عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-11-2018, 10:35 PM
 
[img3] http://www.m9c.net/uploads/15184236951.png[/img3][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.m9c.net/uploads/15184236963.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


[img3] http://www.m9c.net/uploads/15184236965.png[/img3]


إختنقت عيناها الزمرديتين بالدموع لتنهمر سريعا على وجنتيها,
حتى يداها الممسكتان بالصحيفة إرتجفتا فرمتها ارضا وتبعتها منهارة على ركبتيها,
فتناثر شعرها البني الداكن حول كتفيها, وتدلت تلكما الضفيرتين الصغيرتين الي صدرها,
اجهشت بالبكاء طويلا فتتابعت دموعها تتساقط لتبلل من الارضية الخشبية.

أخذتها لحظات خانقة الى ان توقفت عن النحيب بعد ان أفرغت كل ألم قلبها,
وقد إستيقنت الأمر المر, رفعت رأسها تنظر امامها حيث نافذتها المفتوحة,
حدقت بيأس من خلالها بذلك الفضاء الرحب مبهج الزرقة, فحدثت نفسها بأسى:
ـ لما...لما يحدث هذا لي ..الا استطيع ان اغدو كاتبة!! .

فتدفقت دموعها مجددا بذكر مأساتها, ثم نهضت ببطء متجهة صوب النافذة,
وضعت يديها على حوافها البيضاء, تطلعت بذلك المرج الاخضر الشاسع وتقبع خلفه سلسلة من اشجار التفاح اكتست اوراقها بالحمرة.
تذكرت إخفاقاتها المتكررة لتضيع في ظلام دامس جذبها اليه,
حسبت انها فقدت حاسة بصرها, فكل شيئ حولها أظلم, همست بصدمة علتها:
ـ مـ ما الذي يحدث لي ؟ .

ترنح جسدها برتجاف, فكادت ان تسقط لولا الرياح الهادئة التي عبرت نافذتها فجأه,
فحالت دون ذلك, قد تلاعبت بشعرها الطويل, هذه الرياح ملأت نفسها بالسكينة,
فتسعت عيناها الى اخرهما, بدت كأنها في عالم اخر, عالم لا يعرفه سواها تستمع للحن الريح المتغني على اذنيها,
فأبصرت حينها نور الشمس الدافيء المحيط بها, فأطلت برأسها عبر النافذة محدقة بالرياح التي لاترى.
همست بذهل وصدمة معا:
ـ انـها الرياح.

لطفت الرياح من قلبها, فزرعت به الامل لتنبت منه إبتسامة زينت وجهها الشاحب ليردفها قولها المتفائل :
ـ سأكون مثلكِ ايتها الرياح ..انتِ لم تياسي قط من الروح والغدو ..سأواصل الي ان احقق حلمي.

صمتت لوهلة لتتم بإشراقة مبهجة :
ـ سأصبح كاتبة متميزة يوما ما.

منذ تلك اللحظة سعت بجد لتحقيق حلمها, تعلم انه بعيد المنال,
وكذلك تدرك انه ليس خيال بل سيصبح حقيقة لا محال, فصبرت, عانت,
تجاهلت كل ما يُلغي عليها من سمع اذى قلبها الطموح رغم الأسى المتذايد عليها حتى من أقاربها ,
خاصة خالتها التي طالما وصفتها بعدم المسؤلية وأنها منشغلة بتراهات لا معنى لها.

تلك الترهات كما زعمتها خالتها كانت بالنسبة إليها كل شيئ.
اما خالتها الأخرى وخالها كانا كبلسم لجراحها,
ظلان يطيّبانِ خاطرها كلما كسر لتقف قوية كصخرة صامدة في وجه الامواج المطلاطمة.

جملت نفسها, فطريق القمة لابدء له ان يفرش بالشوك لا بالزهر.
في إحدى الليالي الباردة بلغها خبر كان بمثابة العيد لها, إشتعلت حماسة, فإنتفضت من مقعدها قائلة بفرح :
ـ احقا ما تقول يا جيمي!.

بادرها بإبتسامة عذبة وهو جالس على كرسي قرب المدخنة المتقدة بالنار لتدفء المكان , فرد بهدوء:
- تأكدي بنفسك صغيرتي.

فمدّ لها صحيفةكان يحملها بيده, أخذتها بلهفة متطلعة على فحواها لتكبر عيناها بحماس أكبر,
شعرت انها قد إقتربت من حلمها, فدارت حول نفسها تضحك بسرور ملأ قلبها,
ثم شكرت خالها ,فسعد لسعادتها.

بعدها هرولت مسرعة الي غرفتها فباشرت بكتابة رواية لتشترك بها في المسابقة الكبرى للكتاب.
عزمت على النجاح, فصغلت أكثر من مهارتها حتى تنال ما ترضاه.

لم تدمْ شعلة حماسِها طويلاً, سرعان ما إنطفأت لتتيه في الظلام عميقا,
لم تكن تشعر بالبرد ولاحتى بإنكسارات الموج امامها علي الصخرة الجالسة عليها الان,
كان يصل لقدميها الحافيتين القليل من رزاز الماء البارد.

شردت بعيدا تحدق بعمق أعمق من البحر, سالت دموعها بكثرة لتبكي بصمت هذه المرة,
تطاير شعرها بشدة بهواء البحر.
بقيت تراقب الشمس المحمرة وهي تشارف على الغوص في البحر الممتد,
فلونت ميائه لتجعلها كذائب الذهب البهيج, جمال ساحر ترأسه غروب الشمس,
لكنه لم يكن كافيا ليطيّبَ ألماً على القلب إشتد.

سألت نفسها مراراً وتكراراً, لماذا تخفق دائما بينما غيرها ليس كذلك,
لماذا لا تسطيع النجاح هل حلمها مستحيل إلى هذه الدرجة,
لماذا يعتقد الجميع انّ كتاباتها ليست بالواقع بل خيال لا نفع منه.

كادت تختنق, وشعرت انّ قلبها تناثر شظايا لتحملها الرياح معها ,
انزلت برأسها مغمضة عينيها بألمِ, فتذكرت رفاقها الثلاثة كيف حققوا أحلامهم جميعا وغدوا بعيدينّ عنها,
شعرت بالوحدة وبالبرد الذي إختلج قلبها, فحاولت النطق لتعبر عما يتغلغل فؤادها المحطم, لكنها عجزت,
تملكها شعور بالتوهان, لم تستطع إن تنشل كلماتها الشاعرية ككل مرة.
حاولت وحاولت بلا جدوى حتى ادركت جفاف بئرها ومنبع شغفها, فإتسعت عيناها بصدمة لترتجفا بشدة, نطقت بعدم تصديق :
ـ لـ لم أقدر على إخراج كلماتي! ! ..لم أعد أشعر بتدفف الأحرف على لساني! .

فقدت عقلها تماما, وكثر دمعها ليشحب وجهها بشدة.
ثم وقفت بهلع فوق الصخرة قائلة بغضب متألم :
ـ لم أعد اقدر ..لم أعد أقدر ..لم يعد لي هدف بهذا..

فأجهشت بالبكاء والصياح كما لو انها مجنونة,
وفجأة توقفت بنظرة خالية من أي تعبير بعد ان إقتحمت عقلها أفكار مجنونة, فهمست ببرود :
ـ لم يعد لحياتي معنى دون هدف.

اتمت جملتها لتنزل بسرعة في الماء, تقدمت تسير داخله أكثر وأكثر الى ان غظت المياه معظم جسدها, لم تتراجع عن فكرتها,
فظلت تتابع بإحساس مفقود كأنها لاتعي نفسها الى ان شعرت بأختناق أنفسها بعد ان جذبها البحر الى أحضانه
ليدفنّ قصة حياتها الفاشلة بين طلاطيم أمواجه.
وفجأة سمعت صوت طفلة رقيق يناديها بقلق:
ـ أمي ..أمي ..إستيقظي.

ففتحت عيناها الزمرديتين بدهشة كبيرة , لم تكن حينها إبنة السادس عشر, بل إبنة العشرينيات,
أبصرت وجه إبنتها ذو السابعة, وقد بان القلق عليها,
كانت تجلس جوارها على الفراش الابيض الناعم,

إستغرقت ثواني لتستوعب الامر وتيقنت انه مجرد حلم , ثم تمعنت بابنتها التي كانت عبارة عن نسخة لها في صغرها,
الى ان قطعت شردوها الطفلة بقولها القلق :
ـ هل انتي بخير ياأمي ..كنت تتكلمينّ كثيرا وانتي نائمة؟

اخذها التعجب قليلا لترد بذهل :
ـ انـا!!.

ثم تذكرت الحلم فنهضت تجلس ببتسامة باهتة, حدثت نفسها :
ـ صحيح اني أخفقت كثيرا في الماضي ..لكني لم أفكر يوما في الانتحار كما كان في الحلم.

ثم جولت نظرها في ارجاء غرفتها الجميلة ذات الأثاث المخملي والمشرقة بإطلالة الأشعة الصباحية عليها,
توقفت بعينيها عند مكتبة الكتب, نظرت بتمعن للعدد الكبير من الكتب المصتف بها,
جميعها كانت من كتبتهم ولقيت بهم شهرة واسعة, ظلت تحدق بهم للحظات متذكرة الصعوبة التي لاقتها سابقا,
تيقنت تماما ان لكل جهد ثمار وبعد كل ليل نهار, ثم إبتسمت إبتسامة رضى وإلتفت لإبنتها قائلة بسرور:
ـ مارأيكِ ان نردد معا بقية البقية.

إبتسمت الطفلة مجيبة بفرح:
ـ نعم.

فتشاركتا قول قصيدتها القديمة التي طالما رددتها على نفسها.

[img3] http://www.m9c.net/uploads/15184236976.png[/img3]


خاطبتها ياقطرتي فاضت مياه الأنهار..
إنقلي عني قصتي للطير والأزهار ..
الأيام تتوالى وتأخذنا معها..
سنقول وداعا ما القضية..
سوف تعلمونها.. سوف تعلمونها ..
فهذه بقية.




[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][img3] http://www.m9c.net/uploads/15184236962.png[/img3]

التعديل الأخير تم بواسطة فاطِمةة الزَهرَاء ; 02-12-2018 الساعة 06:13 PM
رد مع اقتباس