ساعتين مش هنروح بقى ولا ايه
ضحكت والدته ثم قالت :
- طيب خلاص ربع ساعة كده وننزل
أنهى عمرو الاتصال ووقف يفرك كفيه ما بين توتر و عجلة وحانت منه التفاته إلى فارس الذى يقف شارداً يضغط ازرار هاتفه فى أنفعال ما بين الحين والاخر فاتجه إليه ووضع ذراعه على كتفه وقال مداعباً :
- أنت كمان مستعجل ولا ايه
رسم فارس ابتسامه على شفتيه ولم يجيبه
فقال عمرو :
- مالك يا فارس شكلك مش طبيعى خالص من ساعة ما وصلنا
فارس:
- مفيش يا عمرو مفيش
أنتهى حفل الزفاف واستقل عمرو سيارة بجوار عزة فى طريقهما لعش الزوجية بينما لاحظت أم فارس قلقه وعدم رغبته فى السفر فاقتربت منه وربطت على كتفه وقالت وكانها ترى ما يدور بعقله:
- يابنى اطمن هى خلاص بقت كويسه يلا توكل انت على الله وخد عروستك وسافر
أنحنت دنيا وهى داخل السيارة واطلت براسها من زجاجها وقالت بانفعال:
- انا هفضل ملطوعه كده كتير
أضطر فارس إلى استقلال السيارة تحت الالحاح الشديد من والدته وكلمات دنيا اللاذعة وأنطلق بها إلى الاسكندرية
ظلت طوال الطريق تؤنبه وتوبخه على تأخره عليها فى الكوافير وفى السيارة امام القاعة ولكنه لم يرد كاد ان يستشيط غضباً وهو يحاول ارضائها ويقدم أعذاره ولكنها لم تقبل بل وأزدادت حدة كلماتها القاسية التى تتهمه فيها بالاهمال والتقصير ...والبداية الغير المبشرة بحياة سعيدة

***************************************
فتحت والدة عزة باب الشقة ودلفت وهى تطلق الزغاريد المتواصله وتبعتها عبير وعزة وعمرو...قبلت عبير أختها وعانقتها وهى تتمنى لهما حياة سعيدة وأيام مباركه وأنصرفت بسرعه كما أمرها بلال من قبل بينما ظلت والدة عزة تطلق الزغاريد المتواصله حتى مال عمرو على عزه وقال هامساً:
- هو النهارده الزغاريت وبكره الفرح ولا ايه !!
ابتسمت عزه خجلاً ولم تجيبه وانما تمنت ان تبقى والدتها ولا تنصرف ابدا من كثرة خوفها من عمرو الذى كان يتوعدها بهذه الليله مراراً وتكراراً وهو يداعبها ...
صعدت والدة عمرو وجذبت أم عزة من يدها وقالت بمرح:
- يالا بقى أحنا هنبات هنا ولا ايه
فرت دمعتين من عينيى ام عزة وهى تحتضنها وتقبلها قائلة:
- خللى بالك من نفسك وكلى كويس ها
لمعت عينيى عزة بالدموع وهى تودع والدتها على الباب بينما أسرع عمرو وأغلق الباب خلف الجميع وهو يزفر بارتياح قائلا:
- الحمد لله أخيرا ..ايه رايك نقفل بالمفتاح والترباس لحسن يرجعوا تانى ؟!!
أطرقت عزة برأسها ولم تجيبه وشعرت أن الدنيا تميد بها وتكاد أن يغشى عليها ..لاحظ عمرو العلامات الجلية على وجهها وشحوبه خوفاً فقال بلامبالاة :
- يلا بقى انا هموت من الجوع أدخلى غيرى وأطلعى بسرعه قبل ما أخلص العشا لوحدى
لم تصدق نفسها هرولت للداخل أغلقت الباب عليها وبدلت ملابسها سريعاً بعد أن تعثرت قليلا وهى ترتديها وتتمتم بصوت خفيض:
- بتتلبس ازاى دى !
بعد قليل خرجت إليه وجدته يأكل بنهم شديد فنظرت إليه باستغراب وقد تناست خوفها قليلاً وهى تسمعه يقول لها دون أن ينظر إليها:
- الاكله دى خلتنى عامل زى اللى واخدين بنج وشكلى كده هكسف أهلى وأنام على روحى
أبتسمت وقد تلاشى أى شعور داخلها بالخوف وجلست على مقعدها تتناول بعض الطعام وتصنعت أن الامر لا يعنيها وهى تقول:
- كل وأدخل خد دش علشان تسترخى ونام وأنا هابقى اصحيك الفجر علشان نصلى سوا على فكره شكلك مرهق اوى أوى
نظر إليها بطرف عينيه وهو يلعق اصبعه من بقايا الطعام وقال :
- أسكتى يا بت انتى وكلى عيش فى البيت ده وانتى ساكته أحسنلك
أنهى طعامه ودلف الى الحمام أغتسل وخرج ليجدها قد استغرقت فى نوم عميق على الاريكة أمام التلفاز
حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب حاولا مراراً ولكنها تعمدت الاستغراق أكثر فى النوم فإتجه الى الثلاجه وأخرج زجاجة عصير وأتجه إليها ووقف بجوارها وهو يفتح الزجاجه بصوت عالى وقال:
- ياترى نوع العصير ده لما بيتكب على هدوم ولا على شعر ولا على السجاده ولا على الكنبه بيطلع تانى ولا لاء
أنتفضت عزة واقفةً وهى تقول برجاء:
- لالالالالا بلاش أنا صاحيه اهو
اشار لها لتسير أمامه للداخل وهو يعقد جبينه قائلا بجديه مصطنعه:
- قداااامى ...ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا صحيح
*********************************
وأما هناك وفى الاسكندرية وقبل الفجر بدقائق كانت هناك دوى صفعة قوية على وجهها هوت على اثرها أرضاً وهى تصرخ قائلة:
- متظلمنيش يا فارس مكنش بايدى ...اسمعنى طيب
قبض على ساعديها بقوة وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنها وأطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت فى وجهها ولفحتها وهو يجذبها لتقف مرة أخرى على قدميها وهى تهتز خوفاً وهلعا وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
- مين اللى عمل كده أتكلمى ولا هقتلك وأدفنك هنا دلوقتى حالاً ..
قال كلمته الاخيرة وهو يصفعها مرة اخرى لترتطم بالفراش وتسقط عليه بثقلها ..وضعت يدها وجنتها وهى ترتعش وتقول متوسلة له:
- هتكلم هحكيلك على كل حاجه بس اسمعنى والله مظلمومه مظلمومه يا فارس ...بدأت تتعثر فى كلماتها وتتلعثم وهى تقول:
- فى يوم بعد ما ركبتنى التاكسى ومشيت فضل ماشى بيا فى الطريق عادى وقبل ما يدخل على بيتنا دخل فى الشارع الضلمه اللى قصاده اللى كله عمارات فاضيه ولسه بتتبنى ما أنت عارفه وو..و بعدين طلع مطوه وهددنى ومقدرتش افتح بؤى خفت يا فارس خفت وبعدين أغمى عليا ولما فوقت لقيت نفسى فى الشارع قمت جريت ودخلت بيتنا وماما كانت نايمه ومشفتنيش
قبض على شعرها بقوة وصرخ بها:
- كدااابة ..انا عمرى ما ركتبتك تاكسى لوحدك ابدا
صرخت وهى تحاول الفكاك منه ومن قبضته حتى شعرت أن روحها تفرقت فى جسدها وهربت من كثرة الالم وقالت وهى تنتفض:
- ايوا ايوا أنت عمرك ما ركبتنى تاكسى لوحدى بس فى اليوم ده الميني
باص اللى ركبتهولى اتعطل والناس نزلت كلها واضطريت أخد تاكسى وحصل اللى حصل
صرخ بها وهو مازال قابضاً على شعرها بقوة :
- ومقولتليش ليه ومبلغتيش ليه وأمتى كل ده حصل
بكت بشدة وهى تصرخ من الالم وقالت :
- حصل من سنه تقريبا وخفت يا فارس خفت اقولك وخفت ابلغ
دفعها على الفراش بقوة فارتطم رأسها به وأخذت تبكى وترتعش بقوة .. نظر إليها تسلط عليه الشيطان فى تلك اللحظه فاقدم على قتلها ولكنه تراجع ..
كلماتها تفوح منها رائحة الكذب ولكنه لا دليل لديه على شىء أخر ..ابتعد عنها ودخل الشرفة فلفحه الهواء بقوة وشعر أنه كان تحت سطح البحر لا يكاد يتنفس وخرج فجأة الى الهواء العليل فكادت ان تنفجر رئتيه وشعر بدمائه تغلى بداخل عروقه لتلهبها وتحرقها ورأى الماء يندفع بجنون ويرتطم بأمواج عقله فتطحن رجولته وتبعثرها وتنثرها على الشاطىء ..
شعر أنه سيفقد عقله ورشده ..جلس على الارض واضعاً وجهه بين كفيه وهو يشعر أن قلبة قد طُعن طعنة غدر من اقرب الناس إليه لا يصدقها وليس لديه حل آخر هل يعرضها على طبيبه لتكشف له الامر ولكن الامر قد مضى عليه سنه كاملة ..
هل يفضحها ويقول لوالدتها ويطلقها أم يستر عليها ..صدح صوت اذان الفجر ليتسلل لقلبه المكلوم الممزق ..نهض بتثاقل وتوجه للحمام أغتسل وبدل ملابسه وصلى الفجر وقد انهمرت عبراته الساخنه التى كانت تقطع طريقها على وجنتيه ثم تغير وجهتها وتقفز على الارض لتروى مكان سجوده بماء دموعه ..أنكفأ لونه وارتجفت أوصاله ..
فلقد عاد الفارس من معركته خاسراً ولكنه لم يفقد روحه وأنما فقد حكمته وشرفه...
ولكن الفارس النبيل مازال بداخله يستصرخه أن يظل نبيلاً حتى آخر رمق وان زهقت روحه تحت راية نبلة وتذكر حديث النبى صل الله عليه وسلم :
- (من ستر مؤمنا فى الدنيا ستره الله يوم القيامه )
ولكن هل يستطيع ذلك ؟!!
---------
الفصل العشرون
-----------




أشرقت شمس يوم الجمعة تتسلل بأشعتها الذهبية بين النوافذ والجدران مقتحمةً الابواب المغلقة لترى ما لا نستطيع أن نراه ثم تنسحب بهدوء بعد أن قد حملت بين طياتها الكثير والكثير ولكنها لن تفشى الاسرار فهى ليست من بنى البشر ..
فتح فارس عينيه قليلاً ووضع يديه عليها ليحميها من اشعة الشمس فلقد غفى قليلاً على مقعده فى الشرفة المطلة على البحر ..نظر حوله وهو يدعو الله أن يكون ما حدث ليلة الامس كان حلماً مفزعاً فقط ولكن وضعه وغفوته أنبأته أنه كان حقيقةً بائسةً فلما نظلم الاحلام معنا دائماً ..
أعتدل وهو يشعر بألم فى كل خلجة من خلجاته .. مسح على رقبته التى شعر بها تؤلمه بشدة من اثر غفوته تلك .. نظر للداخل دون أن يتحرك لم يجد لها اثر وباب غرفة النوم مغلق فعلم انها مازالت نائمة أو أنها تهرب من مواجهته مرة أخرى..
نهض متثاقلاً وبصعوبة توجه إلى الحمام وتوضأ خرج من الحمام لتقع عينيه على حقيبته التى مازالت أمام باب الشقة ..
شرد ذهنه وهو يتذكر ليلة أمس عندما طلبت منه أن يحمل حقيبتها للداخل ففعل ثم تذكر جرأتها الشديدة فهى التى تقدمت إليه حتى أنها لم تدعه يتوضا ليصلى بها ركعتين فى بداية حياتهما الزوجيه ولم تنتظره حتى يُدخل حقيبته هو الاخر ليبدل ملابسه...
تملكه شعور الدهشه والاستغراب وهو يتذكر افعالها ..كيف تكون مرت بما مرت به وتفعل هذا دون خوف مما ينتظرها ..كان من الاولى أن تتمنع وتطلب منه أن يمنحها بعض الوقت ..إن كانت كاذبه كانت ستفعل ذلك وإن كانت صادقه فيما قالت أيضا كانت ستفعل ذلك ثم تُخبره بالحقيقة وبما حدث لها دون ارادتها ..
فهى تعلم أخلاقه وأنه لن يظلمها ...أم كانت تتصور لانه عديم الخبره أنه لن يكتشف الامر وستسطيع أن تنهى الموقف لصالحها ودون أن ينتبه ...
دارت كل تلك التساؤلات فى عقله وقلبه فى لحظة واحدة وهو مازال مصوب عينيه لحقيبته القابعه مكانها من ليلة أمس..هز رأسه بقوة ينفض عنه كل تلك الافكار التى مازالت به لا تفارقه لحظة واحدة لتشعل النار بقلبه من جديد ...
عاد إلى الحمام ليتوضا مرة اخرى ليطفأ ما نشب فى صدره من غل وكره وشعور قوى بالانتقام وما تبعه من وسوسة الشيطان بان يثار لشرفه ويقتلها لتهدأ رجولته قليلاً لما فعلته به ..توضا وعاد وقطرات المياه تتساقط من يديه وخصلات شعره التى تناثرت على جبينه ...
أخذ حقيبته ووضعها على الاريكة وأخرج منها جلباب الصلاة ..أرتداه فى سرعة وأخذ هاتفه ومفاتيحه وخرج ليلحق بصلاة الجمعة...
أنتهى من صلاته وتناول مصحف من مصاحف التفسير الميسر المرصوصة جنباً إلى جنب على أحد الأرفف وقبع بالمسجد يقرأ فى كتاب الله لعله يجد المرشد له فيما وقع فيه وهو يشعر أن سنوات عمره مضت هباءاً منثورا مع تلك المرأة التى أحبها وخانته ولكن مع الاسف ليس لديه دليلاً على خيانتها ويخاف أن تكون تعرضت فعلا للأغتصاب فيكون بذلك قد ظلمها وحاكمها بما ليس لها فيه شىء...
و وسط مشاعره المتلاطمة وقعت عيناه على الاية الكريمة فى سورة النور :
- ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (لا يعلم لماذا شعر أنها رسالة من الله عزوجل إليه يلهمه فيها بالصواب ويرشده إلى الطريق ..جرى بعينيه على سطور التفسير فى عجلة حتى وجدها..
لقد نزلت الاية الكريمة فى الصحابى الجليل ابو بكرالصديق !!! نعم نزلت فى هذا الرجل المعطاء الذى كان ينفق على الكثير من الناس ..حدق فارس فى التفسير جيداً يحاول فهم سبب النزول فعلم ان رجلاً كان ممن ينفق عليهم أبى بكر الصديق يدعى مسطح ..تكلم فى عرض أبنته عائشة رضى الله عنها فغضب ابى بكر وقرر قطع ما كان ينفقه على هذا الرجل جزاء بما تكلم به من كذب وبهتان فى عرض أبنته ..فنزلت هذه الاية الكريمة فعفا عنه أبى بكر رضى الله عنه و قال والله أنى أحب أن يغفر الله لى ويعفوا عنى وأعاد ما كان ينفقه عليه مرة أخرى...
أغمض فارس عينيه بقوة يحاول السيطرة على مشاعره المكلومة وقلبه المذبوح حاول أن يرتقى بنفسه وبصبره إلى اقصى درجة ..وتذكر وقتها ايام خطبته بدنيا وتذكر أنه علم الحلال والحرام ورغم ذلك استمرا في الحرام سنه كاملة وظل يغضب ربه من أجلها فجعلها الله عزوجل هى من تشق قلبه وتذبحه فكانت هذه النهاية الحتمية ..
إذن فهو أحد المسؤلين عن ما يحدث له معها اليوم فلماذا يحاسبها وحدها لماذا لا يعاقب نفسه ايضاً وهل سيختار عقاباً رادعاً لنفسه أكثر منها ؟!! ....
خرج من المسجد وقد حسم أمره تماماً وأتضحت الرؤية أمام عينيه وأتخذ قراراً نهائياً بشأنها ..عبر الطريق ووقف ينظر لمياه البحر فى شرود ..شرد ذهنه بعيداً تماماً عن دنيا..فوجد نفسه كالمسحور يخرج هاتفه ويتصل بوالدته التى تعجبت وأصابتها الدهشة عندما سمعت صوته فى الطرف الاخر وهويقول :
- السلام عليكم أزيك يا ماما عامله ايه
ردت باستغراب:
- الحمد لله يابنى أنا كويسه ..أنت أزيك ؟!!
هز رأسه وكأنها تراه وهو يقول بشرود :
- الحمد لله
صمت وصمتت قليلاً ثم قالت على أستحياء:
- خير يابنى فى حاجه ولا ايه
تردد قليلاً ثم قال :
- ابداً يا ماما مفيش أنا بس كنت بطمن عليكى
ابتسمت ابتسامة صغيرة وساورها الشك فى طريقة حديثه فقالت:
- غريبة يعنى المفروض أنى مجيش على بالك النهارده خالص
حاول أن يتصنع المرح وهو يقول:
- ازاى بس يا ست الكل هو أنا اقدر أستغنى عنك ابداً
صمت وصمتت مرة أخرى ولكنه هو الذى قطع الصمت هذه المرة وقال بارتباك:
- متعرفيش يا ماما مُهره عامله ايه النهارده
أتسعت عيناها بعض الشىء وهى تقول بدهشة كبيرة:
- مُهرة ..!!! ..أنت سايب عروستك علشان تسأل على مُهره !!
أرتبك أكثر وقال بتلعثم :
- وفيها أيه يا ماما ..مش أنا أمبارح سايبها وهى تعبانه ايه المشكله أنى أطمن عليها دلوقتى
ضيقت عينيها قليلاً وهى تقول بأرتياب:
- هى مراتك فين يا فارس ؟
شعر بغصة فى حلقة ومرارة على لسانه وهو يقول بصوت مخنوق:
- فى البيت..انا نزلت اصلى الجمعه ولسه مطلعتش
عقدت جابيها وهى تقول:
- كل ده يا فارس بتصلى الجمعه ...ده العصر قرب يابنى
سعى فارس إلى تغيير مجرى الحديث وعاد إلى سؤاله مرة أخرى وقال:
- مقولتليش يا ماما مُهره عامله ايه دلوقتى
تنهدت فى عدم أرتياح ثم قالت:
- كويسه يابنى لسه نازله من عندها من شويه وكانت كويسه
شعر أنه لن يأخذ منها أكثر من هذا وأنها مرتابه من سؤاله عنها من البداية فقرر أن يكتفى بما حصل عليه من معلومات وأنهى المكالمة مع والدته ولكن قلبه لم يكن مطمئناً ابداً هناك شىء يخبره أنها ليست على ما يرام ..
بحث فى هاتفه على رقم بلال ووجده وأتصل به ..لم يكن بلال أقل دهشة من والدته فى أتصال فارس به وسؤاله عن مُهره ولكنه أجاب:
- أنا عندها دلوقتى
ابتلع فارس ريقة من المفاجأة وقال بلهفة:
- بجد يا بلال طب ليه هى تعبت تانى ولا ايه
رفع بلال حاجبيه وهو يقول :
- لا ابداً فى دكتور صاحبى جبته يشوفها ..والدتها أتصلت بينا وقالت مبتكلمش ومبتردش على حد ومبتاكلش وبتعيط على طول ..طبعاً أنت عارف ان ده مش تخصصى
خفق قلب فارس بقوة وهو يجلس على أحد الصخور وقال :
- الدكتور قال أيه
بلال :
- لسه خارج اهو اقفل وانا هبقى أكلمك
هتف فارس بسرعه :
- لالا متقفلش خالينى على الخط وقولى قالك ايه
نظر بلال إلى الهاتف بدهشة ثم أنزله للاسفل وهو يتحدث للطبيب الذى قال :
- متقلقوش يا جماعه دى حالة من حالات الاكتئاب البسيط وان شاء الله هتعدى مع الوقت بسرعه ..
ثم نظر الطبيب إلى الجميع وهو يقول:
- هو فى حد زعلها ؟
قالت أم يحيى سريعاً :
- هى بقالها كام يوم كده مش عارفه مالها أكلها قليل ومبتنامش كويس ومش مركزه فى مذاكرتها
قال الطبيب متفهماً:
- يمكن المذاكره هى السبب وعموماً فى سنها ده الحاله النفسيه بتبقى متقلبه متقلقوش مع الوقت هتتحسن وترجع لطبيعتها أنتوا بس متضغطوش عليها ..وضع بلال الهاتف على اذنه مرة اخرى ليبلغ فارس بما قاله الطبيب وقال :
- ايوا يا فارس ..أرهف فارس سمعه لكلام بلال ولكن أم يحيى قطعت عليه كلامه وهى تقول لبلال:
- بعد اذنك يا دكتور هو ده الاستاذ فارس
قال بلال دون أن ينظر إليها:
- أيوا هو ..
قالت بإحراج:
- طب ممكن بعد أذنك أكلمه أعتذرله أنى محضرتش فرحه أمبارح وأباركله
ناول بلال الهاتف ليحيى الواقف بجواره الذى أخذه منه وأعطاه لوالدته فقالت بخجل:
- أزيك يا استاذ فارس ألف مبروك أنا والله بتاسفلك علشان مقدرتش أحضر فرحك أمبارح بس أنت عارف الظرف اللى حصل بقى
تفاجأ فارس بكلام أم يحيى ولكنه وجدها فرصة مناسبة تماماً فقال:
- ولا يهمك يا ست أم يحيى مانا كنت موجود وشايف بنفسى ...هو الدكتور قال ايه
قالت بحزن:
- بيقول أكتئاب وهيعدى ان شاء الله ..أنا والله ما فاهمه يعنى ايه اكتئاب اصلا يا استاذ فارس أنا اللى يهمنى أن بنتى تقوم زى الاول بس مش عارفه أعمل ايه
قال فارس بإشفاق:
- أكتئاب !! ..ثم قال فى سرعة :
- لو سمحتى خلينى أكلمها
فرت دمعة من عينيها وقالت باسى:
- ياريت يابنى دى لا بتاكل ولا بتتحرك ولا بتتكلم
شعر فارس أن قلبه يعتصر فى صدره وينقبض بقوة على حالها الذى لا يعلم له سبب فقال:
- طب حطى التليفون على ودنها وانا هكلمها يمكن تستجيب لكلامى
نظرت أم يحيى إلى بلال الذى كان يتحدث مع الطبيب الاخر ويحيى يقف معه يستمع لحديثهم فدخلت لغرفة مُهرة ..وجدتها كما هى نائمةً على الفراش تنظر لسقف الغرفة دون حراك ...اقتربت منها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت :
- اهى معاك أهى ..ثم نقلت الهاتف على اذن مُهره
أخذ فارس نفساً عميقاً وقال بهدوء:
- مُهره ...أنتفض جسدها الصغير بمجرد أن سمعت صوته وأخذ صدرها يعلو ويهبط فى سرعه وهى لا تزال محدقة فى سقف الغرفة وهو يقول ببطء:
- مالك يا مُهره ايه اللى تاعبك ..كلمينى علشان خاطرى ..أتكلمى يا مُهره
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الاخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقاً على خديها وما أن ينقطع بها السبل حتى تغير مسارها لتروى وسادتها التى شاركتها لياليها الموحشة من قبل ...كلما تكلم كلما اراد أن لا يتوقف ابداً فظل ينادى عليها مراراً وتكراراً بتصميم:
- انا فارس يا مهره أنا فارس كلمينى قوليلى مالك أشكيلى مين اللى ضايقك ..
قال كلمته الاخيرة ووجد عبراته تقفز هى الاخرى على خديه وبدا صوته يشبه البكاء وهو يرجوها أن تتحدث أن تقول أى شىء خالطت دموعه دموعها ولكن عن بُعد لم يراها ولم يسمع الا صوت شهقاتها التى بدأت فى الظهور أخيراً وهى تبكى.... ولم تراه ولم تسمع الا نداءاته المختلطة بالبكاء وكأنه يعتذر عن شىء لا يعرفه أو لا يفهمه ...فقط يشعر به...
هبت أم يحيى واقفةً وهى تمسك بالهاتف خرجت سريعاً وهى تقول للطبيب بلهفه:
- مًهرة بتعيط بصوت عالى يا دكتور صوتها طلع
هتف يحيى بسعاده:
- بجد يا ماما اتكلمت يعنى
قالت من بين دموعها :
- لاء بس بتعيط بصوت عالى
ابتسم الطبيب وقال لبلال :
- كده خلاص الازمه ابتدت تعدى الحمد لله
أعطت أم يحيى الهاتف ل بلال وهى تشكره قائلة:
- متشكره اوى يا دكتور بلال الاستاذ فارس اول لما كلمها ابتدت تعيط بصوت وصوتها طلع اخيرا الحمد لله
**********************************
باتت ليلتها مترنحة خائفة تخشاه ..تترقب خطواته تضع أذنها على الباب تستمع لصوت انفاسه كلما اقترب من الغرفة أهتز جسدها رعباً تظن أنه سيقتلها بالتأكيد سيقتلها لن يرضى على رجولته أن يعيش مع أمرأة فعلت فعلتها ...أذاً ماذا يفعل ...لماذا تأخر مصيرها إلى هذا الحد ..سمعت صوته يتجه للحمام ويغلقه خلفه ...
فتحت الباب فى بطء وهدوء ويديها ترتعش وأوصالها ترتجف خوفاً ..مشت ببطء وحذر إلى الحمام ووضعت اذنها وتنصت بإضطراب شديد ..سمعت صوت المياه فعلمت أنه يغتسل ...أغمضت عينيها وكادت أن تزفر بقوة ولكنها وضعت يديها على فمها خشية أن يسمعها ...عادت تمشى وكأنها تزحف بحذر إلى غرفتها وأغلقتها مرة أخرى عليها ...
ظلت قابعة خلف بابها تترقب خطواته ذات اليمين وذات الشمال حتى سمعته يكبر تكبيرة الاحرام ثم بدا فى ترتيل الفاتحة فتيقنت أنه يصلى ...
هنا فقط زفرت زفرةً طويلة أخرجت فيها ما كان يجيش بصدرها من خوف وقلق ورعباً ..فلو كان ينوى قتلها لما وقف يصلى هكذا ..
هوت بجسدها على الفراش وهى تلعن اليوم الذى قابلت فيه باسم وتلعن اليوم الذى صدقت فيه كلماته وعباراته المطمئنة لها كم كانت حمقاء ساذجه كيف لمثلها أن تقع فيما وقعت فيه وبهذه السهوله ...
وكيف أكتشف فارس فعلتها بهذه البساطه وهى كانت تعتقده أنه غِـر ليس لديه خبره ..لقد نسجت خيوطها جيداً فكيف رأى الحقيقة بهذا الوضوح ولكن الذى جعلها غاضبة حانقة أكثر هو كيف فشلت العملية رغم تأكيدات الطبيب أنها عادت لعذريتها كما كانت من قبل ولن يكتشفها أحد مهما كانت خبرته فى عالم النساء ...
وضعت يدها على خدها تتلمس صفعات فارس الموجعة فلازالت تشعر بخدر فى وجنتيها نتيجة لصفعاته المتتاليه ...عادت إليها رهبتها منه مرة أخرى عندما سمعت صوت باب الشرفة يفتح عنوة ...نظرت من فتحة الباب مكان المفتاح فوجدته قد دخل الشرفة واسترخى على مقعدها وأغمض عينيه ....
زفرت فى أرتياح وحنق وتأكدت من غلق الباب جيداً وعادت إلى فراشها وهى تتوعد باسم وتسبه باقذع الالفاظ وذهبت فى نوم عميق ...
أستيقظت فزعة من نومها على صوت صفق باب الشقة بقوة ..جلست فى فراشها دقائق وبعد ان تأكدت من مغادرته الشقة فتحت الباب فى هدوء وأتجهت للحمام مباشرة أغتسلت وعادت لغرفتها مرة أخرى لتغلقها عليها لتسكت الشعور بالخوف بداخلها ولكنها لم تستطع أسكات الشعور بالجوع الذى مزق معدتها ...
*******************************************
عاد فارس من الخارج بعد صلاة العصر فتح الباب ودخل بدون سابق أنذار سقطت الملعقة من يدها بمجرد أن سمعت صوت غلق الباب ..دخل عليها ونظر إلى الطعام امامها ثم نظر إليها بعينين خاليتين من أى تعبير وقال ببرود:
- وكمان ليكى نفس تاكلى
أبتلعت ما كان فى جوفها وتجمدت مكانها كالتمثال وهى محدقة به تحاول استكشاف ما بداخله من خلال تعابير وجه وظلت قابعة مكانها تنتظر رد فعله تجاهها ...جلس أمامها حول المائدة وصوب بصره إليها بصرامه وقال :
- مش ناوية تقولى الحقيقة ؟
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بجفاف حلقها وشحب وجهها و قالت بصوت خافت مرتعش :
- اللى قولتهولك أمبارح هو ده الحقيقة كلها
أومأ برأسه بقوة ونظر إليها ببغض قائلاً:
- وأنا مش مصدق حرف واحد منه ..لكن مع ذلك ...صمت قليلاً وتعلق بصرها به وخفق قلبها بقوة فقال :
- مع ذلك هستر عليكى ومش هفضحك ..لكن عمرى ما هسامحك وعمرك ما هتبقى مراتى
قفز قلبها من مكانها وهى تستمع له وقد تيقنت أنه لن يثأر منها ولن يفضحها فعادت الدماء تُضخ إلى مجرى وجهها مرة أخرى وهى تنظر له بترقب فنهض من أمامها واشار إليها قائلاً:
- بكره هنرجع القاهرة جهزى نفسك وأعملى حسابك أمى مش هتعرف حاجه عن الموضوع ده ثم نظر إليها بأحتقار وهو يقول:
- مش عاوزها تموت بحسرتها عليا ...
أستدار متوجهاً للخارج مرة أخرى ولكنها وقفت وقالت برجاء:
- استنى يا فارس ارجوك صدقنى
أستدار إليها بنظرة مخيفة جعلتها تجلس مكانها ثانية بلا حراك وقد شعرت أن الهواء تجمد فى رئتيها فلا تستطيع التنفس أو حتى التألم ..فتح الباب وخرج مرة أخرى وهو يشعر بالاشمئزاز من المكان ومنها ومن نفسه ...
خرج يمشى رويدا على الشاطىء ثم وقف واستدار للبحر نظر إلى سطحه محاولاً الوصول لأعماقه ومعرفة اسراره متغلغلاً بداخله بعقله واجماً فى تلك المرأة التى اصبحت زوجته والتى لطخت شرفه ..وشعر أن مياه البحر تسخر منه وتؤنبه وأعماق البحر تتهكم عليه بل وتحاكمه ..كيف لم يكتشف شخصيتها من قبل كيف لم يرى جرأتها معه وتهكمها على حديثه عن المعاصى كيف يسلم اسمه وشرفه لامرأة لا ترى حلالا ولا تحرم حراماً والكل عندها سواء ..كيف خُدع فيها إلى هذه الدرجة ؟!
هل أحبها إلى أن طُمست عيناه عن حقيقتها .. بكل خبرته ودراسته الطويله وأحتكاكه بالبشر لم يعرفها حق المعرفه بل كانت والدته المرأة الغير متعلمة التى لم تخرج من شارعهم مطلقاً إلا للضرورة تعرفها أكثر منه ربما ليس بخبرتها ولكن بقلبها ... وأحساسها تجاه الاخرين ...فكيف كان يستهين بهذا الاحساس الربانى
******************************************

دخل بلال غرفته هو وزوجته فوجدها ترتدى ملابسها مستعدة للخروج فنظر لها متأملاً ثم قال:
- الهانم رايحه فين
ألتفتت له وهى تغلق أزار ملابسها وقالت مبتسمة :
- انت لحقت تنسى ..رايحه مع ماما عند عزة يا سيدى النهارده الصباحيه عقبال ولادك
عقد ذراعيه امام صدره وقال :
- وعقبال ولادى ليه متقوليلى عقبالك
رفعت راسها إليه وعقدت حاجبيها وقالت محذره :
- بلال بقولك ايه متخاليش دماغى تودى وتجيب
أقترب منها ببطء وقال بابتسامه :
- مفيش خروج أنا بقولك اهو
وضعت يديها حول خصرها وهى تقول متبرمة:
- يعنى مروحش لاختى صباحيتها يا بلال
زفر بهدوء وهو يجلس على الفراش وقال :
- يابنتى انا مش عارف ايه حكاية الصباحيه دى ومين اللى اخترعها اصلا .. دى لا هى سنة ولا عادات دى غلط فى غلط ..عريس وعروسه نروحلهم تانى يوم ونضايقهم ليه
لوحت بيدها وقالت بتلقائية :
- وانا مالى أنا رايحه معاهم وخلاص يعنى هى جات عليا وبعدين يعنى هنضايقهم ليه دى هى نص ساعه ونمشى
لف ذراعه حولها واسند جبهته إلى جبتهتها وغمز لها بعينه قائلاً:
- أنتى اللى بتقولى كده ...
ضحكت وهى تنهض من جواره ثم التفتت إليه قائلة:
بصراحه معاك حق بس لو مروحتش ماما هتزعل مني ..
فكرت قليلاً وهو ينظر إليها مبتسماً ثم قالت :
- بص بقى أنت تعالى معانا وأستنانى فى العربيه وانا هطلع خمس دقايق وأنزل بسرعه وأتحجج أنك مستنى تحت
اتكأ على الفراش بمرفقه وهو يقول مداعباً:
- يا سلام على النصاحه هما يعنى هيسيبونى اقعد فى العربيه ..لو روحت معاكم ابوكى وامك هيصمموا انى اطلع وانا يا ستى محبش ابقى عزول ...
ارتدت أسدالها وشرعت فى وضع غطاء وجهها حانت منها ألتفافة إليه فوجدته شارداً تماماً ..جلست بجانبه وقالت متسائلة:
- مالك يا بلال أنت مش زى عوايدك
أنتبه إليها وهز راسه نفياً وهو يقول:
- لالا متشغليش بالك مفيش حاجه
مسحت على راسه وهى تقول بنعومه :
- مالك يا حبيبى فيك ايه
رفع راسه ينظر إليها وقال فى وجوم:
- بصراحه يا عبير ..حصلت حاجه النهارده كده عند أم يحيى ومش هضحك عليكى واقولك مش لاقى تفسير ..لالا ...أنا بس مستغرب شويه
قالت فى اهتمام :
- احكيلى
قص عليها ما حدث بالامس عندما كره فارس أن يدخل بلال ليرى مُهرة وما حدث أمام قاعة الافراح عندما رفض فارس السفر الا بعد أن يطمئن عليها وكذلك المكالمه التى حدثت اليوم امام طبيب الامراض النفسيه ..فقالت عبير بشرود :
- وأنت مستغرب من ايه مش هو اللى مربيها
هز بلال راسه نفياً وقال مؤكدا :
- لا يا عبير أنا راجل واقدر افهم نظرة الراجل اللى زى وتصرفاته ..مفيش عريس فى الدنيا يعمل كده
قالت بقلق :
- يعنى ايه يا بلال تفتكر يعنى ..
أومأ براسه موافقاً وهو يقول :
- انا مش افتكر ..انا متأكد يا حبيبتى ...بس مستنى فارس لما يحكيلى بنفسه .. طب لما هى الحكايه كده أتجوز مراته دى ليه ...حاجه غريبه اوى
شردت عبير بعيدا أكثر وأكثر وهى تقول فى نفسها :
- ياااه يا عزة ده انتى ربنا بيحبك اوى اوى ..أهى خطيبته اللى اتجوزها وانتى افتكرتى أنه فضلها عليكى أهى طلعت فى الاخر برده مخدتش حاجه غير وجوده معاها لكن قلبه فى مكان تانى خالص مكان ابعد ما كنا نتخيل كلنا ... ياااه قد ايه ربنا رحيم بينا أكتر من نفسنا ..
************************************
وقفت عزة أمام الفراش تحاول جاهدةً ايقاظ عمرو بشتى السبل ولكنها تفشل دائماً فما كان منها إلا أن جاءت بزجاجه مياه باردة وسكبت بعضاً منها على راسه ...هب جالساً فى فراشه وهو يصيح :
- ايه يا ماما شغل المكوجيه ده على الصبح
عقدت ذراعيها أما صدرها وقالت ساخره:
- ماما مين يا حبيب ماما أنت وبعدين صبح ايه أحنا العصر يافندى
نظر إليها وهو يفرك عينيه بقوة وقال متذكرا:
- عزة حبيبتى ..أه صحيح ده احنا اتجوزنا امبارح وزغاريد بقى وحركات
ثم نظر إليها بعين مفتوحه والاخرى مغمضة وقال متسائلا:
- اه صحيح هو حصل ايه بعد الزغاريد انا مش فاكر حاجه
ضحكت وهى تشير للخارج قائلة:
- لو مش فاكر اروح أجيب أزازة العصير افكرك بيها ها
اشار إليها يستوقفها وهو ينهض متثاقلاً ويقف امامها قائلا:
- خلاص انا صحيت أهو ..ثم احاط خصرها بذراعيه وهو يقول :
- صباح الخير يا عروستى
ابتعدت عنه وقالت بحزن مصطنع:
- لا انا زعلانه منك ..أنت عارف أنك راحت عليك صلاة الجمعة حتى الظهر مصلتوش وأهو العصر كما اذن عليك ..ينفع كده يا عمرو من اولها هتجمع الصلاة
مطت شفتيه وعقد جبينه وقال معتذراً :
- انا اسف والله يا حبيبتى كنت تعبان اوى معلش أوعدك مش هيتكرر ده تانى
ولف ذراعيه حول كتفيها قائلاً بمرح :
- خلاص صافى يالبن
رفعت كتفيها وأستدارت وهى تشير للخارج قائلة بحسم :
- طب اتفضل بقى على الحمام علشان تلحق اللى فاتك
رفع حاجبيه وقال بصرامة مضحكه:
- ده طلب ولا امر ؟!!
رفعت جابيها مثله وقالت :
- لا أمر
سار امامها مطيعاً وهو يقول :
- اه افتكرت ..ايوة كده اتعدلى معايا
خرج من الحمام وصلى ما فاته من صلوات وبمجرد ان أنتهى سمع صوت قرع جرس االباب ووجد عزة تدخل عليه مسرعة وهى تقول:
- عمرو عمرو يالا تعالى افتح الباب بسرعة
قال بسرعة وهو يتوجه للمطبخ :
- روحى افتحيلهم على ما اضربلى كام سندوشت على السريع كده
قالت بخجل :
- لا يا سيدى افتح انت انا مكسوفه
هز راسه نفياً وقال :
- يعنى اموت من الجوع علشان سيادتك مكسوفه أمشى يا بت افتحى الباب

***************************************

مضى اليومان وعاد الطير إلى عشه القديم تهفو نفسه إلى الاهل والاحباب ..فتحت أم فارس ذراعيها وهى تعانق ولدها الذى ألقى بنفسه بين ذراعيها على الفور وكأنه يحتمى بها كما كان يفعل فى الصغر ممن يخفيه ولسان حاله يعتذر لها عن عدم طاعتها بتمسكه بهذه الدنيا الغادره...رفع راسه وقبل رأسها فى شوق كبير وهو يقول بعينين دامعتين :
- وحشتينى أوى يا امى
قاطعته دنيا من خلفه وهى تقول بترم :
- أنا هفضل واقفه كده كتير
أفسحت لها أم فارس الطريق للدخول وهمت بمعانقتها هى الاخرى مرحبة بها ولكن دنيا اكتفت بمصافحتها ببرود وهى تقول :
- أهلا بيكى
أغلق فارس الباب خلفه واستدار لوالدته يعانقها مرة اخرى ويسئل عن حالها وصحتها فأجابته ثم قالت :
- أنت ايه اللى خلاك تقطع الاجازة بدرى كده مقعدش يومين كمان فى اسكندريه ليه يافارس
أحاط كتفها وهو يجلس بجوارها قائلا :
- عندى شغل كتير أوى يا أمى والدكتور مبيروحش المكتب ولازم حد يتابع الشغل
نهضت دنيا واقفة بحنق وهى تقول :
- طب هدخل أنا اريح شويه من السفر
ألتفتت لها والدته وهى تقول بابتسامه كبيره :
- وماله يا حبيبتى ارتاحى أنتى على اعملكوا غدى هتاكلى صوابعك وراه
نظرت لها دنيا ببرود وقالت :
- لا متتعبيش نفسك أنا مش جعانه
نهضت أم فارس واقتربت منها وربتت على ظهرها وهى تقول بود:
- متعبش نفسى ايه ده انتى زى بنتى قوليلى بس تحبى تاكلى ايه وأنا هعملهولك
ابتعدت عنها وأتجهت لغرفتها وهى تقول بتثاقل :
- مفتكرش بتعرفى تطبخى الحاجات اللى بحبها
وقبل ان تدير مقبض حجرتها سمعت صوته الهادر وهو يستوقفها بغضب قائلاً:
- دنيااا....ألتفتت إليه لتجد الشرر يتطاير من عينيه وقال بقسوة :
- لما ماما تكلمك تردى عليها كويس فاهمانى
أنكمشت مكانها وأستدارت إليه والدته وقالت بلهفه:
- مفيش حاجه يابنى البنت مقالتش حاجه غلط ...خلاص سبها على راحتها وألتفتت إليها قائلة :
- ادخلى ارتاحى يابنتى
اسرعت دنيا بالدخول إلى غرفتها متفادية النظر إليه فأنحنى وقبل يد والدته وقال معتذراً:
- متزعليش يا ماما حقك عليا أنا
ربتت على ظهره وهى تقول مبتسمة :
- أعذرها يابنى هى لسه مش متعوده عليا ..بكره لما تاخد عليا وتعرفنى كويس هتعرف انى أمها التانيه مش حماتها زى ماهى فاكره ..وانا بكره ان شاء الله هعزم الست والدتها تتغدى معانا هنا علشان تعرف اننا عيله واحده وانى زى أمها ...
قبل راسها وهو يقول :
- ربنا يديكى الصحه يا ماما ..تركها وأستدار إلى حقيبته الصغيرة واخرج منها هاتف نقال صغير باللون الوردى وأعطاه لها قائلاً :
- مما ممكن تدى ده ل مُهره ..هو فيه الخط بتاعه
نظرت والدته إلى الهاتف ثم نظرت إليه متسائلة :
- جايبلها تليفون ليه
قال بحرج :
- يعنى حبيت ارفع روحها المعنويه شويه يعنى علشان كانت تعبانه ومضايقه أكيد هتفرح بيه ..ثم تابع بارتباك :
- مش كده برضه واللى انا غلطان
أخذت منه الهاتف وأومأت براسها وقالت ببطء:
- بعد الشر عنك من الغلط يابنى خلاص انا هديهولها أنا كده ولا كده طالعالهم دلوقتى أدخل أنت ارتاح مع عروستك بس ..بس انا هقولها أنه هديه منى أنا أتفقنا
ابتسم وقال بأحراج :
- مش هتفرق يا ماما أنا وأنتى واحد المهم انها تتبسط وتخرج من حالتها دى شويه
********************************
نظرت مُهره إلى الهاتف فى يديها وتأملته قليلاً ثم اعادته أمام ام فارس قائلة :
- أنا آسفه يا طنط بس أنا مش عاوزه حاجه
هتفت والدتها معاتبةً:
- ليه يابنتى ده هدية من خالتك أم فارس حد يرد الهديه
ربتت أم فارس على يدها بإشفاق وكأنها قرأت فى عينيها وهى تتفحصه أنها علمت من الذى أحضره لها وقالت بهدوء:
- أنا كنت فاكراكى هتفرحى بيه كده برضه ترفضتى هديتى
نظرت لها مُهره نظرة طويلة وقالت بشرود :
- عمرى ما رفضت هديه من ...من حضرتك وطول عمرى بفرح بالهدايا بس دلوقتى خلاص مبقتش تفرق معايا كتير
أقتربت منها أم فارس وأحاطت كتفها بذراعها وربتت على يدها الاخرى وقبلتها على وجنتها وقالت بتعاطف:
- تصدقى انك كبرتى فعلا ..بس لو ليا غلاوة عندك خديه
ثم همست فى اذنها:
- يا عبيطه بقولك ده هديتى انا ..ولا أنا بقى خلاص راحت عليا مبقتش ليا غلاوه فى قلبك
قفزت دمعة من عينها فمسحتها سريعاً وهى تقول :
- متقوليش كده يا طنط ده أنتى اللى مربيانى
وضعته أم فارس فى يدها وهى تضغط على يدها برفق قائلة :
- خلاص يبقى تاخديه من سكات
قبضت عليه فى يدها وهى تقول :
- متشكره أوى يا طنط ربنا يخليكى ليا
ابتسمت أمها بينما قبلتها ام فارس ثانية وقالت متسائلة :
- أخبار المذاكره ايه بتذاكرى ولا بتطنشى
نظرت مُهرة امامها وقالت بجدية :
- بذاكر وهفضل اذاكر طول عمرى يا طنط لحد ما ابقى حاجه كبيره اوى انا دلوقتى ميهمنيش غير مستقبلى وبس هو ده اللى هينفعنى مش اى حاجه تانيه ...
عزمت على نسيان ماضيها وحاولت أن تقتلعه من حياتها ولا تفكر سوى فى مستقبلها وفقط ولكن هذه هى طريقة تفكير الحالمون فقط ...فالحلمون فقط هم من يعتقدون أن الانسان من الممكن ان ينفصل عن ماضيه وظروفه و بيئته التى كونت شخصيته واصبحت جزء من تكوينه وبنيانه بل اصبحت جزء لا يتجزء من حاضره ومستقبله ايضاً ...
-------
يُتبع

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب