عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 01-19-2018, 10:05 PM
 
طلب تحرير فصل

[cc=^^]
الفصل الثامن
" هواجس, تساؤلات, يقين"
انتصب من مرقده فورما ارهف سمعه رنين مزعج صدر من هاتفه المرتكز فوق ملفات سوداء حصرت عدداً كبيرا من الأوراق حتى ان حواف البعض قد خرجت منها, حرك بؤبؤيه في أرجاء غرفة مكتبه الفوضوية ليتنهد بقلة حيلة, رفع فمه لأعلى كاشفا عن ضحكة متهكمة أطلقها ساخرا من حالته المزرية هذه, فمتى يتوقف عن هذه الصفة المخجلة بحقه؟!, زاد من بعثرة شعره البندقي فوق ما هو مبعثر و تثاءب بتثاقل, أرخى عنقه على مسند الكرسي الجلدي و توارت كريمتيه السوداوين خلف جفنيه مهلكا من عمله!

امتدت يده تفتش بين أغراضه المتراكمة فوق بعضها عن آلة الإزعاج تلك, تحسست أطراف بنانه الملفات السوداء سرعان ما أمسكت بضالتها, أجاب على المتصل بينما رفعه الى مستوى أذنه.

تسلل الى سمعه صوت رقيق خالجه بعضا من القلق يستجدي به: نيك...أيمكنك التحقيق عن تيفاني و صديقاتها؟!

أجابها بسؤالٍ آخر طرحه بخمول و قزحيتيه تحتضنان سقف غرفته الكئيب الذي يعكس روحه: لما؟! هل حدث لهن شيء؟!
صمت كارهاً أن يحشو حديثه بكلام لا فائدة له, و كدلالة على تألم مفاصله من التحدث ببضع كلمات أغلق عينيه بشدة لتتولد التجاعيد من حولهما!

انتشله صوت زوجته المرتبك من أغوار اللاوعي, فاستدرك من خلاله مقدار ما استبدَّت بها الهواجس المضنية, ليفتح عينيه و يدفع جسده للأمام سامحاً للجدية باختراق حيّزه و التفشي داخل كيانه لتنبلج على ملامحه الخاملة, مولياً اياها كامل اهتمامه, فالتقى حاجباه بحده تفصلهما تجاعيد برزت وسطهما, ليتبعهما لمعان شرارة لهيبيه في مقلتيه: لا شيء, فقط شعور غريب, شعور يخبرني انهن يواجهن الموت!

أطبق عليهما جو من التوتر و الحدة, تنتظر هي إجابته الشافية لقلبها, و يفكر هو بكلماتها المبهمة محاولاً تحليلها و فك رموزها, حتى تنفس الصعداء و عاد الى حالته غير المكترثة تلك.
أعطاها إجابته المرجوة غير انه لا ينوى فعل ذلك فالأمر متعب على أية حال: حسنا سأفعل, فلتستريحي الآن, و انفضي عنك هذا القلق المميت, و تأكدي من احتساء بعض من القهوة السوداء لعلها تساعدك على الإسترخاء!

قهقهت هي سعيدة بقوله, فكم اشتاقت الى إعداد قهوته السوداء المفضلة لديه, زاد علو ضحكاتها عندما تذكرت تلك الأيام الصارمة حيث انه دائما ما ينصحها بشرب القهوة السوداء إذا لم تستطع إيجاد الهدوء, أجابته برقة تخلل حروفها امتنان دفين: حقا؟! شكرا عزيزي

ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة بالكاد ترى, فرغم مظهره الكسول البارد الموحى على الشدة و الصرامة إلا أنه رهيف القلب,
وصل الى سمعه تأنيب ابنته الكسولة لزوجته المناقضة للأخيرة: امي...صوت ضحكاتك مرتفع...انك امرأة فلتضحكي برقة...آه انني على وشك الانتحار بسبب كتلة الإزعاج المسماة ب والدتي!!

عاتبتها السيدة كريستين: ماذا تفعلين خارج غرفتك يا هذه؟! فلتعودي الى الداخل لتأخذي قسطا من الراحة, انك متعبة, اضيفي الى اني والدتك فإياك و شتمي هكذا, لا أذكر اني ربيتك على هذا النحو!

صدح صوت مايا المزعج فما كان منه سوى أن يبعد الهاتف عن أذنه كاتما ضحكاته فلا يوجد امر ممتع اكثر من مشاهدة زوجته و ابنته تتشاجران: هذه؟! هل وصل بك الخرف لتنسي اسمي و انتي من اخترته لي؟!!, آه الرحمة يا إلهي!, امي فلتختفي عن وجهي أريد أن أنام!

- ياا عودي الى هنا, تبا لقد دخلت الى غرفتها, حتما انا سأقتلها يوما من الأيام, لن تجرني الى السجن اذا فعلتها صحيح نيك؟!
هتفت في ابنتها لكن لا حياة لمن تنادي, فتنهدت بأسة, لتتحدث الى زوجها بدلال, علَّه يحقق رغبتها في استماع الإجابة التى تحلم بها.

ضحك بخفوت و قال بخبث التمع في عينيه: سأدخلك السجن حتما!

تأففت منزعجة شاعرة بخيبة آمل تقطع أوصال قلبها, لكنها عاودت الكلام كعادتها: آه جميعكم تحبون تحطيمي هكذا, لماذا؟!

لم يكن امامه خيار غير أن يسمعها صدى موسيقاه العذبة ليتبعها بقوله راغبا في إنهاء المكالمة: لأنك لطيفة, اسف سأغلق الخط الآن, احتاج الى بدء التحقيق عنهن
أبعد هاتفه عن اذنه و أغلق الخط, فهو ليس بمزاج يسمح له بالاستماع الى ثرثرة زوجته, و لم يدع لها الفرصة للحديث!, لانه يعلم في داخله أنها لن تصمت ما إن تفتح فمها!

نهض من على كرسيه و دفن الهاتف في جيبه, قام بتعديل سترته السوداء الكلاسيكية ثم ربطة عنقه المرخية, ابتعد عن مكتبه ببنيته الضخمة و قد تموضعت فوقه قطعة زجاجية نحت عليها " نيكولاس ستروادت, محقق"
ليتجه ناحية الباب مغادراً غرفته ذات النمط العتيق سواءً أثاث او لونها فهو يميل نوعا ما الى الطابع القديم!

عبر الممر الطويل الخالي من أي شرطي إلا قلة من الأشخاص سواء مجتمعين مع بعضهم او منفردين, قصد الغرفة على يمينه فدخلها بجبروته ليهيمن الصمت على أفرادها!

مر من بين مكاتب عديدة ملئت الغرفة و صوب نظره الى تلك الفتاة النحيلة المنشغلة بترتيب ملفات قضايا عدة على قيد التحقيق في نهاية الحجرة الفسيحة, تجاهل نظرات حارقة لسعت جثمانه من كل صوب كان أصحابها بعضا من المنظمين حديثا و المعجبين بمهابته!

وقف امامها و رمق اسمها المنحوت على قطعة خشبية متموضعة فوق مكتبها " نوا باكيلي, مفتشة", كحّ بصوته الغليظ ليلفت انتباه سوداء الشعر المعكوف الى الخلف, فنظرت الى خلفها لتنتصب من فورها و تترك ما بيدها من ملفات, لم تكن صارخة الجمال و إنما بسيطة الملامح, السنت بلهجة احترام: هل هناك شيء سيد ستردوات؟!

رمق الغرفة اللحمية بتوتر فكيف يطلب منها مرافقته الى منزل أبنته؟!
فقرر ان يتخذ نمط الجدية في حديثه معها فأجاب بشيء من الحدة: فلتستعدي, سترافقينني الى مكان ما
و تنحنح في مكانه منزعجا من نظرات الإعجاب المصَوبة نحوه حتى أن البعض قد تناسى عمله!

صمتت قبل أن تجيب رامية نظراتها الى أماكن مختلفة مجنبتاً أسهم من هو أفضل منها, تحدثت لازوردية العينان في اضطراب بان على ملامحها كما تلك النبرة التى سيطرت على صوتها: ل...لماذا؟!

صدمها من سرعة إجابته و هو من يكره إطالة الحوار: لأجل مهمة تحقيق, فلتسرعي...
ابتعد عنها معطيا إياها ظهره و تأكد من أن لا يخلوا صوته من الآمر: سأنتظرك في السيارة امامك مهلة خمس دقائق فقط
اكتفى بهكذا عبارة متيقناً بأن نبرة التهديد و الوعيد قد أدركتها بسرعة بديهتها!

غادر الغرفة متوجاً الصمت ملكا على ساكنيها, فظلوا ينظرون الى بعضهم متسائلين, و ارتفع صوت الهمسات مع مرور الوقت و التى من المفترض ان تكون بصوت خفيض, فما هي القضية التى أجبرته على ترك كسله و مغادرة مكتبه ليطل عليهم؟!, حتما هي قضية مثيرة!!

تجاهلت ما دار من حولها من أحاديث و تنفست الصعداء, سبحت في اللاوعي و ظلت فترة واقفة فيها متفكرة حول القضية هذه مثل من معها, شدّت بها الوساوس حتى انها لعبت دورها عليها ببراعة, فباتت خائفة من أن تكون القضية أعلى من مستوى تفكيرها.

امتعضت ملامحها في قلق محاولة تبديد هذه الأفكار المزعجة التى راودتها فجأة, إلا ان كل محاولاتها بائت بالفشل!

لم تدرك أن ثلاث دقائق قد مرت و هي تسير حول مكتبها في اضطراب و تقضم أضافرها حتى أيقظها من سرحانها صوت أحد المستجدين: آنسة باكلي عليك ان تسرعي لم يتبقى أمامك سوى دقيقتين.

تلعثمت في قولها و تخبطت في سيرها, أفزعها أمر أن تتأخر على نيك لأنه حتما لن يجعلها تعيش حياتها المهنية بسلام, هرعت بسرعة تلملم أشيائها و حشرتها داخل حقيبة كتف سوداء بعشوائية!
علقتها على كتفها و غادرت الغرفة بملابسها الكلاسيكية السوداء و إن كان البنطال يصل الى فوق كعبها قليلا.
خرجت من مركز الشرطة مهرولة لتتوقف امام سيارة فاخرة في تصميمها و فخمة في لونها, لهثت منحنية جذعها علَّها تلتقط انفاسها فيما ناظرها هو بإستصغار!

فتح النافذة و آمرها بعنجهية: فلتصعدي

و لكم كرهت النظرة الساخرة التى شعت في كريمتيه!
عضت على نواجذها في حنق ثم انتصبت و فتحت باب السيارة لتدخلها و كلها فخر, و حاولت قدر استطاعتها ان تخفي عنه اضطرابها.

سألته بينما كان منشغلا في تشغيل محرك السيارة: ما نوع القضية؟!

أجابها محركا المقود لتبدأ السيارة بالتحرك على الخط شبه المزدحم بعدما نشرت دخانها في الهواء و أصدرت انينا حاد مزعج: نوعا ما هي ليست قضية, انه مجرد تحقيق للتأكد من سلامة تيفاني و صديقاتها

ارتفع حماسها و ثبط خوفها, شعرت بالحماقة من نفسها فما كان هناك داع لتثقل صدرها بوساوس مزعجة!
قالت باهتمام تبنى نبرتها: هل حدث لهن شيء؟!

ألسن راميا نظراته على يمينه و أمامه موليا جل اهتمامه على الطريق: لا, إنها مجرد هواجس واردت كريستين

أومأت برأسها لتردف بعد صمت لم يدم لوقت طويل: لو حدث و كنَّ في مشكلة عويصة ما الذي ستفعله؟!
لم تشعر بغباء سؤالها إلا بعد طرحها له, فشتمت نفسها في داخلها!

أعقب ملجما لسانها: سأفعل ما يتوجب عليَّ فعله, ثم توقفي عن طرح أسئلة أنتي تعلمين بالفعل إجابتها

رفعت منكبيها لتخفي رأسها بينهما و قد أحست بانها طفلة أنبها والدها قبل قليل: حسنا, أقسم لك أني لن أسأل أسئلة لا داع لها

ابتسم ساخراً منها غير مدرك لمقدار الإحراج الذي راودها حينها: لم أطلب منك ان تقسمي, إنك حمقاء فعلا

مجددا عادت لشتم نفسها مثل كل مرة, إنها تكره أن تكون مع هذا الشخص تحديدا في قضية واحدة, لأنه حتما سيسلب المجد لنفسه و إن كان صادقا, و سيجعلها تشعر بالإحراج من نفسها, من هو ليحدثها بهذه الطريقة؟! سؤال توغل سراديب عقلها مذكرا إياها في الأيام السابقة!

***

جلست على الأريكة تتصفح مجلة أزياء و تحتسي كوبا من القهوة السوداء كما طلب منها زوجها, غير انها رفعت صوت الموسيقى الصادرة من التلفاز لتعيش أجواء رومانسية هادئة!
أشفق الإسترخاء على حالها فقرر أن يؤنسها ليزيح عنها ثقل داهم قلبها بغتة, تراقصت ابتسامة عذبة على شفتيها و بدأ جسدها بالتمايل متزامنا مع الموسيقى بغير ادراك منها!

عبر من أمامها طيف لفتاة في السادسة عشر محطما بذلك جوها المنعش الذي تمنت أن تعيشه و لو لثانية واحدة فقط!

جذب اهتمامها طيف الفتاة فوقفت متخلية عن القهوة التى وضعتها فوق الطاولة الزجاجية و المجلة و تبعته.
اتخذت الصدمة حيزا كبيرا منها, فشقت تقاسيم وجهها حتى ما عادت تعرف ملامحها و امتصت لونها المائل للبياض!

مايا قد خرجت من غرفتها؟! هذا اول ما خطر في عقلها, فنبست مخاطبة ابنتها المنشغلة بارتداء حذائها: الى أين انتي ذاهبة؟!

اتاها الرد البارد كصاحبته: الى انجيل...لقد أخذت كفايتي من الراحة, أي راحة هذه؟!, لن أرتاح حتى أعرف ما حصل لها!
و انتصبت أثناء نطقها لآخر جملتها.

رمقت والدتها ببرود فبادلتها بالتردد, تحدثت: ألا تظنين انها نائمة ؟!, إن الوقت عصراً على الأرجح ان الناس نيام الان!

تأففت بضجر فهي بالكاد يمكنها الوقوف عظام قدمها آلمتها فورما ابتعدت عن سريرها و ليست متفرغة لسماع نصائح والدتها: أمي إنها مستيقظة حتما, هي تنتظرني, أنا واثقة
انقلبت مغادرة و فورما أمسكت مقبض الباب صرحت بعبارتها التحذيرية: و لا تحاولي إيقافي

ناظرتها محدثتها باندهاش غزا وجهها ففغرت فمها, و قبل ان تفتح الباب بحلقت في والدتها بقلة حيلة و أعقبت ساخرة: أغلقي فمك و إلا سيدخله الذباب!!

سألتها بعدما استجمعت شتاتها: هل ستذهبين حقا بملابس نومك؟!

استغربت مايا لتنظر الى ملابسها التى كانت أقرب الى ملابس النوم, قميص زهري لطيف و بنطال أسود مزركش, امتعضت ملامحها و قالت في شيء من الغضب: أمي هذه ليست ملابس نوم! انها ملابس الخروج

نفت والدتها ذلك و أعقبت عليها: لا, إنها حتما ملابس نوم!

شعرت بالغضب يتفجر داخلها فهي تكره أن يعارضها احد او أن يناقشها, فعقدت حاجبيها في انزعاج و أردفت: أيا كان, سأذهب
دائما ما تصرخ في وجه محدثها إن قال ما لا يعجبها!
صفعت الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتا يصم الأذان, فأدركت والدتها بعدما أغمضت عينيها كردة فعل طبيعية جراء سماعها لذلك الأزيز الحاد أن الأمر قد وصل لحده بالنسبة لتلك الطائشة!

إلا ان الصدمة لم تطرح من على ملامحها, فسقطت على الارض غير مصدقة أن تلك الكسولة قد خرجت من المنزل, تمتمت: يمكنني الموت الآن مطمئنة البال!

***

رمقت السقف بعينين تائقتين لشيء غير ملموس, روحها جائعة تشتهي طعم الأمان الذي شبعت منه في وقت ما, اخترق معدتها تجويف لا تراه العينان, لكن تشعر به أحاسيسها, غياب أختها أثر كثيرا في المحيط من حولها, لم يعد هناك امان يلطف جوها, أو لطف يداعب حيَزها, فقدت مشاعر لم تكن تظن أنها ستختفي يوما ما!

تنهدت بتثاقل فقد سئمت من التفكير بهكذا امور لن تعيد اختها لأرض الواقع فرفعت ظهرها و نزلت من على السرير بتكاسل ثوى حركاتها, شعرها مبعثر فوضوي فطغى على قزحيتيها ليرمي ظله عليهما مبعدا أنظار القلق التى قد تراود الأخرين إن لمحو تراقص الخمول فيهما!

أوشكت على فتح الباب بينما كانت تتثاءب فسبقتها والدتها بذلك, علت الدهشة وجهها كما لو انها ولدت بوجه مشدوه: أمي؟!

قابلتها محدثتها بإبتسامة هادئة لم تتبين كريمتيها تعابير ابنتها المتعبة بسبب الظلام الدامس الذي احاط بغرفتها: مايا تنتظرك في الأسفل

بعثرت شعرها الأدجني بتكاسل لتنطق بثقل: حسنا

تركت مقبض الباب و تحركت مبتعدة عن والدتها لتنزل الى الطابق السفلي متجهة الى الصالون حيث تحدثت مع بيك هناك, همست في نفسها حينما رأت هيأت مايا المسترخية على الأريكة بإحترام دبَ في حركاتها " هل اليوم يوم المقابلات؟! "

جلست مقابل مايا بهدوء شديد حتى ان مقابلتها لم تدرك جلوسها, التفتت ببطيء لتصرخ فزعة, انتفضت انجيل بدورها لتهتف بإضطراب: ما بك؟!

أجابتها بعفوية ممسكة قلبها بيدها و الأخرى بكوب قهوة ساخنه: لقد تفاجأت من وجودك, لم ألاحظ قدومك ابدا

ارتسمت ابتسامة ساخرة مكلفة على شفتي انجيل لتردف بقلة صبر: لماذا انتي هنا؟!

اندفعت مايا بجسدها الى الأمام, مرخية كلتا يديها على ركبتيها و تحتضان الكوب الأبيض, استرخت ملامحها حينما ألسنت بجدية مبطنة التمستها محدثتها: اتيت لأعرف ما حصل لتيفاني, لم أستطع النوم أبدا منذ ان أخبرتني بذلك!

ارتفع فم انجيل لأعلى ما لبث أن توسعت ابتسامة ساخرة على وجهها و علت أنغامها المكان, اندهشت مايا منها و تراجع ظهرها الى الأخلف و لازلت تبحلق بها بطريقة غريبة, فتشوشت مشاعرها آنذاك ما بين إن كانت انجيل هكذا أو ان شيء ما قد مسَها, أحكمت الأخيرة على موسيقاها العذبة و أعقبت: ظننت انك غير مهتمة!

سعلت مايا بعدما تداركت الوضع و أن الحقيرة أمامها – كما نعتتها – تسخر منها, تحدثت بتردد و قد جالت نظراتها الغرفة بتشتت: في الحقيقة انا غير مهتمة و اعتقدت انه من الأفضل لو قتلت, لكن لا يمكنني ان اتغاضى عن حقيقة كونها اختي و من البديهي أن أقلق عليها

اعتلى الاستغراب ملامح انجيل و تفشى في جميع تقاسيمها سرعان ما ابتسمت بعفوية و اكملت: انتي ستصدقينني صحيح؟!

أومأت لها المعنية بعدما دفعت بجسدها للأمام باهتمام, حثت قزحيتيها العسلية انجيل على الإكمال فقالت: لقد تم سحبهن بواسطة دوامة إهليجية تشكلت من التلفاز

أطبق صمت مريض و ثقيل عليهما شاركه بعضا من الهدوء المريب, تكهربت الأجواء قليلا, و اكفهرت ملامح مايا و بدأ عقلها يتشكك في صحة ما تقوله انجيل و قلبها مقتنع تماما بما قالته, تخبطت داخل أغوار الشك و حاولت بإستماتة التفريق بين حديث عقلها المنطقي المعتمد على القوانين و خطاب قلبها المقنع بطريقة ما!

أغمضت عينيها بشدة فتشوشت لديها الأفكار و تداخلت ببعضها حتى أطلقت نفسا عميقا كما لو انها تخرج ما بداخلها من تساؤلات أثقلت كاهلها, نطقت في وهن و تعابير وجهها تخبر ما تخبئه من تردد في داخلها: هل رأيتِ ذلك بأم عينيك؟!

تنهدت في هدوء ثم قذفت خصلات شعرها الى الخلف و أجابت: أجل, لو لم أراه بعيني لما اخبرتك به, و صدقيني انني آخر من تصدق ما حدث!

ترددت لثانية أو ثانيتين قبل أن يلهج لسانها بصوت مرتجف: هل هذا يعني انهن لن تعدن؟!
و انتفض جسدها فورما رسم عقلها سيناريو اختفائهن, لتتنحنح في جلستها و تسعل بتوتر.

أعقبت انجيل ببرود مميت: ربما و ربما لا...

رفعت مايا رأسها و قالت بإرتباك تبنى نبرتها: ربما لا..؟!

عدلت انجيل من طريقة جلوسها و قبل أن تتحدث فكرت في كيفية ترتيب حديثها بطريقة تسهل لمقابلتها فهم ما حدث: التقيت بصديق لزووي يدعى بيك...

قاطع حديثها صراخ مايا المتحمس: بيك؟!
رمقتها انجيل بدهشة يشوبها شيء من النفور, حرقت نار الحماسة المتوقدة داخلها التوتر و الارتباك اللذين سيطرا عليها, فغزت السعادة تقاسيم وجهها, و تأججت النيران داخلها!

تلبكت في حديثها و علت ابتسامة مرتبكة وجهها: هل تعرفينه؟!

صدمتها الإجابة السريعة القادمة من صاحبتها فلم تتوقع ان تكون مايا متحمسة كما هي الآن فأيقنت أن هناك امور عجيبة تحدث في هذ العالم: أعرفه إنه مخترع العاب مذهل و مشهور للغاية, ألعابه نجحت نجاحا مذهلا!, أنتي محظوظة لأنك التقيته!

رمت انجيل نظراتها الى الأرض و قد انتابها الحرج لكونها لا تعرفه في حين أن مايا الكسولة تعرف من هو, أكملت بعد سعالها محاولة إخفاء مشاعر الخجل التي انتابتها في غفلة منها: على اية حال أخبرته بما حدث فقال انه ربما يجد الحل, لذا طلب مني الذهاب غدا الى شركته

التمست مايا الجدية من حديثها فشعرت بالاهتمام اكثر لتنطق بعدما أخمدت الجدية نيران الحماسة: الى اين سحبن؟!

- الى داخل لعبة ما

- لعبة؟!

- أجل, السي دي في الغرفة إن أردتي رؤيته, هيا فلنذهب

- أجل اني اريد رؤيته
و لسبب ما حوطت هالة غامضة مبهمة مايا أشعرت المتمثلة امامها بالرهبة منها!

سارتا الى الأعلى بخطى متزنة, لتدخل انجيل غرفتها و تشعل الأنوار, فورما وقعت عيني مايا على الفوضى المتكدسة في الغرفة شعرت بالنفور و أكدت لذاتها أنها اختارت الخيار الخاطئ للقدوم الى هنا!

انصدمت أكثر من قدرة سير انجيل فوق هذه الفوضى و كأن الغرفة نظيفة, توقفت أمام طاولة صغيرة بجانب سريرها و أخرجت من أحد ادراجها السي دي و سقط معه في نفس الوقت الورقة التى التقطتها من الشارع.

مدت السي دي لمايا التى بالكاد جلست على السرير بعدما عانت في الدخول, و انحنت هي لتجذب الورقة بين يديها, فتحتهما بفضول كما ذلك الذي سيطر على ملامح مايا, صرخت بدهشة انتشلت صديقتها من فضولها فورما وقعت عينيها على كلمات الورقة: كيف نسيت هذا؟!

بحلقت مايا فيها ببلاهة لتتحدث متعاقبة الكلمات بسرعة و قد غدت الحماسة جزء لا يتجزأ من كيانها: نحن قد نملك دليل يساعدنا على معرفة من فعلها...أعني من حبسهن داخل اللعبة

هتفت مايا تاركة السي دي ملقي بجانبها: تمزحين؟!

قفزت كالأرنب فوق السرير لتهبط على الجانب الاخر بجانب انجيل, وقفت و تشاركت الورقة معها.

تحدثت انجيل موضحة: لقد سقطت أمامي أثناء طريقي الى المدرسة, لم اكن أعلم لمن لكن هو حتما شخصا يريد مساعدتنا

تنقلت قزحيتي مايا ما بين انجيل والورقة, فهمست بهدوء مبهم: هل هو خجول؟!
جذب حديثها اهتمام انجيل فرمقتها بإستغراب: اعني انه لو لم يكن خجولا كان قد تحدثت إليك وجها لوجه أليس كذلك؟!

ارتياب غزا ملامح انجيل و اهتمام استوطن قلبها فنظرت الى الورقة بإضطراب وقالت: محقة..!
نظرت الى مايا التى بادلتها النظرات و أردفت بجدية: أتظنين انه قد يظهر و يساعدنا مجددا؟!

ارتخت أصابع مايا على ذقنها و قالت بحدة: على الأرجح بما انه قد ساعدك, هو شخصا على دراية بكل ما يحدث هنا!

دهشت منها انجيل و أوشكت على فتح فمها لتتكلم إلا ان قاطعتها مايا و هي تلتفت عائدة الى الصالون: لنذهب الى منزلهن!

لم تجد أي خيار آخر غير مرافقة مايا و التى لسبب ما شعرت انه قد سيطرت على زمام الأمور, أحست داخلها بل أيقنت أن مايا قد التمست شيئا ما من هذه الورقة الصغيرة, تبعتها الى خارج المنزل بعدما دفنت الورقة في جيبها!

***

توقفت السيارة السوداء امام الفيلا نصف المحترقة, نزلت نوا فزعة حتى انها تعرقلت في سيرها, فيما نزل مرافقها في هدوء شديد, و قد تخشب وجهه محاولا تزييف الهدوء, تقدم بضع خطوات ببرود لتقف نوا بجانبه قاطبة حاجبيها بينما داعبت رائحة البحر المالحة التى تمازجت مع رائحة الرماد أنوفهما!

تساءلت بقلق: هل حدث لهن شيء؟! اعني أن الحريق...!

شد على قبضته و عض على نواجذه, شعر بالقلق يضرب قفصه الصدري بدون هوادة و مع ذلك فضل التزام البرود, تحدث بهدوء يشابه شيء من التوتر الطفيف: كان إحساسها في محله!
رفع نبرة صوته الحادة لتسمعه مرافقته: فقط ما الذي حدث؟!

أعقبت بارتباك: لما لم تتحدث الأخبار عن ذلك؟!, ألسن مشهورات؟! امر كهذا لن تغفل عنه الصحافة و الإعلام أبدا
صمتت ثم أردفت: ألم تخبرك تيفاني بأي شيء عن هذا؟

هز رأسه نفيا و زاد شده على قبضة يده حتى غرزت أضافره في جلده: لا

وضعت يدها على مرفقها و همست بتفكر: غريب, هل اختفين, ام خطفن؟!
لم تدرك انها بالفعل صبت الزيت على النار!
أراد الصراخ إلا انه ألقى بجام غضبه على قبضة يده: لندخل قد نجد دليلا ما
همس لذاته: أيا كان من فعلها فقط انتظر!

طاوعته و دخلت خلفه الى المنزل, سعلت بشدة مغطية فمها بيدها, فيما ظل هو باردا صامتا من الخارج مهتاج و حارا من الداخل, غطى فمه بمنديل أخرجه من جيبه دون معرفتها بذلك, توجهت من فورها الى المطبخ بعدما آمرها بذلك بينما دخل هو الى غرفة المعيشة التى استحالت ألوانها المفعمة بالحياة الى لون رمادي مشبع بالموت و قد فاحت رائحته في المكان فيما كان الأثاث ممتلئ بالرماد, سعل قليلا ثم بدء بحثه وسط الفوضى العارمة التى اجتاحت الغرفة!

بعد مرور دقيقة أو دقيقتين انتصب واقفا متعبا من البحث, شعر بالإرهاق يثقل كاهله و الحقد و القلق يخفقان داخله, جلس على الأريكة مرخيا ظهره عليها و رمق الأرض بشرود, وقفت نوا بجانب الباب, اسندت مرفقها على عموده و قد انتابها الإحباط من هذا الشخص!
هتفت معاتبة: هل تعبت بهذه السرعة؟!

صرح بقوله مشيرا لها بيده أن غادري: فلتختفي من أمام وجهي

امتعضت بنفور سرعان ما ابتسمت بخبث لتردف: لكني لا اقف أمامك سيد ستردوات

أجابها بخمول: حقا؟!

تحولت الابتسامة الخبيثة الى ابتسامة مرتبكة, اضطربت بسبب نبرة صوته الخاملة: هل انت بخير؟!

لهج لسانه بهدوء مبطن بالغموض: لا أدري

تراجعت بضع خطوات و ملامح الإنزعاج و الاستغراب تشاركتا في غزوا مشاعرها و ملامحها, وضعت سبابتها بجاب جبينها و أدارتها أي مجنون!

و حينما أوشكت على الأنعطاف أرهف سمعها صوت صراخه الحاد: دليل!!

التفت من فورها بذهول و هرولت الى جانبه, كان منحي جذعه الى السجادة ليلتقط ورقة ما, انتصب وقت إرجاع نوا لخصلات شعرها المتمردة الى خلف اذنها, هتف بحماس: انظري انها رسالة! حتما شخصا ما هو من فعل هذا

رمقت كلمات الورقة و التى كانت مكتوبة بالخط الأحمر, همست بغموض: حققت امنيتك؟!

ناظرته بإستغراب لتقول: ما الذي يعنيه هذا؟!

أجاب بإرتياب: امنية! هذه الكلمة هي الخيط الذي يربط كل ما حدث لهن!

جذب نظرها صندوق لعبة مستلقي بجانب أقدام الطاولة الزجاجية: ما هذا؟!

بادلها النظرات ليهمس: خذيه انتي ظهري يؤلمني بالفعل

شعرت بغباء عقلية مديرها ولا تدري كيف صنف من أذكى محققي بريطانيا!, انحنت و سحب الصندوق الى جحرها, وقفت و نظرت اليه بإمعان كما فعل هو!

همس بصوت عميق: صندوق لعبة؟!

وقفت أقدام فتاتين امام المنزل تلهثان من التعب, انتصبت ذات الشعر الأسود بعدما كانت منحنية جذعها و بحلقت في المنزل همست: حريق؟!

رفعت الاخرى ظهرها كذلك و قالت: أجل, لقد احترق

تحدثت مايا بهدوء: لندخل

أومأت لها انجيل و ولجتا الى الداخل و لم تعلما بوجود السيارة السوداء!

***
- هل جننتي كورال؟! أعني زووي القائدة نوعا ما انه ضرب من الجنون اليس كذلك؟!
هتفت كريستال منفعلة على قرار كورال فيما بقيت الاخيرة صامتة!

- الجنون بعينه هو أن أكون انا القائدة و أنا لا أعرف شيئا عن الألعاب! زووي أكثرنا خبرة في هذه الأمور, فلما لا نضع حياتنا بين يديها ونثق بها؟!
تحدثت بطمأنينة و عقلانية جعلت كل الواقفات جالسات يتفكرن بكلامها!, هي لديها بعد نظر فعلا! فلم تنظر للقريب بل نظرت الى المستقبل البعيد!

همست زووي بإرتباك: ألا بأس بذلك كورال؟!
التمعت عيناها بعبارة لا أريد حينما كانت تنظر الى كورال!

أومأت برأسها مشجعة محدثتها: لا بأس بذلك, لو لم أكن أثق بك لما قلت ما قلت!
دفعت كتفها بيدها قليلا و هتفت بتشجيع: هيا أنا أثق بك حتى هن تثقن بك!

تنهدت بتردد و أجابت متربعة مطأطأة برأسها: حسنا

صمت ممل اطبق عليهن على حين غرة, فلم تجرؤ الواحدة منهن على فتح فمها حتى كرسته نارو بقولها: هل تظنون حقا باننا سنخرج من هنا؟! اعني قد قال الصوت ذات مرة أنه ستتوالى علينا الجولات حتى نموت!

و تشتت نظراتها بين رفيقاتها, صرحت تيفاني متفائلة و إن كانت تشعر بالقليل من الرهبة من كلام نارو: ما هذا الذي تقولينه نارو نحن حتما سنخرج من هنا, أليس كذلك؟!
رمقت صديقاتها ببريق أضاء كريمتيها فبدأ يخبو حينما تنتقل من وجه قلق الى آخر لا يختلف عنه!
تحدثت بإبتسامة مرتبكة تتلاشي تدريجيا: هيا ما الذي حدث للحماس الذي فجرتيه زووي قبل قليل؟!, ألم نتفق على كسر قوانين هذه اللعبة؟!, هل ضرب الخوف عقولكن؟! إذا كان كل ما صرحتن به مجرد كلام, أليس كذلك كريستال زووي؟!

كلماتها ولجت داخل قلوبهن رغما عنهن فضخت الدم في شرايينهن و بثت الروح في خلاياهن, لتنضج ملامحهن بالعفوية, كن قلقات حقا من الموت, خائفات, ممتلئات بهواجس لا صحة لها, حتى أبعدت تيفاني عنهن ضباب الوساوس و أعادت روح الحماسة لهن مجددا, و تعاود الابتسامة سيطرتها على شفتي تيفاني فتهدأ أخيرا!

اعتذرت نارو منزلة رأسها للأسفل: اسفة حقا, لم أكن اريد...

قاطعتها زووي قائلة بمرحها المعتاد: علام الاعتذار؟! انتي لم تقولي شيئا خاطئا, لكن معك حق نحن بحاجة الى مساعدة من الخارج!

أضاءت عبارتها عقل كريستال فأعادت لها ذكريات آخر لحظة قضينها في العالم الخارجي, هتفت مشبكة يديها ببعضهما: انجيل...!

رمقنها بإستغراب لتردف: انها تعرف ما حدث لنا!, أعني لقد كانت حاضرة أثناء نقلنا الى هنا, هي حتما لن تقف مكتوفة الأيدي

سالتها نارو بعدما احترق الأمل داخلها و تمنت ألا ينطفئ يوما: حقا؟!

أجابتها كريستال بإبتسامة شغت ثغرها: أجل, علينا ان نثق بها فحسب

تساءلت تيفاني بإهتمام: ألا يعني هذا انها قد تخبر مايا؟!

أجابتها زووي بسؤال آخر: و ما المشكلة إن أخبرتها

السنت و هي تنظر لهن بقلق يرافقه بعضا من الاضطراب: هي لن تساعد, ستظل جالسة على سريرها, إنها كسولها

هتفت كورال و قد بددت صرختها شياطين تيفاني التى وسوستها: لا تلقي بالا لذلك, مايا طيبة القلب لن تقل لا لشخص يريد مساعدتها أليس كذلك؟!

أومأت لها تيفاني و قالت: اتمنى ذلك فعلا

تدخلت نارو بفضول: أوليست مايا تمتلك نسبة ذكاء عالية؟!

هزت تيفاني رأسها موافقة و أعقبت: اجل, هي عبقرية

ابتسامة تراقصت على شفتي نارو: ألا يعني هذا انها قد تعرف من أدخلنا الى هنا و لماذا؟!

- نتمنى ذلك فعلا
أجبن الأخريات بخمول مع تنهيدة ثقيلة أخرجنها بتعب

نبست كريستال لذاتها " انجيل, اني اثق بك"

نهاية الفصل[/cc]

التعديل الأخير تم بواسطة Soleil~ ; 01-19-2018 الساعة 11:06 PM