عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 05-05-2017, 09:38 PM
 
[frame="3 80"]حدقا بالجميع من بعيد ، كانت تكره كل واحد فيهم حتى ليسندر الذي لا تعرف اسمه بعد ، لا لشيء إلا لأنهم يساندون دايزي وميديا ، شدت قبضتها على الكأس الزجاجية بيدها حتى كادت تتكسر ، وصرت على أسنانها بشدة ، ثم وضعت الكأس على الطاولة بقوة كبيرة ، وصاحت بالشاب الواقف خلفها ، فلحق بها متذمرا ، أقبلت من بعيد ، وقطعت عليهم ضحكهم ، صاحت مهنئة بصوتها الحاد :
_ مبارك لكما .
ولسوء حظها كانت قريبة من ليسندر الذي لم يتردد بالتصريح ، بأن صوتها حاد ومزعج ، صاحت به بكره :
_ ومن طلب منك رأيك بصوتي ؟؟
حدثها ببرود ، وعيناه تظهران اشمئزازا واضحا من مظهرها المنفر :
_ ومن طلب منك أن تهنئيهما ، لا أظنهما سيموتان إن لم تفعلي ، أيتها المتشردة !!
صاحت بدهشة :
_ أنت شديد الوقاحة .
فرد :
_ وأنت خالعة للحياء .
لم تعرف بم تجيب ، فقد بدت مترددة أمام نظراته الجليدية ، وبروده المزعج ، جاء الصوت من خلفها ، يقول بملل :
_ حسنا سيلفيا ، لقد انتهت اللعبة ، وأنت خسرت وأنا منسحب وعائد للبلاد .

صوت آخر ليس بالغريب ، عميق جدا ، وواضح جدا ، صوت شاب واثق ، قال بهدوء :
_ وأنت أيضا سليفيا ، ستعودين للوطن .
تجمدت سيلفيا من هول الصدمة ، وبدأت أطرافها بالارتعاد ، واتسعت حدقتا عينيها بخوف جلي ، اختفى ألبرت وظهر بدلا منه شاب صغير العمر ، لم يتجاوز بعد الرابعة عشرة من عمره ، يرتدي بدلة رسمية ، ويصفف شعره بطريقة جذابة ، يمتلك شعرا حريريا بني اللون وعينان بنفس اللون ، واسعتان تحيط بهما رموش كثيفة سوداء ، تقدم إلى جانبها ، وألقى تحية المساء بلطف على المدعوين ، ثم تقدم من ميديا وقدم لها تهنئته ، وقال معتذرا :
_ لم أكن أعلم أنه يوم زفافك وإلا لكنت أحضرت هدية في طريقي .
أجابته ميديا بأنه لا بأس في ذلك ، فاستدار إلى دايزي وعانقها بحرارة كبيرة ، وبادلته هي العناق بسرور كبير ، وهمست :
_ مايكل ، ماذا تفعل هنا ؟؟
أجاب بلهجة اعتذار :
_ كالعادة ، ألحق بسيلفي ، أصلح أخطاءها ، وأعتذر لكل من أساءت لهم ثم أعود بها للبيت .
ربت أندريس على كتفه وقال :
_ ما رأيك هذه الليلة أن تشغل نفسك بشيء آخر ، هناك احتفال وطعام ، فاترك سيلفيا قليلا ومتع نفسك .
ابتسم مايكل لأندريس شاكرا ، لكنه اعتذر وقال إن عليه أن يعيد سيلفيا .
كان مايكل قوي البنية ، طويلا بالنسبة للفتية من نفس عمره ، ويملك تقاطيع جذابة ، ويبدو من قسمات وجهه أنه شاب حنون وهادئ ، ولكن قوي وشديد الثقة بنفسه ، انسحب بهدوء بعدما زجر سيلفيا بنظرة جعلتها تتبعه دون أدنى كلمة منه . ورحل مايكل بالسرعة التي جاء بها ، آخذا معه مصيبة كبيرة ، كانت تهدد هدوء حياة دايزي.

صاح كايل :
_ يفاجئني ذلك الفتى دائما بقدرته على إيقاف شقيقته .
أيدته دايزي وأضافت :
_ تعجبني قوة شخصيته ، إنه يخيفها ، فهو يشبه والده لدرجة كبيرة ، وكم كانت سيلفيا ترتعب من والدها .
سألت صوفيا بتعجب :
_ كانت ؟؟
ردت دايزي :
_ والدهما ،إنه مريض ولا يستطيع مغادرة المشفى وهكذا فإن مايكل يحمل نفسه مسؤولية العائلة ، ويحاول إصلاح أخطاء سيلفيا وينجح أحيانا في تداركها .



تقدم السيد والسيدة بروس من الخلف ، وقالا بهدوء :
_ إنها لحفلة رائعة بني ، وإننا لمسروران بك ، والآن اعذرونا فلدينا رقصة نؤديها .
ضحك نيكول :
_ أوه ، لستما وحدكما فنحن سنرقص كذلك .
وجذب يد ميديا ، وقادها إلى ساحة الرقص ، حيث خفت صوت الموسيقى وحل محل تلك الصاخبة أخرى هادئة وسلسة ، أمسك نيكول بيد ميديا بيد ، ووضع يده الأخرى حول خصرها النحيل ، في حين رفعت هي يدها الطليقة وجعلتها عل كتفه . انحنى كايل بحركة مسرحية ، مادا يده لصوفيا :
_ هل لي بهذه الرقصة آنستي ؟؟
وضعت يدها في يده ، وسألت :
_ ماذا ستفعل إن قلت لا ؟؟
أجابها بثقة :
_ أنا أكيد من أنك لن تفعلي .

وضع ليسندر كأسه على طاولة قريبة ، وقال بضجر :
_ حسنا ، أنا الآخر سأذهب للرقص .
وتقدم من ساندرا وهمس بدماثة
_ هل لك أن ترافقيني آنستي ؟؟
ابتسمت ساندرا بود وقالت :
_ بكل تأكيد ، وخلال رقصتنا سنناقش الكيفية التي يمكنني بها شكرك ، لأنك أهنت سيلفيا بتلك الطريقة .



وبقي الاثنان وحدهما ، الكل منشغلون إما بالرقص أو بتناول الطعام أو بأي شيء آخر ، تناولت دايزي كرسيا ، وجلست عليه بتوتر ، اختلست النظر إلى أندريس ، كان يحدق بساحة الرقص ، وتساءلت بصمت عن الشيء الذي يجذب انتباهه ، ركزت نظرها إلى الجهة التي ينظر إليها ، فإذا بها عصبة من الفتيات الجالسات حول طاولة لوحدهن ، يتجاذبن أطراف الحديث ويتبسمن في هدوء تام ، شعرت دايزي بالغيرة تحرق قلبها ، ودون وعي منها ضربت الطاولة بيدها ، أفاق أندريس من شروده، وهو للحقيقة لم يكن ينظر إلى أولئك الفتيات وإنما يفكر بالشقراء الفاتنة الواقفة إلى جانبه ، وعلى الفور نقل بصره إليها فالتقت عيناه ببحر واسع لا ساحل له ، شتت أفكاره وبعثر كلماته ، حدقا في عيني بعضهما البعض لفترة طويلة ، قبل أن تقرر دايزي إنزال ناظريها للأسفل بخجل تام .


لديها أجمل عينين رأيتهما على الإطلاق ، إنهما تشتتان كياني ، وتمزقان خيوط أفكاري المترابطة تمزيقا يمنع تلك الخيوط من الترابط إلى بعد فترة ليست بالقصيرة ، هناك لألأة خفيفة تتأرج في مقلتيها ، وهناك خجل متأرجح على أعتاب رموشها الكثيفة الطويلة ، لا أدري لماذا تخفض عينيها دائما ، ألا تدرك أنهما كالسحر ، تطوقان الشخص فتعزلانه ، وعند زوال ذلك السحر ، يعود الشخص لواقعه الذي يبدو فجأة مرا بعد كل تلك الحلاوة .

تبسم بقليل من المرارة مقتربا منها ، وعندما أصبح واقفا أمامها ، أحست بكل تلك الهيبة تنضح منه ، فرفعت نظرها إليه ، وتمنت لو أنها لم تفعل ، فقد رأت فيه كل ما تمنته يوما ، الرجولة ، والقوة ممزوجتان بالعطف والحنان ، وتساءلت إن كان كل الرجال يملكون تلك الهالة من السلطة ، لكن قلبها أنكر ذلك ، إذ لا يمكن أن يكون هناك اثنان بهذه الروعة ، ولا يملك هذه الروعة سوى أندريس سوفاكيس ، الرجل الغامض ، الحنون ، المعطاء ، شديد الثقة والاعتداد بالنفس ، الرجل الذي أحبته ............!!

سألها برقة :
_ هل يمكنني أن أحظى بشرف مراقصتك ، آنستي ؟؟
رددت لنفسها ، بل إن الشرف لي أن تراقصني سيدي ، ولكنها لم تقل شيئا من هذا وإنما ابتسمت بهدوء ، وأجابت برقة :
_ نعم .


قادها بهدوء إلى الحلبة ، حيث استقرا في مكان بعيد قليلا عن باقي الراقصين ، وضعت يدا على كتفه والتقط هو الأخرى ، تبسم لها بهدوء وقال :
_ لدي بعض الأفكار الأخرى .
تناول يدها الأخرى ووضعها خلف رقبته وجعل يديها تتشابكان خلف عنقه ، وأحاطها هو بذراعيه القويتين .
تمايلا معا بهدوء على وقع تلك الموسيقى الحالمة ، وسرعان ما ضمها إليه بحنان ، لتضع رأسها على صدره الواسع ، أسند ذقنه لرأسها ، وسألها بحنان :
_ هل أنت مرتاحة ؟؟
أغمضت عينيها ، وهي تشعر باسترخاء كبير بين ذراعيه :
_ أجل ، بالتأكيد .
أزاح خصلة شعرت تهدلت على وجهها ، وسأل بتردد وكان السؤال يؤرقه :
_ أتكرهينني ؟؟
رفعت رأسها بهدوء عن صدره ، حدقت في أعماق أعماق عينيه الجليديتين ، وهمست برقة :
_ بل على العكس تماما .
ثم أعادت رأسها إلى صدره ، تكمل رقصتهما الأولى والتي يمكن أن تكون الأخيرة كذلك .



كانت ترقص في الطريق المؤدية إلى المنزل ، دارت بضع دورات حول نفسها ، وخطت خطوتين إلى الخلف ، ثم مدت يديها في الهواء وكأنها تراقص أحدا ، وأخذت تسير إلى الأمام وتدندن ببعض الألحان .

صوت حمحمة قريبة منها جعلها تفزع ، وتصيح بذعر ، رفعت يدها لتستقر على صدرها ، وهتفت بانفعال :
_ من هناك ؟؟
حاولت أن تنظر من بين الشجيرات لكنها لم تلمح أحدا ، عادت تسأل إن كان هناك أحد بالجوار ، وكان هناك بالفعل !! إذ ظهر سيدريك أمامها راسما على وجهه تلك البسمة التي تخدع الكثيرين ، ابتسمت له دايزي واعتذرت بأدب موضحة له أن ذلك كان رد فعل طبيعي ، أجابها بأنه كان ليفعل الشيء ذاته لو كان في مكانها،
فشكرته للطفه ، ثم سألته عن مقصده ، فتأوه برقة مصطنعة ، متظاهرا بأنه نسي ما جاء لأجله ، مع أنه لم ينس ذلك لحظة واحدة ، أخرج ظرفا صغيرا أسود اللون من جيبه ، وقدمه لدايزي ، ساءلا إياها إعطاءه لأندريس ، لم تتردد دايزي أبدا وإنما هزت رأسها بسرور كبير والتقطت المظروف من يد سيدريك ، الذي رفع قبعته بهدوء يحييها ثم استدار خارجا .

افتر ثغره عن ابتسامة ماكرة ، ولمعت عيناه كعيني نسر ، وشعتا وسط الظلام ، بدأ يضحك ، ورويدا رويدا بدأ صوت ضحكته يرتفع حتى تحول إلى قهقه جلجلت المكان بأكمله ، ومن شدة حماسه بما حققه ، انتزع هاتفه النقال بسرعة من جيبه ، وضغطت أصابعه الأرقام بسرعة ، وكأن ذلك روتين اعتادته ، استغرق الأمر بضع رنات قبل أن يجيب الطرف الثاني بتحية اعتيادية ، اتسعت ابتسامة سيدريك :
_ كيف حالك عزيزي ، أندريس ؟؟
أندريس الذي كان جالسا مع ليسندر ، يتجاذبان أطراف الحديث بعيدا عن الأعين ، استاء لسماع هذا الصوت ، فكشر بغضب ، وأجاب بحدة :
_ كنت بخير أيها العجوز الخرف قبل أن أسمع صوتك !!
جاء الرد بلهجة مستاءة :
_ عيب عليك يا آندي ، ألا تحترم من هم أكبر منك سنا .
قهقه أندريس ، ورد بسخط وهو يضرب الطاولة أمامه بقوة :
_ و أي احترام تستحقه أيها المجرم ؟؟
بدا الاستمتاع في صوت سيدريك وهو يقول :
_ أستحق الاحترام ، لأنني بعثت لك برسالة صغيرة استفسر فيها عن أحوالك !!
تمتم أندريس بسخط :
_ أي رسالة هي تلك ؟؟ لم تصلني أي واحدة !!
_ لقد بعثتها مع الآنسة بريسكوت ، ألم تصلك ؟؟
وبدا في صوته عجب مزيف ، ثم ما كان منه إلا إن قهقه بسرور وهو يسمع صوت أسنان أندريس المصطكة وهي تكاد أن تتحطم :
_ لا تخف ، لم أؤذها ، لكن أتعلم ما المضحك ؟؟
صرخ أندريس بغضب جامح :
_ لا أرى شيئا مضحكا في الموضوع !!
رد سيدريك باستمتاع شديد :
_ بلى بلى ، فلو عرفت دايزي الصغيرة أنني من قتل والدتها لكانت تحولت لمجرم سفاح ، ولكنها كانت تبتسم لي بسرور ومودة عندما أعطيتها الرسالة .
ثم عاد فقهقه ، واستكمل بصوته الكريه :
_ أكره ضحكتها تلك ، وكنت أفكر بأن أزيلها كما سبق وأزلت والدتها من قائمة الأحياء !
حاول أندريس اصطناع الهدوء ، ولكنه على ما يبدو فشل في ذلك ، إذ كان صوته مرتجفا ، عندما قال :
_ ابتعد عنها ، أنا الآن عدوك ( سيد ) .
_ ( سيد ) أهذا اسم دلع لي ؟؟ لقد أعجبني حقا ! و...لا تقلق ، فأنا أنوي القضاء عليك قبل تصفية أمردايزي ، فلربما ستجد هي أن من المثير مشاهدة مصرعك .
تبسم أندريس في ثقة :
_ لن أمنحك هذا الشرف ( سيد ) ، كما لن أمنحك متعة هذه التجربة .
بدا أن أندريس قد أرضى غرور سيدريك ، إذ قال الأخير في اعتداد :
_ حسنا إذن ، من الأفضل لك الآن أن ترى رسالتي ، وخذ بنصيحتي وغادر هذا المكان ، قبل أن أقرر تصفية أصدقائك الحثالى واحدا تلو الآخر .
وكاد يغلق الخط ، لكنه استدرك أمرا :
_ وسلم لي على ليسندر ، وقل له إنني معجب بشجاعته تلك .
ومن ثم كان كل ما سمعه أندريس هو صوت الهاتف بعدما أغلق سيدريك الخط ، التفت ناحية ليسندر وقال له بسرعة :
_ جهز كل شيء ، سيكون علينا المغادرة غدا صباحا .
لم يناقش ليسندر في الأمر ، بل بدا عليه أن اعتاد مثل هذه الخطط المفاجئة ، وقال :
_ كما تريد آندي ، أنا ذاهب الآن .
ولم ينتظر أندريس أكثر من ذلك إذ أسرع يحث الخطى نحو البيت الذي يسكنه ، فإن صح ما قاله سيدريك ، فأن رسالة قد بعثت إليه وحاملها ليس سوى دايزي ، ونخزه قلبه ، لاحتمال إصابتها بالأذى ، ما زاد من سرعته ، فقطع الطريق في ثواني معدودة ، حتى وصل بيته ، وكان بيتا صغيرا جميلا ومنزويا عن باقي البيوت إلى حد ما، له شرفة صغيرة وضعت عليها طاولة طعام أنيقة بكرسيين اثنين ، كان أول ما لفت انتباهه ، هو باب البيت المفتوح ، وفكر على الفور : إنها ولا شك دايزي !
وجرى بسرعة إلى الداخل متجاوزا الردهة الأنيقة ، والمطبخ العصري الصغير ، وغرفة الاستقبال الفخمة ، متجها إلى المكتب الذي كان بابه مفتوحا ، تطلع بهدوء إلى الداخل ورأى دايزي هناك ، تحدق بشبه ذهول إلى المكتب الضخم وإلى أثاث الغرفة الذي طغا عليه اللونين الأبيض والأسود ، همست بصوت عال بعض الشيء :
_ يا لها من غرفة باردة !
وجاءها الرد من الخلف :
_ إنها تعجبني كما هي ، وأنت لم يكن عليك دخول البيت هكذا دون إذن .
استشعرت في صوته الغضب ، وإن كان حاول إخفاءه ، استدارت ومدت له برسالته :
_ هذه لك ، وأنا آسفة إنما باب البيت كان مفتوحا وظننت أنك في البيت ، وقد ناديت وناديت فلم يجب أحد.
أخذت نفسا عميقا ، ثم تابعت :
_ ثم رأيت باب هذه الغرفة مفتوحا فدخلتها ، ثم وصلت أنت .
تناول الرسالة من يدها ، وحدق فيها ببرود، ثم فتحها ، فرأى فيها مجموعة من الصور ، كادت عيناه تخرج من مقلتيهما ، هناك صورة له وقت أصيب بالرصاصة ، وصورة أخرى له ولدايزي في المشفى ، وأخرى وقت خروجه ، ورابعة في الحفل عندما راقصها ، أما الخامسة فكانت له ، طفل صغير يبكي على مقتل والديه ، والأخيرة كانت لطفلة صغيرة وجميلة ، لديها بشرة كالحليب وخدود منتفخة ومحمرة ، وشعر أشقر طويل ربطته على شكل ضفيرتين ، وكانت الدموع تنهمر من عيني الطفلة وبضع قطرات من الدماء أمامها على سطح خشبي .

مد أندريس بالصورة لدايزي ، ارتجفت بل اهتز كيانها بأكمله ، وتناولت الصورة بيد مرتجفة ، وبدأت شفتاها بالارتجاف كذلك ، حدقت فيه بحزن :
_ أكانت في الرسالة ؟؟
هز رأسه مجيبا بنعم ، فشهقت ، ثم بكت ثم انهارت على أرض الغرفة ، كان أندريس يعتزم الرحيل بصمت ، دون دموع ودون وعود بالعودة وكذلك دون آمال يعلقها عليه أحد ، فتناولها من كتفيها ببرود ورفعها لتقف ، وهمس لها بصوت يكاد يكون متجمدا :
_ ما كان عليك محادثة الغرباء ولا استلام الرسائل منهم !
حدقت فيه بقليل من الكره ، لأنه لا يعطي مقتل والدتها أدنى اعتبار ، مع أن هذا الحادث كان له أكبر الأثر في حياتها . استدار إلى النافذة معطيا إياها ظهره ، وهمس :
_ إنك طفلة مدللة ، وأنا قد سئمت حقا من مسح دموعك التي تنهمر بين الفينة والأخرى .

حدثت نفسها : لماذا يقول كل هذا الكلام بعدما كان بيننا ؟؟ لماذا يفعل بي هذا ؟؟ ألا يزال يكرهني؟؟ أم أنا حقا فتاة مدللة لا تحتمل ؟؟ هل أنا عبء عليه ؟؟ لماذا يتغير من حال لحال بهذه السرعة ؟؟ لماذا لا يخبرني بما يزعجه في ؟؟ ربما لأنه غير مهتم ! وربما لأن الأميرة لوسيتا التي تنتظره تشغل كل وقته وتفكيره فتمنعه عن غيره !!
وكان انجذاب تفكيرها لحياة أندريس الشخصية قد راعها ، فمنذ متى بدأت تغار بهذه الطريقة المزعجة ؟؟ إنها لا تجد الحل ....... ولكنها تعلم أمرا واحدا ، إن كان أندريس قد أحبها يوما ما ، فقد أحبها كما يحب صوفيا وسان وميدي ، وليس أكثر من ذلك ، ما لم يكن أقل . هذا الاكتشاف كان كفيلا بالقضاء على كل أمانيها وتبديد حلمها في أن تعيش مع الرجل الذي أحبت ، والذي رقصت معه أجمل رقصة في حياتها قبل وقت قصير، فنهضت بسرعة ومدت له بالصورة الحزينة ، تمنت له ليلة سعيدة ، وهمت بالخروج ، لولا أن قال لها ، ببرود فيه بعض التوتر:
_ أنا راحل غدا ..
قطعت العبارة آخر حبال الأمل لديها ، فابتسمت في دعة ، وتمنت له أن يصل بالسلامة ، ثم عادت فتمنت له ليلة سعيدة مرة أخرى ، وانطلقت إلى منزلها بخطى سريعة متأرجحة .


أشرقت الشمس ، وكان صباحا عاديا آخر ، شمس مشرقة وجو لطيف ، أصوات صاخبة تهز المكان ، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لدايزي ، فالجميع سيرحلون . مايكل جاءها في الصباح وتمنى لها إقامة طيبة ، كان فتى ودودا
ولطيفا جدا بعكس شقيقته الشريرة ، وكان يتحمل المسؤولية ويقوم بكل ما يطلب منه على أتم وجه ، وكذلك جاءها ألبرت ، وابتسم لها باعتذار ، أو هكذا بدا لها ، وودعها إلى الأبد ، فهو يعتزم السفر إلى إيطاليا والإقامة هناك ، مع قريب لأمه يدير منتجعا سياحيا في مدينة توسكانا الشهيرة . صوفيا التي قرر رئيساها في العمل الرحيل ، لم تجد بدا من الرحيل هي أيضا ، فقد حان الوقت لتستلم العمل بدلا من سيديها اللذين قررا السفر إلى لندن لبعض الوقت ، وكذلك كايل فقد كان عليه العودة ليشرف على عمل آخر ومشروع جديد . نيكول وميديا قررا العودة إلى لندن قليلا ، ليلتقي نيكول بوالديها وينال مباركتهما ، ثم يسافران معا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكمل نيكول دراسته . ساندرا قررت السفر إلى أندونيسيا برفقة سوزي التي ترتب حفلة زفاف كبيرة في تلك البلاد الجميلة ، أما السيد والسيدة بروس فقررا أن الوقت قد حان ليقوما بجولة سياحية تبدأ بماليزيا الفاتنة.

وكان أول المسافرين أندريس وليسندر ، حيث قدمت سيارة فخمة سوداء اللون وطويلة نوعا ما لاصطحابهما، توقفت أمام المخيم الكبير وفتح أحد أبوابها ، فترجلت منها فتاة ذات قامة رشيقة ، تبدو في كامل أناقتها ، رفعت الفتاة النظارة السوداء عن عينيها الخلابتين ، وانطلقت بسرعة إلى أندريس وعانقته دونما استحياء ، ما أثار حفيظة دايزي التي اشتعلت الغيرة في قلبها على الفور ، دققت في ملامح الفتاة وخطر في بالها فجأة أنها تعرف هذه الفتاة الجميلة وأنها رأتها في مكان ما ، بل هي واثقة أنها رأتها ، دققت أكثر وأكثر ، شعر مصبوغ بالأشقر،
عينان واسعتان ، قامة رشيقة ، ثياب غالية ، نظرة واثقة ، ودلال فطري ............ز ولع ىلافور أدركت كنة هذه الفتاة ، إنها قريبة الملك ريتشارد ، وهي تقيم في قصره منذ ولدت ، وهي تحظى برعاية الملك وحبه الشديد لها .

أفاقت دايزي على صوت الفتاة ( لوسيتا ) ، وقد هتفت بفرح :
_ ألست أنت الآنسة دايزي بريسكوت ؟؟
هزت دايزي رأسها مجيبة بنعم ، فعانقتها الفتاة وهي تصيح بسعادة :
_ تبدين أجمل من صورك في الصحف والمجلات .
ظهر الاستغراب على وجه دايزي ، واستفسرت :
_ الصحف؟؟ المجلات ؟؟
هزت لوسي رأسها بسرعة وهتفت :
_ لقد تم اختيارك ، كأكثر الفتيات أناقة في بريطانيا ، وقد اعتذرت الصحيفة التي نشرت هذا الخبر أولا عن إجراء لقاء معك ، لأنك وكما قالوا مسافرة بناء على رغبة والدك .
تبسمت دايزي للفتاة بقليل من الحماس :
_ نعم إنها رغبة والدي ، وأنا سعيدة لأنني التقيتك أخيرا آنسة لوسيتا ، فقد سمعت عنك الكثير .
التهبت عينا الفتاة المدللة :
_ وهل ما سمعته جيد أم سيء ؟؟
ابتسمت دايزي بعفوية :
_ سمعت أنك بالغة الجمال ، واكتشفت أنك تنضحين جمالا .
عانقتها الفتاة بشكر ورددت :
_ أتمنى أن أصبح بجمالك يوما ما !!

لكن دايزي لم تكن ترى أنها بذلك الجمال ، كما أن أناقتها كانت فطرية وعفوية ، فهي بطبيعة الحال تميل لتنسيق الألوان ، وملاءمة الأشياء ، وإظهار الشيء بأبهى شكل ممكن . ولم يكن هذا يهمها كثيرا ، ففي الوقت الذي تحدثت فيه لوسيتا إلى دايزي ، كان أندريس قد ودع الجميع ، عداها هي بالطبع ، ويبدو أنه لم يكن يعتزم توديعها، لكنه اقترب منها بهدوء وببرود شديد مد يده إليها ، أمسكت هي بيده فكانت دافئة ، شد قبضته على يدها بهدوء ، فأرسل هذا في جسدها ارتعاشة بسيطة ودفع بالدماء لتكتسح وجنتيها البيضاوين ، تمتمت بهدوء :
_ أتمنى لك رحلة سعيدة !!
رد هو بهدوء ورتابة :
_ وأنا أتمنى لك إقامة طيبة ، وداعا !!

قالها ثم انطلق ، لم يقل أتمنى أن التقيك مرة أخرى ، ولم يقل ( إلى اللقاء ) بل قال ( وداعا ) ، وهذا دليل آخر على أنه لا يحبها بالطريقة التي تتمناها هي ، كانت تتمنى منه كلمة واحدة ، أي كلمة تدل على أنه لن ينساها ، لا تريده أن يتذكرها على أنها شيء مميز ، ولكنها تريد فقط أن يتذكرها ، تطلعت في إثره بهدوء ، وتبسمت : لا شك أنه سينساها حالما يخرج من هذه البلاد . وظلت التساؤلات تخز عقلها وهكذا حتى اختفى خر شعاع للشمس ذلك اليوم .
[/frame]
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس