عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-12-2017, 03:43 PM
 

الفصل الثاني


البارت الثاني

انتبه رودلف إلى الفتاة القروية،، كانت بديعة، لديها عينان واسعتين ساحرتين، وشعر أسود ناعم تجمعه في ضفيرة طويلة حتى أسفل ظهرها ..
لقد لفتت نظره فعلا .. ومن اللحظة الأولى ..
ابتسمت الفتاة وقالت:
- هيا، أنت غريب عن البلدة ويمكننا مساعدتك لإيجاد ما تبحث عنه ..
انتبه فجأة لنظراته للفتاة أمام والدها وتنحنح ثم قال:
- آوه .. حسنا، سأقبل الدعوة ..
دخل رودلف إلى منزلهم الصغير، كان منزلا بسيطا، مكونا من طابقين وتحيط به حديقة صغيرة بها بعض الدجاج والإوز،، قال الأب مخاطبا ابنته بالهمس:
- هل هو من المدينة؟
- يبدو من ثيابه أنه ثري جدا ..
استقبلتهم الأم ونظرت إلى رودلف قليلا بتفحص قبل أن يقول الأب بسرعة:
- أعرفك على ......
تلكأ الأمير الشاب للحظة وقال:
- رودلف ..
- أعرفك على رودلف ...
ابتسمت الأم وصافحت رودلف وقالت بتلقائية:
- تفضل في منزلنا المتواضع ..
دخل رودلف مبتسما وجلس على كرسي خشبي وتوجهت الأم إلى المطبخ فقال الأب وهو يوجه الحديث إلى ابنته:
- اهتمي بالضيف ريثما أغلق متجري وأعود بسرعة ..
قال رودلف :
- سيدي لا داعي لتعطيل عملك، سأرحل فورا ..
ضحك الرجل وقال وهو يربت على كتفه:
- لا، أنا أغلق في هذا الوقت عادة .. لا تشغل نفسك ..
ذهب الرجل وبقيت القروية الجميلة بمفردها مع رودلف ونظرت له وقالت:
- أنت متسخ جدا، ونحن السبب ، تعال معي...
سار رودلف بصمت وهو ينظر إلى شعرها الأسود، كان منجذبا إليها بشدة وتوقفت أمام الحمام وهي تقول:
- تفضل، سآتي بعد لحظات ..
ثم توجهت صاعدة الدرج فقال رودلف بخفوت:
- يا آنسة ..
توقفت الفتاة للحظة ثم التفتت مبتسمة وهي تهز رأسها متسائلة فقال رودلف:
- ما هو اسمك؟؟
- أدعى "جينيفر أوكن" .. يمكنك مناداتي " جيني" ..
- إنه اسم لطيف ..
- شكرا ..
صعدت جيني، وعادت بعد دقائق ومعها فوطة كبيرة، وملابس أخرى نظيفة وقالت بخجل:
- يمكنك ارتداء هذه بدلا عن ملابسك المتسخة، مع أنها ليست جميلة بقدر ثيابك ..
قال رودلف مزيلا الحرج بابتسامة رائعة:
- هذا كرم كبير منك .. شكرا جيني ..
شعرت جيني بالخجل وقالت وهي تنظر إلى ناحية أخرى:
- هناك ماء دافئ ..
- شكرا ..
وضعت جيني الأشياء على الطاولة ثم انصرفت بهدوء ..

.................................................. .................................................. ........

خرج رودلف بعد أن أصبح نظيفا، وقد ارتدى تلك الثياب التي أحضرتها له "جيني" ، قميص أبيض واسع الكمين مربوط بشرائط سوداء من عند المعصمين، وسروال أسود مناسب ..
عندما رأت جيني رودلف تلك المرة كان مختلفا تماماً ،، فقد ظهرت ملامحه وبدا وسيما وجذاباً، وشعره المبلل يلتصق بجبهته ..
ظلت جيني مسحورة لبعض الوقت ولكنها انتبهت بعد أن شاهدها رودلف وقال مبتسما:
- أنا منتعش حقا ..
عندما اقترب أكثر شاهدت جرحا في جانب فمه وقد نزف بعض الدماء مجددا فقالت مستاءة:
- لقد جرحت ..
- حقا؟
بدا رودلف مستغربا فأشارت إلى جانب فمه وهي تقول:
- مازال ينزف!
وضع رودلف يده على جانب فمه فخرج أثر الدم في أصبعه ونظر له وقال:
- إنه جرح بسيط ..
توجهت جيني نحو الطاولة وأخرجت من درجها منشفة قطنية وقالت وهي تناوله إياها:
- ضعها على فمك، ما زال ينزف ..
نظر رودلف في عينيها وهمس:
- أشكرك ..
شعرت جيني بالخجل وحدقت إليه ثوان ثم انصرفت بدون أن تقول أي شيء ..

حول مائدة العشاء قالت السيدة أوكن وهي تسأل رودلف:
- من أين قدمت ..؟؟
تلكأ رولف قليلا ثم قال:
- في الحقيقة أنا من المدينة .. ولكنني خرجت للصيد و .. ضللت الطريق ..
نظرت جيني إليه بشك وقالت:
- من أنت؟
نظر لها رودلف باستغراب فأعادت صياغة كلامها قائلة:
- أعني، لم تكن ترتدي ملابس الصيد، وليس معك أسلحة أو شباك .. كما أن من يزاولون تلك الهواية مقتصرين على طبقة معينة ..
قال رودلف :
- ولماذا ظننت أنها هواية؟ ربما تكون حاجة لا أكثر ..
- بدا ذلك من ملابسك، تبدو ثريا ولست محتاجا لمزاولة مهنة الصيد لتعيش ..

ابتسم رودلف ونظر إلى طبقه بدون أن يقول شيئا، فقال السيد أوكن مخففا من حدة النقاش:
- يسرنا التعرف إليك، وبالطبع نعتذر مجددا عن ما قام به " بريت" إنه يسبب لي المشاكل دائما ..
- لا بأس يا سيدي .. كنت محظوظا جدا ..
- محظوظا؟
- أجل فلولاه لما تعرفت عليكم ..
قالت جيني :
- تبدو سعيدا بالتعرف إلينا!! مع أني لا أرى ذلك في عينيك ..
همس رودلف بابتسامة:
- أنت مشاكسة يا جيني ..
ضحك الجميع عدا جيني التي قالت بهدوء:
- أنا لست كذلك! أنت فقط تثير حيرتي ..
- أتعني أنك لا ترحبين بي؟
نظرت جيني نظرة عتاب وقالت:
- كفاك رودلف! لم أقصد ذلك ..
قالت الأم بنبرة توبيخ تخاطب جيني:
- توقفي عن ذلك جيني، أنت تزعجين الضيف ..
هز رودلف رأسه نفيا وقال والابتسامة لا تفارق شفتيه:
- لا بأس، أنا لست منزعجا، أريدها أن تتحدث وحسب ..

حدجته جيني بنظرة استغراب، بينما تبادل الوالدين نظرة وبدا من الواضح أن رودلف معجب بـ جيني، فقد كان ينظر إليها بين الحين والحين بعينيه البراقتين نظرات حالمة ..
بعد انتهاء العشاء قرر رودلف أن يعود إلى المدينة وقال :
- شكرا لكم على حسن الضيافة، والآن، حان وقت الرحيل ..
قال السيد أوكن معترضا:
- مستحيل! إن السير الآن في المكان يعد خطيرا جدا ..
سمع رودلف صوت الشاب المدعو "بريت" الذي اختلق معه الشجار وكان ينادي:
- أمي، أمي ..
شعر رودلف بالشفقة على الشاب، كان صوته متألما واعتذرت السيدة أوكن بسرعة وصعدت إليه،، وعاد الأب يقول بعد ذلك الانقطاع:
- أنت تائه، أليس كذلك؟ حسنا، ابق معنا تلك الليلة وفي الصباح ستجد ألف فارس يوصلك إلى المدينة بسرعة ما رأيك؟
- اقتراح جيد .. شكرا لك سيدي ..
نظر الأب نحو جيني وقال مبتسما:
- اصطحبي رودلف إلى غرفة الضيوف ..

*********

نظر رودلف من شرفة غرفة الضيوف الكبيرة وهبت نسمة هواء باردة حركت خصلات شعره الناعمة ومع أنها كانت باردة إلا أن رودلف أغلق عينيه واستنشقها وبدا مستمتعا جدا بها، نظرت جيني إلى وجهه الفاتن وهو مغمض العينين ثم قالت بنبرة ساخرة:
- إحساسك عالٍ جدا!!
قبل أن ترحل جيني فتح رودلف عينيه واتجه نحوها بخفة، ثم أمسك بيدها اليمنى برقة ..
نظرت جيني إليه بحدة معترضة على ما فعله ولكن رودلف قال مبتسما:
- آنسة جينيفر أوكن، أريدك أن تشاركيني شيئا، وأنا أطلب ذلك منك كرجل نبيل، متمنيا أن تقبليه كامرأة نبيلة مع احترامي وشكري لك ..

شعرت جيني بأنها أميرة حقيقية وهمست وهي مسلوبة الّلب:
- من أنت؟ و .. كيف تعلمت هذا الكلام؟؟
همس رودلف بحنان وهو يسحبها نحو النافذة:
- ششششش .. فقط ، اقتربي ...
استسلمت جيني ووقفت أمام سياج الشرفة إلى جانب رودلف فهمس رودلف مجددا وهو يترك كف يدها:
- أغمضي عينيك ..

نظرت ثوان إلى عينيه الزرقاوين والحيرة تؤرقها ثم نظرت أمامها وأغمضت عينيها .. أغمض رودلف عينيه أيضا وقال بخفوت ونسمات الهواء الباردة تهب متتالية :
- الآن،، أنت تسيرين في قاع البحر، و .. انت حافية القدمين وتراب البحر ناعم جدا.. هناك مملكة من الشعاب المرجانية الملونة تلتف عن يمينك .. وزرقة المحيط عن يسارك تسبح فيها أسماك بديعة..
شعرت جيني بذلك وكأنها تسير فعلا، ولكنها أحست بالخوف وتخيلت بعض أسماك القرش أيضا فأمسك رودلف بيدها وشعرت بيده الدافئة قبل أن يهمس:
- لا بأس، لا تخافي، أنا أسير إلى جانبك ..
أصبح الحلم رائعا بالنسبة إلى جيني وضغطت على يد رودلف لا شعوريا وهمست:
- لم أعد خائفة ...
ابتسم رودلف وقال بخفوت مجددا:
- من بعيد ... يلوح لك بيت أبيض كالثلج .. إنه جميل جدا وصغير ... إنه منزلك أنت، وهو .. بعيد عن الناس..

فتح رودلف عينيه ونظر إلى وجه جيني، كانت مغمضة وعينيها تتحرك من تحت جفونها بهدوء وشعرت بأنفاسه الدافئة وهو يهمس في أذنها :
- هل ستجعلينني أدخل معك؟
فتحت جيني عينيها فجأة وكأنما أفاقت من كابوس وسحبت يدها بسرعة ثم قالت بانفعال:
- ماذا تفعل بي!! أنت لست حقيقيا .. تبا لك!
خرجت جيني مسرعة وصفقت خلفها الباب بعنف وبدت مستاءة جدا، لم يقصد رودلف ذلك وارتمى على السرير وهو يفكر ..
إنه لم يقصد أبدا فعل ذلك!!
كرر ذلك مرات ومرات متتالية ثم همس لنفسه:
" ماذا دهاك يا رودلف، بالكاد تعرفها ... وتريد أن تدخلها إلى عالمك ... لماذا!!"
ثم فكر ...
" ومن يا رودلف سيدخل إلى عالمك ؟؟..... لا أحد!!، لا أحد يفهمك إطلاقا... يبدو أنك لست حقيقيا فعلا"

حاول رودلف النوم فقد استيقظ باكرا ولكنه لم يستطع، ظل قلقا وحزينا لأنه جعل جيني تخرج مستاءة .. لم يشعر بشعور مماثل من قبل ..
وعلى الرغم من أنه رأى أجمل الفتيات النبيلات إلا أنه لم يشعر بذلك الانجذاب إلى أحداهن كما شعر بذلك مع جيني، لم يعرف رودلف كيف يفسر ذلك .. لقد أصبح يفكر فيها في كل لحظة تمر وهو قلق ولا يستطيع النوم ...
تذكر رودلف فجأة ..
" أين بيل؟؟ لقد ذهبت أبحث عنه وضعت في عالم آخر ... أين تراه ذهب؟؟"
__________________