عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 05-05-2017, 08:45 PM
 
- رحيل ووداع ....البارت السادس عشر


أ[frame="3 80"]
شعة الشمس التي مال لونها للأحمر القاني ، ترتمي على الموج الأزرق الهادئ ، الذي يعانق الرمال الذهبية على الشواطئ ، الجو لطيف وهادئ ، لا شيء سوى الطبيعة تنشر صوتها ، أمواج البحر ، والطيور المغردة ، عزفت مقطوعة ما قبل الغروب على شطآن القارة الصغيرة ، التي تبدو معزولة عن باقي القارات على سطح الكوكب.

وبعيدا عن تلك الموسيقى الهادئة ، كانت موسيقى من نوع آخر تعزف ، موسيقى من فوضى وضجيج ، وصراخ عال يصم الآذان .
اقتحم الزحام واضعا يديه على أذنيه ، لشدة الصراخ المحيط به ، وكان يهمس بصوت خفيض غاضب ببعض الكلمات التي لا تبدو سارة ، وعلى يمينه وقف شاب يشابهه في المظهر والهيبة يبدو سعيدا بالجو غير عابئ بالفوضى أو الضجيج ، كما بدا عليه الجهل بمناسبة هذه الفوضى وهذا الفرح البادي على وجوه الصغار ،
التفت إلى الشاب المنزعج بجانبه وسأله :
_ أندريس ، ما مناسبة هذه الفوضى العارمة ؟
أجاب أندريس بانزعاج شديد ، إذ لم يكن معتادا على مثل هذه الأجواء :
_ سيقام بعد قليل حفل خاص !!
حدق به ليسندر وسأله باستغراب :
_ ما الذي تعنيه بـ خاص ؟؟
تثاءب أندريس بملل وهو يجيب بلا مبالاة :
_ سوف تعلم بعد قليل فاصبر ، وحافظ على مظهرك الأنيق هذا .
واستكمل حديثه في حدة ، وهو يسير مبتعدا :
_ وإياك أن تفسده .
كان ليسندر يرتدي بدلة سمراء فاحمة ، وقميصا حريريا أبيض اللون يناقض سمرة بشرته التي لوحتها أشعة الشمس ، وكان قد رتب شعره بطريقة أنيقة للغاية ، ووضع عليها نظارة سوداء ،فبدا كأنه أحد الممثلين ، وكذلك كان أندريس ، فقد ارتدى هو الآخر بدلة سوداء وقميصا أسود اللون ولم يكلف نفسه عناء ارتداء ربطة عنق مناسبة ، فهي حسبما يعتقد إحدى سبل تقييد الحرية .


وفي الطرف الآخر ، كان ذلك المنزل يرتع بهدوء مكانه ، وقد ظللته أشعة الشمس القرمزية ودخلت نوافذه الصغيرة النظيفة دون أن تنسى إلقاء تحية المساء على أزهاره المزركشة وعلى الدرجات الخشبية الثلاث التي يرتقى بها إلى المساحة القليلة التي تشكل مكانا جيدا لتناول الفطور في الصباح ، كما وتصلح لشرب الشاي في الأمسيات الدافئة . في الداخل ، وفي الغرفة الدافئة ، وقفت ثلاث فتيات شديدات الأناقة والجمال ، يضعن آخر اللمسات على مظهرهن الفتان ، سألت صوفيا وهي تحدق بالمرآة وتحاول وضع سلسلة رقيقة من حبات لؤلؤية حول عنقها الأسمر الطويل :
_ دايزي ، أين هي ميديا ؟؟؟
تنهدت دايزي ، وأجابت بغير دراية :
_ لا أدري ! كل ما أعلمه هو أن هذه الدعوة وصلتني صباحا .
وكانت تنظر لمظروف أبيض مزين بشريط بلون الشكولاة ، قلبته بين يديها وعادت تتنهد مرة أخرى ، اقتربت منها ساندرا بعد أن أنهت تثبيت قرطيها ، وقطبت بهدوء وهي تقول :
_ وأنا أيضا تلقيت واحدا !!
تقدمت صوفيا والتقت الظرف من بين يدي دايزي ، وقالت :
_ وأنا أيضا تلقيت واحدا ، وكل ما هو مكتوب أنني مدعوة لحفلة مساء اليوم في الحديقة الخلفية للمخيم .
سألت دايزي بفضول :
_ أنا لم أسمع يوما بهذه الحديقة ، ولم أذهب إليها قط ، فهل تعرفان عنها شيئا ؟؟
هزت سان رأسها وأجابت بهدوء :
_ نعم ، أنا أعلم . تلك الحديقة خاصة بالسيدة هيلين ، الزوجة المتوفاة للسيد هاري ، وهي حديقة كبيرة وجميلة ومليئة بالأزهار والمائد الحجرية ، وهي كذلك مليئة بأقواس الزينة وفيها مجموعة من الشلالات الصناعية .
اتجهت إلى المرآة والتقتطت فرشاة التزيين ، وضربت بها على وجهها بهدوء ، وتابعت :
_ كانت السيدة هيلين ، حسبما قال السيد هاري ، تقيم فيها العديد من الحفلات في شهر الربيع ، ولكنها بعدما ماتت، لم يعد أحد يزور تلك الحديقة مع أنها جميلة والجلسة فيها ممتعة حسبما يقول نيكول .
سألتها صوفيا :
_وهل زارها نيكول ؟؟
ردت سان :
_ بالتأكيد ، أما أنا فلا !!
نظرت دايزي إلى الساعة المعلقة على الحائط ، فرأتها لاتشير إلى السابعة ، استدارت إلى الفتاتين وهمست :
_ علينا الذهاب ، هل أبدو جميلة ؟؟
أجابت الفتاتان :
_ نعم بالتأكيد .
كانت دايزي ترتدي فستانا قصيرا بحري اللون ، يماثل في زرقته زرقة عينيها الواسعتين المكحلتين ، كما رفعت خصلات شعرها الذهبية قليلا إلى الأعلى في حركة هادئة وتركت باقي الخصلات لتتناثر على ظهرها شلالا من ذهب ، وقد زينت عنقها الرقيق بسلسلة من حبات لؤلؤية زرقاء ناعمة ، وارتدت قرطا ملائما .

أما صوفيا فاختارت فستانا طويلا ناعما باللون الأسود ، ورفعت شعرها بالكامل ، ووضعت القليل من الزينة على وجهها الأسمر . في حين أن سان فضلت فستانا قصيرا باللون الرصاصي ، وجعدت شعرها الناعم وتركته منسدلا على ظهرها .

نزلت الفتيات ووقفن جميعا في الردهة الخالية أمام الباب ، همست دايزي بتوتر :
_ صوفيا ، افتحي أنت الباب .
لكن صوفيا كانت أكثر توترا ، فصاحت :
_ لا لا ، افتحيه أنت .
نظرت إليهما ساندرا بعجب وسألت بغرابة :
_ ماذا هناك ؟
احمرت وجنتا دايزي ودارت حول نفسها باضطراب :
_ لا أريد أن أراه !!
_ ترين من ؟؟ أندريس ؟؟
هزت رأسها مجيبة بنعم ، وهمست لنفسها : يا ترى ماذا سيقول ؟؟ أسيعجبه مظهري أم أنه سيسخرمني كالعادة ويذهب ؟؟ يا إلهي كم أكره التفكير في هذا !! ولكنني لا أستطيع منع نفسي من أن أفكر في الأمر، وكانت تتخيل أن يحدق فيها بسخرية ، وقد تقلصت عيناه وظهر شبح ابتسامة مائلة على زواية فمه .

التفت سان لصوفيا ، وقالت :
_ وأنت ، دعيني أحزر ، لا تريدين رؤية كايل ، صحيح ؟؟

وقبل أن تجيب كان الباب قد قرع ، فبادرت سان وفتحته ، ويا للعجب ، كان الواقف بالباب هو كايل ، يرتدي بدلة كلاسيكية بلون فاتح من مشتقات البني ، وقميصا سكري اللون ، وقد رتب شعره للخلف ، فبدا أكثر وسامة وجاذبية . ابتسم لسان وامتدح جمالها ، فشكرته ، تردد قليلا ثم سأل :
_ هل صوفيا هنا ؟؟
صاحت سان :
_بالتأكيد .
_هلا ناديتها لي رجاء ؟؟
لم تعطيه الجواب إذ اندفعت تجر صوفيا إلى الباب حتى أوصلتها لكايل ثم أغلقت الباب خلفها لئلا تعود ، وقفت صوفيا أمام كايل متوترة ، وشبه خائفة ، كانت تمسك مرفقها الأيسر بكف يدها اليمنى وتحركها جيئة وذهابا في توتر وسخط ، لفعلة ساندرا . كان كايل شبه منوم مسحور من جمالها ، فقد بهرته بل أسرته بمظهرها الأنثوي،
مد يده إليها في ابتسام وسأل بتهذيب :
_ هل للآنسة أن تقبل مرافقة شخص عديم الحيلة مثلي ، يقف عاجزا أمام جمالها ؟؟
ابتسمت لكلماته التي أذهبت توترها ، ووضعت يدها في يده الممدودة وهي تجيب :
_ بكل فخر أيها الفارس المغوار .
غمزها بهدوء وتناول يدها برقة وقربها من شفتيه ليلثمها ، ومن ثم قادها بدماثة في الطريق الطويل .

قفزت ساندرا ، وهي ترفع يدها بانتصار :
_ نعم ، وهذا هو أول انتصار تحققه ساندرا لهذه الليلة ، والقادم سيكون أروع .
أعادت دايزي الستارة إلى مكانها ، بعد أن ابتسمت لرؤية كايل وصوفيا على وفاق ، لفت انتباهها الساعة المعلقة على الحائط أمامها ، فشهقت بصوت عال وأمسكت ساندرا تجرها من يدها وأخذت تجري بسرعة ، خرجتا من الباب وصفقتاه خلفهما ، ثم نزلتا الدرجات الخشبية الثلاث بسرعة ، وكانت ساندرا خلف دايزي التي تجرها فلم تكن ترى شيئا ، ولم تعلم لم توقفت دايزي فجأة هكذا ، فأطلت برأسها ، وعندها عرفت السبب فقد لمحت أندريس واقفا قبالتها ، يحدق بدايزي بنظرات شديدة العمق ، سحبت يدها من يد دايزي بهدوء وانسلت بعيدا عنهما .

كان أندريس يسير في طريقه إلى الحفل عندما رآها ، هناك العديد من الطرق التي تؤدي إلى الحديقة التي ستقام الحفلة فيها ، لكن شيئا ما دفعه لأن يمر بهذه الطريق ، يصر قلبه على أنه أراد أن يراها قبل الحفلة ، لكن عقله يصر على أن هذا ناتج عن التوتر والانهاك الذي أصابه بعد تلقيه تلك الرصاصة ، إذ أصبح يختار الأشياء بطريقة عشوائية ، وما هذا إلا نتيجة لإحدى اختياراته العشوائية .
حدق فيها بانشداه ، وتعلقت عيناه بها ، تفحصها من شعرها الذهبي المرفوع قليلا للأعلى ، مرورا بثوبها الذي يبرز فتنة جسدها ، وانتهاء بحذائها اللامع .
همس بهدوء ، ودون وعي منه :
_ تبدين .... فاتنة .
ارتجف قلبها لهذا التصريح ، واندفعت الدماء تغزو وجنتيها ، وأخفضت بصرها إلى الأرض ، لكنه في تلك اللحظة بالذات كان يريد النظر إلى عينيها ، فمد يده القوية ، وبحنان رفع رأسها ، ولف ذراعه الأخرى حول وسطها وجذبها إليه مقربا إياها منه ، وهمس :
_ لديك أجمل عينين في الوجود .
أرادت أن تتكلم ، الكلمات أبت أن تخرج ، وكل ما استطاعت التفوه به ، كان عبارة عن همسات دافئة متقطعة،
أنزل يده وتركها تلتف هي الأخرى حول خصرها النحيل ، ثم أحنى رأسه بهدوء معانقا إياها ، حتى أحست بأنفاسها تنقطع وبضربات قلبها تتوقف عن النبض ، أغمضت عينيها بهدوء وأسندت جبهتها إلى كتفه ، وأحاطته هي الأخرى بذراعيها . رفع رأسه بهدوء ، وهمس لها برقة :
_ لنذهب .
أشارت له بالموافقة ، وهمت بالسي إلا أنه كان قد احتجزها بين ذراعيه مجددا، وأمال رأسه ليطبع قبلة حارة على خدها . كان رد فعلها العفوي أن رفعت يدها ووضعتها على موضع القبلة ، وهمست بصوت حالم :
_ إنها دافئة .
افتر ثغره عن ابتسامة كشفت عن صف من اللؤلؤ ، مخبء خلف شفتيه الرقيقتين ، أحاط خصرها بيده القوية وجذبها إليه ، فما كان منها إلا أن وضعت يدا على صدره والأخرى خلف ظهره ، شعرت بالضماضة التي تغطي صدره ، تحت قميصه الخفيف ، فسألته باهتمام وخوف واضحين ، وهي تتحسس مكان الإصابة :
_ هل تؤلمك ؟؟
أمسك أناملها وقبلها ، ثم أعادها لمكانها على صدره ، وأجابها باسما :
_ لقد شفيت عندما لمستها بيدك الدافئة .

كان توترها يزداد مع كل حركة يقوم بها ، همست لنفسها أنه لا بد أصيب بالحمى ، فما توقعته مخالف لهذا ،
توقعت جدالا ونقاشا حادا وبعض النصائح اللاذعة منه ، لكن جزءا منها ، الجزء الذي رعاه أثناء مكوثه في المشفى كان مدركا لرقته ، ولمساته الدافئة التي تبعث الأمان في النفس . توقفت عن التفكير ، فالشخص الذي يسير بجانبها ، شخص شبه مجهول ، لديه شخصية متفردة ، فهو تارة مستعد لتقبل كل شيء منها ، مزاحها وضحكاتها ، وتارة تراه بعيدا عنها بعد المشرق عن المغرب ، تارة أخرى ترى أنه يخفي من الأسرار ما يجعله كأسطورة قديمة لم يحل سرها .



شبح ابتسامة مائلة ظهر على شفتيه ، أمسك منظارا أسود اللون ونظر به إلى الشابين يسيران بجانب بعضهما البعض ، همس بغبطة المنتصر لنفسه :
_ يبدو أنك ستحقق نصرا جديدا يا سيدريك.
أنزل منظاره بهدوء ، ثم أخرج من حقيبته السوداء الكبية رداء يبدو كتلك التي يرتديها موظفو البريد ، ارتداها بسرعة ، ونهاية أخرج قبعة بنفس لون الرداء ، وضبطها على رأسه بهدوء ، تناول مسدسه ، تأكد من أن ممتلئ ، ثم أخذ بعض الرصاصات كاحتياط له ودسها في جيبه ، ورفع مسدسه وألقاه في داخل قميصه الفضفاض .

ابتسم بمكر ، وقد التمعت عيناه بشرر مخيف :
_ اهنأا بهذه الليلة ، فربما تكون الأخيرة التي تريان فيها بعضكما .
أغلق حقيبته الكبيرة ، بعد أن وضع ملابسه فيها ، وتمتم لنفسه بشكل كريه :
_ حسنا إذا سيد سوفاكيس ، سنرى من سينتصر في النهاية ، أنا ؟؟ أم أنت ؟؟
رسم على شفتيه ابتسامة ودودة مزيفة لرجل تجاوز أواسط الأربعين من العمر وشارف على الخمسين ،
همس لنفسه :
_ البداية تكون بك ، آنسة دايزي .


ومع حلول المساء ، اجتمع عدد كبير من الأشخاص ، كلهم ، على الأغلب ، بدوا غير معروفين بالنسبة لدايزي ،
وكان أول ما فكرت به عند رؤيتها لهم : ما هو السبب الذي يدعو ميديا لدعوة كل هؤلاء الأشخاص لحفلة بسيطة كهذه ؟؟ لكن هذا لم يكن الشيء الوحيد الذي جذب اهتمامها ، بل كذلك الطريقة العجيبة التي زينت بها الطاولات الحجرية ، والسجادة المخملية الحمراء ، الممتدة في الطريق الواقع وسط الحديقة ، والذي يوصل لمساحة دائرية ترتفع قليلا عن مستوى الأرض ، لكن المساحة كانت خالية ، فلم يضعون سجادا يقود إليها ؟؟ وكان هناك أيضا ،
المائدة المفتوحة ، التي تحوي ما لذ وطاب من أنواع الطعام المختلفة ، دون أن تغفل كذلك عن الأضواء البيضاء، التي تتخللها أنوار ملونة .

استأذنها أندريس باسما ، وتركها بعد أن طبع قبلة خفيفة على أناملها المرتجفة من دفء يديه ، وسار متجها إلى ليسندر الذي وقف بجانب ساندرا وعدد من الفتيات متحلقات حوله ويضحكن بسعادة غامرة ، وقف خلف ليسندر ووضع يده على كتفه ، فاستدار الأخير وكان يحمل في يده كأسا مملوءا بشراب أبيض اللون ، ابتسم للآنسات الواقفات ، ثم استأذن ساندرا بعد أن طلب منها الاهتمام بدايزي ، انتزع الكأس من بين يدي ليسندر ، وقاده إلى أبعد طاولة في الساحة ، حيث يمكنهما أن يحظيا بالهدوء رفيقا وحيدا لهما ، استمر ليسندر بالابتسام حتى جلس ،
فاستبدل ملامح الابتسام تلك بتقطيبة ، هي أقرب ما يكون للعبوس ، سأل باهتمام :
_ ما الأمر ؟؟
تراخى أندريس ، ومط جسده بكسل وهو يجيب :
_ لا شيء ، وإنما أردت رفقتك .
مال ليسندر إلى الأمام ، متكئا بمرفقيه عليها ، وسأل باسما :
_ هل مللت رفقة الشقراء الفاتنة.
نهض أندريس بسرعة ، ودنا من ابن عمه ، وأمسك بياقة قميصه جاذبا إياه منها ، وحذره بجدية :
_ إياك أن تقترب منها ، فهمت ؟؟
ضحك ليسندر ببلاهة ، وقال يستفز أندريس :
_ تلك الفتاة ليست سهلة !! لقد استطاعت أن تسقط السيد أندريس عن عرشه ليكون عبدا لها وأسيرا لحبها .
حدق فيه أندرس بحنق ، وقال مصرا على أسنانه :
_ لا تبتسم كثيرا ، وإلا هشمت لك هذا الوجه الذي تجذب به الفتيات .
تلمس ليسندر وجهه ، وسأل أندريس وقد بانت الجدية على ملامح وجهه :
_ أتحبها ؟؟
تنهد أندريس بعمق ، ومرر يده على وجهه ، واعتدل في جلسته ثم قال برقة شديدة :
_ أحبها ، لكن أكره قربها !
استفسر ليسندر :
_ وكيف يكون ذلك ؟
هز أندريس رأسه بسرعة وهو يقول :
_ لا ، لا تفهمني خطأ ، أنا أحبها وأحب أن تكون قريبة مني دائما ، ولكن هذا القرب قد يؤذيها ، لا أريد لذلك المجرم سيدريك أن يحتجزها كرهينة أو يفكر بتهديدي بها ، لأنه إن فعل ...........
وترك جملته دون أن ينهيها ، فأنهاها له ليسندر :
_ ستفعل أي شيء في سبيل سلامتها .
تابع أندريس يكمل الجملة :
_ ولو كان ذلك على حساب حياتي .
بسط ليسندر كفيه ، وقال ببساطة :
_ لا أدري ما أقول لك يا شقيق ، ولكنك غارق في الحب حتى أخمص قدميك، وعليك أن تسارع للإمساك بحبل النجاة ، قبل ألا تعود قادرا على الحياة .
تبسم أندريس ونظر باستياء لابن خاله وصاح :
_ ليس الأمر بهذا السوء ؟!
صحح له ليسندر :
_ في مثل حالتك ، إنه أخطر من ذلك بكثير ، صدقني !!


_ هناك شيء ما يحدث هنا ، ويبدو أننا الوحيدتان اللتان لا تعرفان شيئا عن هذا .
صرحت دايزي لساندرا بذلك وهما تقفان معا بالقرب من إحدى الطاولات الحجرية ، طلبت دايزي منها أن تنظر إلى كايل وصوفيا ، ففعلت وعندما رأتهما تبينت أنهما ولا شك يعرفان بما يجري ، قالت سان :
_ لا بد أنهما يعرفان .
استدارت دايزي ناحية أندريس وليسندر وتمتمت بهدوء :
_ وأراهنك بكل ما يملك والدي من أموال ، بأنهما يعرفان .
كانت سان تهم بقول شيئا تعقيبا على كلمات دايزي ، لكن الصوت الذي انبعث من خلفها ، جعلها تجفل قليلا ومن ثم تبتسم مرحبة بالقادمة ، كانت تلك سوزي رفيقة نيكول وسان في السنوات الدراسية ، وهي صديقة حميمة لهما،
وهما يعرفانها منذ فترة ليست بالقصيرة ، رحبت دايزي بالقادمة بمودة واحترام . كانت سوزي تمتلك جسدا مصقولا وبشرة بيضاء شديدة النقاوة ، وعينان واسعتان بنيتان ، تحيطهما أهداب كثيفة ، شديدة السواد ، وتمتلك شعرا يتمايز ما بين الأحمر والبني ، مجعد وليس طويلا كثيرا ، وكانت قد ربطته بعفوية وووضعته على كتفها لتنزل خصلاته إلى الأمام ، كان ثوبها شديد الأناقة والرسمية ، وبلون أسود حالك . مدت سوزي يدها لدايزي مرحبة بها بحفاوة شديدة .

وفي غمرة انشغال الناس بالأحاديث والطعام والشراب ، تصاعد دخان كثيف غطى المكان ، وأثار دهشة المدعوين وفزع بعضهم ، لكن ذلك الدخان سرعان ما بدأ يزول ، وبزواله كشف عن مقعد واسع أبيض اللون
قد ظهر فجأة على تلك اتلمساحة المرتفعة ، وعن طاولة غطيت بغطاء أبيض ووضعت عليها باقات من زهور حمراء ، وكؤوس زجاجية لامعة .
ومن ثم بدأ صوت الموسيقى يصدح في الأرجاء مبددا سكون الليل الحالك ، وعلى أنغام هذه الموسيقى
تقدم اثنان بهدوء على تلك السجادة الحمراء ، واخترقا ما تبقى من ذلك الدخان الأبيض اللون ، صفق الجميع بحرارة وارتفعت بعض الهتافات وأصوات التصفير ، في حين علت صيحة دهشة من دايزي وساندرا وصاحتا معا باستغراب .

كانا ملائمين لبعضهما البعض ، نيكول ببدلته السوداء وقميصه الأبيض ، وربطة عنق سوداء ، وميديا بفستانها السكري الطويل الرقيق ، الذي انساب على جسدها برقة ، كانا رائعين وبسيطين في مظهرهما ، وهذا ما زادهما روعة ، كان ثوب ميديا ضيقا يتسع قليلا في الأسفل عند قدميها ، وشعرها رفعته بأكمله وتركت بضع خصلات مجعدة تتاقط على جانبي وجهها المدور الجميل ، كما وضعت طرحة طويلة جدا وناعمة جدا ، وأمسكت في يدها باقة من الزهور . ثم جاء بعد ذلك موكب من الصغار ، صف طويل من الفتيات يرتدين فساتين بيضاء متشابهة ، ويقف إلى دانبهن صف من الفتية الصغار ، يرتدون بدلات سمراء اللون .

كانت كالملاك السائر على الأرض ، بابتسامتها الرقيقة ، وإيماءاتها الصامتة ، وتلويحها للمدعوين بتأنق ، التقت عيناها بعيني دايزي ، فبان فيهما غبطة غامرة تنضح منهما ، ابتسمت لصديقتها بخفة ورقة ، ولوحت لها فردت دايزي على ذلك بضحكة خفيفة ، وقد بدأت قطرات كثيفة من الدموع تحتشد في عينيها الزرقاوين ، أرسلت لها ميديا قبلة في الهواء وهمست لها بأنها تحبها ، ثم استكملت سيرها بجانب نيكول ، الذي كان قد غمز أندريس بعينه، ورد على عدد من التهاني والمباركات .

سارا حتى وصلا المساحة المرتفعة ، حيث صعدا درجاته بهدوء ، واتجها يجلسان على الكسي الكبير المزين ، أما الحشد الكبير الذي كان يسير خلفهما فقد افترق عند ذلك الدرج ، فاتجهت الفتيات لليمين ، واتجه الفتية لليسار،
ومن بعد ذلك تطاير عدد كبير من الحمام الأبيض ، الذي وباختفائه ، ظهر السيد هاري يرتدي بدلة رسمية اعتلاها ثوب أبيض زينت حوافه بزركشات ذهبية اللون ، يحمل في يده اليمنى كتابا أبيض اللون كذلك .

سار بهدوء ووقار ، وصعد إلى جانب العروسين الشابين ، استدار وحمل مكبر الصوت موجها كلامه للجمهور، وبصوته الجهوري استطاع وبكل سهولة جذب انتباه الجميع :
_ مساء الخير أيها السادة والسيدات .
رد الجميع بود لهذا العجوز :
_ مساء النور .
حدق بهم ثم قال وقد تهللت أساريره فرحا للدور الذي سيقوم به في هذه الحفلة :
_ اليوم لن أكون السيد هاري ، بل سأكون مأذون الزواج السعيد السيد هاري .
استدار إلى العروسين ووجه إليهما ابتسامة خفيفة :
_ ويسعدني أن أكون الشخص الذي يجمع شمل هذين الاثنين .
وضع الكتاب من يده جانبا ، وقال :
_ ولكن قبل أن أجري مراسيم الزواج ، سأقول لكم هذا .
حرك يده في الهواء وهو وكأنه يشرح لهم درسا مهما :
_ سيكون على هذا الشاب الوسيم الجالس هنا ، أن يهتم بالآنسة اللطيفة الجميلة ، وسيكون عليه أن يرعاها ويراعي شعورها ، وأن يكون زوجا وأبا جيدا .
تبسم نيكول وهمس بهدوء :
_ سأكون كذلك ، سيدي ....... على الأقل سأحاول .
رد عليه السيد هاري مداعبا :
_ سيكون من الأفضل لك أن تفعل ، وإلا فإن عقابك سيكون على يدي الهرمتين هاتين .
قال ذلك مشيرا إلى يديه ، ثم حول بصره نحو ميديا الخجولة وقال لها :
_ وأنت أيتها الآنسة سيكون عليك أن تساعدي هذا الشاب الأخرق ، وتقفي معه في السراء والضراء ،
وعليك أن تشجعيه ، واحرصي على أن تطعميه جيدا ، فكما يقال : أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته !!
ضحكت ميديا باستئناس وهتفت :
_ سأفعل ذلك .
قال لها بحب :
_ أعلم أنك ستفعلين .
احتج نيكول :
_ لم يكون التهديد موجها لي فقط ؟؟
رد السيد هاري بمشاكسة :
_ لأنك فتا أهوج ، أما هي قليست كذلك أبدا ، أم أنك تخالفني الرأي ؟؟
هز نيكول رأسه :
_ إنها أجمل ، وألطف فتاة رأيتها ، وهي كذلك الأكثر حكمة بينهن .
صفق الجميع بفرح لهذين العروسين السعيدين ، وبدأ السيد هاري بمراسيم الزواج ، ثم انتهى إلى قوله :
_ آنسة ميديا ، هل تقبلين بالسيد نيكول زوجا لك ، وللأبد ؟؟
ردت بإيجاز :
_ نعم ، أقبل .
ثم سأل نيكول :
_ هل تقبل يالآنسة ميديا زوجة لك ، وللأبد ؟؟
سأل نيكول متظاهرا بالهلع :
_ ولكن ، ألا تظن أن ( إلى الأبد ) بعيدا جدا ؟؟
خرجت من الأفواه شهقات مصدومة ، وكان نيكول يبدو مستمتعا بوجه ميديا الذي شحب قليلا ، حك رأسه بهدوء، وقال بحب :
_ وهل لي أن أرفض ؟؟ أنا وبكل تأكيد أقبل .
تهلل الجميع فرحا ، وصاح بعضهم مهددا نيكول بالقتل كان من بينهم ساندرا ، التي توعدته بالقليل من الأفاعي في سريره .

وارتفعت الموسيقى الصاخبة تصدح في المكان ، فترك الناس كؤوسهم وطعامهم ، واندفعوا جميعا إلى الوسط يرقصون ويهنؤون ، أما دايزي فقد اندفعت ناحية ميديا بسرعة شديدة وعانقتها بفرح ، تأرجحت الفتاتان قليلا ،
وصاحت دايزي بفرح غامر :
_ مبارك لك عزيزتي ، أنا مسرورة جدا .
ترقرق الدمع في عيني ميديا ، وهي ترد :
_ شكرا لك دايزي ، حقا شكرا لك .
صاح نيكول بهلع :
_ لماذا تبكين عزيزتي ؟؟ أتريدين أن يقطع السيد هاري رقبتي الآن ؟؟
ضحكت دايزي :
_ أنا من سيقطع هذا العنق نيكول ، لأنك اختطفت أعز صديقاتي مني .
مد نيكول يده وتلمس عنقه ، وردد بهدوء :
_ الكثيرون يسعون خلفك ، يبدو أن علي تخبئتك !!

تقدم أندريس من الخلف يحمل كأسا زجاجية وبرفقته ليسندر ، ألقى تحية المساء ، وبارك لميديا ، ثم عانق نيكول
وقدم له مباركته ، ربت نيكول على ذرا أندريس :
_ شكرا لك على المساعدة ، لن أنسى لك هذا .
رفع أندريس كأسه :
_ أنت على الرحب والسعة ، في أي وقت .
تبسم نيكول ، ثم احتضن سان التي أقبلت من بعيد وحيا سوزي التي جاءت معها وشكرها ، لتدبرها أمر زينة الحفل ، وكل الترتيبات الأخرى من ملابس وزينة العروس وتسريحة شعرها ، وبطاقات الدعوة وكل الأمور الأخرى .
[/frame]
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس