عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 02-22-2018, 04:38 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('https://f.top4top.net/p_772ibz7i5.png');"][cell="filter:;"][align=center]
مع وقف التنفيذ ... الفصل الخامس عشر
---------------


دوت الزغاريد فى منزل الحج فتحى للمرة الثانية على التوالى ولكن هذه المره كانت العروس مختلفة...كانت عبير ..عبير ذات العبير المعتق فى صدفته ينتظر نصفه الآخر المقدر له أستنشاقه وملىء رئتيه بنسيم العذراء القابعة فى خدرها تحت مظلة الحلال..أحمر وجهها وهى تجذب والدتها من ملابسها لتجلسها مرة أخرى ووالدها يكمم فمها هاتفاً بها:
- أسكتى يا ست أنتى مش وقته الناس تقول علينا ايه
جلست أم عبير وهى تلهث من فرحتها قائلة:
- يقولوا عندنا فرح هيقولوا ايه يعنى
نهرها قائلا:
- مش لما العروسة توافق الاول يا ام مخ مهوى أنتى
نظرت إلى أبنتها وهى تقول :
- عبير موافقة طبعاً هى دى عايزة كلام
قالت عزه بحماس وهى تنظر إلى أختها :
- صح يا ماما
صوب الجميع نظره إليها فى أنتظار كلمتها وبعد فترة من الصمت قالت بأرتباك :
- لما أقعد معاه الاول وأسأله شوية أسئلة وبعدين أستخير...ده جواز يعنى لازم يكون منهجنا واحد والا هيبقى فيه مشاكل كتير بينا بعد كده الحكاية مش حكاية لحيه وخلاص

تم تحديد ميعاد للقاء عبير وبلال للرؤية الشرعية بعد يومين وتم تجهيز المنزل لإستقبال بلال ووالدته ولن نستطيع أن نتهم عبير بالسعادة لانها لم تكن تجرؤ على هذا الأحساس بل كانت تأده كلما حاول الظهور على السطح .. كل ما كانت تشعر به هو التوجس والإنتظار ..لا تعلم لماذا أختارها هى بالذات للتقدم لطلب الزواج بها ..فهى ليست مميزة عن غيرها نعم هى ملتزمة ولكنه بالتأكيد صادف قبلها كثير من الأخوات الملتزمات وبالتأكيد شاهدهن خلال الرؤية الشرعية وكانت منهم الجميلات والأصغر سناً منها ولكنه لم يتزوج بواحدة منهم فماذا يميزها عن غيرها ليختارها هى ..نعم كانت خائفة بل ووجلة .. ليس من تلك الهواجس فقط ولكن خافت أن يكون على غير المنهج الصحيح الذى أختارته لنفسها ووافق السنة الصحيحة ..
دخلت عليها والدتها لتجدها على حالها تلك الذى تركتها عليه منذ قليل جالسة على فراشها ترتدى كامل ملابسها التى تخرج بها إلى الطريق لم يختلف شىء غير أنها قد أزاحت غطاء وجهها عنها ليستطيع رؤية وجهها بوضوح وهي تردد بعض الأذكار لتخفف من توترها وارتباكها وخفقان قلبها ..وقالت تستعجلها:
- يالا يا عبير الضيوف وصلوا ..تبعتها عزه التى دلفت خلف والدتها مباشرة وهى تهتف بها :
- يالا يا ستى مامته بتسأل عليكى
وقفت عبير وهى تشعر بالالم فى ساقها الذى لم يتعافى بعد ورغم أنها رؤية شرعية ولابد أن تكشف عن وجهها ليراها إلا أنها شعرت وهى تخرج أمامه هكذا بوجهها المكشوف كأنها عارية أمامه فزاد حيائها وخجلها وحمرة وجنتيها وإطراق رأسها أرضاً أكثر وأكثر هبت والدته واقفة عندما ظهرت عليهم واقبلت عليها فى ترحاب تقبلها وتعانقها وتساعدها فى الجلوس على اقرب مقعد جواره ..وكما قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (الحياء لا يأتى إلا بخير )..هذا الحياء الذى علق قلبه بها فى الأمس هو نفسه من علق عينيه بها اليوم وهو ينظر إليها بشغف ويتأمل أحمرار وجنتيها الصافيه وعينيها الخجولة الناظرة إلى أى شىء وكل شىء إلا هو خوفاً من اللقاء ....ظل يتأملها قليلا فى صمت وعلى ثغره ابتسامة ناعمة تحمل كل الرضا والقبول
أرادت والدته أن تقطع هذا الصمت أو بالأحرى أرادت أن تعطيه طرف الحديث معها فقالت:
- رجلك عامله ايه دلوقتى يا عبير
قالت بصوت لا يكاد يكون مسموعاً :
- الحمد لله يا طنط أحسن شويه
تحرك لسانه أخيراً وتحررمن صمته ووجد نفسه يقول:
- بتعملى التمارين ؟؟
أومأت برأسها إيجاباً ولم تجبه شفاهتاً ..وكما فعلوا مع عزه وعمرو فى السابق فعلوا مع عبير .. تركوها مع بلال فى الخارج وأنتقلوا لغرفة استقبال الضيوف وجلس والدها نفس المجلس فى المرة السابقة ليستطيع رؤية ما يحدث فى الخارج
كان لهذا اثر كبير على بلال الذى تحرر من خجله لمجرد أن اصبح وحده معها ولكنه فى داخله شكر فعل والدها أنه يحرص عليها مع ترك مساحة من الحرية لا تسمح الا بالحديث معها فقط
فكم سقط فى عينيه آباء كُــثر تركوا لهما المجال خالياً تماماً بل ومنهم من وارب الباب عليهما بدعوى حرية الحديث لولا أنه كان يرفض ويأبى كل هذا بل ويكون هذا سبب خروجه من هذا البيت بلا عوده
ظلت عبير صامته مطرقة الرأس ولكنه لم يظل صامتاً ..قال في حنان وهو يتأملها :
- على فكره ..الرؤية دى يعنى احنا الاتنين نشوف بعض كويس مش أنا بس اللى أشوفك
جاهدت على أخراج صوتها من حلقها وكأنه يعبر الاحبال الصوتيه فى مشقة وقالت :
- منا شوفتك قبل كده
لاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيه وشعر أن الامر يتطلب جرأة أكثر فقال:
- طيب ممكن ترفعى راسك شويه مش عارف أشوفك كويس
خفق قلبها بشدة وشعرت أنها لو تركت العنان لنفسها لهبت من مقعدها لتجرى إلى غرفتها وتغلقها عليها لتختبىء من نظراته المصوبة إليها ولكنها تعلم أنه من حقه أن يراها جيداً وينظر إليها ..رفعت وجهها ببطء ولكنها لم تقدر على النظر إليه مباشرة ..نظر إليها ملياً ثم قال :
- ماشاء الله ..
شىء بداخلها لا تعلم ماهو جعلها تخطف نظرة إليه ثم تعيد عينيها إلى حيث كانت ..ربما كانت تريد أن ترى رد فعله وهو ينظر لها هل أعجبته أم لا ..لم تكن عبير تلك الفتاة الفاقدة الثقة فى نفسها رغم أنها فتاة عادية ليست بارعة الجمال بل وليست مميزة فى جمالها بل كانت فتاة عاديه بكل المقاييس ولكنها ارادت أن ترى نظرة سابحة فى عالمها منصهرة فى وجودها كانت قد رأتها فى عينيه مرة واحدة حينما كان يستمع لصوتها وهى تسبح وتكبر فى عيادته سابقاً وهى تؤدى التمرين ولقد وجدتها وعثرت عليها للمرة الثانية واستشفت ما وراءها من قبول ورضا ...
أستردت نفسها حينما سمعته يقول:
- والدك كان قالى أنك عاوزه تتأكدى من حاجات معينه ..أتفضلى أنا تحت أمرك
حاولت عبير أن تقذف بخجلها بعيدا بل وترميه خلف ظهرها فهذا زواج لابد أن يكون فيه من المكاشفة ما فيه حتى تستقر سفينة الحياة بهم فى المستقبل على جبل التوافق والرشاد
خرج صوتها بصعوبة وهى تقول:
- ايوا فعلا كنت ..كنت عاوزه أسألك على منهجك ..منهج أهل السنه والجماعه ولا حاجه تانيه
أتسعت ابتسامته واشرق قلبه بسؤالها فهى ليست فتاة خجوله وفقط بل أنها تعرف ماذا تريد فى زوج المستقبل وتعرف أنه ليس كل ملتحى متبعاً للمنهج الصحيح ..أجابها قائلا:
- أيوا الحمد لله انا على منهج أهل السنه والجماعه
قالت تختبره:
- طيب ايه رايك فى الطواف حول القبور والناس اللى بتؤمن أن السيدة زينب والسيده نفيسه والحسين ليهم بركات حتى بعد ما ماتوا وبيروحوا يلمسوا الحديد وبيقولوا انهم كده بياخدوا البركه
أتكأ بمرفقيه على ساقيه وهو يقول:
- طالما قلتلك أنى منهجى منهج أهل السنه يبقى أكيد انا مش من الناس دول أما بالنسبه للناس اللى بتقولى عليهم ربنا يهديهم لانهم كده وقعوا فى شرك وهما مش عارفين
ظلت عبير تسأله وهو يجيب كأنما يجلس أمام محقق يعرف جيدا كيف يستخرج منه الاجابات الوافيه سألته عن شيوخه والأشرطه التى يستمع إليها ودروس العلم التى يحضرها وكيف بدأت حياته الدعويه ورأيه فى الموسيقى والافلام والمسلسلات وغيرها وكيف يستطيع أن يوفق بين عمله كطبيب والدعوه
فقال:
- بغض النظر عن أنى ممكن أخطب خطبة أو أتكلم مع حد ادعوه لكن بجد انا شايف أن الدعوه دى بتكون فى أى مكان وفى أى حته ومهما كان الواحد بيشتغل ممكن يدعوا الناس عن طريق شغله
قالت مستدركه:
- قصدك يعنى عن طريق أخلاقه
هز راسه نفياً وهو يقول:
- مش بس أخلاقه الدكتور والمهندس والمحامي وأى موظف فى أى مكان أو صاحب محل ممكن يحط قدامه كتيبات وشرايط على المكتب والمريض أو العميل أو الزبون اللى يدخل عنده يديله منها ..الست ممكن تشيلها فى شنطتها وتدى منها هدايا لواحده ست قاعده جنبها فى المواصلات أو زميلتها فى الشغل أو جيرانها ...الواحد يجى يوم القيامه يلاقى جبال حسنات مش عارف جاتله منين ممكن واحده تقرا الكتيب وربنا يهديها وتبقى فى ميزان حسناتك وانتى مش عارفه تتفاجئ بيها يوم القيامه فى ميزان حسناتك وهكذا ..علشان كده بقول مفيش حاجه اسمها مش عارف أوفق بين الدعوه الى الله وشغلى مهما كانت طبيعة الشغل ده..
أخذت نفساً عميقاً وهى تشعر بالراحة النفسية الكبيرة وهى تنصت إليه فى أهتمام ..حتى أنتهى من حديثه وأجاباته النموذجية كان ينظر إليها وهو يجيبها وكلما أجاب اجابة ابتسمت ابتسامة صغيرة مما جعله يعرف نتيجة الامتحان سريعاً مما شجعه على أن يقول :
- ها فى حاجه تانيه ولا خلاص .. ؟
هزت راسها نفياً أن لا .. فقال مردفاً بمرح :
- أنا أتعصرت على فكره
أبتسمت أبتسامة صغيرة وهى تشعر بالقبول تجاهه ولكن قلبها خفق مرة أخرى حينما سمعته يقول:
- ممكن اسأل أنا بقى ...؟
أومأت براسها موافقةً وقد كانت تتوقع أن يسألها أسئلة شبيهة بأسئلتها وقد كانت مستعدة تماماً لها ولكنها فوجأت به يقول:
- بتحبى الشعر؟
نظرت له مندهشةً وقالت باستغراب:
- شعر !!
ابتسم وهو ينظر إلى علامات الدهشة التى ملأت قسمات وجهها وأومأ براسه مؤكداً وهو يقول:
- أيوا ...الشعر بتحبيه ؟..
ثم قال هامساً :
- اصل أنا رومانسى أوى وبحب كل حاجه رومانسيه
أرتبكت ولم تدرى ماذا تقول لقد غير مجرى الحوار تماماً وعاد إليها خجلها مرة أخرى غازياً كل خلجاتها مرة أخرى وبعنفوانه أصر على تلوين وجهها مرة أخرى بلونه الوردى بعد أن كانت قد تحررت منه منذ قليل
قاومت فضولها ولكنها لم تستطع ووجدت نفسها تقول:
- وعرفت منين أنك رومانسى هو كان فى علاقات من أى نوع قبل كده
أسند ذقنه على راحة يده وقال مبتسماً :
- لا طبعاً... أنا شايل كل مشاعرى ومحافظ على قلبى لحبيبتى اللى هتبقى مراتى ومراتى اللى هتبقى حبيبتى وبس ...
لم تستطع أن تجلس أكثر من هذا لم تعد تتحمل تلميحاته المتلاحقه والتى جعلت قلبها تتلاحق دقاته هو الاخر ويقفز بجنون بعد أن عاش طويلا يعانى شظف القسوة وتغالب الحرمان .. وجد من يأوى إليه ويستغرقه وينصهر بداخله ليصيرا مكوناً واحداً
وبدأ اللهب يشتعلاً فى مدفأة الحب .... وبعد الاستخاره كانت النتيجة المتوقعة بالموافقة وتم تحديد ميعاد عقد القرآن ... كانت عبير تحاول تأخير الميعاد حتى تكون شفيت تماماً ولكن بلال كان مصراً على العقد بعد اسبوع بحجة أن تعود عبير لممارسة العلاج الطبيعى تحت اشرافه مرة أخرى دون موانع شرعية

*****************************************

فوجىْ عمرو باتصال من والد عزه يخبره بميعاد زواج عبير ويطلب منه حضور العقد والشهادة عليه ولم يستطيع عمرو أن يرفض وأنما وافق على الفور ..
المشهد الأخير الذى رأى فيه عزه واقفة تنتظره فى نافذتها الصغيرة جعل قلبه يرق لها مرة اخرى ويشعر بقيمته لديها
فإن قيمة الانسان الحقيقية تتحدد بمن يعنيهم أمرنا وبمن يمثل رضاؤنا عنهم أو جفاؤنا منهم شيئاً ذا قيمة ..غضب منها لأنه لم يستطع ان ينسى جرحها وكلمتها التى القتها على اذنيه فى الهاتف ...هو دائماً هكذا تغلبه انفعالاته وعصبيته فتثور ثائرته سريعاً لاقل كلمة يشعر أنها تحض من شأنه وتقلل منه ..ولكنه يعود ويتراجع ويلين فإن لم يلن الجانب لحبيبته فلمن يفعل إذن ....
وهو أحبها وأختارها منذ البداية وهو يشك فى مشاعرها تجاه صديقه ولكل أختيار تبعاته التى لابد ان نتحملها ونتعامل معها راضين بها لأنها جزء لا يتجزأ من هذا الأختيار.
**************************************
ضرب نادر بقبضته على مكتب إلهام بعنف وغضب وهو يصيح بها غاضباً:
- انا عاوز أعرف بقى ايه حكاية اللى اسمه عمرو ده معاكى
نهضت إلهام وهى تقول بحدة :
- وطى صوتك يا بنى آدم ..أنت عاوز تعملنا فضيحه ولا أيه وبعدين وأنت مالك أنت ..أنت مجرد حتة مهندس فى شركتى ملكش دعوه بتصرفاتى ولا فاكر نفسك جوزى ! ؟
قال وهو يشير إليها محذراً:
- اسمعى يا إلهام أنا مش هسمح باللى فى دماغك ده أنا فاهمك كويس
أبتسمت إلهام ساخرة وهى تقترب منه وتقف أمامه مباشرة قائلة:
- أنت هتمثل ولا ايه ..عاوز تفهمنى أنك بتغير عليا ...أنا عارفه كويس أوى أنت خايف وقلقان منه ليه... ثم وضعت يدها على ذراعه وقالت :
- ومتقلقش الخير كتير ونصيبك محدش هيلمسه فى أى عمليه ..خلاص أرتاح بقى ومتقعدش تتنططلى كل شويه وتعملى فيها غيران
تركها وجلس على المقعد امام المكتب وهو يستند بمرفقه إلى حافته قائلاً:
- أنا عايز أعرف بس أنتى هتحتاجيه فى ايه هو انا مش مهندس برضه وبخلصلك اللى أنتى عايزاه كله وأحسن ..عاوزه تحشريه ليه وسطنا ده بدل ما نقول يا حيطه دارينا
إلهام بعصبية :
- أيه الالفاظ دى.. حيطة ايه دى اللى تدارينا هو أنت ناسى أحنا بنشتغل مع مين ولا ايه ومالك كده محسسنى اننا بنتاجر فى المخدرات ...
وقفت خلفه ووضعت يدها على كتفه وقالت بحسم:
- اسمع يا نادر أنت متدخلش فى شغلى تانى وملكش دعوه بعمرو وبطل تضايقه فى شغله أما بقى شغلنا الخاص مش عاوزاك تقلق عمرو مش هيدخل فى نصيبك هيبقى ليه نصيب خاص بيه لوحده
هب واقفاً وصاح مرة اخرى:
- وليه كل ده هيعمل أيه زياده
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بجرأة:
- بصراحه ....عمرو ذكى أوى وليه لمحات كده فى شغله بتحسسنى أنه فنان فعلا مش مجرد مهندس كده وخلاص ومن الاخر عاجبنى وعاوزه أكبره
أبتسم نادر بسخرية ممزوجة بالغضب وهو يهتف :
- اه عاوزه تكبريه على قفايا مش كده
قالت متأففه وهى تجلس خلف مكتبها:
- يووه أطلع من دماغى بقى يا نادر أنا جبتلك من الاخر وأنت مش عاوز تفهم
أتكأ على المكتب ونظر لها بتحدى قائلا:
- دلوقتى أطلع من دماغك ..طبعا ما أنتى استغنيتى خلاص
- مش زى ما أنت فاهم على فكره
رفع حاجبيه وقال ساخراً:
- كمان مش زى ما أنا فاهم ..ثم ضحك قائلا:
- يعنى لسه مدوخك ومطلع عينك ..أومال عاجبنى ومش عاجبنى وبعتينى علشانه وهو ولا معبرك
أستندت إلى ظهر مقعدها باستعلاء وهى تضع ساقاً فوق الاخرى وقالت بأستفزاز:
- أنا مش هزعل من كلامك ده علشان مقدره حالتك كويس ..لكن متنساش مين هى إلهام ..انا محدش يقدر يقولى لاء ..لا عمرو ولا غيره ...وأنت مجرب
*******************************************
وفى صباح يوم عقد قرآن عبير وبلال كانت أعمال تعليق المصابيح والكهرباء تجرى على قدم وساق فى شارعهم الصغير وسط مباركه ومشاركه من الجميع الذين ابهجهم خبر زواج عبير ..هذه الفتاة المتدينه التى لا يروها فى الطريق إلا غاضةً لبصرها تحاول أن تمشى بعيداً عن مجالس الرجال قدر استطاعتها رغم أنها لا يُرى منها شيئاً
وحزنوا من اجلها جميعاً عندما سقطت وأرتطمت ساقها وكُسرت ومازالت تعانى من هذه السقطة حتى الان وبينما كان الرجال فى شارعهم يساعدون فى تعليق الزينة والمصابيح
وقفت أمرأه تنظر إليهم شذراً وبجوارها أبنتها وهى تقول:
- ياترى اتجوزت مين دى واحد عنده خمسين سنه ولا عنده عاهه
وضحكت هى وابنتها ضحكة خافته وقالت :
- نبقى نيجى بالليل نتفرج على عريس الغفله
وضحكا مرة اخرى وأنصرفن بأوزارهن التى حُمّلوا بها إلى بيتهن مأزورات غير مأجورات

أبتسمت أم يحيى وهى تفتح بابها عندما وجدت فارس واقفاً أمامها فقالت مرحبةً:
- اهلا يا استاذ فارس أتفضل
قال بسرعة وعلى محياه ابتسامة عذبة :
- لا معلش يا أم يحيى اصلى مستعجل كتب كتاب صاحبى والانسه عبير النهارده انتى مش عارفه ولا ايه
قالت ام يحيى بسعاده:
- لا عارفه طبعا ورايحه كمان شويه هو فى أغلى عندى من عبير دى هى اللى علمتنى الصلاه ونبهتنى ليها
كان واضعاً يديه خلف ظهره وهو يتحدث وقال:
- أومال مُهرة فين مش سامع صوتها يعنى بقالى كام يوم
- بتذاكر بقى الامتحانات قربت
- طب نديهالى ثوانى بس مش هعطلـــ !!! لم يكمل عبارته حتى وجدها تدفع امها من الخلف محاولةً أن تخرج رأسها بجوار خصرها بصعوبه هاتفةً باسمه ..تنحت أمها جانباً لتمر بجوارها وتراجعت هى قائلة:
- ياريتنا كنا افتكرنا شلن ..وأستأذنته قائله:
- طب عن اذنك يا استاذ فارس اشوف اللى على النار
نظر لها بتمعن وقال بمرح:
- ايه ده مش معقول زى ما تكونى طولتى خير اللهم اجعله خير خمسه سنتى
كان يتوقع عاصفه رعديه بعد انهاء كلمته الاخيره ولكن العكس هو الذى حدث نظرت لنفسها ووقفت على اطراف اصابعها وهى تقول بلهفه:
- بجد يا فارس أنا طولت بجد
ضحك وهو يقول:
- أه طبعا طولتى وكبرتى وعلشان كده بقى جايبلك حاجه هتعجبك اوى
وأخرج الشنطة البلاستيكية من خلف ظهره وأعطاها لها قائلا:
- أتفضلى يا ستى ده بقى علشان تلبسيه فى كتب كتاب عبير النهارده
فضت الشنطة فى سرعه شغوفة واخرجت منها فستان وحجاب أعادت الحجاب فى الشنطة مرة ثانية وأمسكت بالفستان بفرح وهى تتامل الوانه الهادئة المتداخله فى أنسيابيه وضعته على جسدها وقالت بتبرم :
- بس ده طويل يا فارس هيكعبلنى
هز راسه نفيا وقال بتصميم:
- لا طبعاً ولا هيكعبلك ولا حاجه ده يدوب واصل لاخر رجلك
ثم اخرج الحجاب من الشنطة قائلاً:
- وده بقى هتلبسيه فوقيه شايفه لونهم حلو ازاى على بعض
قالت وهى تمسك بشعرها:
- بس انا كنت عاوزه أسيب شعرى فى الفرح النهارده
عقد ذراعيه أمام صدره واشاح بوجهه بعيداً عنها ولم يجيبها ...نظرت إليه ملياً وهتفت فجأة:
- طب خلاص متزعلش هلبسه والله ..والله خلاص
ألتفت إليها وقطب جبينه وقال محذراً:
- ولو محمود أخو عمرو ولا أى حد غيره حاول يكلمك مترضيش عليه ومتجيش تقوليلى وسط الرجاله.. لاء... أدخلى عند البنات جوه وده طبعاً اذا اضطريتى تخرجى لكن من الافضل تخليكى جوه على طول فاهمانى
أومأت برأسها بقوة موافقة وهى تقول:
- حاضر يا فارس
تابع حديثه قائلا بأهتمام:
- والحجاب ده متقلعيهوش تانى ومتخرجيش من غيره ولما يكون يحيى عنده درس متخرجيش من اوضتك ابدا الا وانتى لابساه فاهمه
أومأت براسها بقوة مرة اخرى توافقة ولكنها توقفت فجاة وقالت:
- طب وانا نازله عندكم البسه برضه
كان الرد منطقى وطبيعى أن يقول نعم ولكنه لا يعلم لماذا تردد ربما لانه يعتبر نفسه مُربيها وولى أمرها وكأنه ابيها أوأخيها الاكبر سناً ولكن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح فقال:
- ايوا طبعاً حتى وأنتى نازله عندنا تلبسيه ..أتفقنا
- أتفقنا ..

كانت حفل عقد القران بسيطاً ولكنه ممتلىء بالبركة ولا عجب من ذلك فإن لم تكن البركة فى الحلال بعد الصبر الجميل فاين تكون ...أنتهى المأذون من العقد قائلاً :
- حد يودى الدفتر للعروس علشان تمضى
لمح والدها عزه تقف بين النساء فنادى عليها فاقبلت سريعاً وكأنها تنتظر هذا النداء لتلقى نظرة سريعة على عمرو الجالس بجوار فارس وبلال ..راقب عمرو نظرتها فوجدها تبحث عنه وحده.. وابتسمت عندما وجدته ...أعطاها والدها الدفتر الكبير واسرعت هى فى سعادة إلى غرفة أختها التى كانت تحيطها أمها وأم بلال وبعض النساء والجارات المحبات ووضعتها أمامها فى شغف قائلة:
- أمضى يا عروسه يالا ولا رجعتى فى كلامك ؟!!!
ابتسمت عبير وهى تنظر إلى الدفتر وعزه تشير لها على المكان المخصص لتوقيعها وابتسمت أكثر عندما وجدت توقيع بلال وكأنها تراه هو شخصياً وليس توقيعه فقط ..شعرت باضطراب وبخفقان شديد فى نبضها وهى توقع بجانبه ..وساد الصمت حتى أنها شعرت أن الجميع يسمع صوت نبضاتها المتلاحقة تتسارع أيهما ينبض أولاً ...أخذت عزه الدفتر مرة أخرى بعد ان قبلت اختها مهنئةً لها ومباركة لزواجها وسط زغاريد النساء المتعاليه وعادت سريعاً لتلقى نظرة أخرى وهى ترد الدفتر لابيها ولكنها لم تجده مقعده فارغاً بحثت بعينيها سريعاً فى الغرفة فلم تجده...أنتهت الاجراءات بمباركة الجميع وعناق فارس ل بلال فى سعادة كبيرة ..
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى خير...
عادت عزه أدراجها فلم تجده خارج الغرفه فالمكان مزدحم قليلا ظلت تبحث عنه وهى تتجنب الصدام بالرجال حتى خرجت خارج الشقة ألقت نظرة سريعة على السلم فلم تجده وقبل أن تلتفت لتعود سمعته يقول :
- بتدورى على حد !؟
شهقت وهى تضع يدها على صدرها وألتفتت إليه سريعاً قائلة:
- فزعتنى
عقد ذراعيه أمام صدره وقال بجدية:
- سلامتك
أطرقت للاسفل ثم قالت متوترة:
- سامحتنى ولا لسه
- أنتى شايفه ايه ؟
- أنت لسه مش على طبيعتك معايا
أطل عمرو براسه داخل الشقه ثم عاد كما كان وهو يقول :
- طيب مش وقته الكلام ده ..بعدين نبقى نتكلم تلاقيهم بيدوروا عليا ..كاد ان يدخل ويتركها ولكنه أستدار إليها مرة اخرى وأشار إلى وجهها قائلا:
- مش عاوزك تحطى مكياج قدام الناس تانى
وضعت يدها على وجهها بتلقائية على اثر كلماته وقالت بسرعه:
- انت عارف انى مبحطش مكياج بس علشان النهارده فرح عبير وبعدين الرجاله بعيد عن الستات
أومأ براسه وهو يقول متهكماً:
- اه صح.. يعنى مدخلتيش عند الرجاله مرتين ومخرجتيش دلوقتى بره الشقه مش كده
قالت منفعلة مدافعةً عن نفسها:
- انا خرجت ادور عليك
لاحت ابتسامة صغيرة على جانبى ثغره ولكنه اخفاها سريعاً وقال بجديه :
- عموما يعنى انا ماليش حكم عليكى ... براحتك
قال كلمته ودلف للداخل كادت أن تمسك بذراعه لتوقفه ولكن يدها توقفت فى الهواء ..زفرت بضيق فلم تستطيع استخراج ما بداخله وتركها فى حيرة وكادت ان تظن انه نسيها تماماً لولا أخر كلمه قالها وتعليقه على زينة وجهها
تنهدت فى حيرة ودلفت للداخل دون النظر لأحد وقفت أمام مرآة الحمام وأزالة الالوان العالقة بشفتاها ووجنتها وعينيها وأعادة وجهها الى ما كان عليه فى صفاءه ونضارته الطبيعية
دخلت المراة وابنتها لا تبارك وأنما لتشمت ولتسخر شعرت بالحقد وهى ترى عبير فى أبهى صورها ..قبلتها ببرود وهى تبارك لها بكلمات خاويه غير صادقه ومن العجيب أن عبير كانت قد نسيتها تماماً ولم تتذكرها الا عندما سمعتها تسخر وهى تحادث أمها قائلة :
- والعريس بقى عدى الخمسين ولا لسه
كادت أم عبير أن ترد بعصبية ولكن أم بلال قاطعتها قائلة بزهو:
- ابنى الدكتور بلال لسه مكملش ال34 سنه
وأردفت أم عبير قائله بحده:
- وملتزم ويعرف ربنا
نظرت ابنتها إليها بحقد وهى تردد ...دكتور !!!!
ردت عبير قائلة :
- ده الدكتور اللى عالجنى لما وقعت على السلم ورجلى اتكسرت يا طنط
لا تعلم عبير لماذا قالت ذلك ولكنى أعتقد أنها فعلت ذلك بداعى أنثوى محض لا يعلمه ولم يختبره غير النساء ...
خرجت المرأة مقهورة هى وابنتها وبعد ان شاهدت بلال وسط الرجال زادت قوة سخطها وقهرتها وهى تراه بلحيته المنمقة التى زادته وسامة وجاذبية وضحكته المجلجلة بينهم التى تنم عن سعادته بهذه الزيجة المباركة ...
أنفض الجمع وخلا الحبيب بحبيبه ولكن هذه المرة بعيداً عن الاعين المراقبة ..أعدت أم عبير عشاءً فاخراً لزوج ابنتها وتركتهم وحدهم فى غرفة الصالون وتركت الباب مفتوحاً وأنضمت إلى زوجها فى غرفته بينما كانت عزه تنظف فى المطبخ اثار حفلة زواج أختها فى سعادة وحيرة من أمر عمرو
جلس بلال على المقعد الملاصق لها أمام مائدة الطعام وهو يتأملها فى حب ..كان يتوقع من نفسه غير ذلك فى تلك الليلة التى كان ينتظرها بشغف ولكنه وجد نفسه مرتبكأ أكثر منها ..أخذ يتفحصها فى سعادة كبيرة وفى صمت ايضاً ..قطعت هى ذلك الصمت ولكن بهمس وقالت بخجل:
- مش هتتعشى ؟؟
أنتبه من سُباته وقال بسرعه :
- اه هاكل طبعا ده انا واقع من الجوع
حاول أن يطعمها فى فمها ولكنه خجلت وأمتنعت فقال:
- ايه ده بقى عاوزه تحرمينى الاجر ولا ايه
ألتفت له متعجبةً وقالت:
- أجر أيه
أبتسم وهو يقول :
- متعرفيش حديث الرسول صل الله عليه وسلم : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك (...شفتى بقى يعنى اللقمه اللى هحطها فى بؤك هاخد عليها أجر عاوزه تحرمينى من الاجر ليه بقى
أبتسمت بخجل وهويمد يده و يضع قطعة صغيرة من اللحم فى فمها ولكن احمرار وجنتها طغى وبشدة
وكادت ان يغشى عليها حينما وضع أطراف أصابعه التى لامست شفتيها فى فمه وهو يتذوقها متلذذاً هو يتأملها قائلا:
- هى صوابعى طعمها أحلو كده ليه
أشفق عليها عندما راى تلون وجهها بعد عبارته فاراد تغير الحديث وقال بجديه :
- اسمعى بقى من هنا ورايح مفيش دلع لازم تخفى بسرعه عاوزين نخرج مع بعض ونفسى أوى افسحك ونتمشى مع بعض كده وأدينا فى ايد بعض زى الحبيبه ...
رأى ابتسامتها فتابع قائلا:
- خلاص اتفقنا من بكره ان شاء الله هنبدأ تمارين مكثفه
قالت عبير بصوت خفيض:
- بس هتكسف أجيلك المركز
رفع حاجبيه متعجباً وقال:
- وتيجى ليه ..أنا اللى هجيلك وهنعمل التمارين هنا ولو احتجتى للجهاز هبقى اخدك على هناك بنفسى
قالت بحياء وهى تضع خصلة شعرها خلف اذنها :
- هنا فى البيت ؟؟؟
مال إلى الامام وهو يتلمس خصلتها التى نامت على كتفها وقال هامساً:
- اه هنا فى البيت هو انتى مش مراتى ولا ايه
ثم جعل صوته أكثر عذوبة وهمساً وهو يقول:
- وبعدين كان فى تمارين مش عارفين نعملها قبل كده افتكر بقى دلوقتى هنعملها بسهوله
وقبل أن تجيب أعتدل فى جلسته وقال بشغف :
- مش أنا أمبارح قرأت شعر حلو أوى وحسيت أنه مكتوب علشانك أنتى قعدت أحفظ فيه طول الليل علشان أقولهولك النهارده
لم يتلقى منها أجابة إلا صمتها الخجول وعينيها الحييه فبدأ فى سرد ما حفظه من شعر يهديه لها بصوت عذب هامس ...

أحبــــك ... واحة هـــــــدأت عليها كــــل أحزاني

أحبـــــك ... نسمة تروي لصمت النــاس ألحانــي

و لو أنساكِ يا عمري ..... حنايا القلب تنسـاني

و لو خٌيِّرتٌ في وطن ..... لقلتٌ هواكِ أوطانـي

إذا ما ضعت في درب ..... ففي عينيكِ عنوانــي
...............


أخذت تنصت إليه وهى تشعر أن المكان غير المكان والزمان غير الزمان وكأن الغرفة الصغيرة تحولت لسحابة هادئة تمضى بهم فى رحلة غير مماثلة تمضى بهم إلى واحة هانئة ينفث الحب فيها عطره الفواح
---------
الفصل السادس عشر
----------

طرق عمرو باب حجرة المكتب الخاص بإلهام ودلف إليها مبتسماً أبتسامة روتينية بعد أن ألقى التحية ...اشارت له إلهام بالجلوس وهى تتأمله متفحصة وأرتسمت على شفتيها الابتسامة المعتادة التى تغزوها كلما رأته ثم قالت بنعومه:
- أيه يا بشمهندس يعنى محدش بيشوفك
لم يستطع أن يغالب المزاح بداخله فوجد نفسه قائلا:
- والله ..وفيها ايه لما يشوفنى يعنى
قطب جبينها وقالت بعدم فهم:
- هو مين ده !!
رفع حاجبيه وهو يقول:
- محدش
أبتسمت وهى تضيق عينيها قليلا ناظرة إليه وقالت:
- ايه ده وكمان دمك خفيف..
وخضعت بالقول وهى تردف:
- مش كفايه ذكى ووسيم وجذاب كمان دمك خفيف لاء كده مش هاستحمل
أبتلع عمرو ريقة وهو حانقاً على نفسه وعلى دعابته هل اصبحت الدعابه تسرى فى دمه لهذه الدرجه فلا يستطيع وضع احاديثه فى نصابها الصحيح ومع الشخص الصحيح .. رآها تنهض من مجلسها وتقف خلفه وقالت :
- عمرو.. انا عاوزه أتكلم معاك شويه بره الشغل ... أنت بيبقى وراك حاجه بالليل
قالت كلمتها الاخيرة هذه وهى تلامس خصلات شعره من الخلف مما جعله ينتفض واقفاً وبحث عن مخرج مناسب لا يتسبب قى أنهاء حياته العمليه من الشركة ولكنها لم تنتظره طويلا وأعتبرت صمته تفكير فى الامر فاقتربت أكثر لتحثه على الموافقه وتعده بما ليس له بل وليس من حقه بدنوها منه إلى هذه الدرجه حتى شعر بانفاسها من خلف أذنيه واشتم رائحة عطرها النفاذ تزكم أنفه رغماً عنه لتوقظ بعض مشاعره الدفينه وشعر بدفء جسدها بملامسة ظهره وسمعها تقول بهمس كالفحيح:
- أيه رأيك نتعشى سوا الليله
وفجأة فُتح الباب ودلف المهندس صلاح فى عجلة من أمره ولكنه توقف أمام ذلك المشهد ..عمرو واقفاً فى توتروإلهام تقف خلفه مقتربة منه بشده ..وقف جامداً ينظر إليهما ولكنها كانت فرصة سانحه وجدها عمرو للهروب بدون عواقب كما كان يفكر قبل دخول صلاح عليهما ..تنحنح وهو يتحرك فى اتجاه صلاح ووقف بجواره قائلا:
- طب أستأذن أنا علشان عندى شغل كتير
بمجرد أن خرج عمرو حتى قامت عاصفة إلهام الرعديه وظلت ترعد وتؤنب صلاح على دخوله بغير أذن وبغير ميعاد ...وضع صلاح الملف الذى كان يحتاج إلى توقيعها امامها على المكتب وأنصرف على الفور وتركها وسط حممها المتصاعدة وعاد لعمله .. فوجئ بوجود عمرو فى مكتبة ينتظره..ألقى عليه نظرة عتاب كبيرة وهو يجلس خلف مكتبة ويتابع عمله بصمت...وقف عمرو مدافعاًعن نفسه وقال:
متبصليش كده يا بشمهندس أنا والله ما عملت حاجه
رفع صلاح عينيه إليه قائلا:
- معملتش اه لكن سكت والانسان اللى يسكت على الغلط يبقى مشارك فيه ومينفعش بعد كده انه يلوم اللى هيطمع فيه بعد كده نتيجة سكوته وزى ما بيقولوا السكوت علامة الرضا
قال عمرو بأنفعال وهو يجلس :
- أنا مكنتش ساكت أنا كنت بدور على طريقة مناسبه أهرب بيها من الموقف
- الحكايه مش محتاجه تفكير يا عمرو أنت بتخاف على شغلك ومستقبلك أكتر ما بتخاف من ربنا . .. وأنا حذرتك كتير ونبهتك كتير بس أنت شكلك مش هتتعلم ببلاش ..اللى بيسيب الباب موارب يابنى مايزعلش لما يدخله منه شر بعد كده
خرج عمرو من مكتب المهندس صلاح يضيق بنفسه ذرعاً ولا يعلم لماذا يتهاون إلى هذا الحد هل كما قال صلاح فعلا هو يخاف على مستقبلة وعمله أكثر من خوفه من خالقه ...نفض الفكرة عن رأسه مستنكراً لها ولكنه لم يستطع أن ينفض تلك المشاعر التى عاشها والتى أستقيظت بداخله منذ لحظات فى مكتب إلهام فمازال يشتم عطرها النفاذ ومالزال يشعر بلمستها ...لم يستطع أن يغالب هذا الشعور الذى يجتاحه فخرج فورا من الشركة عائداً لمنزله تصارعه مشاعر شتى وبدلاً من أن يدخل منزله وجد نفسه يتوجه إلى بيت خطيبته قاصداً اياها ...
****************************************************

دخل والد عزه على زوجته وبناته المجتمعين فى غرفة عبير ينظر إليهم نظرات حائرة فقالت زوجته على الفور:
- خير يا حاج عمرو كان عاوزك ف أيه
نظر إلى عزه قائلا:
- عاوز يكتب الكتاب
تبادلت عزه النظرات مع والدتها التى قالت:
- وايه اللى طلعها فى دماغه فجأة كده مش كنا متفقين هنستنى شويه
قال زوجها موجهأً حديثه لأبنته متسائلاً:
- أنتى رايك ايه يا عزه يابنتى ..
قالت عزه وهى حائرة:
- مش عارفه يا بابا ...حضرتك رايك ايه ؟
- أنا يابنتى قولتله أحنا متفقين نستنى شويه لكن جوز أختك كان قاعد وسامع الكلام وقعد يقنع فيا أنى أوافق
تدخلت عبير قائلة:
- بيتهيالى يا بابا بلال معاه حق نتوكل على الله وأهو أحسن من الخطوبه اللى مالهاش لازمه دى لا بيعرفوا يتكلموا ولا يقعدوا مع بعض خالص زيه زى أى حد غريب
*******************
تم تحديد ميعاد عقد قران عزه وعمرو بعد أسبوع ليصبح فارس هو أخر من يتم عقد قرانه بينهم وفى هذه الفترة كان عمرو يتهرب من اى لقاء يجمعه بإلهام وكان المهندس صلاح يساعده على ذلك ويتصدر هو لاى عمل يتطلب وجود عمرو معها فى مكان واحد وجاء اليوم المنتظر وكان بسيطاً كالذى سبقه تماماً يجتمع فيه الاهل والاحبة والجيران فى منزل العروس ليتم عقد القران بينهم وبحضور الشاهدين فارس وبلال ويالها من مفارقة ...كانت فى يوم من الايام تتمناه زوجاً وها هو اليوم يشهد على عقد قرانها ويزيل عقدها بتوقيعه المميز ..
أجتمعت بعض النساء فى الداخل ينشدون لعزه الاناشيد بقيادة عبير التى كانت قد تحسنت كثيرا بفضل تمارين بلال المكثفه و< بضمير > كما كان يقول ويبدو أن ضميره هذا قد أنعكس على حالتها النفسية كثيراً فقد كانت تبدو كما لو كانت هى العروس وكأنها فى العشرين من ربيعها وهى تغرد بأناشيدها المحببة وتضرب بالدف فى سعادة وقوة وتتنقل بين النساء كالفراشة التى تتنقل بين الزهور فى بستان المودة والرحمه التى نهلت منه منذ أن أصبحت زوجة لـ بلال وحبيبة لقلبه الفياض ...
وأثناء انشغالها سمعت أمها تهمس فى اذنها ان زوجها يريدها فى الخارج ربما قد يكون الامر عاديا لولا أن والدتها أنبئتها أنه يبدو عليه الانزعاج وربما الغضب ..أرتدت ملابسها كاملة وخرجت تبحث عنه فاشارت لها والدتها أنه ينتظرها فى المطبخ ..دخلت بسرعة إلى مطبخها فوجدته فعلا قد بدا عليه الضيق الشديد ..فرفعت نقابها ونظرت إليه بقلق وقالت متسأله:
- مالك يا حبيبى فى ايه
نظر إليها بضيق وقطب جبينه وقال منفعلا:
- مش عارفه فى ايه ..أنتى فاكره نفسك بتنشدى فى الصحرا لوحدك ..صوتك واصل بره عندنا يا هانم
أصفر وجهها وشحب وأتسعت عيناها وهى تضع يديها على وجهها ثم قالت بأحراج:
- ينهار ابيض والله ما كنت واخده بالى ..ثم نظرت له معتذرة وقالت :
- أنا اسفه يا حبيبى بالله عليك متزعلش مني
هدأ قليلاً وهو عاقداً ذراعيه خلف ظهره وقال معاتباً:
- أبقى خدى بالك بعد كده ..ثم مد يده ومسح وجنتها بظهر أنامله وقال بحب:
- ما أنتى عارفه انا بغير عليكى أزاى يا حبيبتى حتى صوتك محبش أن راجل غيرى يسمعه
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت مداعبةً له:
- ده أنت أرهابى بقى
أمسك وجهها بين كفيه وأحتواها بعينيه ..ثم قال:
- لو ده الارهاب فأنا أرهابى أصيل... ثم قبل جبهتها وقال مردفاً:
- ولابس حزام ناسف كمان
أبتسمت فى سكون وهى تمسك بيديه التى تحيط بوجهها فقال :
- أخبار رجلك ايه
نظرت له بدهشه وقالت:
- كويسه الحمد لله بتسأل ليه
مط شفتيه وقال:
- انا بقول نعمل الفرح والدخله بقى علشان نكمل التمارين فى بيتنا براحتنا الواحد يا شيخه مش حاسس أنه بيشتغل بضمير فى العلاج
أزاحت يديه ووضعت يديها حول خصرها قائلة:
- كل ده وضميرك لسه مستريحش
ابتسم وهو يرمقها بنظراته المتفحصه:
- كل ده ايه ده انا حاسس انى مقصر.. يرضيكى يعنى ضميرى يعذبنى
قالت وهى تعيد النقاب على وجهها مرة أخرى :
- مقصر ..لاء خاليك مقصر الله يخليك وأفلتت من يده وعادة الى النساء مرة اخرى أكثر اشراقاُ وجاذبيه فهكذا هى الزهرة كلما لاقت حباً وأهتماماً وعنايةً كلما زادت اشراقاً وتألقاً وتفتحاً وعبيراً...تفيض على من حولها بشذاها
أنتهت حفلة عقد القران وأستأذن بلال والد عبير أن يخرجا سوياً وخرج معها من منزلها اصابعهما متشابكة كما كان يحلم دائماً وهى تقول :
- بلال أنا مكسوفه أمشى فى شارعنا وأحنا ماسكين ايد بعض كده
بلال :
- ليه يا حبيبتى هو انتى صاحبتى ده انتى مراتى
****************
دفعت عزه عمرو بعيدا عنها بهدوء وقالت بارتباك :
- ايه يا عمرو ده مينفعش كده على فكره
نظر إليها بضيق وقال متبرماً:
- ايه يا عزه أنا جوزك دلوقتى
- يا عمرو دى اول مره نقعد فيها مع بعض ارجوك تراعى الحكايه دى
أسند مرفقيه على مائدة الطعام امامه وقال معتذرا :
- حاضر هراعى بس انتى كمان راعى أنى بحبك وأنى شاب زى كل الشباب وطول عمرى بشوف بنات وشباب وعلاقتهم مفتوحه كأنها مراته فى كل حته بمشى فيها فى البلد ورغم كده عمرى ما عملت زيهم عارفه ليه ..وقبل أن تجيب قال :
- علشان بحبك وعمرى ما حبيت أنى ارتبط بواحده غيرك لا فى حلال ولا فى حرام مينفعش بقى تيجى بعد كل ده وتقوليلى مينفعش يا عمرو
كادت عزه ان تبكى وهى تشعر بضغطه عليها بكلماته وأستعجاله للأمور بهذا الالحاح المتواصل ومحاولاته المستمره
*************
سار بلال بجوار عبير بمحاذاة كورنيش النيل متعانقة ايديهما متشابكة اصابعهما نظر لها ليرى بعض علامات الضيق والاضطراب ظاهرة بوضوح فى عينيها فقال:
- مالك يا حبيبتى ايه اللى مضايقك
- مش شايف المناظر يا بلال هى البنات دى مش مكسوفه وهى واقفه بالشكل ده طب مش خايفين من اهاليهم
...بلاش اهاليهم مش خايفين من ربنا طيب
هز راسه باسى وكأن حديثها اثار شجونه وقال:
يعنى انتى من مره واحده وقلتى كده وأضايقتى من المناظر اومال أنا أعمل ايه اللى على مدار حياتى شفت اضعاف اضعاف المناظر دى ده غير الاشكال اللى كنت بقابلها فى شغلى ايام ما كنت بشتغل فى مركز كبير بعد تخرجى وكان بيورد علينا رجاله وستات والحاجات اللى كانت بتتعرض عليا ساعتها ورغم كده الواحد كان بيستحمل وبيصبر وبيغض بصره عن الحرام
قالت عبير بحنان:
- وكنت بتقدر تستحمل كده ده ازاى يا حبيبى
- علشان ربنا يا عبير ...كنت بصبر وبصوم كتير وبخرج طاقتى فى شغلى وفى المشى والرياضة والحمد لله ربنا عصمنى
ثم نظر لها وقال بحب:
- مش كده وبس ..ده كمان كافأنى ورزقنى بزوجه صالحه زيك
ابتسمت رغم الشجن الذى لمسته من كلماته وحاولت تخفيف ما أستعاده من ذكريات قد تضيق بها نفسه وقالت بمرح :
- بس ايه يا عم الكاجوال الخطير ده الناس يقولوا ايه شيخ ولابس كاجوال
نظر إلى ملابسه وقال بزهو مصطنع:
- لا وكله كوم والتيشرت الفظيع ده كوم لوحده
ضحك كلاهما وهم يسيرو عكس أتجاه الطريق ليعودا أدراجهما إلى منازلهم وتركوا خلفهم شباب متسكعه وبنات متخبطة فى شهوات الدنيا وملذات الحياه متسلقين زورقا للحب يتخبط بهم فى بحار عالية الامواج بعيدة القاع ذات اليمين وذات الشمال فهل يُأمل لهم النجاة وقد بعُد المرسى ...........
*******************
أستطاعت دنيا أن تتكيف على عالمها الجديد فلا تدخل ولا تخرج الا بصحبة والدتها وقد اشرفت والدتها بنفسها على شراء ملابسها الجديده فأختارت لها كل ما هو طويل وغير مكشوف وتغيرت طريقة لبس دنيا بالكامل مما جعل فارس يشعر انهما على بداية الطريق الصحيح وأنها من الممكن أن تتغير فعلا وأنه أحسن الاختيار ...ولكنه لم يعرف أنها كانت تجاريهم فقط لتمر الازمة على خير وفى كل الحالات هى تحب فارس ولا باس عندها من الزواج به ..
حاولت والدة فارس أن تجعل حفل كتب الكتاب فى منزلها نظرا لظروف وفاة والدها ولكن والدتها أصرت أن تسير الامور بشكل طبيعى وأن يتم كتب الكتاب فى بيتها للأشهار فى منطقة سكنها ...
حضر عقد القران كل من عمرو وبلال وعبير وعزة ورغم المحاولات الكثيرة التى قام بها فارس لأصطحاب مُهرة معهم ولكنها رفضت بشدة بل وتصنعت المرض لكى لا تذهب معهم ...
بعد كتب الكتاب أصرتا عزه وعبير على المغادرة فى سرعه فلقد كانت دنيا تتعامل معهم ببرود وبابتسامه خاويه من اى ترحيب مما جعلهن يشعرن بالوحدة فى بيتها وطلبا المغادرة بعد تهنئتها بالزواج بصحبة والدة فارس ...غادر الجميع وتركت والدة دنيا لفارس المجال أن يجلس مع دنيا قليلا على أنفراد بعد ان اصبحت زوجته قبل أن ينصرف هو الاخر بعد أن طبع قبلة رقيقة على وجنتها مودعاً أياها
ومرت الشهور تلو الشهور وسنة يعقبها سنه تتسابق وتتلاحق وكأنها فأر يقرض فى عمر الزمن فى سرعة وخفة لا يشعر بها أحد وماهى الا أعمار تنتهى وأعمار تبدأ وحياة تنتهى وحياة تولد والفائز هو من استغل عمره فى حسن عمله ...
كان فارس قد حصل على الماجيستير وبدأ فى رسالة الدكتوراه فى همة عالية
ورزق بلال من عبير باربع توائم دفعة واحدة وكأن الله سبحانه وتعالى قد صرف لها الاقدار ومنحها دفعة واحدة جوائزه وعطاياه كما لو كانت تزوجت منذ سنوات وهذه هى البركة التى لا يعلم عنها الكثير فى هذا الزمن
وحاول عمرو اقناع والد عزه بأن يتم الزواج فى شقة والده ولكن والدها رفض نظراً لان لديه أخ صغير وهو محمود والذى كان قد أنهى الثانويه وألتحق بالجامعة هو ويحيى صديقة فكيف ستعيش عزه مع محمود فى منزل واحد فبائت المحاوله بالفشل وبدأ عمرو فى البحث عن شقة ايجار فى مكان قريب منهم
وبدأت مُهرة فى مرحله جديدة وهى مرحلة المراهقه بعد أن أصبحت فى الصف الثانى الثانوى..ولكنها ظلت البنت العنيدة التى لا تستسلم بسهوله ولا تصمت على شىء تراه خطأ من وجهة نظرها وكانت تحاكى افعال فارس فى كل شىء بل وتتحدث مثله وتستمع إليه وتدون النقاط المهمة فى حديثه تحفظها عن ظهر قلب حتى أن الجميع كان يلقبها بالفارس الصغير .... كانت أنوثتها قد لاحت فى الافاق ولكن فارس لم يراها يوماً إلا طفلته الصغيرة العنيدة التى يفخر بها وبصدعها للحق دائما فى وجه المخطا لا تخاف لومة لائم
-----
يُتبع

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب