عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 02-22-2018, 04:32 PM
 
[align=center][tabletext="width:100%;background-image:url('https://f.top4top.net/p_772ibz7i5.png');"][cell="filter:;"][align=center]
الفصل الثالث عشر
-------------------



كانت عزة تجلس بجوار أختها عبير صباحاً وهى تساعدها فى أرتداء أسدال الصلاة فسمعت صوت رنين الهاتف فقالت عبير:
- روحى شوفى مين يا عزة خلاص هلف الطرحه واصلى
تركتها عزة وأتجهت للهاتف بعد أن ربتت على كتفها وأجابت على المتصل:
- السلام عليكم
أبتسم عمرو بتلقائيه وهو يقول:
- وعليكم السلام ..هى النمره غلط ولا ايه
قالت عزة باستغراب:
- لا يا عمرو النمره مش غلط انا عزة
أتسعت ابتسامته أكثر وأخفض صوته وهو يضع اصابعه على سماعة الهاتف قائلا :
- لما رديتى عليا وسمعت صوتك افتكرت انى أتصلت بمحل العصافير
أنتبهت عزة أنه يداعبها فلم تستطع أن تمنع نفسها من الابتسام ولكنها قالت بنرة جديه:
- خير يا عمرو فى حاجه
زفر عمرو بقوة شعرت بها عزة على الطرف الاخر وقال:
- أه فى طبعا أومال بتصل علشان أقولك وحشتينى مثلا لا يا ماما ده بُعدك
أحمرت وجنتها وقالت بنبرة اكثر جديه:
- لو سمحت يا عمرو قول عاوز ايه والا هنادى ماما تكلمك هى بقى
قال بسرعه :
- لالالا على ايه يا ستى ..بصى احنا الحمد لله لقينا دكتور علاج طبيعى كويس أوى ومحترم جدا ومتدين وعلى فكره هو مش بيتعامل مع ستات بس لما فارس قاله ان عبير مش عاوزه تروح لدكتور والكلام ده .. وافق طبعا بس عاوز والدك يروح معاها
قالت عزة بتلقائيه وبدون تفكير:
- معرفتك ولا معرفة فارس ؟
تغير صوت عمرو وقال بضيق:
- هتفرق معاكى مش كده ..؟؟
شعرت بالارتباك وندمت على كلمتها ولكنها قالت بتماسك :
- لا مش قصدى ..قصدى يعنى اصلك بتقول متدين و...محتــ....قاطعها بغضب وغيرة واضحه:
- وأنا معرفش حد متدين ومحترم لكن فارس يعرف مش كده مش ده قصدك ؟
..حاولت ان تتكلم ولكنه قاطعها مرة أخرى قائلا:
- عموما هكلم والدك لما أرجع من الشغل وأديله التفاصيل والعنوان..سلام
أنهى عمرو المكالمه فى عصبية ومسح رأسه بعنف ..حاول أن يعود إلى عمله أمسك القلم وشرع فى اعادة الرسم الذى بين يديه ولكن افكاره جميعها تشتت وغلب عليها عدم التركيز فترك القلم مرة أخرى ووضع راسه بين يديه وأغمض عينيه وأستسلم لشيطانه الذى أخذ يوسوس له ويؤكد له الفكره التى زرعتها هى بكلمتها تلك ..
تناول القلم مرة أخرى ودون عنوان الدكتور بلال عليه ..وضع الورقه فى جيبه وغادر المكتب وأتجه إلى المهندس صلاح قائلا بضيق:
- لو سمحت يا بشمهندس ممكن استأذن دلوقتى أنا اصلى مرهق شويه ومش عارف اركز خالص ومحتاج ارتاح
نهض صلاح وهو يتامله ويتأمل علامات التوتر والعصبية البادية على وجهه بوضوح ثم ربت على ذراعه قائلا:
- مالك يا بشمهندس تعبان ولا حد ضايقك
- ابدا يا بشمهندس مرهق شويه بس وعموما لو فى مشكله ممكن أستنى
ابتسم له صلاح بحنو وقال:
- لا يابنى مفيش حاجه وعموما مبقاش فاضل الا ساعه يعنى مش هتفرق يلا انت أتوكل على الله روح استريح
أبتسم له عمرو أبتسامه خاويه باهته وغادر وهو يحاول السيطرة على أعصابه ولكنه لم يستطع
وصل إلى منزل عزة وصعد بسرعه ... طرق الباب وأنتظر بعيدا حتى فتحت والدتها الباب وقالت بترحاب لا يخلو من الدهشه:
- اهلا يا بشمهندس ..أتفضل يابنى
أخرج عمرو الورقه من جيبه ومد يده بها إليها وهو يقول:
- معلش يا طنط وقت تانى ان شاء الله ..ده عنوان دكتور علاج طبيعى كويس صاحب فارس مش صاحبى ..فارس كلمه على حالة الآنسه عبير وهو مرحب بيها فى أى وقت بس لازم يكون والدها معاها..والاشعه كلها ..مدت يدها لتأخذها وهى تقول:
- يابنى تعالى مينفعش على السلم كده
قال وهو يتجه للسلم مسرعاً:
- معلش اصلى مستعجل شويه ..سلام عليكم
عادت والدة عزة للداخل وهى تنظر امامها متعجبه وتقول:
- سبحان الله ...!!
خرج زوجها من غرفة نومه بعد أن انهى صلاته وقال وهو ينظر إليها:
- مين يا ام عبير
قالت زوجته وهى تنظر لعزة الجالسه أمام التلفاز شاردة :
- ده عمرو يا حاج
أنتبهت عزة وألتفتت إليها وقال والدها متعجباً:
- ومدخلش ليه ؟
نظرت الام الى عزة مرة اخرى باستفهام وقالت:
- مش عارفه يا حاج شكله كده مضايق من حاجه ..وأعطته الورقه وهى تقول:
- كان جايب عنوان دكتور علاج طبيعى لعبير وبيقولى انه صاحب فارس مش صاحبه هو
أخترقت الكلمه أذن عزة وشعرت ان الدماء ستنفجر من رأسها وقالت بداخلها وهى واجمة:
- يارب ميكنش أفتكر حاجه كده ولا كده ..لا .. بس طالما زعل وعمل كده يبقى أكيد أفتكر أن فى حاجه ..يارب استر يارب
هتفت عبير مستنكره:
- أنا مش هروح يا بابا مش هروح لدكتور راجل ابدا..
نظر لها والدها بحده لم تعتدها منه وقال:
- هتروحى يا عبير يعنى هتروحى ..ولا عاوزه يحصلك زى ما الدكتور اللى فكلك الجبس ما قال ..عاوز يحصلك ضمور ومتتحركيش تانى
شعرت بالعبرات تقتحم مجال رؤيتها لتعيقها عنه وهى تقول:
- يا بابا حضرتك عارف يعنى ايه علاج طبيعى ..يعنى ممكن يقول تدليلك وكلام فاضى يرضيك يعنى يا بابا واحد يقعد يدلك رجلى
تدخلت عزة وقالت بخفوت وكأنها تخشى أن يخرج صوتها من حلقها قائله بأرتباك:
- عمرو لما أتصل قال انه متدين ومحترم ومش بيتعامل مع ستات اصلا لكن لما ..وشعرت بغصه وهى تقول على مضض ..لما فارس قاله أنك مش عاوز تروحلى لدكتور راجل وان احنا مش لاقين دكتور مضمون نعرفه وافق بصعوبه
نهض والدها وقال موجهأً حديثه لعبير :
- جهزى نفسك هنروح بكره على طول
وقبل أن تتكلم قال آمراً:
- ومش عاوز كلمه زياده
****************************************
دخلت عبير مركز العلاج الطبيعى وهى تستند لذراعى والدها ووالدتها نظرت إلى الآفتة التى تحمل أسم المركز واسم الطبيب المعالج شعرت بالدهشة وهى تقرأ أسمه ...الدكتور بلال ..جلست تنتظر دورها بجوارهما فى قلق ..المكان حولهم ملىء بالرجال لا يوجد امرأة واحده فى المركز شعرت بألم فى معدتها وحاولت أن تذكر الله مراراً حتى تهدأ ..نهض والدها وتحدث الى الممرض ثم عاد وجلس بجوارهما مره اخرى ومال عليهما قائلا:
- خلاص قدامنا حالتين بس الحمد لله
همست عبير مستنجدة به:
- بابا انا عاوزه اروح البيت
نظر لها محذرا وقال:
- عبير ايه شغل العيال ده اصبرى بقى خلاص قربنا ندخل أهو
وأخيرا جاء دورها فى الدخول له ..ولم تكن تطأ إلى غرفته حتى أتسعت عيناها دهشة وهى تنظر إلى بلال ولحيته وسمته الظاهر ولكنها غضت بصرها سريعاً عنه وسمعت والدها يلقى السلام وسمعته يرد عليه السلام بود وأحترام ..ثم هب بلال واقفاً ووضع مقعد الكشف فى وضع مريح لها وابتعد حتى تجلس بأريحية وعاد ليجلس خلف مكتبه مره اخرى
جلس والداها على المقعدين المقابلين امام مكتبه وهو ينظر إلى الاشعه بأمعان وتأمل دقيق.. ثم رفع راسه بابتسامه عذبة وبشاشة قائلا:
- ماشاء الله نتيجة الاشعه ممتازة ..باذن الله كده الموضوع مش صعب خالص على فكره ...متقلقوش يا جماعه خير إن شاء الله
قالت والدتها وقد لانت تعابير وجهها قليلا:
- ان شاء الله .. تسلم يا دكتور والله أنت وشك فيه القبول
أردف زوجها بسرعه :
- اه والله يا حاجه معاكى حق
ابتسم بلال وهو ينظر للزوج قائلا:
- جزاكم الله خيرا والله ده من ذوقكم بس ..تناول أحد الملفات الفارغه وهو يقول:
- انا هعملها ملف بحالتها فى الاول كده علشان نبقى متابعين التطورات اول بأول
لمعت عينيه بنظرة ذات مغزى وهو يدون البيانات .. تظاهر بالاستغراق فى كتابة البيانات ووالدها يمليه اسمها والعنوان ورقم التليفون وتوقف فجأه عن الكتابه وسأل بشىء من الامبالاة قائلا:
- أكتب آنسه عبير ولا مدام عبير
قالت والدتها سريعاً:
-آنسه عبير يا دكتور
دون بلال البيانات فقال والدها:
- هو العلاج الطبيعى ده بيبقى ازاى ..معلش يا دكتور اصلها بصراحه قلقانه أوى ومكنتش عاوزه تيجى علشان يعنى مش عاوزه حد يشوفها
قال بلال وهو ينهض ويتجه إليها قائلا:
- متقلقش يا حاج وتناول مقعد صغير ووضعه بجوار مقعد الكشف الذى تجلس عليه عبير وما أن جلس عليه امامها مباشرة وما أن شعرت عبير باقترابه حتى هتفت فجأه:
- مش هكشف ..مش هكشف انا عاوزه امشى ..روحنى يا بابا
هب والدها واقفاً واقترب منها يهدأها بينما قال بلال له:
- لو سمحت يا حاج استنى حضرتك شويه ..عاوز أتكلم مع الآنسه عبير
أومأ والدها براسه موافقاً له فأستند بلال بمرفقيه على قدميه وقال لها دون أن ينظر إليها:
- آنسه عبير لو سمحتى أهدى علشان أعرف افهمك طبيعة العلاج ...غشيت الدموع عينيها ولم ترد .. شعر بالشفقة تجاهها وهو يرى دموعها تنساب من عينيها لتبلل غطاء وجهها وقالت بصوت متقطع:
- أنا عندى أموت ومفيش راجل يلمسنى
قال بجديه :
- يعنى أنتى عمرك ما روحتى لدكتور خالص ؟
قالت بأنفعال الحمد لله عمرى ما تعبت الا ولقيت دكتوره ست إلا المره دى
قال مختبراً :
- اه بس ليه تتكسفى من الدكتور ده شغله يعنى مش أى راجل كده وخلاص
قالت بصوت متقطع من اثر البكاء:
- السيده عائشه كانت بتشد ملابسها عليها وهى داخله الحجره اللى ادفن فيها الرسول عليه الصلاة والسلام علشان عمر بن الخطاب كان مدفون جنبه.. يعنى كانت بتستحى من واحد ميت حضرتك بقى مش عاوزنى استحى من راجل عايش لمجرد أنه دكتور
أطرق بلال براسه ولاحت أبتسامة رضا على شفتيه ثم قال بصوته العذب مطمئناً:
- وانتى حالتك اصلا مش محتاجه كشف يعنى أنا مكنتش هكشف عليكى اصلا
.. زى ما قلتلك حالتك واضحه من الاشعه جدا وكويسه اوى وأحب أطمنك العلاج الطبيعى مش هيطول ومش هيحتاج ان راجل يلمسك ...ممكن تهدى بقى علشان نعرف نتفاهم ..
هدأت عبير قليلا وتبادل والدها ووالدتها النظرات القلقه من المرحله القادمه ...نهض بلال واقفاً وأبعد مقعده قليلا وقال بحزم:
- قومى اقفى لو سمحتى
نظرت إلى والدها الذى كان يقف بجوارها ومدت يدها له ليساعدها ولكن بلال أوقفها قائلا:
- لالالا محدش هيساعدك انتى هتقفى لوحدك
حاولت عبير النهوض وأخيرا نهضت بصعوبه وهى تتألم فقال بأبتسامه :
- ماشاء الله مكنتش متوقع تجيبيها لوحدها فى الاول كده ..ثم اشار إلى أحد الاجهزة بعيدا وقال:
- شايفه الجهاز ده روحى اقعدى على الكرسى اللى جانبه....كانت تمشى بصعوبه بالغه وهى تكتم آلامها بداخلها وأخيرا وصلت اليه وجلست بصعوبة وحدها أقترب منها وضغط أحد أزرار الجهاز وهو يقول:
- ده جهاز ممتاز اوى لحالتك ..يالا أرفعى رجلك وحطيها هنا تحت النور ده بالظبط ..فعلت كما أمرها ثم قالت بتوتر:
- على فكره لو هتقولى تدليك مش هعمله
أبتسم وهو يتجه لمكتبه وقال:
- تدليك ايه بس ده موضه قديمه فى العلاج
جلس خلف مكتبه وهو يكتب فى ملفها ميعاد أول الجلسات فقال والدها:
- هو العلاج ده هياخد كام جلسه يا دكتور
بلال :
- السؤال ده لسه شويه عليه يا حاج...الجلسه دى هتبقى بالاشعه بس ومن الجلسه الجايه ان شاء الله هنبدأ التمرينات ألقى نظر سريعه على عبير ثم تابع حديثه قائلا:
- يعنى لازم الآنسه عبير تشد حيلها معانا بقى علشان تخلص بسرعه وترجع زى الاول بأذن الله وأحسن ..متستعجلش وأطمئن مش هيطول ان شاء الله
**********************************************
خرجت والدة دنيا من غرفتها ليلا وهى فى طريقها إلى الحمام مروراً بغرفة ابنتها سمعت صوت يشبه الهمس آتى من الداخل .. نظرت للباب بأنتباه ودهشه واقتربت ببطء ووضعت أذنها عليه لتستمع لما يدور بالداخل ..خفق قلبها وهى تستمع لابنتها تقول بتوتر :
- لا يا استاذ باسم مينفعش كده حضرتك كده زودتها أوى ..أنا قلتلك كتير قبل كتير أنى محبش الكلام ده....وبعدين انا كل ما احاول أفاتحه فى الموضوع بتراجع ..أنا متأكده أن فارس مش هيوافق وهيعملى مشاكل كتير.. إذا كنت متجرأتش أقوله على حكاية الموبايل دى لحد دلوقتى
وقفت الام تفكر ماذا تفعل :
- هل تدخل تسألها ماذا يحدث أم تتركها للصباح ..ترددت قليلا ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها حينما سمعتها تقول:
- لا يا أستاذ باسم انا عمرى ما أرضى أبقى زوجة تانية ابدا وكمان عرفى ليه يعنى أعمل فى نفسى كده ليه
فتحت أمها الباب فجأة فوقع الهاتف من يدها وهى تنظر إليها بخوف .. أقتربت منها أمها وقالت بسخط:
- مين باسم ده يا دنيا
ارتبكت دنيا وتلعثمت وهى تقول :
- فى ايه يا ماما مالك كده
أقتربت أمها منها أكثر وتناولت الهاتف قائلة بغضب:
- انا مش هلوم عليكى أنا اللى معرفتش أربيكى من الاول ..وأخذت الهاتف معها وخرجت من غرفة دنيا ..دخلت غرفتها وأطمئنت ان زوجها نائماً نظرت للهاتف بحيرة ممزوجه بالغضب ثم وضعته فى خزانة ملابسها الخاصه وأحكمت غلقه بالمفتاح الخاص به وجلست على طرف الفراش بجوار زوجها الذى قد سكن جسده بجوارها...
جلست دنيا منكمشة فى فراشها تفكر فى رد فعل والدتها وماذا ستفعل بها ولم تمضى الساعه حتى دخلت عليها والدتها مرة اخرى ولكنها كانت فى حالة أنهيار شديد ودموعها تملىء وجهها وهى تصرخ بها :
- ابوكى مات يا دنيا..ابوكى مات
*************************************
وقف فارس أمام باب شقة دنيا يأخذ عزاء والدها بجوار خالها ودنيا ووالدتها تجلس مع النساء فى الداخل ..أنتهى العزاء وغادر المعزيين وجلس فارس أمامه لا يدرى ما يقول الموقف فى منتهى الصعوبه لا يحتمل اى كلمات ...فهو يرى دنيا تدفن راسها بين أيديها وتذرف العبرات من عينيها ووالدتها تجلس فى حزن وكأنها قد زاد عمرها أضعافاًً وأنحنى ظهرها وكأنه يستعد لحمل المسؤلية من بعد والدها وعينيها شاردة وملامحها واجمة تستمع الى كلمات المواساة من أخيها وعمة دنيا وأبنائهم ولا يظهر عليها اى رد فعل تجاهها ..رفعت رأسها ببطء ونظرت إلى فارس نظرة طويلة أنهدش لها فارس قليلا ولكنه تعجب أكثر حينما نهضت بوهن وقالت وهى تشير له:
- من فضلك عاوزاك لحظه يا فارس يابنى
أبتعدت قليلا عن الجالسين معهم وتبعها هو فى صمت ثم ألفتت إليه بجسدها كله ونظرت إليه بشرود وهى تقول:
- أنا يابنى عاوزه منك خدمه وعارفه أنك مش هترفضلى طلب
ثم اردفت فى حزن:
- انا عارفة أن الكلام ده مش وقته ولا مكانه ومش عاوزاك تستغرب ..نظر إليها بأهتمام فتابعت برجاء:
- أنا عاوزاك تكتب كتابك على دنيا فى اقرب وقت
*************************************
نظرت له والدته بدهشة وهتفت :
- بتقول ايه ..ازاى أمها تطلب طلب زى ده يابنى وجوزها لسه مدفون
قال فارس بحيرة كبيرة:
- مش عارف يا ماما .. بتقول أنها خايفه على دنيا وخصوصا انها قرايبهم طول عمرهم بعيد عنهم يعنى لو حصلها حاجه دنيا هتبقى لوحدها
نظرت له والدته بتمعن وقالت بشك:
- مش عارفه يابنى مش مطمنه للموضوع ده ...طب كانت تستنى للاربعين حتى
ابتسم فارس وهو يقول :
اربعين ايه بس يا ماما ..مفيش حاجه فى السنة الصحيحه اسمها اربعين وخميس وسنويه كل ده بدع
أتسعت عيناها وهى تقول:
- ازاى يابنى لا فى طبعا ...طب حتى اسأل صاحبك الشيخ بلال
ابتسم فارس مرة أخرى وهو يربط على يد أمه بحنان ويقول:
أنتى تعرفى يا ماما الناس جابت حكاية الاربعين دى منين...؟؟
- منين يابنى ؟

- زمان الفراعنه كانوا بيقعدوا يحنطوا الميتين بتوعهم اربعين يوم وفى اليوم الاربعين بيقفلوا عليه وبيفتكروا أن روحه رجعتلوا تانى ودخلت جسمه وهو قام بقى ولبس الدهب بتاعه وكل الاكل اللى سابينه جانبه اصلا وبعدين بقى روحه تلف على حبايبه واهله فلازم يشوف عزا وحداد والا هيغضب عليهم ويتحول لروح شريرة
قال فارس كلمته الاخيرة وضحك بشدة وهو يقول:
- كويس أن مُهرة مش موجوده وتابع ضحكاته الخافته وهو يردف :
والحكايه بقى دخلت بعد كده فى خرافات والناس نقلوها لبعض جيل ورا جيل لحد ما بقت حاجه عاديه ...وميعرفوش أن اصلها كفر والعياذ بالله لان أحنا كمسلمين دينا بيقول أن الميت بيقوم فى القبر يتحاسب على عمله فى الدنيا مش بيقوم يلبس دهب وياكل ويشرب وروحه تخرج تتفسح شويه
مطت والدته شفتاها وقالت باستغراب:
- والله يابنى ما كنت أعرف بس كويس أنك نبهتنى وعموما يعنى دور كلام أمها فى دماغك كويس وأستخير ربنا
نهض فارس بارهاق وهو يقول:
- حاضر يا ماما ..انا كده ولا كده مستنى رد دنيا لانها لسه متعرفش .. أمها قالتلى أنها لسه مفتحتهاش فى الموضوع
*******************************************
وضعت عزة سماعة الهاتف فى يأس ونظرات الحزن تطل من عينيها وتفصح عن نفسها ..جلست والدتها بجوارها وهى تقول :
- مش عاوز يكلمك ليه؟؟
ألتفتت عزة لها متعجبةً وقالت بسرعه:
- هو مين ده يا ماما
- خطيبك
- مين اللى قالك كده يا ماما ده انا لسه كنت ...كنت بكلمه أهو
أمسكتها أمها كتفها ونظرت لعينيها قائله:
- ماهو لو مقولتيش هروح أقول لبوكى وهو بقى يقررك بمعرفته
قالت والدتها هذه الكلمه وهمت بأن تنصرف ولكن عزة أمسكتها من يدها وأنحنت تقبل كفها قائلة برجاء:
- لا يا ماما الله يخليكى بلاش تدخلى بابا فى الحكايه
أعتدلت أمها فى جلستها وهى تقول:
- قولى يا عزة ايه اللى حصل بينكوا ..أصلا اللى جه يدينى العنوان ده مش عمرو اللى احنا نعرفه ده كأنه واحد تانى وانا متأكده أنك عملتى مصيبه
أطرقت عزة برأسها وقالت بخفوت:
- بصراحه يا ماما أنا شكلى ضايقته جامد بس والله ما كنت اقصد ومش عارفه هو فهم ايه
- أحكى خلصى
روت لها عزة ما حدث وما قالت فى المكالمة الهاتفية التى كانت بينها وبين عمرو ..نظرت لها أمها بضيق وقالت بغضب:
- أنتى يابت غبية ولا مبتفهميش وضربت على قدمها بأنفعال وهى تقول:
- والله أعلم بقى فهم ايه دلوقتى ويمكن يروح يقول لأمه على كلامك وأمه تيجى تتكلم هنا وتبقى مشكله..
قالت عزة متبرمة:
- هتقول ايه يعنى وبعدين هو اللى فهم غلط
قالت أمها بعصبيه:
- لاء مفهمش غلط يا عاقله يا كامله أى عيل صغير يفهم أنك بتبصى لفارس نظرة غير اللى بتبصيها لخطيبك يا فالحه.. ويارب يكون فهم كده وبس والشيطان ميكونش لعب بعقله وفهمه حاجه تانيه
هبت واقفة وأمسكتها من يدها بقوة وهى تقول آمره:
- أتفضلى روحى ألبسى علشان نعملهم زياره ونشوف ميتهم ايه يلا بسرعه..واسمعى متجبيش سيرة عن حاجه قدام امه أتعاملى عادى كان مفيش حاجه
************************************
رحبت والدة عمرو بعزة ووالدتها وعانقتهما بحرارة مما جعل والدة عزة تطمئن ان عمرو لم يتكلم معها فى شىء ..نهضت والدته وهى تقول بترحاب شديد:
- ثوانى هعمل الشاى وأشوف عمرو صاحى ولا نايم لسه
تبادلت عزة النظرات مع والدتها التى همست لها:
- كده يبقى مقالش حاجه لأمه اصل أنا عارفاها اللى فى قلبها على لسانها مبتعرفش تخبى
خرج عمرو من غرفته فوقع نظره على عزة ووالدتها تجلس بجوارها حاول رسم ابتسامة على شفتيه وهو يقول:
- اهلا وسهلا أزى حضرتك يا طنط ثم قال بسرعه وكانه يجبر نفسه للحديث معها قائلا:
- ازيك يا عزة
أبتسمت والدتها وهى تقول له :
- أزيك أنت يا حبيبى أخبار شغلك ايه
جلس دون أن ينظر إليهما وهو يقول:
- الحمد لله تمام
لكزتها أمها فى يدها لتتكلم معه ونظرت لها بحدة فقالت عزة على الفور بصوت ضعيف:
- أزيك يا عمرو
هب واقفاً وهو يقول بجفاء:
- الحمد لله .. طب عن اذنكم بقى علشان عندى مشوار مهم
أوقفته والدتها وهى تقول واقفةً:
- استنى يا عمرو عزة عاوزه تقولك كلمتين نظرت الى عزة بضيق وهى تقول :
- قولى لخطيبك اللى أنتى عايزاه على ما أدخل أعمل فنجان القهوة بتاعى مع خالتك يا عزة
تبعتها بنظرها حتى دخلت المطبخ خلف والدته وقالت بأسف :
- عمرو انا اسفه أنت والله فهمت غلط
اشاح بوجهه بعيداً ولم يرد...كانت مشاعره متضاربه كالأمواج الممتلاطمة يريد أن يسامحها ويبتسم لها ويمزح معها كما أعتاد ويزيل نظرات الحزن من عينيها ولكنه لم يستطع .. طال صمته فقالت بحزن:
- والله ما كان قصدى انا كده متسرعه فى كلامى ومبفكرش فيه الاول قبل ما أقوله
ألتفت إليها حانقاً وقال:
- أنتى فعلا مفكرتيش فيه أنتى قلتى اللى فى قلبك يا عزة ..أنتى عمرك ما هتشوفنى راجل محترم وطبعا بما أنى مش محترم فأستحاله أعرف حد محترم عارفه ليه علشان عنيكى مش شايفه غير واحد بس .. قاطعته بلوعه:
- أرجوك أسكت متقولش كده أنت غلطان والله غلطان
- ماشى أنا غلطان بس أنا هسألك سؤال واحد ..أنتى وافقتى على خطوبتى ليه
شعرت بالارتباك وهى تقول متلعثمة:
- علشان أنت شاب كويس ومحترم وجارى وأخلاقك كويسه
قال بحده وبلهجة حاسمه:
- وفين الحب فى كل ده ..أنتى عمرك ما حبتينى ولا هتحبينى......
نظر إلى عينيها بحدة وأشار إلى خاتم الخطبه فى اصبعها وهو يقول:
- الطوق اللى خانقك ده تقدرى تقلعيه فى أى وقت براحتك .. ومتقلقيش محدش هيعرف حاجه .. أحنا كده خلاص ..
قفزت دمعة من عينيها رغماً عنها وهى تقول بصوت متقطع :
- مش هقلعها يا عمرو


واستدارت وغادرت المكان كله نظر إلى الفراغ الذى كان يحتله جسدها منذ قليل وهو غير مصدق الكلمات التى خرجت من فمه ... والدموع التى أنسابت من عينيها بسببه كل شىء كان له سبب فى عقله كلامها ورجائها وغضبه منها الا شىء واحد .. عبراتها !... دخل غرفته وأغلق الباب بقوة وهوى إلى فراشه غضبان أسفا ...يلعن القلب الذى مازال يحبها رغم علمه أنها تحب غيره ...ضرب الفراش بقبضته ومد يده يخلع الطوق الذى يحيط بأصبعه والذى شعر أنه يطوق عنقه ويخنقه هو أيضا ويمنع عنه الهواء
------------------
الفصل الرابع عشر
--------------





دخلت دنيا غرفة والدتها ودلفت إليها فى حذر وهى تنظر لوالدتها التى كانت تجلس على طرف فراشها وهى ممسكة ببعض الصور التى كانت تجمعها بزوجها وشريك عمرها فى بداية زواجها وقد لمعت العبرات فى عينيها ولكنها تظاهرت بالتماسك أمام ابنتها وهى تقول بجدية:
- اقفلى الباب وراكى مش عاوزه حد يسمع فضايحنا
خفق قلب دنيا وهى تغلق الباب وتقف خلفه وهى تنظر لوالدتها بخوف وأرتياب فقالت أمها بصرامه :
- اسمعى ..أنتى عارفه أنى مبحبش أكرر الكلام مرتين ...ومش عاوزه أسمع نفسك ..عمتك بره ومش عاوزاها تسمع
وقفت دنيا متربصة فى صمت وبعينين زائغتين تنتظر حديث أمها التى يظهر من بدايته أنه غير مبشر على الأطلاق ..فتابعت والدتها بحسم :
- أنا أتكلمت مع فارس وأتفقنا على كتب الكتاب قريب أوى وهو وافق بس مستنى رايك
أتسعت عينيى دنيا دهشة وهتفت بأستنكار:
- بتقولى ايه يا ماما
هبت أمها من مجلسها وتقدمت منها وجذبتها من يدها بعنف وابعدتها عن الباب أتجهت بها إلى الفراش ولفتها إليها وأمسكتها من ذراعيها ونظرت إليها نظرات مخترقة وهى تقول بغضب:
- أسمعى يا بت أنتى أقسم برب العزه لو قلتى لاء ولا فتحتى بؤك بكلمه لكون بعتاكى مع عمتك على البلد وهتقعدى هناك ومش هترجعى هنا تانى وهناك بقى يا عين أمك يبقوا يجوزوكى بمعرفتهم
بكت دنيا بين يدى أمها وهى تتضرع لها قائلة:
- ليه كده يا ماما هو انا عملت ايه علشان كل ده
دفعتها أمها على الفراش وقالت بحزم:
- أنا مش هسيبك لما عيارك يفلت وتعتمدى على أنك ابوكى خلاص مبقاش موجود وسطينا
دفنت دنيا وجهها فى الفراش وهى تبكى بحرقة وتقول بصوت مختنق:
- يا ماما والله ما عملت حاجه الراجل ده كان بيعرض عليا الجواز وأنا رفضت والموضوع أنتهى
أم دنيا :
- هو انتى يا بت مش كنتى بتقولى أنك بتحبى خطيبك ..مش عاوزه تجوزيه ليه ..هه فهمينى
مسحت دنيا دموعها بكفيها وهى تقول بصوت متقطع:
- يا ماما والله عاوزه أتجوزه بس مش عاوزه أعيش فى الحاره مع أمه
أم دنيا :
- خلاص بسيطه نكتب الكتاب لحد ما نلاقى شقه ايجار كويسه تعيشوا فيها واهو مرتبه زاد كتير بعد ما أترقى فى المكتب
قالت دنيا بحنق وهى تجفف دمعها:
- ايجار يا ماما ..أنتى عمرك ما وافقتى على الاقتراح ده قبل كده
نظرت والدتها أمامها وقالت بوجوم:
- كنت غلطانه ..كل حاجه كانت غلط ..لكن دلوقتى خلاص مينفعش أغلط تانى ...أبوكى سابك أمانه فى رقبتى وانا مش هخزله ابدا وافرط فيكى واسيبك تضيعى وتضيعينا معاكى
ثم ألتفتت إليها وقالت محذرة:
- أمه هتيجى تعزينا النهارده وهو هيسألك عن رايك وطبعا أنتى موافقة ..مش كده ولا ايه
قالت دنيا باستسلام :
- حاضر يا ماما هوافق
نهضت أمها واقفة وهى تلقى نظرة على صور ابيها وتقول بشرود:
- ابوكى كان بيقول على فارس راجل وقد المسؤليه ..يارب بس يقدر يستحمل بلاويكى
وأعملى حسابك أنتى مش هتخرجى من البيت قبل كتب الكتاب فاهمه ولا لاء
أطرقت دنيا برأسها أرضاً فى تفكير وهى تقول بشرود :
- فاهمه ..
*************************************
أنهى بلال صلاة المغرب وتوجه الى المركز العلاجى سريعاً وما أن دخل وألقى السلام حتى قال الممرض الذى كان ينتظره خارجا:
- وعليكم السلام يا دكتور والدة حضرتك مستنياك جوه
عقد بلال ما بين حاجبيه مندهشاً وهو يدلف إلى حجرة الكشف ورأى والدته وهى تجلس على المقعد بجوار مكتبه الخاص تنتظره...أقبل عليها وأنحنى بأبتسامة يقبل يدها وهو يقول مرحباً:
- يا اهلا يا أمى منوره الدنيا كلها
أبتسمت والدته وقالت:
- ربنا يخاليك ليا يا حبيبى ..
أستحى أن يجلس خلف مكتبه أمامها ..جلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:
- خير يا امى ايه اللى نزلك وأنتى لسه تعبانه
أبتسمت بلؤم وهى تقول:
- جايه اشوف عبير مش هى برضه جايه النهارده
ضحك بلال ضحكة رنانه وقال:
- ينهار ابيض يا امى طب أنا غلطان أنى حكتلك
ضحكت ثم قالت:
- هو انت يعنى كنت عاوز تقول ده أنا اللى سحبت الكلام منك سحب
مال إلى الامام وهو يقول بأهتمام:
- أمى الله يكرمك الناس زمانها جايه وأنا مش عاوز أحرجهم
ضربته أمه على قدمه وهى تقول:
- هو انا جايه أحرجهم يا واد ...ده انا هسلم وأمشى بس كانى كنت قاعده معاك عادى يعنى ولما هم جم مشيت على طول
أبتسم وهو يضيق عينيه ناظراً إليها وهو يقول:
- طب وايه لازمتها لما هتمشى على طول
رجعت للخلف وهى تستند الى مقعدها قائله:
- نفسى اشوف مين دى اللى لفتت نظرك يا بلال ..ده أنت أتعرضت عليك بنات كتير مفيش واحده فيهم لفتت نظرك..وبعدين عاوزه اشوف أهلها وطريقة كلامهم انا برضه ليا نظره
طرق الممرض الباب ودخل ووضع الملف أمام بلال على مكتبه قائلا:
- أدخل الحاله يا دكتور ولا استنى شويه
قالت والدته بسرعه :
- دخلهم يابنى انا ماشيه على طول
نهض بلال وجلس خلف مكتبه ..دخل والد عبير وهو يبتسم له ويمد يده للمصافحه قائلا:
- السلام عليكم أزيك يا دكتور
صافحه بلال بحراره مرحباً:
- وعليكم السلام ..نظرت أم بلال إلى والد عبير تتصفحص هييئته وطريقة حديثه ثم نظرت سريعا إلى الباب وهى تتابع دخول عبير متكأة على يد والدتها بنظرات متأمله متعمقة وتبادلت النظرات معهما ..ثم قالت لوالدتها :
- ألف سلامه ربنا يقومهالك بالسلامه يارب
قالت أم عبير بابتسامة متسائله:
- الله يسلمك يا حبيبتى
قالت والدته وهى تعرف نفسها :
- انا أم الدكتور بلال ...صافحتها أم عبير بابتسامة واسعه وهى تقول:
- تشرفنا يا حجه والله
قال والد عبير :
- اهلا وسهلا يا حجه اتشرفنا بمعرفتك
ردت أم بلال وهى تنظر إليهم قائله:
- الشرف لينا يا حج ..أنا مش هعطلكوا على الجلسه انا أصلى نسيت الادوات بتاعة الحجامه بتاعتى عند بلال وقلت أنزل أخدها وطالعه على طول أصل أحنا شقتنا فوق المركز على طول
قالت ام عبير بانتباه :
- هو حضرتك بتعرفى تعملى حجامه ..ده انا وعبير بنتى كنا دايخين على حد بيعرف يعملها
نظرت عبير لوالدتها بدهشه فهى لم تسمعها يوما تسأل عن هذا الامر مسبقاً ولكنها آثارت السكوت ..وسمعت أم بلال تقول :
- تشرفينى فى أى وقت يا حجه انتى وعبير زى ما قلتلك انا ساكنه فوق المركز على طول وقاعده فى البيت مبخرجش الا للشديد القوى ..تنورونى فى أى وقت .. ولا اقولك أطلعولى بعد الجلسه لحد ما الحج يروح يصلى العشا ويرجع نكون خلصنا
نظرت عبير ووالدها إلى والدتها وهى تقول بموافقة وحماس :
- خلاص أتفقنا هنطلعلك بعد الجلسه على طول واهو لحد ما الحج يروح يصلى العشاء مع الدكتور بلال
أبتسمت أم بلال وهى تنظر لأم عبير التى بادلتها النظرات وكأن كل منهما يتبادلان النظرات المٌشفرة التى لا يعلم معناها الا هما فقط
خرجت أم بلال تودعهم وأغلقت الباب خلفها بابتسامة كبيرة وهى تشعر انها قد حققت هدفاً فى مرمى حياة ولدها المستقبليه
جلست عبير على الكرسى التى جلست عليه فى المرة السابقة وهى مازالت تنظر للأمها متعجبة من امر حديثها لوالدة الدكتور بلال عن الحجامة
نهض بلال وأخذ نفس المقعد الصغير ووضعه قريب منها كما فعل فى المرة السابقة وهو يقول بجدية مفاجأةً:
- أنتى مبتسمعيش الكلام ليه ؟؟
نظرت له نظرة خاطفة وقالت بقلق :
- هه يعنى ايه
تابع بنفس الجديه:
- انا مش قلت عاوزك تعتمدى على نفسك فى الحركه ومحدش يساعدك
تدخلت والدتها قائله:
- والله يا دكتور ماشين على التعليمات وبتعتمد على نفسها
ألتفت بأتجاه عبير مرة أخرى وقال:
- ازاى بقى ..أنا شايفها داخله متسنده عليكى يا حجه وحتى لما جات تقعد أتسندت عليكى برضه
قالت عبير بخفوت وهى تنظر للارض:
- ده دلوقتى بس لكن فى البيت لاء
أومأ براسه ونهض من مكانه ..أحضر كرسى آخر له مسند غير الذى تجلس عليه وقال بحزم:
- تعالى اقعدى هنا علشان نبدأ التمرينات
شعرت عبير بصعوبه وهى تنهض بمفردها ولكن ليس هذا ما تشعر به فقط وليس هذا هو سبب توترها ..لا تعلم لماذا ترتجف عندما يتحدث إليها بشكل مباشر هل لانها غير معتادة على أن رجل غريب يتحدث إليها بشكل مباشر ام لشىء أخر لا تعلمه
أتجهت إلى حيث أمرها فابتعد عن مقعدها وتركها تجلس وأتى بمقعده ووضعه أمامها ..جلس عليه وهو يقول :
- كل حركه هعملها لازم تعملى زيها بالظبط
أومأت براسها موافقة ورأته يرفع ساقه ويمدها أمامه ببطء شديد ويعيدها إلى مكانها ببطء مرة أخرى فشعرت أنها لن تستطيع فعل ذلك التمرين يبدو سهلا ولكنه بالنسبه لمن يعانى من كسر جديد فى قدمه فهو صعب للغاية
قال متابعاً:
- يالا هتفردى رجلك ببطء على عشر تسبيحات وترجعيها مكانها تانى ببطء برضه على عشر تكبيرات ..أتفقنا ؟
نظرت له بدهشه وقالت:
- ازاى يعنى
قال بابتسامة عذبه :
- يعنى ياستى بدل ما نقول نرفع رجلينا ببطء على عشر عدات أو عشر دقات أو زى بعض الدكاتره يشغل موسيقى ويقول للمريض ارفع رجلك ونزلها مع المقطع الموسيقى وفى نفس زمنه
لاء أحنا هنعمل التمرينات بس على اللى أحسن من كده هنعملها على ذكر الله وكده التمرينات يبقى فيها بركه وفى نفس الوقت أخدنا ثوابها
أبتسمت عبير من خلف نقابها وتبادلا أمها وابيها النظرات وألتفتوا مرة أخرى إلى الدكتور بلال وهو يقول:
- شوفى زى كده بالظبط
وبدء فى رفع ساقه ببطء قائلاً:
- سبحان الله ...سبحان الله ...سبحان الله ....
ثم أعادها إلى حيث كانت مرة أخرى ببطء ايضا وهو يقول:
- الله أكبر... الله أكبر .... الله أكبر....
جاهدت عبير لفعل ما أمرها به ولكنها كانت خجلة وهى تسبح وتكبر بصوت هامس وخجول
كان بلال يتابعها فى صمت وهو يستمع إلى صوت تسبيحها الهامس وتكبيرها الخفيض شعر بصوتها يسرى بداخله ويتغلل بين جنباته يسبح بين طيات قلبه بأنسيابيه ويسر...أفاق من شروده على صوتها الخجول وهى تقول بأجهاد:
- خلصت يا دكتور أكرره تانى ولا خلاص
رفع راسه لها منتبهتاً ثم قال وهو ينهض مبتعداً :
- لاء هنكرره تانى ...جلس خلف مكتبه وتركها تكرر التمرين وحدها وأخرج بعض الصور الملونه المطبوعة بحرفية وقدمها لوالدتها ووالدها قائلا:
- دى صور لبعض التمارين المهمه ..لازم تعملها بمساعدة حد فى الاول ..نظر إلى والدها قائلا:
- على فكره حضرتك ممكن تساعديها بسهوله فى البيت والورق ده فيه كل الخطوات وهو سهل ان شاء الله
قلبت أمها الورق فى يدها وقالت بابتسامه:
- اه الصور سهله تسلم ايدك يا دكتور
قال بلال بأهتمام :
- من فضلك يا حجه مش عاوزك تساعديها خالص فى الحركه العاديه فى البيت هى لازم تقوم وتقعد وتتحرك لوحدها ولازم تضغط على نفسها ثم ألقى عليها نظرة سريعه قائلا:
- وهى ماشاء الله صبوره وبتتحمل الالم..التمرين اللى عملته دلوقتى ده فى ناس بتاخد وقت فيه على ما تعرف تنفذه لوحدها
شعرت عبير بأنتشاء بداخلها وهى تستمع لتشجيعه وأطراءه عليها مما جعلها تتحمل قدر أكبر من الألآم وهى تحرك ساقها بهمه وتصميم
أنتهت الجلسه على وقت أذان العشاء ..ذهب بلال ووالد عبير إلى الصلاة بينما صعدت عبير وأمها إلى أم بلال التى كانت تنتظرهم فى شقتها وقبل أن يطرقوا الباب قالت عبير هامسه لوالدتها:
- هو فى ايه يا ماما من أمتى وأنتى بتحبى الحجامه
طرقت أمها الباب وهى تضغط على يدها قائلة:
- حبتها مالكيش دعوه
وضعت أم بلال أكواب العصير مرحبة بالزائرتين وبدأت فى وضع الكاسات الهوائية فى أماكن معينه فى جسد عبير وهى تتفحص وجهها وشعرها بنظرات خبيرة قائلة:
- ماشاء الله يا عبير أنتى زى القمر
أبتسمت عبير فى خجل ولم ترد فقالت أمها و قد لمعت عينيها بسعادة :
- عبير طول عمرها حلوه ومهتمه بنفسها بس البتاع اللى حاطاه على وشها ده هو اللى مخلى محدش بيشوفها ولا يعرف شكلها ايه
قالت أم بلال وهى تضغط الكاسات الهوائيه على قدم عبير:
- اللى يستحق يشوفها ويشوف جمالها هو اللى ربنا كاتبله يبقى جوزها مش الناس اللى ماشيه فى الشارع يا ست أم عبير..ثم رفعت راسها لعبير قائله:
- يالا بقى علشان أعملك حجامه على ضهرك كمان بالمره كده
أحمر وجهها وهى تقول بحياء:
- لا معلش يا طنط مش هينفع اقلع البلوزه
نظرت لها أمها بحده وقالت آمره :
- دى ست زيك يا عبير هتكسفى من الستات برضه
هزت عبير راسها وقالت معانده:
- معلش بجد مش هينفع مقدرش والله
كادت أمها أن تنهمر عليها بالنظرات والكلمات الازعه ولكن أم بلال منعتها قائله بحسم:
- خلاص يا بنتى مفيش مشكله معاكى حق أصلك لسه متعرفنيش ..لما نعرف بعض كويس مش هتتكسفى منى
أزالت الكاسات عن قدمها ومسحت بعض الدماء وهى تقول :
- متنسيش يا عبير أن الحجامه دى سنه عن النبى عليه الصلاة والسلام
قالت عبير:
- ايوا يا طنط عارفه
قالت أمها متسائله:
- بس يعنى هو أى حد ممكن يعملها ولا لازم يكون متخصص
قالت ام بلال بأهتمام:
أنا لما جيت أتعلمها بلال هو اللى علمهالى بما أنه دكتور يعنى وكان ساعتها قالى أن فى دورات بتتاخد فيها واللى بيدى الدورات دى دكاتره واللى بياخد الدورات دى بيبقى معاه شهادة معتمده أنه عنده علم بيها لان فى أماكن فى الجسم خطر أى حد كده يقرب منها لازم يكون دارس..ثم اردفت قائله :
- دى سنه للعلاج محدش واخد باله منها بعد ما بتتعمل الواحد بيحس أنه زى ما يكون كان مخنوق وفجأه ابتدى يتنفس والهوا يدخل جسمه من أول وجديد
بعد أنتهاء صلاة العشاء أرتدت عبير ملابسها ووضعت غطاء وجهها وأنتظرت حتى أنتهت الصلاة وأنصرفت بصحبة أمها مودعة أم بلال التى ودعتهم بابتسامة متفائله على وعد باللقاء
***************************************
أحتضنت دنيا أم فارس وهى تقبلها هى ووالدتها وهى تعزيهم فى فقد الزوج والوالد والركن الشديد ومظلة الحماية لعائلتهم الصغيرة ... وبعد وقت قصير باغتتهم والدة دنيا بقولها :
- ها يا فارس حددت معاد مناسب ولا لسه
نظر إليها فارس منتبهاً لكلماتها وتبادل نظرات صغيرة مع والدته ثم نظر إلى دنيا وقال:
- رأيك ايه يا دنيا وأيه المعاد اللى يناسبك
قالت دنيا متلعثمه وهى تتجنب النظر إلى عينين والدتها المصوبة إليها بحده:
- المعاد اللى ماما تحدده
حاول فارس أن يخفى ابتسامته فهى غير مناسبة للموقف تماماً فقالت أمها مرة أخرى:
- شهر كويس ..ونظرت إلى والدة فارس تسألها:
- ولا أنتى أيه رايك يا حجه
قالت أم فارس مرحبة ومندهشة فى نفس الوقت :
- كويس أوى
ظهرت علامات الارتياح على وجه أم دنيا ونظرت لفارس وقالت بصدق:
- شوف يابنى أوعى تفتكر أنى هضغط عليك فحاجه لاء أبدا ...كتب الكتاب هيبقى على الضيق كده فى البيت يعنى متفتكرش أنى طالبه منك فوق طاقتك أنا عارفه أنك لسه فى بدايتك وأنا عن نفسى مش عاوزه غير أنى أطمن على بنتى أنى لو مت وسبتها تبقى مع راجل يقدر يحميها ويتحمل مسؤليتها والحج الله يرحمه كان دايما بيقول عليك قد المسؤليه
لمعت عينى فارس تأثراً وأطرق برأسه حزناً على فقد هذا الرجل الحكيم الذى كان يتمنى أن يمتد به العمر أكثر ليثبت له أنه عند حسن ظنه به بينما قالت والدته:
- الله يرحمه ويحسن إليه
تم تحديد ميعاد كتب الكتاب بعد شهر من هذا اليوم وأخبرته والدة دنيا برغبتها فى بقاء دنيا معها هذه الفتره وبعدم رغبتها فى عودتها للمكتب وطمئنها فارس بموافقته وأن الدكتور حمدى ليس لديه أى مشكله وأنه يقدر ظروف دنيا بعد وفاة والدها
********************************************
جلس بلال إلى والدة بعد عودته ليلاً وعلى وجهه سعاده كبيره لما يسمعه منها عن عبير ووالدتها وقال بلهفه:
- بجد يا أمى يعنى أنتى فعلا حسيتى أنها مرتحالى طيب أفاتحهم فى الموضوع أمتى
ضحكت والدته وهى تقول:
- ومالك مستعجل أوى كده ده أنت يدوب شفتها مرتين ..ثم ضحكت مرة أخرى وهى تستدرك:
- آل شفتها آل
ضحك بلال لدعابة والدته وقال:
- أنتى بتقولى فيها يا أمى ..أنا فعلاً شفتها بس شوفتها بقلبى وعقلى متقدريش تتصورى يا امى هى حييه وخجوله وبتحافظ على نفسها قد ايه ودى أول حاجه شدتنى ليها حتى من غير ما اقابلها اصلاً
ربتت على ساقه وهى تقول مطمئنةً:
- متقلقش سيب الموضوع على الله ثم عليا لو تحب أروح أخطبهالك النهارده قبل بكره
فرك كفيه قلقاً وهو يقول:
- أنا بس عاوز أتكلم معاها علشان أعرف شوية حاجات تهمنى كده وده ان شاء الله يحصل فى الرؤية الشرعيه
- بس يابنى هنروح نتقدم كده مش نستنى لما تخف الاول طيب
ابتسم بلال ابتسامة ذات معنى وهو يتمتم:
- ماهى لما تبقى مراتى هعرف أعالجها بضمير
************************************
وقفت عزه ليلا فى نافذتها تتطلع إلى بداية الطريق عن كثب وتتأمل المنعطف الذى يجتازة عمرو يوميا فى نفس الميعاد عائداً من عمله ..ظلت تنظر لساعة يدها بين كل دقيقة وأخرى فى قلق وهى تتمتم بقلق:
- أتأخر أوى النهارده
سمعت صوت أنثوى من خلفها يقول:
- سبحان الله له فى خلقه شئون
ألفتت عزه إلى عبير وعاودة النظر من النافذى مرة أخرى إلى تلك البقعة الفارغه والتى تنتظر عمروٌ ليمر بها وكانهما على موعد وقالت:
- بطلى التلميحات دى يا عبير
ضحكت عبير وهى تقول:
- صحيح والله الممنوع مرغوب..الراجل كان بيتمنالك الرضا ترضى وكنتى حتى مبتفتكريش اسم الشركه اللى شغال فيها ..أول ما يديكى الوش الخشب تبقى هتموتى عليه وعارفه مواعيد رجوعه بالظبط
قالت عزه بتوتر دون أن تنظر إليها:
- أنا مش هموت على حد على فكره انا واقفه عادى
قالت عبير وهى تومأ براسها ساخره:
- صح وأنا مصدقاكى ...ثم قالت مردفةً:
- على فكره بقى اللى بيحصل ده فى مصلحتك والله
لمعت عينيى عزه بالدموع وهى تقول بهمس:
- من مصلحتى أنه يخاصمنى ومش عاوز يرد على تليفوناتى ويتهرب مني ...من مصلحتى أنه قلع الدبله وقالى اقلعيها خلاص
هزت عبير راسها نفياً وهى تقول:
- لاء من مصلحتك انك تعرفى قيمة الراجل اللى هتجوزيه اياً كان مين الراجل ده من مصحلتك أنك تشيلى من قلبك أى رواسب قديمه كانت هتسبب فى مشاكل بينكوا بعدين وانا شايفه بقى اللى حصل ده هو اللى هيشيل الرواسب دى
قالت عزه بصوت مختنق بالدموع :
- والدبله اللى قلعها
قالت عبير بثقه:
- ولا تسوى حاجه أنتى عارفه أنه بيحبك والدبله اللى أتقلعت تتلبس تانى المهم قلبك أنتى يكون صفى ومستعد لأستبقال البشمهندس اللى هيجننك ده
وكأن عبير قد استدعته بكلامها عنه تعلقت عينيى عزه بمنحنى الطريق ورأته وهو يدلف منه واضعاً يديه فى جيبيى بنطاله ويسير ببطء يركل كل حصى تقابله وكأنه يتعارك معها ويتوعدها ألا تصادفه مرة أخرى وتتنحى أمام قدميه المتحفزتين ...يظهر الحزن على قسماته وتعابير وجهه وكأنه فقد شخصاً أو شيئاً أو قلباً
فى كل مرة كانت تقف هكذا تتمنى أن يرفع راسه ليراها واقفة تنتظره ولكنه لم يكن يفعل ابداً ..ولكن هذه المره وبتلقائيه شديده رفع راسه وكأنه يتوقع أن يرى نافذتها مغلقه فى هذا التوقيت ..ولكنه رآها تطل عليه بعينين زائغتين معتذرتين دامعتين ....تلاقت نظراتهما مع خفقان قلبها وشعوره بالحنين لفقدانها ....دار حواراً سريعاً بين عينيهما كان عنوانه الاول والاخير ...
أعتـذر منـك ..أشتـاقك ..عُـد إلـي
------------
يُتبع

[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب