عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-30-2018, 08:44 AM
 
الجزء الثالث من ضحايا الذئب الأسود

الجزء الثالث
بعد منتصف الليل، أستيقظ يوسف مفزوعا من نومه، بعد أن راوده كابوس مرعب عن تلك الليلة التي قتلت فيها زوجته.
استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم نهض عن فراشه، وتوجه خارجا من الخيمة لكي يقضي حاجته.
ابتعد قليلا عن المخيم، وقضى حاجته هناك، ثم هم بالعودة، لكن شيئا ما قد أوقفه، يتحرك بهدوء بين الشجيرات.
أقترب منه لكي يرى ما هيته، مزيجا الأغصان بهدوء، لكنه لم يرى شيئا ما، فالتف عائدََا إلى المخيم، لكن عينان صفراوتان تحدقان به عن قرب.
كان ذئبا رمادي اللون، ذو أنياب حادة، تراءى ليوسف أنه رآه من قبل، ويبدو أنه من قطيع الذئاب الذي يقودهم ذلك (الذئب الرهيب).
قفز الذئب على يوسف، وغرس أسنانه العلوية في جبهته والسفلية بفكه السفلي، وأخذ يحاول نزع وجه يوسف من مكانه، لكن الأخير يتقدم بوجه مع كل محاولة لإنتشاله ،ويعيق الذئب الرمادي.
لم يكن يوسف يرى شيئا، سوى فم الذئب القذر، ذو الرائحة الكريهة، فأخذ يحاول التخلص منه لكنه لم يقدر على ذلك.
أخذ يتحسس الأرض من حوله، باحثا عن أي شيء قد يخلصه من الموت، و الذئب يحاول إنتشال وجهه، وهو يتقدم برأسه مع كل محاولة، إلى أن استطاع أن يمسك بشيء ما.
وجد غصنا خشبيا ثخينا نوعا ما، حاد الطرف، فأخذه بيده اليمنى، ثم أخذ يتحسس بيده اليسرى صدر الذئب باحثا عن قلبه النابض إلى أن وجده، وغرس الغصن الخشبي فيه حتى توقف عن النبض مفارقا الحياة.
دفع يوسف الذئب جانبا، وأخذ يلتقط أنفاسه قليلاً، ثم تذكر شيئََا ما في خطر.
صرخ قائلا بقلق :حمزة
ثم توجه راكضا بخطوات متعثرة إلى المخيم.
حينما أقترب من المخيم، سمع صراخ مؤلم يملأ المكان، فزاد من سرعته حتى وقف أمام منظر مرعب، ذكره بتلك الليلة التي قتلت فيها زوجته.
كانت الذئاب تحيط بالخيمة، ممزقتاََ إيها بعد أن بعثرت المكان، وحمزة يصرخ مرعوبََا ومتألمََا من عضتها المفترسة التي مزقت يداه وهو يصيح مناديا :أبي… أبي… أنقذني أرجوك… أنا أتألم.
كان يوسف مذهول مما رآه، متجمدا في مكانه، إلى أن رأى سيل من الدم مختلطََا ب"البنزين" المسكوب من الاسطوانات التي هشمتها الذئاب قد ملأ المكان، حينها تبادر إلى ذهنه فكرة قد تنقذ أبنه مما هو فيه.
أسرع مباشرة إلى موقد النار، ثم غرس يده في رمادها، وأخرجها بعد ذلك منها، ثم قذف ما في يده تجاه الذئاب.
كان يبحث عن جمرة من بين الرماد، قد تنقذ أبنه مما هو فيه، وبالفعل أحس بحرارة واحدة منها فأخرجها وقذفها اتجاه أسطوانات "البنزين"، التي سرعان ما اشتعلت ناشرة ألسنة من اللهب، محرقة الذئاب التي تعوي ألمََا بعدما كانت تعوي غطرسة ووحشية.
ومن بين اللهب والشرر المتطاير، و الذئاب المتفحمة والأخرى التي تركض والنيران قد أكلت جسمها، قفز يوسف راكضا إلى الخيمة، إلى أبنه الصغير حمزة…
توقف جانبه، ثم انحنى بسرعة متفقدََا حاله وهو يصرخ قائلََا :حمزة… حمزة… أجبني يا بني… لاتدعني وحدي هكذا.
ثم أخذ يهزه بقوة قائلََا: لا تمت… ليس الآن… لا، ليس الآن.
لكن حمزة كان بارد الجسم، بعدما فقد الكثير من الدماء ويبدو أنه قد فارق الحياة.
حينها أخذت الدموع تنهمر من عيني يوسف بغزارة، وهو يرى أبنه ممزقا بين يديه كما مزقت أمه سابقا، وبدأت ذاكرته تعيده لتلك الحادثة من جديد، وتعيد الألم القديم معها، جاعلة إياه في موقف مؤلم لا يحسد عليه.
وبين ألسنة اللهب التي تحيط به رأى وحشا أسودََا بعينيه الذهبيتين، اللتان أخذتا في اللمعان مع ضوء النار المضرمة، يقف على الصخرة التي كان هو وابنه قد استلقى عليها سابقا.
كان هذا الوحش هو (الذئب الرهيب) يقف منتصبََا بجسمه ، وينظر للمكان من حوله بشموخ وكبرياء وكأنه يقول ليوسف "ها أنا أخذت بثأر أبني الذي قتلته".
اشتط غضب يوسف، واشتعل كما اللهب الذي يحيط به، فتوجه راكضا بأسرع ما يمكن إلى الوحش، بعد أن التقط صخرة حادة أشبه بنصل سكين، بينما الآخر كشر عن أنيابه المرعبة، وأخذت عيناه بالاشتعال التي كانت لتخيف أي بشري آخر، مترقبََا إقتراب يوسف لكي ينقض عليه.
اقترب يوسف من الذئب، ثم قفز قفزة عالية، واضعََا النصل بين يديه، ونزل إليه بضربه بين فكيه، اللذان أطبقا على يدي يوسف بعد ذلك.
كان مشهدََا مريعََا، ظن يوسف حينها أنه في عداد الموتى بعد أن انقضاء عليه الذئب، وشعر بأن نهايته قد اقتربت، لكنه أدرك بعد ذلك أن الصخرة الحادة قد اخترقت جسد الذئب واسكتته للأبد.
سقط الذئب صريعََا من أعلى الصخرة ويدا يوسف بين فكيه، بينما يوسف نفسه أعلى الصخرة ينظر للدماء انهمرت من يديه المقطوعتان. توجه مباشرةََ لقطعة خشب تجمرت بعد أن احرقها اللهب، وغرس كلتا يديه في جمارتها لإغلاق جرحه من غير أي ألم أو صراخ.
هدأت النيران بعد ذلك، لكن دخانها كان قد جذب بعض الرجال القريبين، الذي سرعان ما أتوا حينما قضي على الذئب.
ساعدوا الرحال يوسف، ثم أخذوه هو وابنه الذي يبدو أنه قد فارق الحياة معهم، وتوجهوا ذاهبين إلى أقرب مشفى.
كان مالك (تاجر الفرار) من بين الرجال الذين ساعدوا يوسف، وكان هو الوحيد الذي فهم طلب يوسف وقام بتنفيذه.
طلب يوسف من الرجال أن يحضروا الذئب معهم، ولن يكونوا يعرفوا سبب طلبه الغريب، غير مالك الذي فهم أنه يريد أن يسدد ديونه الذي عليه، فقام بأخباره بأن دينه مسدد وأنه لا يطلبه شيئا بعد الآن.
مر يوم بعد الحادثة، ودفن حمزة بعد أن أعلنت وفاته نتيجة لفقدانه الكثير من الدماء التي لا يمكن تعويضها، غير الأضرار البالغة التي حلت بجسمه الممزق، ثم أقيم العزاء الذي حضره العديد من أقارب يوسف وأقارب زوجته، واختتم اليوم بعد ذلك بحضور مالك (تاجر الفرار) الذي أعطى يوسف مالََا كان قد تبقى من حقه في فراء الذئب، الذي ساعده فيما بعد في بناء حياة جديدة.
النهاية.