الموضوع: Neverland رواية
عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 11-10-2017, 10:08 PM
 
الفصل السادس : الساحِرة البَيضاء.
جُدرانٌ مُهتَرِئة مِن حَجَرِ البوكِ يَتشبثُ بِها بضعُ شمعدانٍ يجاهدُ لتحويلِ و َلو جزء صغيرٍ منَ العتمةِ ضياءً... و رغمَ ذلكَ لا تزالُ هي المهيمنُ.
رطوبةٌ فظيعة فَتَكَت بالجوِ حَتى أمسى السقفُ يمطرُ قطراتِ الندى المتشبثةَ بهِ بيأسٍ لألا تسقط.
و غرفةٌ ضُجعَ بابُها بالقضبانِ المعدنيةِ لَم تحتوي فيها سوى كرسيٍ منَ الخشبِ و سريرٌ قديم.
قَد يُخيلُ لكَ أنّ الوقتَ ليلًا.. لا عجبَ فالظلامُ سيدُ المكان... لَكن مَن يعلمُ إن كانَ كذلكَ حقًا أم لَم يكن، فهنا يستمرُ الغيهبُ طوالَ ساعاتِ اليومِ الأربعِ و العشرين.
فإن عدنا إلى تلكَ الغرفة... نجدُ امرأةً جلست على السريرِ ترمقُ الخلاءِ بعينيها الياقوتيتينِ و يبرقُ في نظراتها الفارغةِ شعاعًا منَ الحنين.
بالطبعِ هي لَم تَمتلك قطعًا مظهرًا تراهُ كُل يوم... رُبما لَيسَ هُناكَ أحدٌ غيرها في كُلِ هذا العالمِ بشعرٍ أبيضَ كبياض الثلج حتى إنهُ يكادُ يشعُ وسطَ الظلام ؛ عينانِ كالياقوتِ و بشرةٌ شاحبة البياض.. أو ربما يوجد.
هي تسترجعُ مِن ذكرياتها لقطاتٍ و مقتطفاتٍ صغيرة معَ أحدِ الأقربينِ إلى نفسها و قلبها... ربما الوحيد الذي تبقى منهم حيًا يرزق..
ذلكَ الذي لا تتذكرهُ سوى طفلًا لطيفًا محبًا، لطالما أبهجَ حزنا و آنسَ وحدتها بابتسامتهِ البريئة.. أنارَ عتمتها بضياءِ عينيهِ الذهبيتانِ اللتان التمعتا ببراءة و كيفَ كانت تعبثُ بخصلاته الكحلية الناعمة كُلما دنا منها
هَمست ذلكَ الاسم الذي لطالما أطلقتهُ عليهِ بصوتٍ رغمَ رقتهِ إلا أنهُ تحطمَ لثقلِ الهموم " دين..."
تلكَ اللحظة كانت هدوءً طغى على مصغاها، صخبًا دوى في قلبها... لَكن حدثَ ما حولَ هدوءَ مسامعها صخبًا و صخب قلبها فوضى عارمة.
أحدُ الحارسانِ اللذانِ راقبا غُرفتها تسائلَ و التعجبُ يغمرُ نبرتهُ " هَي !، أسمعتَ ؟، جلالتهُ قَد تراجعَ عَن فِكرةِ قتلِ ذلكَ الممسوس."
أجابَ الثاني بنبرةٍ ساخرةٍ لا مبالية " ابنُ الساحِرة ؟، أجل أجل لقد سمعتُ !، حسنًا.. ما ينتظرهُ هو مصيرٌ أسوأ منَ الموتِ بأي حال !."
زفرَ الأولُ مبتسمًا باستهزاء " أليسَ كذلكَ ؟، هذا يعني أنهُ المختارُ بعدَ كُل شيء !، يا لهُ مِن مسكين.. ما زالَ شابًا بعدَ كُل شيء !."
فحيحٌ أصدرهُ الثاني أثناءَ شهيقهِ فقالَ " اسمهُ كانَ على الأرجح ... اوه أجل إنهُ...."
صدمةٌ سُكبت عليها كدلوِ ماءٍ باردٍ وسطَ الشتاء يسري رعشةً ابتداءً مِن رأسها و حَتى أخمصِ قدميها دافعًا حدقتاها للإتساعِ على مصراعيهما دونَ وعيٍ منها و قلبها إلى الخفقانِ متسارعًا حدَ التوقفِ فدارت بها الدنيا تتأرجحُ في كُل إتجاهِ لتشعرَ بتوازنها و قَد اختلَ رغمَ كونها تجلسُ بالفعل.
هي لَن تسمحَ لذلكَ الشخص بسلبها أحدًا آخر... يكفيها أنهُ قَد انتزعَ روحَ الرجل الذي أحبت .. و إن لَم ترَ صاحبَ الاسمِ الذي ذكراهُ مُنذُ سِنونٍ طوال فقد أجبرت ذاتها على الاكتفاءِ بعلمها أنهُ لا يزالُ حيًا و لَو لَم يكُن في أحسنِ حال !.
كانت هذهِ هيَ القشة الأخيرة ، هي عقدت عزمها على الخروجِ مِن هذا المكانِ التعيسِ أخيرًا فما كانَ ما يربطها بهِ سوى حماية ذلكَ الذي يتحدثونَ عن حياتهِ و كأنها أرخصُ مِن حياةِ نملة...و إن كانوا يخططونَ لإيذاءهِ فلا يربطها شيءٌ بِهُنا.
اختبأت خلف بابِ غرفتها فصرخت صرخةً عاليةً دفعت بالحارسانِ للهرعِ نحوها يستفهمانِ عَن حالها فإن كانَ ملِكُهُم يؤذيها حدَّ الجنون هو سيرسلهما إلى ساحة الإعدامِ لَو مَسها أحدٌ سواه.
وقفا يحدقانِ بالزنزانة فإذ بها فارغة، أما هي فقد تمتمَت طلاسمَ جَعَلت عيناها تزدادانِ حُمرة و بشرتُها شحوبًا فإذ بالمكانِ يهتزُ متذبذبًا ثُم ينهارُ فوقَ رؤوسِهِم فهيَ لَم تُنعت بالساحرةِ عَن فراغ.
استغلت الموقفَ تهربُ و قَد حدثت نفسها بجملةٍ واحدة " انتظرني عزيزي.. أنا قادمةٌ مِن أجلكَ !."
أما في القلعةِ عَطَسَ آيدن على الأوراقِ الَتي ملأت مكتبهُ متسببًا في تطايرها فبدأ كريس بجمعها متذمرًا " الرحمة آيدن !، ها قد تسببتَ بعملٍ إضافيٍ ما مِن داعٍ لهُ !... أ أصبتَ بالبردِ جراءَ إرهاقِ نفسكَ أخيرًا ؟."
عقدَ آيدن حاجبيهِ فأجابَ منزعجًا " اخرس و اجمعها كريس !، ربما هُناكَ مَن يتحدثُ عَني !، أجل إنهم يتحدثونَ عني !، يستحيلُ أن أصابَ بالبردِ لسببٍ تافهٍ كهذا !."
زفرَ كريس بقلةِ حيلةٍ واضعًا الأوراقَ على مكتبِ كحليِ الشعرِ مجددًا " أجل أجل سيد مثالي... هذا محالٌ تمامًا..."
مَددَ آيدن جسدهُ على الكرسيِ مرخيًا رقبتهُ إلى الخلفِ يحدقُ بالسقفِ فقالَ بنبرةٍ شَابَها التعب " لَقد ردَ مُناصِرو جوزيف بالإيجاب .. و قريبًا سيأتي وقتُ التنفيذ... أي أحمقٍ تظنني لأمرضَ في وقتٍ كهذا..."
ابتسمَ كريس بشغفٍ و متعة، ابتسامةً عريضة مُلأت بالثقة بينما يقفُ عند عتبة البابِ مغادرًا الغرفة " لا تَقلق سموكَ... الحَمقى لا يُصابونَ بالبرد !."
ضغطَ آيدن على القلمِ بينَ أصابعهِ بشدةٍ حَتى انكسرَ فجأة ليتطايرَ جزءهُ العلويُ في الهواءِ بالإضافةِ إلى بضعِ شظيةٍ فهتفَ مغتاضًا " يومًا ما سأقودكَ إلى المقصلةِ كريس !، أقسمُ بذلكَ !!."
أما كريس فَقد وقفَ متكأ على جدارِ غرفةِ آيدن خارجها يبتسمُ لنفسهِ فهو قَد ضربَ عصفورانِ بحجرٍ واحد... نادى سيدهُ بسموكَ، الكلمة التي لطالما استفزت الأخيرَ خصوصًا إن قالها هو و جين دونَ غيرهما و الثاني هو نعتهُ بالأحمق بصورة غير مباشرة يمزجُ الأدبَ معَ الوقاحة
رمقَت عينا جين كريس بجفاءٍ فقالَ بنبرةٍ باردة لَم تخلُ منَ الطفولية " أنتَ شيطان !."
وجهَ كريس نظراتهُ نحوَ المتحدثِ محافظًا على بسمتهِ " شُكرًا !."
هتفَ جين مستنكرًا " لَم أكُن امتدَحُكَ !."
خبا صوتهُ يتكلمُ بهدوءٍ و جدية كالتي رُسمَت على وجهه " أستتركهُ يفعلها حقًا ؟... الانقلاب."
تلاشت ابتسامة كريس فالتمعَ بريقٌ حادٌ في عينيهِ لُفّ بالغموضِ فلا أحدَ يدركُ كيفَ يفكرُ كريس أو ما الذي يخفيهِ خلفَ ابتسامتهِ و نظراتهِ سوى كريس نفسهُ
التفت نبرتهُ بالهدوء " لا مجالَ للتراجع..."
حدقَ بعينا جين يرمقهُ بنظراتٍ جادة " أ أنتَ خائفٌ جين ؟، أنتَ لا تزالُ طفلًا.. عذركَ معكَ لِذا إن--"
قاطعهُ جين هاتفًا بحدة " لا تقرر مِن تلقاءِ نفسكَ !، أنا مستعدٌ للموتِ مِن أجلِ أميري !.. لَكن ما يخيفني حقًا هو ألّا أتمكنَ مِن حمايةِ ذلكَ الأمير... ماذا لَو فقدَ حياته ؟، ما الذي سأفعلهُ حينها ؟!."
عاودَ كريس الابتسامَ ببلاهةٍ كالمعتادِ فسَخِرَ " واو واو مهلًا يستحيلُ أن يموتَ بتلكَ السهولة !، على يدِ مَن بحقِ السماءِ تظنُ أنهُ تدرب ؟."
حدقَ جين بهِ بفاهِ و عينانِ مفتوحتانِ لوهلةٍ ثُم زفرَ يائسًا " أنتَ لا جدوى ترجى منكَ..."
تعابيرٌ بمنتهى الهدوء و الجدية شقت طريقها إلى تقاسيمِ وجهِ كريس فربتَ على خصلاتِ جين البرتقالية قائلًا " لا تقلق جين.. هو سيكونُ بخير... إنهُ أميرُنا بعدَ كُل شيء..."
و في غرفةٍ أخرى مِن غرفِ القلعة جلسَ بليك مبتسمًا ينقرُ على مكتبهِ بسبابتهِ " كما توقعتُ... دَين يخططُ لإيقاعِ والدنا بالمتاعب... كَما هو متوقعٌ مِن ابنِ الساحرة.. لكنني لَن أدعكَ تفعلُ ما يحلو لكَ أخي.. فَلتكُن مستعدًا."
مكانٌ آخر حيثُ لا يعلمُ أحدٌ أينَ و متى.. جلسَ رجلٌ عجوزٌ عاشَ منَ العقودِ ما يكفي ليصطبغَ شعرهُ بالأبيضِ آخذًا ينقرُ يدَ كرسيهِ بسبابتهِ " القرية احترقت.. الساحرة هربت.. أتستمعون والاخوانِ على وشكِ خوضِ معركة... كُل شيءٍ في مكانهِ."
أما في عاصمة المستعمرة... ازدهرت الحياةُ بصخبٍ مسالم.. كيفَ لا و هي تطلُ على المحيطِ مِن جهاتها الثلاث..
فقد بُنيت القلعةُ بعيدًا عَن الرصيفِ بضعَ مئات منَ الأمتارِ يحيطُ بها الماء من كل الجهات وَ لَم يربطها باليابسةِ سوى جسرٍ حجريٍ لا يطأه سوى أفراد الأسرة الملكية و ضيوفها بالإضافة إلى الشخصيات الهامة في القلعة.
هُنا تسيرُ الحياةُ بطبيعية.. كما لَو لَم يكن هُناكَ خطرٌ يفتكُ بالعالمِ في الخارج..
الطعامُ البحري وافر و اللحم و الدجاجُ ليسَ بهذهِ الندرة...
المحالُ التجارية تملأ كُل ركنٍ و زاويةٍ منَ السوقِ المركزيِ و سفنُ الصيدِ تجوبُ البحرَ قريبًا منَ الميناء.
النبلاءُ ارتادوا سياراتٍ كلاسيكية فخمة فلا تجدهم يسيرونَ كعامة الشعب.
و رغمَ كُل شيءٍ فقد كانت الحياةُ صعبةً لسببٍ ما... إما فقيرًا حدَ الموتِ جوعًا أو غنيًا يسبحُ في المال... لماذا ؟، لا أحدَ يعلم !.
بالرغم مِن كونِ المحال التجارية وافرة إلا أن الوظائفَ غيرُ متاحة...
ترى هذا يعملُ معَ أسرتهِ و ذاكَ أيضًا.. فمن ذا الذي سيدفعُ للغريبِ أجرًا و هو يملكُ اسرةً تعملُ بالمجانِ و دخلها كلهُ يعودُ إليها.
و إن كانَ رجلٌ قويٌ في الثلاثينِ غيرَ قادرٍ على العملِ فما بالكَ بطفلٍ بجسدٍ هزيل ؟.
رغمَ ذلكَ وجدَ آرثر عملًا.. هو يعملُ حمالًا على متنٍ سفينةٍ لنقلِ البضائع... أجل، مرّ شهرانِ على حادثةِ القرية، و قَد تمكنَ منَ الاستقرارِ و ليديا في العاصمةِ بشكلٍ أو بآخر.
اليومَ هُم متوجهونَ نحوَ الباب الخلفي للقلعةِ و المطل على المحيط حيثُ لا تبلغهُ سوى السفن بغرضِ توصيلِ شحنةٍ منَ الطعامِ و النبيذ للأسرة الحاكمة
و كعادتهِ آرثر يحدقُ بالمحيطِ بهدوءٍ شديدٍ كَما لَو كانَ عالمهُ كُلهُ راكدًا... عيناهُ تشعانِ ما لَم يكن حزنًا أو سعادة.. نظراتٌ جوفاءَ ببريقٍ فارغ.
رَست السفينةُ عندَ بوابة القلعةِ أخيرًا فبدأ العمالُ بإنزالِ الحمولةِ و فقط حينها لمحَ آرثر امرأة تَسللَت مِن نافذةِ القبوِ المحاذيةِ للأرض تتلفتُ يمينًا و شمالًا تبحثُ عَن مهربٍ ما.
و يا للصدمةِ هي تملكُ شعرًا أبيضَ و عينانِ ياقوتيتانِ تمامًا مثلهُ
ازدردَ ريقهُ يحاولُ تكذيبَ ما ترى عيناه.. ثُم بات يستوعبُ ما يحدثُ أمامهُ بحواسٍ مشوشةٍ
لَم يضع في حساباتهِ يومًا لقاءً معَ نظيرٍ لهُ في الشكلِ و لَم يرغب في ذلكَ قطعًا...
فامتلاكُ المظهرِ ذاته يعني امتلاكَ الماضي ذاته.. و ما مقدارُ الغضب الذي تملكهُ فقط لمجردِ تفكيرهِ بأنهم فعلوها بامرأة.
قطبَ حاجبيهِ و أخذَ برميلًا فارغًا معهُ متوجهًا نحوها... رفعت رأسها فالتقت عيناها بعيناهُ و ردةُ فعلها لَم تكُن مختلفةً أبدًا
وضعَ البرميلَ أمامها أرضًا " اختبئي داخلَ البرميل !، أعدكِ سأوصلكِ للعاصمة بأمان." همسَ بها آرثر.
فعلت ما أملاهُ عليها دونَ سؤالٍ أو اعتراض.. فتحديقها ببعضهما كافٍ ليبنيَ ثقةً متبادلةً بينهما.
حملَ البرميلَ إلى السفينة و هي داخلهُ حتى وصلوا إلى الميناء حيثُ أخذها إلى أحدِ الأزقةِ و ساعدها على الخروجِ منَ البرميلِ.
هي ظلت تحدقُ بهِ بنظراتٍ فسرها على أنها شفقةٌ كونها مرت بنفسِ ظروفهِ فشهقت استعدادًا للحديثِ لكنهُ سبقها قائلًا " أنتِ بخيرٍ سيدتي ؟."
استدركَ سؤاله الأحمقَ ينظرُ إلى السماء بينما يبعثرُ شعرهُ بخفة متمتمًا " يستحيلُ أن تكونَ كذلكَ !."
أما هي فقد فاجأتهُ بتلمسها خدهُ بأطرافِ أناملها مجيبةً بلطف " أصبحتُ بخيرٍ بعدَ أن ساعدتني... شكرًا لسؤالكَ."
تلعثمَ قليلًا فحمحمَ ينظرُ بحوَ عينيها " عفوًا... على كُل حالٍ المكانُ خطرٌ هُنا... ربما هم لا يزالونَ يلاحقونكِ الآن ، فلنذهب إلى منزلي."
أومأت بالإيجابِ لتعطسَ بخفةٍ كونها ترتدي ثوبًا خفيفًا و بحكمِ كونهم في بداياتِ شهرِ نوفمبر الجوُ يميلُ إلى البرودةِ بشدة
خلعَ آرثر معطفهُ الشتوي ذو اللون الزيتوني الغامق مقدمًا إياهُ لها يشيحُ بعينيهِ بعيدًا فما كانَ منها إلا أن تقبلهُ بابتسامة لطيفة.
دخلَ آرثر تلكَ الشقة المتواضعة التي أصبحت منزلًا لهُ و لِليديا فدخلت السيدةُ خلفهُ بترددٍ تمعن النظر بما حولها
" لقَد عُدت." هتفَ بها آرثر لتستغربَ الشيباءُ تصرفهُ
لكنَ ذلكَ الاستغرابَ تلاشى حينَ سمعت صوتَ ليديا تُجيبه " أهلًا بعودتكَ !."
و رغمَ كون الاستغرابَ تلاشى إلا أنّ استغرابًا آخرَ حلّ محلهُ كونَه يعيشُ معَ شخصٍ آخر فليسَ منَ الغريبِ أن يفقدَ أحدٌ ثقتهُ بكُل شيءٍ حولهُ بما فيهم نفسهُ بعدَ أن مرّ بما مرا بهِ.
دَنت ليديا مِنَ البابِ لتُفاجأ بوجودِ امرأةٍ قربَ آرثر، كنسخةٍ طبقَ الأصلِ عنهُ " مَن ؟." سألت ليديا باستغراب.
شتتَ نظراتهِ أرجاءَ المكان فهمسَ بتردد " لا أعلم ..."
لحظةُ صمتٍ سادت على المكانِ و آرثر و ليديا يحدقانِ ببعضهما بهدوءٍ يحاولانِ استيعابَ الموقف
" على أي حالٍ أدخلي إلى الداخلِ سيدتي.. سأعيركِ بعضَ ثيابي.. و أنتَ أيضًا غير ملابسكَ آرثر..." قالتها ليديا مرتبكة تحاولُ لملمة الوضع قدرَ استطاعتها.
بعدها اجتمعَ الثلاثةُ على الطاولة يحتسونَ الكاكاو الساخن بصمتٍ حتى كسرتهُ شيباءُ الشعرِ بتردد " أدعى شيلا.. آسفة للتأخر بالتعريف عن نفسي... و أظنُ أنكَ تعرفُ ما هي قصتي و مِن أينَ أتيت."
أومأ لها آرثر إيجابًا " و أنا آرثر... أما هي ليديا... أجل، على الأقل أغلبها ... لا بد أنّ ذلكَ كانَ صعبًا..."
سألت ليديا بفضول " ماذا تعني آرثر ؟... ماذا معها ؟."
ابتسمَ لها آرثر ابتسامةً حنونةً بانَ عليها الحزنُ جليًا و ربتَ على رأسها بهدوء " إنها مثلي ليديا..."
غطت ليديا فمها بكفيها تحدقُ بشيلا رعبًا تهمسُ " لا أصدقُ هذا..."
تفحصَ آرثر جسدَ ليديا بعينيهِ بدقةِ فسأل " لكن كيفَ انتهى بكِ الأمر في القلعة ؟، لا أظنُ بأنها سجنًا ؟."
أجابت شيلا " أه.. صدق أو لا تصدق.. أنا زوجةُ الملك بطريقة أو بأخرى ؟."
جديةٌ رسمها آرثر على وجههِ حتى بانت تعابيرهُ باردة و نظراتهُ حادة " لا يبدو لي أنكِ تُعاملينَ كملكةٍ سيدتي..."
أغمضت عينيها مجيبة بهدوء " بالفعل... أنا زوجته.. لكنني لستُ الملكة... فأولًا أنا كما ترى مِن سُكانِ ما تحتَ الأرض .. و ثانيًا أنا زوجتهُ الثانية.. و بما أني لستُ والدةَ ولي العهدِ يستحيلُ أن أكونَ الملكة."
أغمضَ آرثر عينيهِ زافرًا بقلةِ حيلةٍ فبعثرَ خصلاتِ شعرهِ بتوترٍ يحاولُ أن يفهمَ نوايا الملكِ بزواجهِ مِن إنسانةٍ عاشت تحتَ الأرضِ تتلقى معاملة المواشي.. تمامًا مثله.
و قبلَ أن يسأل غيرت شيلا دفةَ الحديثِ " هُم أدخلوكَ تلكَ الكبسولة صحيح ؟."
في تلكَ اللحظة تشوشت رؤيتها و تلاشى الهواءُ حولَ آرثر قابضًا على قلبهِ بشدة " أجل ..."
شعرت و كأنّ قلبها يُدهس.. معَ أنها كانت تعلمُ أنهُ يستحيلُ أن يملكَ مظهرًا كهذا إن لَم يكن كذلكَ.. إلا أنّ جزءً صغيرًا من عقلها اللاواعي نفى هذهِ الحقيقة.
سألت" إذًا ؟، كيفَ خرجتَ مِن هُناكَ ؟."
التهمَ آرثر شفتيهِ مبللًا إياهما ثُم أجابَ متلعثمًا يشتتُ نظراتهِ أرجاءَ المكانِ " لا أعلم.. كُل ما أتذكرهُ أني كسرتُ الكبسولة بطريقة ما ثُم وجدتُ نفسي في الخارج.. على الأرجح ... أنا قتلتهم جميعًا..."
ضاقت أنفاسُ شيلا معَ ازديادِ الحملِ على صدرها و بصوتٍ خافتٍ سألت " إذًا أنتَ لا تعلمُ لِمَ فعلوا هذا و لأيّ سبب ؟.."
ازدردَ آرثر ريقه... و قلبهُ يدقُ بتسارعٍ تجولُ بالهُ العديدُ منَ الأفكار السوداويةِ " السبب ؟."
رد مع اقتباس