عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-24-2008, 12:02 PM
 
وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَها

وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَها / د. سعد الدريهم


المختصر/ الإسلام اليوم / إنمن مكنون النفوس المؤمنة، وما انطوى عليه سليمُ الفطر منها: أنه لن تهلِكنفسٌ منفوسةٌ حتى تستهلك ما كُتِبَ لها من رزق؛ بل إن الرزق المسطور فيالمقدور للإنسان ليطلبه طلباً حثيثاً حتى يدركه، ولا بدّ أنه مدركه وعداًمن الله حقاً.
ولو اجتمع الخلق أجمعون على أن يرزقوا إنساناً شيئاً لميقدره الله له، فلا ريب أن سعيهم في تباب، ولو اجتمعوا على أن يمنعوهرزقاً كتبه الله له فسعيهم ذلك في خسران، قد جفّت الصحف بما هو كائن إلىيوم القيامة، ولن يزيدَ الحرصُ في المرزوق، ولن تُنْقِصَ منه جَلَبَةُغِيَرِ الزَّمان، ولا ينفع الإنسانَ حينذاك إلاّ تقوى الله، والإجمال فيالطلب بأن تأخذ الشيء من وجهته الحقّة، وتضعه حيث أُمِرتَ بذلك في وجوههالمعتبرة شرعاً. يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إنّ أحدكم ليطلبه رزقهكما يطلبه أجله؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
ومنطوق الكتاب العزيز ومفهومه يعزز من هذا الفهم القويم، ويعلي من شأنه، ولعلك لو تدبرت قول ربك سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّيُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم:40]، لأدركتذلك، فالحق سبحانه أورد الخلق والرزق بالفعل الماضي الدال على الانقضاءوالانتهاء، وعندما أورد الإماتة والإحياء عبّر بالفعل المضارع الدال علىالتجدّد والاستمرار؛ ليوقف الخلق على أن أرزاقهم قد فرغ منها كما فرغ منخلقهم، ومن هنا انطلق الفهم النبوي الكريم.
وهذا المفهوم للرزق مستقرفي روع المسلم كما أسلفت لا تكدّر من صفوه الأبواق الناعقة بالنذيربأن العالم مقبل على باقعة تكاد تحيل أمنه الغذائي إلى مجاعة بسببٍ منكثرة الناس على هذا الكوكب، وقلة إمكانات الأرض؛ لكي تعوض هذا النقص فيمواجهة هذا الكثرة المتكاثرة من البشر وما على الأرض من دابة، وحينئذ لابد للعالم أن يتخذ الاحتياطات لكي يواجه هذه المجاعة المحتملة، ومن الحلولالمطروحة من قِبَلِ مفكري الغرب ودهاقين الحكمة لديه أن يُقلّل النسلوتُؤخر سني الزواج؛ ليقل عدد سكان العالم؛ لكي يكون في مقدور الأرض الوفاءباحتياجاتهم.
هذه نظرة الغرب ومن استفزته قناعاته لمواجهة النكباتوالنوازل الحادثة، وهي ولا ريب تخالف المسلمات الإسلامية التي أوردتها فيصدر مقالتي هذه. فالمؤمنون أخذوا بموعود الله، والكفرة الفجرة انتجعواموعود الشيطان، وكلٌّ يعمل على شاكلته (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُيَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268]، ولن يكون في خلق الله إلاّ ما يشاء سبحانه وتعالى.
ولونظرنا في الحلول المطروحة من قبل أولئك القوم لوجدناها تخالف تعاليمالإسلام وأحكامه، التي أمرت بالزواج لمن استطاعه، وحثَّت الأمة علىالإكثار من النسل لمغالبة الأمم ومكاثرتهم، ولو نظرنا في توقعات أولئكالغربيين، لوجدنا أنها كثيراً ما تخالفها الأحوال؛ فلا يكاد يمر العالمبنازلة إلاّ ويعقبها الرخاء، ويأتيهم الرزق من حيث لا يحتسبون، بل لو عاشعلى هذا الكوكب أضعاف ما عليه لكفاهم ما قدَّر الله فيها من أرزاق. يقولالحق سبحانه وتعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْلَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَلَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنفَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِأَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ) [فصلت:9،10]، لكن الحق سبحانهلعلمه وحكمته سبحانه يخرجه لهم حيث حاجتهم له بمقدار موزون،فسبحانه من إله ما أحكمه. يقول الحق سبحانه: (وَالأَرْضَمَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنكُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنلَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَاخَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ). [الحجر:19،21] ، ولو أنعمت النظر لرأيت أن الناس لمّا كانوا قلة على ظهرالأرض كانت طرق الزراعة والري بدائية وذات قدرات محدودة، ولمّا تكاثرواألهمهم الله اختراع هذه الآلات الحديثة ذات الأثر الكبير، وقسْ على ذلك كلأمر يتعلق بمعايش الناس وحاجاتهم.
ولو دققت في نظم الآية السالفة من سورة فصلت، وهي قوله تعالى: (قُلْأَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِوَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَارَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَافِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ). [فصلت:9،10]، فلا يروعك وأنت تتفحصها إلاّ قوله: {وَبَارَكَ فِيهَا}،ولا ريب أن ما بارك الله فيه فلا حد لبركته، وأنت ترى ذلك واقعاً لا لبسفيه، فالعالم قاطبة يعمل تفتيشاً وتقليباً في الأرض فتعطيه ما أراد، وكلهذا من بركات ربها سبحانه وتعالى. وارجع البصر كرة أخرى لترى أن هذهالبركات محيطة بالأرض ففي كل قطر منها نصيب؛ ليتوزعها البشر، وتتعلقمصالحهم بعضهم ببعض؛ لكيلا تكون دولة بين فئة دون فئة، وهذا من مقتضىالحكمة والبركة الإلهية، فسبحان من خلق وأوجد وبارك.
ومما يبعث علىالطمأنينة، ويقذف الراحة في النفوس أن الأرض ستفنى، ولما تستنفد ما أودعالله فيها من الأقوات والبركات، وهذا ما استقر في نفوس أهل الإيمان دونغيرهم من بني الإنسان. فالحق سبحانه عندما يأذن بزوال الدنيا يأمر الأرضأن تخرج بركاتها، ولا تسل عن بركتها حينذاك. يقول النبي- صلى الله عليهوسلم-: "ويرسل الله عليهم أي على من يكونون من أهل تلك الأزمان السحيقة مطراً لا يُكِّنُ منه بيتُ وبرٍ ولا مدرٍ قال النبي- صلى الله عليهوسلم-: فيغسل الأرض فيتركها كالزلفة، قال: ثم يُقال للأرض: أخرجي ثمرتكوردّي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة أي الجماعة من الناس من الرمانةويستظلون بقحفها أي: قشرها ويُبارك في الرَّسَل حتى إن الفئام منالناس ليكتفون باللقحة من الإبل؛ وإن القبيلة ليكتفون باللقحة من البقر،وإن الفَخِذَ ليكتفون باللقحة من الغنم.
فهل تخالف البشرية بعد هذا ضَيْعة أو عَيْلَةً؟!
ولكنهذا مرهون بطاعة الله سبحانه وتعالى، وأرزاق الله لا تُطلب إلاّ بطاعتهوالإيمان به؛ لذا كلما ندّت البشرية عن رحبة الفطرة ألبسها الله لباسالخوف والجوع، ونقص الأموال والثمرات لتتدارك أمرها. فإذا أرادت البشريةالأمن بأشمل معانيه فعليها أن تراجع فطرها ومكنونَ الخير فيها، والله قريبكريم من عباده المحسنين.
رد مع اقتباس